عرس في بلدي

محمد المعاني *

10425486_791025217639525_1089137944817060461_n

الزمان:1962م

المكان: معان

تجمعن نسوة من الحي في منزلنا، قالت جدتي : ( تربس الباب مزبوط وخليك قاعد لا تفتح لناس ) ، رفعن غطاء الرأس وشلحن التراويك وبدأت الفتيات بالغناء :

يا شوفير وين موجه

دربك وعر وطلوعي

عبي البنزين من دمي

والبراغي من ضلوعي

يا أبو قضاضه بيضا

شو غير علي لونك

قلبي عليك مثل النار

قلبك علي شلونه

انتهت موجة الغناء وبدأت الدبكة حيث شاركنا الكبار؛ اذ تشابكت الأيادي لتدكّ الأرض بأرجل تكاد تطلع من تحتها ماء، أعجبني الغناء فحفظت منه القليل فالمشهد الحركي طغى على الصوت وبيت أبو قنطره شاهد حي زرته اليوم  21-10-2016م،  و عشت المشهد بروعته حيث تجسد أمامي بحلوه ومرّه ترحمت على أيام لا تنسى.

لا زلت أردّد بعض ما حفظت:

هلولي يا هلولي وأنا راكب ذلولي

والمزراب بشقع والبركه مليانه

يا كونة سهل سمنه شابن جدايل راسي

يا بارود التحاتا هدّ الحيط مع الساسي

يا بارود الكراشين يا حسه نومس راسي

يا بارود الشاميه مثل حب القليّه

والمزراب بشقع واللي يفقع يفقع

صنولي هني اتمقل من شيخا لاقاني

والطول منه قصير كنه وليد السلطاني

وتنتهي حفلة العرس مع أذان المغرب، لنهجم نحن الصبية على سدور الرز بشعيرية والمزين بشوربة البندورة،  نلتهم بعنوة وسط ضحكات تتعداها لقهقهة لنسوة عرفن بأن الجوع أرهقنا؛  فنحن كنا ندبك في الحوش وبهوس حتى تقطعت أحذيتنا فهذا يوم فرح مغاير لفرح اليوم وعنعنات صالات وجاتو وبهرجة لا تسمن ولا تغن من جوع.

* محمد المعاني : كاتب و مؤرخ أردني

عرس في بلدي

Tammamيعتبر الأردن نقطة جذب ومحط أنظار للباحثين في الإرث الحضاري بمختلف اهتماماتهم، فتجد الباحث في عصور ما قبل التاريخ مهتماً بمواقع تلك الفترة لما تقدمه من معلومات قيّمة تربط الإنسانية بجذور التمدن والزراعة، وتجد الباحث في الفترات الكلاسيكية مهتماً بما تملكه مدن الأردن المبنية في الفترات اليونانية والرومانية  وما قدمته من تطور في مجال العمارة والتجارة وربط العالم ببعضه البعض، حتى أنك تجد عالم الآثار التوراتيّ ينقب بشغف علّه يجد ضالته، فيربط نصّه الديني مع الواقع الأثري في هذه البقعة من العالم التي شهدت أحداثاً عظيمة ومرّ على أرضها أنبياء وقديسين وعلماء وشعراء.

ولم يقف الاهتمام بالأردن عند البحث والتنقيب، فامتد لتتسابق كبرى المتاحف في العالم على اقتناء بعض من إرثنا الثمين، حتى أصبح الزائر لأحد تلك المتاحف قادراً على الإلمام بجزء من تاريخ الأردن من خلال ما يملكه متحف ما من إرثنا وآثارنا.

إلا أن هذا الواقع أصبح مؤرقاً رغم أنه يبدو لطيفاً ويخدمنا كما يظن البعض، ويبدو أن أهم عاملين يساهمان في ذلك هما: عدم فهم دور المتحف بشكل كافٍ في مجتمعنا، وعدم قدرة متاحفنا على الظهور على الساحة المحلية والدولية. وهذان عاملان يحتاجان إلى مقالة منفردة للتعمق فيهما.

لا يخفى على أي أردني أن كماً لا بأس به من إرثنا تم نقله إلى متاحف مختلفة خارج الأردن، كما لا يخفى أن كثيراً مما نقل خارج الأردن نفيس جداً ويحكي جانباً كبيراً من قصة الأردن والأردنيين. ومن أجل التوضيح، فإن عملية نقل القطع الأثرية إلى الخارج كانت في جزء منها قانونية، إذ كان قانون الآثار الأردني يتيح للمنقّب من البعثات الأجنبية الحصول على نصف ما يُعثر عليه في أي موقع يتم التنقيب فيه، وهو ما كان يعرف بقانون القسمة، ما أدى إلى انتقال كمٍ لا يستهان به من الآثار خارج الأردن بشكل قانوني. ولست في هذا المقام بصدد الحديث عن ذلك القانون الذي وبحمد الله تم تعديله وما عادت تلك القسمة الضيزى موجودة، وإنما أردت إيضاح أحد الطرق التي نقلت من خلالها آثارنا إلى خارج الأردن.

أما ما يعنينا هنا فهو الطرق غير القانونية التي تم نقل الآثار فيها إلى الخارج، كالتهريب والاتجار غير المشروع بالآثار المنقولة حتى باتت كبرى المزادات تتاجر بإرثنا وتاريخنا. وهذا عائد في المقام الأول إلى مستوى الوعي بأهمية التاريخ والإرث ويعكس خللاً في منظومة الوعي والأخلاق لدى من يتاجرون بإرثنا، وعلينا جميعاً أن نعمل على تعديل تلك المنظومة، كلٌ في مكانه وحسب إمكاناته وسلطاته.

قصر المشتى 1900 وتظهر الزخارف التي قام النظام التركي العثماني بنزعها واهدائها للقيصر الألماني تماشياً مع سلوك ادارة المزرعة بالحقبة
قصر المشتى 1900 وتظهر الزخارف التي قام النظام التركي العثماني بنزعها واهدائها للقيصر الألماني تماشياً مع سلوك ادارة المزرعة بالحقبة

أما النوع الأخطر الذي أدى إلى خروج نفائس إرثنا فيعود إلى الفترة التي كانت الأردن فيها تحت الاحتلال العثماني -ويحق لي أن أسميه احتلالاً- وفيما بعد تحت الانتداب البريطاني. ولعل أشهر قصتين يعلمهما كل أردني هما قصة بيع مسلّة ميشع لجندي فرنسي، وقصة إهداء السلطان عبد الحميد الثاني واجهة قصر المشتى لألمانيا لتستقر المسلة في متحف اللوفر، ولتزين واجهة المشتى مدخل متحف البرجامون في برلين.

وليست الحادثة بعينها ما يؤرقني، وإنما رأي البعض الذي بتُّ أسمعه يتردد في العديد من الأوساط المثقفة من ارتياحهم لوجود تلك النفائس في متاحف عالمية بحجة أنها ستكون في مأمن هناك أكثر من وجودها في متاحفنا، إضافة إلى أن البعض يجنح في رأيه إلى أن وجودها خارج الأردن يعطيها الفرصة لأن يشاهدها زوار أكثر مما لو عرضت في متاحفنا.

إن هذا الموضوع خطير جداً وبحاجة إلى توضيحه وسد تلك الذرائع الواهية بنظري. وإذا ما أردت الرد على هاتين الذريعتين، فإنني ربما أحتاج لسلسلة من المقالات، ولكن، وعلى عجالة أقول:

أولاً: من الظلم بمكان أن نعتبر أنفسنا غير مؤهلين للحفاظ على إرثنا لأننا ببساطة إن لم نكن قادرين على الحفاظ عليه، فأولى لنا أن نفقده لأننا لا نستحقه، إلا أننا طبعاً وحتماً قادرين على حمايته لا بل وقادرين على تقديمه للعالم بأبهى صوره. فإن كانت متاحفنا غير مجهزة بما يليق لعرضه، فإن هذا يعد دافعاً للنهوض بمتاحفنا للمستوى الذي يؤهلها لعرض إرثنا، لا أن نتباكى عليها ونجلد ذاتنا على عدم القدرة ونعطي مبرراً لغيرنا بأن يحفظ إرثنا نحن. إن هذه الذريعة غير مقبولة البتة. ناهيك عن أن الأردن يملك من المتاحف –وإن لم تكن كلها- ما يضاهي كبريات المتاحف في العالم، ولنأخذ متحف الأردن نموذجاً، حيث أن ما يوفره متحف الأردن من إمكانات للحفاظ على مقتنياته يفوق ما يوفره كثير من المتاحف حولنا وإن اتسعت الدائرة. وإن لم يكن متحف الأردن فهناك متاحف أخرى مؤهلة وتملك الإمكانات كالمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة. وما هذان إلا مثالين على ما يمكننا توفيره حفاظاً على إرثنا، بدل أن نتذرع ونبرر لغيرنا سبب امتلاكه إرثنا الذي نحن أولى به.

ثانياً: لولا آثارنا المعروضة في كبرى المتاحف في العالم، لما زار تلك المتاحف هذا الكم من الزوار سنوياً وليس العكس. ما يعني أن وجود القطع الأثرية الثمينة والهامة يدفع الناس إلى زيارتها للتعرف على قصتها. ومن هذا المنطلق، فإن الأولى أن نعرض إرثنا وأن نحكي قصته في متاحفنا لأن ذلك سيساهم كثيراً في جذب السياح إلى متاحفنا وبالتالي تحسين منتجنا السياحي وزيادة أعداد السياح القادمين إلينا. وكأحد العاملين في قطاع المتاحف، أشاهد يومياً زواراً يأتون للمتحف تحديداً لرؤية مخطوطات البحر الميت، إذ أن المخطوطات تشكل سبباً رئيساً في زيارتهم الأردن، فما بالك لو كانت المخطوطات ومسلة ميشع وواجهة المشتى وغيرهم الكثير؟؟؟ أليس هذا ما سيدفع الناس لزيارة متاحفنا وزيارة مواقعنا؟ أوليس مثل ذلك ما يدفع الناس لزيارة المتحف البريطاني والمتروبوليتان واللوفر وغيرهم من المتاحف؟؟؟

إذاً، القصة نحن من عكَسها وهي ببساطة كالتالي: هيّء متحفك جيداً، وضع فيه ما يروي قصتك ويجذب إليها الزوار، وسيأتونك من كل حدب وصوب. ومن أجل هذا علينا أن نحسن متاحفنا ونرقى بها إلى المستوى المأمول، لا أن نسقط إسقاطات من شأنها إعطاء الآخر مبرراً لعدم كفاءتنا على حماية إرثنا.

وأخيراً أقول: إن من واجب كل أردني أن يطالب بالحفاظ على إرثه، ومن واجب كل أردني أن يطالب بتوفير بيئة مناسبة تليق بموروثنا الحضاري. ولذلك علينا أن نعمل بكل ما أوتينا للوصول بمتاحفنا إلى المستوى الذي يؤهلها أن تضم كنوزنا.

 

تمّام الخصاونة

اختصاصي البيئة المتحفية

متحف الأردن

إرثنا ونحن أولى بعرضه…. حتماً

a5adaebbea7d11c56780e8f4393e9efa

د.رحيل محمد غرايبة

انطلق صوت الإعلامي الأردني «صلاح أبو زيد» عبر أثير الإذاعة الأردنية الفتية ظهر يوم الاثنين 29/آب /1960، ينعى إلى الشعب الأردني والأمة العربية «دولة السيد هزاع المجالي بالعبارة المشهورة : «بورك الدم يا كرك …..» وانطلقت زغاريد الأردنيات في الكرك وسائر المدن الأردنية، وهرعت الجموع تصرخ «بورك الدم يا كرك» على إثر إذاعة الخبر من وسيلة الاتصال الوحيدة آنذاك، ليسطر هزاع اسمه في سجل قائمة الشهداء، ويحتل مرتبة متقدمة في قائمة الشرف الأردنية.

ولد هزاع المجالي في أواخر عام (1919) في «ماعين» في مضارب أخواله من دار أبو وندي، وتخرج من ثانوية السلط ليعمل في دائرة الأراضي والمساحة، ثم التحق بمحكمة صلح مأدبا كاتباً لها، ثم اختار دراسة القانون في جامعة دمشق وتخرج منها وعمل في تشريفات الديوان الملكي.

استطاع هزاع المجالي أن يفوز بالانتخابات النيابية عن منطقة الكرك عام (1951م) ثم فاز مرة أخرى عام (1954م) واستلم حقيبة وزارة الداخلية، ثم شكل الحكومة الأولى عام (1955) التي لم تدم سوى ستة أيام، ثم عاد لتشكيل الحكومة الثانية عام (1959م).

معظم الذين تعرفوا على الرجل وكتبوا عن سيرته أجمعوا على تميزه وتفوقه ورجولته وشجاعته الاستثنائية، ووصفوه بأنه كان عروبياً حتى العظم، وفي الوقت نفسه كان أردنياً حتى النخاع، كما كان سياسياً ذكياً بارعاً ملماً بالمشهد المحلي والإقليمي والعالمي، وكان على إطلاع تام إزاء ما يتم تدبيره للمنطقة وللأردن على وجه الخصوص، ويبدو أنه أجاد قراءة المشهد بدقة إلى تلك الدرجة التي شكلت عاملاً من عوامل القلق والازعاج لأولئك الذين امتهنوا التخطيط في الظلام وفي غيبة الجماهير من أجل السيطرة على المنطقة، فكان ذلك بنظر المحللين والمراقبين السياسيين سبباً وجيهاً للتخلص منه، حيث تم تدبير اغتياله عبر تفجير دار رئاسة الوزراء، ابتداءً من مكتبه، وكان على موعد مع الشهادة صباح يوم الإثنين 29/آب 1960م.

الشهيد هزاع المجالي أحد رجالات الأردن المعدودين، الذين رفعوا اسم بلدهم، وضحوا بدمائهم من أجل إتمام بناء الدولة الاردنية وترسيخ وجودها، وتطوير مؤسساتها، ومن أجل الإسهام في حفظ منجز الأردنيين جميعاً، وحفظ مؤسسات الشعب الأردني الأصيل، في ظروف صعبة بل من أشد ظروف الأردن خطورة وتهديداً.

من حق الأجيال الجديدة أن تقرأ تاريخ الأردن بعلمية وموضوعية، وأن تتعرف على سيرة النفر الأوائل من الرجالات الذين أسهموا في بناء الدولة الأردنية الحديثة لبنة لبنة، حيث يقع هذا العبء على وزارة التربية والتعليم في إدخال مساق تاريخ الأردن في مناهجها، حتى لا يبقى الجيل مضللاً، وحتى لا يبقى تاريخنا يُروى على شكل انطباعات وآراء وضلالات متباينة ومتناقضة؛ خاضعة لآراء رواتها وأفكارهم وميولهم السياسية المتوزعة على الدول والأقطار المختلفة، التي خضعت لدورات انقلابية ونظم سياسية متغيرة.

لقد ظلم الأردن مرتين، مرة على يد بعض أبنائه الذين مارسوا العقوق والاجحاف بحق وطنهم ودولتهم، عندما أصبحوا يرددون مقولات ممجوجة ومعزوفة مخروقة تقوم على أن الأردن صنيعة (سايكس بيكو)، وأنه كيان وظيفي، فعطلوا قدراتهم وقدرات كثير من الأردنيين عن الانخراط في معركة البناء الايجابي، وقدحوا في هويته الوطنية، وخرقوا قدسية الانتماء الوطني لترابه المبارك، وتناسوا أن هذه الصفة تنطبق على بقية الأقطار الشقيقة تماماً، وظلم مرة أخرى على يد بعض الأشقاء العرب الذين أوغلوا في العداء والتآمر على هذه الدولة الناشئة ومحاصرتها في أكثر من ظرف تاريخي حرج.

ولذلك ينبغي أن يتم الاعتراف بالفضل والتقدير لكل الذين أفنوا حياتهم في خدمة بلدهم وشعبهم، وأسهموا في عملية بناء الدولة وبناء مؤسساتها، والعمل على توفير أسباب الحياة الآمنة والمستقرة لهذه الأجيال، لتبق على مدار التاريخ واحة وارفة، ومحضناً دافئاً لكل المشردين واللاجئين والمهجرين من الأشقاء من حولهم؛ الهاربين من ضيق بلدانهم وظلم أنظمتهم وسياط جلاديهم، أو تعرضهم لظروف قاهرة تفوق طاقتهم وقدرتهم على التحمل.

 الأحد، 30 أغسطس/آب، 2015 / الدستور

الشهيد هزاع المجالي

10446721_10152905100493477_7289843860567688452_n

ومن ذاكرة الأيام، حكاية طريفة رواها لي المرحوم الفنان الأردني توفيق النمري وأكدها لي الكاتب والمفكر الأردني الراحل جورج حداد، تتعلق بإحدى أغنيات النمري التي غناها ولحنها وكتب كلماتها جورج حداد، كما أداها من بعده مطربون عرب كتراث أردني.

الأغنية التي غناها النمري هي «لوحي بطرف المنديل».. وحكايتها حسب ما يرويها أنه تلقى إتصالا من المرحوم وصفي التل، حين كان مديرا للتوجيه الوطني المسؤول عن الإعلام منتصف الخمسينات، وطلب منه المرحوم التل التلاقي أمام الإذاعة بصحبة الكاتب جورج حداد، وحين التقوا، أخبرهم وصفي أنه كثيرا ما يدندن لحنا مع كلمات كان يسمعها في طفولته بالأعراس الحورانية حيث نشأته، وكانت الكلمات للأغنية مجهولة المصدر توحي بأجواء الحرب العالمية الثانية، والتي يبدو أن كاتبها المجهول تأثر بما يسمعه من إذاعة برلين العربية وقتها فكتب يقول :

يا أم العرجة الغوازي والجنيديات

يخضعلك جيش النازي والولايات

عصمت إينونو وهتلر ليكي خدام

والجيش السابع والثامن للتحيات.

لقد تعملق هذا الفلاح الحوراني البسيط وقتذاك، ورأى في محبوبته القروية البسيطة ما يفوق كل معطيات الحرب العالمية الثانية من شخصيات وأحداث وقطع عسكرية ودول وأنظمة، فرأى فيها – حسب نظرته – ما يخضع ألمانيا والولايات (حلفاء ومحور مرة واحدة)، بل بدأ بالأسماء فعصمت إينونو من تركيا وهتلر ما غيره يخدمون محبوبته (وأقصى الظن فيها مزارعة في بيدر قمح)، كما يقف الأسطولان السابع والثامن لتحيتها.

نقل النمري اللحن، وأعاد حداد كتابة الكلمات لتكون الأغنية الجميلة التي تجدها الآن على الـ «يوتيوب» بأصوات مطربين عرب وهي من التراث الجميل .

من مقال مالك عثامنة في موقع القدس العربي بتاريخ 1252015

حكاية أغنية «لوحي بطرف المنديل»

10006641_10152650005808066_260096800_n

فراس خليفات

شاهدت فيلم ذيب أخيراً بعد انتظار طويل. من منحى سينمائي هنالك الكثيرين من أصحاب الاختصاص الذين أثنوا على الفيلم وناقشوا نقاط قوته صورياً وصوتياً وتمثيلاً وغيرها من الأمور فالمشاهد يأسر بسكينة الحياة البدوية وأهمية اليقظة لكل صوت ودلالاته مهما صغر. ومن هنا أجد نفسي ملزماً بنقل ما ضج به الفيلم عبر أغلب مراحل سكونه, فالفيلم أقرب لصرخة وجدان الأمة الأردنية الأولى منذ ولادتها منذراً بدبيب الحياة في جسد هذه الدولة والأمة. الواقع الحالي أن جسد هذه الدولة والأمة الأردنية منذ ولادتها وهي ساكنة لا تعبر عما يدور بخلجها, صامتةً على مضض حتى ابتدأت بهذا الجيل وكان هذا الفيلم صرختها الأولى.

فهذا الواقع الحالي من فجوة بالمحتوى التاريخي تنعكس بالعديد من الأمور وتترك الباب مفتوحاً أمام الجهود المنظمة من مستشرقين أجانب وعرب ومحليين لطمس شرعية الدولة والأمة بالوجود خاصة بحقبة مثل حقبة الثورة العربية الكبرى والتي تجري وقائعها بخلفية الفيلم. هذه الحقبة تعتبر من الحقب المعطية للشرعية كما يعرفها بيير نورا في أعظم كتاب علم اجتماع بالقرن العشرين “حقول الذاكرة”, فحقبة كهذه لو فتحت لأوضحت كيف أن الأردنيين أتت الثورة العربية الكبرى لتكون ببساطة “الكبرى” تكليلاً وبناءً واستكمالاً لعشرات من ثوراتهم الصغرى ابتداءً من عام 1625, وأن هذا الوطن عندما اختطت حدوده فان أجدادنا وعكس ما يحلو للبعض ترويجه قد رفضوه ولكن من منحى أنه كان يجب أن يحتوي على القنيطرة وبصرى شمالاً ولو أن مؤتمر أم قيس أو السلط ضم ممثلين عن الأردنيين من الشرق والجنوب لوجدنا أن المطالبة كانت لتشمل وادي السرحان والجوف شرقاً وجنوب العقبة ومعان الى تبوك جنوباً.

الفيلم ولأول مرة يعرض حقبة تشكل الدولة الأردنية. هي حقبة اجتر تجيرمها وطمسها عبر التسعة عقود مذ تاريخها عبر أبواق العديد من المنافسين الاقليميين من حولنا فكافة آيدلوجيات الاقليم البائدة ومن كل اتجاهات الخارطة سعت وبشكل ممنهج لتجريم أحقية الوجود الأردني. ترافق هذا مع ضعف في صناعة المحتوى التاريخي وتفسيره لعدة أسباب أهمها تدرج الأجيال الأردنية من الفقر المدقع عند زوال الاحتلال العثماني والسعي عندها للكفاف, مروراً بحقبة عسكرة الشعب لخوض الحروب الاقليمية وترسيخ أسس الدولة, وانتهاءً بالسعي وراء ردم الفجوة الاقتصادية وقصد التعليم المدر للدخل, حتى وصلنا لهذا الجيل (غير المأدلج منه) الذي امتلك من الترف الاقتصادي ولأول مرة أن يخوض غمار العلوم الانسانية والفنون. لذا فان الجهد المنظم لتجريم أحقية الوجود الأردني الذي انتزع وينتزع انتزاعاً عبر نضال طويل ترفق مع ضعف بالاعلام والمناهج لاظهاره وانصافه ليترك الوعي المجتمعي المحلي حتى مقتنعاً بعدم وجود شرعية له ويا له من واقع غريب.

عموماً, الفيلم بالنهاية كان فيلماً تشويقياً يهدف بالأول والأخير أن يقدم تسلية للمشاهد ولم يكن فيلم بروبوجاندا ذا رسالة واضحة وبطبيعة الحال فلهذا نجح. الأفلام هي احدى الأدوات لتفسير الماضي واعطائه قيم جمالية وتاريخية واجتماعية أو ثقافية فيصبح إرثاً ايجابياً يسد حاجة في الوقت الراهن. أردنياً تأتي أهمية الفيلم بأنه يتطرق لحقبة لا يوجد لها أي محتوى بالوعي العام المجتمعي علماً بأنها احدى أهم الحقب اذ فجوة محتواها ينعكس بغياب شرعية الدولة والشعب وتركه عرضة لخزعبلات الآيدلوجيات المختلفة بالمنطقة التي لم تتعب من تحوير الحقائق وتهميش التاريخ حتى صدقها وللأسف أغلب الأردنيون لنعيش في طلاسم من الوعي تعتقد أن هذا الوطن خلق بالصدفة ولأداء وظيفة مخونة فقط لا غير, مغيبين 300 عام من الثورات الصغرى ضد المحتل العثماني الذي استلم الأردن وبها كليات جراحة وفلك وأنظمة اتصال وزراعة وري متطورة ليتركها بعد 400 عام وليس له أثر بها غير المخافر حيث تنفذ أحكام الاعدام.

لكن, ليست وظيفة فيلم واحد أن يعالج كافة الشوائب المتجنية على تاريخ هذا الوطن ومن غير الواقعي انتظار فيلم واحد ليسد فجوة لم يتم تعبأتها خلال 94 عام, لكن الفيلم مهم جداً لأنه الأول الذي نقل لسان حال الأردنيين الذين للتو بدأوا بالالتفات الى انصاف تاريخهم وشرعية دولتهم ووجودهم كأمة وحتى لا ندخل في نقاش بيزنطي غير مثمر فان الكلمة التقنية nation لا يقابلها كلمة شعب وانما كلمة أمة, وان كان ذلك يغيظ بعض أصحاب الآيدلوجيات البائدة لأمم متخيلة فهذا مقصود, فبعضنا لا يؤمن الا بأمة أردنية من منحى تقني ومن منحى خيار شخصي حتى لو لم يتوافق مع التعريفات الخاطئة تقنياً أو مع الدستور الذي يعد الأردنيين “جزء” من الأمتين العربية والاسلامية. عموماً, فان الفيلم انما هو انعكاس لبحث الجيل الحالي عن أجوبة ويعكسها حالة الحيرة التي يعيشها الطفل ذيب وهو يخوض في غمار تلك الحقبة ويحاول أن يصيغ منها فهماً. الطفل ذيب هنا يرمز بالنسبة لي الى هذا الجيل الأردني الذي ولأول مرة ابتدأ بالبحث عن ذاته مع تطبيقه إرث غني من العادات تتعبه كما الطفل ذيب الحفاظ عليها وسط تغير آخرين من بني جلدته واجرام العديدين من غيرها وهم يتلاعبون بمصيره ويطمسون وجوده وشرعيته لا بل ويهددونها. فالجيل الحالي هو أول جيل من غير المأدلجين مسبقاً الذي امتلك الترف الاقتصادي لدراسة العلوم الانسانية والفنون.

بما أن هذه المراجعة للفيلم سيتلقون “طخ” غير متعمق فسأعرف أن الجيل هذا مكون من كافة المكونات الثقافية ولكن المفصلي ها هنا أن القائمين على هذا الفيلم ومن شتى المنابت والأصول غير مأدلجين ولذا فان جهدهم وهو الأول بمعالجة التاريخ كان بلا قناعات مسبقة وبكل موضوعية حتى أنه وفي بعض الأحيان ترى أنه خجل في زيادة التعمق في بعض الأمور بتلك الحقبة وهذا طبيعي لأول فيلم يتطرق للحقبة ومن هنا أنحني اجلالاً لشجاعتهم رغم كل الصعاب وأهمها عدم تمويل الفيلم من قبل الجهات الموجودة لمعالجة الفجوات المجتمعية الراهنة والتي على رأسها فجوة الشرعية للدولة والأمة. فان شرعية وجود الدولة والأمة والتاريخ المشرع لها هو ملك جميع المشتركين بهذه الشرعية من شتى الثقافات والهويات الفرعية الغنية.

عموماً, وعلى سبيل المثال, يعرض الفيلم وجود حامية عثمانية وفي مشهد سابق يناقش أبطال الفيلم وجود قطاع الطرق فيأتي تفسير أحد قطاع الطرق للسبب الذي أوصلهم للوصول لهذا الفعل المُجَرَم حتى من قبل قطاع الطرق أنفسهم فيقول بأنه وأجداده كانوا يأجرون الابل للحجاج حتى قدوم “الحمار الحديدي” أو القطار الذي قضى على قوتهم الذي استمر عبر آلاف السنين حتى قبل ظهور الاسلام فالحج الى مكة يمتد الى آلاف السنين وقد رافقه بكل هذه الفترة تأجير للركايب عبر الصحراء الأردنية من نفس القبائل الأردنية المستمرة حتى يومنا. هنا نرى الخجل بالتركيز على انصاف أنسفنا وربما هذا عين الصواب لأول فيلم قبل التطرق بموضوعية لكل ما تحمله الحقبة التي دعت الأردنيين للثورة على واقعها وتحمل ابادات عرقية في سبيل ذلك فان ال562 شهيد في هية الكرك يمثلون واحد من كل 28 نسمة كانوا موجودين وهذا بتعريف الأمم المتحدة يتعدى تعريف مذبحة ليصبح موقع ابادة عرقية.

الفيلم علامة فارقة كأول فيلم يمثل وجدان الجيل الحالي غير المسموم بشوائب آيدلوجية مجرمة لوجوده ومخونة لها وسعى بموضوعية فنية راقية أن يعكس حالة الوجدان المجتمعي الأردني وحاجته بانصاف تاريخه وشرعية وجوده عبر معالجة الحقبة الأهم بتاريخه الحديث. كأول من يفتح الباب قد قام الفيلم بعمل عظيم ورائع بمعالجة التاريخ وتفسيره ويبقى الأمل معقوداً على كافة صانعي المحتوى للتعمق بالحقبة وانصافنا فيها فقط لا غير. وحتى لا أكون مجحفاً فان الفيلم خاض بإرث الحياة اليومية والموروث القيمي عند الأردنيين ويستحق باهتمامه بتفاصيل اللهجة والألعاب واللباس والطعام ومفاهيم الدخالة وممارسات تعقب الأثر والاسترشاد بالنجوم وغيرها العلامة الكاملة من منحى علم اجتماع والعلامة الكاملة من منحى سينمائي كمشاهد بسيط تلذذت بها. نهايةً, فان ما حققه هذا الفيلم بعيداً عن كل هذا الانجاز العالمي سينمائياً, والمحلي كمقدمة لمعالجة وتفسير التاريخ وحتوى الشرعية, فان هذا الفيلم وبما لا يدع مجال للشك قد أنسن البدوي الأردني ونجح في جعل الجميع يتعاطف مع شخصيات الفيلم البدوية كبشر بعد عقود من تجريم ثقافتهم والصاق شتى الفظائع السلبية بها.

فيلم “ذيب” مقدمة لسد فجوة التاريخ المشرع لوجود الدولة والأمة

2804087

زليخة ابو ريشة

سهولة حرق شجرة الهجيجة التي عمرها 800 سنة في الغور الشمالي من متنزهين، يوم الجمعة الماضي، يشبه تماماً سهولة هدم الأبنية الطينيّة والحجريّة في قرى الأردن والتخلص من إرثٍ ماديّ عريق وقديم يمتد في غور التاريخ إلى آلاف السنين، وينطوي على هويّة ومعارف، لتحل مكانها أبنيةٌ إسمنتيّة قبيحة من خارج السياق الطبيعي، أو أبنيةٌ مدنية فاخرة ومن خارج السياق الثقافي، في ريفٍ اضطرّ أصحابه إلى بيع الأرض إلى النوفوريش الجديد. فمنطقتنا التي تكتنزُ في مدائنها وأريافها وصحرائها وفي جوف أرضها أسرارَ ومعالم حضارات باهرة، تخلَّت باسم حداثة مزيّفة وتحديث أرعن عن شخصيّتها العمرانيّة والبيئيّة، بسبب هدم الجميل لصالح البشاعة، والتعامل الجائر مع الطبيعة وعناصرها، وإفراز ذائقة فاسدة ها هي تتبختر في كلّ مكان، وتصدمُ عيوننا بما حوته من مفردات دخيلة على الثقافة المحليّة والعربيّة.

فالبشاعة أيضاً قد تكون في زجّ الفاخر الأوروبيّ المزركش الفاضح شهوةَ المال والإنفاقَ السّفيه، في طبيعة كانت تعجُّ بالأشجار، أو بيئةٍ تتمتَّعُ بجمال فطريّ، فيأتي هجينُ سلة التين، في غياب رقابة من مؤسّسة رسميةٍ أو قانونٍ، فيزيلُ تلالاً، ويقطع أشجاراً، ويتطاول على حقولٍ زراعيّة فيعدمها، من أجل أن تتشاهق أبنيةٌ وعماراتٌ وأبراجٌ.

على صفحته على “فيسبوك” ينشر المهندس الفنان المبدع عمار خماش صوراً كان وما يزال يوثّق بها أمكنةً وبيوتاً وقرى وجبالاً وودياناً وبوادي، اندثر كثيرٌ منها، أو جار عليها الإنسان في الأردن. وهي صورٌ لمن يتابعها، تنبئُ عن حبّ عميقٍ وانتماء أصيل، لا يحتاجُ معها إلى خطب رنانة. وقد جعلتني هذه الصور الثمينة أزداد حباً لبلدي لأنها كشفت لي عن ثروات جماليّة وثقافيّة وعمرانيّة وتاريخيّة، مُحِيَ منها عدد غيرُ قليلٍ، تاركاً ذكراه في هذه الصور الثمينة. وكلّ تلك الفوضى جاريةٌ على قدمٍ وساقٍ، بسبب أمرين:

الأول: الجهلُ وانتشارُه على أوسع نطاق من أسفل الهرم الاجتماعيّ إلى المسؤول الأول عن الثقافة والبيئة والعمارة. وهذا الجهل متأتٍ عن إخفاق ذريع للمنظومة التربويّة التي تخلو من تربية حضاريّة وثقافيّة تؤسّسُ لتعامل صحيّ وسليم مع البيئة بجميع أنواعها وعناصرها. كما تخلو من إعداد أجيالٍ تحبُّ الجمال وتحرصُ عليه، وهو جوهرُ العجز في تأهيل المعلمات والمعلمين، وفي إعداد المناهج والكتب المدرسيّة التي تطفحُ بأشكال من القبح يعجز عنه خيال مريض.

والثاني: غيابُ رقيب ثقافيّ يُنشئ آليات وبنيةً قانونيّة تحمي الطبيعة وكائناتها، والعمران البشريّ من المحو والتدمير والتزوير والتزيُّد على حساب الشخصية الحضارية للبلد/ ومن الاستخدام السيّئ للعناصر الثقافيّة ولمفردات البناء. وهذا الرقيب الثقافي ليس مكانه في البلديات، مع الاحترام الشخصيّ للعاملين فيها، بل في وزارة الثقافة أولاً وقبل وزارة البيئة والزراعة والسياحة. فدور وزارة الثقافة لا يقتصر على الكتب والندوات والمؤتمرات والمهرجانات ومعارض الكتب، بل يتعداها إلى امتلاك المقدرة والفاعليّة على حماية الملكيّة الطبيعيّة للطبيعة كما خلقها الله، وحماية التاريخ ومستنداته من تدميره والعبث به، وحماية الشخصيّة الثقافيّة المحليّة من هوس التجار وغباء أغنياء الطفرة.

فهل من مجيب؟

لعلّ أملاً يتسلّلُ وسط هذا الظلام!

المصدر “الغد الأردنية”

الدور الثقافي لوزارتي الثقافة والتربية

ebraheem-ghraibeh

ابراهيم الغرايبة

القراءة تبعت الكتابة. ولم تكن الكتابة في بدايتها لأجل الشعر والفلسفة والعلم، ولكن لتنظيم العمليات التجارية؛ وذلك عندما اكتشف الآراميون أنه يمكنهم أن ينشئوا موارد إضافية بنقل السلع من مكان إلى آخر ومبادلتها بأخرى، أو بتطوير الأغذية والمواد المتاحة إلى سلع أخرى ذات قيمة مضافة (الصناعات الغذائية وأساليب تخزينها ومعالجتها والنسيج والصباغة والدواء..)، أو بإنتاج تقنيات جديدة تطور الأعمال اليدوية (السيوف والعربات والسفن الكبيرة وتدجين الجمل..). وقد نشأت حول هذه الموارد مدن وحضارات، وجدت أهميتها ومواردها بالدواوين، وأنظمة إدارية وتشريعية تحتاج إلى كتابة وتوثيق. ثم أنشأت الوفرة مجالا للشعر والفلسفة والعلم.

كانت القراءة الشائعة تتم بصوت مسموع. وقد تعجب القادة والجنود المحيطون بالإسكندر كيف يقرأ بصمت! ويصاحبها في أحيان كثيرة المشي. وبالطبع، ما تزال القراءة بصوت مسموع والمشي يساعدان أكثر على التفكير والتركيز. ويقال: من يفكر كثيرا يجب أن يمشي كثيرا.

وقد تميز العرب والصينيون في العصور الوسطى بحب الكتب والقراءة والمكتبات والولع بها. وفي التاريخ العربي أخبار وقصص كثيرة، طريفة وعجيبة، في عادات القراءة التي تحولت من عادة نخبوية، إلى اتجاه اجتماعي شعبي جارف. وقُدرت متاجر الكتب والنسخ “الوراقة” في بغداد في القرن الرابع الهجري، بحوالي مائة. وكانت تنافسها قرطبة؛ مدينة العلم والشعر، حتى قيل إن في كل بيت في قرطبة شاعرا!

وقد أدى تطوير صناعة الورق في القرن التاسع الميلادي إلى ثورة معرفية. فقد كانت الكتابة قبل ذلك على الجلود (الرقّ) والبردي والطين والحجارة والخشب والعظام والنحاس والمعادن؛ وهي بالطبع عملية معقدة ومكلفة جدا. فالكتب التي كانت غالبا ألواحا أو لفائف من الجلد، تحتاج إلى موارد عظيمة وجهود كبيرة. لنتخيل، مثلا، كتاب الفلاحة النبطية الذي ألفه في القرن الثاني الميلادي قثامى الكسداني، وقال عنه حفيده، بعد ثمانمائة سنة؛ ابن وحشية الكسداني، إن الكتاب عبارة عن ألف وخمسمائة صفحة أو لوح من الجلد، كل صفحة مستقلة بذاتها. وفي القرآن وصف للكتب السماوية بأنها “وكتاب مسطور في رقّ منشور” أو “صحف إبراهيم وموسى” أو “ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة”.

وكان الطبيب الروماني آنتيلوس، في القرن الثاني الميلادي، يعتقد أن من لا يحفظ الأشعار عن ظهر قلب، وإنما يرجع إلى الكتب، لا يستطيع التخلص من العصارات السامة الموجودة في جسمه إلا بمجهود كبير، وبواسطة تعرق فوق العادة؛ في حين أن الناس المتمرنين على التخزين في الذاكرة، يطردون هذه العصارات السامة عبر الزفير.

القراءة بصوت مرتفع، والقراءة بصمت، والقدرة على تخزين المفردات؛ كل هذه قدرات مدهشة تعلمناها بطريقة لا يمكن تفسيرها.

الغد

القراءة: من التجارة إلى التشكيل الاجتماعي

Scroll to top