الفارس الشيخ محمد بن دحيلان

d7elanphoto 

محمد بن دحيلان أبو تايه الحويطات، ولد عام 1880 في جنوب الأردن لعشيرتين كريمتين، فوالده من عشائر أبو تايه ووالدته من عشائر المراعية من قبيلة الحويطات المنتشرة عشائرها على امتداد بادية الأنباط الأردنية التاريخية .

نشأ ابن دحيلان وسط رجالات هذه القبيلة المعروفين لدى القبائل الأخرى بالكرم والجود، والذين يعتبرون من الفرسان الأردنيين الذين يتمتعون بشجاعتهم المعهودة ، فتميزوا بقدرتهم على فرض ندية أردنية مقابل صلف جبروت الاحتلال التركي الذي حوّل نمط الحياة الحضرية التاريخية في الأردن الى البداوة بعد انتهاجه لسلسلة جرائم حرب تجاه المجتمع الأردني، حيث شملت العمليات التخريبية للاحتلال التركي كل مناحي الحياة عبر شنّه حرب اقتصادية وعسكرية على فرسان العشائر الأردنية دفعت الأردنيين أمام هذا الصلف الممنهج لتغيير نمط حياتهم الممتد حضاريا منذ أقدم العصور الى نمط التنقل وعدم الثبات في سياسة ذكية انتهجها أجدادنا للقدرة على مواجهة أخطر أربع قرون من الاحتلال المغلف بستار الدين.

شيخ الدولة

ولما كان الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه يتمتع بصفات الزعامة والقيادة التفّ حوله كثيرٌ من عشائر أبو تايه والفريجات عامة مما دفع الدولة العثمانية للسعي لاستمالته وتنصيبه الممثل لعشائر الحويطات لديها.

 ومن هنا جاءت تسميته بشيخ الدولة، وقاموا بمنحه العديد من الأوسمة والامتيازات إلا أن حسّه الوطني وروحه الأردنية الضاربة بعمق غلب تلك الإغراءات والإمتيازات.

وكان له دور مبكر في مقاومة الاحتلال التركي أثناء ثورة الكرك في عام 1910 حيث تشير الوثيقة العثمانية ملف رقم DH-SYS (5-2) 61 وثيقة رقم 7(99،409/2)   على دور عشائر الحويطات وتذكر اسم الراحل البطل محمد بن دحيلان وابناء عمومته بالاسم حيث تنص الوثيقة :  “كانت مشاركة عشائر الحويطات فيها بقيادة عقداء الخيل الفارس محمد بن دحيلان أبو تايه والفارس زعل بن مطلق والفارس عودة بن زعل  والفارس حمد بن عرار الجازي”، وكانت هذه المشاركة اضاءة على عمق الوعي التحرري من الاحتلال التركي لدى أبناء المجتمع الأردني وفرسان عشائره.

دوره في الثورة العربية الكبرى

وفي أول فرصة سانحة قام الراحل الشيخ محمد بن دحيلان بزيارة الشريف الحسين بن علي طيّب الله ثراه في مكة المكرمة، وكان ذلك في أواخر عام 1915 مبدياً استعداده ورجال قبيلته للإنضمام للثورة العربية فور إعلانها، وقد نفِّذت هذه الوعود جميعها، حيث كان على رأس مستقبلي الأمير فيصل بن الحسين في الوجه عند إندلاع الثورة.

كان ابن دحيلان العقل المدبر للعشيرة، وصاحب رؤية مستقبلية ثاقبة وذكاء منقطع النظير، وإذا تكلم أقنع من حوله ومن هنا جاءت تسميته بأبو البلاغة.

337
الشيخ محمد بن دحيلان ( يسار الصورة ) بجانبه الشيخ ناصر بن مسلم ( متكئا ) في خيمة بن دحيلان أثناء التحضير للعمليات العسكرية للثورة العربية الكبرى في الأردن

ما ذكر من صفاته 

ومما جاء عنه في كتاب أعمدة الحكمة السبعة لكاتبه توماس ادوارد لورنس الذي وصفه بما يلي:

( كان ثرياً وكريماً، كان يعرف ويعالج مسائل رجال العشائر بحنكة، وكانوا يحترمونه حيث أنه كان نزيهاً ومتواضعاً وحكيماً ).

14459883_10211184589750975_1632744596_n
الشيخ الفارس محمد بن دحيلان ممتطيا ذلوله في مضاربه في الطبيق عام 1914

ويسترسل كتاب اعمدة الحكمة السبعة بالوصف الشخصي والذهني للفارس الشيخ حيث يشير بأن  محمد بن دحيلان كان رفيقاً أنيساً حلو المعشر قوياً مفكراً لديه الكثير من روح الدعابة، قوي البنية، طويل القامة بوضوح، عمره آنذاك كان 38 سنة (عام 1917)، له أتباع موالون إليه أكثر من غيره، ولديه بيت في معان فيه قطيع من النعام، وآخر فيه قطيع من الغزلان بالقرب من الطفيلة، ومنزل آخر في ضور في منطقة الشراه، ومنزل في الجفر ، وكان عقلا مدبرا للمجالس العشائرية وموجها لسياستها، حيث أن الخطط العسكرية بحاجة لتأييده قبل تنفيذها.

14459128_10211184589830977_988926092_n-1
في هذا التصريح يكشف لورانس بنفسه حجم التناقض و الكذب في رواياته السابقة التي كان يدعي بها قيادته و تخطيطه لعدد من معارك الثورة ، إذ أنه يصرح بشكل جازم أنه ما كان بالإمكان التخطيط أو التنفيذ للمعارك دون مشورة الشيخ بن دحيلان و موافقته

ردّ الغدر التركي بنعله

ويصف أحد مواقف غدر الاحتلال التركي مدى فطنة أبو البلاغة الشيخ محمد بن دحيلان حيث كان فرسان العشائر الأردنية متحلقين حول النار في المساء أثناء السمر، في حين كان صانع القهوة يقوم بغليها وقبل أن يصبها للشرب، جاءت نحوهم صليه من الرصاص من صوب الكثبان الرملية الواقعة في الشرق، فانبطح أحد الرجال وزحف للأمام وهو يصرخ مذعوراً، فيما كان الوحيد الذي تحرك بفطنة هو الشيخ محمد بن دحيلان حيث دفع موجة كبيرة من التراب بقدمه فوق النار التي سرعان ما انطفأت بسرعة وأصبح الجميع في ظلام دامس بعد أن أطفأ النار فوراً حتى لا يكونوا هدفاً واضحاً لنيران العدو ، وبذات هذا الموقف  بعد أن بات الظلام ساتراً بين فرسان العشائر الأردنية وقوات الاحتلال التركي كانت الفرصة لتغيير الموقع باتجاه الكثبان والسواتر المحيطة وامتلك فرسان الثورة العربية الفرصة للوصول إلى البنادق، وتوقف العدو التركي المحتل وحلفائه الألمان والنمساويين عن الرماية تدريجياً، وفي صباح اليوم الثاني سار الفارس محمد بن دحيلان وفرسان العشائر الأردنية في معركة تحرير الأردن  تحت أشعة الشمس المشرقة بموازاة خط سكة القطار العسكري.

14445756_10211150706983927_1422589499_n

وكما ورد في نفس المصدر فإن محمد بن دحيلان أبو تايه ورجاله قاموا منفردين بتعطيل سكة الحديد الممتدة 80 ميلاً و محطاتها السبعة جنوب الأردن، والاستيلاء على الخط الممتد بين معان و المدورة و الذي كان بيد الجيش التركي وتحت سيطرة حامياته، و بذلك أنهى محمد بن دحيلان الخط الدفاعي التركي النشط و الموصل إلى المدينة المنورة .

ومما جاء عن محمد بن دحيلان في كتاب تاريخ الأردن في القرن العشرين للمؤرخين منيب الماضي و سليمان موسى :

( وقد فوجئ الأتراك بهذه الهجمة الصادقة فارتبكوا وحاولوا الفرار، ولكن الحلقة التي ضربها العرب حولهم لم تمكنهم من ذلك، وسرعان ما انتهت المعركة بمقتل ثلاثمائة وأسر مائة وستين من الأتراك. ولم يتمكن من النجاة إلا عدد قليل من الجنود فرّوا على ظهور البغال أو الخيول، ولاحق محمد بن دحيلان الفارين على رأس فصيله من جماعته وتبعهم حتى المريغة، ولم يخسر العرب في هذه المعركة سوى شهيدين أحدهما رويلي – من قبيلة الرولة – والآخر شراري- من قبيلة الشرارات -).

14470676_10211184589430967_375495712_n
قادة قوات الثورة في القويرة يتأملان رايتهما الجديدة ( راية الثورة ) سمو الأمير فيصل بن الحسين ( يسار حامل الراية ) والشيخ الفارس محمد بن دحيلان ( يمين حامل الراية ) رافعا بندقيته

أما الرّحالة جيرترود بيل 1914م فقد وصفت الفارس الشيخ محمد بن دحيلان في  (يوميات الجزيرة العربية – مغامرة خارجة عن القانون ) بقولها :

( محمد بن دحيلان أبو تايه شخص يتسم بضخامة جسمه الصلب كالحجارة، وأوضح ما فيه عيناه الثاقبتان يتحلى بالأدب الجم وبعد تقديمه واج الضيافة لنا، واهدائي بعض الهدايا وكانت إحدى الظباء الصغيرة الجميلة التي يحتفظ بعدد منها في خيمته الضخمة، تلك المخلوقات الصغيرة والجميلة والفاتنة، وجلد نعامة جميل ملون بالأبيض والأسود، تحول فجأة لاستجوابي فيما إذا قد حصلت على إذن من الحكومة للقيام برحلتي هذه أم لا، وما إذا كان البدو يحبون رؤية الأجانب في ديرتهم وكان محمد يمثل قبيلته لدى الحكومة العثمانية وعلى صلة وثيقة بقائم مقام معان، وكان هذا الشيخ يتحلى بدبلوماسية راقية ).

gift
صورة الظبي التي أهداها الشيخ محمد بن دحيلان للرّحالة جيرترود بيل 1914م

ونقتبس هنا بعضاً مما جاء في كتاب المؤلف براك داغش ( نسب وتاريخ الحويطات بالجزيرة العربية) فقد جاء فيه  :

( إن الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه هو نظير عوده أبو تايه بالنسبة لرئاسة عشائر الفريجات وما يتبعها من عشائر الحويطات بالأردن، وبالنسبة للشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه هو الذي يقوم في مصالح عشائر الحويطات لدى الحكومة التركية وهذا لا ينكره التاريخ ولا الحويطات عامة على أن محمد بن دحيلان أبو تايه هو الشيخ تجاه الحكومة آنذاك، وهو أول رجل من البدو الرّحل عامة يقتني السيارة حيث يوجد حطامها الآن في وادي أبو طريفيات، ويقع هذا الوادي شرقاً من مركز باير والذي يبعد أربعين كيلومتراً. وعند قدوم الأشراف في وقت الثورة الأولى والتي فجرها الحسين بن علي طيب الله ثراه كان من أول مستقبلي الأشراف) .

بن دحيلان يمنع القصف الانجليزي لمعان

و في سرد شهامته و غيرته على أهله ووطنه لا يمكن غض الطرف عن موقف الراحل الصلب في وجه قوات الحلفاء بمنع  خطة الانجليز الرامية لقصف قطاعات الأتراك المتمركزة في مدينة معان بالطائرات حيث كان الأتراك يستخدمون المدنيين كدروع بشرية  و قام بإيقاف هذه العملية و هكذا تركت هذه المدينة الأردنية وأهلها آمنين .

329jpg
الشريف ناصر بن علي يتوسط أبناء العمومة الشيخ محمد بن دحيلان و الفارس عودة أبو تايه أثناء التخطيط لعمليات الثورة في الوجه شمال الحجاز

محبٌّ للعلم و التعليم

ومما روي عن محمد ابن دحيلان أبو تايه ممن عاصروا حقبة من حياته الشيخ علوش داغش أبو تايه وكريم حرب أبو تايه والشيخ ابراهيم الرواد (أول رئيس لبلدية لمعان) والشيخ محمد حسين الشراري والشيخ قاسم محمود كريشان والشيخ ساري محمد أبو تايه ( أنه كان يحبُّ العلم والتعليم مما دفعه إلى تعيين معلم خاص لأنجاله يسير معهم في حلّهم وترحالهم مقابل راتب شهري وقد اقتبس هذه الفكرة من قبل الجيش الأردني آنذاك ) وتم تعميمها فيما بعد على نطاق أوسع. ومن الجدير بالذكر أن إحدى كريمات الشيخ ابن دحيلان «المربية الفاضلة السيدة شاز» كانت من أوئل من حصل على شهادة جامعية من نشميات  الأردن وآخر منصب لها قبل التقاعد كان مديرة كلية المغفور لها الملكة زين الشرف.

1914-r7ala-gertrod-bil
الشيخ الفارس محمد بن دحيلان في خيمته بالطبيق مع احد رجالة عشيرته أثناء لقائه بالرحالة جيرترود بيل – 1914

دوره في المسيرة الوطنية للأردن الحديث

بعد نكوص الحلفاء المنتصرين و نقض عهودهم لجلالة ملك العرب الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه وقادة الثورة و احتلال فرنسا لسوريا، عمّت الفوضى و الإحباط المنطقة، و عليه فقد كان الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه من الزعماء الذين خاطبوا الشريف الحسين بن علي يلتمسون ايفاد أحد انجاله ليقود الحركة الوطنية الأردنية .

14429327_10211150710424013_1804552937_n
صك رسالة الشي محمد بن دحيلان و شيوخ معان للشريف الحسين بن علي للمطالبة بايفاد أحد انجاله ليقود الحركة الوطنية الأردنية 1339 – 1920

و بتاريخ 21 تشرين الثاني 1920 كان سرور الشيخ عظيماً عند استقباله سمو الأمير عبد الله بن الحسين ( جلالة الملك عبد الله الأول بن الحسين فيما بعد ) حال وصوله الى معان موفداً من جلالة والده تلبية لرغبة الأردنيين.

و في هذا السياق فقد أجمع كل من عرف محمد بن دحيلان أبو تايه و عمل معه على أن حسّه الوطني غلب كل شيء في حياته، و قد بادر فور وصول سمو الأمير الى معان بوضع نفسه مادياً و معنوياً تحت تصرف سموه داعماً بذلك بناء الأردن الحديث وعودة الأردن إلى مساره التاريخي الطبيعي بعد انقطاعه عن حركته الحضارية لأربعة قرون من الاحتلال في عصور من الظلام المغلف بتجارة الدين، وفي وقت عصيب متقلب دعم الراحل محمد بن دحيلان تلك الحركة التنظيمية التحريرية و بكل ما يملك من ثروة مادية و تأثير عشائري كبير .

و قد حظي الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه باستقبال جلالة الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه عند قدومه الى العقبة من ميناء جدة في زيارة للأردن بتاريخ 9 كانون الثاني عام 1924 و قد كان في ركب جلالته حتى مدينة معان .

ريف اليتامى 

أحب الصحراء وعشقها وأحب مدينة معان، فبالرغم من داراته المنتشرة في مناطق جنوب الأردن إلا أنه كان يمضي وقتاً أطول في مدينة معان، وإضافة لما كان يرعاه من أيتام وأرامل في البادية فقد خصّص جزءاً من منزله الواسع في معان كمسكن دائم لبعض الأرامل والأيتام وأبناء السبيل المقطوعين ومن عادات الشيخ الشهم محمد ابن دحيلان المستحبة الأخرى رحمه الله أنه كان يقدم كل يوم خميس حاضراً كان أم غائباً ولائم الطعام في ساحة منزله في معان للفقراء والأيتام ولمن انقطعت بهم السبل هناك، وقد سار على نهجه في هذا المجال وأبقى الأمر على ما هو عليه نجله المرحوم ” مضحي ” الذي استقر وتوفي ودفن في مدينة معان.

وقد كان أهل البادية يعتبرون هذا المنزل بيت ضيافة مفتوح لهم باستمرار وفي الواقع ظل كذلك إلى أن جاء فيضان معان المؤلم في أوائل الستينات حيث دمر هذا المنزل كما دمر الكثير من بيوت مدينة معان.

قيل في محمد بن دحيلان

و مما قاله بعض شعراء البادية في وصف الشيخ محمد دحيلان ابو تايه ، نقتطف قصيدة للشاعر السيد عدوان أبو تايه قال فيها  :

يا جاهل التاريخ نعطيك عنوان

نبذ عن اللي ماضيـــات أفعاله

الشيـــخ أخو طرفة[1] ابن دحيلان

ريف الضعافا في سنين المحاله[2]

محــمد اللي كامــل كل الأوزان

يشهد له التاريـــخ في كل حاله

بليهان شيــال المثاقـــل بليهــان[3]

لو زاد وزن الحِمـــل عليه شاله

يا ما تلونه [4]فوق طلقات الإيمـــان

عقيــــد هجنن باتـــلات[5] بحـــاله

يشهد له التاريخ من ماضي الازمان

يـــوم الفعـــايل بالمهند مجـــاله

حــر و عقـــب من مجانيــــه [6]شبعان

بالفـــعل و النومــاس مثله عياله

حــــرار من حـــــرار من قبل الان

عز الضعيف اللي تروت[7] أحواله

و صلاة ربـــــي عد هتــاف الأمزان[8]

و عــــداد ما هلـــّت حقوق خياله

على الشفيـــع الهاشمي نســـل عدنان

شفيع الامــة يوم ســـاعة الهواله

فرسان كرام من نسل فارس

رزق الفارس الشيخ محمد بن دحيلان من الأبناء الذكور ستة وهم سويلم وهو الابن الأكبر ومما جاء عن دوره وفروسيته في عدم الاكتفاء بتحرير وطنه الأردن الذي يعشق بل ساهم في معارك فلسطين (1948) و حسب ما ورد في كتاب تاريخ الأردن في القرن العشرين، ومجلة الأقصى العدد رقم 963 إن سويلم بن دحيلان كان على رأس إحدى فصائل أبناء العشائر (الفصيل من 30 – 50 مناضل) التي شاركت في النضال في حروب عام 1948 في فلسطين وبلغ عدد فرسان العشائر الأردنيين الذين أمكن حصرهم   1200 فارس معظمهم من عشيرتي الحويطات وبني صخر، ومن أبنائه أيضاً سالم، الهزيل ، و ملاّح الذي كان أحد أبطال وشهداء الجيش العربي في معركة القدس الشهيرة عام 1967.

14459707_10211183750209987_1983060368_n
الشهيد البطل ملّاح بن محمد بن دحيلان – أحد أبطال الجيش الأردني في معارك البطولة على بوابات القدس 1967

 وأما مضحي فقد ورد ذكره في سياق البحث أعلاه، أما أصغر أبنائه فهو نايف الذي كان من أوائل ضباط الجيش العربي وقد تلقى تدريبه العسكري في كل من بريطانيا و الباكستان و أمضى معظم خدمته العسكرية في فلسطين، وقد سار جميع أنجاله على دربه فقد كانوا كما تصفهم العشائر الأردنية (طعّامين زاد فكَاكين نشب)

وفاته

توفي محمد بن دحيلان رحمه الله عام 1939 في معان المدينة التي أحبها ودفن في مقبرتها الشرقية.

وقد ذكر الشاعر البدوي بعض هذه صفاته في رثائع بقوله :

محمد أخو طرفة بيِن بذكـــره

لكن ظلام الليــــل يتقى نهـــاره

يشهد له التاريخ في كل حالة

ريف الضعافا لا غليت اسعاره

المصادر والمراجع:

  • أعمدة الحكمة السبعة – توماس إدوارد لورنس .
  • يوميات الجزيرة العربية مغامرة خارجة عن القانون – جيرترود بيل
  • نسب وتاريخ الحويطات بالجزيرة العربية – براك داغش
  • تاريخ الأردن في القرن العشرين- منيب الماضي وسليمان الموسى
  • الحويطات من كبرى قبائل العرب – عدنان عطاري
  • مجلة الأقصى العسكرية العدد 963
  • مذكرات جيرترود بيل – مكتبة جامعة نيوكاسل.
  • الأرشيف العثماني .
  • مجموعة ممن عاصروا حقبة من حياة الشيخ محمد بن دحيلان .
  • ثورة الكرك 1910 “الهيَّة”/ إرث الأردن

معاني مفردات القصيدة

[1]  أخو طرفة هي نخوة محمد بن دحيلان

 [2] المحالة : القحط

[3] بليهان : جمل المحامل

[4] تلونه : تبعه

[5] باتلات : مصممات

[6] من مجانيه : من رافقه

[7] تروت : ضعفت

[8]  هتاف الأمزان : حبات المطر

الفارس الشيخ محمد بن دحيلان أبوتايه

دور النشميات الأردنيات في الثورة

 نشميات الطفيلة

لم تغب شمس النشمية الأردنية عن تاريخ البطولة وكانت دوما المرأة الأردنية ركناً لا هامش في تاريخ التضحيات في سبيل استقلال الأردن وأساساً في التنمية في وقت الرخاء ومنذ القدم  نرى صورتها جنباً الى جنب مع شريكها الأردني كما بعملة الملك الحارث الرابع وزوجته شقيلات.

وفي العصر الحديث ضربت جداتنا أروع صور البطولة في مواجهة أربع مائة عام من الاحتلال التركي والتجهيل والفقر والسرقة تحت ستار الخلافة والتجارة بالدين  وسارت النشميات جنباً الى جنب مع فرسان العشائر الأردنية  حتى تحقق الحلم الأردني بالاستقلال وعودة الأردن الى مساره الطبيعي في  الاسهام والتفاعل الحضاري.

ونحاول في هذا البحث المقتضب سرد المواقف التاريخية البطولية لنشميات الطفيلة في رحلة تحرير الأردن من الاحتلال التركي العثماني:

تعتبر معارك الطفيلة أثناء تحريرها من الاحتلال التركي العثماني وحلفائه الألمان والنمساويين مفصلاً مهما في استقلال الأردن أثناء الثورة العربية الكبرى، وكان دور المرأة الأردنية في معارك الطفيلة التي عرفت بحد الدقيق أسطورياً فلم يكتفين بتقديم العون المعنوي والتعبئة النفسية بل تعدين ذلك الى تقديم كوكبة من الجريحات والشهيدات على درب الاستقلال الأردني من أعتى سنين الظلام والجهل والتهميش في حقبة الاحتلال باسم الدين. فكان طرد قطعان الأتراك والنمساويين والألمان المتحالفين في حينها لن يتم بلا الدماء الطاهرة والزكية التي بذلتها حرائر الطفيلة.

للاطلاع على البحث الكامل لمعارك الطفيلة اضغط هنا 

يقول الضابط صبحي العمري في أوراقه عن المعركة : “ودب الصوت بين أهل البلدة، و ( دب الصوت ) يعني أنهم صرخوا بأعلى أصواتهم يحثون الرجال للذهاب للقتال، ويكرره كل من يسمعه من رجال ونساء، وينتقل من جماعة لأخرى، ويسيرون نحو المكان المقصود جماعة، بل كل واحد ممن يسمع الصوت يتناول سلاحه، و يأخذ أولا شيئا مما تعطيه له أمه أو زوجته من الزاد ويتوجه فورا،  واذا كان المكان غير بعيد فإن النساء يتعقبن الرجال بالماء“.

وتتطرق مذكرات قادة وأبطال معارك الطفيلة لفعل النساء أيضاً في المعركة: “وكنا نشاهد امرأة هنا تعبر الطريق ذاهبة وأخرى قادمة في مهمة، وكل واحدة تشد مدرقتها بحزام، تعين جريحا أو تنقل جثّة قريب لها، إن دور النساء أملته الضرورة والأهمية لوجودهن، فكل رجال البلد في حومة الحدث، وكل من رأيت يشدّ وسطه وصدره بالرصاص”.

قوات الثورة العربية الكبرى على إحدى مرتفعات الطفيلة أثناء عمليات تطهيرها من الاحتلال التركي و تظهر الدخان المتصاعد من البيوت جراء قصف المدفعية الألماني و النمساوي
قوات الثورة العربية الكبرى على إحدى مرتفعات الطفيلة أثناء عمليات تطهيرها من الاحتلال التركي و تظهر الدخان المتصاعد من البيوت جراء قصف المدفعية الألماني و النمساوي

ويشير البطل صبحي العمري لمثل ذلك في أوراقه وهو مع الأمير زيد بن الحسين وجعفر العسكري ومن معهم، وهم يتوجهون للوصول إلى الإقامة في مخيمهم في خربة نوخه  ” وأثناء الطريق مرت بنا امرأة تسوق حمارا يحمل جثتين ملفوفتين بعباءتين، تسوق الحمار وهي تئن بصوت مختنق، ولما سألت النساء الأخريات قلن : – إنهما جثتا زوجها وأخيها قتلتهما قنبلة مدفع تركي “. وإذا استشهد مقاتلون في المعركة أو جرحوا فإن النساء المتواجدات في المعارك قد أصابهن ذلك أيضا كما سننوه له في قوائم الشهداء والجرحى.
وكما فعلت النشميات الكركيات في ثورة الكرك ( الهية ) كانت النشميات الطفيليات أثناء عمليات القتال توجهن الفرسان لميادين الالتحام في حدّ الدقيق ويقدِمن على وضع رماد النار في علائق خيول فرسان الطفيلة بدلاً من مادة الشعير لإشعال صدور الخيول بالحرارة والهيجان.

و يمكن تلخيص دور نشميات الطفيلة في معارك تحرير الطفيلة كما باقي نشميات الثورة بمجموعة هامة من الأدوار الرئيسية في الثورة نذكر منها :

  1. تزويد المقاتلين بالمال و الصيغ و الحلي لشراء السلاح  قبل بدء المعارك التحرير
  2. تزويد المقاتلين بالمؤن  في معارك التحرير.
  3. رفع الروح المعنوية لفرسان الثورة من عشائر الطفيلة و دفعهم للقتال .
  4. المشاركة الفعلية في العمليات العسكرية في ميدان معركة حد الدقيق .
  5. القيام بعمليات الاسعاف و الطبابة للجرحى من المقاتلين.
  6. ارسال الرسائل بين فرسان الثورة و شيوخ عشائر الطفيلة و القيام بعمليات التمويه.
140
قطعان الأسرى الاتراك يقودها ضباط جيش الثورة و فرسان العشائر الأردنية بعد معركة حد الدقيق و تطهير الطفيلة من الاحتلال التركي

ونورد فيما يلي أسماء الجريحات من جداتنا في الطفيلة واللاتي ارتقى منهن شهيدات متأثرات بجراحهن :

أسماء الجريحات ومن ارتقى منهن فيما بعد شهيدات متأثرات بجراحهن في معركة حد الدقيق لاستقلال الأردن
1.     ثريا خميس الدلابيح
2.     حسنة عبدالغني الشباطات
3.     شيخة القليلات الزيدانيين
4.     صبحية الحجاج البحرات
5.     صبحية العمايرة
6.     فاطمة ضيف الله العمايرة
7.     فضية عبدالرحمن الجرابعة

وتزدان ساحة دوار العيص بقرب البوابة الرئيسية لجامعة الطفيلة التقنية بنصب تذكاري نقش عليه اسماء الشهيدات من جداتنا من حرائر الطفيلة اللاتي دفعن مهر حريتنا من دمائهن.

%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%8a%d8%b5-%d9%85%d9%8a%d8%af%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%a8%d8%b1%d9%89-4

%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%8a%d8%b5-%d8%b5%d8%b1%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%87%d8%af%d8%a7%d8%a1-3

المراجع :

  1. الثورة العربية الكبرة ( معارك الطفيلة – صور من البطولة ) ، سليمان حمّاد القوابعة ، أزمنة للنشر و التوزيع ، الطبعة الأولى، 2008 .
  2. الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد بن الحسين / سليمان الموسى، دائرة الثقافة والفنون.
  3. المعارك الأولى : الطريق إلى دمشق، صبحي العمري، أوراق الثورة العربية؛ رياض الريس للكتب والنشر، لندن، بريطانيا ؛ ليماسول، قبرص ، 1991، ط. 1.
  4. الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل خولة ياسين الزغلوان ، و فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر،2011.
  5. ذكرياتي عن الثورة العربية الكبرى، محمد علي العجلوني، مكتبة الحرية ،عمّان ، 1956 .

نساء الثورة – نشميات الطفيلة

دور النشميات الأردنيات في الثورة

 مشخص وبندر و شفق المجالي

 

14329265_968038110007984_605238304_o

 

لم تغب شمس النشمية الأردنية عن تاريخ البطولة وكانت دوما المرأة الأردنية ركناً لا هامش في تاريخ التضحيات في سبيل استقلال الأردن وأساساً في التنمية في وقت الرخاء ومنذ القدم  نرى صورتها جنباً الى جنب مع شريكها الأردني كما بعملة الملك الحارث الرابع وزوجته شقيلات.

وفي العصر الحديث ضربت جداتنا أروع صور البطولة في مواجهة أربع مائة عام من الاحتلال التركي والتجهيل والفقر والسرقة تحت ستار الخلافة والتجارة بالدين  وسارت النشميات جنباً الى جنب مع فرسان العشائر الأردنية  حتى تحقق الحلم الأردني بالاستقلال وعودة الأردن الى مساره الطبيعي في  الاسهام والتفاعل الحضاري.

ونحاول في هذا البحث المقتضب سرد المواقف التاريخية البطولية لنشميات الكرك في رحلة تحرير الأردن من الاحتلال التركي العثماني:

عندما قاد سامي الفاروقي طوابير عسكره المحتلين إلى الكرك، من أجل إخماد الثورة الوطنية الأردنية ضد الاحتلال التركي العثماني، استخدم كل ما توفر من قمع وقوة السلاح المعززة بالمدافع، ولاحق الرجال والنساء والأطفال، وقد أدرك الدور المؤثر الذي اضطلعت به المرأة الأردنية بتوفير الإسناد والدعم ورفع الروح المعنوية وتقديم الاسناد فمنهن من بعن ذهبهن لتمويل الثورة ضد الاحتلال التركي فكنّ هدفا للمحتل التركي لذا عمل على ملاحقتهن خلال إخماد الثورة فبدأ فرسان الهية إخلاء النساء والأطفال من المدينة والمناطق التي يصل إليها جيش الاحتلال التركي العثماني الذين ارتكبوا فظائع كثيرة سجلها التاريخ الرسمي والذي ورد بتفاصيله في أبحاث ثورة الكرك.

قلعة الكرك إبان انطلاق ثورة الكرك مطلع القرن العشرين
قلعة الكرك إبان انطلاق ثورة الكرك مطلع القرن العشرين

للاطلاع على البحث الخاص بثورة الكرك اضغط هنا 

 خرجت مشخص وبندر المجالي مع بعض النساء هاربات إلى الجنوب بحماية بعض الرجال، من أشهرهم الفارس البطل صخر المجالي الذي استشهد وهو يُشاغل عسكر الاحتلال التركي العثماني حتى ابتعدت النساء عن متناول يد جنود الاحتلال.

النشمية الشيخة بندر بنت فارس باشا المجالي

وقد خلدن نساء الكرك الشهيد صخر في أهازيج الأعراس لفروسيته وتضحيته بغنائهن:

 صخر يا صخر يا كاسر الطوابير.

فيما يقول المؤرخ السوري منير الريس في تأريخه لحادثة استشهاد صخر: ( لقد عادت مخيلتي في تلك الليلة إلى الكرك وظلت في مخيلتي صورة المآتم في الكرك. والنسوة في حلقات مشعثات الشعور، ملطخات الوجوه، مشققات الجيوب، يبكين وينشدن: (صخر! يا صخر ! يا كاسر الطوابير).

قُبض حينها على النشميات بندر ومشخص المجالي في الشوبك التي ثارت مسبقا على الاحتلال التركي وأُرسلن إلى سجن معان سيء الذكر المعروف لدى العثمانيين بكمّ المجازر التي ارتكبوها ضد الأردنيين فيه. وكان الهدف من وراء سجن بندر ومشخص يتلخص بقطع عملية جمع الصيغة من نشميات الكرك واستخدامه في تسليح الثوار الساعين للاستقلال خاصة وأن ثورة 1910 التي بدأت في الكرك قد امتدت من العقبة الى البلقاء وكانت في طريقها لتوحيد باقي الأردنيين لذا فقد أصبح قطع الامداد التمويلي التي أدارته الشيخات مشخص وبندر مسألة وجودية لجيش الاحتلال. أما الهدف الآخر فكان باعتقاد العثمانيين أن سجنهم للنساء سيكسر عزة وكرامة الأردنيين فأتاهم الرد بعد ست سنوات بالثورة العربية الكبرى.

كانت الراحلة النشمية بندر المجالي حاملاً بحابس ابن الشيخ رفيفان المجالي (رئيس هيئة الأركان في الجيش العربي الأردني  وبطل معارك باب الواد واللطرون في القدس وقاد الجيش الأردني فيما بعد في أدق الظروف السياسية التي أحاطت بالأردن) وولدته في السجن وأسمته لهذا السبب حابس كناية عن الولادة بالحبس.

718a6725-338x400
الزعيم البطل ارفيفان المجالي

 

 

14657713_10211330088908363_1777864017_n
الشيخة بندر المجالي و حولها نساء بني عطية و الحويطات أثناء ولادتها للبطل حابس المجالي – صورة للفنانة التشكيلية هند الجرمي

 

 

 

th_787167873_habismajali_jormulti-blogspot-com_-mohammadandirshaidjaraidaalmashagba43_122_30lo
البطل المشير حابش باشا المجالي

لم يسجل التاريخ الرسمي ولم نجد في المرويّات الشعبية للتاريخ شيئاً عن سجن المرأة في ذلك الزمن وأغلب الروايات التي وصلت إلينا تتحدث عن ايداع المرأة المذنبة لدى شيخ الحارة أو المختار أو شيخ القبيلة ولكن المحتل العثماني اعتاد على أدنى درجات الخسة والوضاعة في أسلوب استخدام الرهائن الذي امتهنه لكسر إرادة الأردنيين.

وقد خلدت الأشعار الشعبيّة الأردنية النشميات وجعلت من مشخص المجالي شخصيّة بارزة في الثورة مما جعلها هدفاً للسلطة العثمانية لتقوم بسجنها مع بندر، تنفيذاً لعقوبة على جريمة سياسيّة،  كما أن مشخص أخذت موقفاً من حالة مجتمعها في ذلك الزمن بتحريضها لزوجها الشيخ قدر المجالي على الثورة.

وكان هنالك شقيقة لمشخص ذات دور بطولي لم يأخذ حقه بالتوثيق والتأريخ  وهي شفق المجالي والتي قامت عندما أخذها الأتراك بالتظاهر أمامهم بالجنون وبدأت تقوم بــ نثر التراب على رأسها من أجل أن يطلقوا سراحها وبالفعل قام الأتراك باطلاق سراحها وكانت غاية شفق المجالي أن تقوم بتبليغ فرسان العشائر الأردنية عن موقع مشخص وبندر وفداحة وخسة ما حصل من أسرهما وباقي النساء وذلك من أجل المسارعة في تحريرهم من أيدي الاحتلال العثماني.

وكما أيضاً من بطولات المرأة في ذلك الوقت حيث يقدِمن على وضع رماد النار في علائق خيول الفرسان بدلاً من مادة الشعير لإشعال صدور الخيول بالحرارة والهيجان.

وكما أسلفنا لم تسجل المروّيات الشعبيَة ولا التاريخ المدوّن أية إشارة عن السجينة السياسيّة في منطقة الشرق الأوسط قاطبة حتى عام 1910 (أحداث ثورة الكرك) بذكرها لأولئك الأردنيات الخالدات.

لقد أصبحت بندر ومشخص المجالي رمزاً وطنياً متفرداً، يكشف ما تمتعت به المرأة الأردنية منذ فترة مبكرة من مكانة، مكنتها من إدراك دورها وأداء واجبها بمبادرة فطرية، مستعدة بذلك لتحمل الثمن الباهظ، حتى وإن خسرت زوجها أو شقيقها، أو حتى حياتها، لأن الأوطان لا تبنى ولا تصان إلا ببذل الغالي والنفيس، وحمل الأحرار لأرواحهم على أكفهم إذا ما ادلهمت المخاطر وعصفت الأحداث بالأرض والإنسان، فتحية للأردنيات المنافحات عن الكرامة والمبادئ السامية، والسجل الوطني حافل بالنساء الكثيرات اللواتي قدمن للوطن ما لم يقل عن ما قدمه الرجال في أي مرحلة تاريخية مضت.

وما زال الأردنيون يرددون في أهازيجهم في ذكرى الثورة على  المحتل العثماني وعسكره  في الهية و تقديراً لدور مشخص وبندر والمرأة الأردنية عموما  بقولهم:

يا سامي باشا ما نطيع … ولا نعد ارجالنا

لعيون مشخص والبنات …ذبح العساكر كارنا

ارفيفان معهم باول الخيل القدام…..لعيون مشخص يطرد الترك بشمام

المراجع

  1. د.سعد ابو دية ،ثورة الكرك 1910 “الهية”
  2. نوفان رجا السوارية و محمد سالم الطراونة ، اضاءات جديدة على ثورة الكرك (1328هـ/1910م)، ط1 ،(الأردن، الكرك،دار رند للنشر والتوزيع، 2000) ، ص36-37
  3. الريس،منير ،الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في المشرق العربي،ط1 1969،ص32
  4. محمود الزيودي ،كركيات”1″،صحيفة الدستور الأردنية 28 ايار 2009، العدد رقم 17494 السنة 50
  5. مقابلة من قريق ارث الأردن مع عاطف عطوي المجالي ومقابلة مع رايق عياد المجالي في تاريخ 4/6/2016،الكرك-الربة
  6. منتديات أبناء الأردن،محمود سعد عبيدات، تاريخ 2008
  7. هزاع البراري،بندر ومشخص،رائدات العمل النضالي

نساء الثورة – مشخص و بندر المجالي

المسار الحادي عشر – معارك معان

فرسان العشائر الأردنية يرفعون راية الثورة و يمضون بها في مواجهة قوات الاحتلال العثماني
فرسان العشائر الأردنية يرفعون راية الثورة و يمضون بها في مواجهة قوات الاحتلال العثماني

مقدمة :

يورد الرحالة النمساوي “موزيل” توقعه  للثورة ضد الأتراك في الأردن اثناء سرده لهية الكرك التي شملت مدن الأردن حتى العقبة جنوباً ولكن في معان وليس الكرك وفي كتابه “شمال الحجاز” يقول أنه : مر بمعان يوم 10 ـ 7 ـ 1910،  وقال موزيل: بأن كل شيء في معان يوحي بالثورة وإنها واقعة لا محالة إما في معان أو بين الحويطات الذين سأل عنهم فأخبروه أنهم توجهوا غربا ويستعدون للثورة.

ومع إطلالة عام 1916م بعث الشريف حسين برسالة سرية لرئيس بلدية معان الشيخ ابراهيم الرواد مفادها(أوصيك بأنجالي خيراً وأخبره بالثورة قبل أي كان)

وترجم ذلك على أرض الواقع حيث وقف الرواد مع الثورة هو ومجموعة من أبناء معان ممن استطاعوا الخروج من معان التي أحكم عليها وأطبق الخناق من قبل القوة التركية المتمركزة في معان والتي كانت قوامها ستة الآف جندي وفرقة مشاه وعدد من الطائرات علاوة على التحصينات الكبيرة التي أنشأتها الدولة العثمانية مع مطار ومستودعات للذخيرة والعتاد. وخلال الحرب زودت مجموعات من أبناء معان جيش الثورة بالطعام ليلاً ويذكر الكبار بأن مجموعات كانت تتسلل ليلاً لتزويد جيش الثورة في تلال السمنات بالفواكه من بساتين معان ويذكر أحدهم بأن الجيش التركي حاول مباغتة جيش الثورة في تلال السمنات غرب معان فأصدر أحد المشاركين من أبناء معان صوتاً مكن لجيش الثورة من الانتباه وتلافي الهجوم

خط سكة القطار العسكري العثماني - محطة معان و يظهر منزل المهندس الألماني مايزنر - مهندس السكة - مع علم الاحتلال التركي و حليفه الألماني مرفوعين بجانب المحطة
خط سكة القطار العسكري العثماني – محطة معان و يظهر منزل المهندس الألماني مايزنر – مهندس السكة – مع علم الاحتلال التركي و حليفه الألماني مرفوعين بجانب المحطة

من المعروف لدى خبراء و مؤرخي الثورة العربية الكبرى و معاركها أن مدينة معان الأردنية و مساراتها في إرث الثورة لم تكن مساراً عسكرياً واحداً فحسب وليست مجرد طريق تحرير و استقلال فحسب، بل كانت معان مسارا دائما في تاريخ الثورة العربية الكبرى، وهي المعركة المستمرة التي ظهرت فيها عدد من القضايا و الأسرار و المفاجآت التي أدركها قادة الثورة بعد حين و لعل أبرز هذه الملاحظات ما يلي :

أ . ظهر فى معارك معان بشكل جلي أن الحلفاء لا يريدون للثورة العربية أي نصر حاسم أو تقدم عسكري واضح.

ب . وظهرت في معارك معان قدرة قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية على تحقيق النصر ولكن الاسلحة الحاسمة لم تكن بأيديهم

جـ . و تبيّن في معارك معان خداع الحلفاء، وكيف أنهم ارادوا لجيش الثورة العربية أن يبقى أطول فترة ممكنة في منطقة جغرافية محصورة كي لا يتوسع في عملياته نحو الشمال الأردني وأن يتم استنزاف قدرات هذا الجيش إلى أقصى حد ممكن .

د . وتزامن كل ما سبق مع تمركز قوات الاحتلال التركي في مركز مدينة معان متخذين من السكان دروع بشرية جعلت عملية الاقتحام اكثر تعقيداً وباتت تحتاج مدى زمني اقصى لتجنب اي خسارة بشرية أردنية من السكان المدنيين وبالفعل هذا ما كان لحظة تحرير معان.
هـ . ابتزاز الاحتلال التركي لأهالي معان عبر تهديدهم  بالبطش والفتك بهم ورمي أهالي المناصرين للثورة في سجن معان سيء الذكر إن هم ناصروا قوات الثورة أو انضموا لها أو اذا امتنعوا عن تسليم مؤنهم للقوات التركية المحتلة وسيعلقوا لهم المشانق كما فعلوا سابقاً في السلط والكرك

الوصف العام لمنطقة معان

معان ارض صحراوية ترتفع (1100 متر) عن سطح البحر كمعدل عام وهي تمتاز بالبرودة شتاءا، والجفاف والحرارة صيفا إضافة لتباين حرارة الليل عن النهار.

وارض معان وما حولها منبسطة لكن الطيات الأرضية تكثر فيها، وهناك بعض المرتفعات التي لا يزيد ارتفاعها عن  1300 متر تحيط بالمدينة من جانبها الغربي والجنوبي، واشهرها مرتفع سمنة ووادي العقيقة ووادي المحطة ووادي الجرذان و وادي وهيدة ، وتكاد معان تتوسط مواقع عديدة حولها فهي الى الشرق من وهيدة وأذرح والى الشمال من أبواللسن ورأس النقب والمريغة والى الجنوب من عنيزة والجرذان ، والى الغرب من الجفر والمدورة والشيدية .

موقف القوات التركية
تمركزت القوات المحتلة التركية في مدينة معان في منطقة صحراوية وتأثرت هذه القوات بالعوامل التالية :
أ . البعد عن المراكز القيادية الرئيسية للجيش العثماني في دمشق أو الناصرة أو المدينة المنورة في الجنوب ولا تقل المسافة عن 700 كيلو متر وهذا يؤثر فى عملية اتخاذ القرار .

ب . تمركز القوات التركية في أرض عربية ووسط أهاليها وحتى بعد استخدامهم كدروع بشرية ولهذا تأثيره السلبي حيث أن الوضع الاستراتيجي العام لم يكن في صالح القوات التركية المحتلة على المستوى البعيد .

جـ.  نجحت قوات الثورة في قطع خط الاتصال بين القوات التركية في معان ومركز السيطرة في المدينة المنورة بعد نجاح عملياتهم في المدوّرة وغدير الحاج وابو طرفة والرملة وبطن الغول وعقبة حجاز وغيرها وبالتالى عزلت القوات التركية من الجنوب .

د .  نجحت قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية في عملياتهم شمال وغرب معان في وهيدة و أبو اللسن وبسطة وغيرها وأثروا على أبو الجردان في الشمال و التي شهدت أربع معارك مختلفة وساهمت هذه العمليات في عزل القوات التركية المحتلة في معان من جهة الشمال والشرق .

 

الوضع الاستراتيجي للقوات التركية

أخذت القوات التركية تنظر إلى معان كمركز استراتيجي هام لقواتها واعتبرتها ورقتها الرابحة ولم تعر الاهتمام لكل الخسائر التي لحقت بها في أطراف معان من كل جهاتها، خاصة أن في معان محطة سكة حديد للقطار العسكري من الدرجة الأولى وهي محطة تحويلية صناعية وصيانة تامة ، من هنا وضعت خطة الاتراك لتوضيع قواتهم في المنطقة لحماية المراكز التالية :

  • قيادة جيش جمال باشا الثالث
  • مركز قوات الحفاظ على الخط الحديدي للقطار العسكري.

وكان توزيع  القوات التركية حول و داخل المدينة كالتالي :

  1. خط الدفاع الرئيسي في الغرب حيث اتجاه الهجوم الرئيسي المحتمل والذي يبدأ بعد 5 كيلومتر غرب معان بامتداد تلول السمنات من جهة الجنوب مرورا بوادي سمنة حتى تلول السمنات الشمالية في اطراف وادي الجرذان.
  2. خط الدفاع الشرقي على امتداد التلال الشرقية لمحطة القطار العسكري حيث ترتفع طبيعة الأرض في تلك المنطقة ثم انحدارها لوادي المحطة الذي يمر بالقرب من القلعة و بركة معان .
  3. خط الدفاع الثالث والذي يسند خط الدفاع الأول خلف تلول السمنات .
  4. خط الدفاع الرابع وهو على أطراف بساتين معان وبيوتها للاحتماء بها و استخدام سكانها كدروع بشرية و مصدرا للتموين عبر الاستيلاء على محاصيلهم و مؤنهم، ويتصل مع خط الدفاع الثاني ويتلاقى معه في الجهة
    الشمالية .
  5. القيادة الرئيسية داخل معان حيث وضعت في مكان تحت الأرض وأحيطت بالقوات التركية.

وقد استهدف هذا التنظيم ما يلي  :
أ . الاستفادة من بعد خط الدفاع الاول (حوالي 5 كيلو مترات) حتى تكون نيران قوات الثورة بعيدة ولا تصل إلى مركز القيادة أو المحطة آخذين بالأعتبار أقصى مدى للأسلحة المستخدمة لدى قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية  .

ب . أن يكون مطار معان العثماني ضمن خطوط الدفاع وتوفير الحماية له .

جـ. حماية محطة القطار العسكري التركي نفسها وإبعاد قوات الثورة عن التحصينات والمناطق المبنية .

د . امتصاص زخم هجوم قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية الذي يهدف إلى تحقيق النجاح واختراق اكثر من خط دفاعي في الجبهة .

هـ. كسب الوقت بحيث تطول المعركة وهذا يوفر الفرصة لوصول النجدات الى القوات التركية،  واذا ما عدنا الى الوثائق سنجد تأثير ذلك واضحاً عندما استخدمت القيادة التركية الخدعة ضد جنودها و مرتزقتها حيث أخبرتهم أن هناك نجدات ستصل إلى معان لإسنادهم .

حجم القوات التركية في معان

لا تعطي المصادر معلومات دقيقة عن القوات التركية المتحصنة في معان ولكن المؤكد أنها كانت على الأقل فرقة من قوات الجيش الرابع الذي يقوده جمال باشا ومركز قيادته دمشق وهي عبارة عن فيلق يبلغ تعداده حوالي (7000) جندي، ويقول العدروس في تاريخ الجيش العربي ص (229) أن القوات التركية المرابطة في معان كانت تبلغ حوالي (4602) جندي بقيادة ( علي بك ) ويذكر المؤرخين سليمان الموسى ومنيب الماضي في كتاب تاريخ الاردن في القرن العشرين ص (75)  ما نصه : ” كان جمال باشا ينوي الاحتفاظ بعمان حتى تصل قوات الفيلق الثاني المتراجعة من معان ومحطات سكة حديد الحجاز “

واذا ما عدنا إلى تنظيم دفاعات الأتراك في معان فإنها تعطي الدلالة على ضخامة العدد المتواجد فى المنطقة خاصة وأن المعارك حدثت في أواخر نيسان 1918 بعد تحرير مناطق غرب وشرق وجنوب معان من قبل قوات الثورة وجميع القوات التركية التي كانت موجودة في مواقع ” وهيدة وبسطة ودلاغة والمريغة ووادي ابوالرتم و المدورة وتلول الشحم ورملة وأبو اللسن والفقى والطاحونة” قد تجمعت في أقرب مركزعسكري لها فى معان وهذا ضاعف من حجم القوات التركية فيها وبقيت منطقة الشمال حيث احتشدت قوات تركية في أبو الجرذان وأخرى في عنيزة ، وقد وصلت امدادات عسكرية من هذه المواقع الى معان في اللحظات الأخيرة وبعد توقف القصف المدفعي المساند لقوات الثورة مما أتاح للقوات التركية الفرصة لتسديد رشاشاتها وأسلحتها نحو قوات الثورة وإلحاق الخسائر فيها ومكّنهم من الخروج من خنادقهم وتحصيناتهم لإعادة احتلال المواقع التي اخلتها قوات الثورة نتيجة للتبدل في الموقف .

الموقف العسكري لقوات الثورة

تميزت قوات الثورة بإسناد فرسان العشائر الأردنية بمميزات خاصة جعلتها تتفوق في ميادين العمليات العسكرية أهمها :

  • الرغبة الجامحة لدى كل جنود الثورة لتحقيق هدف الاستقلال من الاحتلال التركي والوحدة ، والحياة الفضلى و قيم النهضة .
  • قناعة كل الفئات والشرائح الممثلة للأردنيين والعرب بأهداف الثورة العربية الكبرى وانها انما جاءت لتلتقي وأمانيهم وطموحاتهم بتكليل جهود الثورات الصغرى للاستقلال النهائي .
  • قاتلت قوات الثورة فوق اراضيها وبين شعبها ومن اجلهما معا (تحرير الأرض والانسان) وبالتالي فهي تكسب صفة التفوق على القوات المحتلة لهذه الاراضي وسيادة أهلها .
342
زوبعة رملية تمر بأحد الاودية قرب معان أثناء العمليات العسكرية للثورة في معان

لهذه الاسباب وغيرها فقد كان اندفاع الأردنيين المنتظم نحو تحقيق أهدافهم وعلى أساس خطط له بطريقة ترقى لمستوى التنظيم في اي جيش في العالم في حينها وبهذا كان موقف قوات الثورة العربية الكبرى يرتكز على اكتساب صفة الشريك الكامل في المعركة كحليف مكتمل الشروط .

وقد تأثر حجم قوات الثورة بعوامل عديدة يصعب معها الوقوف على العدد الحقيقي وذلك للأسباب :

أ . التغير في بعض الأحيان في عدد قوات العشائر الأردنية المشاركة لأسباب مختلفة كعدم وجود التموين الكافة للانتقال في المسارات العسكرية أو بعد المناطق المراد تحريرها عن مراكز هذه العشائر أو وجود بعضها في خارج مناطق نفوذها و انتشارها و بعضها الآخر نتيجة الفتن التي زرعها الاحتلال العثماني بين العشائر الأردنية و ساهم باستغلالها إبان انطلاق العمليات العسكرية للثورة مما سبّب في أحيان قليلة عدم مشاركة عشيرة أردنية في العمليات العسكرية في منطقة ما حتى لا تضطر للاحتكاك المباشر مع عشيرة أخرى لا تجمعها بها علاقات ودية.

ب . إن عددا محدودا من الجنود غير النظاميين كانوا يتركون ساحة المعركة بعد تحقيق هدف تلك المعركة ولا يعودون وهذا كان له أثره على العمليات اللاحقة .

جـ. إن نسبة القوات غير النظامية كبيرة – قوات العشائر التي تطوعت للقتال من تلقاء نفسها-وهى تتفاوت من حين لآخر ففي معركة الطفيلة مثلا بدأت المعركة بعدد قليل من قوات العشائر الأردنية لكن ما لبثت أن تصاعدت أعدادها بعد أن وفد الرجال المتطوعون من بلدة عيمة مثلا وآخرون من جرف الدراويش وبالتالي فقد كانت المعركة في ذلك اليوم على وتيرة واحدة من زخم الهجوم وقوة الثأر لأن المدد بالقوات كان متصلا ومستمرا على مدار اليوم كله .

د . لا يوجد تنظيم عسكري موازي لقوات الثورة بحيث يستطيع كل قائد أن يوفر حجم قواته التي ستشترك في المعركة لأن كل زعيم عشيرة أردنية كان يحشد قواته لكل  مهمة فى حينها وهذا يتوقف على الموقف العام في ذلك اليوم ويؤثر هذا على التخطيط للمعارك اللاحقة، لأن القائد لم يكن بإمكانه تحديد حجم قواته الحقيقي .

ويمكن حصر قوات الثورة العربية الكبرى التي شاركت في معان من خلال الاستطلاع والبحث في المراجع المختلفة كالتالي :

(أ). القوى البشرية

  1. الفرقة الاولى في سمنة وتعدادها (3000 تقريبا )
  2. قوات العشائر الأردنية (3000 مقاتل )
  3. سرية اليمانيين (150 مقاتل )
  4. أربع افواج مشاة كل فوج (650 تقريبا ) (2600 مقاتل )
  5. قوات اللواء الثالث من الفرقة الثانية (700 مقاتل )
  6. قوات المدفعية والرشاش (300 مقاتل )

المجموع العام التقريبي 10000 جندي تقريبا

ويعتقد أن هذا العدد منطقي وهو أقل عدد ممكن لهذه القوات التي كان يقودها الأمير زيد بن الحسين ومعه جعفر العسكري، أما عن تنظيم قوات الثورة المسلحة تحديدا أورد البطل صبحي العمري في كتابه الأوراق الأولى تفصيلات المدفعية كما يلي :

  1. مدافع ابوس بقيادة الملازم أحمد البغدادي
  2. مدفع صحراوي 18 باوند بقيادة الملازم سامي رؤوف
  3. مدفع غروب سريع بقيادة الملازم أحمد الشنقيطي
  4. مدفع جبل غروب بقيادة الملازم الحاج احمد بكر
  5. مدفع مصري 7 سم بقيادة رفعت شوكت
  6. مدفع جبل فرنسي بقيادة الكابتن بيزاني
  7. مدفع هوجكس 2,5 سم بقيادة جميل المدفعي
  8. 20 رشاش
  9. 5000 بندقية
  10. 1000 مسدس
قوات الثورة تصعد إحدى المرتفعات الجبلية في طريقها إلى معان لتطهيرها من الحامية التركية فيها
قوات الثورة تصعد إحدى المرتفعات الجبلية في طريقها إلى معان لتطهيرها من الحامية التركية فيها

دور الحلفاء الفعلي في معارك معان

عملت قوات الحلفاء (البريطانيين والفرنسيين) في صفوف الثورة العربية الكبرى، وكان همهم بلا شك خدمة مصالح بلادهم بالدرجة الأولى، و حتى يتمكنوا من خدمة هذه الأهداف كان لا بد وأن يقدموا الإسناد والدعم لقوات الثورة وهذا الأمر بحد ذاته  لم يكن مرغوبا فيه بشكل فعلي من قبلهم لأنهم لم يريدوا في الوقت نفسه أن تصبح قوات الثورة مؤثرة في الساحة وتصل إلى مستوى الشريك الكامل الذي يفرض مطالبه ويجلس الى جانب المنتصرين في المفاوضات، وقد كشفت معارك معان عن الدور الحقيقي لهم قبل وأثناء المعركة .

ففي يوم (8 نيسان ) 1918 تقرر عقد لقاء لوضع خطة للهجوم على القوات التركية المحتلة في معان حضره قادة الثورة وأعضاء البعثة الانجليزية العسكرية ، وقرر قادة الثورة شن الهجوم فورا على الفيلق التركي في معان و خاصة للأسباب التالية :

  1. إن تعداد الجيش الشمالي للثورة قد بلغ أكثر من ثمانية الآف مقاتل تقريبا وهذا يشكل قوة تؤهله للقيام بالعمليات القوية والحاسمة.
  2. تلقت قوات الثورة مساعدة وأسلحة كافية بالنسبة لها (أسلحة خفيفة فقط) .
  3. وعود الحلفاء بإسناد هجماتها من قبل وحدات المدفعية الفرنسية .

تآمر الحلفاء على قوات الثورة

كان موقف البعثة الانجليزية مختلفا فقد وقفت ضد تنفيذ أية هجمات على القوات التركية، واعتبروا أن أية عمليات عسكرية ضد الأتراك في معان مجازفة ومغامرة لا يعرف مدى عواقبها واستشهدوا في حججهم على أن مدينة معان منطقة مكشوفة يصعب التستر والاختفاء فيها وتطبيق مناورات الهجوم والالتفاف وغيرها، إضافة الى أن قوات الثورة ليست لديها الخبرة في التعامل مع التحصينات وخطوط الدفاع المنظمة، وظهر الأمر واضحا ً حين كانت قوات الحلفاء تستعد لتنفيذ هجوم شامل في منطقة أريحا وشمال فلسطين، ولكن اصطدم هذا ايضا بخوف الانجليز من أي انتصار لقوات الثورة، وأجلوا البحث بالهجوم لكن فرسان العشائر و قادة الثورة كانوا وراء تنفيذ الهجوم على الحامية التركية في معان وفي التوقيت المحدد الذي وضعته قيادة الثورة دون اعتبار لوجهات نظر الحلفاء الذين رغبوا أن تسير الامور وفقا لرغباتهم ومقتضيات مواقفهم العاجلة في كل موقع وليس وفقا للأماني العربية ، لذلك وضعت خطة قيادة الثورة على أساس الهجوم الشامل لتحرير معان من محتليها.

ونجحت قوات الثورة في تنفيذ مخططاتها وسارت العمليات العسكرية وفق الخطة المرسومة وتمكنت من الوصول الى قلب محطة سكة القطار العسكري التركي، وعطلوا المطار التركي في معان واستولوا على مصادر المياه فى المنطقة، لكن الدور الانجليزي والفرنسي ظهر جليا هنا ضد تحقيق النصر للثورة ولكي يثبت الحلفاء على أنهم محقون في وجهات نظرهم وأن الهجوم على معان مجارفة، اوقفوا الإسناد المدفعي تماما رغم أن المدفعية الفرنسية لم تطلق أكثر من (20) طلقة بحجة نقص الذخيرة، وانسحبوا الى اوهيدة غربا وتركوا الجبهة وهذا اتاح الفرصة للرشاشات التركية لتسديد نيرانها على قوات الثورة وخرج الجنود الأتراك من خنادقهم وصبوا نيرانهم على قوات الثورة التي قاتلت باندفاع شديد، وحينها تبدل الموقف وتأثرت قوة نيران الثورة والمسددة ما جعل القوات تتراجع غلى الخلف لتفادي الخسائر الكبيرة التي بدأت تلحق في صفوفها .

المؤشرات حول الهجوم أعطت دلالات على الفشل، حيث أن القوات التركية كانت متحصنة تماما وتملك امدادات هائلة من الاسلحة والتموين ويسندها استخدامها للمدنيين من الأهالي كدروع بشرية لتلقي القذائف و الرصاص و التهديد بهم عبر استخدامهم كأداة ضغط أمام أهلهم من فرسان العشائر الأردنية كما قامت بابتزاز المدنيين من أهالي معان عبر التهديد  بالبطش بهم و الفتك بأهلهم إن هم ناصروا قوات الثورة العربية أو انضموا لها أو اذا امتنعوا عن تسليم مؤنهم للقوات التركية المحتلة وسيعلقوا لهم المشانق كما فعلوا سابقاً في السلط والكرك، وهذا كان عاملا محددا على أسلوب الهجوم الذي نفذته قوات الثورة بحيث لا تلحق الأذى عبر عملياتها العسكرية بأهل معان وبأي شكل كان، حتى أن الفارس الشيخ محمد بن دحيلان الحويطات قاوم و منع أي عمليات قصف جوي من قبل الحلفاء لمدينة معان للحفاظ على أرواح أهلها و أبنائها.

الفارس الشهم الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه
الفارس الشهم الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه

وعارض الشيخ الفارس محمد ابن دحيلان خطة الإنجليز الرامية لقصف قطاعات الأتراك المتمركزة في مدينة معان بالطائرات عبر قيامه بأقناع قيادات الثورة بخطورة خطة الدروع البشرية التي يستخدم فيها الاحتلال التركي ابناء معان كغطاء من المدنيين العزل

وتبدو اعظم نتائج معارك معان هي اكتساب قوات الثورة لخبرات مميزة في القتال القريب وادخال ذلك الرعب في قلوب الجنود الأتراك الذين لم يستطيعوا مغادرة المنطقة بأية حال، وعندما صدرت أوامر الانسحاب إليهم في22  أيلول 1918 بادروا فورا لتنفيذ هذا الأمر وخرجوا من المدينة ليلاقوا مصيرهم بعد ذلك في زيزيا.

هجوم قوات الثورة على الحامية التركية في معان

ذكرنا دور الحلفاء السلبي و المثبّط  في الإعداد للهجوم على معان ، ونورد هنا خطط الهجوم على الأتراك في معان، التي تدل على أن قوات الثورة كانت تنفذ هجماتها وفقا لتعبية عسكرية متوازنة ومدروسة يجعلها فعلا جيشا نظاميا مقاتلا محترفا وليست قوات اغارة وهجمات محدودة.

وبالرجوع الى المذكرات العديدة والأبحاث المتوافرة يمكن رصد خطط الهجوم على الأتراك في معان وفقا لهذه المصادر مع اختلافها فيما بينها وتاليا بعض هذه الخطط كما تم ايرادها :

قوات العشائر الأردنية قرب إحدى المرتفعات الجبلية في طريقها إلى معان لتطهيرها من الحامية التركية فيها
قوات العشائر الأردنية قرب إحدى المرتفعات الجبلية في طريقها إلى معان لتطهيرها من الحامية التركية فيها
  1. خطة الهجوم كما اوردها صبحي العمري :

ذكر العمري في مذكراته  ص 209  من أوراق الثورة العربية الكبرى – أنه في8 نيسان عقد مؤتمر دولي خاص لهذه الغاية حضره الأمير فيصل ونوري السعيد والكولونيل داوني لوضع الخطة حيث كانت كما يلي :

أ . المرحلة الاولى : الاستيلاء على محطة غدير الحاج في جنوب معان ومن ثم تخريب خطوط سكة الحديد في الجنوب والشمال وبعدها تعود المفرزة إلى ابواللسن بعد ترك مفرزة صغيرة للرصد في الجهة الجنوبية .

ب . المرحلة الثانية : تقوم الفرقة الثانية المرابطة في عين نجل في اليوم نفسه بمهاجمة محطة أبو الجردان ، وبعد الاستيلاء عليها تقوم بتخريب خط السكة وترك بعض المشاة للرصد والانذار في الشمال ثم تلتحق بأبو اللسن .

جـ. المرحلة الثالثة : وتبدأ في 24 نيسان 1918 حيث تقوم الفرقة الأولى بمهاجمة تلول السمنات وبعدها تهاجم القوات التركية في معان حسب الخطة المقررة ، وتضمنت هذه الخطة تفصيلات الهجوم على معان وتنظيم القوات المهاجمة حسبما ورد في الحديث عن موقف قوات الثورة العربية الكبرى .

  1. خطة الهجوم كما أوردها البطل محمد علي العجلوني :

ذكر البطل محمد علي العجلوني الذي قاد سرية في المعركة أن الهجوم على الأتراك في معان تميز بالدقة والمستوى الفني المتقدم حيث يقول :
” واستعد الفريقان لهذه المعركة استعدادا فائقا وعلى مستوى فني أعلى مما كان قبلا مع الفارق بالأوضاع، لأن جيشنا يهاجم في فضاء مكشوف والعدو متحصن بخنادقه ومن ورائه المحطة تمده بالنجدات وبالذخيرة.”

و يذكرالعجلوني مجمل الخطة عندما يقول :  ” وبعد تمهيد المدفعية شرعنا في الزحف في افواج المشاة على الخط الاول” .

ولا شك أن العجلوني كمقاتل في المواقع الامامية وكقائد لسرية مشاة في لواء المشاة الذي يقوده أمين الأصيل قد تحدث في مذكراته كعسكري محترف فقد تناول التطبيق العملي للخطة وأبعادها وأثر توقف القصف المدفعي الفرنسي في أحرج اللحظات خاصة وأن الأتراك كانوا على وشك الاستسلام وهو يقول هنا :

” لقد كانت المفاجأة مذهلة فقد كانت المدفعية الفرنسية متوقفة عن مواصلة قصفها، فسهلت للعدو التركي استخدام مدفعية الرشاش بحرية تامة، ولم نبلغ الخط الثالث حتى فقدنا نصف الضباط الذين يندفعون أمام الجنود في الهجوم بين جرحى وقتلى وكانت الخسارة في الجنود فادحة جدا ً…” .

إحدى عمليات تفجير سكك خطة سكة القطار العسكري العثماني في معان أثناء العمليات العسكرية لتعطيله و وقف استخدامه لتموين الحاميات التركية المتحصنة في معان
إحدى عمليات تفجير سكك خطة سكة القطار العسكري العثماني في معان أثناء العمليات العسكرية لتعطيله و وقف استخدامه لتموين الحاميات التركية المتحصنة في معان
  1. خطط الهجوم على معان كما وردت في مذكرات الامير زيد بن الحسين :

تناولت رسائل الأمير زيد بن الحسين الميدانية التي تعتبر أفضل الوثائق التي تحدثت بشكل واقعي وعملي عن مجريات المعارك جميعها ، تناولت معارك معان بالذات في مواقع متفرقة في  الرسائل لكننا لا توجد رسالة خاصة بمعارك معان بالذات والسبب أن الأمير زيد كان يعرض في كل رسالة له الموقف العسكري العام كقائد لا يختص بمنطقة محددة دون الاخرى ونورد هنا نص رسالة من الأمير فيصل بن الحسين الى الامير زيد مؤرخة في 12نيسان 1918:

“وصلتنا بشارتكم ولا شك أن بشائرنا وصلتكم الآن نحن نحكم سمنة، العدو لازم جبل الشعار يرمينا بمدافعه، بقدر ما يمكنكم أسرعوا بالتوجه الى الجنوب بعد ان تبقوا من يحمي ظهركم من عنيزة، وتوجهوا على معان، ربّما أننا باكر- غدا-  نهاجم معان، أنا في وهيدة ، نوري- السعيد- في سمنة، مولود- مخلص- جرح في رجله ولكن إن شاء الله طيب، شهداءنا أربعة فقط وسلامي على كافة الاخوان” .

 خسائر معارك معان

ندين لوثائق الأمير زيد بأنها تكاد تكون الوحيدة التي دونت خسائر معان في جانب قوات الثورة وأثبت نص رسالة الأمير زيد الى الملك الحسين بن علي طيب الله ثراه مؤرخة في 21 / 5 / 1918 م يبعث بها من الفقي غرب معان .

من : زيد الى الملك الحسين

الفقي : 21 / 5 / 1918 م

” تشرفت بالإرادة الملوكية المؤرخة 24 رجب 1336 هــ وبها علم احسان الجلالة للملوك وسام النهضة ، مدالية تذكار حرب معان ، فعسى الله لا يحرمني من بقاء ولي النعم . ولا شك أن الوسامات التي ننالها في ميادين القتال أكبر شرف لنا ولغيرنا من الذين يريدون استقلال البلاد العربية تحت ظل راية صاحب الشوكة … لم يحدث ما يوجب عرضه بهذه المناطق بعد المحاربة السابقة سوى أنني بمن معي من الجنود العرب هاجمنا الجردونة ثانية وغنمنا مدفع جبلي، وثلاث رشاشات و 180 اسيراً علاوة على الخراب المستمر في شمالي محطة معان . ثم بعد أن أخذنا المحطة المذكورة بيومين أتت قوة مركبة من ثلاثة مدافع صحراء وأربعة رشاشات، و 450 جندي تركي من معان ، وهجمنا عليهم في المرة الثالثة ودخلنا استحكاماتهم واخذنا مدافعهم، ولكن مع مزيد الأسف بعد أن أراد العدو التسليم وبالفعل سلّم منهم 13 جندي تركي، ورأوا جند صاحب الشوكة متقدمة عليهم بكل بسالة وشجاعة، غدروا بهم وأطلقوا عليهم القنابل اليدوية واستشهد في هذه الأثناء قائد اللواء الثاني السيد علي مع مرافقه السيد مصباح البيروتي وقسم من الجنود الذين دخلوا الاستحكامات، والقسم الباقي تراجع عقب هذه المسألة، ولا شك أن هذا من المقدرات الألهية . أما شهداؤنا فهم ستة ضباط بمن ذكرت أسماءهم أعلاه و 20 جندي ، والجرحى كثيرون ولكن اصابات خفيفة، وان شاء الله قريب سنأخذ الثأر منهم على غرم لجنود صاحب الجلالة .

ولي النعم ، لا يمكن لي تقدير الاعمال التي يعملها الضباط والأفراد بصورة التفاني ، كل ذلك لاستقلال بلادهم . وقد فقدنا في معارك معان 26  ضابط بين شهيد وجريح ما عدا الجنود، والقسم الأعظم من الشهداء من قادة الفرقة والألوية والأفواج . أمس نسفنا جسر مركب من تسع عيون وارتفاع خمسة أمتار مع قضبان كثيرة بين الجردون وعنيزة . ”
إلى هنا انتهت رسالة الأمير زيد للشريف الحسين بن علي

أحد المخافر التركية التي تم تدميرها من قبل قوات الثورة بعد تطهيرها من الحامية التركية في إحدى المناطق جنوب معان
أحد المخافر التركية التي تم تدميرها من قبل قوات الثورة بعد تطهيرها من الحامية التركية في إحدى المناطق جنوب معان

 تحليل لسير العمليات حول معان

من خلال الأحداث حول معان فإننا نصل الى تلك الصورة التي كان جيش الثورة يحاول تحقيق حسم سريع في المنطقة ليلحق بركب قوات الثورة في الشمال حيث كانت تعسكر في الأزرق او بدأت بالتوافد الى المنطقة الشمالية استعدادا للانتقال لتحرير باقي مدن الشمال .

وخلال الأحداث السابقة فإننا نلاحظ أن معان لم تتعرض للحصار أو الهجوم في الفترات الماضية، بل كانت قوات الثورة تتخطاها أو تتجاوزها حتى أن قوات الثورة أول ما بدأت من الجفر باتجاه العقبة في الأول من تموز 1917 قد اتجهت إلى الجنوب من معان باتجاه غدير الحاج ثم الى ابو اللسن ، ورأس النقب نزولا الى وادي اليتم على الرغم من امكانية قوات الثورة المسيطرة على المنطقة في حينها لكن الاعتبارات المختلفة و الحذر الشديد لعب دوره فى تأجيل هذه العملية .

وعندما تقرر الهجوم على المحتل التركي في معان في 18 نيسان 1918 م توفرت القوات العسكرية حيث بلغ تعداد هذه القوات حوالي عشرة آلاف مقاتل معززة بقطع مدفعية وغيرها ، لكنه لم يتوفر لديهم :

  1. التنظيم العسكري المتكامل الذي ينسق عمليات القوات النظامية والقوات غير النظامية ، وظهر ذلك واضحا فى حركة القوات غير النظامية التي  كانت تنفذ عمليات منفصلة .
  2. لم تتوفر المعلومات الكافية حول تنظيم دفاعات القوات التركية ولا حول حجم قواتها، وقد ظهر ذلك واضحا من خال قراءة الوثائق المتعلقة بهذه المعركة والتي ورد فيها أن القوات التركية كانت على وشك الاستسلام ولكن حدث تحول مفاجئ في الموقف نظرا لانسحاب المدفعية الفرنسية و توقفها إضافة إلى الغدر التركي عبر التظاهر بالاستسلام و ثم رمي القنابل اليدوية عن قرب فبعد أن اقتحمت قوات كل دفاعات الأتراك ودخلوا المحطة بدأوا بالإنسحاب واخلاء المنطقة والعودة الى تلول السمنات .

لقد كان موقف قوات الثورة وكما هو واضح في السياق موقفا متوازنا يؤهلها لمسك زمام المبادرة والسيطرة على المعركة وقيادتها لصالحها  وجاء تنظيمها ليحقق المهمة المطلوبة ، ولكن الى أي مدى تم تسخير هذا التنظيم لخدمة المعركة ؟

والأهم من كل هذا ان عامل الاستخبارات العسكرية كان ضعيفا إلى الحد الذي لم تعرف قيادة القوات شيئا عن حجم انجازاتها وتقدمها على طول خط الجبهة في معان فقد اجتازوا كل خطوط الدفاع التركية وهم لا يعلمون حتى أن أحد جنود الثورة قد استولى على جرس المحطة نفسها، ولا يعلمون أي شيء عن موقف القوات التركية التى أخذ قادتها يكذبون على جنودهم بأن هناك نجدات عسكرية قادمة فى الطريق من الجردانة وعنيزة وهم يدركون حراجة الموقف وصعوبته .
ومن قراءة سير العمليات العسكرية أيضا نجد أن قوات الثورة كانت تركز على إحراز النجاح وتحرير الارض وعندما تنسحب القوات التركية من موقع معين لا تتابعها قوات الثورة لإلحاق الخسائر في مؤخرتها لأنه لم من شيمهم الغدر بالمنسحبين مع العلم أن افضل الفرص لإلحاق الخسائر هي في عدو منسحب، وإنما كنت تكتفي قوات الثورة بأن تحل محل القوات المنسحبة فقط .

ومهما يكن فإن عمليات قوات الثورة بقيادة الأمير فيصل بن الحسين كقائد عام، وقيادة الأمير زيد بن الحسين كقائد ميدان في حينها أظهرت القوة والتصميم الأكيد على تحقيق المهمة كما كان التنسيق قد وصل إلى مستوى عال، ففي الوقت الذي كانت تشن به قوات الثورة هجومها ضد الحامية التركية في معان كانت قوات الثورة في شمال معان تهاجم محطات الإمداد والتعزيز خاصة محطة الجردون التي اختير الهجوم عليها في منتصف ليلة 24 نيسان 1918 م لتتزامن مع الهجوم على الجبهة التركية الأخرى في معان، كما قامت القوات النظامية بتأدية مهمتها بتخطيط سليم وتنسيق.

القائد العام الأمير فيصل بن الحسين و على يساره الأمير زيد بن الحسين القائد الميداني
القائد العام الأمير فيصل بن الحسين و على يساره الأمير زيد بن الحسين القائد الميداني

وظهر في معارك معان قلة خبرات قوات الثورة في الهجوم على المواقع المحصنة وإدراك الاتراك لنقاط الضعف هذه لدى الثوّار فأكثروا من إنشاء التحصينات و التمترس بالدروع البشرية ولهذا نلاحظ التحصينات ممتدة على طول خطوط سكة حديد القطار العسكري التركي وفي المناطق الداخلية للوقوف امام هجمات الثورة .

ومن الملاحظ أن نشأة التحصينات العسكرية في المنطقة إبان الثورة قد بدأ في أثناء معارك معان، وأيضا ً أخذت القوات التركية تتجمع في نقاط قوية كما أن مسار العمليات العسكرية للثورة قد أخذ ينحصر في منطقة مسار سكة حديد القطار العسكري وما حوله ، لأن الأتراك أرادوا السيطرة على خط السكة لضمان الإنسحاب والإمداد كذلك عبر قطارهم العسكري . ولهذا فإن معظم التحصينات ومرابض الرشاشات أو خنادق المشاة كانت حول مسار خط سكة القطار العسكري التركي وضمن مسافة لا تتجاوز الخمسمائة متر على جانبي الخط .
المراجع:

  • الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر، 2011  .
  • الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  • التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  • المراسلات التاريخية 1914-1918 : الثورة العربية الكبرى. المجلد الأول / أعدها وحققها وكتب حواشيها وترجم بعضها سليمان الموسى، 1973.
  • المؤرخ محمد عطاالله المعاني 18-7-2016م
  • ذكرياتي عن الثورة العربية الكبرى، محمد علي العجلوني، مكتبة الحرية ،عمّان ، 1956 .
  • المعارك الأولى : الطريق إلى دمشق، صبحي العمري، أوراق الثورة العربية؛ رياض الريس للكتب والنشر، لندن، بريطانيا ؛ ليماسول، قبرص ، 1991،  ط1..

المسار الحادي عشر – معارك معان

عثمان ليكس – الجزء 4 : معارك معان وفقا لمدير شعبة الاستخبارات العثمانية هناك

image1

تناولنا في نهاية (الجزء السابق) حديث الجنرال الألماني أوتو ليمان فون ساندرس قائد الجيوش العثمانية والألمانية في سوريا والأردن وفلسطين وسيناء خلال الحرب العالمية الأولى التي تزامنت مع الثورة العربية الكبرى وما ذكره عن دور معارك معان في الأحداث، ونستكمل في هذا الجزء الحديث عن معارك معان وفقا لما كتبه مدير شعبة الاستخبارات في القوة التي كانت تحتل مدينة معان في رسالة وصف بها المعارك التي دارت حول تلك المدينة بين العرب من جهة والأتراك مع من ساندهم من الألمان والنمساويين من جهة أخرى ، حيث جاء فيها :

image10 

“على اثر إعلان الثورة العربية في الحجاز أصدر أنور باشا أمره إلى محمد جمال باشا قائد قلاع أزمير بالسفر إلى سوريا ليكون تحت إمرة جمال باشا ويساعده في إخمادها كما أرسلت القيادة العليا إلى الحجاز قوات جديدة من المشاة وخيالة ومدفعية لا يقل عددها عن 20 ألف جندي.

و وصل محمد جمال باشا إلى دمشق ثم سافر إلى الحجاز فأنيط به مهمة الدفاع عن المنطقة الممتدة من محطة الهدية قرب المدينة المنورة حتى محطة المدورة في جنوب الأردن ويبلغ طولها 650  كلم وكان مقره في مدينة العلا أول الأمر.

وعرفنا في العلا أن علي حيدر باشا فشل في المهمة التي انتدب لها رغماً عن الهدايا والأموال التي وضعت تحت تصرفه ولم يوفق إلى استمالة قبيلة واحدة من القبائل العديدة، ولذلك أعيد إلى دمشق بقطار خاص يحرسه عدد كبير من الجنود الأتراك ومعهم مدفعين ورشاشات وللمرة الأولى رأينا جنداً عرباً منظمون بقيادة مولود باشا مخلص يقتحم محطة المغنم الواقعة في المنطقة التابعة لسيطرة محمد جمال باشا قرب مدائن صالح، وقد أبدت هذه القوات بسالة خارقة في مهاجمة الحامية العثمانية التي نصبت مدافعها الست على أسطحه مقابل المحطة، واستبسل الفريقان وتقدمت قوات الثورة حتى أبواب المحطة وكانت النيران تحصدهم حصداً و وصلت في المساء قوات من الخيالة الترك بقيادة ميرزا بك الشركسي فطاردهم وردهم إلى مسافة بعيدة “

انطلاقة الثورة وتعزيزات عسكرية

يبدأ مدير شعبة الاستخبارات في معان رسالته بوصف انطلاقة الثورة العربية الكبرى وما دبته من رعب في القيادة العثمانية التي ما لبثت ترسل التعزيزات والضباط لمناطق سوريا والأردن وفلسطين التي كانوا يتوقعون ويخشون انضمامها  للثورة وهو ما حدث بالفعل بحكم الظلم الذي كان يمارس بحق سكان هذه المناطق وهو يوضح بشكل جلي خشية الجاني من انتقام الضحية واعتراف ضمني بظلمه، حيث يتحدث عن إرسال المزيد من القوات العثمانية لتعزيز قدرات القوات المتواجدة هناك ، وعن اختيار محمد جمال باشا لقيادة العمليات العسكرية للاحتلال العثماني في المنطقة الممتدة من المدينة المنورة جنوباً وصولاً للمدورة على الحدود السعودية الأردنية.

فشل في استمالة العشائر وشراءها  بالهدايا والعطايا

يذكر الضابط العثماني أن مندوب العثمانيين حيدر علي باشا لم ينجح في شراء العشائر العربية رغم الهدايا والعطايا، وهو ما يؤكد أن العشائر حسمت موقفها الرافض للاحتلال العثماني ورفضت كافة الإغراءات التي قدمها العثمانيون للزعماء والمشايخ من أموال ووعود بمناصب وألقاب فخرية، بدليل التمسك بمبادئهم ورفضهم للظلم والاحتلال ورفضت المساومة على هذه المبادئ، وهو ما تسبب بإعادة حيدر علي باشا الى دمشق نتيجة فشله الذريع في تحقيق المهمة الموكولة إليه، كما يتحدث عن مشاهدتهم لقوات وجيوش عربية منظمة ومدربة وهو ما يدل على المفاجأة والصدمة التي أوقعها ذلك في نفوس الترك، كما يشيد ببسالة هؤلاء المحاربين واستبسالهم وصمودهم رغم أن رصاص الاحتلال العثماني كان يحصدهم حصداً، وهو ما يؤكد مرة أخرى على أن العرب لم يثوروا في سبيل المال او المنصب كما يحاول العثمانيين والعثمانيين الجدد وصفهم ، وهو ما  يفعله الضابط هذا نفسه في جزء لاحق من الوثيقة.

 

يكمل ضابط الاستخبارات العثماني رسالته :

 

“وكانت الحركات الحربية في أول الأمر قاصرة على مناوشات بسيطة تحدث بيننا وبين العرب على طول السكة وكنا قبل وصولهم إلى إحدى المحطات لمهاجمتها نتخذ التدابير للدفاع عنها، كنا نعرف كل شيء من جواسيسنا وتغيرت الحالة بعد وصول الأمير فيصل إلى الوجه بثلاثة أشهر، فصاروا ينسفون الخطوط الحديدية بالديناميت بعد أن يعطلوا أسلاك البرق، فعمدت القيادة التركية إلى اتخاذ تدابير شديدة فكنا نرسل دوريات عسكرية لمعاينة السكة قبل مرور القطارات وكانت معظم هذه الدوريات تخرج عادة بين كل محطتين فتلتقي في وسط الطريق بقوة عربية تتمكن من أسر أفرادها، ولما شاهد محمد جمال باشا ذلك طلب قوات كافية وهدد بالاستقالة والانسحاب فأرسلوا له فوجين من المشاة من أتراك مقدونيا.

واتسع نطاق الثورة حتى شمل تبوك وسقطت قمة البدايع فضيقت القيادة منطقة محمد جمال باشا وأضافت قسماً كبيراً منها إلى بصري باشا وتزايدت الطلبات من القيادة العليا لإرسال نجدات جديدة خوفا من تسرب الثورة إلى جميع أنحاء البلاد، وأرسلنا قائداً ألمانياً كبيراً إلى محطة “الحفير” واجتمع بفخري باشا وباحثه في الجلاء فأجابه هذا أنه لا يخرج من المدينة وفيه عرق ينبض وأنه يقاوم فكرة الجلاء كل المقاومة، وكانت المناوشات تتزايد يوماً بعد يوم على طول السكة وكان العرب يواصلون نسف القطارات وتعطيل الخطوط رغم يقظة الأتراك فقد نسفوا قطارات ذهب فيها كثيرون، ولما سيطر جيش الثورة على العقبة صدر الأمر إلى محمد جمال باشا بأن يذهب إلى معان وجاء الجواسيس واخبرونا أن القيادة العربية قررت نسف القطار الذي سيقلهم وأنهم يودون القبض على محمد جمال باشا، فأخذنا التدابير اللازمة وسرنا في القطار كأننا في ميدان حرب والجنود واقفون على أهبة الاستعداد برشاشاتهم وبنادقهم وكان جمال الصغير قد سبق محمد جمال باشا إلى معان وبدأ في تنظيم القوات العسكرية فتسلم هذا القيادة منه وكان فيها آلاي عدد كبير وبطارية مدفعية سريعة الطلقات وعدة رشاشات وبطاريتان من المدافع النمساوية وكانت هذه تحمي منطقة تمتد 70 كيلو مترا جنوبا حتى محطة المدورة و ١٣٢ كلم شمالا حتى محطة القطرانة”.

أول المناوشات والثورة تكبر وتتوسع

يتحدث ضابط الاستخبارات العثماني هنا عن أوائل المعارك والعمليات التي بدأ الثوار العرب بتنفيذها بنسق متصاعد  حيث اعتمدوا على أسلوب عدم الدخول في صدام مباشر مع الأتراك  في البداية وإنما لجؤوا إلى عمليات تكتيكية محددة الأهداف ، فكانوا يتصيدون دوريات الأتراك ويهجمون على المواقع المنعزلة وخطوط السكة الحديدية وأحدثوا بذلك تأثيرا عظيماً في صفوف الترك في كل هذه المواقع، مما أجبر الأتراك على  الاستمرار في طلب النجدات والإمدادات ، وتغيير سياستهم الدفاعية في المنطقة والمحاولة بشتى الطرق للتعامل مع الموضوع ، حيث وصلت بهم الأمور لإضافة مناطق جديدة إلى بعض القيادات وسلخوا مناطق عن قيادات أخرى وهو ما ارتبط بمقدار نجاح أو فشل هذه القيادات ونجاحها أو عدمه في قمع الثوار والمناطق الخاضعة لهم.

كما يتحدث عن تزايد تأثير العمليات العسكرية وزيادة حجم وفعالية العمليات بعد أن أصبحت قوات الثورة العربية تنظم نفسها في إطار جيش نظامي  بعد أن تم فتح باب التسجيل والتدريب والتسليح للمتطوعين من الفرسان والمحاربين أبناء العشائر، ويكشف ما ورد على لسان الضابط وجود اختراقات إستخباراتية متبادلة بين الطرفين ، فالوثيقة تذكر أن الثوار العرب قرروا نسف القطار الذي سيقل محمد جمال باشا  بعد معرفتهم بأنه سيتواجد به ، مما يعني ان الثوّار و فرسان العشائر الأردنية نجحوا في اختراق  منظومة الاحتلال العثماني والتغلغل بداخلها ومعرفة التحركات والخطط قبل تنفيذها وهو ما أعطاهم الأفضلية ، بعكس ما يحاول الضابط ادعاءه في وثيقته  فقد كان الأجدر بالاستخبارات العثمانية أن تحمي خطة وموعد انتقال قيادتها من التسريب بدلاً من استعراض انها كشفت خطة الاستهداف.

 

يكمل مدير الاستخبارات رسالته بهذه الفقرات تحت عنوان :  “جيش عربي عظيم” :

“ورأينا حول معان جيشاً عربياً منظماً يملك معدات حربية ورشاشات يديرها جنود يمنيون عدا عن الرشاشات في كل فوج وكتائب فنية للبرق والديناميت والاستحكام وكان الجيش العربي يضم الفنيين، وفيه ضباط يقودهم الأمير فيصل ومعه الأمير زيد والشريف ناصر وجعفر العسكري ونوري السعيد وراسم سردست…

image10 - Copy

وكانت خطوطنا الحربية في منطقة معان أوائل سنة ١٩١٨ تشمل القويرة وأبو اللسن وعين وهيدة وعين بسطة وتبعد عن مدينة معان 15-20 كلم، وكانت الطفيلة و وادي موسى بأيدينا وكانت تدور بيننا وبين الجيش العربي مناوشات بسيطة، وبينما كان محمد جمال باشا يفتش الخطوط الأمامية في يوم من الأيام في تشرين الثاني ١٩١٧، طلبه جمال باشا الكبير إلى التليغراف لمخاطبته مباشرة ولما أبُلغ انه غائب أرسل إليه برقية إلى الخطوط الأمامية طلب فيها إرسال آلاي الرماحة مع مدفعية ورشاشاته وآلاي المشاة وآلاي النقليات من معان والأماكن القريبة منها على جناح السرعة، وأرسل مثل هذا الطلب إلى بصري باشا أيضا وأرسلت القوات على الفور لصد الحلفاء وتعزيز السيطرة على القدس فوصلت الخيالة ولا يقل عددهم عن الألفين وهي بحالة يرثى لها من الضنك والتعب و لأنها لم تقف في الطريق بل سارت مسرعة واشتركت على الفور في معارك القدم ففقدت معظم رجالها”. (انتهت الوثيقة)

 جيش عربي عظيم ومنظم

يذكر كاتب الرسالة انطباعه ومن معه أثناء مرافقة محمد جمال باشا في القطار المدجج بالأسلحة خوفاً من التهديدات التي وردتهم عن استهداف القطار، ويذكر ما لاحظوه من انتقال الثوار لمرحلة تشكيل الجيش العربي كقوة نظامية مكونة من فرسان العشائر الأردنية والعربية  ، وتقسيماته الإدارية وتنظيمه العالي ، حيث يذكر وجود كتائب مشاة مسلحة بالرشاشات والآليات ، وكتائب للاتصالات (البرق)، وأخرى  للمتفجرات (الديناميت) ، وكذلك للاستحكام ، اضافة للفنيين ، وهذه الجيش كله منظم ومقسم لأفواج لكل منه ضابط يقوده  وهذه الأفواج تنطوي تحت قيادة الأمير فيصل ومعه الأمير زيد والشريف ناصر وكل من القادة الميدانيين العسكريين جعفر العسكري ونوري السعيد وراسم سردست وهم ضباط عراقيين انشقوا في وقت سابق عن الخدمة في جيش الاحتلال العثماني لما رأوه من ظلم تجاه أبناء وطنهم وعروبتهم ، وهو ما يجسد البعد العربي والإقليمي للقضية من خلال تواجد مقاتلين يمنيين وضباط عراقيين وعشائر أردنية اجتمعوا كلهم على قلب رجل واحد رفضا للظلم.

العرب أكثر إنسانية من الترك فيما يخص معاملة الأسرى

وتذكر الرسالة قدرة قيادة جيش الثورة العربية الكبرى على النجاح في ضبط بعض الحالات الفردية المخالفة للأعراف الإنسانية والدينية والعربية بخصوص معاملة الأسير ، والتي كان يقوم بها البعض بدافع الثأر والانتقام لأقاربه في الغالب من بطش الأتراك بهم، وهو الأمر الذي فشلت به الدولة العثمانية التي لم يسلم من بطش عسكرها أسير حرب ولا حتى المعتقلين المدنيين، فالإعدامات الجماعية وصناعة المذابح والموت بأسوء طرق التعذيب ، الصلب على الخازوق والإلقاء بالأسرى من المناطق المرتفعة على سبيل المثال لا الحصر، كان  أكثر ما اشتهر به العثمانيين.

تشتت وارتباك في صفوف القوات العثمانية

كما نلمس من الرسالة تشتت القوات العثمانية نتيجة اتساع رقعة الأحداث وكثرة التنقلات مما تسبب في إرباكها وإنهاكها ، حيث تزايدت الحاجة الماسة لهذه القوات في بعض المناطق وكثرة نداءات الاستغاثة وطلب الدعم والإمداد ، ونتيجة لعمليات فرسان ومحاربي الثورة العربية التي كانت تستهدف هذه القوات أثناء انتقالها عبر سكة القطار العسكري ، الى جانب عامل بعد المسافة، فقد كانت هذه القوات تصل  منهكة ولا تستطيع الصمود في المعارك.

عثمانليكس – الجزء 4 : معارك معان وفقا لمدير شعبة الاستخبارات العثمانية

عثمان ليكس – الجزء 3 : معركة الأردن الثانية

image1

يستعرض الجنرال ليمان فون ساندرس في هذه الوثيقة التي نشرت كمقالة باللغة الألمانية إبان الحرب العالمية الأولى، المزيد من المعارك والأحداث التي جرت خلال شهر آذار عام 1918 ، أبرزها ، معركة الأردن الثانية التي استمرت لعدة أيام ، وإحدى المعارك الليلية ، وكذلك ما يتعلق بهجوم الثوار العرب على محطة السكة الحديدية العسكرية في معان.

يوضح هذا الجزء من المقال الأهمية العسكرية للسلط وما حولها من المناطق الأردنية واستماتة كافة أطراف الحرب العالمية للسيطرة عليها، وهو ما عاد على أهل المدينة بالمصائب والويلات من مجازر وتهجير ومشانق معلقة وقصف بالطيران من جانبي الحرب، وقد كان بالإمكان تجنب كل ذلك لو أن العثمانيين تركوا أهل المدينة وشأنهم يزرعون حقولهم، ويتاجرون في أسواقهم، ويبدعون في صناعاتهم، بدلاً من جر المنطقة بكافة مدنها ومكوناتها لحرب ليست حربهم ، واستخدام شبابها كوقود لهذه الحرب سواء بشكل مباشر من حيث التجنيد، أو بشكل غير مباشر من خلال استخدامهم في السخرة ، من خلال تقطيع الغطاء النباتي واستخدامه وقودا للقطار العسكري.

image7

يوضح هذا الجزء أيضاً ترهل القوات العثمانية وتقهقرها مع دخول القوات البريطانية وتأخرهم في تنفيذ الأوامر وضربات موجعة وإصابات في صفوف القيادة العثمانية، كما تبرز اعترافات فون ساندرس هذه  الدور المؤثر الذي لعبته قوات الثورة حتى من خلال بعض العمليات المحدودة التي كنا قد نشرنا عنها في أبحاث سابقة (مسارات التحرير) والتي تمثلت بقطع خطوط الاتصال الهاتفية ، وما كان له من أثر في مفاجأة قوات الاحتلال العثماني وتساقط الحاميات تباعاً.

نيران صديقة . . الأتراك يشتبكون مع الألمان عن طريق الخطأ !

ونظراً لما أسلفناه في (الجزء الأول من عثمانليكس) حول تركيبة أجزاء من جيش الاحتلال العثماني من مجندين إجباريين ومرتزقة لم يكن لهم الدراية بتكتيكات الحرب ، أو الحنكة العسكرية ، فتذكر الوثيقة أن السائق التركي لسيارة الجنرال الالماني صاح مرتعباً في إحدى الجولات الميدانية عند مشاهدته لمجموعة من الفرسان معتقداً أنهم من قوات الحلفاء، مخبراً سيده الألماني أنهم فرسان انجليز ، لمجرد ارتدائهم زي عسكري وقبعات قبل ان يلمح فون ساندرس بينهم زميله الألماني من قادة أركان الحرب  !

ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل تعداه لاشتباك بالرصاص ما بين الجنود الأتراك القادمين من الجبال ، والجنود الألمان باللباس الكاكي  وقبعة المستعمرات أثناء انتقالهم ما بين المناطق الشفا غورية قرب نهر الأردن.

وتوضح تفاصيل المعارك والاشتباكات التي توردها الوثيقة ضعف قدرة قوات وجيوش العثمانيين والألمان والإنجليز على الحسم، ويبرهن على ذلك العمليات المحدودة واستمرار الاشتباكات عدة أيام للسيطرة على موقع معين، وعدم القدرة حتى على ملاحقة القوات المنسحبة المهزومة ومحاصرتها، رغم رجاء وأمنيات القيادات العثمانية والألمانية للقادة الميدانيين لفعل ذلك.

image8

كما يذكر فون ساندرس أن القوات العثمانية والألمانية لم يكن لديها ما يكفي من العتاد لإحراز النصر ، وكذلك فيما يتعلق بأفراد قوات الاحتياط، وهو ما جعل المعارك تدور في مجال محدد دون إحراز تقدم حتى مع تقهقر الطرف الآخر، كما يوضح دور سلاح الجو والطيران الألماني في حسم المعارك في ظل غياب فعالية القوات الأرضية، وهو ما يعني اعتراف صحيح باستخدام الطيران لقصف مدينة السلط في محاولات السيطرة عليها، وهو ما تؤكده بعض الصور والبيوت التي ما زالت قائمة حتى الآن وتشهد حجارتها على مآسي الحرب والصراع على النفوذ.

يتحدث فون ساندرس هنا عن استئناف فرسان ومحاربين الثورة العربية الكبرى من العشائر الأردنية معاركهم لتحرير معان من الاحتلال العثماني، واستهدافهم المتواصل لمحطات السكة الحديدية العسكرية وقيامهم بنسف جسورها بشكل مستمر ، معيداً ما أورده في أكثر من مناسبة عن تأثير هذه العمليات ومضايقتها للقوات الألمانية والعثمانية، بحكم اعتمادهم على السكة في نقل الإمدادات والجنود ، لا سيما مع نفاذ المعدات والأدوات التي تلزم لإصلاح هذه الخطوط المدمرة وإنشاء جسور بدل تلك التي يتم نسفها وهدمه.

فون ساندرس يصف المبالغة التركية المألوفة :

يربط فون ساندرس ما بين العمليات والمعارك التي يقودها الثوار العرب ضد السكة الحديدية ومحطاتها في معان ، وتأثيرها على المعارك في السلط وحول نهر الأردن ، وليس ذلك فحسب،  بل تعداه لمخاوف من تأثير ذلك وما قد يؤدي له من تحرير المدينة المنورة التي تم تهجير أهلها في “السفربرلك” وحولها القائد العثماني فخر الدين باشا وعصاباته الى ثكنة عسكرية وتحصنوا فيها ، إلا أن ساندرس يتحدث عن وجود موارد كافية لتأمين معيشة جنود فخر الدين، ولكنه كان شديد التذمر والمبالغة من خلال البرقيات المتكررة التي يستجدي فيها المساعدة والإغاثة وهو ما وصفه ساندرس بأنه لم يكن يتعدى سوى كونه من قبيل المبالغة التركية المألوفة، وهو ما أثبته الواقع ما بعد انتهاء الحرب واستسلام العثمانيين وحلفائهم وتوقيعهم على الهدنة.

image9 - Copy

بدايات البروباغندا . . محطة “عثمانية” تبث أخبار معارك الأردن للعالم باللغة الالمانية :

توضح وثائق فون ساندرس أصول البروباغندا الإعلامية التي ما زالت تنتهجها الإيديلوجيات ذات البعد العثماني ، من خلال استخدام وسائل الإعلام للتحريف و التهويل وإضافة الأساطير والبعد العاطفي والخيالي على الأحداث، فيذكر احتجاجه على ما كانت تقوم به المحطة اللاسلكية “العثمانية” من بث بيانات وبلاغات القيادة التركية حول معارك الأردن بشكل محشو بالأخطاء ومليء بالأكاذيب.

 

الألمان يسيطرون على أهم شؤون الجيش العثماني

في سياق رفضه لتوجهات القيادة الألمانية لنقل الكتائب الألمانية المقاتلة وخصوصا كتيبة القناصة  لمناطق جبلية أكثر برودة وملائمة للصحة، وهو ما استغربه فون ساندرس وأبلغ قيادته باستحالته بحكم تواجد القوات الألمانية على احتكاك مباشر مع العدو ومسكها بزمام الأمور من طيران ومدفعية وصحة في ظل ضعف الكفاءات العثمانية، مما يشير لضعف الثقة  بالأداء العثماني الهزيل.

عثمان ليكس – الجزء 3 : معركة الأردن الثانية

عثمانليكس – الجزء 2 : معركة الأردن الأولى

تقديم :

كنا قد تعرفنا في (الجزء الاول من عثمانليكس) على الجنرال الألماني اوتوليمان فون ساندرس الذي يقود القوات العثمانية ويرتكب المجازر ضد العرب والأرمن واليونانيين ، والذي تتم محاكمته كمجرم حرب بعد القبض عليه وسقوطه أسيراً مع نهاية الحرب العالمية الاولى ونستعرض في هذا الجزء أحد المقالات التي كتبها الجنرال أوتوليمان فون ساندرس والمنشورة في مجلة الحرب العظمى التي كانت تصدر خلال فترة الحرب العالمية الأولى ، وتعبر المقالة عن رأي فون ساندرس بالأمير فيصل (القائد العام لجيوش الثورة في الأردن وسوريا)، و النقد الذي وجهه للسياسة التركية السيئة التي تسببت بثورة العرب ضدهم، كما يتطرق فون ساندرس لأهمية سكة الحديد العسكرية التي قام العثمانيين باستغلال المشاعر الدينية لبنائها بينما كانت الغاية الوحيدة منها عسكرية وتم إجبار الأردنيين واستخدامهم بالسخرة لبنائها.

رأي فون ساندرس بالأمير فيصل والسياسة العثمانية السيئة :

يستهل فون ساندرس مقالة كتبها بيده مبدياً رأيه بالأمير فيصل (القائد العام لجيوش الثورة في الأردن وسوريا)، حيث يوضح معرفته السابقة به أثناء فترة تواجده في عاصمة الاحتلال العثماني اسطنبول قبل اندلاع الثورة، كما يوجه نقداً مباشراً للسياسة التركية السيئة التي تسببت بثورة العرب ضدهم، ولهذا الانتقاد أهمية ووزناً كبيرين نظراً لكونه صادر عن قائد وحليف وصديق للعثمانيين في ذلك الوقت.

image4

كما يتطرق فون ساندرس لأهمية سكة الحديد العسكرية التي قام العثمانيين باستغلال المشاعر الدينية لبنائها بينما كانت الغاية الوحيدة منها عسكرية وتم إجبار الأردنيين واستخدامهم بالسخرة لبنائها، كما يصف الأذى الكبير الذي سببته قوات الثورة للعثمانيين في المعارك التي انتهت بهزيمة طابور فخر الدين باشا وانتهى الأمر به محاصراً في المدينة المنورة بعد طرد قواته لأهلها وتهجيرهم في ما يعرف بالسفربرلك ، حيث استمر الحصار لأشهر وبقيت القوات العثمانية معزولة عن الاتصال أو الإمدادات.

image5

ويعترف فون ساندرس بالحماقات العسكرية التي ارتكبها العثمانيون من خلال تشتيت جهودهم في محاولة السيطرة على مناطق في مساحات شاسعة كانت أوسع من مقدرة قوات الاحتلال العثماني على الدفاع عنها في ظل هجمات قوات الثورة العربية التي فتت وشتّتت الجيوش العثمانية، ويتمنى ولا يفيد التمني لو أن قوات العثمانيين احتفظت بالمناطق الدفاعية وتحصنت بها ، بدلاً من المحاولات البائسة للدفاع عن قضبان السكة الحديدية العسكرية.

 

تصلب الذهنية التركية والقوات المتقاعسة والمختبئة

يتحدث فون ساندرس في هذا الجزء من الوثيقة عن محاولاته لإقناع الأتراك بملاحظاته العسكرية، إلاّ أنه كان يواجه الكثير من التزمت في الرأي منهم وهو ما عزاه لتصلب الذهنية للقيادات التركية العثمانية التي عرف عنها المزاجية والانفعال بدون تفكير أو رؤيا تتجاوز أنوفهم ، كما يتحدث عن التحول للخطة الدفاعية واستخدام أسلوب التمويه لتضليل العدو، وعن الاختراقات المتبادلة للشيفرات العسكرية المستخدمة في تشفير الاتصالات أثناء العمليات الحربية، وعن دوره في اكتشاف قوات وكتائب عثمانية بأكملها مختبئة ولا تقاتل، ويعزى ذلك لغياب الهدف والقضية كما أسلفنا فشتّان بين من يدافع عن احتلال وحرب لا ناقة له فيها ولا جمل كما في حالة مرتزقة الاحتلال العثماني، وبين من يدافع عن أرضه وعرضه كما في حالة الثوار العرب.

يهود في الجيش العثماني ، وحساسيات بين العثمانيين وحلفائهم !

يتحدث هذا الجزء من الوثيقة عن وجود الحساسية التركية تجاه حلفائهم وخططهم وعن طبيعة العلاقة بين الألمان والترك في ذلك الوقت مما أوجد الارتباك والتخبط في العمل وبين ذلك من خلال تنقلات الضباط ، كما يتطرق لوجود مرتزقة من يهود أوروبا تقاتل في صفوف العثمانيين وحلفائهم الألمان، وهو ما يدحض وينسف الحجج والأكاذيب التي يروجها المدافعين عن الاحتلال العثماني، ومزاعمه في أنه كان يمثل الإسلام، ففي الواقع هو كان يرتكب المجازر باسم الدين، بينما هو مستعد للتحالف مع الشيطان من أجل مصالحه، تماما كما تفعل بعض الجماعات الإرهابية اليوم.

image6 - Copy

فشل عثماني ألماني من جهة وبريطاني من جهة أخرى ، والعرب يصنعون انتصاراتهم

ومن خلال بقية المقالة التي تتحدث عن معارك العثمانيين مع الألمان ضد قوات الحلفاء على الأرض الأردنية بعد أن جروا المنطقة للحرب وجعلوا المناطق الأردنية مسرحاً للعمليات العسكرية ، يبرز الجنرال فون ساندرس في الوثيقة أهمية السكة الحديدية العسكرية ويعترف بتأثير هجمات الثورة على سير الأحداث كما يعترف بالهزائم التركية في الطفيلة وأثرها على الموقف، وعن كثرة تسمية العثمانيين في ذلك الوقت لأبنائهم باسم “جمال” فيما يبدو أنه تيمناً بالسفاح المعروف جمال باشا.

لقد أشارت هذه الوثيقة إلى معركة الأردن الأولى التي فشل الإنجليز فيها في تحقيق أهدافهم بحكم عدم معرفتهم بطبيعة وظروف الأرض الأردنية ومناخها وما نتج عن ذلك من خسائر لكلا الطرفين بينما في ذات الوقت كان الثوار و فرسان العشائر الأردنية يصنعون انتصاراتهم والحاميات العثمانية تستسلم وتتساقط بين أيديهم تباعاً (تابع مسارات التحرير) ، وكقائد على مسرح العمليات أشار إلى قوات الثورة  باعتبارها قوات ذات أثر واضح في مسرح الأحداث هذا الاعتبار الذي حاولت بريطانيا وفرنسا التقليل منه حتى لا تصل قوات الثورة العربية الكبرى إلى مستوى الشريك الكامل في الحرب العالمية الأولى الذي يترتب عليه الإعتراف بحقوقهم وتحقيق مطالبهم الكاملة كشعوب منتصرة في الحرب.

يتبع . . . في الجزء القادم نقدم لكم وثائق كتبها فون ساندرس المزيد من المعارك والأحداث التي جرت خلال شهر آذار عام 1918 ، أبرزها ، معركة الأردن الثانية 

عثمانليكس – الجزء 2 : معركة الأردن الأولى

080716_1022_1

يتناول الجزء الثامن من سلسلة كذبة لورانس ، رأي أبطال الثورة ومشايخ الطفيلة وبني صخر فيه وردهم على أكاذيبه ومزاعمه حول معارك تحرير الطفيلة ومحاولات السيطرة على السلط

تقديم :

كنا قد تحدثنا في الجزء السابع من هذه السلسلة عن تحرير الطفيلة والدور الذي بذله الشيخ “ذياب العوران” وأهل الطفيلة في استسلام الحامية العثمانية ، وقد اضطربت القيادة التركية بعد سقوط الطفيلة وصممت على استردادها خوفاً من أن تبادر قوات الثورة لمهاجمة الكرك ، وحشد العثمانيين قوات مهولة من كتائب مشاة وسرايا فرسان وزودت القوة بالمدافع، واستبسلت قوات الثورة وأهل الطفيلة في الدفاع عنها ضد محاولة إعادة احتلالها من القوات العثمانية ، وانتهت المعركة نهاية لم يتوقعها الأتراك ولا الثوّار وغنمت قوات الثورة فيها مغانم كثيرة ومنها على سبيل الذكر، مدفعين و23 رشاش و200 من الخيل و218 أسيراً بينهم 12 ضابطاً ، أما القتلى فبلغ عددهم أكثر من 400.

رأي الشريف زيد في لورانس ومحاولته سرقة انتصار الطفيلة:

ورغم أن الانتصار ينسب الفضل به لضباط وقادة جيش الثورة وعلى رأسهم الضابط صبحي العمري البطل الحقيقي لمعارك تحرير الطفيلة ورفاقه والشيخ ذياب العوران وفرسان عشائر الطفيلة، إلا أننا نشاهد بعد ذلك أن لورانس يتحدث عن المعركة في كتابه بإسهاب (حوالي 3 آلاف كلمة) ويحاول هو و مؤرخو حياته نسب هذا الانتصار له ووصفه بأنها المعركة النظامية الوحيدة التي أشرف عليها وأدارها واتخذوا منها دليلاً على عبقريته العسكرية ونبوغه وتفوقه في فن القيادة ومن الطبيعي القول أن أولئك الكتاب بنوا آراءهم على أقوال لورنس، وعن هذا يقول الأمير زيد في مقابلة مع الكاتب والمؤرخ الأردني سليمان الموسى :”في معركة الطفيلة لم يفعل لورانس أي شيء ، ولم يكن بمقدوره أن يفعل شيئاً ، كانت المعركة دون نظام أو ترتيب”.

رأي مشايخ أهل الطفيلة في لورانس :

يروي الكاتب والمؤرخ سليمان الموسى عن لقاءاته مع أهالي الطفيلة وعيمة ممن ساهموا في المعركة، ومنهم السادة : هويمل ذياب العوران ، وسليمان العوران وصالح المحيسن ، وموسى المحيسن ، وصفوق الجازي وسمور القرعان، وأكثر من تم التحدث إليهم يذكرون أنهم شاهدوا لورانس ، ولكن لم يكن له شخصية بارزة في الثورة فلم يسترع انتباههم كثيراً.

لورانس حافي القدمين

يقول لورانس أنه سار من الطفيلة إلى وادي الحسا مسافة عشرة كيلومترات سيراً على قدميه حافياً ولا ندري كيف يتهيأ لمن يعتبر نفسه قائداً أن يسير على قدميه هذه المسافة الطويلة كي يقدم تقريره، ويروي سمور القرعان وهو شيخ في السبعين من عمره حين اجراء المقابلة وقد كان من موظفي الحكومة العثمانية في الطفيلة قبل أن ينشق ويشارك في عمليات الثورة مرة في نسف جسر القويع شمالي محطة عنيزة ومرة أخرى في هجوم على محطة جرف الدراويش، يقول أنه يذكر لورانس جالسا في مجلس الأمير زيد وأنه كان يبدو صامتاً معظم الوقت، وكثيراً ما يجلس ورأسه بين يديه وكان يكذب بطريقة مكشوفة ويدعي انه عربي بلهجة ولغة ضعيفة وركيكة، أما مزاعمه بأنه كان يسير حافي القدمين وأن الشوك أدمى عقبيه، فهو مدعاة للضحك لأن أهل المنطقة أنفسهم ما كانوا يسيرون حفاة ولم يكونوا يستطيعوا فعل ذلك في تلك الأرض الوعرة وفي شهر كانون القارص البرد، وذكر من تم التحدث معهم أنهم يذكرون لورانس يرتدي بزة ضابط وعلى رأسه كوفية وفي قدميه حذاء عادي ولم يكن يخفى على أحد أنه أجنبي حالما يتكلم العربية بطريقة مضحكة.

لورانس ويده على خده

كما يدعي لورانس أن الذعر دب في صفوف أهالي البلدة وهذا غير صحيح ، لأن الأهالي منذ عصر اليوم السابق وطوال الليل يقاومون العدو بشدة ويحولون دون زحفه بسرعة كما يعترف لورانس نفسه، فكيف نوفق بين الذعر والاستعداد للفرار من جهة ، وبين المقاومة الجريئة من جهة أخرى ؟

ويقول لورانس أن ذياب العوران كان يحدثهم عن الخلافات بين الأهالي وعن غدرهم وهذا غير صحيح لأن ذياب كان في الواقع روح المقاومة بالنسبة للقرويين باعتباره زعيمهم، ويقول المؤرخ سليمان الموسى أنه وأثناء حديثه للمشاركين في المعركة من عائلتي العوران والمحيسن، نفى جميعهم وبشكل قاطع وجود أي خلافات وقعت في تلك الفترة، وعن ذلك يعلق العجلوني وكان ضابطاً في حملة الشريف مستور بقوله : “دخلنا الطفيلة ولم نلحظ الانقسام في صفوف الأهالي الذين قابلونا جميعاً بالترحيب على السواء ، ولعل لورانس بنى حكمه على طريقته الخاصة بتسجيل الظواهر الشاذة مهما كانت تافهة”، و الواضح أنه لم يكن بإمكانه بناء شخصيته الروائية كبطل و قائد إلاّ عبر اللجوء لتقزيم الشيوخ و الأبطال الحقيقيين و نقل الأكاذيب على ألسنتهم حتى يتفرد عبر هذه الخطة السردية بالبطولة و الزعامة و الذكاء الاستراتيجي .

وقد كان لورانس يلجأ لأسلوب النكتة والسخرية لخلط الجد بالهزل ، لتمييع الحقائق وتزييفها بالأكاذيب ، ومع ذلك تراه يعترف بألاعيبه أحيانا فلا يصدقه رؤساؤه بل يعتبرون الألاعيب جداً كل الجد ويعتبرون الاعتراف على أنه من قبيل تواضع العظماء، لاحظ هنا قوله في كتابه بعد وصف المعركة “أرسلت تقريراً للقيادة العامة في فلسطين، لقد كُتب بوضاعة، للتأثير على القادة ، وكان مليئاً بالتشابيه الطريفة والبساطات الهازئة، وجعلهم التقرير يحسبونني هاوياً متواضعاً يلحق بخطى القادة العظماء، لا بهلواناً يسترق النظر وراءهم ، كان التقرير مثل المعركة: محاكاة ساخرة ، ولكن القيادة العامة امتدحته ببراءة، ولكي تتوج المزحة قلدتني وساماً على ما جاء فيه ….ولو استطاع كل واحد في الجيش أن يكتب التقارير بنفسه عن أعماله دون شهود لامتلأت صدور الكثيرين بالأوسمة”.

وبالعودة لتقرير لورانس الذي اختتمه بقوله أنه كان منهوك القوى “بينما كان زيد يصفق بيديه مغتبطاً لنجاح خطتنا” ، ويضيف ناسبا الفضل لنفسه بطريقة مبطنة : “لقد تسببت بقراري خوض المعركة بمقتل عشرين أو ثلاثين من رجالنا”، ومن هنا نرى أن لورنس في تقريره الأول لم يدّع انه قاد المعركة أو أدارها ، رغم أنه سلّط الأضواء على نفسه ، أما في كتابه بعد ذلك فقد ادعى أن زحف الترك عكّر مزاجه فاعتزم أن يلقنهم درساً قاسياً ويقضي عليهم قضاءً مبرماً ، ومع ذلك فإن لورانس لم يستطع أن يوضح بأي شكل كيفية قيادته للمعركة، ولا نجد أي دليل مادي يقنعنا بأن ذلك كان في مقدوره تحت وطأة كل الظروف السائدة.

أكاذيب لورانس المرتبطة بمحاولة سيطرة الانجليز على السلط

بدأ الانجليزي هجوهم وأول معاركهم في الأردن ودخلوا السلط مساء يوم 25 آذار ، واضطروا للتراجع بعد خمسة أيام دون أن يتمكنوا من تدمير النفق الواقع على بعد 7 كيلومترات جنوبي محطة عمان.

وقد انتدب الأمير فيصل الشيخ مرزوق التخيمي للانتقال إلى منطقة بني صخر كي يتصل بالقوات البريطانية ويتعاون معها إذا نجحت في الاستيلاء على السلط وعمان، أما لورانس فقد أمضى أكثر من أسبوعين دون أن يؤدي عملاً معيناً، ويقول لورانس أنه غادر مقر الجيش في أبو اللسن يوم 2 نيسان مع مرزوق التخيمي باتجاه الشمال ومعهما ألفا جمل من جمال السراحين ( قبيلة السرحان ) تحمل المؤن والعتاد، وقد بلغوا وادي عطارة (عطاطير) شرق زيزياء يوم 7 نيسان، وقد كان ينزل فيه بنو صخر أثناء الشتاء والربيع ، حيث استقبلهم مفلح وفهد وعضوب الزبن، ولم تلبث الأنباء أن بلغتهم بدخول الانجليز السلط، فأخذوا يستعدون مع بني صخر للتقدم غرباً إلى مأدبا، ولكن أنباء أخرى بلغتهم بعد ذلك أن الانجليز بدأوا بالتراجع وأنهم لم يتمكنوا من نسف نفق السكة جنوبي عمان.


لورانس في زي نوريات (غجريات) والمزيد من قصص الخيال

يقول لورانس أنه شاهد جماعة من النور (الغجر) ينزلون قريبا من مضارب بني صخر، فأحب أن يستفيد منهم واتفق هو وتابعه ” فرج ” على أن يذهبا إلى عمان مع ثلاث من نسائهم، وهكذا مضى في زي النوريات إلى عمان فتجول فيها ثم عاد مسرعاً إلى رفاقه في وادي عطارة، ومنها عاد إلى مشارف معان حيث كان العرب يهاجمون تحصينات الترك منذ يومين.

على أن لورانس وبعد خمسة عشر عاماً، يعود ليناقض نفسه ويبتدع حكاية غريبة لا أصل لها من الصحة، تتعلق بهذه الواقعة، فمن المعلوم أن الإنجليز استولوا على السلط يوم 24 آذار ثم تراجعوا عنها في 2 نيسان (اليوم الذي غادر فيه لورانس أبو اللسن)، والحكاية المختلقة هي أن رجال العشائر في تلك الأثناء هاجموا خط السكة إلى الجنوب من عمان ثم عادوا ومعهم نحو 1200 أسير، واشترك لورانس في إطلاق سراح الأسرى كما زعم عندما كتب يقول : “أعدناهم إلى مواقعهم مع الاعتذار عن إزعاجنا لهم”، بل أضاف قائلاً أن جماعته والأسرى الأتراك “حلوا ضيوفاً عند البدو وسادت روح التعاطف في أثناء ذلك بين الطرفين” ، هذه الحكاية لم يسمع بها أحد من أبناء العشائر المحيطة بعمان والتي لم يرد لها أي ذكر في كتابات العرب أو الأتراك أو الانجليز، تعطينا فكرة عن شطحات خيال لورانس ، وكيف أخذت تستهويه القصص النابعة من عالم الأوهام.

مشايخ بني صخر يكذبون ويفندون مزاعم لورانس

ولا ندري من أين جاء لورانس برقم الألفي جمل ، فالسراحين ( قبيلة السرحان ) في مضاربهم في العادة إلى الشمال الغربي من الأزرق ، ومن أين للسراحين هذا العدد الضخم من الجمال في الوقت الذي كانت تعاني فيه الثروة الحيوانية في الأردن من الانحسار نتيجة سياسة العثمانيين في الضرائب على المواشي والدواب بمختلف أنواعها والتي تسببت في انخفاض الأعداد بشكل كبير، ثم إن جمال البدو في آذار ومع نهاية الشتاء تكون في حالة سيئة من الهزال ولا تصلح للاستخدام إلا في شهر أيار بعد فصل الربيع ، وقد أكد الشيخ عضوب الزبن أن الجمال التي جاءت مع مرزوق الذي رافقه لورانس، لم يزد عددها عن مائة ، أما قضية زيارة عمان بملابس النوريات فيستبعدها عضوب وتركي كل الاستبعاد ، ويؤكدان أنه لم يغادر مضارب قبيلتهما بني صخر، ويقول عضوب أن لورانس وإن لم يكن ذو أهمية قيادية إلا أنه لم يكن شخصاً مغموراً لهذا الحد الذي يتيح له أن يغيب عن عيوننا دون أن نفتقده، وكلا الرجلين لا يذكر وجود النَّوَر ويقولان أن القصة لو صحت لما خفيت عليهما، وقد ضحكا عندما سمعا عن ما اختلقه لورانس أثناء كتابته للأحداث.

المراجع :

  • لورانس والعرب وجهة نظر عربية ، سليمان الموسى الطبعة الثالثة 2010م

كذبة لورانس – الجزء الثامن

Scroll to top