مقدمة

أنثى تحمل جرة على رأسها من الفخار، العصر البرونزي المبكر، موقع باب الضهرة الأثري.
The art of Jordan, treasures from an ancient land,edited by Piotr Bienkowski, alan sutton publishing.

وجدت المسوحات والحفريات الأثرية على امتداد جغرافيا الأردن، دلائل على منظومات ميثولوجية دينية، منذ عصور ما قبل التاريخ، تجلت هذه الدلائل، في طرق الدفن، وصناعة التماثيل، ووجود المباخر، وانتشار المذابح أو ما يشبهها، وقد مرت هذه المنظومات بتطورات هائلة مع التقدم الاجتماعي والسياسي الذي مر به أجدادنا الأردنيون الأوائل عبر مراحل التاريخ المختلفة.

ولقد أثر النمط العمراني الحضري لدى أجدادنا الأردنيين العمونيين على توجه الباحثين الآثاريين إلى دراسة الجوانب العمرانية للمملكة الأردنية العمونية بشكل أوسع من دراسة باقي الجوانب، الأمر الذي أثر على دراسة الملامح الدينية الأردنية العمونية، وفي هذا البحث حاولنا قدر الإمكان تجميع الملامح العامة للديانة الأردنية العمونية، وإن لم نوفق بوضع أي تصور للطقوس الدينية المستخدمة في العبادة بشكل خاص.

ميثولوجيا الأردنيين الأوائل قبل نشأة الممالك الأردنية الثلاث (أدوم، مؤاب، عمون)

تماثيل عين غزال، موقع هلا أخبار

عادة ما كانت الشعوب القديمة، تستقي منظوماتها الدينية من البيئة المحيطة، وقد تطورت الأديان القديمة لتجيب على الأسئلة الوجودية التي كانت تؤرق الإنسان القديم، ولوضع التفسيرات حول ما لم يستطع العقل البشري تفسيره حين ذاك، كما ساهمت طبيعة الإنتاج في تشكيل الطقوس الدينية المُمَارسَة، حيث ارتبطت أغلب الطقوس والشعائر في مواسم الزراعة والحصاد.

ولم يختلف أجدادنا الأردنيون الأوائل في تلك الحقب عن مجمل الوجود البشري، وقد بدأ نشوء التصورات الدينية لدى الأردنيين الأوائل مع بداية الاستقرار الزراعي حوالي 9000 قبل الميلاد، وقد كانت هذه التصورات في تلك الفترة بسيطة، وارتبطت المظاهر الموجودة حول عادات الدفن بشكل رئيسي، ويعتقد أن البذرة الأولى للمعتقدات الدينية، كانت مرتبطة بتفسير ظواهر طبيعية، وخصوصا المطر الذي كان المصدر الرئيسي لري المزروعات حيث كانت الزراعة في طورها الأول البسيط، واستمر الأردنيون الأوائل في تطوير منظومتهم الدينية، جنباً إلى جنب مع تطورهم الانتاجي بشكل رئيس، حتى ارتقت تلك المنظومة بشكل كبير، مع العصور البرونزية وحقبة (الدولة المدينة)، حيث وجدت الحفريات الأثرية في تلك الحقبة معابدا داخل المدن الأردنية القديمة، وحيث أصبحت مجتمعات المدن الأردنية القديمة مجتمعات مقسمة طبقياً، بسبب حالة المدنية والانتاج الفائض، فإن رجال الدين كانوا يمثلون طبقة منفصلة، وتعتبر من الطبقات المتسيّدة، وتشير الدلائل أن رجال الدين مارسوا أيضا مهام إدارية داخل المدن.

الآلهة الأردنية العمونية

عبد الأردنيون العمونيون بالإضافة إلى إلههم الوطني ملكوم العديد من الآلهة المحلية المنتشرة في جنوب غرب آسيا وشرقي المتوسط، مثل الإله بعل والإله إيل وغرهم، ويستدل على عبادتهم لهذه الآلهة أسماء الأعلام التي وجدت في النقوش العمونية والتي تكون مقرونة بأسماء هذه الآلهة، كما أثبتت بعض الدراسات الأثرية أن الأردنيين العمونيين عرفوا الإلهة اللات.

وفي إحدى التفسيرات للتنوع الشديد في الآلهة المعبودة في المملكة الأردنية العمونية، حيث وجد إشارات لآلهة مختلفة في المنازل الأردنية العمونية، إلى وجود تسامح ديني يتقبل الديانات والآلهة الأخرى، ويعتقد أن اختلاط الزواج كان أحد أهم مصادر تنوع الآلهة المعبودة في ذلك الوقت، حيث يسمح للزوجة الغير عمونية أن تحافظ على ديانتها.

الإله الأردني العموني ملكوم

قارورة تل سيران

ورد اسم الإله العموني ملكوم في العديد من المصادر المستخدمة في توثيق تاريخ المملكة الأردنية العمونية، حيث ورد في النقوش العمونية، كما وجد مقروناً بأسماء أعلام عمونية، بالإضافة إلى وروده بالمصادر التاريخية حيث يذكر أن معبداً للإله الأردني العموني ملكوم بني بجانب معبد للإله الأردني المؤابي كموش في المملكة الإسرائيلية زمن الملك سليمان، الأمر الذي أثار غضب رجال الدين اليهودي آنذاك.

ويذكر أن معبداً رئيسياً للإله ملكوم بني في (ربة عمون) يحتوي على مذبح تقدم به القرابين، ووجد أيضاً في ذلك الموقع مباخر فخارية.

ويعتقد بأن بناء معبد للإله الأردني العموني ملكوم هو من واجبات الملك، الذي تناط به أعلى سلطة دينية بجانب سلطته السياسية كملك.

المعابد الأردنية العمونية

مقطع من جبل القلعة (ربة عمون)

وُجِد في الحفريات التي قامت في جبل القلعة (ربة عمون) آثار مبنى ضخم، يحتوي على مذبح أكد العديد من الدارسين أنه المعبد الرئيسي للمدينة، ومع شح المعلومات حول المعابد الأردنية العمونية، استخدم هذا المبنى للاستدلال على تصميم تقريبي للمعابد الأردنية العمونية، حيث يتقدم المعبد ساحة كبيرة يعتقد بأنها وجدت ليتجمع بها المصلون، كما وجدت آثار مذبح لتقديم القرابين، وبعض المباخر الفخارية.

الممارسات العقائدية والديانة الأردنية العمونية

صورة لتماثيل عمونية، متحف الآثار الأردني/ جبل القلعة

تعد الممارسات العقائدية من أهم الخصائص الإثنية لأي مجتمع، والجدير بالذكر أن الممارسات العقائدية في العصر الذي وجدت به المملكة الأردنية العمونية، كانت تشمل إلى جانب الطقوس الدينية، أشكالاً من الفنون مثل التماثيل والنصوص المكتوبة، وعادات الدفن وغيرها.

إن التنوع الموجود في طرق الدفن التي مارسها أجدادنا الأردنيون العمونيون يدل على التباين الاجتماعي، ويدل أيضاً على وجود أنماط ثابتة من الدفن تعود إلى بنية عقائدية ثقافية واحدة، وقد تنوعت أشكال المدافن من الكهوف الطبيعية إلى الكهوف الصناعية، وصولاً إلى توابيت فخارية على شكل بشري، وكان هنالك أيضاً اختلاف في طرق الدفن بين الرجال والنساء، حيث يدفن الرجال ممدّدين بصورة كاملة، بينما تدفن المرأة منحنية مع حليها.

ووجد أيضاً تأثراً عقائديا بمصر، في بعض التماثيل، حيث عثر على تماثيل تحمل لمسات مصرية، يعزى هذا التأثر بالاحتكاك التجاري القائم بين الأردنيين العمونيين والمصريين في ذلك الوقت.

لا تختلف الديانة الأردنية العمونية في شكلها عن الديانات السائدة في المنطقة في ذلك العصر، حيث يوجد إله وطني رئيسي وهو في حالة الأردنيين العمونيين الإله ملكوم، بالاشتراك مع عدد من الآلهة المشتركة في المنطقة، وهذا التقاطع في الديانات في تلك الحقبة الزمنية يعود إلى عدة عوامل من بينها نمط الإنتاج المتشابه بين الشعوب، وحجم المعرفة المتشابه الذي يحيل إلى تفسير الظواهر الطبيعية بشكل متقارب، بالإضافة إلى التأثر بمعتقدات الشعوب الأخرى عبر التبادل التجاري أو الحروب والتحالفات وما للإمبراطوريات الكبرى من تأثير ملموس بطبيعة الحال.

ويسود اعتقاد لدى بعض الباحثين أن الطقوس الدينية الأردنية العمونية والمؤابية متشابهة إلى حد بعيد، يصل إلى أن تكون ديانة واحدة يختلف بها إسم الإله الوطني بين ملكوم العموني وكموش المؤابي.

المراجع

  1. كفافي ، د. زيدان عبد الكافي (2006 )، تاريخ الأردن وآثاره في العصور القديمة ( العصور البرونزية و الحديدية) ، دار ورد ، عمان .
  2. جتاوية، نداء (2012)، مفهوم الإثنية في علم الآثار: دراسة تحليلية للمالك (عمون، مؤاب، أدوم) في الأردن خلال العصر الحديدي. رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.
  3. غوانمة، د. يوسف درويش (1979)، عمان حضارتها وتاريخها، دار اللواء للصحافة والنشر، عمان.
  4. أبحاث إرث الأردن،ملامح الديانة المؤابية الأردنية

ملامح الديانة الأردنية العمونية

مقدمة

مقطع من جبل القلعة (ربة عمون)

في بدايات العصر الحديدي الثاني انتقل أجدادنا الأردنيون الأوائل من التنظيم السياسي المسمى (المُدن الدول) وهي مجموعة من المدن تشكل كل منها دولة بحد ذاتها إلى تنظيم سياسي أكثر تطوراً وتعقيداً وهو (الدول الوطنية ذات السيادة على أرضها)، وهو شكل يعتمد على اتحاد قبلي ريفي مع مجموعة من المدن يفرض سيادته على كامل الإقليم المكوِّن للدولة، ويحمل روحاً وطنية تدفع الجميع داخل هذه الدولة للحفاظ على منتجهم الثقافي والحضاري، ومصالحهم المشتركة بطبيعة الحال، وقد أنشأ أجدادنا الأردنيون الأوائل ثلاث ممالك من نهر الزرقاء شمالاً حتى صحراء الحسمى جنوباً (عمون، مؤاب أدوم) وتعتبر نشأتهم المتزامنة والمشتركات الثقافية دليلاُ على تطور متوازٍ يُعزى إلى وجود جذر مشترك ضارب في عمق التاريخ.

في هذا البحث نحاول الإشارة إلى عدد من العناصر الإثنية الغالبة على المجتمع الأردني العموني والذي نسعى أن يكون إسهاما ولو بسيطاً في مراكمة المعرفة حول الجذور الإثنية للمالك الأردنية الثلاث بشكل عام والمملكة الأردنية العمونية بشكل خاص.

مفهوم الإثنية

الإثنية أو الجماعة الإثنية، هي مجموعة من الناس، يتشاركون في الأصل، والعادات والتقاليد، والنظم الرمزية مثل الميثولوجيا والفنون، وتجمعهم مصلحة مشتركة، ويتواجدون غالباً في حيز جغرافي واحد، وهذا المفهوم ليس مفهوما مؤطراً تماماً، ولا تعني الإثنية أنها مجموعة محصورة من الناس لا تربطها أي علاقات بمن هم حولها، ولا يعبر عنها دائماً بشكل سياسي.

ومفهومنا في هذا البحث للإثنية يعنى بدراسة المميزات الثقافية للمجتمع الأردني العموني عبر دراسة اللقيات الأثرية، وتحليل نمط العمران والبناء، واللغة، الأدومية، ككيان سياسي منفصل، يحمل صفاته الثقافية الاجتماعية التي تميزه عن محيطه.

اللغة الأردنية العمونية

قارورة تل سيران

استطاع علماء الآثار الدارسين للقيات الأثرية العمونية التي تحمل نقوشا، مثل قارورة تل سيران وبعض الأختام، وبعض الخربشات على قطع فخارية، من تحديد بعض خصائص اللغة الأردنية العمونية، وخصوصا الخط العموني، وقد وجدوا بعض التأثيرات من الخط الآرامي، بالإضافة إلى خصائص مشتركة مع الخطوط الأردنية المؤابية والأدومية، وبطبيعة الحال فإن اللغة الأردنية العمونية تصنف من ضمن ما يسمى اللغات السامية، أو أنها تعود إلى الجذر اللغوي الرئيسي التي تفرعت منه اللغات المحكية في جنوب غرب آسيا أو شرق المتوسط.

الممارسات العقائدية والديانة الأردنية العمونية

صورة لتماثيل عمونية، متحف الآثار الأردني/ جبل القلعة

تعد الممارسات العقائدية من أهم الخصائص الإثنية لأي مجتمع، والجدير بالذكر أن الممارسات العقائدية في العصر الذي وجدت به المملكة الأردنية العمونية، كانت تشمل إلى جانب الطقوس الدينية، أشكالاً من الفنون مثل التماثيل والنصوص المكتوبة، وعادات الدفن وغيرها.

إن التنوع الموجود في طرق الدفن التي مارسها أجدادنا الأردنيون العمونيون يدل على التباين الاجتماعي، ويدل أيضاً على وجود أنماط ثابتة من الدفن تعود إلى بنية عقائدية ثقافية واحدة، وقد تنوعت أشكال المدافن من الكهوف الطبيعية إلى الكهوف الصناعية، وصولاً إلى توابيت فخارية على شكل بشري، وكان هنالك أيضاً اختلاف في طرق الدفن بين الرجال والنساء، حيث يدفن الرجال مُمَددَين بصورة كاملة، بينما تدفن المرأة منحنية مع حليها.

ووجد أيضاً تأثراً عقائديا بمصر، في بعض التماثيل، حيث عثر على تماثيل تحمل لمسات مصرية، يُعزى هذا التأثر بالاحتكاك التجاري القائم بين الأردنيين العمونيين والمصريين في ذلك الوقت.

لا تختلف الديانة الأردنية العمونية في شكلها عن الديانات السائدة في المنطقة في ذلك العصر، حيث يوجد إله وطني رئيسي وهو في حالة الأردنيين العمونيين الإله ملكوم، بالاشتراك مع عدد من الآلهة المشتركة في المنطقة، وهذا التقاطع في الديانات في تلك الحقبة الزمنية يعود إلى عدة عوامل من بينها نمط الإنتاج المتشابه بين الشعوب، وحجم المعرفة المتشابه الذي يحيل إلى تفسير الظواهر الطبيعية بشكل متقارب، بالإضافة إلى التأثر بمعتقدات الشعوب الأخرى عبر التبادل التجاري أو الحروب والتحالفات وما للإمبراطوريات الكبرى من تأثير ملموس بطبيعة الحال.

ويسود اعتقاد لدى بعض الباحثين أن الطقوس الدينية الأردنية العمونية والمؤابية متشابهة إلى حد بعيد، يصل إلى أن تكون ديانة واحدة يختلف بها فقط اسم الإله الوطني بين ملكوم العموني وكموش المؤابي.

نمط البناء الأردني العموني

سوف نعتمد في دراسة نمط البناء في هذا البحث على جزئيتين أساسيتين تشكلان تمايزاً بين الشعوب في أنماط بنائهم، وهما (تقنية البناء، مخطط البناء).

أ. تقنية البناء

تقنية بناء “Boulder and Chink”
(Daviau 1999: Fig 5:1)

إن دراسة تقنية البناء في المواقع الأثرية تعتمد على عدة عوامل مجموعها يؤشر إلى صورة عامة عن التقنية أو التقنيات التي استخدمت في البناء في ظل ثقافة معينة، مع العلم بأن التقنيات المستخدمة في البناء في دولة معينة في ذلك العصر تتباين على حسب المحتوى البيئي للمناطق المختلفة، والحالة الاجتماعية والاقتصادية، كما تتباين بين المدن والريف.

في المواقع الأثرية العائدة لأجدادنا الأردنيين العمونيين، تم ملاحظة عدة تقنيات مستخدمة في البناء بين (المواد الخام المستخدمة، طرق بناء الجدران الداخلية والخارجية، طرق بناء الأسقف، وكيفية رصف الأرضيات).

الطابع العام الملاحظ في بناء الجدران في المملكة الأردنية العمونية، يدل على أن الحجارة الكلسية والصوانية الكبيرة الحجم استخدمت في بناء التحصينات الخارجية، فيما استخدمت الحجارة الكلسية في بناء المنازل، في حين استخدم الطوب في بناء الطوابق العلوية من المنازل، كما رُفِعَت السقوف باستخدام عمدان خشبية تستند إلى قواعد حجرية، واستخدم أيضاً عدة طرق لرصف الأرضيات، منها الطين المدكوك، أو الشيد أو البلاستر على الأرضية الطبيعية، فيما استخدمت البلاطات الحجرية في مواقع أخرى.

إن تقنية البناء التي استخدمها أجدادنا الأردنيين العمونيين لبناء جدران المنازل تسمى Boulder-and-Chink حيث تستخدم الحجارة الضخمة في بناء الجسم الرئيسي للجدار فيما تستخدم الحجارة الصغيرة لسد الفراغات، ويبنى الجدار من صفين متوازيين.

ب. مخطط البناء

يعد مخطط البناء عنصراً مهماً من عناصر الإثنية، حيث أن مخطط البناء يدل على الحالة الاقتصادية والاجتماعية لدى شعب معين، كما أن لها مؤشرات ثقافية عديدة، وفي هذا البحث سوف نقوم بالإشارة إلى مخططات البناء الخاصة بالمباني السكنية والتي تنقسم بشكل عام إلى ثلاث مخططات رئيسية (المنازل متعددة الغرف، المنازل ذات الأعمدة، المنازل على شكل حرف T).

  1.      المنازل متعددة الغرف
رسم يمثل مخطط بناء متعدد الغرف في المملكة الأردنية العمونية- موقع جاوة الجنوبي
(Daviau 2003: Fig.72)

يتميز المنزل متعدد الغرف بتشكيله أساساً من العديد من الغرف التي قد تتجاوز العشرة غرف في بعض الأحيان، ويدل هذا الأمر على اتساع العائلة ونمط العائلة الممتدة التي تسكن جميعها في نفس المنزل.

  1.      المنازل ذات الأعمدة

يتكون المنزل ذو الأعمدة أيضاً من العديد من الغرف، ولكنها تحيط بساحة رئيسية واسعة، كما أن هذا المنزل يحتوى على طابق ثانٍ مرفوع بأعمدة، ويؤكد أيضاً هذا البناء على نمط العائلة الممتدة، وقد يكون وجود ساحة واسعة في المنتصف لممارسة النشاطات اليومية المختلفة دليلاً على حالة اقتصادية جيدة.

  1.      المنازل على شكل حرف T
رسم يمثل مخطط بناء على شكل حرف، في المملكة الأردنية العمونية- موقع جاوة الجنوبي
(Daviau 2003: Fig.910)

يتكون هذا المخطط من بناء المنازل بشكل رئيسي من ثلاث غرف متوازية يفصل بينها ممر، ويوجد رأي لدى بعض الباحثين بأن هذا المبنى ليس سكنياً بشكل رئيسي بل هو مكان لمزاولة مهنة أو حرفة ما.

الفخار الأردني العموني

يعتبر الفخار وصناعته من أهم المميزات بين الشعوب والدول في العالم القديم، حيث أن كل شعب يمتاز بطريقة معينة في صناعة الفخار، واستخداماته، وزخارفه وألوانه، حسب البيئة والطبيعة، والاحتياجات، والمواد الأولية المتوافرة، وقد كان هنالك تمايز بسيط أحياناً بين فخار الشعوب ذاتها، حسب المنطقة والطبقة الاجتماعية، إلا أن الطابع العام لفخار شعب ما يكون متقارب بشكل كبير.

أ‌.        أنواع الأواني الفخارية حسب الشكل والاستخدام

ولقد تعددت أنواع الأواني ىالفخارية على حسب استخداماتها وأشكالها وأحجامها لدى أجدادنا الأردنيين العمونيين.

  1.   الزبادي
  2.   الأطباق
  3.   الأكواب
  4.   قدور الطبخ
  5.   الجرار
  6.   الأباريق
  7.   القوارير
  8.   المصابيح

 

ب‌.    أنواع الزخرفة

  1.      البطانة

استخدم أجدادنا الأردنيون العمونيون اللونين الأسود والأحمر في بطانة أوانيهم الفخارية، واستخدموا البطانة البيضاء الكريمية بشكل نادر وقليل جداً، ويعتبر الفخار الأسود المصقول أحد أهم الميزات الثقافية الأردنية العمونية حيث أنه ينتشر بكثرة في المواقع الأثرية الأردنية العمونية.

  1.      الدهان

استخدم أجدادنا الأردنيين العمونيين الدهان في زخرفة الأواني الفخارية معتمدين اللونين الأبيض والأسود بشكل أساسي إما منفردين أو معاً، كما استُخدِم اللونين الأحمر والبني بشكل أقل، على شكل أشرطة وخطوط أفقية ، كما انتشرت زخرفة الشبكة التي تعتبر قاسماً مشتركا بين أجدادنا الأردنيين في الممالك الأردنية الثلاث (أدوم، مؤاب، عمون).

العلاقة بين الممالك الأردنية الثلاث (أدوم، مؤاب، عمون)

نشأت الممالك الأردنية القديمة الثلاث (أدوم، مؤاب، عمون) في ذات الوقت، أي مع بداية العصر الحديدي الثاني، وفي ظل ظروف متشابهة، وكان الانتقال من حالة الدولة المدينة إلى دولة الأمة أو الدولة الوطنية متزامناً، وقد تشابه طبيعة النشاط الاقتصادي بين شعوب هذه الممالك بشكل ملفت، والأهم من ذلك أن الخط واللهجات كانت متقاربة بين شعوب هذه الممالك بشكل كبير جداً.

فضلاً عن ذلك فقلّ ما دخلت هذه الممالك في صراعات بينية، بل على العكس من ذلك كانت تربطهم علاقات جيدة، وقد اشتركوا بالعداء تجاه شعوب وممالك مجاورة، حيث أن الأردنيين الأدوميين انتصروا على مملكة يهوذا عقب النصر العظيم الذي حققه الملك المؤابي الأردني المؤابي ميشع على اليهود.

هذه المؤشرات جميعاً تدلل بشكل أو بآخر، على أن هناك صلات قرابة، أو جذر واحد، يجمع أجدادنا الأردنيين في الممالك الأردنية القديمة، وأن ما حدا بهم أن ينشؤوا ممالك مختلفة، ظروف سياسية واقتصادية عديدة، لكن المؤشر الأهم يدلل على توافر البذرة الأولى لنشوء هوية وطنية واحدة جمعت هذه الشعوب والقبائل الأردنية القديمة .

سبب تسمية المملكة الأردنية العمونية

جانب من الجدار الذي يحيط بمدينة ربة عمون

لا تذكر أي من المصادر المعروفة سبباً أو معنىً واضحاً لتسمية عمون إلا أن الاستنتاجات غالبها تصب بأن عمون هو اسم يدل على قبيلة أو تجمع قبائل أردنية كانت العصبة الرئيسية التي نشأت على أساسها المملكة الأردنية العمونية ونسبت الدولة والعاصمة لهم، حيث يذكر اسم المملكة الأردنية العمونية في العديد من المصادر كمملكة بني عمون، وتذكر العاصمة الأردنية العمونية (ربة عمون) كربة بني عمون.

المراجع 

  1. جتاوية، نداء (2012)، مفهوم الإثنية في علم الآثار: دراسة تحليلية للمالك (عمون، مؤاب، أدوم) في الأردن خلال العصر الحديدي. رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.
  2. كفوف، نجاة ثلجي سعد(1995)، ملوك بني عمون،  رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة اليرموك، اربد، الأردن.
  3. أبحاث إرث الأردن،مملكة أدوم الأردنية – العناصر الإثنية
  4. أبحاث إرث الأردن، ملامح الديانة الأردنية العمونية.

المملكة الأردنية العمونية – العناصر الإثنية

مقدمة

تُعرَّفُ آلات النفخ الموسيقية على أنها الآلات التي يصدر منها الصوت عبر مرور الهواء من خلال أجزائها، وتعتبر الآلات النفخية أوّل الآلات الموسيقيّة التي عرفها الإنسان في التاريخ، إذ كانت الرياح التي تمر بين ثقوب خشب الأشجار والصخور والعظام تصدر صفيرًا لَفَت سمع الإنسان وجعله لاحقًا يستفيد منه في صنع نماذج بدائية لآلات نفخية أحاديّة الصوت يستخدمها لمحاكاة أصوات الطبيعة، ثم اهتدى لاحقاً إلى فكرة إحداث الثقوب في الأنابيب لإخراج عدة أصوات من الأنبوب الواحد، ومع مرور الزمن وتطوّر الحضارة الإنسانيّة ظلت هذه النماذج تتطوّر حتى أفضت إلى ابتكار آلات موسيقيّة نفخية مازالت حتى يومنا هذا تُستخدم في أداء الموسيقى.

عرف الإنسان الأردني، منذ أزمانٍ بعيدةْ، الآلات الموسيقيّة، صُنعًا وتطويرًا وأداءً، ودلّت الآثار التاريخيّة على أهميّة الموسيقى في الحضارات الأردنيّة القديمة، وكنا قد تناولنا في أبحاث سابقة الموسيقى عند الأردنيين الأنباط ودور المرأة النبطية في الحياة الموسيقيّة آنذاك. فيما نتناول في هذا البحث الآلات النفخية الأردنيّة التي عرفها الأردنيون قديمًا ولازالت تُستخدم لمرافقة الغناء والرقصات الشعبيّة والعروض الرسميّة، وهي : الشبّابة، المجوز، اليرغول، والقربة.

الشبابة

أو الشُّبّيبة، وهي آلة نفخية تمتاز بصوت الصفير العذب، موجودة منذ حضارة الأردنيين الأنباط، إذ ظهرت في لوحة يعزف عليها طفلٌ مُجنَّح يُعتقد أنه الإله بان، ويرى باحثون أنها الآلة التي تطوّرت عنها نماذج أدّت إلى ظهور آلة الناي و Flute الشهيرتين في الشرق والغرب.

لوحة نبطية يُعتقد أنها للإله بان

تُصنعُ الشبّابة من القصب (القُصّيب)، وتتكون من قصبة واحدة مستقيمة وجوفاء، مفتوحة الطرفين، ويتم ثقبها في خمس أو ست مواضع على ظهرها، وتكون الثقوب متساوية الاتساع وتفصل بينها أبعادٌ محدّدة. وبالرغم من نضوب مجاري المياه الطبيعيّة في الأردن وندرة القصب الذي ينبت على حوافّ الأنهار والسيول، لم يخفت اهتمام الأردنيين بهذه الآلة، بل لجؤوا لصناعتها من مواد صناعيّة بلاستيكيّة أو معدنية للحفاظ على وجودها بين الآلات الموسيقيّة الشعبيّة.

تُعتبرُ آلة الشبّابة الأكثر انتشارًا في الأردن، إذ أنها حاضرة وبقوّة في الأرياف والبوادي على حدٍّ سواء، فهي في الرّيف من الآلات التي ترافق الدبكات، في حين أنها في البادية ونيسة الراعي ورفيقة دربه في المنحدرات والأودية وفضاءات الرّعي الواسعة.

الراعي الفتى يعزف على شبّابته أثناء الرعي في ربوع الأغوار الأردنية عام 1914

هناك العديد من الألوان الغنائية الأردنيّة مثل الدلعونا والزجل والعتابا وظريف الطول ويا علّا .. وغيرها من الألوان الغنائية التي يزدحم بها الإرث الموسيقيّ الأردني، يرتبط غناؤها بمرافقة آلة الشبابة حصرًا دونًا عن الآلات النغمية الأخرى، وبالذات في شمال الأردن، كما أننا نجد الشبّابة حاضرة وبقوّة مع الدبكات الأردنية، ولعل الدبكة التسعاوية الشهيرة في محافظة معان جنوب الأردن نموذجٌ حيٌّ على مرافقة الشبّابة للدبكات.

يكون العزف على الشبّابة بواحدةٍ من الطريقتين التقليديتين المتعارف عليهما في الأردن، الأولى أن يضع العازف الفتحة العلوية للشبّابة على الشفّة السفلى لفمه وينفث الهواء بشكلٍ جانبيٍّ، وهي طريقةٌ شبيهة بآلية العزف وإخراج الصوت من آلة Flute التي تعتبر من أهم آلات النفخ في الأوركسترا السّيمفوني. أما الطريقة الثانية فتكون بأن يضع العازف الفتحة العلوية لأنبوب الشبّابة على نابه العلوي، وهذه الطريقة مريحة أكثر للعازف بحيث لا تتسبّب بإجهاد شفتيه أو تعرّضهما للإصابات خصوصًا عند العزف لفترات طويلة وبشكل متواصل. ينحصر المدى الصوتي لآلة الشبّابة بين ست وسبع نغمات موسيقيّة بالكاد تمثّل سلّمًا موسيقيًا كامل الدرجات، ويمكن الوصول إلى عدد نغمات أكبر من ذلك بحسب مدى براعة العازف واحترافيّته وقدرته على مضاعفة قوّة النفخ وشدّ الشفاه للحصول على نغمات عالية تُدعى بالـ “جوابات”. وكمثل آلة الربابة التي يصنعها عازفها بنفسه، فإن ثمة علاقة خاصة بين عازف الشبّابة وشبّابته تنعكس على أدائه الموسيقي عليها، لذا فإنه يصعب عليه إعارتها لغيره، أو العزف على شبّابة أخرى، ويعود ذلك للثقة الآتية من الاعتياد على مقاسات الآلة وطبيعة صوتها التي تعتمد على الاختلاف البسيط في المقاسات والتفاصيل وجودة الخشب من شبّابة لأخرى.

المجوز

تعتبر آلة المجوز في المرتبة الثانية بعد الشبّابة من حيث مدى انتشارها، ويرتبط أداؤها بالدبكات والرقصات الريفيّة، ويكاد لا يكون لها وجودٌ في البادية. والمجوز هي آلة نفخية تمتاز بصوتها القوي والصادح، وتُصنَع قديمًا من القصب وعظام النّسر، وحديثًا من المواد الصناعية مثل المعدن والبلاستيك.

تدل الآثار المُكتشفة عن حضارة الأردنيين الأنباط على وجود آلة المجوز منذ ذلك الزمن وحتى يومنا هذا، إذ ظهرت هذه الآلة في التمثال الشهير الذي يمثّل أول فرقة موسيقية أردنية مكتشفة في التاريخ، يعزف عليها أحد العازفين الذكور وعلى جانبيه إمرأتان موسيقيتان تعزفان على القيثارة والخرخاشة، ويُعرف المجوز في المراجع والكتب المتخصصة في الآثار والتي تشرح تفاصيل هذا التمثال على أنه “الناي المزدوج”، في إشارة واضحة لأصول تسمية المجوز الذي نعرفه اليوم.

رسم توضيحي لتمثال نبطي يمثّل أول فرقة موسيقيّة أردنيّة يظهر فيها المجوز ويُعرف بالناي المزدوج

يصنعُ آلة المجوز عادةً عازفُها بنفسه، وتتكوّن بشكل رئيسي من أنبوبتين متساويتي الطّول، ملتصقتان ببعضهما البعض بواسطة شمع العسل الذي يُذاب ويُستخدم كمادة لاصقة، وتتكون آلة المجوز من مكوّنات فرعية هي كما يلي :

  • البنيّات : وهما قصبتان رفيعتان مكونتان من عقلتين صغيرتين من قصب الغاب (البوص)، طول الواحدة منها حوالي 5 سم وقطرها 1 سم، تكونا مفتوحتين من أحد الطرفين ومغلقتين من الطرف الآخر، لكنّهما مشقوقتان طوليًا عند الطرف العلوي المُغلق، ووظيفة هذا الشق هو إصدار الصوت ذات الطابع التزميري، فتصبح هاتان البنيّتان بمثابة الزمّارة (الزمّيرة)، أو الجزء المصوّت الذي يصدر منه صوت المجوز الأساسي. وبمعنى آخر فإنه من الممكن اعتبار البنيّات على أنها (Mouth Piece ) في المجوز.
  • العرايس : وهما قصبتان من خشب الغاب (البوص)، وتمثلان حلقة الوصل بين البنيّات واللعّابات، تدخل كل عروسة في واحدة من البنيّات من طرفها العلوي، وبإحدى اللعّابتين من الطرف السفلي.
  • اللعّابات : وهما قصبتان ملتصقتان طول الواحدة منهما تقريبًا 30 سم، واللعابة هي الأنبوب الذي يصل إليها الصوت الصادر من البنيّات عبر العرايس، ويتضخم فيهما عبر ارتجاجه في الجدار الداخلي لكلّ لعّابة. وعلى الوجه العلوي لللعّابتين خمس أو ست فتحات متساويات في القطر وفي الأبعاد التي تفصل بينها.

يكون المدى الصوتي لآلة المجوز بالعادة بين 5 إلى 6 نغمات، بعدد الثقوب الموجودة على ظهر اللعابتين، مضافًا إليها نغمة أخرى هي الصادرة من خلال الفتحتين الرئيسيتين السفليتين لهما. ويصدر الصوت من آلة المجوز عبر اصطدام الهواء الذي ينفخه العازف ويدفع به عبر البنيّات، والتي سبق وأن وضحنا في أعلاه أنهما الجزء المصوّت في آلة المجوز، وينتج عن اهتزاز الهواء في البنيّات صوت الزمير الذي ينتقل عبر العرايس إلى اللعّابات ليتم تضخيمه فيهما، وعندئذٍ تكون النغمة الصادرة هي النغمة الأساس للآلة، يتم تغييرها من خلال سد وفتح الثقوب الموجودة على ظهر اللعابتين بواسطة أصابع العازف. وتتميّز آلة المجوز بأنها تُصدر صوتًا مكررًا من الأنبوبتين معًا في نفس اللحظة  (Unison)، وهذا هو السر الصوتي لآلة المجوز والتي يميّزها عن الشبّابة. يتطلب العزف على آلة المجوز استخدام تقنية تدوير الهواء من قِبَل العازف، وهي تقنية ليست بالسهلة، إذ يقوم العازف بتزويد رئتيه بالهواء عبر الأنف في الوقت نفسه الذي يقوم به بنفخ الهواء عبر فمه، ويمكن تحقيق ذلك من خلال جعل الفم مخزن للهواء المدفوع بقوّة عضلات الوجه لحين انتهاء عملية الشهيق من الأنف.

اليرغول

آلة اليرغول هي الآلة الأقل انتشارًا بالمقارنة مع الشبّابة والمجوز، وعلى الرغم من ذلك فهي مشهورة ومعروفة في المناطق الشمالية والوسطى وبنوعٍ خاصٍ في الأغوار الأردنية، ويمكن القول أن اليرغول قد تكون آلة تطوّرت مع الزمن عن آلة المجوز، وذلك بالنظر إلى شبه التطابق الكلّي في المكوّنات الرئيسية وأسلوب العزف عليها والتشابه الكبير في الصّوت الناتج عن الآلتين، وأيضًا؛ فإن اليرغول كالمجوز، آلة يتم العزف عليها لمرافقة الأغاني والأهازيج والدبكات والرقصات التي تؤدّى في مناطق انتشارها.

تُصنع آلة اليرغول من ذات المكوّنات التي تُصنع منها آلة المجوز، وتتكوّن من ذات الأجزاء الرئيسيّة التي في المجوز، من البنيّات، العرايس. إلا أن ما يميّز اليرغول هو وجود لعّابة واحدة فقط، وبجانبها لعّابة طويلة أخرى تُدعى الدوّاية، وسبب تسميتها بهذا الاسم لأنها تحافظ على دوي صوت ثابت طيلة العزف، بينما تقوم اللعّابة بنفس الدور الذي تؤديه في المجوز، ويكون طول اللعّابة في اليرغول كما في المجوز، إلا أن الدوّاية يتجاوز طولها 30 سم ولا يتم ثقبها بأية ثقوب، وتكون صفة الصوت الصادر من الدوّاية أنه صوت غليظ مستمرّ لا يتغيّر يُعطي نغمة القرار (3) للمقام الموسيقي الذي تؤدّى عليه المعزوفة أو اللحن.

القربة

في السياق الذي يتصل بتميّز السلوك الموسيقي الأردني بصفة الانفتاح والتفاعل الإيجابي مع الحضارات الأخرى منذ عهد الأردنيين الأنباط الذين أخذوا نماذج موسيقيّة من حضارات أخرى وتبنّوها وصارت جزءًا من ثقافتهم الموسيقيّة، فإن آلة القربة نموذج معاصر على هذا السلوك المتجذّر في الشخصيّة الأردنية.

دخلت آلة القربة إلى عائلة الآلات النفخية الأردنية واشتهرت من خلال فرقة موسيقات القوّات المسلّحة الأردنيّة، والتي تشكّلت أولى أنويتها مع طلائع جيش التحرير الذي قاد معارك الثورة العربيّة الكبرى للتخلّص من نير الاحتلال العثماني، وقد أخذتها الفرق العسكرية الأردنية الأولى عن الجيش البريطاني الذي كان حليفا لقوات الثورة، ولاحقاً بموجب الانتداب كان يُشرف على تدريب نواة القوات المسلحة الأردنية. وآلة القربة أو Bagpipes هي آلة نفخية رئيسية في موسيقات الجيش البريطاني، إلا أنها في الأردن ومع مرور الزمن تزيّن صوتها بأداء الألحان التراثية والمارشات العسكريّة الأردنية، حتى بات طابعها الصوتيّ في فرق وأوركسترا موسيقات الجيش الأردني متميّز عن نظيرتها البريطانيّة في الرّوح الأدائيّة والإيقاعيّة للألحان التي تُعزَف عليها.

تتكوّن آلة القربة من المكوّنات التالية :

  • أنبوب الهواء : يضعه العازف على فمه ليقوم بتزويد القربة بالهواء.
  • القربة : وهي مخزن الهواء الذي يقوم بتوزيعه على مخارج الآلة التي تصدر منها الأصوات.
  • اللعّابة : وتُسمّى باللغة الإنجليزية Chanter، وهي أنبوب يحتوي على عدد من الثقوب، ويتصل بأسفل القربة، يضع عليه العازف أصابع يديه ليقوم بتنغيم الصوت الصادر عن اهتزاز ريشة العزف Reed Chanter ومروره بالأنبوب.
  • الدوّايات : وبالإنجليزية تُسمّى Drones، وهي أنابيب طويلة تخرج من أعلى القربة، وتُصدر أصواتًا ثابتة طيلة العزف، وتشبه بدورها ما تقوم به الدوّاية في آلة اليرغول. وفي الوقت الذي تمتلك فيه القربة الإنجليزية التراثية دوّاية واحدة، فإن القربة الأردنية والمأخوذة عن الاسكُتلندية فإنها تمتلك عدّة دوّايات.
فريق الموسيقى النسائي في سلاح موسيقات القوات المسلّحة الأردنية

تمثّل القربة اليوم آلة نفخية مهمّة في موسيقات القوّات المسلّحة الأردنيّة، وهي تعزف ألحانًا هامة في البرنامج الموسيقيّ العسكري، الذي تمثّل ألحانه طقوسًا ومراسم عسكرية متنوّعة في الاستعراضات الاحتفالية والجنائز العسكريّة وغيرها. كما أن أجيالاً من المتقاعدين العسكريين من سلاح الموسيقات ساهموا بنقلها إلى الحياة المدنيّة، من خلال تشكيل فرق الاحتفالات الشعبيّة التي ترتبط بمناسبات الزفاف والتخرّج. كما أن القربة باتت اليوم الآلة الموسيقية الرئيسية في فرق الكشّافة والشبيبة الكنسية، وتؤدّى عليها العديد من الألحان الوطنية والشعبيّة في الاحتفالات الكنسية واستقبال رجال الدين المسيحي رفيعي المستوى خلال زياراتهم الرعوية للأردن.

تعريف مفردات البحث

  • Mouth Piece : أي قطعة الفم، وهي إحدى أجزاء الآلات النفخية (الخشبيّة والنحاسية) التي يتم تركيبها عند أعلى الآلة ليضعها العازف على فمه ويتمكّن من نفخ الهواء عبرها لتصدر الصوت منها وينتقل إلى تجويف جسد الآلة النفخية ويتضخّم فيه.
  • Unison : عزف أو غناء نغمتين بنفس الدرجة الصوتية في آنٍ معًا.
  • نغمة القرار : النغمة الأساس في المقام والسلّم الموسيقي، وتُسمّى أيضًا بدرجة الرّكوز.

المراجع

  • غوانمة، محمّد، آلات النفخ الموسيقيّة الشعبيّة في الأردن، جامعة اليرموك، إربد، الأردن.
  • حجاب، نمر حسن، الأغنية الشعبيّة في عمّان، 2003، موسوعة عمّان التراثيّة (5)، منشورات أمانة عمّان الكبرى، عمّان، الأردن.
  • الخشمان، مصطفى، الأغاني الأردنيّة في الجنوب، 2016، وزارة الثقافة الأردنيّة، عمّان، الأردن.
  • الزّعبي، أحمد شريف، الأغاني الشعبيّة الأردنيّة، 2015، وزارة الثقافة الأردنيّة، عمّان، الأردن.

آلات النفخ الموسيقيّة الأردنية

تمهيد

استكمالا لسلسلة أبحاثنا المتعلقة بعلم الفلك الشعبي الأردني، نسلط الضوء في بحثنا هذا على أبرز المجالات التي تم توظيف النجوم فيها وهو الاستدلال بالنجوم حيث أن أجدادنا الأردنيون استطاعوا بفضل علمهم واستنتاجاتهم أن يستفيدوا من النجوم بعدة مجالات، أهمها معرفة الاتجاهات كما سنورد في بحثنا هذا.

مقدمة

كان السفر في الصحراء ولا زال لغير العالِمين بها مغامرة ومخاطرة كبيرة، فمن يسافر في الصحراء أمامه عدد كبير من التحديات، وبالرغم من أن الأردنيين من سكان البادية لديهم ما يكفي من الخبرة في التعامل مع الصحراء لكنهم بالطبع احتاجوا لدليل قاطع يساعدهم ويرشدهم لوجهاتهم، لذا استعان الأردنيون بالطبيعة بكل ما تتيحه لهم من دلالات وعلامات؛ فمثلاً استعانوا باتجاه الرياح عن طريق اتجاه تراكم الأتربة تحت الأشجار واستدلوا على اتجاه الماء من تراكمات الطين والأهم من هذا كلهُ مدى معرفتهم بمطالع الشمس ومسارت النجوم.

أهم نجوم الاستدلال لدى الأردنيين

معظم النجوم التي يستفاد منها في هذا المجال تلك النجوم التي تعبر طرفي القبة السماوية الشمالي والجنوبي، لأن هذه النجوم تبقى في ناحية واحدة ثابتة من من طلوعها لمغيبها وتبقى في ناحية واحدة من السماء ولا تعبر وسطها، فلذلك تدل دائما على قطب من أقطاب الأرض بينما الطلوع والغياب يدلان على الشرق والغرب وسوف نسلط الضوء في بحثنا هذا على أبرز هذه النجوم:

نجم الجدي

يعتبر نجم الجدي الدليل الأهم في معرفة الاتجاهات بلا منازع والمرشد الأبرز والبوصلة التي لاتكذب،  فما يميزه هو موقعه في السماء الشمالية فوق مركز القطب ثابتا تقريبا، حيث أنه بعكس النجوم الأخرى لايتحرك لذلك جعلت منه هذه الميزة بوصلة ثابتة ينظر لها كل مسافر، ويسترشد بها في دجى الليل وبالرغم من أهميته إلا أن نوره ليس ساطعا بشكل كبير كنور الشعرى اليمانية أو سهيل مثلاً، فأحيانا يختلط الأمر على من يستدل بهِ بوجود بعض الظروف الجوية التي تحول بين الراصد وبين النجم لذلك استنتج أجدادنا لنجم الجدي بعض الأدلة التي تدل على مكانه في السماء من خلال  النظر لنجمتي الدبة والمراق وهما آخر نجمتين في كوكبة الدب الأكبر (النعايم) ويرسم بينهم خط وهمي ثم إضافة خمسة أضعاف هذا الخط للجهة اليمين للراصد فهذا هو المكان الأكيد والذي لا غبار عليه لنجم الجدي، حيث أن أجدادنا يسموهما الدليلان أو (المرشدان) وذلك لأنهما يدلان على موقع الجدي وفي إحدى القصص التي يتداولها أجدادنا عن هذين النجمين أن قوماً سطوا على أحد الرعاة ونهبوا ماشيته فلما أتتهُ المساعدة (الفزعة) سألوه أي اتجاه سلك المعتدين، فقال أنه لايعلم لكنه سمعهم يرددون شيئا من الشعر وتالياً نص القول:

تصوبوا للجدي والجدي صوبكم

                               ومن تاه منكم يهتدي بالنعايم

كان مقصد الشاعر في البيت السابق أن يرشد معاونيه لاتجاه الشمال فقال لهم (تصوبوا للجدي) أي اجعلوا نجم الجدي أمامكم مباشرة، و(الجدي صوبكم) أي اجعلوا نجم الجدي أمامكم مباشرة (ومن تاه منكم يهتدي بالنعايم) أي من لم يستطع رؤية نجم الجدي فعليه أن يتبع مجموعة النعايم النجمية.

رسم يوضح مكان نجم الجدي وكوكبة الدب الأصغر وذات الكرسي والدب الأكبر في السماء: rajol.net

نجم سهيل

سهيل من أبرز النجوم التي يعرفها الجميع إن لم يكن الأبرز فكان أجدادنا الأردنيون الأوائل يعرفون من خلاله جهة اليمين لأنه يطلع بهذا الاتجاه، فلذلك يسمى أحيانا (سهيل اليماني) فمن يقصد جهة الجنوب لابد أن يهتدي بنجم سهيل بالرغم أنه لا ليس دائم الطلوع.

نجمة الشعرى ونجم السهيل في السماء: slaati.com

كوكبة الدب الأكبر (النعايم – بنات نعش)

لحركة هذه النجوم فوائد عدة، أبرزها:

تقع في القسم الشمالي من القبة السماوية وكما أسلفنا أنه يستدل على موقع نجم الجدي من نجمي الدبة والمراق اللذان هما من كوكبة الدب.

رسم يوضح شكل مجموعة الدب الأكبر(بنات نعش)  في السماء: rajol.net

 

نجما الفرقدين (الحويجزين) 

يقعان بين نجم الجدي وكوكبة الدب (بنات نعش الأكبر) ويدلان على الشمال.

رسم يوضح شكل مجموعة الدب الأصغر في السماء: rajol.net

العقرب

ومن أبرز نجوم الاستدلال هي مجموعة العقرب حيث أنها تدل على الجنوب الشرقي ومغيبها يدل على الجنوب الغربي، ورأسها يشير للغرب.

الجوزاء

أو مجموعة الجبار ورأسها يدل للشمال دائما.

منزلة النعائم

أحيانا يحصل خلط بين النعائم (بنات نعش) والنعائم (منزلة من منازل القمر) فالأولى هي التي سبق ذكرها وبها يستدل على نجم الجدي والثانية هي المنزلة رقم عشرين من منازل القمر الثماني والعشرين وهي تتبع العقرب في مسارها ويستدل بها على الناحية الجنوبية من السماء.

تحديد الاتجاهات بواسطة مواقع النجوم ومطالعها ومساراتها

إن كل نجمة أو مجموعة نجمية لها مكان أو ناحية من السماء وبواسطة تلك الأماكن والنواحي نستطيع أن نحدد الاتجاهات على الأرض، فمثلاً :

لمعرفة اتجاه الشمال

إن أردنا أن نعرف اتجاه الشمال  نجعل نجم الجدي بين أعيننا وننطلق وبذلك نحفظ خط سيرنا ونضمن عدم الانحراف يمينا أو شمالا.

لمعرفة اتجاه الجنوب

إذا أردنا التوجه نحو الجنوب نجعل نجم الجدي بظهرنا ونتابع المسير أو نجعل مطالع النجوم يسار ومغاربها يمين، وإذا كانت معرفتنا بالنجوم عالية فنستعين بنجم سهيل.

لمعرفة اتجاه الشرق

نجعل نجم الجدي بمحاذاة كتفنا الأيسر ثم نتابع المسير وإذا كانت كوكبة الجوزاء طالعة فسنتأكد أن سيرنا صحيح إذا كانت في هذه الحالة أمامنا ورأسها يشير للشمال وإذا كنا من أصحاب الخبرة الكبيرة بعلم النجوم فسنحدد نجم الشمال ونجعله على يسارنا ونحدد نجوم الجنوب ونجعلها على يميننا أو نعرف وجهتنا بأن نجعل مطالع النجوم أمامنا ومغاربها خلفنا.

لمعرفة اتجاه الغرب

هنا نجعل نجم الجدي محاذي لكتفنا الأيمن ونستطيع أن نستعين بنجوم القطب الشمالي فنجعلها على يميننا ونجوم الجنوب على شمالنا.

لمعرفة اتجاه الشمال الشرقي

نجعل نجم الجدي إلى اليسار من كتفنا أو كتف راحلتنا (سيارة أو دابة، إلخ) ونستعين بمطلع نجوم القطب الشمالي؛ فطلوعها من الشمال الشرقي وأيضا إذا استطعنا تحديد نجم السويبع وكان أسفل كوكبة بنات نعش (الدب الأكبر)  فحتما نحن نتجه إلى الشمال الشرقي.

لمعرفة اتجاه الشمال الغربي

نجعل نجم الجدي إلى اليمين من كتفنا أو كتف راحلتنا (سيارة أو دابة، إلخ) ونستعين بمغيب نجوم القطب الشمالي، وإذا كان نجم السويبع يعتلي بنات نعش فنحن حتما بالاتجاه الصحيح، يقول الشاعر :

وامشوا يسار الجدي بالك تتيهون

                          ترى النعايم سبعة بينات

وفي البيت السابق الشاعر ينصح  بالمشي يسار نجم الجدي لتجنب التوهان ويؤكد الشاعر أن النعايم (كوكبة بنات نعش الكبرى – الدب الأكبر) هن سبعة نجوم واضحة.

لمعرفة اتجاه الجنوب الشرقي

نجعل نجم الجدي خلفنا من اليسار ونتجه نحو مطلع نجم سهيل ونجوم اليمين، وكما قال الشاعر راكان ابن حثلين:

الجدي حطيته بورك المطية

                     وافرق نحرها عن سهيل اليماني

يوضح الشاعر أنه جعل نجم الجدي بجهة دابته (المطية) اليسرى واتجه نحو نجم سهيل أي جعل نجم سهيل أمامه (وافرق نحرها عن سهيل اليماني) ونحر الدابة أي رقبتها.

لمعرفة اتجاه الجنوب الغربي

نجعل نجم الجدي خلفنا من اليمين ونتجه نحو مغيب سهيل ونجوم اليمين.

الاستدلال بمشارق الشمس ومغاربها 

رسم يوضح مشارق ومغارب الشمس على مدار السنة:sites.google.com/site/falakiyat/ibn_alqayyem

الشمس لها مشارق ومغارب تتغير حسب الفصول والمواسم، فشروق الشمس صيفا يدلنا على الاتجاه بين الشرق والشمال الشرقي ويشير ظل شروقها إلى الاتجاه بين الغرب والجنوب الغربي، ويدلنا مغيبها على الاتجاه بين الغرب والشمال الغربي أما ظلها قبل الغروب يشير إلى الاتجاه بين الشرق والجنوب الشرقي، أما عند منتصف النهار (الظهيرة) فظل الزوال يشير إلى الشمال.

وفي الشتاء يدل شروق الشمس على الاتجاه بين الشرق والجنوب الشرقي وظل شروقها إلى الاتجاه بين الغرب والشمال الغربي، ويدل مغيبها على الاتجاه بين الغرب والجنوب الغربي ويشير ظلها قبل الغياب إلى الاتجاه بين الشرق والشمال الشرقي كما أن الشمس في الشتاء تعبر السماء جنوبا.

الاستدلال بالقمر

نستطيع أن نحدد اتجاهنا ليلا من خلال حركة القمر ومساره (إذا كان هلال)، فحركة القمر من الشرق إلى الغرب تدل على الاتجاهات، والجهة المحدبة منه في الأيام الأولى من الشهر تشير لمغيب الشمس وتكون تحت الأفق الغربي، وفي آخر أيام الشهر تشير إلى موقع الشمس تحت الأفق الشرقي أما في أيام التربيع الأول (أحد أطوار القمر) فتشير الجهة المستديرة إلى الغرب، وفي التربيع الثاني فتشير الجهة المستديرة إلى الشرق، حيث أن هذه الطريقة من الطرق التي تحتاج خبرة طويلة بعلم النجوم والفلك الشعبي.

رسم يوضح أطوار القمر: dail1381.wordpress.com

تحديد الاتجاهات عبر الاستعانة بعصا 

هذه الطريقة من أسهل الطرق ويستخدمها الذين ليس لديهم خبرة طويلة بمطالع ومغارب ومسارات النجوم، وتكون هذه الطريقة كما يلي:

ليلا

نغرس عصا في الأرض ونجلس مقابلها ونعيّن نجمة (أي نجمة في السماء) ونجعلها مباشرة فوق رأس العصا وننتظر بعض الوقت لحين تحرك النجمة فإذا تحركت النجمة فيدل على أننا نجلس مقابلا للشرق وإذا تحركت إلى الأسفل فهذا يعني أن المغرب مقابلنا أما إذا تحركت يمينا فنحن إذا نقابل الجنوب وإذا تحركت لليسار فنحن حتما نواجه الشمال.

نهاراً

نغرس عصا في الأرض ونضع علامة عند نهاية الظل وننتظر بضعا من الوقت ثم نضع إشارة عند نهاية الظل الجديد ونرسم خط بين العلامتين وبذلك تدل العلامة الأولى على الغرب والثانية على الشرق.

المراجع

  • عبندة، علي، “الفلك والأنواء في التراث“، دار الفرقان للنشر والتوزيع،1998 .
  • العثمان، عواد ملهّي، “علم الفلك الشعبي وحساب المواسم والفصول“، دار يافا العلمية للنشر والتوزيع، عمان-الأردن، 2018.
  • كرلونلينو، السنيور، “علم الفلك تاريخه عند العرب في القرون الوسطى“،منشورات وزارة الثقافة الأردنية/مشروع مكتبة الأسرة، 2018.
  • باصرة،حسين بن محمد،”الاستدلال بالنجوم“،مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية،2007.

المصادر

مقابلة مسجلة لفريق إرث الأردن مع الباحث عواد العثمان عن الفلك الشعبي، بتاريخ 30-8-2018، الحلابات -الزرقاء – الأردن.

بوصلة النجوم الأردنية

أشجار الفصول الأربعة ar.pngtree.com

مقدمة

كان للقبائل الأردنية ولمجتمع البادية الأردنية عموما تميزها العلمي بعدة مجالات حيث تطورت مهاراتها ومعارفها حتى كوّنت لنفسها علوما مستقلة بحد ذاتها قائمة إلى يومنا هذا، ومن أبرز هذه العلوم علم الفلك الشعبي الذي من خلاله طوّرت حسابات فلكية متعددة ساعدتها على مراقبة طوالع النجوم ومنازلها التي عرفتها بخبرتها وما تعلمتها من أجدادنا الأردنيين الأوائل، فيعزى اهتمام أبناء القبائل الأردنية في مجتمع البادية تحديدا بالحسابات الفلكية لارتباط هذه الحسابات بشؤون حياتهم المعتمدة كلياً على الطقس والمناخ والنشاطات الجوية.

راقب أجدادنا الظواهر الطبيعية ومطالع النجوم بكثب نظراً لارتباطها بالظروف المناخية فتكون عندهم تصور كامل يمكنهم من تنظيم رزنامة مواسم خاصة بهم، حيث استطاعوا ربط بدايات المواسم اعتمادا على طلوع بعض النجوم فرتبوا أيام السنة وقسموها على أساس طلوع بعض النجوم تحديدا النجوم التي تطلع في منازل القمر الـ28.

من الجدير بالذكر هنا أن علم الفلك الشعبي الأردني لم يكن مقتصرا على أبناء البادية فقط، لكن أبناء البادية الأردنية على وجه الخصوص وظفوا الفلك الشعبي في كل مجالات حياتهم لذلك تم اختيارهم كعينة بحثية لبحثنا هذا لكننا سنتعرض بالطبع لبعض ممارسات علم الفلك الشعبي الأردني في مجتمع الريف والمدينة الأردنيين.

الحساب ومعرفة مواقيت المواسم والفصول

من أهم العوامل المؤثرة على الحساب الشعبي وعلى الرصد الفلكي ككل، هي جغرافية المكان وطبيعة التضاريس بالإضافة للديموغرافيا التي تؤثر بشكل مباشر على اهتمامات الأفراد والمجتمعات؛ فحتما تختلف اهتمامات المزراع عن مربي الإبل وتحديدا في سياق بحثنا، إذ لن تكون النشاطات المناخية التي يهتم بها المزارع هي ذات النشاطات التي يترقبها مربي الإبل، حيث أن الجزئيات المهمة تختلف تبعا لطبيعة المجتمعات، وبالرغم من هذه الاختلافات إلا انها لا تشكل تعارضاً كبيراً لعدة أسباب منها أنه لا يشترط أن تتغير حالة الطقس عند طلوع النجم الخاص بالموسم فهناك عوامل عديدة قد تؤثر على دخول الموسم مثل عدم وضوح الرؤية بالنسبة للراصد؛ فعدم صفاء السماء ووجود الغيوم قد يحجب الرؤية ويصعب عملية الرصد وبالتالي التيقُّن من دخول الموسم ومن أبرز الأمثلة على هذا الظرف هو تحري هلال بداية ونهاية شهر رمضان واختلاف ثبات الرؤية من دولة لأخرى.

وبالرجوع لما سبق نستنتج أن دخول الموسم ليس شرطا أن يكون مرتبطا بطلوع أو غياب نجوم المواسم فمثلاً ربيع البادية الأردنية ينتهي مبكرا قبل أن ينتهي الربيع في جبال عجلون مثلا، حيث أن الصيف يبدأ مع طلوع نجم الثريا الذي يوافق طلوعه في السابع من شهر حزيران ( يونيو ) وقد يوافق انتهاء الربيع أحيانا في البادية الأردنية النصف الأخير من شهر نيسان (أبريل)، وبالرغم من كل ما سبق يبقى المتعارف عليه فلكيا أن دخول الصيف يكون مع طلوع الثريا، ونشير هنا أيضاً أن سبب هذا الاختلاف يعزوه بعض الباحثين والخبراء في علم المناخ هو أننا نتجه في زمننا هذا نحو حقبة التقلب المناخي نظرا لتلوث البيئة وتوسع ثقب الأوزون بينما ما قبل القرن العشرين كانت المواسم منظمة بشكل أقرب ما يكون للدقة المطلقة حيث لم يكن لدينا هذا الكم الهائل من المتغيّرات البيئية والملوّثات.

التنبوء بالطقس واستقبال المواسم 

تعاملت القبائل الأردنية مع الطبيعة بعلم ومعرفة مبنية على أساس متين متزن واضح المعالم حيث استطاعوا أن يتنبئوا بالطقس ويستقرئوا المواسم وتقلباتها بسرعة بديهة فطرية، فالبادية الأردنية ألزمتهم أن يحتاطوا دائما من سيلها وبردها؛ فكان لا بدّ أن يبحثوا دائما عن الأماكن التي تحميهم من هذه التقلبات المناخية.

الصيف 

يبدأ فصل الصيف فلكياً مع طلوع نجم الثريا في السابع من شهر حزيران (يونيو) ثم يتنهي مع طلوع نجم سهيل في  الخامس من شهر أيلول (سبتمبر) تقريباً؛ حيث قد تعارف أجدادنا على تقسيم فصل الصيف لأقسام وهي :

مربعانية القيظ 

من المعروف لدى الأردنيين أن مربعانية الشتاء هي أربعون يوماً من البرد القارص ولذلك أسقطوا هذا الاسم على أول أربعين يوما من الصيف أيضا دلالة على شدة حرارة هذه الأيام وتطلع في هذه الفترة ثلاثة نجوم؛ أول هذه النجوم نجم الثريا الذي يطلع بالتاريخ الذي ذكرناه سابقا معلنا بداية أيام شديدة الحرارة فيبدأ النهار يطول تدريجيا وتكتسي الأرض باللون الأصفر حيث يبدأ الحصاد، وبه قال أجدادنا مثل شعبي مشهور: “يغيب على طرش حابس ويطلع على غمر يابس” فعندما يقترن نجم الثريا مع القمر (أي يطلع النجم بجانب القمر) يحبس الطرش – مجموعة الإبل أو الأغنام أو البقر – بسبب نهاية الربيع وعدم وجود مراعي ثم تطلع على غمر يابس دلالة على الحصاد؛ عموما يدور هذا المثل حول حبس الأنعام بسبب جفاف المراعي، والغمر هي وحدة قياس استخدمها أجدادنا لحساب كمية النباتات المحصودة حيث أن كمية الغمر تكون تحديدا ما يستطيع الإنسان حمله من النبات المحصود على مستوى قطر تشابك الأيدي بشكل شبه دائري.

تستمر مربعانية القيظ بالرغم من غياب الثريا، فيلحق غياب نجم الثريا طلوع الدبران؛ الذي يسمى (مقيدح) أو مجيدح دلالة على شدة حرارة الأيام التي ترافق طلوعه حيث أنهم يشبهونه بالقدّاح الذي يسبب الشرار. يطلع نجم الدبران بعد الثريا بثلاثة عشر يوما وتكون شمسه حارقة والليل في أقصر حالاته أمّا النهار فيكون طويلا جدا.

تنتهي مربعانية القيظ بطلوع نجم الجوزاء آخر نجوم هذا الموسم، وقد أطلق عليها أجدادنا اسم محنِّنْة الجمل دلالة على أن الجمل يحن للماء بسبب شح المياه وجفاف كل مصادر المياه المفتوحة.

خمسينة القيظ (جمرة القيظ)

يبدأ في السادس عشر من تموز (يوليو) أصعب خمسين يوما في الصيف، فتكون درجات الحرارة في أعلى مستوياتها والرياح لافحة ثم يطول النهار ويقصر الليل، حيث أن أغلب الثمار الصيفية تبدأ بالنضج لذلك أسماها أجدادنا الأردنيين (طبّاخات العنب) دلالة على شدة حرارة أشعة الشمس، نجم الهنعة؛ نجم الشعرى؛ الكليبين ونجم الطرفة هم نجوم هذا الموسم.

 

 

من مجموعة الأمثال الشعبية؛ ويضرب بحرارة الصيف.

الخريف (الهريف – الصفري – الوسم)

يبدأ الأردنيون بإعداد عدتهم عند بداية موسم صفر أو الوسم وهي الأسماء الشعبية لفصل الخريف (Autumn / (Fall؛ حيث يتضمن شهر أيلول وتشرين الأول وتشرين الثاني وتسمى أحيانا (الصفاري الثلاث).

السادس من شهر أيلول (سبتمبر) يوافق طلوع نجم الجبهة أول نجم في فصل الخريف وينتهي عندما يغيب نجم الزباني في السادس من شهر كانون الأول (ديسمبر)، حيث يطلع في فصل الخريف سبعة نجوم مجموع أيام طلوعها مجتمعة اثنان وتسعون يوما؛ فأيام سهيل تسمى (صفري) أما الباقي يطلق عليه (الوسم).

يطلق على أول جزء من الخريف اسم الصفري، ويتضمن طلوع الثلاثة نجوم الأخيرة من موسم طلوع سهيل ( آخر مطلع نجم في الصيف)؛ ونجم الجبهة أول نجم في فصل الخريف وأول نجوم الصفري (الجزء الأول من الخريف) حيث تبدأ درجات الحرارة بالاعتدال قليلاً ويبدأ استعداد الطقس للانقلاب؛ فتقل حاجة المواشي للمياه بشكل مستمر وتبدأ بعض الشجيرات الصحراوية بالإزهار مثل الحمض؛ والشنان أيضاً.

نبات الحمض

ثاني نجوم صفر هو نجم الزبرة الذي يطلع في العشرين من شهر أيلول (سبتمبر) ويحدث في فترة طلوعه الاعتدال الخريفي حيث يبدأ طول النهار يقصر، ثم إن أمطاره من أفضل الأمطار التي قد تستفيد منها الأرض وتسمى بمطر (الهريف).

آخر جزء من فصل الخريف يطلق عليه اسم (الوسم) حيث أن الوسم لغة هو العلامة أو الندبة وسمي بذلك دلالة على أمطاره التي تجعل الأرض تكتسي بالخضار مبكرا، يبدأ الوسم بطلوع نجم العواء الذي يطلع بتاريخ (16/10)؛ وينتهي الوسم بغياب نجم الزباني اللذي يطلع بتاريخ (24/11) حيث أن السادس من شهركانون الأول (ديسمبر) يكون فلكياً أخر يوم في فصل الخريف .

الشتاء

يبدأ فصل الشتاء فلكياً في السابع من شهر كانون الأول (ديسمبر) وينتهي تقريبا في السابع من شهر آذار (مارس) وهو أصعب الفصول التي يتعرض لها أبناء البادية الأردنية؛ أصعب أيام الشتاء هي أيام الأربعينية أو (المربعانية) فبردها قارس جدا يصل لحد (القحيط) ومطرها قد يكون شحيحا أحيانا والمربعانية هي أربعون يوما من البرودة العالية التي تنبع من الأرض فلا ينبت زرع.

بعد انتهاء مربعانية الشتاء تبدأ فترة سماها أجدادنا الأردنيين خمسينية الشتاء وأيامها خمسون، موزعة على النحو الآتي:

1.الشبط: هو الموسم الذي يلي موسم المربعانية حيث أن مدته ست وعشرون ليلة تبدأ في الخامس عشر من شهر كانون الثاني (يناير) وتنتهي في التاسع من شهر شباط (فبراير)، حيث أن أيامه باردة ويتجمد الماء الراكد، وأطلق عليها أجدادنا  اسم (مبكية الحصيني) نظراً لشدة البرودة وقلة الطعام.

2.العقارب: مقسمة على ثلاثة نجوم صنفها أجدادنا كالتالي (أولها سم، وأوسطها دم، وآخرها دسم) فالأول والثاني هما آخر فصل الشتاء وأيضا يسميان (سعد الذابح وسعد بلع) وسميت العقارب لأن بردها يأتي فجأة فيلسع كالعقرب، فالعقرب الأول (عقرب السم) أو سعد الذابح ؛ برده شديد يشبه السم، أما العقرب الثاني (عقرب الدم) أو سعد بلع وسمي عقرب الدم لأن البرد يبدأ فيه بالانحسار فيعود الدم بالتحرك في الجسد دلالة على الدفء.

 

الربيع

يبدأ فصل الربيع في الثامن من شهر آذار ( مارس ) عند دخول نجم سعد السعود (عقرب الدسم)، وينتهي مع غياب نجم البطين في السادس من حزيران، وهو أفضل فصل بالنسبة للأردنيين حيث تزهر الأشجار وتكثر الأعشاب ويكثر حليب المواشي.

1.عقرب الدسم: وسمي عقرب الدسم نظراً للشحوم التي تبدأ بالتكوّن عند المواشي بسبب العشب الوفير والمراعي الخضراء.

2.الحميمين: وهما نجمي سعد الأخبية والفرغ المقدم: وسميا بهذا الاسم إشارة إلى حمو الأرض، وسعد الأخبية هو الحميم الأول يميل الطقس فيه للدفء تورق الأشجار وتزهر ويعتدل الربيع بالحادي والعشربن من آذار (مارس)، وفي الحميم الثاني (الفرغ المقدم) يبدأ العشب بالجفاف النسبي وتشتد حرارة الشمس.

 

المراجع

  • أبو الغنم، أحمد سلامة ،”البادية عادات وأعراف“،منشورات وزارة الثقافة،2013.
  • الدينوري، أبو محمد عبدالله بن مسلم،”الأنواء في مواسم العرب“.
  • رزنامة إرث الأردن.
  • عبندة، علي، “الفلك والأنواء في التراث“، دار الفرقان للنشر والتوزيع،1998 .
  • العثمان، عواد ملهّي، “علم الفلك الشعبي وحساب المواسم والفصول“، دار يافا العلمية للنشر والتوزيع، عمان-الأردن، 2018.

رزنامة المواسم والفصول الأردنية

مقدمة

تحتوي السماء على عدد مهول من النجوم التي لا تعد ولا تُحصى، حيث أنه كلما زادت عتمة الليل وصفاء السماء زادت إمكانية رؤية المزيد من هذه النجوم  إذ أن الإنارة في المدن والتجمعات الحضارية تحجب عن أعيننا رؤية الكثير من هذه النجوم، ولو أتيحت للفرد فرصة الذهاب للصحراء البعيدة عن مصادر التلوث البصري في ليلة لا يوجد فيها قمر سيتفاجئ حتما بمنظر السماء المزينة بلآلئ فيها المنير الساطع وفيها الباهت ومنها ما هو بين ذلك.

يعرف فصل الشتاء بأنه الفصل الذي يتضمن أكثر ليالي السنة ظهورا للنجوم وعلى العكس تماما فصل الخريف، وكما ذكرنا بسلسلة أبحاثنا عن علم الفلك الشعبي الأردني أن الأردنيين استفادوا من هذه النجوم ومطالعها ومغاربها ومواقيتها في شتى أمور الحياة، وذلك في تحديد المواسم والفصول أو حتى الأماكن والاتجاهات ولمعرفة الوقت، وسوف نسلط الضوء في بحثنا هذا على أسباب اختلاف مدة ظهور النجوم وغيابها.

أسباب اختلاف مدة ظهور النجوم وغيابها

بُعد مطالع النجوم عن الدائرة القطبية الشمالية

إذا كان مطلع النجم ومغيبه قريباً من القطب الشمالي فإن مدة غيابه أقل، وكلما كان بعيدا عن القطب الشمالي كلما كانت مدة غيابه أطول فالنجوم المحيطة بنجم القطب الشمالي تظهر كل ليلة بينما التي تطلع وتغيب قريبا من خط الاستواء السماوي تكون فترة غيابها قريبة من الشهر إلى الشهر والنصف أما التي تطلع في أقصى الجنوب فتكون مدة ظهورها أقل من ذلك، فالشعرى مثلاً تغيب مدة تبلغ حوالي شهرين ونصف أما سهيل فيغيب مدة تبلغ حوالي خمسة أشهر.

اختلاف مواقع الرصد 

كما أسلفنا سابقا في بحثنا (مدخل لعلم الفلك الشعبي في الأردن) فاختلاف مواقع الرصد تؤثر بشكل كبير على مدة ظهور النجوم وغيابها، فكلما كان الراصد بعيدا باتجاه الشمال عن خط الاستواء سيرى النجوم الجنوبية بشكل أقل وكلما اتجه جنوبا فسيرى نجوم الشمال أيضا بشكل أقل.

أبرز النجوم التي عرفها الأردنيون 

النجوم دائمة الظهور 

واضح من اسم هذا التصنيف أنه يضم النجوم التي يكون ظهورها دائم في السماء كل ليلة وعلى مدار العام ويكون مكان هذه النجوم في القسم الشمالي من القبة السماوية قريبا من نجم القطب، وتكون حركتها حول نجم القطب بشكل دائري عكس عقارب الساعة بسبب قرب هذه النجوم من نجم القطب فلذلك تكون ظاهرة دائما ولهذا سميت النجوم دائمة أو أبدية الظهور، ولهذه النجوم عدة مجموعات ولكل مجموعة اسم، أهمها:

1.مجموعة الدب الأكبر 

رسم توضيحيى لمجموعة الدب الأكبر.

تسمى أحيانا (بنات نعش الكبرى أو حمالات النعش أو السبع وهي سبع نجمات لكل نجمة منها اسم وسبب التسمية تخايل للناظر أن اربع نجمات يحملن نعش ابيهن والثلاث الأخريات يمشين خلف الجنازة وأطلق عليهن الأردنيون (المغرفة أو المغرافة أو الكفكير، ويقصد بهذه المسميات أداة تستخدم لسكب الطعام) أو (عرباية) لأنها تشبه عربة نقل البضائع الصغيرة، وتُرى عادة أول الليل آخر فصل الربيع فوق الأفق الشمالي، أما صيْفا فتكون في الشمال الغربي من الجدي ويستعان بها للاستدلال على اتجاه الشمال كما قلنا سابقا في بحثنا (بوصلة النجوم).

2.مجموعة الدب الأصغر 

رسم توضيحيى لمجموعة الدب الأصغر.

مجموعة الدب الأصغر إحدى أهم المجموعات النجمية لأنها تضم نجم الجدي وتسمى أحيانا بنات نعش الصغرى كونها تشبه بنات نعش الكبرى بعض الشيء أغلب نجومها باهتة وأشهر نجوم هذه المجموعة :

أ.نجم الجدي

 أو نجم القطب وكما قلنا في بحثنا (بوصلة النجوم) أنه من أشهر نجوم الاستدلال بالاتجاهات لأنه  دائم الظهور وثابت لا يتحرك.

ب.نجما الفرقدان 

هما أبعد النجوم عن نجم الجدي ويضرب بهما المثل في العلو والسمو والرفعة وبعدهما عن الأرض فيقال (كن مثل الفرقدين ) أي كن شامخا تتعالى عن صغائر الأمور.

ج.مجموعة ذت الكرسي

مجموعة ذات الكرسي كما تبدو في السماء.

 تقع مقابل مجموعة بنات نعش الكبرى من الناحية الأخرى لنجم الجدي وفيها خمس نجمات يشكلن حرف (w) الإنجليزي فتكون فوق نجم الجدي عندما تكون بنات نعش تحت نجم الجدي، و(ذات الكرسي) اسم أوجده الاغريق  فحسب ما رسموا في مخيلاتهم أن هذه المجموعة النجمية تشبه سيدة تجلس على كرسي، أنظر الرسم التالي.

رسم يوضح شكل مجموعة ذات الكرسي: https://ajel.sa

أما أجدادنا الأردنيين فقد سموا هذه المجموعة (السنام) لأنها  تشبه سنام الناقة.

صورة متحركة توضح حركة كوكبة الدب الأصغر وكوكبة ذات الكرسي.

النجوم غير دائمة الظهور 

واضح من مسماها أنها نجوم تظهر في أوقات معينة من العام وتختفي في أوقات آخرى ويعود سبب اختفائها  لتزامن طلوعها مع طلوع الشمس فلا ترى بفعل ضوء الشمس، ومن هذه النجوم ما يقع ضمن منازل القمر أو دائرة البروج.

هـ.منازل القمر

أشرنا سابقا أن القمر له ثماني عشرين منزلة (مكان يطلع به القمر كل ليلة من الشهر القمري)، وتاليا هي قائمة منازل القمر والنجوم التي تطلع بها:

رسم يوضح منازل القمر حول الأرض:aspdkw.com

و.الشرطان

هي المنزلة الأولى من منازل القمر، وهما نجمان يقعان في برج الحمل وتسمت هذه المنزلة بهذا الاسم نسبة للشرط أو الوسم (العلامة) حيث كان أجدادنا يستهلون سنة جديدة عند ظهور الشرطان، وسقوطهما (أي غيابهما في موعد الطلوع) يدل على احتمالية سقوط الأمطار ويظهر الشرطان في الثاني عشر من أيار (مايو).

ز.البطين

 ثلاثة نجوم يطلعن بالمنزلة الثانية للقمر ويقال البطين (مصغر بطن) باللهجة العامية بقصد التفريق بينها وبين بطن الحوت (آخر منزلة للقمر)، ويطلع البطين بالخامس والعشرين من أيار (مايو).

ح.الثريا

يوصفها علماء الفلك بأنها عنقود نجمي يضم عدداً من النجوم ونستطيع رؤية سبعة منها فقط حيث يسميها أجدادنا (النجم) أو (النجمة) لأنهم يتعاملون مع مجموعة الثريا على أنها نجم واحد، وتعتبر الثريا أهم مجموعة نجمية عند عشائر البادية الأردنية فهي مرشدهم الأول ودليلهم الأزلي على بدايات المواسم والفصول ونهايتها وغيابها يدل على أول الربيع ومطلعها يعني بداية الصيف وعندما تسقط فهذا دليل على بداية مربعانية الشتاء.

نجمان الشرطين ومجموعة الثريا  في السماء:sites.google.com/site/falakiyat/rayyat_alkhalawi

ط.الدبران (التويبع)

هو نجم أحمر نيّر وله أسماء كثيرة (الدبران) و(الحادي) و(التالي والتابع) كلها تدل على أنه يأتي بعد حدث ما والحدث المقصود هو الربيع فكان أجدادنا يتشائمون منه لأن أيامه حارة ورياحه لافحة.

نجم التويبع ونجم المباري والهقعة، ومجموعة الجوزاء والهنعة في السماء: sites.google.com/site/falakiyat/rayyat_alkhalawi

ي.الهقعة

وهي رأس الجوزاء وثلاث نجمات متقاربة تشكل رأس مجموعة الجبار، وسميت الهقعة تشبيهاً بالدائرة التي في جنب بعض الدواب ويقال لها الهقعة وتطلع بالثالث من شهر تموز (يوليو) وهي آخر مربعانية القيظ وتكون حارة جداً وريحها تسمى السموم نظرا لشدة حرارتها.

ك.الهنعة

نجمان أبيضان متجاوران والهنعة أي العطفة اي العكفة، وسماها أجدادنا الجوزاء الثانية وطلوعها يكون في السادس عشر من شهر تموز (يوليو).

نجم المرزم ونجما الذراع ومجموعة الجوزاء والهقعة والهنعة في السماء : sites.google.com/site/falakiyat/rayyat_alkhalawi

ل.الذراع 

نجمان متجاوران يطلعان في التاسع والعشرين من شهر تموز (يوليو) وتكون الحرارة شديدة جدا ويظهر السراب في كل مكان وتثور الريح المغبرة والعواصف الغبارية.

م.النثرة

سميت بهذا الاسم لأنها تشبه السحابة المنثورة وتطلع  في الحادي والعشرين من آب (أغسطس) وتكون الحرارة قد بلغت ذروتها وسماها أجدادنا (محننات الجمل) لأنها تجعل الماشية تحن للماء نظرا للعطش المستمر وجفاف مصادر المياه وذُكر الجمل حصرا لما يعرف عنه من قدرة على تحمل العطش.

ن.الطرفة

هما نجمان خافتان ويطلعان  في الرابع والعشرين من شهر آب (أغسطس) وهما آخر نجوم الصيف ويصادف فيه موسم إثمار النخيل.

س.الجبهة

هي أربعة نجوم وتشكل أول نجوم الخريف وتطلع في السادس من أيلول (سبتمبر) وتبدأ درجات الحرارة بالاعتدال والنهار يبدأ بالقِصَر.

ع.الزبرة

هما نجمان يطلعان في العشرين من أيلول (سبتمبر) من ضمن أيام الخريف ويكون الطقس فيها لطيفاً ويحدث فيها الاعتدال الخريفي ويبدأ مزارعو  النخيل بجني الثمر.

ف.الصرفة

تطلع نجمة الصرفة في الثالث من شهر تشرين الأول (أكتوبر) وتكون الحرارة معتدلة بشكلها العام.

ص.العوا

هي خمسة نجوم تشكل منحنى يقع في برج العذراء وسميت العوا بسبب انعوائها أو انحنائها  ويطلع في السادس عشر من شهر تشرين الأول (أكتوبر) وتبدأ الحرارة بالانخفاض ليلاً.

ق.السماك

هو نجم في برج العذراء ويسمى السماك الأعزل نظرا لوجود نجم آخر اسمه السماك الرامح، والسماك الرامح سمي بهذا الاسم لأنه يوجد حوله مجموعة نجوم تشبه الرمح والأعزل سمي أعزلا لأنه لا يوجد حوله نجوم فدلالة على أنه أعزل السلاح، ويطلع السماك الأعزل في التاسع والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر).

ر.الغفر

هي ثلاثة نجوم خافتة تتبع السماك الأعزل وتطلع في الحادي عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) وتبدأ حينها درجات الحرارة بالانخفاض بشكل ملحوظ.

ش.الزُّباني

هما نجمان متفرقان في برج الميزان يطلعان من الجنوب الشرقي وهما آخر نجوم الوسم (الخريف)، وهما علامة دخول الشتاء واقتراب دخول مربعانية الشتاء، وسميت بالزباني نسبة لزباني العقرب (قرونهُ) ونجما الزباني يشكلان جزءا من مجموعة العقرب.

رسم توضيحي لمجموعة العقرب كما تبدو في السماء : http://www.startimes.com/f.aspx?t=22458399

ت.الإكليل 

هي النجوم الثلاثة التي تشكل رأس العقرب تطلع في السابع من شهر كانون الأول (ديسمبر) وبطلوعها تبدأ مربعانية الشتاء فيكون البرد قارصاً جداً حيث تبدأ فحول الإبل الضراب (موسم التزاوج).

ث.القلب

هو نجم أحمر ساطع ويمثل قلب العقرب، يطلع من الجنوب الشرقي في مجموعة العقرب يكون طلوعهُ في العشرين من كانون الأول ( ديسمبر ) وفيه يحدث الانقلاب الشتوي فيكون النهار أقصر نهار بالسنة وأطول ليل بالسنة وأيام طلوع هذا النجم تتصف بالبرد القارص جدا.

خ.الشولة

هما نجمان متقاربان ويشكلان ذنب العقرب ويسميان الشولة كونهما أعلى نجمين في تشكيلة العقرب ويطلعان في الثاني من شهر كانون الثاني (يناير) وأيام طلوعهما شديدة البرودة وليلهما طويل جداً.

ذ.النعائم 

هن ثماني نجمات، أربعة سماهن أجدادنا الأردنيين (النعايم الواردة) أي كأنها تشرب من نجر المجرة والأربعة الأخرى تسمى (النعايم الصادرة) أي أنها شربت وغادرت، وتطلع في الخامس عشر من شهر كانون الثاني (يناير) ويأتي مع طلوعها عادة أمطار غزيرة جداً وثلوج و(قحيط) وأطلق اجدادنا على هذا الموسم  مبكية الحصيني والحصيني أحد أنواع الثعالب ويقصد بهذا القول أنه من شدة البرد وقلة الطعام يبكي الحصيني.

و.البلدة 

هي عبارة عن بقعة بين النعائم وسعد الذابح فيها نجوم خافتة تكاد لا تُرى وسميت بلدة نسبة للفراغ بين الحاجبين، تطلع في الثامن والعشرين من كانون الثاني (يناير) وأيامها شديدة البرد وتبدأ أوراق بعض النباتات كالجعدة والزعتر البري والشيح بالظهور.

ض.سعد الذابح 

هما نجمان خافتان في برج الجدي يطلعان في العاشر من شهر شباط (فبراير) وأيامهما غالبا ما تكون باردة وتكون احتمالية سقوط الثلج عالية والأمطار التي تسقط في هذا الموسم مفيدة للأرض والنبات.

وقيل في سعد الذابح: ( إذا طلع سعد الذابح، حمى أهله النابح ونفع أهله الرايح وتصبح السارح)، أي عند طلوع سعد الذابح من شدة البرد لا يبعد الكلب عن بيت أصحابه ويتونس بالدفء المنبعث من البيت فيبقى قريباً منهم، ولأنه في موسم سعد الذابح يكثر الكمأ والفطر فـ(الرايح) أي الذاهب لالتقاط رزقه يأتي بمنفعة جيدة لأهل بيته، والسارح هو الراعي فيتصبح أي أنه بسبب البرد لايضطر أن (يسّرح) ماشيته باكراً.

ظ.سعد بلع 

هما أيضا نجمان لكن متساويان فأحدهما ظاهر والآخر خفي وسموه بالعاً صفة لأن أحدهما أقوى اشعاعا من الآخر فكأن أحدهما أكل الآخر ويطلعان في الثالث والعشرين من شباط  (فبراير) وفي ثالث يوم من طلوعهما تدخل أيام العجوز السبع حيث تصبح الأرض مكسوة نسبيا ببعض أنواع الأعشاب ويبدأ تزاوج الطيور بالإضافة لبعض أنواع النباتات التي تبدأ تزهر، وقيل فيه : سعد أبلع، السما تشتي والأرض تبلع دلالة على احتياج الارض لمياه كثيرة بعد نهاية القحيط.

غ.سعد السعود 

هن ثلاثة نجوم أحدهن ساطع في برج الجدي والآخران خافتان في برج الدلو وشكلها يشبه سعد الذابح وسمي سعد السعود لأنه  يبعث على التفاؤل فيطلع في الثامن من آذار (مارس) شهر الربيع واللون الأخضر وحليب الماشية فتبدأ درجات الحرارة باللطافة ويصبح الطقس جميلا وتبدأ الأشجار بالإزهار مثل اللوزيات وتتصف شمسهُ المباشرة بحرارتها قيل : شمس اللوز تخلي العروس عجوز، نظراً لشدة حرارة شمس هذا الموسم وتأثيرها على البشرة.

أ.سعد الأخبية

أو كما يطلق عليه أجدادنا سعد الخبايا وهو أربعة نجوم متقاربة من برج الدلو فيكونن الأربعة مجتمعات نجمة يحاوطها مثلث ويطلع في الواحد والعشرين من آذار (مارس) وفي هذه الليلة يحدث الاعتدال الربيعي ويعم الدفئ نسبيا وتبدأ الحشرات بالانتشار وتنهي الزواحف فترة سباتها وتبدأ بتبديل جلودها، قيل في سعد الخبايا: في سعد الخبايا تطلع الحيايا وتتفتل الصبايا، أي أن الزواحف (الأفاعي) تبدأ بالانتشار والصبايا يقصد بها أن البنات يبدأن باستئناف رحلهن وحركتهن.

ب.الفرغ المقدم

نجمان يطلعان في الثالث من شهر نيسان (أبريل) فترتفع درجات الحرارة بشكل ملحوظ ويبدأ الطقس بالدفئ وتتورق الأشجار وتزهر النباتات.

ج.الفرغ المؤخر

نجمان يطلعان في السادس عشر من شهر نيسان (أبريل) يكون نهارهما حار وبارد ليلا ويبدأ المزارعون بحصاد الكرسنة والعدس والحمص.

د.الحوت (الرشا)

هي آخر منزلة من منازل القمر وتكون مجموعة نجوم على شكل سمكة وتطلع في التاسع والعشرين من نيسان (أبريل).

بعض النجوم الأخرى

أ.العيوق

هو نجم واضح يطلع شمال شرقي الثريا ويستخدم للاستدلال على مكان الثريا إذا صعب تحديد مكانها، وسمي العيوق لأنه يعيق الدبران عن لقاء الثريا ويطلق عليه أجدادنا الأردنيون (المباري) لأنه يتوازى مع الثريا.

ب.الجوزاء

هي اسم يطلق على كوكبة الجبار وتتكون من مجموعة تجمعات نجمية تشكل مثلثين يفصل بينهما ثلاث نجمات واضحة على شكل صف.

ج.الشعرى

أو الشعرى اليمانية ويسمونها أجدادنا (المرزم) وهي نجم ثنائي وشديد السطوع وهي من النجوم المعروفة.

د.الكليبين

نجمان واضحان يلحقان الشعرى بالطلوع بعد 13 يوما تقريبا وتم تسميتهن كليبين من كَلب بفتح الكاف أي شدة العطش فمكانهما بين سهيل والشعرى اليمانية ويسمى موسمهما (محننات الجمل) لأن الجمل يحن ويشتاق للماء دلالة على الحرارة العالية وشح الماء.

هـ.سهيل 

أشهر نجم وأكثر النجوم قربا لقلب الأردنيين حيث يسمى أحيانا شيخ النجوم لأن طلوعه يبشر بنهاية الحر واعتدال الطقس ويضرب فيه المثل بالتميز والعلو وكان أجدادنا يفرحون لطلوعه لأنهم يحددون من خلاله اتجاه الجنوب وناحية اليمين، لكن للعشاق رأي آخر فكان طلوع سهيل علامة على فراق العشاق وبعدهم عن بعضهم البعض فالبدو صيفا ينزلوا قريبين من بعضهم البعض مجتمعين حول تجمعات المياه فيلتقي العشاق أما الذي لم يحالفهُ الحظ ولم يخطب محبوبتهُ فحتما ستبتعد عنه لفترة طويلة من الزمن على أقل تقدير إذ أن طلوع سهيل يعني انتهاء  الصيف والحر وهذا يعني أن البدو سيرحلون ويتفارقون خصوصا إذا كان العشاق من عشيرتين مختلفتين، وقال الشاعر مرشد البذال:

أشره على الذي لامني يوم أغني 

                                  ومن قال لي لاترفع الصوت بالحيل 

غدت شوفتي لسهيل كنه جني 

                             شوفة التويبع يابعد شوفة سهيل 

وفي الأبيات السابقة يوضح الشاعر تشاؤمه من نجم سهيل لأنه علامة على انتهاء الصيف وأنه يفضل رؤية نجم التويبع على نجم سهيل لأن التويبع يبشر ببداية فصل الصيف.

sites.google.com/site/falakiyat/rayyat_alkhalawi
نجم سهيل كما يبدو في السماء.

المراجع

  • العثمان،عواد ملهي،”علم الفلك الشعبي وحساب المواسم والفصول“،دار يافا العلمية للنشر والتوزيع”،عمان-الأردن،2018.
  • كرلونلينو،السنيور،”علم الفلك تاريخه عند العرب في القرون الوسطى“،وزارة الثقافة الأردنية،2018.
  • باصرة،حسين بن محمد،”الاستدلال بالنجوم“،مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية،2007.
  • عبندة، علي، “الفلك والأنواء في التراث“، دار الفرقان للنشر والتوزيع،1998 .
  • هلال، عارف عواد، ” أعراف البادية”، منشورات وزارة الثقافة الأردنية، 2015.

المصادر

  • مقابة مسجلة مع الباحث عواد العثمان عن الفلك الشعبي،30-8-2018، الحلابات-الزرقاء-الأردن.

سهيل والأصدقاء – نجوم الأردنيين

المقدمة

البحث في طبيعة التوليفة الدينية الغنية والمعقدة للمجتمع الأردني يبهرنا دوما بنتائج مذهلة. وتحمل لنا طيات الكتب والروايات الشفوية عن أجدادنا الكثير من القصص والحقائق. عبر سلسلة “يا خظر الأخظر” تتبعنا في إرث الأردن طبيعة الطقوس والمعتقدات الدينية التي غلفت بطبيعة صوفية وسحرية.  في الجزء الثالث من هذه السلسلة نستكمل غوصنا في نسيج مجتمع البلقاء الثري، ونستعرض مجمل المقامات والمزارات والحوط والقبور المباركة التي اعتنى بها الأردنيون عبر الزمن وكانت لهم رديفا روحيا يعينهم في حياتهم.

المقامات والمزارات

في البلقاء مقامات أخرى كان لا بد لنا من الوقوف عليها وعلى أبرز المعتقدات والممارسات الدينية التي ارتبطت فيها. وهنا سنستعرض مقام النبي يوشع – هوشع – ومقام النبي شعيب ومقام الولي الصوفي العجمي وضريح سارة ومقام النبي أيوب ومقام النبي جاد وجميعها مقامات دينية مهمة وحاضرة حتى اليوم في المشهد الديني البلقاوي.

 أولا: مقام وضريح النبي يوشع

على أعلى قمة جبل من جبال البلقاء الشامخة يقع مقام النبي يوشع على الجبل الذي سمي باسمه تيمنا به. مساحة المقام 12 دونما مشرفا على الغور الأوسط وبعض جبال نابلس والقدس.

المبنى القديم لمقام النبي يوشع بن نون

يعود البناء للعهد المملوكي وشيد من الحجارة غير المشذبة ويحوي المقام على عدة بيوت ومسجد بداخله الضريح المغطى بقطعة قماش خضراء. بجوار المقام تنتصب أشجار البلوط والسنديان المعمرة وبئر ماء يشرب الناس منها.

محراب المقام من الداخل

يذكر الرحالة البريطاني تريسترام في زيارته للأردن عام 1863:” صعدنا السلط عبر تلة تكسوها الأشجار الحرجية إلى قمة جبل يوشع، وهو مكان يقدسه المسلمون والمسيحيون ومن هناك وفي ظل شجرة البلوط العظيمة ألقينا نظرة نحو الغرب فشاهدنا منظرا رائعا من فلسطين”[5]

واجهة مقام ومسجد النبي يوشع عليه السلام بعد التجديد

مر المقام بعدة عمليات للترميم والتجديد كان آخرها في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني 21/11/2003 حيث تم بناء مسجد كبير وواسع.  أما المقام فهو مستطيل الشكل 20×10م بقبة صغيرة وضريح كبير بطول عشرة أمتار وارتفاع متر ونصف (الصويركي: 2017)

في مقام النبي يوشع عليه السلام كانت عشائر البلقاء من المسلمين والمسيحيين يتخيرون أجمل الأضاحي لتقديمها عند المقام وكانوا ينفذون نذورهم ويحلفون بأيمانهم ويقال أن عقاب اليمين الكاذبة الموت خلال سنة واحدة، وعن الأضاحي التي تذبح على  منصة حجرية كتب المؤرخ الدكتور أحمد العويدي العبادي ” والزوار كثيرون يأتون ليقدموا الضحايا والنذور على اختلاف موادها، وقد جرت العادة أن تذبح الضحايا في الأعالي وتسيل دماؤها على العتبة”، بينما كتب الرحالة السويسري يوهان بيركهارت واصفا المقام:” يقع بالقرب من مدينة السلط ويعظّمه المسلمون والمسيحيون ويقدمون له الأضاحي تقربا ومباركة وكانت تمارس خلال زيارة هذا المقام تجارة مادة القلي المهمة في صناعة الصابون، حيث يُعد المقام أثناء الزيارة سوقا تجاريا لتبادل السلع وتقدر كمية رماد الصابون التي تجلب إلى سوق يوشع حوالي ثلاثة آلاف حمل بعير في السنة“.

ضريح النبي يوشع عليه السلام بطول 10 أمتار

 

مقام النبي يوشع عليه السلام
إلى المقام

وهنا نرى كيف كان المقام مركزا تجاريا دينيا مهما لأبناء البلقاء في تجارة الصابون. وبالعودة إلى المعتقدات الدينية التي لفت هذا المقام، تعتبر الأشجار المعمرة حوله حرما أو “حوطة” حالها حال أشجار الخضر في مقام ماحص. فلا يقطع حطب من الأشجار ولا يتم صيد أي طائر وكانت العشائر في البلقاء يعتبرون المقام دار أمان فيضعون فيه حاجياتهم فلا تسرق أو تؤخذ لأنهم يعتقدون بأن من يسرق من هذا الحرم سينكشف أمره لا محالة. (الصويركي: 2017)

1920 صورة قديمة لمقام النبي يوشع قبل التجديد

في ليلتي الاثنين والجمعة تُضاء الأسرجة ويعبق المقام بالبخور ويزوره الناس طلبا للقرب والبركة. وقد ارتبط هذا المقام أيضا بطلب الاستسقاء عند الجفاف خاصة أن النبي يوشع كان على صلة قرابة بنبي الله موسى وهارون، وثبت أن سيدنا موسى طلب الاستسقاء لقومه، وتيمنا بهذا الرابط، ارتبط المواطنون بهذا المقام.

صورة أخرى لمقام النبي يوشع والضريح من الداخل

ثانيا: مقام النبي شعيب

بعيدا حوالي 12 كلم إلى الجنوب جهة وادي شعيب، يقع مقام النبي شعيب في  خمسة دونمات ونصف. يطل المقام على الطرف الأيسر للهابط من جسر شعيب إلى الأغوار الوسطى. وهو محاط بالأشجار والمياه من كل اتجاه.

كان المقام قديما عبارة عن رجم من الحجارة وبركة مياه حتى قام  العقيد حسام الدين المفتي في القرن الماضي بجمع التبرعات من أهل الخير ووزارة الأوقاف الأردنية في منتصف الستينيات وتم بناء مقام جديد يحوي ضريحا مشابها لضريح النبي يوشع (الصويركي: 2017)

قبل التجديد الثاني عام 1997، كان المقام عبارة عن غرفة 35 متر ومسجد ملحق بمساحة 84 متر تقريبا. وفي عام 2003 تم إعادة إعمار المقام والمسجد ليصبحا أوسع. وغطي الضريح بكسوة خضراء مزدانة بآيات قرآنية. وألحق بمصلى النساء والرجال غرفة متعددة الاستعمال وسكن للمؤذن والإمام ومكتبة.

مقام النبي شعيب مزدانا بالكسوة الخضراء

لمقام النبي شعيب أهمية خاصة، فرغم أن الطقوس الدينية المرتبطة بالنذور والأضاحي التي تذبح على منصة حجرية لا تختلف كثيرا عن تلك يمارسها الأردنيون عند مقام النبي يوشع مثلا إلا إن لهذا المقام قداسة مميزة. فعند بركة النبي شعيب يأخذ شيخ القبيلة اليمين من المذنب أو الجاني على عدم اقترافه للذنب ولا يجرؤ أحد أن يذكر النبي شعيب ويكذب أو يحلف زورا. فبحسب المعتقد السائد سيموت الكاذب خلال سنة واحدة أو تتيبس يده بحسب القصة التي يتناقلها أبناء العشائر في السلط عن رجل سرق بندقية من عرس ولما حلف بالنبي شعيب بأنه لم يفعل تيبست يده. (الدمشقي: 2008) ومن القصص الأخرى التي يتداولها أبناء البلقاء عن مقام النبي شعيب بأن رجلا من بني صخر اتهم بقتل رجل  فأخذوه إلى المقام وقطعوا فروعا من ثلاث شجرات سدر كانت مباركة آنذلك وطلبوا منه أن يتمرغ بالشوك فإن جرح فهو آثم وإن لم يجرح فهو بريء فقال الرجل ( يا شعيب إذا أنا قتلته فشمت بي الأعداء وإلا فبرئني) ونزل في الشوك ولم يصب ففرح أهله أنه بريء. (الدمشقي: 2008)

لافتة المقام

ويذكر الأب بولس نعمان ذلك خلال فترة عيشه في السلط:  يطلب القاضي البدوي القَسَم الرهيب في بركة شعيب، فينزل المجرم في المياه المكرسة ويقول ” بحياة شعيب ورب شعيب أني بريء مما أسند إلي من الجرم” وكثيرا ما تأخذه الأوهام ويشعر بذنبه فترتجف أعضاؤه وتصطك أرجله ويعقد لسانه فيقر بما جنت يداه” ويكمل الأب بولس رواياته لمقدار قداسة شعيب عند عشائر البلقاء فهو ملقب “بمرهوب الجانب من الزرقاء إلى الزرقاء” أي من نهر الزرقاء الشمالي (زرقاء شبيب) إلى نهر الزرقاء الجنوبي (زرقاء ماعين) فالبدوي يمكن أن يقسم كثيرا ولكنه سيخشى ذكر اسم النبي شعيب بالكذب (الصويركي: 2017) وبحسب ما أرخه الدكتور العويدي العبادي فقد كان المقام يرعى من قبل قبائل العدوان بشكل خاص لفترة طويلة من الزمن إضافة لعشائر السلط وعبّاد وفيما أرخه الدكتور جورج فريد في كتابه “مدينة السلط وجوارها” “أما البناء هو عبارة عن دائرة من الحجارة بنيت بشكل عشوائي ويطلب القاضي البدوي القسم الرهيب  في بركة شعيب حيث كان ينزل المجرم في المياه المكرسة ليقر بما جنت يداه من الإثم. ويوجد في جدران البناء جحور كثيرة يضع البدو وعائلاتهم  الأشياء المقدمة وفاء لنذر ما، وتوجد منصة حجرية تقدم عليها الأضحيات في المناسبات الكبرى بما في ذلك المناسبات النذرية التي يمكن رؤيتها باستمرار، ويذبح الناس الخرفان هناك ويسجلون نذرهم واعتبر المقام خاصا بعشائر عباد والعدوان) [1]، بينما يورد الدمشقي في روايته عن أحد معمري ماحص أن المقام بناه السلطية.

مسجد ومقام النبي شعيب بعد التجديد والإعمار الهاشمي

ويرتبط مقام النبي شعيب عليه السلام بما يعرف عند البدو “الشملة والنملة” ففي حالة ابتعاد البدو عن مضاربهم يتم حلف اليمين عن طريق رسم سيف (دائرة على التراب) وتوضع بها حبة قمح. أما الشملة فهي قطعة القماش التي يغطى بها ثدي الناقة عند رضاع ابنها ومعها توضع حبة قمح أو حنطة ونملة. وترمز الشملة للحياة لأن حليب الناقة هو غذاء البدو بينما ترمز النملة للجد والصدق. ويتجه الحالف إلى القبلة أو إلى اليمين ويحلف على المصحف والسيف.

يعتقد البدو أن زيارة النبي شعيب ستبارك لهم مواشيهم وكانت أي شاة تدخل سور المقام يتوجب ذبحها وإن كانت أكثر من شاة يتخيرون أحسنها. ويقيمون وليمة ومن ثم يعودون لمضاربهم آخذين معهم خيوطا خضراء من القماش الأخضر الذي يغطي القبر. ويهني الجيران جيرانهم برحلتهم المباركة لمقام النبي ويطلبون الأشرطة الخضراء المباركة.

سدرة النبي شعيب عليه السلام

 كما كان الصيد عند مقام النبي شعيب محرما  وكانت الغزلان التي ترعى وتعيش بجوار المقام تسمى “غزلان بنات شعيب” وفي رواية شفوية عن أحد معمري ماحص، أن الناس حذروه من الصيد عند المقام وكان يطلق النار على الغزال فلا يصيبه حتى ارتدت الطلقة من الغزال إلى عين الحاج فأصيب وذهب إلى المستشفى على إثر هذا الحادث (الدمشقي: 2008)

وكان زوار المقام من البدو يطوفون بأغنامهم حول المقام وإن شفيت أغنامهم أطلقوا النار احتفالا، ومن الأضاحي الأخرى التي يقدمها الزوار كان الشعير والقمح والتمر. وعرف النبي شعيب بأنه يجير من يستغيث به فيتعلق  الخائف من عدو في قبره. (الدمشقي: 2008)

يمكننا استخلاص عدة نتائج من هذه الممارسات. فالبدوي يعيش حياته مرتحلا وعنصر الأمان عنصر مهم فهو يستجدي هذا الأمان من شخصيات مقدسة ومن مصادر روحانية، وتعزز ممارسات الحَلْف وممارسات التعامل مع المذنبين عند المقامات قيما مهمة كالصدق والأمانة.

ثالثا: مقام النبي أيوب عليه السلام 

يقع مقام النبي أيوب في قرية بطنا في منطقة خربة النبي أيوب  إلى الجنوب الغربي من السلط (12 كلم) وهي منطقة أثرية يعتقد بأنها تعود إلى الحقبة المملوكية. ترتبط قصة النبي أيوب عليه السلام بالانتصار على نوائب الدهر، فقد ابتلي النبي بشتى صنوف المصائب من فقر وموت الأولاد واعتزال الناس ولكنه صبر وعوضه الله عن صبره بكل ما فقد أضعافا ومن ثم بعثه نبيا.

ونرى في قصته ارتباطا وثيقا مع الممارسات والمعتقدات التي امتلكتها عشائر البلقاء، فكانت النسوة يلجأن إلى خربة النبي أيوب إن استصعب حملهن وكان الفقراء يجدون في صبره إلهاما. وكحال باقي المقامات كان لهذا المقام كرامة فلا يجوز الاعتداء عليه أو على أي شيء في حرمه كما تم الاعتناء به وتجديده في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني.

مقام النبي أيوب عليه السلام يظهر السور القديم والمسجد بعد التجديد. حقوق الصورة محفوظة لصحيفة الغد

 رابعا: مقام العجمي

كثيرا ما يشيع ارتباط القبور والمقامات في بمعتقدات الشفاء ففي البلقاء خصوصا، كما رأينا خلال هذه السلسلة من الأبحاث. تم إحصاء العديد من المقامات التي تحمل اسم العجمي ففي قرى عجلون وإربد وصولا إلى البلقاء تحمل الأشجار والمقامات اسم العجمي. والعجمي كلمة تعني “غير العربي” واستخدمت لوصف أولياء الله من المتصوفة القادمين من بلاد فارس قديما. ووفقا للأبحاث التي أجرتها إرث الأردن سابقا عن الصوفية وممارسات الصوفية في شمال المملكة، نستنتج أن للشيخ الصوفي مكانة خاصة. فقد انتشر التصوف في العشائر الأردنية ومارس الأردنيون في المدن والحواضر والقرى الأردنية طقوسا دينية صوفية كحلقات الذكر والحضرات وإحياء الاحتفالات الدينية والاعتكاف وتقديس الشجر والمقامات وغيرها.

أما مقام العجمي في السلط فهو لشهاب الدين داوود بن سليمان بن داوود الكوراني من الكورة في اربد وقد درس في المدرسة السيفية في السلط واشتهر كـ ولي صالح زاهد وحكيم ظلت نساء السلط مسلمات ومسيحيات عندما يخرجن لطلب الاستسقاء من الله يذكرونه ويهزجن
يا عجمي جيتك زاير وانا بموري حاير (موري= اختصار “أموري” باللهجة المحلية)

يا ربي تسمع نجواي زرعي من دونك باير

يقع المقام في حوض البقيع الغربي في بلدة ماحص ومساحته دونم و356 مترا . ومن الطقوس المرتبطة بهذا المقام قدوم النساء ليلتي الاثنين والخميس  وإضاءة القناديل وإشعال البخور وربط الخرق والأقمشة الخضراء. (الصويركي: 2017).

خامسا: مقام النبي جادور عليه السلام

على تل الجادور، إحدى تلال السلط الشهيرة وبجانب عيني الجادور الفوقا والتحتا العذبتين، يقع مقام النبي جادور أو النبي جاد كما هو مشتهر. التل بأكمله عبارة عن كنز آثاري وتاريخي ففيه كانت الآثار التي تنتمي إلى الحقبة الهيلينية والبيزنطية تتناثر في كل مكان. ولا زال التل يحمل جزءا من اسمه اللاتيني السابق “جادورا” أي مدينة جاد.

مقام وضريح النبي جاد يتوسط مقبرة إسلامية

والنبي جاد أحد أبناء النبي يعقوب عليه السلام وهو من الأسباط الذين ذكروا بالقرآن الكريم. ويعتقد بأن النبي جاد كان قد استقر في الأردن ودفن فيها. وكان يلقى إكراما شديدا من أهالي السلط حيث يستعينون به على نوائب الدهر ويتوسلون فيه لقضاء حاجاتهم.

يتوسط المقام اليوم مقبرة إسلامية، وقد بني عليه مسجد عام 1958 من الحجارة الصفراء المشذبة. بنيت غرفتان واحدة بتبرعات أهالي السلط وأخرى بتبرعات السيد قدري يوسف الصالح. وقد حوت الأخيرة قبر النبي جاد وعلتها قبة خضراء اللون وكتب على المدخل:  قام ببناء هذا المقام الشريف العبد الفقير قدري يوسف الصالح وذلك سنة  1387 هجري”

سادسا: مقام حزير بن يعقوب

حزير بن يعقوب عليه السلام هو أحد الأسباط أبناء النبي يعقوب. وقد يكون اسمه عزير أو أشير وحرف فيما بعد وفقا للهجة أهل السلط. يقع المقام في منطقة تؤرخ أولى الاستيطانات البشرية فيها للعصر الحديدي وفيها نبع ماء غزير وعذي يحمل اسم حزير.

يقع المقام في بداية طريق وادي شعيب باتجاه الأغوار على بعد 4 كلم من مدينة السلط. والمقام عبارة عن مغارة تحوي قبرا وقد بني بجانبها مسجد حديث.

منطقة حزير التي تحوي المغارة وعين حزير

الشيخ الوليّ نعمة الصلتي

 في مقبرة العيزرية في السلط، يرقد الشيخ الصالح نعمة الصلتي (نسبة إلى الصلت الاسم القديم للسلط). ذكر الولي في كتاب “الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة للنجم الغزي” فقال: نعمة الصلتي، الشيخ الصالح. توفي بالصلت سنة ست وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر من السنة المذكورة. قال ابن طولون: وكثر الثناء عليه.[2]

قبر الولي نعمة الصلتي في مقبرة العيزرية محاطا بسور قصير

وهو حاضر في الوجدان الصوفي ومكرم لدى أصحاب الطريقة الكيلانية[3] التي انتشرت في السلط منذ القرن الثامن عشر تقريبا، فيذكر أن الشيخ الصوفي الفاضل الراحل – مفتي السلط – محمد أمين زيد الكيلاني كان يداوم على زيارة قبر الولي الصلتي وقراءة الفاتحة له، وللقبر حوطة وشجرتان قطعت إحداهما.

وبحسب الرواية الشفوية الموثقة فقد اعتاد المقبلين على الزواج من أهالي السلط في القرون التي تلت وفاة الشيخ نعمة الصلتي وحتى نهايات القرن التاسع عشر أن يزوروا ضريحه الشريف وأن يقرؤوا الفاتحة عند ضريحه على نية التوفيق، كما اعتاد من له غاية أو مصلحة ما أو يمر بأزمة أو ضيق حال أن يفعل ذات الأمر وتحديدا أيام الجمعة.

حوط مقدسة وقبور

شاع الاعتقاد بقدرة الصالحين من الفقراء على الشفاء فيذكر ارتياد عشائر ماحص لقبور “سمور وطحيمر وعبد العزيز وأبو خالد وعبد الرحمن” وكانت عشائر ماحص كل شهر أيار يذبح كل بيت ذبيحة لهؤلاء الأولياء “الافقره” وانتشر أيضا اعتقاد قدرة هؤلاء الشيوخ على الشفاء كما أسلفنا، فيذكر أن شيخا كان يطبب الناس بالقرآن حيث يكتب القرآن مقلوبا ويعلق الورقة التي كتب عليها على رقبة المريض وكان يوزع خرقا مصلى عليها تبلل بالماء وتدار على رأس المريض فيشفى. (الدمشقي: 2008)

ومن القبور الأخرى التي اعتقد بقدسيتها قبر ذياب الذي يقع غرب مدينة ماحص، وقيل أنه قبر لنبي أو ولي وكان مشتهرا ببركته وقدرته على الشفاء ففي رواية شفوية موثقة أن الناس كانوا إذا مرضوا أخذوا من تراب قبره ووضعوا على موضع المرض فشفوا.

 وهنالك أيضا قبر الولي فضل وما حوله من حوطة التي اشتهرت بحوطة الولي فضل. كما تنتشر المغارات التي يعتقد ببركتها أيضا وهي بحسب ما تم توثيقه كثيرة وصعبة الحصر ومنها مغارة أم عامود ومغارة الشياب .(الدمشقي: 2008)

أما الأشجار فنالت نصيبا من التقديس تبعا لطبيعة البلقاء الجيولوجية الخصبة وكما أسلفنا في أبحاثنا السابقة من سلسلة “يا خظر الأخظر” فإن الحاجة الروحية للإنسان الأردني دفعته للاعتقاد بقدسية الأشجار، وكان هذا المعتقد منتشرا إلى حد كبير في عجلون وإربد والبلقاء وصولا إلى الجنوب.

في رواية شفوية نقلت عن أحد معمري ماحص أن في الوادي الأزرق شجرة مقدسة تدعى شجرة مفلح وتحتها قبر ولها حوطة (المكان المقدس المحيط بها) وكان الناس يقصدونها للشفاء، فيحضرون الأغنام ويطوفون بها حول الشجرة ويذبحون شاة ويعلقونها بالشجرة ويذهبون عنها ، فتشفى الأغنام ولا تموت (الدمشقي: 2008)

معتقدات دينية متعددة

لا يمكننا أن نغفل عن الصبغة المجتمعية التي أكساها أبناء العشائر في البلقاء للشعائر والمعتقدات الدينية الإسلامية. فمثلا اعتاد الأهالي على الاحتفال بالمولد النبوي، وكانوا ينشدون أناشيدا خاصة بالمولد النبوي فيقولون:

صلوا عليه وسلموا تسليما….  الله زاد محمد تعظيما

بشراك يا حليمة…. يا درة اليتيمة

يا مرضعة محمد …. الله يشفعه فينا

يا آمنة بشراك …….. سبحان من أعطاك

بحملك محمد…. رب السما هنّاكِ

صلاتي وسلامي  على بدر التمام…. وأبو القاسم محمد على منا السلامِ[4]

وكانوا يرددون أيضا:

مرحبا يا نور عيني….. مرحبا جد الحسين

يا مليح المقلتين…. فمتى تبدد لعيني

لاح في شهر ربيع… نور خير الثقلين

فاز من صلى عليه…. برضا والجنتين

سلام عليم من باب السلام…. السلام عليك يا خير الأنام [5]

وتزغرد النساء. ومن المثير أنه لم يكن الاحتفال يتم في يوم معين إنما وفاء لنذر أو رغبة في بركة أو احتفالا في ختان المولود.

 ومن المعتقدات الأخرى في الأضاحي  في عيد الأضحى أن يضحى كل بيت أضحية وكانوا يضحون بأضحية واحدة لسبع سنوات والبقرة تسد عن سبع سنوات في ليلة العيد كانوا ينثرون الكرسنة في البيت لطرد الشياطين. وعن العمر والحج فلم يكن لديهم عمرة إنما حج على ناقة أو جمل وكان يستغرق الوصول لمكة المكرمة ستة أشهر.

ومن معتقداتهم الدينية المرتبطة بالزواج أنه الزواج في المدة ما بين العيدين (الفطر والأضحى) غير مباركة فالزوجين الذين تزوجا فيها لا ينجبان أبدا ومن تزوج في تلك المدة يلزم عليه تطليق امرأته. أما الصيام، فكانوا لا يفطرون لغروب الشمس إنما عند رؤية النجم بعد الغروب. (الدمشقي: 2008)

وانتشرت أيضا “العقدة” وهي أن يربط المرء أو يعقد على حاجته أو دوابه ليحميها من الشر وكانت تتلى بعض الأدعية الخاصة عند العقد مثل: ” بسم الله يا نور، وبالله يا صور وآية الكرسي تدور من مدينة النبي إلى مدينة الرسول لا يفتحها فتاح ولا تهزها رياح ومن المساء إلى الصباح. أو كانوا يقولون:  (قتا) الله يا علي والشيخ رباني طويل الباع قريب الميادين محمد بالبلد وبطنه بالذهب يقص الراس قبل الذنب. (الدمشقي: 2008)[6]

الخاتمة

   على أرض البلقاء الخضراء، تقبع أضرحة ومقامات مباركة ويختلط صوت الأردنيين ويتعالى، مسيحيين ومسلمين، من طالبي الرحمة والشفاء والبركة. اتخذت عشائر البلقاء من المقامات دورا للأمان، معززين بذلك أمن مدنهم عبر خلق جو من التسامح والانسجام والألفة. وقد خلقت هذه المعتقدات والممارسات الدينية عامل ضبط مجتمعي يجعل من مجتمع البلقاء مجتمعا متفردا لا مثيل له.

المراجع:

  • الصويركي، محمد (2017) الأضرحة والمقامات وأماكن العبادة في السلط وما حولها، منشورات عمان عاصمة الثقافة الإسلامية، عمان: الأردن
  • الدمشقي، حسان (2008) مدينة ماحص وتاريخها الديني، دار الإسراء للنشر والتوزيع، عمان: الأردن
  • الطراونة، محمد (1992) تاريخ منطقة البلقاء ومعان والكرك، منشورات وزارة الثقافة، عمان: الأردن
  • الكفرين والرامة: المُقدّس الشعبي (1-2) – صحيفة الرأي
  • حبيب الزيودي … سنديانة العالوك (1–3) * محمود الزيودي
  • العويدي، أحمد (1979) المناسبات البدوية، سلسلة من هم البدو 3 ، ط 1.
  • جوانب مضيئة من شخصية الشيخ محمد أمين الكيلاني، بقلم الدكتور هاني العمد، جريدة الراي، 2013
  • الخريسات، محمد (1997)، دراسات في تاريخ مدينة السلط، مطبوعات وزارة الثقافة، عمان: الأردن
  • الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة للنجم الغزي، الجزء الأول، الصفحة 347
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: يا خظر الأخظر فصول في التصوف الأردني 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: الممارسات الدينية جنوب الأردن 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: مقام النبي شعيب عليه السلام
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: مقام النبي يوشع عليه السلام 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: إرث الاستقلال الحقبة الإسلامية المتوسطة 

[1] مدينة السلط وجوارها (1846-1921) ص 354

[2] الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة للنجم الغزي، الجزء الأول، الصفحة 347

[3] نسبة إلى الشيخ المتصوف عبد القادر الكيلاني أو الجيلاني

[4] الموروث الديني لمدينة ماحص 2008 ص407

[5] الموروث الديني لمدينة ماحص 2008 ص412

[6] المصدر السابق نفسه.

يا خظر الاخظر.. فصول في التصوف الأردني- الجزء الثالث

مقدمة

من أرض البلقاء الخصبة الخضراء تنطلق الرجاءات والأدعية والابتهالات الصادقة من قلوب الأردنيين. الممارسات الدينية والمعتقدات الصوفية المختلفة لم تكن يوما في هذه البقعة المباركة من العالم سببا في التفرقة والشقاق بين أفراد المجتمع الأردني الواحد. في البلقاء، حوّل الأردنيون الرمز الديني والحاجة الروحية إلى رابط مجتمعي قوي العُرى لا تتسلل إليه محاولات ودعاوى التطرف والعصبية. عبر سلسلة “يا خظر الأخظر” تتبعنا في إرث الأردن طبيعة الطقوس والمعتقدات الدينية التي غلفت بطبيعة صوفية وسحرية.  في الجزء الثاني من هذه السلسلة نستكمل غوصنا في نسيج مجتمع البلقاء الثري، آخذين الخضر عليه السلام والقديس جاورجيوس نموذجا لهذه الممارسات الدينية والمعتقدات، سنناقش في هذا البحث هاتين الشخصيتين الجوهريتين في الوجدان الأردني البلقاوي خصوصا وما ارتبط بهما من طقوس ومعتقدات صوفية إسلامية ومسيحية.

تعني  البلقاء لغةً الأرض المستوية أو اختلاط الأبيض بالأسود أما إداريا فقد كانت قديما تشمل العقبة (أيلة) جنوبا وصولا إلى سهول حوران الأردنية شمالا. ومن البلقاء انطلقت المملكة الأردنية الغسانية وعلى أرضها امتدت المملكة الأردنية النبطية وعددا واسعا من الحضارات الأردنية الأخرى. كانت البلقاء تشمل عمان ومادبا والسلط، والزرقاء، وفي العصر الحديث فصلت محافظات عمان ومادبا والزرقاء  لتشمل البلقاء الآن ألوية خمسة هي ( لواء قصبة السلط، لواء عين الباشا، لواء ماحص والفحيص، لواء الشونة الجنوبية، لواء دير علا) والبلقاء أرض خصبة كثيرة الأشجار وغنية بالآبار والمياه الجوفية كما أن طقسها معتدل ساعد السكان على التجارة والاصطياف على جبالها العالية (الطراونة: 1992)

خريطة البلقاء – موقع وزارة الخارجية الأردنية

الخضر عليه السلام

يظهر الخضر (ع) كشخصية محورية في القرآن الكريم ارتبطت بسيدنا النبي موسى عليه السلام، وقد جاءت قصتهما معا في سورة الكهف، الآية 65 ( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) والخضر (ع) رجل حكيم وقوي  حاز على علم كبير.

تستنجد العجائز الأردنيات ويقلن “يا خظر الأخظر”، الولي الذي تنقلب الأرض من تحته خضراء بعدما كانت هشيما إذا جلس عليها أو صلى فيها. أما اسمه بحسب الروايات التوراتية فهو “بليا بن ملكان بن فالغ”

تتوزع مقامات الخضر في المشرق في حيفا والكرخ وبيروت، أما في الأردن فهناك أكثر من ثلاثة مقامات للخضر عليه السلام. فهو شخصية مشتهرة لدى الطوائف الإسلامية والمسيحية والطُرق الصوفية باختلافها وترتبط بالشفاء والشفاعة وقضاء الحاجات، وكانت مقامات الخضر (ع)  تُبنى بحسب “الظهورات” فمن كان يحلم أو يرى الخضر كان يبني مقاما تكريما له كما كانت المقامات تبنى بحسب الروايات الشفوية والشعبية والدينية حول مروره أو إقامته في تلك المواضع.

القديس جاورجيوس اللابس الظفر

أيقونة القديس جاورجيوس عظيم الشهداء

القديس جاورجيوس عظيم الشهداء، كان شفيعا لدى الأردنيين الغساسنة  لمدة تزيد عن أربعة قرون وقد بنا له الأردنيون الغساسنة عدة كنائس ككنيسة أم الرصاص الأثرية  وكنيسة نتل. واستمر مسيحيو الأردن بتعظيمه حتى يومنا هذا. قصة مار جاورجيوس أو جرجس أو جريس قصة رائعة تتمثل في الصمود أمام الاضطهاد الديني على يد الإمبراطور الروماني ديوكلتيانس. وبحسب الروايات المسيحية، بدأ الإمبراطور في القرن الثالث باضطهاد المسيحيين فيعلن الأمير والقائد جاورجيوس رفضه لهذه الممارسات بحق المسيحيين ويقف مدافعا عن إيمانه وعقيدته وبعدها أعطى الإمبراطور أوامره بتعذيبه عذابا قاسيا ليجعله يرتد عن دينه وهنا تظهر معجزات ربانية كثيرة تنصر جاورجيوس على الإمبراطور.

أشهر الصور للقديس جاورجيوس وهو يقتل التنين وينقذ الأميرة. يرمز التنين للشيطان والاميرة للكنيسة.

لمار جاورجيوس ألقاب عديدة كاللابس الظفر أو المظفر لانتصاراته في الحروب فقد كان قائدا عسكريا لكتيبة من ألف جندي. كما سمي العظيم بين الشهداء لرحلة عذابه الطويلة ونصرة الإله له فيها. أما أوجه التقاطع بينه وبين الخضر عليه السلام فتأتي من تشابه الرداء الأخضر الذي يلبسه كل من القديس جاورجيوس والخضر عليه السلام وقدرتهما على الخلود في المرويات الشعبية.

الرايات الخضر، اللون الاخضر وجه التقاطع بين شخصيتي الخضر عليه السلام وجاورجيوس وفي مقام الخضر في ماحص يعقد الناس الراية لتلبية أمانيهم

وسنستعرض فيما يلي مقامات الخضر والقديس جاورجيوس التي تتوزع في البلقاء.

كنيسة القديس جاورجيوس ( مقام  الخضر ) في السلط

مقام الخضر من الداخل حيث يشعل الأهالي الشموع ويطلبون البركات
لافتة كنيسة الخضر في السلط

يقع مقام الخضر أو كنيسة القديس جاورجيوس الخضر في حي الخضر، في مدينة السلط، وقد سمّي الحي الذي يقع على أحد سفوح قلعة السلط نسبة للمقام، وهو مقام يزوره المسلمون والمسيحيون على حد سواء ولهذا يعد هذا الموقع الديني أحد أبرز الأمثلة على الوئام في مجتمع السلط والمجتمع الأردني بشكل عام.

الطريق لمقام الخضر في السلط
المغارة التي يعتقد أنها تقطر زيتا

يعود تاريخ بناء كنيسة الخضر للقرن السابع عشر (1682 ميلادي) ولا تزال قصة بناء كنيسة الخضر أو مقام الخضر في السلط تتردد في أذهان أهالي السلط. فيروى أن راعيا بسيطا من عشيرة حدّاد السلطية ومن طائفة الروم الأرثوذكس كان يرعى أغنامه في الأحراش خارج قلعة السلط وفي المساء بدأ يجمع الحطب ولكنه لما عاد للقلعة وجدها مغلقة ولن تفتح حتى صباح اليوم التالي فآوى لمغارة  قريبة من القلعة وظهر له القديس جاورجيوس بردائه الأخضر حاملا رمحه وممتطيا خيله وقال له:” لا تخف أنا معك اذهب في الصباح وقل للرعية أن يبنوا لي على هذه المغارة كنيسة على اسمي لأن هذا المكان مقدس وأعطيك علامة كي يصدقوك، غدا تذهب وحدك وتترك أغنامك ترعى وحدها فلا تقترب منها الوحوش” وفعل الراعي ما قال له القديس مار جرجس – جاورجيوس – وصدّقه الناس لما رأوا الذئاب لا تقترب من أغنامه (الدمشقي: 2008) وبنيت بعدها كنيسة ( مقام ) الخضر .

خطوة الخضر محفوظة في صندوق زجاجي في كنيسة الخضر

مقام  الخضر في ماحص

مقام الخضر في ماحص

يقع المقام غرب بلدة ماحص بمسافة 5 كلم في منطقة الميدان المطلة على وادي شعيب. ولا تزال قصة بناء المقام بشكله الحالي تروى من قبل عشائر منطقة ماحص حيث يذكر أن الأب ميخائيل صويص قدم إلى ماحص لشراء حاجاته من إحدى عشائر ماحص الذين يسكنون في السهل الذي يقع في الجنوب الشرقي للمقام فاستضافوه ليلة ونام تحت شجرة هي الآن بجانب المقام وأثناء حلمه ظهر له القديس مار جاورجيوس  وقال له:” يا خادم كنيسة الرب، أطلب منك أن تقيم لي مزارا في هذا الموقع الذي أقف فيه وأن تقيم فيه كل عام قداسا إلهيا” فاستيقظ خائفا وعاد للفحيص وفي اليوم التالي اصطحب معه (مسعاف السالم) وكلفه ببناء المقام. (الصويركي: 2017)

قبة المقام والراية الخضراء

المقام غرفة صغيرة 4×4 م ولها قبة تعلوها راية خضراء وباب حديدي يتجه نحو الشمال. وللغرفة قبة اسمنتية صغيرة نسبيا يخرج من وسطها عمود مربع بطول خمسة وسبعين سم وارتفاع نصف متر. يحوي المقام قبرا عليه بعض قطع الأقمشة الخضراء. ولم يكن المقام بيتا لأحد، بل مزارا للجميع، وكان يحوي على  مسرح للخيول فيه قرابة خمسين فرسا يتبارز الأهالي فيهن. وكان يعلو قبته هلالا ونجمة خماسية ويعود بناء المقام في بداياته بشكله القديم – قبل قدوم الأب ميخائيل صويص  بينما بُني المقام لاعتقاد أهالي ماحص  بمرور الخضر عليه السلام بالمنطقة وجلوسه فيها للعبادة، حيث استراح بجانب “عين الخضرة”  فبني له هذا المقام تكريما وليكون مصلى. (الدمشقي: 2008)

المقام من الداخل

قسمت دائرة الأراضي المقام ثلاثة أرباع لعشائر ماحص وربع لعشائر الفحيص. وبني السور الذي يحيط في المقام ودفعت بلدية ماحص نصف التكاليف وبلدية الفحيص النصف الآخر. واليوم،  يفتح المقام أبوابه للمسلمين والمسيحيين على حد سواء  فعندما يدخل الزائر المقام سيجد الرموز الدينية المسيحية على يمينه والرموز الدينية الإسلامية على شماله، وهو مسجل كمقام ديني إسلامي- مسيحي مشترك.

مقام الخضر في الرامة

تقع بلدة الرامة في الغور الأردني الأوسط وتتبع إداريا إلى لواء الشونة الجنوبية في محافظة البلقاء. ومقام الخضر في الرامة هو قبر محاط بقبور أخرى  في مكان يتميز بالتجمع السكاني في منطقة المزار التي  قيل أنها سميت نسبة لمزار ضريح الخضر وارتبط هذا الضريح بالعديد من المعتقدات الشعبية الدينية التي سنستعرضها في فصل الممارسات والمعتقدات الدينية من هذا البحث.

كنيسة جاورجيوس الخضر في الفحيص

تأسست هذه الكنيسة عام 1878 ميلادي وهي مبنية بالكامل من الحجارة غير المشذبة والطين وتقع في بلدة الفحيص . بالقرب منها كنيسة أخرى تأسست عام 1909 وتحمل الكنيستان اسم القديس جاورجيوس  الخضر وهما تابعتان لطائفة الروم الأرثوذكس (الصويركي: 2017)

المعتقدات الدينية المرتبطة بالخضر ( ع )

تكمن جوهرية شخصية الخضر في الوجدان الأردني كونه ممثلٌ لفكرة قهر الموت. فالخضر شرب من ماء الحياة وصار خالدا ولا يزال بحسب المرويات الشعبية يعيش في الدنيا معنا. ويمكننا أن نستنتج ارتباط قصة شربه من ماء الحياة بالبئر التي كانت في المقام، فأيام الجدب كان أهالي ماحص “يقلبون العبوات من المسجد القديم، ويركبون الدواب ومعهم البقر ويذهبون يطوفون حول المقام سبع أشواط ويقولون اللهم بارك في دوابنا وغنمنا وارزقنا الغيث بواسطة أبو العباس الخضر.

 وقد ارتبط المقام ارتباطا وثيقا بممارسات الشفاء من الأمراض وكانوا إن مات عندهم ولد أو مرض قالوا أن هذا بسبب عدم ذبحهم لشاة عند المقام.

ربط الخرق الخضراء المصلى عليها على فروع شجرات الخضر طلبا لاستجابة الدعاء

 كما يتصل الخضر ( ع ) باللون الأخضر الذي يرمز دوما للخصب والحياة، والذي بحسب الكاتب مفلح العدوان، قد يكون ذا ارتباط بعشتروت (تقابلها اللات) وآشور (يقابله ذو الشرى أو بعل – هدد) الذين عُبدا في الأردن قبل ظهور الإسلام، ويدلل على هذا وقوع أضرحة الخضر في أماكن خصبة جدا وبشكل طبيعي للغاية.

وبحسب شهادة شفوية وثّقها الكاتب مفلح العدوان عن أهالي منطقة الرامة يتبين لنا أن الخضر( ع ) بحسب معتقدهم مبارك وهو يحمي من يستجير به: “يحمي اللي يستجير بيه، وكانوا يدفنون السمن والجميد عنده، وما حدا يسرقها أو ياخذها وكان التجار يرمو مفاتيح حواصلهم (دكاكينهم) عنده وما يخافوا عليها وما حدا يقرب منها لأن الخضر (تستور – دستور- من خاطرو) كان يرعاها ببركاته”. يشابه هذا المعتقد معتقدات أخرى مرتبطة بمقامات الأولياء الصالحين في عجلون وإربد.

كما كانت النساء ممن تأخرن في الزواج يزرن المقام وينشدن:

” يا خضر جيتك زايرة…. وأنا بأموري حايرة

كل البنات تزوجن.. وأنا ظليت بايرة

يالله يا النبي جادور … كل الإسلام يزور

يالله يا النبي عجعج…. خلي القناة تدعج

يالله يا خليل الله….. سلم على رسول الله

طتح المطر بيدو …. يشفق على عبيده

يالله الغيث يا ربي… خبز مقرقط في عبي

القطة الشرقية ….. على طوير الحربية

يالله الغيث يا دايم….. بل الزريع النايم

بل زريع أبو محمد….. خلو للكرم دايم

دق الكوز بالجرة….. رخص قمحه حمد الله

دق الكوز بالبرميل….يرخص قمحك بالجغبير”

ومن طقوس نساء أهل البلقاء تحنية الرأس  وطلاء جدران المقام بالحنا عند المقام وزراعة العدس حوله وعند الزواج يزف العريس أيضا للمقام طلبا للتوفيق والبركة والسعادة. (الدمشقي: 2008)

والمثير بأن الأردنيين لا زالوا يستعيدون إرثهم المتعلق بالخضر عبر الأغاني التي تؤرخ لما كانت نساء الأردن تغني عند مقامه. وقد غنت سميرة توفيق – الفنانة اللبنانية التي اشتهرت باللون الغنائي الأردني – أغنية “يا خظر الأخظر” والتي تقول فيها :

“يا خضر الأخضر يا النبي داوود

تحرس هالأسمر أبو عيون السود

أسمر يا زينو والرّب يصونو

وبرمش عيونو ياما صاد أسود

الوجه مدوّر سبحن مين صوّر

والخدّ الأحمر بستان من ورود

ماشي ع مهلو ومروّح لاهلو

عيني بتندهلو وقليبي ملهود

فات من قبالي واشغل لي بالي

ريتك يا الغالي تتعطّف وتجود”

كما وردت ذات الأغنية بتنسيق مختلف المطلع عن أغنية سميرة توفيق

“يا خضر الاخضر يا النبي داوود

تحمي هالشباب من ضرب البارود”

عيد الخضر أو عيد مار جرجس

تحتفل عشائر  الفحيص وماحص بعيد الخضر أو عيد مار جرجس  في السادس من أيار وفقا للحساب الشرقي المسيحي. ويؤرخ الأديب جريس سماوي لهذا الاحتفال المبهج الذي يتشارك فيه مسيحيو الفحيص ومسلمو ماحص الأردنيين الفرحة: “عيد الخضر مار جريس أي القديس جورج في الحساب الشرقي. حيث يبادر أهالي الفحيص في هذا اليوم بالذهاب جماعات إلى مقام الخضر مار جريس في بلدة ماحص المجاورة ويقوم كهنة الكنيسة في الفحيص بإحياء قداس احتفالي مسيحي في بلدة ماحص الجارة العزيزة المسلمة حيث يستقبلهم أبناء ماحص بالحفاوة التي اعتادوا عليها دائما ويشاركوهم القداس بل يتقاسم الجميع الشرائط الخضراء التي يقدسها الكاهن أثناء الصلاة ويضعونها في سياراتهم وبيوتاتهم”.

من احتفالات أهل ماحص والفحيص في عيد مار جرجس

ويصف لنا احتفال الأطفال ومشاركة أهالي ماحص لهم بالفرحة والطقوس الدينية: ” كنا ونحن أطفال نبتهج بالمشاركة بهذا العيد ونذهب مشيا على الأقدام نمارس كل الشقاوات ومنها الزحف إلى حقول العدس والحمص والبقوليات التي كان يزرعها أبناء ماحص الحبيبة ونقتلع منها ما نشاء وندوس بعضها بلا مبالاة الأطفال ويرانا أهل المزروعات فلا ينهروننا أو يبعدونا بل يتلقونا بالابتسامة المرحبة المحبة قائلين: هذا يوم أهل الفحيص (صبيان الحصان) فهو لهم يفعلون ما يشاؤون. فليبارك الله سبحانه أهل ماحص الأحباء علينا وجيران الزمن القديم والحاضر والمستقبل. كان الأهل من البلدتين يتقاسمون معا الاحتفال التلقائي البسيط وكان الفرح يغمر المكان والأجواء. المرضى والحزناء من البلدتين يقبلون على المكان بنذوراتهم وخرافهم وتقدماتهم. النساء يبتن الليل في باحة القديس العظيم قاتل التنين من البلدتين”

ومن الطقوس المسيحية عند زيارة مقام الخضر في ماحص في عيد الخضر هو إتيان المقام حفاة  والطواف حوله وتعميد الأطفال  تحت شجرة الخضر وقص شعورهم مع الصلاة لهم بالشفاء وإطالة العمر  كما يشعلون الشموع ويذبحون الأغنام ومن ثم يقصدون مقام الخضر في السلط (الدمشقي: 2008) أما الشباب من أهل ماحص فكانوا يبيعون المأكولات والمرطبات ويدخلون المقام معهم.

 أقسم عرار في شعره بجمال ماحص والفحيص فقال ” اني إلى تلك الربوع وحسنها المتوفر… قسما بماحص والفحيص وبرد الحمر” فلا بد أن شاعر الأردن، عرار، كان يعرف ويحس مقدار الجمال والمحبة التي تهبها هاتين البلدتين التوأمين للأردن.

الاستغاثة لجلب المطر

ولعشائر ماحص ممارسات دينية أخرى تتعلق بهذا المقام فقد ارتبط الخضر عليه السلام بالغيث فكانت النساء تتوجه إليه وقت القحط ومن هنا جاءت تسميتهن “الغياثات”  وكن يقلن:

“مفتاح المطر بايدو…يشفق على عبيدو

يالله يالغيث  يا دايم.. بل الزريع للنايم

بل زريع أبو محمد.. خلوا للكرم دايم”

وكانوا في حال الشتاء القوي يذهبون ويصلون في المقام حتى يخفف الله عنهم المطر ، وكانوا يبكون كثيرا هناك ومن القصص التي يتداولها أهالي البلقاء بخصوص استسقاء الخضر بأن عشائر ماحص ووادي السير والسلط فزعوا يطلبون الغيث من مقامات الأولياء والأنبياء ولكن الجدب استمر ولما وصلوا مقام الخضر  أخذ فلان بقرة وقلب عباءته ونادى أهل ماحص ليستسقوا معه عند الخضر، وخرج إمام مسجد ماحص الشيخ فلان مع رجل آخر وطافوا بالبقرة حول المقام وذبحوها وجاءت السحب ونزل المطر (الدمشقي: 2008) ومن القصص الأخرى المشابهة شراء الشيخ فلان ثورا بست ليرات ليذبحوه عند الخضر فطافوا به ثلاثة أشواط ثم ذبحوه ولم يستطيعوا تقسيمه بينهم لشدة المطر الذي ظل يهطل ثمانية أيام حتى رحل الناس بخيمهم إلى الغور.

وربما يعود هذا الربط بين المطر والخضر عليه السلام ، كما أسلفنا، نتيجة لوجود بئر الماء الغزير في (حوطة) المقام إضافة لكون المنطقة التي تحيطه منطقة خضراء وخصبة. كما كانت العناية مستمرة بالمقام من إشعال البخور والشموع وغيرها.

شجرات مباركة

لم يكتف الإنسان الأردني بممارسة طقوسه الدينية الثرية بشكل منعزل عن بيئة المكان الذي يعيش فيه. فقد تم إشراك الطبيعة منذ الأزل في الطقس والمعتقد الديني. فمقامات الخضر عليه السلام وجاورجيوس كما أسلفنا قد بنيت في أماكن تتسم بالخصوبة العالية طبيعيا.

كانت سمة خصوبة الأرض شيئا جوهريا في حياة أهالي البلقاء الأردنيين فهم فلاحون وتجار والأرض تعني كل شيء لهم ومن هنا افتتن الإنسان الأردني منذ القدم بما تهبه الطبيعة من خيرات. عند دراسة الممارسات الدينية على طول المملكة سنرى شيوع تقديس الأشجار.

واحدة من الأشجار المعمرة في محيط مقام الخضر في ماحص وهي شجرة الملول
واحدة من شجرات الخضر المعمرة
فروع السنديانة الوارفة

ففي شمال المملكة خصوصا محافظتي عجلون وإربد سلسلة من الطقوس الروحانية التي شكلت أمنا وحصنا ضد خيبات الرجاء والآلام والتي ارتبطت بالأشجار المقدسة فنذكر مثلا شجرة البركات والبصوص في كفر الما بأهمية مشابهة، إضافة لشجرة أبو مرسة في زوبيا وشجرة أبو شوشة والمستريحي وعامود الست في جنين الصفا وشجرة الفقير في كفر عوان. وفي عنبة كذلك، ثلاث شجراء بأسماء ثلاث أولياء: البلخي والفقير والعجمي. والفقير خصيصا – إضافة لكوها لقب خاص بالأولياء – عائلة اشتهرت بصوفيتها وبركة شيوخها، فيذكر الكاتب والمؤرخ محمود الزيودي في إحدى مقالاته عن الشاعر الأردني حبيب الزيودي: “أحدهم جاء بزجاجة دواء صغيرة ملأها بزيت الزيتون وطلب إلى الفقير أن يباركها … تلا عليها اسم الله وتمتم بكلام لم نفهمه نحن الصغار وأعادها للرجل الذي أمضى زمنا ً يدهن بعض أجزاء جسمه من زيت الفقير .” وفي الجنوب شاع تقديس شجرة تسمى بطمة المنية أي البطمة التي تقتل من يتجرأ ويأكل من ثمارها أو يكسر من فروعها. وتجمع هذه الأشجار وهؤلاء الأولياء من المتصوفة اعتقاد الأهالي بقدرتهم على الشفاء والمباركة  في زمن الاحتلال العثماني الذي مارس فيه العثمانيون صنوف التجهيل والإفقار في الأردن. من هنا انطلقت الحاجة الروحية الفطرية بالإنسان لابتداع هذه المعتقدات واستغلالها كما أسلفنا في تعزيز الوئام والانسجام الأهلي والضبط المجتمعي.

شجرة بطمة المنية التي يعتقد بأن من يأكل منها يموت

أما أشهر الأشجار المباركة التي تحظى باهتمام وعناية أهالي البلقاء فهي أشجار مقام الخضر في ماحص. وتسمى  “أشجار الخظر الأخظر” وهي أشجار معمرة وقد كتب الدكتور احمد عويدي العبادي:” يقع المقام على حوالي دونم وربع وفيه ثلاث شجرات، اثنتان منها من البلوط يزيد عمرها عن الألف عام، وهنالك شجرة هي أصغر حجما وعمرا وهي من السنديان” ويذكر وجود أشجار أخرى حول المقام تسمى جميعها أشجار الخضر الأخضر وعليها تربط الخرق الخضراء التي يصلى عليها أملا في استجابة الدعاء.

إطلالة أخرى على شجرات الخضر

وبشكل عام، دوما ما تكون المساحة المحيطة بالمقام مكانا مقدسا ويسميها الأردنيون “الحوطة” أي المكان المحيط بالمقام ويظهر هذا في مقامات البلقاء وسائر المقامات الدينية في المملكة.

الخضر ومار جاورجيوس والوئام الإسلامي المسيحي

كنيسة الراعي الصالح ومسجد السلط الكبير في السلط نموذج أردني للوئام

يتقابل الخضر عليه السلام مع القديس جاوروجيوس في عدد من الصفات المحورية. فاللون الأخضر والحكمة والقوة والنصر الإلهي أمور تشترك الشخصيتان فيها. إضافة إلى فكرة قهرهما للموت وشرب ماء الحياة والخلود. لهذا صار من الصعب التفريق بين الشخصيتين وقد جمعتا الأردنيين مسلمين ومسيحيين في ألفة.

وقد كتب الدكتور أحمد عويدي العبادي:” الخضر شخصية وليّ يرى الأردنيون أنه شرب من ماء الحياة ولم يمت وأنه موجود في العالم حي يرزق، لا نراه، وأنه مستجاب الدعاء والطلب عند الله سبحانه وتعالى وأنه عاصر الأنبياء منذ زمن سيدنا موسى ويبقى إلى يوم الدين. من هنا أقاموا له الأضرحة ومن أهمها ضريحه إلى الجنوب من ماحص من أراضي قبيلة عباد في محافظة البلقاء بوسط الأردن، هو شخصية مقدسة لدى المسلمين والمسيحيين وهناك اتفاق ووئام بين أتباع الدينين من العبابيد – أبناء عبّاد – المسلمين ومن حولهم في ماحص وبين الفحيصية المسيحيين ومن حولهم بحيث لا يطغى أحد على آخر ولا يعترضه، وهو مسجل في دائرة الأراضي باسم الطائفتين المسيحية والإسلامية”.

نلحظ أن مقامات الخضر وجاورجيوس في البلقاء مفتوحة لكلا أبناء المسلمين والمسيحيين فمقام الخضر في السلط وهو عبارة عن كنيسة مفتوحة للجميع على حد سواء كذلك الأمر في المقامات الأخرى للخضر والكنائس التي تحمل اسمه. إن هذا الانسجام الأهلي جعلنا نرى الكنيسة بجوار المسجد والمقام فاتحا أبوابه لكل طالبي الرحمة والشفاعة.

هنا نرى كيف تحوّل الرمز الديني إلى عامل ألفة وتناغم مجتمعي وكيف تم تجاوز الاختلاف الطائفي إلى عملية خلق رمز مجتمعي وسنوضح عملية التحول هذه باستعراض أهم الطقوس الدينية التي ارتبطت بمقامات الخضر  والتي كان يمارسها مسلمو ومسيحو البلقاء على حد سواء.

تم تأريخ هذا الوئام الأردني في ذاكرة الرحالة والمستشرقين فكتبت الكاتبة الإنجليزية ستيوارت ايريسكين في زيارتها للسلط : ” وهذه المئذنة – مئذنة مسجد السلط الكبير – قريبة جدا من المستشفى ( المستشفى الإنجليزي الذي يشتمل على كنيسة الراعي الصالح)  حتى أن أحد المؤذنين الذي كان في الوقت نفسه خبازا كان يخاطب رئيسة الممرضات  بعد أن ينتهي من الأذان قائلا: يا أخت كم رغيفا من الخبز تريدين للمستشفى هذا اليوم؟

 الخاتمة

ومن قال أن أتباع ديانات مختلفة في العالم لا يستطيعون أن يعيشوا في سلام وحسن جوار إذا حاولوا ذلك؟” تقول الكاتبة الإنجليزية إيرسكين. وهنا، على أرض الأردن المباركة، يصيغ الإنسان الأردني، منذ القدم، عاداته و طقوسه الدينية وعاداته وتقاليده، في جو الألفة مع الغير والانفتاح على الآخر والقبول الذي يساهم دوما في دفع عجلة الإنسانية إلى الأمام.

المراجع

  • الصويركي، محمد (2017) الأضرحة والمقامات وأماكن العبادة في السلط وما حولها، منشورات عمان عاصمة الثقافة الإسلامية، عمان: الأردن
  • الدمشقي، حسان (2008) مدينة ماحص وتاريخها الديني، دار الإسراء للنشر والتوزيع، عمان: الأردن
  • الطراونة، محمد (1992) تاريخ منطقة البلقاء ومعان والكرك، منشورات وزارة الثقافة، عمان: الأردن
  • القديس جاورجيوس اللابس الظفر، موقع كنيسة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس
  • الكفرين والرامة: المُقدّس الشعبي (1-2) – صحيفة الرأي
  • حبيب الزيودي … سنديانة العالوك (1–3) * محمود الزيودي
  • العويدي، أحمد (1979) المناسبات البدوية، سلسلة من هم البدو 3 ، ط 1.
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: يا خظر الأخظر فصول في التصوف الأردني 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: الممارسات الدينية جنوب الأردن 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: مقام النبي شعيب عليه السلام
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: مقام النبي يوشع عليه السلام 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: إرث الاستقلال الحقبة الإسلامية المتوسطة 
  • كلمات أغنية يا خظر الأخظر – سميرة توفيق، موقع جفرا نيوز  http://www.jfranews.com.jo

يا خظر الأخظر.. فصول في التصوف الأردني – الجزء الثاني

Scroll to top