عثماليكس – الجزء 5 : معارك معان وفق مذكرات ضابط تركي

 

image1

 

تناولنا في نهاية (الجزء السابق) عن معارك معان وفقا لما كتبه مدير شعبة الاستخبارات في القوة التي كانت تحتل مدينة معان في رسالة وصف بها المعارك التي دارت حول تلك المدينة بين قوات الثورة من جهة والأتراك مع من ساندهم من الألمان والنمساويين من جهة أخرى ، و نستمر في هذا الجزء بوصف المعارك التي جرت حول معان وذلك من خلال وثيقة جديدة هي عبارة عن مذكرات ضابط تركي ،  يظهر فيها اعترافات الأتراك ببسالة قوّات الثورة و فرسان العشائر الأردنية وشجاعتهم واقترابهم الكبير من تحقيق الانتصار وتحرير المدينة في ظل ضعف القوات التركية امامهم ثم الانسحاب التكتيكي المفاجئ للثوار بعد ذلك :

يقول الضابط في مذكراته :

“علمنا في أول شباط ١٩١٨ من أقوال عيوننا وأرصادنا أن  قوات الثورة تعد العدة للهجوم على معان، وأنها قررت نسف الخطوط الحديدية شمالاً وجنوباً وتدمير الجسور بالديناميت ليحول دون وصول الذخيرة والعتاد الى القوات التركية في الجنوب بحيث يحملها على الاستسلام وأرسل محمد جمال باشا في طلب الإمدادات والنجدات لأنه اعترف بعجزه عن المقاومة وكان اليأس قد  سرى إلى نفسه أن يذهب بنفسه الى دمشق ليتصل برجال القيادة ويفاوضهم ويطلعهم على الحالة ويسعى لاستقدام قوات جديدة.

لكن سعيه جاء بعد أوانه فلم يكد يغادر معان حتى أخذت قوات الثورة بمضايقتنا، ودارت معارك بيننا وبينهم حول محطات السكة خلال شهري آذار ونيسان وكان النصر فيها سجالاً، فيوم لنا ويوم لهم وربما كان أعظمها شأناً معركة المدورة فقد التحم فيها الفريقان بالسلاح الأبيض وكان الثوّار يظهرون بسالة خارقة” .

133
قوات الثورة تصعد إحدى المرتفعات الجبلية في طريقها إلى معان لتطهيرها من الحامية التركية فيها

 

معلومات سرية ومخاوف وقرارات متأخرة

يتحدث الضابط عن المخاوف التركية مما وردهم من انباء عن طريق جواسيسهم ، حول تقدم الثوار باتجاه معان ونيتهم تحريرها ، وان قوات الثورة أعدت عدتها ووضعت خطتها الرامية لعزل القوات العثمانية الموجودة في معان عن الإمدادات العسكرية في الشمال والجنوب ، كما يتحدث عن تأخر وصول الإمدادات نتيجة لعدم أخذ القيادة العثمانية والألمانية لنداءات الاستغاثة على محمل الجد (كما جاء في الجزء الثالث  ووصفها من قبل القائد الالماني للقوات العثمانية بأنها من قبيل المبالغة العثمانية المألوفة) ، مما دفع قائد قوات الاحتلال العثمانية في معان محمد علي باشا للذهاب بنفسه الى دمشق، والتفاوض مع الضباط والقيادات هناك ، إلا أن ذلك حدث بعد فوات الاوان ، فمع مغادرته وصل الثوار وفرسان العشائر الأردنية لمشارف معان وبدأت معارك التحرير ، فكانت الحرب سجالاً ، ونلاحظ إشادة الضابط في مذكراته ببسالة الثوار وامتداحه شجاعتهم، وهذا شهادة حق من ضابط في الطرف المقابل.

346
قوات العشائر الأردنية قرب إحدى المرتفعات الجبلية في طريقها إلى معان لتطهيرها من الحامية التركية فيه

يستكمل الضابط في مذكراته :

“ولا أذكر جيدا تاريخ اليوم الذي ابتدأ فيه هجوم قوات الثورة على معان، وإنما أظنه وقع بين 5– 6  نيسان، فقد أخذت مدافعهم تطلق نيرانها بشدة على جبال سمنة وهو خطنا الأمامي وبينما كان جيشهم يدخله في المساء سمعنا أصوات الديناميت تقصف كالرعد من شمال وجنوب، ورأينا القضبان الحديدية تتطاير فأدركنا خطورة الموقف وعرفنا أننا اصبحنا في عزلة عن العالم، واستأنف جيش الثورة القتال في الغداة فأمطر خطوطنا الأمامية نيراناً حامية ثم هجوم المشاة تشد أزرها القبائل الأردنية فاستولوا بعد مقاومة طفيفة على المرتفعات القائمة بين معان وسمنة والمرتفعات الواقعة جنوبي المحطة ومركز القيادة التركية وكان نصرهم عظيماً في ذلك اليوم فقد صارت معان وسمنة تحت رحمة مدافعهم التي نصبوها في جبل سمنة كان رصاصهم يصل أيضا إلينا، فتراجعنا على إثر ذلك إلى الخنادق المجاورة وحشدنا قواتنا في خط الدفاع الأخير من المحطة وأقمنا في الخنادق الشرقية والأرض هناك منبسطة نحو 300 جندي للدفاع اذا حصل وهاجمتنا قوات الثورة من هذه الناحية مع مدفع واحد.

42
إحدى عمليات تفجير سكك خط القطار العسكري العثماني أثناء العمليات العسكرية لتعطيله و وقف استخدامه لتموين الحاميات التركية المتحصنة في معان و الأزرق

وكانت قواتنا في معان منقسمة إلى قسمين : قسم البلاد وقسم المحطة، وتتألف القوة الأولى من فوج مشاة لديها ٤ رشاشات ومدفعان نمساويان سريعا الطلقات يشد أزرهم فرسان العشائر المتطوعين من البلد وقد انضموا مع نسائهم للجيش وعددهم 300.

وتتألف قوة المحطة – وتبعد نحو نصف ساعة من البلدة – من فوج مشاة و ٨ رشاشات مع مدفعين نمساويين ومدفعي صحراء وآخر من الطراز القديم وقد نصبوها في الجبال المطلة على المحطة وفي الهضاب الممتدة على طريق معان وشرقيها ( المحطة ) وجنوبها وشمالها ويقود هذه القوة القائم مقام علي وهبي بك، وأصبحنا في اليوم الثالث ونحن أمام قوات الثورة وجهاً إلى وجه – يروننا ونراهم على مسافة 200 – 300 متر، وكانت قنابلهم تتساقط علينا كالمطر ونحن في الخنادق فلا نستطيع أن نرفع رؤوسنا مخافة ان يصيينا طلق ناري، واستنجد قائدنا بدمشق والمدينة أيضا طالباً إمدادات سريعة فأجابه فخري باشا من المدينة بأن امداده له هو الدعاء إلى الله بنصره وقالت القيادة العثمانية في دمشق يجب أن لا تستسلموا للعدو إلاّ جثثا هامدة، وبدأت قوات الثورة في صباح اليوم الرابع بهجوم على جميع المناطق من الميدان وكانت مشاتها تتقدم ببطء، وقد بلغ بعضها خنادق الترك ولكنها ما كانت تثبت في الميدان لعجزها عن مجاراة النظاميين فتراجعوا أمام نيران الترك ولا سيما رشاشاتهم فكانت تصليهم نارا شديدة – رغم تساقط قنابل مدفعية الثورة عليها.

134
خط سكة الحديد – محطة معان و يظهر منزل المهندس الألماني مايزنر – مهندس السكة – مع العلمين التركي و الألماني مرفوعين بجانب المحطة

واستولت قوات الثورة بعد نضال عنيف على آخر هضبة بجوار المحطة وأصبحوا يسيطرون على الساحة وكانت حالتنا سيئة جدا في اليومين الخامس والسادس فقد قلت مسيرتنا وكنا نوزع قطعة من الخبز المجفف مع قليل من الزيتون على الجند كما صدر أمر الى المدفعيين والمشاة بالاقتصاد في انفاق القنابل والرصاص لنفاذ المدخر لدينا.

وقد كنا في حالة يرثى لها لفقد القوة الأدبية ( المعنوية ) وصرنا عاجزين عن القيام بأقل حركة أمام قوات الثورة الزاحفة وأنهكنا التعب داخل خنادق لم تكن مبنية على الطراز الحديث . 

الحامية العثمانية تختبئ في الخنادق تحت وابل نيران  قوات الثورة

يصف الضابط مجرى الأحداث وكيف دارت المعارك، وعن هجوم قوات الثورة العربية الكبرى ومشاركة العشائر الأردنية فيها واصفا الدور الكبير للعشائر بأنها كانت تشد أزر الثوار ، وذلك خلال معارك تحرير معان من الاحتلال العثماني ، حيث يصف أدق التفاصيل المتعلقة بالمعركة ابتداء من تطاير قضبان السكة الحديدية، ووصولا لتعداد الأسلحة والمدافع الالمانية والنمساوية وعدد القوات التي تهاوت واختبأت في الخنادق المعدة المبنية بطريقة سيئة، نتيجة للضغط والكثافة النارية التي كان تحارب بها قوات الثورة، مما استدعى العثمانيين للانسحاب للخطوط الخلفية واتخاذ اوضاع دفاعية.

طلب النجدة من القيادة العثمانية والرد : لا نملك لكم سوى الدعاء

يصف أيضاً عجز القيادة العثمانية الألمانية عن إرسال أي دعم يذكر لقواتهم المحاصرة والمتهالكة تحت قنابل وصليات قوات الثورة، رغم محاولات الإغاثة واستجداء النجدة المتكررة من قبل قائد الحامية، إلاّ أن محاولاته كلها باءت بالفشل، بل يأتيه الجواب من فخري باشا المحاصر كذلك هو وقواته في المدينة المنورة في صيغة لا تخلوا من التهكّم ، بأنه لا يملك له من مساعدة سوى الدعاء،  ومن دمشق لم تصلهم إلا الأوامر بعدم الاستسلام والموت جثثا هامدة في صيغة لا تخلوا من اليأس ومعرفة اقتراب المصير، وهو ما تسبب بانهيار المعنويات في صفوف القوات العثمانية في معان، التي أنهكها التعب داخل الخنادق ، وأخذوا يتقشفون ويرشّدون استهلاك الغذاء والسلاح.

يكمل الضابط :

“واشتدت مضايقة الثوّار لنا حتى أصبحوا على بضع خطوات منا وكانوا يصلونا نارا حامية من مدافعهم ورشاشاتهم وكان رصاصهم يتطاير من الشبابيك والنوافذ فيدخل الغرف، كما تسلل بعضهم الى داخل المحطة، فاستدعينا القوة التي كانت في الجبل حينما رأينا اشتداد الحال فجاءت وطردت مقاتلي العشائر من حول المحطة، ولولا وصولهم لاستولوا عليها ولزادوا قوانا الأدبية وهناً على وهن.

ولإنعاش هذه القوى وتنشيطها أذعنا بلاغا قلنا فيه إنّ الفيلق الثامن الذي يتقدم من القطرانة لانجاد معان صار قريباً وأنه سيدخلها ليلاً.

وصل هذا البلاغ جنودنا في الخنادق وأنعشهم وظهرت عليهم علائم السرور واخذ بعضهم ينبيء بعضاً : إنّ النجدات تاخرت لأسباب قاهرة وفي اليوم السابع أخذنا إشارة لاسلكية من القيادة أنها أرسلت فوجاً مع عتاد وميرة ومدفعي صحراء لإنجادنا وأن قوات الفيلق الثاني بقيادة الأمير آلاي دلي شوكت أرسلت الى محطة القطرانة لتعزيز قوات المحطات بين القطرانة ومعان ولصيانة طريق المواصلات ولمنازلة قوات الثورة وقد بدأت كتائبها تهاجم المحطات بعد احتلال الطفيلة.

وفي ذلك اليوم وقبل وصول برقية القيادة المنشورة آنفاً أرسل علي وهبي بك الى الناصرة (مقر القيادة العليا للجيش التركي في بلاد العرب يومئذ) وإلى دمشق يقول فيها :

أن الذخيرة نفذت من مستودعات الجيش حتى لم يبق للجنود سوى خمس رصاصات وللمدافع سوى عشرين طلقة، وودع القيادة بعبارة مؤثرة “إنّ هذه آخر برقية أرسلها” وفعلا أمـر بإنزال عمود اللاسلكي، فأنزل، وأمر بإعداد المعدات في المحطة لنسفها ونسف المحطة في الصباح حتى لا يستلمها العرب حين دخولهم، وأبلغ الجند بأن يستعدوا المقاومة في السلاح الأبيض وأمر بدفن مال القيادة وكان لديها كميات من الذهب في حفرة يؤشر عليها إشارة سرية بعد دفنها، كما قرر حرق علم القيادة فلا يغنمه العدو.

وأشرقت شمس اليوم الثامن والثوّار يمطرونا نارا حامية شديدة كما كانت فقلنا أنها مقدمة هجوم عام على معان و أن انتصاره مؤكد وقد قررنا المقاومة بالسلاح الأبيض وعشنا في تلك الليلة أكثر من ساعتين أو ثلاث خوفاً من هجومهم وكنا ننتظر الدقيقة الرهيبة دقيقة المعركة الفاصلة حيث اشترك الجيشان بالسلاح الأبيض ولكن نيران العرب خمدت بعده”.

135
أحد المخافر التركية التي تم تدميرها من قبل قوات الثورة بعد تطهيرها من الحامية التركية في إحدى المناطق جنوب معان

الدعاية العثمانية الكاذبة

يصف الضابط اشتداد المعركة واقتراب المقاتلين العرب الشديد من القوات التركية المختبئة داخل المحطة ، وتطاير الزجاج عبر النوافذ ودخوله الغرف  وحالة الرعب التي كانت بها الجنود العثمانيين وقد كاد العرب يسيطرون على المحطة ويزيدون من انهيار معنويات الجيش العثماني لولا تدخل فرقة عثمانية كانت متمركزة على جبل مجاور.

كما يعترف باستخدامهم الأكاذيب لبث روح معنوية في جنودهم اليائسين، من خلال إذاعة بيان كاذب عن اقتراب وصول الامدادات، وهو ما لبث أن انتشر بين الجنود الذين اخذوا يتداولونه ويقاتلون بشكل أفضل مما سبق هذا البيان ، وتزامن هذا البيان في ذلك الوقت مع ارسال القائد العثماني لحامية معان علي وهبه بك برقية عاطفية يعلن فيها نهاية المعركة ونفاذ الذخيرة وأنها ستكون آخر برقياته ، تلا ذلك بعدها تجهيز معدات الإذاعة والمحطة و راية القيادة العثمانية للنسف والتدمير و الحرق لعدم افادة الثوّار منها في حال انتصروا ، وذلك يبرهن على شدة الوهن والضعف الذي كانت تمر به القوات العثمانية المحاصرة في معان في ذلك الوقت ، وشعورهم المؤكد بدنو أجلهم.

اخفاء المنهوبات

كذلك يتطرق الضابط بشكل غير مباشر لنقطة مهمة، وهو أن ذلك الوضع دفعهم كذلك لدفن المصاغات الذهبية والأموال التي كان يتم مصادرتها و نهبها وسلبها من البيوت الأردنية ومن التجار والمزارعين، حيث سارع مئات المرتزقة العثمانيين في دفن هذه الغنائم التي كانوا يسرقونها بغير وجه حق، ووضع العلامات التي تدل عليها أملاً في العودة لها لاحقا، وهو ما لم يتحقق ، وما كانت هذه الدفائن والكنوز في الحقيقة سوى حصاد تعب سنوات لمواطن أردني كان يرعى أو يزرع طول العام ، ليأتي ضابط عثماني يسلبه ما حصده.

بعد ذلك يتحدث عن وصول برقية تنبأهم حقيقة أن القيادة قد أرسلت لهم بعض الامدادات لمساندتهم، وكذلك عن تولي الفيلق الثاني لمهمة حراسة وصيانة السكة الحديدية العسكرية بين القطرانة ومعان والتي كانت قوات الثورة العربية الكبرى قد نسفتها لعزل القوات العثمانية المحاصرة في معان عن أي نجدات أو دعم قد يصلها.

يعيد الضابط التأكيد من جديد على الحالة النفسية الصعبة التي كان يمر بها أفراد الحامية العثمانية المحاصرة في محطة معان ، وأنهم كانوا يعدون اللحظات المتبقية لهم ، حتى اشتبك الطرفان بالسلاح الأبيض وتوقف الرصاص بعد ذلك.

يكمل الضابط العثماني وثيقة مذكراته حول معركة معان بهذه الأسطر :

“ودقّ جرس التلفون وأنا أنزل إلى مقر القيادة العامة تحت الأرض لأتلقى أخبار معان فبشروني أن العدو انسحب من الخطوط الأمامية وأنه يواصل تراجعه فأبلغت هذه البشرى إلى علي وهبي بك فدهش وكان لا يصدقها، ثم صعد إلى سطح الأرض ووجه منظاره نحو قوّات الثورة فوجده يغادر الهضبة والأكمات المحيطة بالمحطة فأدركنا حينئذ أن العدو لم يشدد نيرانه إلاّ ستاراً لانسحابه، وما هي إلاّ دقائق معدودة حتى انتشر الخبر بين الجند فأخذوا يطلقون النار عليهم.

ولكن قائدنا أصدر أمراً إلى الجند بالرجوع الى أماكنهم خوفاً من أن تكون هناك مباغتة وعند الظهر رأينا مدفعية قوات الثورة تطلق مدافعها من جبل سمنة وقد اختلفت الآراء في سبب هذا الانسحاب وفي تعليله خصوصاً وقد كانت معان على وشك التسليم بعدما فقدت ذخيرتها وميرتها، ولو هجم الثوّار علينا يوم انسحابهم لدخلوها دون عناء ولعل أقرب تعليل للحقيقة هو التعليل الأتي :

لما رأى القائد العام لقوات الثورة أن الهجوم على معان طال أسبوعاً ولم يقترن بنتيجة، أمر جنوده بالانسحاب خوفا من تضعضع القوة الأدبية ولئلا يؤثر ذلك في نفوس فرسان العشائر، وشرعنا بعد ذلك في العمل فأصلحنا سكة الحديد وأنشأنا الجسر الذي نسفوه بين معان والجردونة، ووصلتنا النجدات والميرة والذخيرة وسيرنا قطاراً إلى دمشق ارسلنا فيه الجرحى والمرضى كما عززنا الدفاع عن معان وبثينا الألغام حولها، ولما شعرت قوات الثورة بوصول النجدات ورجوع الترك الى نشاطهم بدأوا بمهاجمة ( الجردونة ) ونسف قضبان السكة الحديدية بين محطات الجردونة وعنيزة والحسا وجرف الدراويش، ولا بد لنا من الاعتراف بأن بقاء جيش الثورة في ( جبل سمنة ) المطل على معان أزعجنا، فقد كان يصب نيران مدفعيته في الصباح والمساء دون انقطاع على مراكزنا ولذلك قررت القيادة استرداد هذا الجبل، فقمنا بحركة سريعة وما كدنا نستولي عليه حتى فاجأتنا قوات الثورة فانسحبنا منه.

وقد انحصرت الأعمال الحربية في خلال شهري نيسان وأيار وحزيران بمناوشات بسيطة واتجهت عناية جيش الثورة في الحركة نحو الشمال واشتبك مع الفيلق الثاني التركي بمعارك هائلة في جبهات الحسا، واستبسل الفريقان واحتفظ الأتراك بموقعهم وانتقل مقر الفيلق الثاني من القطرانة إلى عمان بعد استقرار الحالة في تلك المناطق ووجه وجهه نحو جبل الدروز وحوران لمقاومة الحركة العربية الثورية بعد أن بلغ دعاتها تلك الأنحاء “.

342
زوبعة رملية تمر بأحد الاودية قرب معان أثناء العمليات العسكرية للثورة

 

مفاجأة لم يتوقعها أحد ، انسحاب عربي تكتيكي

يدور الحديث في الأسطر الأخيرة من الوثيقة عن المفاجأة التي حدثت في اللحظة الأخيرة من المعركة والتي لم تكن تخطر في بال أحد حيث كانت معان على وشك أن تتحرر،  لولا الانسحاب التكتيكي العربي الذي كان صادماً ومفاجئاً للعثمانيين الذين كانوا ينتظرون لحظاتهم الأخيرة، وهو ما لم يصدقه القائد العثماني علي وهبه بك حتى تأكد من ذلك باستخدام منظاره، الذي لم يتخلّ عن مخاوفه حتى رغم انسحاب قوات الثورة فهاهو يأمر جنوده بعدم اطلاق النار على قوات الثورة خوفاً من أن تكون هناك خطة هجوم ارتدادي.

ويعزو الضابط في تحليله ما حدث أنه بسبب ما يعتقد أنه قرار قائد القوات الثورة العربية الكبرى المهاجمة بالانسحاب خشية تأثر الروح المعنوية للمقاتلين الثوار و فرسان العشائر الأردنية ، في ظل استمرار المعركة لمدة اسبوع دون نتيجة ظاهرة ، لكن في الواقع أن النتائج المخبأة والمفاجأة كانت أكبر.

ويتضح هنا أن الثوار رغم إرادتهم وعزيمتهم وإيمانهم بهدفهم الكبير إلا أن ذلك لا يكفي، في ظل الافتقار لخبرة عسكرية في القتال الطويل الأمد، كما أنهم لم يدركوا وهن القوات التركية ولم يديموا زخم هجومهم في اللحظات القاتلة التي أوشك فيها العدو على الاستسلام، إضافة إلى قدوم الإمداد العسكري العثماني ما دعا قوات الثورة إلى رفع النار عن القوات التركية والتراجع فانقلب الموقف.

الحلفاء لا يرغبون بتفوق عسكري حاسم لقوات الثورة

ويقول الدكتور بكر خازر المجالي في تعليقه على هذه الوثيقة في كتابه التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية :

“وأي كان فإن الوثيقة لم تتطرق الى قوات الثورة العربية الكبرى وكيفية تنظيمها لهجومها وتنفيذه واعتمادها على القصف والإسناد المدفعي، هذا الذي قطعه ( بيزاني ) القائد الفرنسي عندما أوشكت قوات الثورة على تحرير معان، والتعليل في ذلك أن الحلفاء لم يرغبوا في أن يشاهدوا قوات الثورة تحقق نصراً حاسماً فأوقفوا الاسناد المدفعي وأتاحوا للأتراك استخدام أسلحتهم، فأضعف ذلك من معنويات قوات الثورة خاصة وأنهم تقاتل منذ ثمانية أيام وهي في هذه الحالة أحوج ما تكون إلى ما يدفعها للأمام وليس إلى ما يثبط من هجومها فيوقف زحفها أو على الأقل يوقفها عند المناطق الواقعة التي حررتها و استولت عليها.

ويضيف:  قد اعترف التقرير ببسالة الثوّار وقدرتهم على التعامل مع العدو، واعتراف بالحصار الذي ضايقهم، وليس ذلك فحسب فقد أدرك الأتراك أنهم بمعزل عن العالم بعدما شاهدوا قضبان سكة الحديد تتطاير، لكن هذه الأمور تزول بعد الانسحاب ويتمكن الأتراك من تسيير قطار إلى دمشق لنقل الجرحى والمرضى واستقدام المؤن وغيرها.

وأوضح التقرير أن الفرق بين النظاميين وغير النظاميين قد ظهر واضحاً بين قوات الثورة وهذا أثّر على سير المعركة واستفاد الأتراك من هذا التباين خاصة وأن المتطوعين من مقاتلي العشائر الأردنية لم يكونوا خبراء في التعامل مع التحصينات الدفاعية والاستحكامات التي كان العثمانيون وحلفائهم الألمان والنمساويون أكثر معرفة بها.

المراجع: 

  1. مجلة الحرب العالمية العظمى
  2. التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع. 1995

عثماليكس – الجزء 5 : معارك معان وفق مذكرات ضابط تركي

دور النشميات الأردنيات في الثورة

نشميات الشوبك

14329265_968038110007984_605238304_o

لم تغب شمس النشمية الأردنية عن تاريخ البطولة وكانت دوما المرأة الأردنية ركناً لا هامش في تاريخ التضحيات في سبيل استقلال الأردن وأساساً في التنمية في وقت الرخاء ومنذ القدم  وفي عهد الملك الأردني النبطي الحارث الرابع قام بتوثيق العملة الأردنية النبطية بنقش صورته جنباً الى جنب مع زوجته .

وفي العصر الحديث ضربت جداتنا أروع صور البطولة في مواجهة أربع مائة عام من الاحتلال التركي والتجهيل والفقر والسرقة تحت ستار الخلافة والتجارة بالدين  وسارت النشميات جنباً الى جنب مع فرسان العشائر الأردنية  حتى تحقق الحلم الأردني بالاستقلال وعودة الأردن الى مساره الطبيعي في  الحضارة .

ونحاول في هذا البحث المقتضب سرد أبرز المواقف البطولية التاريخية لنشميات الشوبك في رحلة تحرير الأردن من الاحتلال التركي:

محاولة استخدام النساء في السخرة كان مرة أخرى سبب إحدى الثورات التاريخية في الأردن ضد المحتل التركي البغيض وهي ثورة الشوبك

حيث كانت بداية الحكاية عندما حاول رجال الحامية التركية تسخير جداتنا والحرائر الأردنيات الشوبكيات لنقل الماء اليهم من الينابيع التي تجري في الوادي ، وقد أدت هذه المحاولة إلى إثارة رجال الشوبك الأحرار الذين يترفعون عن انحطاط توظيف المرأة في سياق فقه الحرملك التركي فهاجموا الجنود وطردوهم من القلعة ثم تحصنوا داخل اسوارها المنيعة للدفاع عن انفسهم .

يقول سليمان الموسى في كتابه المشترك مع منيب الماضي (الاردن في القرن العشرين) ما يلي:

»على أن رجال الحكومة أنفسهم كانوا كثيرا ما يلحقون الأذى بالأهلين ويوقعون بهم شتى المظالم فيستفزونهم للخروج عن الطاعة وحمل راية العصيان ومن المعروف أن الموظفين والحكام والمسؤولين الذين كانت تعينهم الحكومة لإدارة البلاد لم يكونوا دائما ممن يحسنون الإدارة ويهتمون بمصلحة الاهليين العامة ويقدرون المسؤولية حق قدرها ويراعون عادات البلاد وتقاليدها، ومن أمثلة سوء تصرف مأموري الدولة ان رجال حامية الشوبك حاولوا سنة 1905م، تسخير نساء البلدة لنقل الماء اليهم من الينابيع التي تجري من الوادي وقد أدت هذه المحاولة إلى إثارة رجال البلدة فهاجموا الجنود وطردوهم من القلعة، ثم تحصنوا داخل أسوارها المنيعة للدفاع عن أنفسهم «.

%d8%a3%d8%ae%d9%88-%d8%ae%d8%b6%d8%b1%d8%a9
نشميات الشوبك يشعلن النخوة و الحميّة في نفوس فرسان الشوبك لتخليصهن من السخرة للعثمانيين – لوحة للفنانة هند الجرمي

رفضت الإدارة التركية الممثلة باللجنة التي بعثها متصرف الكرك الى الشوبك شرط زعماء الثورة المتمثل بوقف سياسات القمع تحت قوة جنود الاحتلال التركي من منطلق أن الحكومة لم ولن ترغب أن يفرض الاهلون شروطا عليها « فأرسل متصرف اللواء مئة جندي من الفرسان ومعهم رشاشات للقضاء على الثورة وإلقاء القبض على زعامتها وعسكرت هذه القوة على الجبال المقابلة للبلدة قصد الإرهاب وحمل الثوار على الاذعان، ولكن ثوار الشوبك صمموا على الدفاع وانضم اليهم عدد من البدو المجاورين، وهدد قائد القوة بتدمير القلعة على من في داخلها من الثوار، واشترط المحتل التركي المطالب التالية:

  • اخلاء القلعة من الثوار.
  • تسليم الثوار لأنفسهم دون قيد او شرط
  • عودة رجال البدو إلى مضاربهم قبل حلول الليل
  • عودة الأهالي إلى منازلهم وعدم التجمع بالقرب من القلعة إلى حين استدعائهم للقصاص منهم
  • يرفع زعماء ووجهاء الشوبك الاعتذار الخطي الى الحاكم الاداري.

تدارس زعماء الشوبك مطالب قائد القوة المهاجمة فوافقوا على بعض الشروط خاصة في ظل عدم تساوي موازين القوى مقابل أن توافق الحكومة على مطالبهم، وتلخصت مطالب اهالي الشوبك في :

  • أن تحسن الحكومة اختيار الموظفين والحكام الذي الذين يديرون شؤون الادارة في المنطقة، وأن يكونوا على دراية بعادات وتقاليد أهل المنطقة.
  • معاقبة ومحاسبة قوى الدرك ورجال الحامية الذين اساءوا لنساء بلدة الشوبك ونقلهم من الشوبك نهائيا.
  • منع الجنود من دخول احياء الشوبك إلا في الحالات الامنية الضرورية.
  • يعتبر أهالي الشوبك- رجالا ونساء- غير ملزمين بجلب المياه من الينابيع إلى الحامية وجنودها، وإلى منازل الغرباء مهما كانت صفاتهم ورتبهم
  • اختيار العناصر العسكرية والأمنية وجباة الضرائب من ابناء الشوبك او من ابناء القرى الشوبكية المجاورة.
  • عدم تعرض الثوار إلى المساءلة أو الاعتقال أو الملاحقة الامنية

فهدّد قائد قوات الاحتلال التركي ثوار الشوبك بالإبادة ردا على مطالبهم ، فقرر أهالي الشوبك مقابلة التحدي بالتحدي، فما كان من القوة إلا أن هجمت على البلدة وفتكت بعدد كبير من رجالها، واحتلت القلعة وأخضعت أهل البلدة بأشد ضروب التعسف والتنكيل وشردت الأهالي وصادرت الأموال والممتلكات لتخضع الشوبك إلى فصل طويل من فصول الارهاب الذي مارسه الاحتلال التركي العثماني على مدى قرون، وأقدمت على اعتقال زعماء الثورة وساقتهم الى الكرك ثم نقلتهم الى دمشق للمحاكمة العسكرية بتهمة الخيانة والتمرد والقتل وهم:

  • مصلح الهباهبة
  • مطلق حسن البدور
  • أحمد خلف الغنميين

واستشهد مطلق حسن البدور واحمد الغنميين في السجن بينما أنهى مصلح الهباهبة مدة السجن وهكذا انتهت الثورة ولكن الشوبك سجلت من جديد أروع معاني البطولة في رسم طريق الاردن الشاق نحو الاستقلال وكانت كرامة المرأة الأردنية عنوان الثورة .

المراجع:

  1. طه الهباهبة، الشوبك في التاريخ والوجدان الشعبي،الجزء الاول،ص75.
  2. تاريخ الشوبك 1983-1946م ، فواز عودة الرشايدة.

نساء الثورة – نشميات الشوبك

دور النشميات الأردنيات في الثورة

نشميات بني عطية والحويطات

14329265_968038110007984_605238304_o

لم تغب شمس النشمية الأردنية عن تاريخ البطولة وكانت دوما المرأة الأردنية ركناً لا هامش في تاريخ التضحيات في سبيل استقلال الأردن وأساساً في التنمية في وقت الرخاء ومنذ القدم  وفي عهد الملك الأردني النبطي الحارث الرابع قام بتوثيق العملة الأردنية النبطية بنقش صورته جنباً الى جنب مع زوجته .

وفي العصر الحديث ضربت جداتنا أروع صور البطولة في مواجهة أربع مائة عام من الاحتلال التركي والتجهيل والفقر والسرقة تحت ستار الخلافة والتجارة بالدين  وسارت النشميات جنباً الى جنب مع فرسان العشائر الأردنية  حتى تحقق الحلم الأردني بالاستقلال وعودة الأردن الى مساره الطبيعي في  الحضارة .

ونحاول في هذا البحث المقتضب تقديم سرد موجز للموقف البطولي التاريخي لنشميات بني عطية والحويطات في رحلة تحرير الأردن من الاحتلال التركي:

حينما علم الشيخ الفارس كريم بن زعل بن عبيد العطيات (شيخ قبيلة بني عطيّة) ونخوته بين فرسان بني عطية ” أخو بخيتة ” بأمر الأردنيات السجينات بندر ومشخص المجالي زوجات أخويه  زعماء ثورة الكرك على المحتل التركي رفيفان وقدر المجالي وكيف تم القاء القبض عليهن نظرا لدعمهن للثورة و حضهن لرجال و فرسان الكرك عليها ومن ثم زجهن في سجن معان دون اعتبار للقيم و الأخلاق الإنسانية و الحالة الصحية التي تمر بها النشمية بندر المجالي حيث كانت الراحلة النشمية بندر المجالي حاملاً بحابس ابن الشيخ رفيفان المجالي (رئيس هيئة الأركان في الجيش العربي الأردني  وبطل معارك باب الواد واللطرون في القدس وقاد الجيش الأردني فيما بعد في أدق الظروف السياسية التي أحاطت بالأردن) ،  شاور الشيخ كريّم العطياّت  والدته (رياء بنت قاسم ابو تايه) ابنة عم الشيخ  عودة ابو تايه فقالت له : ( يا وليدي بناتنا وبناتهن واحد وعرضهن عرضنا والثورة في الكرك ثورتنا، لوماي حيلي مهدود كان جاورتهن في سجن البوق بمعان و ما تِوخّر ).

14657713_10211330088908363_1777864017_n
نشميات بني عطية و الحويطات أثناء مساعدتهن في توليد النشمية بندر المجالي في سجن معان – لوحة للفنانة التشكيلية هند الجرمي

 فتوجه رحمه الله على فوره إلى سجن معان وقام  بإعطاء المسؤولين في سجن معان المال لقاء أن يسجنوا زوجته واخواته معهن ، حتى لا تبقى بندر ومشخص امرأتين وحيدتين في السجن يتناوب حراستهما الرجال، وقامت نساء بني عطية و الحويطات بدورهن بالإشراف على ولادة البطل حابس المجالي اذ ساهمن بتخفيف ألم الولادة على الشيخة بندر المجالي وهذه البادرة النبيلة غير مسبوقه إلا في الأردن سطرتها النشميات من بني عطية بحضور الفرسان ونخوتهم للنشميات الأردنيات.

المراجع

  1. عدد من المقابلات البحثية لفريق ارث الأردن مع عدد من شيوخ و وجهاء و مؤرخي قبيلة الحويطات آب و أيلول 2016
  2. محمود الزيودي ،كركيات”1″،صحيفة الدستور الأردنية 28 ايار 2009، العدد رقم 17494 السنة 50
  3. مقابلة من فريق ارث الأردن مع عاطف عطوي المجالي ومقابلة مع رايق عياد المجالي في تاريخ 4/6/2016،الكرك-الربة
  4. بحث منشور للمؤرخ محمود سعد عبيدات، تاريخ 2008
  1. الكاتب و الأديب هزاع البراري مقالة بعنوان ( بندر ومشخص- رائدات العمل النضالي )

 

نساء الثورة – نشميات بني عطية والحويطات

دور النشميات الأردنيات في الثورة

نشميات النعيمات

لم تغب شمس النشمية الأردنية عن تاريخ البطولة وكانت دوما المرأة الأردنية ركناً لا هامش في تاريخ التضحيات في سبيل استقلال الأردن وأساساً في التنمية في وقت الرخاء ومنذ القدم  وفي عهد الملك الأردني النبطي الحارث الرابع قام بتوثيق العملة الأردنية النبطية بنقش صورته جنباً الى جنب مع زوجته .

وفي العصر الحديث ضربت جداتنا أروع صور البطولة في مواجهة أربع مائة عام من الاحتلال التركي العثماني والتجهيل والفقر والسرقة تحت ستار الخلافة والتجارة بالدين  وسارت النشميات جنباً الى جنب مع فرسان العشائر الأردنية  حتى تحقق الحلم الأردني بالاستقلال وعودة الأردن الى مساره الطبيعي في  الحضارة .

ونحاول في هذا البحث المقتضب تقديم سرد موجز للموقف التاريخي البطولي  لنشميات عشيرة النعيمي  في رحلة تحرير الأردن من الاحتلال التركي العثماني :

عندما ثار الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه على ظلم واستبداد طغاة الاحتلال العثماني تنادت له رجالات وقادات العرب وكان المجاهد «عبد الحميد النعيمي» من أوائل الملبين  للنداء ونظراً لقلة العدة والعتاد والأسلحة المتوفرة لدى قوات الثورة تنادت جداتنا من نشميات النعيمات وقمن بتقديم ذهبهن ومصاغهن لبيعه وشراء السلاح بثمنه ومدفع لمقاتلة المحتل العثماني التركي.

14627780_10211330088868362_1601278293_n
نشميات النعيمات يجمعن الذهب و الحلي و الصيغ اللاتي يمتلكنها لشراء السلاح و العتاد و المدفع لفرسان و مقاتلي الثورة – صورة للفنانة التشكيلية هند الجرمي

وظل ذالك المدفع – الذي يذكر إلى الآن فخراً لهن و للعشيرة، بعد أن اشتراه الشيخ عبدالحميد النعيمي من ذهب وحلي بنات النعيم – موجودا على باب قصر رغدان العامر حتى يومنا هذا لكي يبقى شاهدًا على عظمة فعل النشميات البدويات من بنات النعيم وبذلهن حليهن وذهبهن رخيصاً في سبيل رفعة وطنهن وعزة قومهن.

 

13081625_1015125495232867_318578152_n-225x400
صورة عن مادة صحفية منشورة عن مدفع نشميات النعيمات أمام قصر رغدان

كان الشيخ البطل عبد الحميد يفخر أن المدفع الموجود أمام قصر رغدان العامر اشتراه من مصاغ نساء عشيرته لذلك قال له الملك المؤسس عبدالله : ” هذا المدفع يا عبد الحميد يساوي عندي ذهب الدنيا ، ونساء عشيرتك سيفخر التاريخ بهن، لقد خسرن مصاغهن وربحن الذكرى الطيبة”.

13084091_1015136341898449_103508025_n-299x400
البطل عبدالحميد النعيمي

المراجع :

  • مقابلة بحثية لفريق الأبحاث في ارث الأردن مع أبناء و أحفاد البطل في منزله في المفرق ، أيلول 2016
  • نص مقابلة البطل عبدالحميد النعيمي مع مجلة الأقصى العسكرية بتاريخ 15/ ايلول /1971، أجراها معه الرئيس كايد حجازي، من كتاب التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية، بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع،ص398-402، مطابع القوات المسلحة الأردنية 1995.
  • صحيفة الدستور، الشيخ المجاهد عبد الحميد النعيمي اسم في ذاكرة التاريخ، محمد الفاعوري،بتاريخ 22-12-2015.
  • صحيفة الرأي ، ملحق أبواب ، عبد الحميد النعيمي: مناضل من زمن الثورة والبناء، هزاع البراري .
  • وكالة عمون الأخبارية، المجاهد الشيخ عبد الحميد النعيمي من مؤسسي الجيش العربي الأردني، د.محمد المناصير،بتاريخ 15-4-2014.
  • وكالة جراسا الأخبارية، ذكرى الـ (38) لوفاة المجاهد الشيخ عبدالحميد النعيمي، بتاريخ 4-1-2012.

نساء الثورة – نشميات النعيمات

دور النشميات الأردنيات في الثورة

خضرة المدادحة

14329265_968038110007984_605238304_o

لم تغب شمس النشمية الأردنية عن تاريخ البطولة وكانت دوما المرأة الأردنية ركناً لا هامش في تاريخ التضحيات في سبيل استقلال الأردن وأساساً في التنمية في وقت الرخاء ومنذ القدم  نرى صورتها جنباً الى جنب مع شريكها الأردني كما بعملة الملك الحارث الرابع وزوجته شقيلات.

وفي العصر الحديث ضربت جداتنا أروع صور البطولة في مواجهة أربع مائة عام من الاحتلال التركي والتجهيل والفقر والسرقة تحت ستار الخلافة والتجارة بالدين  وسارت النشميات جنباً الى جنب مع فرسان العشائر الأردنية  حتى تحقق الحلم الأردني بالاستقلال وعودة الأردن الى مساره الطبيعي في  الاسهام والتفاعل الحضاري.

ونحاول في هذا البحث المقتضب سرد الموقف التاريخي البطولي للنشمية خضرة المدادحة إبان الثورات الصغرى في رحلة تحرير الأردن من الاحتلال التركي العثماني:

 

خضرة المدادحة هي النشمية الأردنية التي تعود نخوة عشيرة المجالي الأكارم لفزعتهم لها حيث لم ترض الحرة خضرة المدادحة أن تصبح الأردنيات خادمات لحريم السلطان والمحتل التركي فانتخت بالفارس اسماعيل الشوفي  وهو الشيخ إسماعيل المجالي الملقب بـ “الشوفي ” والشوفي لقب و يعني الطليعة او من يترأس الفرسان ، وتتلخص مجريات الحادثة عام 1828 من خلال واقعة حدثت بالقرب من عين ماء في الكرك يطلق عليها عين سارة ، عندما اعترضت النشمية الكركية السيدة خضرة المدادحة  طريق الشيخ إسماعيل الشوفي في منطقة سيل الكرك ” عين سارة ” وكن آنذاك يتجمعن لملئ قراب الماء ومن ثم يقمن بنقلها إلى قلعة الكرك إجبارا على خدمة نساء حاشية القلعة من الأتراك ، وأثناء مرور اسماعيل وبصحبته عدد من الفرسان جهرت خضرة بصوتها لتسمع “الشوفي” و من معه وقالت له :

“ما تشوف ألمي تسيل من على ظهورنا يا إسماعيل ” وتقصد بذلك الظلم والإجبار الواقع على بنات الكرك”.

 

%d8%a3%d8%ae%d9%88-%d8%ae%d8%b6%d8%b1%d8%a9
النشمية خضرة المدادحة تستنجد بالشيخ اسماعيل الشوفي لرفع الظلم عن نساء الكرك من العثمانيين – لوحة للفنانة التشكيلية هند الجرمي

 

عندها صاح الشوفي بأعلى صوته قائلا ” أبشري وأنا اخوكي يا خضرة ” و عاد أدراجه إلى الكرك وقام بحشد الجمع من عشائر الكرك ومهاجمة حامية الخليل التابعة للجيش التركي والقضاء عليها وبعد تلك الحادثة قام الحاكم المحلي بطلب الصلح من الشيخ إسماعيل وكان من أول بنود هذا الصلح عدم إجبار بنات الكرك على نقل المياه أو خدمة نساء الحاشية التركية .

وكان الشيخ الشوفي قد أُعدم في عام 1834 انتقاما على يد السلطة العثمانية في سوق البتراء في القدس  ومعه صالح عبدالقادر المجالي”  بعد مشاركته بتهريب قاسم الأحمد الفار من نابلس والدخيل لدى والد الذبيحين الشيخ ابراهيم الضمور .

انهم اجداد بذلوا أرواحهم في حفظ كرامة المرأة الأردنية وأردنيات أورثن تاريخ من الشموخ والفخر ورفض الذل والانكسار للمحتل المغولي

 

المراجع:

 

  1. كتاب شيخ القلعة ،احمد جميل الضمور .
  2. معلمة التراث الأردني، الباحث روكس بن زائد العزيزي.
  3. مجلة الدفاع ،النار ولا العار،16/5/1936 .
  4.  د.سعد ابو دية ، ثورة الكرك 1910”  الهية
  5. مذكرات عودة باشا القسوس

نساء الثورة – خضرة المدادحة

دور النشميات الأردنيات في الثورة

عليا الضمور

14329265_968038110007984_605238304_o

لم تغب شمس النشمية الأردنية عن تاريخ البطولة وكانت دوما المرأة الأردنية ركناً لا هامش في تاريخ التضحيات في سبيل استقلال الأردن وأساساً في التنمية في وقت الرخاء ومنذ القدم  نرى صورتها جنباً الى جنب مع شريكها الأردني كما بعملة الملك الحارث الرابع وزوجته شقيلات.

وفي العصر الحديث ضربت جداتنا أروع صور البطولة في مواجهة أربع مائة عام من الاحتلال العثماني والتجهيل والفقر والسرقة تحت ستار الخلافة والتجارة بالدين  وسارت النشميات جنباً الى جنب مع فرسان العشائر الأردنية  حتى تحقق الحلم الأردني بالاستقلال وعودة الأردن الى مساره الطبيعي في  الاسهام والتفاعل الحضاري.

ونحاول في هذا البحث المقتضب سرد الموقف التاريخي البطولي للنشمية عليا الضمور إبان الثورات الصغرى في رحلة تحرير الأردن من الاحتلال العثماني :

وهي عليا الضمور زوجة الشيخ البطل إبراهيم الضمور شيخ محافظة الكرك في زمانه وأحد كبار مشائخ الأردن والتي قدمت ابنائها الاثنين شهيدين في سبيل الأردن.

وتتلخص الحادثة بهروب الشيخ قاسم الأحمد من فلسطين بعد أن بطش به جيش ابراهيم باشا فلجأ الى الاردن دخيلاً لدى الشيخ ابراهيم الضمور في عام  1834 م فلحق به جيش ابراهيم باشا  إلى الكرك وأرسل إلى الشيخ إبراهيم باشا الضمور الذي أجار القاسم في بيته يُـخيِّـره بين تسليم دخيله القاسم أو احراق ولديه (علي وسيد) الذين أسرهما عسكره خارج أسوار الكرك، ويسجل هنا دور زوجة الشيخ ابراهيم الحرة عليا أم البطلين ،حيث صاحت أمام هذا التهديد بحرق أولادها :

الراحلة عليا الضمور و نساء الكرك في وداع الشهيدين علي و سيد – لوحة للفنانة التشكيلية هند الجرمي .

(النار ولا العار يا إبراهيم، الأولاد يعوِّضنا الله عنهم، ولكن العار لا يزول)، فنادى الشيخ ابراهيم الضمور بالحاضرين بعد سماعه لموقف زوجته البطولي وطلب : ( أن يجمعوا له رزمة من حطب وأرسلوها إلى ابراهيم باشا  الذي لايعرف أن الوفاء بالعهد من شيم الرجال واقذفوا بها بين يديه وقولوا له: ليس إبراهيم الضمور من يُسلـِّـم الدخيل )، اشتعل الحقد في قلب ابراهيم باشا فأوقد نارا وقذف بها الشقيقين علي ثمَّ سيِّـد على مرأى من الوالدين المفجوعين بفلذتي الكبد، لكن الأردنيين لم يرضخوا لوحشية سلطة الاحتلال بل استمروا في مقاومتها عبر سيل طويل من الثورات الصغرى التي تكللت بالتحرير عبر الثورة العربية الكبرى.

للاطلاع على قصة جلحد العرود الحباشنة او ما يعرف بـ(دلة جلحد) انقر هنا.

وقد توفيت عليا يونس العقول الضمور والدة الشهيدين علي و السيد بعد حادثة حرقهما بأقل من عام.

%d8%a7%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b6%d9%85%d9%88%d8%b1
الراحلة عليا الضمور و الشيخ ابراهيم الضمور في وداع ولديهم الشهيدين علي و سيد – لوحة للفنانة التشكيلية هند الجرمي .

المراجع:

  1. كتاب شيخ القلعة ،احمد جميل الضمور .
  2. مجلة الدفاع ،النار ولا العار،16/5/1936 .
  3. معلمة التراث الأردني، الباحث روكس بن زائد العزيزي.

نساء الثورة – عليا الضمور

 الشيخ مثقال الفايز – عقيد الصخور

methgal-1

 

اسمه و نسبه

هو الشيخ مثقال بن سطام بن فندي بن عباس بن سلامة بن ذياب بن عواد بن فايز ادبيس بن فضل بن رحمه بن غبين بن امجيد بن طويق.

ولادته و نشأته

ولد عام 1885، على وجه التقريب، عاش فترة صباه في كنف خاله (هجهوج بن حزام أبو الوكل – شيخ الكواكبة (فخذ من قبيلة الرولة)، حيث تزوج من ( الخنساء بنت مزهي أبو الوكل )، وحين بلغ العمر قرابة الثلاثين سنة عاد الى ديرة أهله (الفايز) من بني صخر ليصبح بعدئذ شيخ مشايخ بني صخر، ونظرا لنشأة الشيخ مثقال الفايز بكنف أخواله من الرولة فقد تعلم من حياة البادية الشيء الكثير الأمر الذي أكسبه صفات عديدة، فبالإضافة إلى بنيته الجسمانية الرشيقة تعلم أيضا فنون الفروسية والعادات البدوية الأصيلة حتى أنه كان يتكلم بلهجة الرولة لفترة طويلة من حياته.

بعد أن عاد مثقال لمضارب أهله، تزوج من أرملة اخيه شبلي السيدة (شاهه البخيت ) والتي ترملت بعد مقتل اخيه شبلي، ثم رزق بابنه (سلطان)، وبحلول 1917، توفي أخوه الشيخ فواز الفايز، وتولى الشيخة ابنه مشهور، لكن الأيام لم تطل لمشهور حيث توفي مبكرا فانتقلت الشيخة إلى مثقال (عواد صياح البخيت و عمر محمد العرموطي: ص 56  – 57).

سماته وصفاته الحميدة

كان مثقال يتمتع بذكاء كبير، و رؤية بارعة صاحب نخوة ومروءة، يدير شؤون العشيرة بحكمة وفطنة، وغض الطرف عن اساءات البعض اذ لا تغضبه صغائر الامور، وكان يملك مساحة كبيرة من الاراضي والتي تزودة بالغلال وهو المصدر الأساسي لمعاش الناس، وقد اعتمد على سياسة توزيع جزء من هذا الناتج على الفقراء والمحتاجين، وكذلك قام بمد شيوخ القبائل الأردنية الأخرى بالمؤن والحبوب عندما يكونون بحاجة لذلك كتعبير عن الشعور الجمعي بالمصير المتبادل و المشترك وخاصة في مواجهة ارتفاع الضرائب العثمانية و استمرار مصادرة محاصيل القبائل و مؤنها و رحيلها هربا من البطش العثماني خارج أراضيها الزراعية، وهذا ما جعل شيوخ العشائر و أهلها تشهد لمثقال بالكرم والطيبة.

7.indd
الشيخ مثقال الفايز متوسطا لضيوفه على مأدبة الطعام

ونظرا لأن العُرف الاجتماعي كان يقضي بأن العزوة الكثيرة والقوية من أهم أساسيّات القوة لأي شيخ عشيرة فقد قام بمصاهرة عدد من عشائر بني صخر والقبائل الأخرى، وكان له ذلك، فقد تزوج من عدد من النساء لتمتين الروابط الاجتماعية مع عدد من شيوخ العشائر الأردنية عبر المصاهرة بالنسب، وأنجب أربعة عشر من الأبناء الذكور وعددا آخر من الاناث، وكان من أبرزهم الشيخ سلطان وهو اكبرهم ، ودولة عاكف الفايز ، و الشيخ سامي الفايز و الشيخ طايل والشيخ طلال .

7.indd
دولة الشيخ عاكف مثقال الفايز

اهتم الشيخ مثقال الفايز بالأرض وارتبط بها ارتباط كبيرا، إذ ورث حبه وتعلقه بالأرض و الزراعة عن والده سطام، حيث ذكر أن سطام هو أول رجل من بني صخر اهتم بالزراعة في القرن التاسع عشر وعُني بها، وقد ترك مثقال عند وفاته عام 1967، ارثا كبيرا من الأراضي والقرى وكان ذلك نتيجة طبيعية لحرصه و اهتمامه بالأرض وعدم التفريط بها أو بيعها، وقد قدرت مساحتها عند وفاته بأكثر من مئة وعشرين الف دونم.

الألقاب و الكُنى التي اشتهر بها

  1. راعي البلها: والبلها هي اسم ناقة
  2. مثقال باشا: لقب بذلك من قبل الحكومة العثمانية، وكذلك نال هذا اللقب من سمو الأمير عبدالله بن الحسين بعد وصولة الى عمان 1921. (خير الدين الزركلي، ص 106).
  3. شيخ المشايخ: كونه قد اعتبر شيخا على مشايخ بني صخر قاطبة، وقد ورد ذكر (شيخ الشيخان )، عن مثقال في كتاب سيبروك (وهو مستشرق امريكي عاصر مثقال).
  4. أبوسلطان: نسبة الى ولدة البكر (سلطان).
  5. أخو ذهيبة: ذُكر أن الشيخ مثقال كانت له اخت اسمها (ذهيبة)، وهذه التسمية يطلقها الفرسان و الشيوخ على انفسهم اعتزازا بأسماء أخواتهم اللواتي ينتخون بهن في كل موقعة أو موقف.
7.indd
الشيخ مثقال الفايز متوسطا ضيوفه في تعليلة مسائية

دوره في الثورة العربية الكبرى

عانى بنو صخر وغيرهم من أهالي شرقي الأردن في العهد العثماني مرارة الحكم التركي وتسلطه وجوره وملاحقته لهم، بسبب رفضهم الذل والاستعباد، وامتناعهم عن دفع الضرائب الباهضة التي كانت مفروضة على أراضيهم ومواشيهم، وكانت بلادهم مقطعة الأوصال مشتتة الأحوال، وكان بنو صخر يومَ شبّت الثورة على مستوى لابأس به من اليقضة والوعي، بفعل احتكاكهم بغيرهم ممن يعيشون في الحواضر القريبة منهم، كما أن ثورة الكرك 1910، زادت من وعي الناس وتصميمهم على الخلاص من الحكم التركي.

وحين وصلت الى الشيخ مثقال الفايز وشيوخ بني صخر دعوات الانضمام للثورة العربية الكبرى هبوا هبّة رجل واحد، فكان شيوخ بني صخر يجمعون الفرسان ويحثونهم على المشاركة في الثورة و يزودوهم بالسلاح و يقودوهم بالعمليات العسكرية خلال الثورة، وقد تمكّن رجال من بني صخر  وبمساعدة قوات الثورة من قطع خط القطار العسكري العثماني الموصل بين عمّان ودرعا ودمشق لقطع الإمداد عن القوات التركية المتحصنة وحلفائها الألمانيين و النمساويين في معان، وكان لبني صخر شرف التصدي للقوات التركية وحلفائها المحتلة المنسحبة من معان في 22 أيلول 1918، كما اشترك عدد من فرسان بني صخر في حملة سيارة بقيادة الأمير فيصل بن الحسين فقامت بتطهير تل عرار من العثمانيين شمال الحدود الأردنية.

9.indd
وثيقة استسلام القوات التركية في منطقة زيزياء موقعة من القائد التركي علي بيك 1918

وانضم فرسان بني صخر إلى قوات الحلفاء المساندة لقوات الثورة التي نظمت لقطع خط رجعة القوة التركية المرابطة في شونة نمرين عام 1918، وعهد إليهم بحراسة طريق شونة نمرين وادي السير ليمنعوا الأتراك من سلوكها. وشاركو بعملية تحرير درعا في أيلول 1918، واستمروا يناصرون قوات الثورة حتى دخلت دمشق كما وقفوا إلى جانب اخوتهم العرب في معركة ميسلون.

مثقال باشا يسجن جنرالا بريطانيا

يورد خير الدين الزركلي في كتابة عامان في عمان قصة حادثة سجن بيك باشا[1]، فقد قال له يوما صديقه المرحوم كامل البديري[2] : ( إن وزارة أم العمد لأقوى والله من هذه الوزارة التي ألفها الفرنسيون في سوريا)، فقال له خير الدين الزركلي : ( وما وزارة ام العمد ؟ ) فقال البديري : ( تلك الوزارة ألفناها في قرية أم العمد من قرى بني صخر، وقد عاشت أيام )، يقصد إبان بدء عهد الانتداب البريطاني للأردن.

  تعجب خير الدين الزركلي من قصة الوزارة فاسترسل كامل البديري يحدثه عنها فقال: ( نشأ خلاف بين إحدى العشائر المجاورة و مثقال الفايز على أرض ادعت الأولى أن الثاني اغتصبها ورفعت العشيرة أمرها الى حكومة (الصلت)، فطلبت محكمتها مثقال للمحاكمة، فامتنع فرأى وكيل المعتمد البريطاني ومفتش درك شرق الأردن بيك باشا أن الفرصة سانحة لإذلال بني صخر في شخص شيخهم فألح بوجوب جلبه للمحاكمة، ثم زحف بيك بقوة إلى اليادودة القريبة من أم العمد ، ورأى ضعفا فيمن معه فاضطر أن يعدل عن فكرة الضرب بالقوة، وذهب منفردا إلى أم العمد ليعتقل الشيخ مثقال، فحجزه مثقال في مخزن التبن و لم يسئ معاملته ، وأعلنّا في أم العمد استقلالنا عن الانتداب البريطاني، وقد توسط الشريف علي بن الحسين الحارثي في الصُلح أثناء وجوده بالسلط قبل إعلان إمارة شرق الأردن، فأطلقه الشيخ مثقال إكراما للشريف (خير الدين الزركلي: ص 40). (منيب الماضي و سليمان الموسى، ص 140).

المسيرة الوطنية للشيخ مثقال الفايز

لمّا احس الأردنيون بالفراغ السياسي بعد هزيمة المحتل التركي و رحيله عن البلاد بعد أربع قرون من السلطة الهمجية الموغلة بالقمع و الحقد، سارع شيوخ مناطق السلط وعمان والكرك إلى عقد اجتماع في منتصف كانون اول 1919، لجمع التبرعات وإعداد المتطوعين للدفاع عن البلاد، وشكلت لجنة أطلق عليها اسم لجنة الدفاع الوطني وانتخب مثقال رئيسا لها. (مفلح الفايز : ص 122).

انخرط الشيخ مثقال الفايز بكل قوة في هموم أمته ولفحته حرارة الأحداث التي تجري في المنطقة في ذلك الزمن، لقد احس بعظم المسؤولية وخطورة الوضع الذي بدأ يتشكل على الأرض، سارع مثقال الفايز ومعه نفر من وجاء و شيوخ العشائر و المدن الأردنية إلى استقبال الأمير عبدالله وسافر إلى معان لاستقبال الأمير ووضع يده بيده وعاهده على الإخلاص والولاء للعرش الهاشمي.

و كبطل أردني شارك في معارك الثورة للوصول إلى حلم الحرية و الاستقلال من الصلف و الطغيان العثماني من أجل العرب جميعا، فقد كان الدفاع عن الأرض الأردنية و العربية أيضا ومد يد المساعدة للأشقاء العرب في فلسطين وسوريا حجر الأساس في سعيه ودعواه، فقد استقبل الشيخ مثقال الفايز وشيوخ بني صخر الشريف علي بن الحسين الحارثي بعد انتهاء عمليات الثورة لاستكمال المشروع النهضوي التحرري و بمعيتهم نحو ألف فارس وبعدها استقبل الأمير عبدالله المؤسس في عمان بعد قدومه اليها من معان عام 1921 لبناء الدولة الأردنية الحديثة. (عواد صياح البخيت و عمر محمد العرموطي: ص 168، 173، 175).

وعندما ابتدأ تشكيل الامارة وبدأت تسير في خطواتها الأولى نراه وقد انتخب عضوا في المجلس التشريعي الأول 1929 – 1931، (ساكب ابوكوش: ص85)،

3.indd
الأمير عبدالله بن الحسين و الشيخ مثقال الفايز يشاهدون مسيرة عرس الأمير طلال مع عدد من الوجهاء أمام قصر رغدان العامر 1935

 وقد عمل مدافعا عن حقوق المواطن وتنبيه الحكومة عن أوجه التقصير، كما انتخب نائبا عن بدو الشمال في المجلس التشريعي الثالث (1934 – 1937)، (ساكب ابوكوش: ص 150).

فروسيته في مواجهة الوهابيين

تعتبر غزوات الخوين سلسلة من الغزوات التي شنتها القوات الوهابية من نجد هدف بها الوهابيون لتوسيع امتدادهم الجغرافي وسيطرتهم على المنطقة عبر احتلال عمان عاصمة الإمارة الجديدة، ومن ثم تحطيم أية قوة تقاوم هذا اتجاههم هذا.

وشملت غزوات الإخوين غزوتين رئيسيتين الأولى عام 1922، والثانية عام 1924، واللتان جاءتا متتابعتين ومتزامنتين من حيث التوقيت، لم تكونا بالطبع بلا أهداف سياسية محددة، ولم يأت توقيت القيام بهما جزافا وليد الصدفة، وهذا يدل على أن وراءهما تخطيطا محكما ودقة متناهية في بلوغ اهدافها (التي فشلت)، بسبب صمود رجالات الأردن الابطال وفي مقدمتهم فرسان قبيلة بني صخر.

يروي خير الدين الزركلي انه في 15 آب عام 1922، نهض الناس على دوي الطبل الشديد، فتسابقوا اليه يسألون عما حدث، ولم يلبثوا أن سمعوا النذير يصيح بأن الوهابيين أغاروا على قرى بني صخر على حدود عمّان وأن القتال لا يزال ناشبا بينهم وبين بني صخر.

وما انتصف النهار حتى كانت الحكومة قد سيرت ما عندها من القوة العسكرية ومن انتخى من العشائر الأردنية القريبة، نجدة لبني صخر، ودام القتال من فجر الثلاثاء الى ضحى الاربعاء وقد تغلبت العشائر الأردنية على المغيرين من الوهابيين، وقد أبلى رجال بني صخر في تلك الواقعة بلاءاً عجيبا ولا سيما الشيخ مثقال باشا، وكان إلى جانبه الشيخ حديثة الخريشا وعدد كبير من شيوخ و فرسان بني صخر و عقداء الخيل فيها، وكان لبني صخر الدور الأكبر في صد العدوان الوهابي، وقد بلغت خسائر القوات الوهابية حوالي (300) قتيل وأسر منهم حوالي (30) مقاتلا، معظمهم من الجرحى.

وحينها أرسل الشاعر عبد المحسن الكاظمي منها قصيدة للأمير ( آنذاك عبد الله بن الحسين ) يمدح بها بني صخر والشيخ مثقال ومنها:
وليحيا أقوام مثقال فقد وزنوا    من الرجال بمثقال قناطيرا

فيما بدأت الغزوة الثانية صباح الخميس 14 آب 1924، و التي لم يشارك بها الشيخ حيث ذكر المؤرخ مفلح الفايز أنه في اليوم الثاني من المعركة كان سمو الأمير عبدالله ومثقال باشا الفايز قد وصلا الى البلاد بعد عودتهما من أداء فريضة الحج. (عواد صياح البخيت و عمر محمد العرموطي: ص 151 – 153). و (مفلح عطالله الفايز، ص 129 – 145).

رفضه للمعاهدة البريطانية الأردنية عام 1928.

رفض الأردنيون المعاهدة البريطانية الأردنية عام 1928، وطالبوا بإلغائها وجرت مظاهرات حاشدة للمطالبة بذلك، وفي عام 1931 طالب مثقال الفايز بإلغاء المعاهدة ودعم الثورة السورية عند لقائه شيخ عربان مصر حمد باشا الباسل، كما عقد الأردنيون المؤتمر الوطني الاردني الأول 1928، إذ لم تكتف العشائر الأردنية بالاحتجاجات بل تحرك زعماء وشيوخ ومفكرو الأردن بشكل منظم وذلك بعقد مؤتمرهم في مقهى حمدان بعمان بتاريخ 25 تموز 1928، وكان هذا أول مؤتمر وطني في تاريخ الاردن الحديث، تحت عنوان (المؤتمر الوطني الأول للشعب الاردني)، وحضر المؤتمر (150) مائه وخمسون مندوبا من الزعماء والشيوخ والمفكرين والأدباء الذين يمثلون مختلف العشائر و المناطق الاردنية. وقد أعلن المؤتمر رفضه للمعاهدة سنة 1928، وتم اصدار أول وثيقة وطنية أردنية باسم (الميثاق الوطني)، الذي عمل على انتخاب لجنة تنفيذية كان الشيخ مثقال من بين أعضائها إلى جانب عدد من أعيان الاردن وزعمائه لمتابعة قراراته. (ساكب ابوكوش: ص51).

كما كان له دورٌ كبير في انعقاد مؤتمر أم العمد (مؤتمر الشيوخ) في حزيران عام 1937، فقد عقد في قرية أم العمد مؤتمرا لشيوخ الأردن وزعمائها، وقدمت اللجنة التنفيذية لذلك المؤتمر مذكرة لوزارة الخارجية البريطانية ومذكرة أخرى لسمو الأمير، وفي هاتين المذكرتين ندد المؤتمرون بوسائل العنف التي تلجأ اليها حكومة الانتداب وبسياساتها الخاطئة، ووقع المذكرة عدد من الشيوخ منهم: حمد بن جازي، مثقال الفايز، كليب الشريدة، رفيفان المجالي، صالح العوران، حامد الشراري. (منيب الماضي و سليمان الموسى: ص 455).

وفاته

توفي الشيخ مثقال الفايز 1967، عن عمر يناهز الثانية والثمانين عاما، بعد حياة حافلة بجليل الأعمال، شكلت وفاته خسارة كبيرة للأردنيين، نظراً للدور الكبير الذي اضطلع به، وللمكانة التي حققها طوال سني عمره، وقد دفن في بلدة أم العمد، المكان الذي أحبه، وأمضى فيه معظم حياته، وبالرغم من مرور عقود على رحيله فما زال ذكره بين الناس حياً، وستبقى ذكراه ما بقي الخير بين الناس عامراً، فالرموز الوطنية كالأشجار تثبت واقفة ما دامت أرض الوطن تحتضن أجسادهم الطيبة.

 

المراجع

  1. عواد صياح البخيت و عمر محمد العرموطي، سيرة حياة الشيخ مثقال سطام الفايز (شيخ مشايخ بني صخر)، (عمان، المؤلفين، 2009).
  2. مفلح عطالله الفايز، عشاءر بني صخر – تاريخ ومواقف حتى سنة 1950، ط1، (عمان، المؤلف، 1995).
  3. خير الدين الزركلي، عامان في عمان – مذكرات عامين في عاصمة شرق الاردن 1921 – 1923، ط1، تحقيق ومراجعة عيسى الحسن، (عمان، الاهلية للنشر والتوزيع، 2009).
  4. منيب الماضي وسليمان الموسى، تاريخ الاردن في القرن العشرين 1900 – 1959، ط2، (عمان، مكتبة المحتسب، 1988).
  5. حازم مبيضين ، ( راعي البلها عقيد الصخور مثقال الفايز ) ، وكالة عمون الاخبارية ، 26-10-2009.

[1] بيك باشا: ضابط بريطاني يمثل الانتداب البريطاني على شرق الاردن (كقائد عسكري)، والذي بدأ بعد انسحاب الاتراك ، وقاموا بتنفيذ خطة لتطويع العشائر والقبائل البدوية، ومن ضمنها قبيلة بني صخر، وكان هذا القائد الانجليزي يعتقد بأنه صاحب الامر والنهي، ويستطيع ان يفعل مايشاء، وهو مدعوم بالقوة العسكرية فاعتقد بأنه يستطيع احضار هذا الزعيم الوطني بمجرد ان يبلغ الشيخ مثقال بهذه الاوامر من قائد انجليزي لايرد له طلب (كما يعتقد).

[2] شاب متعلم من أعيان القدس أصدر جريدة الصباح

الشيخ مثقال الفايز – عقيد الصخور

النائب الشيخ توفيق المجالي

الشيخ البطل توفيق المجالي

 

مقدمة

رائد وعميد البرلمانيين الاردنيين في مجلس المبعوثان العثماني، كان من رواد الممثلين لبلاده وهو من منارات الأردن الذين شاركوا بهمة واقتدار في المشروع النهضوي والتحرري من الاحتلال العثماني .

 بقيت شخصية الشيخ توفيق المجالي محفورة في الذاكرة الوطنية لأنه صاحب موقف مفصلي و تجربة عميقة بحيث لا يمكن تناولها إلاّ في سياقها الثقافي والاجتماعي والسياسي.

نشأته

هو توفيق بن عيسى بن يونس المجالي ولد عام 1880م ، كان معروفا بحنكته بكافة المقاييس، فقد ولد في بيت كركي يمتاز بالشجاعة والفروسية وتعلم القراءة والكتابة صغيرا قبل أن يكمل مشاوره التعليمي في مدرسة الكرك التي بنيت على نفقات عشائر المنطقة.

ثم انتقل الى مدرسة عنبر في دمشق وأكمل تعليمه مع المثقفين والسياسيين والمفكرين فكان قلم الحرية في الكتابة بالكلمة والموقف عن النهضة والكفاح ضد أفعال الاحتلال العثماني.

عاش الشيخ توفيق المجالي في منزل والده الشيخ عيسى المجالي وتعلم مبادئ الشجاعة والفروسية بالسيف والبندقية والكرم الذي أكسبه معرفة واسعة في شؤون حياة بيئته العشائرية وغيرها من الأمور في وقت مبكر من عمره .

يعتبر الشيخ توفيق أول عضو من منطقة الكرك في مجلس المبعوثان، حيث قدم حياته في سبيل وطنه من أجل النهضة والتحرر من الاستعمار العثماني، وكانت فطنته واحتكاكه بالمراكز السياسية والثقافية مؤهلا لأن يجعله في بؤرة الأحداث الاقليمية والعالمية في عاصمة الدولة العثمانية، استطاع الشيخ توفيق المجالي أن يخوض الأحداث الصعبة والحاسمة بذكائه العميق ووعيه النادر.

قلعة الكرك مطلع القرن العشرين

توفيق والبرلمان العثماني

مثل توفيق المجالي لواء الكرك في مجلس المبعوثان العثماني لدورتين، حيث فاز في انتخابات العام 1908، والعام 1914 حيث ضم اللواء كل من : السلط، ومعان، والطفيلة والكرك.

في 20 أيلول سنة 1908م أُعيد نشر قانون الانتخابات، وهو قانون الانتخابات الثاني الذي صدر أصلا في شهر حزيران 1877م، وأجريت بموجبه الانتخابات لسنة 1908م على اعتبار أن كل لواء يمثل دائرة انتخابية، على أن يكون نائب واحد لكل خمسين ألفاً من الذكور، وإذا كان عدد الذكور في اللواء أقل من العدد المذكور وأكثر من خمسة وعشرين ألفاً يكون لهم نائب واحد، ويكون نائبان لكل لواء يفوق عدد الذكور فيه خمسة وسبعين ألفاً، وثلاثة نواب إذا فاق العدد مئة وخمسة وعشرين ألفاً. وتجري الانتخابات علـى درجتين ينتخب في الأولى الذكور الذين أتموا الخامسـة والعشريـن من العمـر، والمنتخبين الثانويين الذين ينتخبون بدورهم نواب اللواء.

كانت تركيبة النواب من الطبقة المقتدرة، فقانون الترشيح اشترط مؤهلات مالية للمرشح، جعلت من يخوضون الانتخابات من علية القوم، كانت طريقة الترشيح تتم بواحدة من ثلاث طرق: أن يتقدم المرشح بطلب مباشر من الوالي، أو أن يرشحه 300 من الأهالي على الأقل، أو أن يقوم حزبه بترشيحه.

لم يتم ترشيح الشيخ توفيق المجالي الى مجلس المبعوثان عن طريق الانتخابات لأن من فاز بالانتخابات فعليا هو الشيخ قدر المجالي وذلك عندما اعلنت الانتخابات في الكرك عمن يمثل الاردن لدى مجلس المبعوثان العثماني بأكثر الاصوات، ولكن الشيخ قدر المجالي تنازل بها إلى توفيق المجالي باعتباره صاحب علم و ثقافة وخبرة سياسية ولأن الشيخ قدر أراد أولاً أن يتفرغ لشأن عشائر الكرك و ثانيا وقوف عشائر الكرك في وجه الشيخ قدر ومنعه من الذهاب الى تركيا خوفا من غدر السلطات العثمانية به نظير مواقفه الصلبة في وجه المحتل العثماني .

الشيخ الفارس قدر المجالي يتوسط فرسان و أبناء عشيرته ابان ثورة الهية-1910

وكان الاتفاق بين أهالي الكرك والشيخ قدر أن يمثل صوت أهالي الكرك بينما يقوم توفيق المجالي صوت الأردنيين الحر في معركتهم السياسية مع الاحتلال التركي، وأصبح الشيخ توفيق بك المجالي ممثل ولاية الكرك في مجلس المبعوثان العثماني، وكان الشيخ توفيق المجالي عند حسن ظن وثقة الأردنيين، فبنى علاقات متينة مع نواب الدول العربية الاخرى كأولى الخطوات التكتيكية لبناء حلف سياسي يضم نواب المنطقة تجاه منظومة السياسة التركية العثمانية.

دوره المحوري في حركة التحرر في المنطقة

يعتبر الشيخ توفيق المجالي من الشخصيات الاردنية التي اعتمدت على ذكائها الفطري وشخصيتها الوطنية الفذّة، حيث انتخب كنائب عن الأردن لدورتين الأولى في عام 1908م والثانية كما تؤكد بعض الوثائق عام 1914، فكان على عاتقه مسؤولية كبيرة ومرهقة لأنه النائب الوحيد عن الأردن في مجلس النواب العثماني التركي، استوعب الشيخ توفيق المجالي أن هنالك لعبة سياسية قذرة تقوم بها حكومة الاحتلال العثماني التي على اثرها بدأ التفكير بفكرة اللامركزية فقام بتوطيد علاقاته مع نواب الدول العربية الاخرى، ومن النواب الذين بنى معهم الشيخ توفيق المجالي علاقات سياسية وعلاقات جيدة مع سعد الدين (نائب حوران) و خالد البرازي(نائب حماه) و رضا الصلح (نائب بيروت) و شكري العسلي (نائب دمشق) .

كان الشيخ توفيق المجالي يتقن فنون الدهاء السياسي، وصاحب رؤى استراتيجية سياسية في مجلس النواب التركي اذ قام بنقل أفكار ومعاناة النواب العرب بطرق اتصالية تحفظ لهم حقوقهم وكرامتهم فكان البرلماني الناجح موضع الإعجاب والتقدير من قبل النواب العرب.

كما ساهم النائب الفذ توفيق بك المجالي بنقل التوجهات والأفكار السياسية الخبيثة للحكومة العثمانية إلى النواب العرب وإلى أبناء وطنه والتي تمثلت في :

  1. سياسة التتريك
  2. ابعاد العرب عن وزارتي الخارجية والداخلية
  3. إبعاد الضباط الأردنيين و العرب من مواقع خدمتهم العسكرية الإجبارية الداخلية وإرسالهم إلى مواقع البؤر المتوترة في البلقان واليمن ونجد وغيرها.
  4. التجارة بالدين كغلاف لجرائمها.
  5. تدمير المسيرة الحضارية للأردن وأهلها عبر سياسات التجهيل و القمع .
  6. الإهمال المقصود والممنهج المفضي لتدمير المجتمعات وسرقة اموال الناس باسم الضرائب .

مثل هذه التوجهات وغيرها من الأفكار و الحقائق التي ساهم الشيخ توفيق المجالي في ايصالها إلى النواب العرب وأبناء وطنه والتوعية بخطورتها والتهديد الذي تشكله على وجودهم ومسيرتهم الانسانية، جعلت دوره التنويري يعاد صياغته من قبل ابناء الأردن في معركتهم ضد الاحتلال العثماني من أمثال الشيخ قدر المجالي وعودة القسوس في الكرك ويوسف السكر الدبابنة في السلط وعبد المهدي من الطفيلة وخليل التلهوني من معان، فقد تأثر الشيوخ بالمفاهيم السياسية التي كان ينقلها لهم الشيخ توفيق المجالي عن الأحوال والظروف و السياسات التركية وما يخططون له من أعمال خطيرة.

وفي تاريخ 20/آذار/1911م  قدمت المرافعات من قبل النواب العرب في مجلس المبعوثان العثماني ومن بينهم توفيق المجالي على ما يحدث في الكرك من تدمير وتشريد وقتل لأهالي المنطقة على إثر ثورة الكرك التي شملت كل مناطق الأردن، وكان الشيخ توفيق الأكثر حماسا وانفعالاً في المرافعة التي قدمها في مجلس المبعوثان.

كما قدّم نائب بيروت رضا الصلح بيانا بيّن فيه أن فساد الإدارة العثمانية في الكرك هي سبب ما يحصل بها وأن ما يقومون به بالكرك من تجنيد اجباري وإحصاء للأنفس ما هي إلا اجراءات ظالمة وما يشملها من فرض ضريبة العشر والغرامات على أهل الكرك بحيث أصبحت وكأنها تفرض الغرامة على المقتول من قبل القاتل.

 وقدم نائب دمشق شكري العسلي مرافقعة طالب فيها الدولة العثمانية بوقف حمام الدماء ضد الأردنيين والتوقف عن ملاحقة شيوخ العشائر، ووضّح أن السبب الرئيسي فيما يحدث في الكرك هو غياب الحكمة والضمير من أصحاب القرارات والقيادة في السلطة العثمانية.

وهاجم نائب حماه خالد البرازي كلا من الوالي اسماعيل فاضل وسامي الفاروقي واتهمهم بأنهم رجال انتهازيون ولا يهمهم سوى المال ولا يحترمون موقعهم، وقال أن الجرائم التي يقوم بها جنود الدولة العثمانية في الأردن ستبقى وصمة عار في تاريخ الدولة العثمانية، كما أن أهل  الكرك لن ينسوا قذف شيوخهم من أعلى قمم القلعة الى الوادي وتحطم جماجمهم، ونوّه أن الهجوم على مدينة الكرك التي كانت دوما عاصمة حضارية في المنطقة هي جريمة بحق الحضارة و الانسانية.
وعلى هامش هذه الجلسة النيابية عقد النواب العرب جلسة خاصة مع وزير الداخلية ( جلال بك) وذكرت جريدة (المقتبس) في عددها الصادر رقم 694 تاريخ 22/آذار/1911م، أن وفد النواب العرب تشكل من : شكري العسلي، وشفيق مؤيد العظم، و توفيق المجالي، وطالبوا وزير الداخلية بتعيين حاكم إداري جديد في الكرك واستبدال الوالي بآخر يعرف العربية وبسحب القوات العسكرية من الأحياء السكنية في الكرك وبقية المدن في اللواء.
لم يستجب وزير الداخلية لمطالب النواب العرب، بل تأثر كثيراً بالمقالات الصحفية التي تناولت شخصية توفيق المجالي، وبخاصة جريدة (اقدام) التي طالبت بإلغاء الحصانة النيابية عنه ومحاكمته عرفياً.

وكان الشيخ توفيق المجالي  مبعوث الكرك في مجلس النواب العثماني كما ذكرت جريدة المقتبس بتاريخ 3/12/1912 قد قدّم وصفا لبشاعة الجريمة في مداخلته في مجلس المبعوثان جاء فيها بأنها كانت الأكثر عنفا حيث اتهم الحكومة التركية بالكفر والزندقة، وبأنها تسعى إلى قتل العرب و الأردنيين و أهالي منطقته وطمس هويتهم إنسجاما مع عقيدتهم الملوّثة بالدم، وقال الشيخ توفيق المجالي في مُداخلته : ( إن الأساليب التصفوية بحق أهلي وعشيرتي وبلدتي جريمة خطط لها كهنة لا يعرفون الله، صدورهم مليئة بأحقاد جنكيز خان وهولاكو لأنهم بطبعهم لا يعيشون إلا بالفتن والنعرات وتصفية الآخر) ، وبعد تلك الجلسة شدَّدت الحكومة التركية من اجراءاتها في مضايقة النوَّاب العرب وأصدر الديوان العرفي أمرا بإلقاء القبض على الشيخ توفيق المجالي وإرساله بحرا إلى بيروت لينقل منها إلى دمشق لمحاكمته بالإعدام.

ضابط من الجيش العثماني متسلحا أمام أحد بيوت الكرك في أعمال مراقبتها لأسر الفرسان حال عودتهم لمنازلهم إبان أحداث قمع الثورة

وكان الشاعر سالم أبو الكباير قد كتب قصيدة داعمة لموقف توفيق المجالي عضو مجلس
المبعوثان عندما حكم عليه بالإعدام سنة 1911 م، تاليا نصها :

أبدى بذكر الله على كل معبود          الواحد الموجود ماله شريكين
يشفق لقلباً من غثا البال ملهود          جوده ولطفه واكرم دوم راجين
سبحان من شرف حبيبه شرف زود    نورا ظهر به النبي واظهر الدين
سبحان من خلق نصارى ويهود        حبوسا يبلمها ابلام الفراعين
سبحان من حط بالناس حاسود          يكتب خطايا و لاكسب نية الزين
سبحان من عطا سليمان داود            واحد يسد بيدل عشره وثلاثين
سبحان من فرح الملك بوجود             الحمد لله شفتنا البيك بالعين
توفيق كما سيفاً مصقول بالزود         ابواب خشبها ما يخشاه رديين
حطوه بالمركب على الشام مردود     تسليم يد اللي على القطع ناوين
جلس مجالس شيبت كل مولود        بيهن ترى صلف الرجاجيل مسكين
حرا شهر للبيض ما ايداني السود      صفق بيده وارتفع للقوانين
شهر من بيروت لمصر معمود          رجع على اسطنبول قابل سلاطين
خش الابواب العالية بطرز وبنود      محل تكميل الشرف حافظ الدين
روح كما حصان البحر سنسل الجود    متساميا لون القمر والميازين
اظن قمرنا عقب الياس وجحود          الحمد لله بمجازي الملاعين

ملاحقة العثمانيين لتوفيق المجالي.

وبسبب السياسة التركية التي تميزت بالقمع والسرقة والقتل والمؤامرة لاحقَ الاحتلال العثماني الشيخ توفيق المجالي لتقديمه إلى المحاكمة، وخلال ذهابه الى بيروت عن طريق البحر ونفيه لإعدامه في دمشق، تمكن الشيخ توفيق المجالي من اللجوء إلى إحدى السفن الانجليزية التي ذهب من خلالها الى مصر – الاسكندرية وأعتبر أول لاجئ سياسي أردني في القاهرة حتى صدور العفو عام 1912.
يقول الشيخ توفيق عن رحلة اعتقاله هذه :

 ( فحاولوا أن يقفوا في طريق انتخابي، واتحد الاتحاديون في مطامعهم لإصدار الأمر من الديوان العرفي بالقبض علي وإرسالي تحت الحفظ إلى دمشق وعلى ذلك أرسلت مخفورا إلى بيروت، إن من الأمور الطبيعية والمعقولة أنني لا أسلم حياتي لمخالب المتظاهرين بحب الانتقام مني، وبالرغم من براءتي مما نسب الي اضطررت للذهاب إلى مصر صيانة لشرفي وكرامتي ليس إلا ) .

وقام الشيخ توفيق في القاهرة بالمناداة بالاحزاب العربية وإقامة حزب عربي ضد السياسات التركية وجرائمهم ضد البشرية .

كان عند توفيق المجالي استراتيجة بتجنب النزاع العسكري المسلح كما حصل في ثورة الكرك (الهيّة) ضد أرتال الاحتلال العثماني عبر التدرج بنزع سلطة الاحتلال، فكانت رؤيته  السياسية تقضي  بالانتقال إلى الاستقلالية عبر اللامركزية والتي تعني نقل السلطة من مركزها في دولة الاستعمار بالعاصمة الأستانة ( استنبول ) الى الدول الواقعة تحت الحكم العثماني في ذلك الوقت و تعتبر هذه الرؤية تدرج في رؤية سياسية ذكية في إضعاف قبضة الاحتلال على الدول.

وفي جريدة المقتبس الدمشقية في ايلول 1911 كتب توفيق بك المجالي مقالاً يتطرق فيه لما تعرضت له مدينة الكرك من تدمير وتخريب من قبل قوات الاحتلال العثماني بعد ثورة الكرك بعنوان (اصلاح الكرك) حيث تمثلت مطالب الشيح توفيق في المقال بــ ـ:

  1. افتتاح المدارس في كل من الطفيلة ومعان والكرك والسلط
  2. انشاء طرق بين الكرك – القطرانة والكرك – البحر الميت ، والطفيلة – جرف الدراويش و طريق السلط – الاغوار.
  3. إعادة اعمار البيوت التي هدمها الاستعمار في الكرك
  4. ايصال المياه من عين سارة الى قصبة الكرك
  5. استكمال بناء الجامع العمري في المدينة

كان الشيخ توفيق يرغب بتحويل بلاده و مدينته الكرك إلى جنّة تحفظ كرامة أهلها كما تم وعده من قبل السلطة العثمانية، لكن الواقع أن سمة الخبث بالاحتلال العثماني حولت هذه الجنة الى جحيم.

توفيق المَجالي يفتح النّار

وحيث كان النائب توفيق المجالي لاجئاً في القاهرة، رافضا تنفيذ أوامر توقيفه من الديوان العرفي في دمشق، الذي طلبه قبل أيام، بعد اسقاط حصانته النيابية، للتحقيق معه في التهم الموجهة له، فقد نشرت الصحف العربية في دمشق، نقلاً عن صحيفة (المؤيّد) المصرية، بتاريخ 13/ 3/ 1912، خِطابُ النائب البطل (توفيق المَجالي) إلى الصدر العثماني الأعظم سابقاً (حسين حلمي باشا) عشيّة آخر انتخابات عثمانيّة عام 1912 ، هذا الخطاب بالغ الأهمية، لما فيه من معلومات أولاً، ولشرحه بعض الملابسات الخاصة بثورة الأردنيين الوسطى  في الكرك على السلطات العثمانية، ومن وجهة نظر أحد أبنائها، ونائبها في مجلس المبعوثان.

ومما جاء في هذا الخطاب الناري المفتوح :

  • ( ….فالتهب الحريق في أطراف البلاد، وتهدّمت أركانها، وأهرقت دماء كثيرين.. (ما) جعلنا ندعو بالرحمة للفراعنة ونيرون والحجّاج وجنكيز وهولاكو)
  • (… وعدم اكتفائهم بقتل وتعذيب الذين وقعوا في أيديهم، فقاموا يذبحون الذين يسلّمون أنفسهم بأمان الله )
  • (  اذهبوا إلى الكرك المسكينة وانظروا حولها وما حولها.. هي مقبرة.. الكرك اليوم .. خرابة يأوي إليها الغراب والوحش.. تلك حالة نبكيها بالدماء )

العفو السلطاني العثماني

وبسبب خوف الدولة العثمانية جاء العفو السلطاني عام 1912 بمناسبة إعلان إيطاليا الحرب على (ليبيا) واحتلالها ومهاجمة ولاية طرابلس، فاضطرت الحكومة العثمانية لإصلاح الأوضاع الداخلية وبخاصة في مناطق البؤر المتوترة، والعمل على تهدئة الخواطر.

وقد شمل العفو السلطاني السجناء من أهل الكرك وحوران وجبل الدروز، ولكنه لم يشمل الشيخ توفيق المجالي وأبناء عشيرته ، حيث شمله العفو الثاني وكانت تهمته من قبل حكومة الاحتلال أنه يقوم بدعم ثورة الكرك من خلال تحريض النواب العرب واتهامه للجنرال سامي الفاروقي وبقية جنرالات الجيش العثماني بالقتل العشوائي.

وفاته

 بعد عودة  الشيخ توفيق المجالي إلى الكرك وقعت الحرب العالمية الاولى وتسلم رئاسة بلدية الكرك لثلاثة اعوام، وفي عهد الحكومة العربية الفيصلية عمل معاونا لمتصرف الكرك إلى أن توفي وقد أعقب ابنة واحدة ، ودفن في مقبرة النبي نوح وما يزال قبره موجودا حيث نقش عليه بيت من الشعر يقول :

 بكت عين المكارم والمعالي  على المفضال توفيق المجالي

المصادر:

  1. جريدة الدستور، ثقافة وفنون، منتدون: توفيق المجالي منارة كركية بارزة،  2012-09-29
  2. ثورة الكرك 1910 في سياقاتها العربية، د.بسام البطوش، زاد الاردن الاخباري.
  3. الشيخ هايل عزام المجالي، ص 17 من أوراقه الخاصة .
  4. دلال سلامة ، السجل، العدد 72، 2009
  5. منتديات أبناء الاردن، محمود سعد عبيدات، 12-03-2008
  6. موقع قبيلة المجالي، توفيق بك المجالي
  7. موقع وزارة الثقافة ، منتدون: توفيق المجالي منارة نضالية بارزة، نسرين الضمور .
  8. ثورة الكرك 1910 “الهيَّة” ، إرث الأردن
  9. أثر وإنسان، محمد رفيع ، صحيفة الرأي، 13- 10- 2017.

توفيق المجالي – نائبٌ في وجه احتلال

Scroll to top