أقترح عناوين أخرى لتجنب إساءة فهم العنوان المطروح: يما قمرة/ معلمة الكرك

بعد برهة من الزمن، لحظة من صمود أمام الريح

وستنجبني امرأة أخرى”

– جبران خليل جبران، كتاب النبي

 جبران خليل جبران الأديب والمرشد الروحي اللبناني الذي صاغ في أدبه لوعته واشتياقه لوطنه. ينطبق السطران أعلاه على الكرك، المدينة القديمة التي تقع قلب لأردن. اتخذها الناس ملجأ وبنوا على قمتها العالية والوحيدة قلعة شامخة. قاموا بتربية المواشي وحمل أناسها المنتمون للمسيحية والإسلام مشاعر روحية قوية تجاه القدس. وخلال ذلك، يهب النسيم ليداعب جدرانها فينمو الزعتر واللافندر.

 بعد بندر ومشخص المجالي اللتان كانتا تتظاهران سعيا للتغيير السياسي ودعما لزوجيهما قادة العشائر الأردنية الثائرة، كانت امرأة أخرى، بهدوء، تعلم جيلا بأكمله. متخذة من الكلمات أسلحة، قامت قمرة القسوس- شرايحة بوضع بصمتها في حياة سكان قرية بأكملها وفي أمة الأردنيين التي كانت في طريقها لإنشاء الدولة الحديثة.

لقد قال كثر بأن قمرة (تصغير لقمر) تستحق اسمها بعدة طرق لا طريقة واحدة. فباعتبارها “القمر الذي يضيء الليالي الحالكة”، كانت معلمة وقدوة وملهمة وأمّا لجميع أفراد مجتمعها الذي سماها من شدة تأثره بها “ماما قمرة”  لم تكن تحوز على الكثير من الممتلكات لتمنحها، ولكنها منحت الكثير من الحب والتسامح والبهجة والخيال الشغوف.

قلعة الكرك

ولدت قمرة عام 1889 ابنة لشيخ عشيرة الهلسة المسيحية، الشيخ إبراهيم القسوس. درست في مدرسة رهبان الروم الأرثوذكس الابتدائية. كان للروم الأرثوذكس تأثير وحضور كبير في الكرك بسبب البطريركية الخاصة بهم في القدس. ولهذا عام (1849-1919) أصبح عم قمرة الذي كان راهبا محليا الأرشيمندريت أفرايموس العربي المحترم. وإلى القدس أيضا كانت قمرة تسافر طلبا للإلهام المسكوني[1] والعلم والمعرفة. كان موت الأرشيمندريت أفرايموس في ظروف غامضة عام 1919 قد عمق انعدام الثقة بين الاكليروس الروم أرثوذكسي وسائر العرب، فقدان الثقة كان الطاعون الذي ابتليت به الكنيسة إلى يومنا هذا. وبالرغم من الشقاق السياسي في الكنيسة، كان المجتمع ينظر لقمرة باحترام شديد.

لقد كانت المرأة التي جسدت ثقافة العزة والفخر. نشأت قمرة كطفلة لامعة مع ملكة تعلم اللغات من معلمتها هدباء، إننا نعرف القليل عن الآنسة هدباء، فهي لم تتزوج وظلت معلمة حتى مرضت بشدة عام 1901. وقد اتفق  الكهنة الروم  على قمرة لتكون خلفا لمعلمتها ولتدرس مكانها بسبب طلاقتها في القراءة والكتابة في ثلاث لغات: العربية واليونانية والإنجليزية. كانت قمرة حينها في الثانية عشر من عمرها فحسب وكانت سعيدة للغاية بالتزامها في التدريس. في وقت قياسي، استحقت لقب “المعلمة” لاستخدامها طريقا إبداعية في التدريس كالدراما والأعمال اليدوية واستخدام اللغة مع الشطرنج وقد أضاف ذلك روحا لحصتها الصفية. وكقارئة نهمة ، اقتبست من أدب الحياة دوما، وكانت تعود من رحلاتها من القدس ويافا بالمزيد والمزيد لتشاركه مع طلابها الصغار والكبار.

صورة لقمرة في الخمسينات

في ذلك الوقت، كان ينظر للأولاد الذين يبلغون سن الثانية عشر بأنهم أصبحوا رجالا أما الفتيات اللاتي بلغن سن الثانية عشرة إلى الخامسة عشرة فهن ناضجات كفاية كي يتزوجن. وكذلك كان الحال عند قمرة، فما إن بلغت الثالثة عشرة حتى خطبت لجريس شرايحة، فارس من فرسان عشيرة الحمود المسيحية، التي تبعد عن الكرك 30 كلم.  ولكن عندما يسوء الجو في السهول المحيطة بالكرك يصبح امتطاء الفرس أمرا خطيرا. وللأسف، كان جريس  عائدا على فرسه من زيارة عائلية مع قمرة أثناء العاصفة وقد سقط حصانه ورماه أرضا فلقي حتفه. وتزوجت قمرة من أخ خطيبها، يوسف شرايحة وسمت ابنها البكر “جريس”. ولد ابنها جريس عام 1906 تحت رعاية أختها الكبرى ذهيبة التي كانت حاضنة ومختصة بالأعشاب. سمي حفيد أختها ذهيبة “محمد” وهو اسم للمسلمين وعادة ما تكون تسمية المسيحين بأسماء مسلمين نتيجة للاحترام المتبادل بين العشائر الادرنية المسلمة والمسيحية وقد ورثت ذهيبة هذا الاحترام عن والدها.

عندما مرضت والدة قمرة كثيرا وظلت طريحة الفراش في سن صغيرة منح والدها الشيخ إبراهيم إذنا خاصا للزواج مرة أخرى ليس لأنه يود ذلك ولكن بسبب الضغط الاجتماعي الذي يحتم الحصول على خلف ذكر. ومع الموافقة المجتمعية الكاملة، تزوج الشيخ إبراهيم أخيرا من سيدة من عشيرة الزريقات، إحدى أفخاذ عشيرة الهلسة. ومع الوقت، كبرت عائلته ورزق بأربعة أبناء ذكور وابنة أخرى.

تابعت قمرة تدريسها بعد ولادتها لابنها ودفعها حبها للأطفال واهتمامها بالحقيقة لغرسها قيم الأمل والخير والحب في الحياة بشكل يتجاوز التدريس في الفصول الدراسية. كانت دوما حريصة على زيارة “أطفالها” بعد المدرسة، ترعى المريض منهم وتعطي المحتاج دروسا إضافية لتقويته. كانت قمرة ترتدي اللباس الكركي التقليدي المعروف بالمدرقة ولكن هذا لم يكن ليخفي عدم تقليدية هذه المرأة ولم يكن ليخفي روحها الخيّرة والطليعية والمعطاء والشجاعة. لم تكن الأزياء على رأس أولوياتها، على الرغم من رواج الأزياء الحديثة في كل مكان؛ كانت مهمتها الأولى لا أن تدرس اللغات الثلاث التي تتقنها فحسب بل أن تدرس تاريخنا العريق، تاريخ العشائر الأردنية المسيحية والمسلمة. ونتيجة لقوة شخصيتها وصلابة رأيها ومعتقداتها حول البيئة التعليمية التي كانت توفرها لطلابها كانت نادرا ما تفقد أعصابها. والمرة الوحيدة التي فعلت كانت مع أخيها الذي حاولت انتقاد روحها المستقلة وقد ردت عليه بحدة فقالت:” حسنا! أطلق عليّ النار!” ولم يُفتح ذاك الموضوع مرة أخرى، وقد حازت قمرة على احترام أغلب الرجال في محيطها وكان والدها راضيا عنها للغاية.

مع اندلاع فتيل ثورة الكرك (الهيّة) التي قادها أبناء العشائر الأردنية ضد المحتل العثماني عام 1910، رحلت قمرة لقرية عشيرة الحمود، القريبة من منطقة القصر، حيث كان زوجها يجهز محلا ليعمل كتاجر. لم تمتلك قرية الحمود مدرسة آنذاك، ولكن بمساعدة كنيسة الروم الأرثوذكس، أصبحت قمرة أول معلمة للقرية مع كامل الحرية لتطوير منهاج دراسي خاص بها. كانت مهمتها الأولى أن تبقي أقلام طلابها مشحوذة، ، فقد كانت مصممة على تعليم كل طفل يدخل صفها الكتابة ومن ثم القراءة. لامتلاكها شخصية محببة، استطاعت إنشاء صفوف دراسية للكبار لمحو أمية الرجال وأمهاتهم. لقد أشعلت الرغبة في نفوس كل من في القرية للتعلم بالرغم من ازدياد الوضع السياسي سوءا.. كانت قدرتها الأخاذة على رفع ثقة الأطفال أو الكبار هي هبتها الإلهية، لأنها كانت مؤمنة بأن مستقبلهم قد يغير العالم. بحلول عام 1912 كانت حاملا بطفلها الثاني “متري” ولولعها الشديد بالتدريس أنجبته على أرض الغرفة الصفية محاطا باحتفاء وحماس الجميع.

قلعة الكرك إبان ثورة الكرك عام 1910

استمرت عائلتها بالازدياد فأنجبت عام 1919 ابنها نيكولا وعام 1929 ابنتها سعاد وعام 1931 ابنها الأخير نزيه. وبين أطفالها الذين بقوا على قيد الحياة، عانت حسرات ومآسي كثيرة في خسرانها لبناتها الأربعة لإصابتهن بالحصبة. وعندما مات زوجها فجأة عام 1934 كان ابنها الثاني متري يدرس الطب في دمشق. لقد أحس بشعور سيء ولكنه لم يكن يقدر على العودة للمنزل. أعطاه أساتذته  مالا ليعود في الحافلة للمنزل ليصل بيته قبل أن تمتلك أمه الفرصة لتبعث له رسالة تخبره فيها بوفاة والده. هكذا كان الرباط بينهم قويا.  أما ابنها البكر جريس، فقد كان موهوبا في الرياضيات وكان  يدرس سنته الثانية في العلوم والرياضيات في القدس، ولكنه ترك دراسته وعاد ليدرّس في مادبا ويرعى إخوته وأمه.

أبناء قمرة الذكور

لقد كان وقتا صعبا عليهم جميعا. راتب المعلمة بالكاد يكفي ليسدوا رمقهم. كانت قمرة مدبرة بحق، فلم يشعر أبناؤها بالفقر الذي لحقهم فجأة. استمرت في منحهم حياة سعيدة وثرية وظلت عيونها ترعاهم. عام 1942 أخذ جريس العائلة شمالا لمدينة السلط وعين مدرسا في مدرسة السلط الثانوية للبنين كمعلم علوم، أما قمرة فقررت التقاعد عن التعليم- على الأقل في الصفوف. بقي منزلها مفتوحا للعائلة والأصدقاء متى ما دعت الحاجة، مستمرة في نهج الكرم الذي ورثته عن آبائها. كانت زيارتهم لها لا تنس أبدا، فقد زينت تلك الزيارات قدرتها على حكاية القصص المستوحاة من التاريخ ومن كتابها المفضل”الإنجيل” وظلت تلك الجمعات العائلية التي تروي فيها القصص تقليدا متبعا حتى حفيدها العاشر.

وبرغم صعوبة الأمر، استمرت قمرة بالسفر للقرى والمدن الفلسطينية غرب نهر الأردن. وفي إحدى زياراتها إلى يافا مع ابنها جريس، ارتدت قمرة الزي الكركي التقليدي وقررت أن تجلس أمام البحر وأن تطالع الصحيفة. أثار تصرفها الحماس في قلوب أهالي البلدة وأطفالهم الذين اجتمعوا ليشاهدوا البدوية التي تقرأ!

جلسة قمرة المفضلة للقراءة

كانت تلك قصة لطالما روتها قمرة وعيونها تلمع حماسة في اجتماعات العائلة في الأردن.

ولغياب الجامعات والمعاهد العليا في الأردن حتى افتتحت الجامعة الأرنية عام 1962، كان الأردنيون يرسلون أبناءهم لتحصيل العلم في القاهرة والقدس وبيروت ودمشق. وكذلك كان الحال عند أبناء قمرة. تبع نيكولا خطى أخيه الأكبر وقصد دمشق لدراسة القانون ومن ثم سافر إلى الولايات المتحدة وأنهى الدكتوراة في جامعة كاليفورنيا في القانون الدولي. ورغم العرض الذي تلقاه من الحكومة فور تحصيله لدرجته العلمية ورسالة والدته قمرة التي كتبت فيها “لا يمكنني أن أكون أنانية وأطالبك بالعودة ولكن عائلتك والوطن يريدانك أن تتعلم كل ما يمكنك تعلمه في أمريكا وتعود إلى الوطن. تذكر، إنك لا تعيش لنفسك فقط” لم يعد نيكولا من الولايات المتحدة أبدا، وظل أعزبا حتى وافته المنية عام 1988.

أرسلت قمرة ابنتها سعاد لتتم تعليمها في مدرسة الفرندز للبنات في رام الله وكان ذلك بعد وقت قصير من إعلان الكيان الصهيوني لقيام إسرائيل في عام 1948 فيما عرف “بالنكبة” في 14 أيار عام 1948 وخوفا على سلامة ابنتها كتبت قمرة:

ابنتي الحبيبة سعاد،

أمنحك بركاتي وقبلاتي وأمنياتي لك بالسعادة طيلة أيام حياتك. إني أصلي للرب بأن يبقيك بخير وأن تتذكري دوما أن لك أما تحبك. عزيزتي سعاد، كوني طيبة مع الجميع، وكوني صامتة ومطيعة تحت ناظري الرب، ليبقيك الرب في حمايته وحفظه ورعايته بحضوره الدائم في حياتك. أمك.”

قمرة مع ابنتها سعاد في زفافها وليلي وصيفة الشرف ، التي تزوجت متري بعد سنة

عام 1951 عادت سعاد مع شهادة “معلمة” وكان على العائلة أن ترحل مجددا بسبب تعيين جريس في دائرة ضريبة الدخل في العاصمة عمان. استأجرت العائلة بيتا من أربعة غرف في جبل الحسين وكانت وقتها منطقة حديثة يسكنها اللاجئون الفلسطينيون. عاملهم السكان  بمحبة كما لو كانوا جيرانهم منذ زمن طويل. عاشوا سويا وتزوج متري من ليلي شعبان عام 1957 واحتفت الصحافة المحلية بهذا الزواج وأسمته “زواج الموسم”.

وكان متري يعمل في الخدمات العسكرية كطبيب جراح للوجه والفكين، أخذ على عاتقه جعل عائلة قمرة أكبر  بأحفادها، بينما أخذت قمرة مسؤولية الطبخ ورعاية الأطفال “لتبقي يدي كنتها جميلتين” وخلال ذلك الوقت كانت قد علمت ليلي كل ما يتعلق بالمطبخ الكركي وكان المنسف على رأس هذه القائمة. يحمل كل أحفادها ذكريات حميمة عن الجلوس عند قدميها والاستماع لقصصها المستوحاة من الكتاب المقدس. وقد استخدمت القصص لتحاول التخفيف من صرامة الأسلوب العسكري الذي كان متري يتبعه في المنزل.

وتستذكر ابنتها سعاد أنها في كل مرة تزور عشيرة الحمود “يرحب بي الناس ويتذكرون أمي المعلمة” في كل مرة أذهب هناك، يقبلون يدي كدلالة على الاحترام” وكنت أرفض ذلك ولكنهم يقولون “نحن لا نقبل يدك ولكن يد المرحومة “يما قمرة” التي علمتنا كيف نقرأ ونكتب”

على فراش الموت، كتبت قمرة لحفيدتها منار التي تحمل الدكتوراة في التمريض وإدارة المستشفيات:

حبيبتي منار، اتخذي من هذا الاسم شعارا لك، منارة من ضياء تسطعين في المنزل وخارجه من أجلك ومن أجل إخوتك. وليحفظك الرب لوالديك ويباركك بحياة طويلة سعيدة. وليجعل التوفيق والنجاح رفيقك في حياتك وحياة إخوتك وعائلتك.

ليبارككم الرب جميعا. جدتك، أم جريس

قمرة مع حفيدتها منار

بالنسبة لأبناء متري بالتحديد (ديما، زينة، يزن، لينا وحفيدها المفضل يوسف) كانت قمرة أما وجدة حمتهم في أحضانها الدافئة والحميمة. لقد ظلت قمرة معلمة وملهمة لكل أحفادها حتى آخر يوم في حياتها عام 1971. وظلت ذكراها إلى اليوم كما كانت قبل أربعين سنة. لقد تلقت عائلتها العزاء من كل الناس الآتين من الكرك والحمود والسلط يوميا لأربعين يوما ليؤدوا احترامهم الأخير “للمعلمة”. وفي فترة الحداد ظلت ليلي وفريق من المتطوعين منشغلين بإعداد القهوة والشاي والمنسف يوميا. كانت تجربة جعلت العائلة بأكملها تدرك عمق الأثر الذي تركته قمرة وراءها.

صورة عائلية في احتفال تعميد زيد في سوريا

كان رفض قمرة لأن ترتدي أي شيء سوى لباسها التقليدي الأردني حتى اليوم الذي وافتها المنية يدلل على مدى  افتخاها بإرثها الثقافي الوطني وعلى عمق الرباط الذي يربطها مع والدها. لقد تحدت الحياة دون تقاعس أو أفكار جندرية مسبقة. كان دورها المحوري في كنيسة الروم الأرثوذكس إضافة لدور والدها، في عمان والكرك سببا في حصولهما على المقاعد في الصف الأول في صحن الكنيسة، المقاعد التي لم يجرؤ أحد على استخدامها سوى الأحفاد. كانت قمرة تواظب على الذهاب للكنيسة كل أحد ولم تفتها صلاة قط حتى لو كانت تثلج. “لن يكسر الرب قدمي لأني ذاهبة للكنيسة” كانت ترد بهذه الجملة دوما على عائلتها القلقة حيال خروجها للكنيسة في جو سيء. أما أمنيتها قبل أن تفارق الحياة فهي أن تحمل للقبر بأيدي أبناء عائلتها القسوس في رغبة توضح لنا مقدار الاحترام والحب الذي تكنه لوالدها. وفي الثاني من تشرين الأول عام 1971 تحققت أمنيتها. ومع كل الحزن والأسى والافتقاد الذي أحاطها يوم وفاتها من القريب والبعيد ومن كهنة الكنيسة لا عجب أن يشعر قريبها السيد زيد القسوس “بأن قمرة كانت في طريقها للقداسة”

جميع حقوق الترجمة محفوظة للمؤلفة جاكي صوالحة.

المصدر:  Voices, The pioneering spirit of women in Jordan,2011, National Press, Amman

[1] الحركة المسكونية هي عبارة عن مبادرة قام بها عدد من اللاهوتيين الارثوذكسيين وغيرهم من اللاهوتين من طوائف أخرى. هدفها كان العمل على تقريب العالم المسيحي من بعضه، وفتح باب التبادل الفكري والنقاش اللاهوتي بين الطوائف المسيحية. وبذلك تقريب الفكر وكسر الحواجز التاريخية الموجودة بين الطوائف. (المترجمة)

البدوية التي تقرأ! سيرة حياة قمرة القسوس شرايحة 1889-1971

إيمانا من إرث الأردن بأحقية وملكية الجميع للإرث الوطني وسعينا المتواصل لتحقيق هذه الرؤية نقدم لكم ترجمة تتناول الوضع الراهن الذي يعاني منه ذوي الاحتياجات الخاصة فيما يتعلق بممارسة حقهم الأصيل بالتمتع بالإرث الوطني.

معظم المواقع الأثرية في الأردن غير مهيأة لدخول الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة ويؤكد الناشطون أن تسهيل الوصول إلى المواقع الأثرية طلب يلحون عليه باستمرار.

تقول هالة أبو محفوظ، وهي طالبة تعاني من إعاقة جسدية، أنها شخص مستقل ولها الحق في دخول المواقع الأثرية والسياحية دون أن تحتاج من يحملها. وتضيف محفوظ الناشطة في حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة “إننا محرومون من زيارة الأماكن التاريخية كالقلاع والمدرجات بسبب نقص الخدمات والبنية التحتية”

هديل أبو صوفة، سيدة تستخدم الكرسي المدولب، توافق على ما قالته الناشطة هالة أبو محفوظ مشيرة إلى أن تلك المواقع الأثرية لا تحوي أي أماكن تخدم الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة وهي غير مجهزة بمنحدرات (لتسهيل تنقل مستخدمي الكرسي المدولب) بالرغم من أن الطرق في المواقع الأثرية غالبا ما تكون صخرية ويصعب المشي عليها.

دارين ديريه مؤسسة مبادرة مسار التي تهدف لتشجيع إنشاء بنية تحتية سياحية تخدم ذوي الاحتياجات الخاصة في الأردن، تؤكد أن المؤسسة قد نظمت ثمان رحلات في الأردن لأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة  وقد واجهوا خلالها الكثير من المصاعب كالحصول على التصاريح اللازمة لدخولهم مكانا كالبتراء في سيارة أو عربة.

“تقول السيدة دارين بأن جودة الطرق والتصاريح ليسا المعيقات الوحيدة، فوسيلة التنقل والأفراد غير المدربين على التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة هما أيضا من المصاعب التي يواجهونها.  “خلال الثماني رحلات التي قمنا بها في الأردن، زيارتي مادبا ومحمية الأزرق كانتا أفضل من غيرهما ولكننا واجهنا بعض المصاعب رغم ذلك”

سند أبو عساف، شريك مؤسس في مبادرة كومستير التي تهدف لخدمة الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة في الحياة العامة وعبر التطوع، يؤكد على أن الاستمتاع بالسهرات والليالي الموسيقية والمهرجانات في مدرجات جرش وعمان صعب للغاية بالنسبة للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة.

جلبت مبادرة كومستير المنحدرات لتسهل عملية دخول مستعملي الكرسي المدولب إلى المدرج الروماني ولكنها صودرت من قبل إدارة المكان بعد مهرجان موسيقى البلد الشهر الماضي بحجة معاينتها من قبل مهندسين. ويؤكد السيد أبو عساف بأن هدف مبادرة كومستير هو لفت انتباه وزارة السياحة والآثار إلى ضرورة هذه المسألة.

 صرح الأمين العام لوزارة السياحة السيد عيسى قموه بافتقار المواقع الأثرية لخدمات ذوي الاحتياجات الخاصة مضيفا أن  الوزارة مؤمنة بحق هذه الفئة بزيارة الأماكن التاريخية والسياحية وأن هذه المسألة تحتاج عناية أكبر.  وأشار بدوره إلى أنه ليست كل المواقع مهيأة لاستقبال الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة.

 ويقول السيد قموه “كدولة عضو في المعهد الدولي للسياحة (في سلوفينيا) إننا ملزمون بجملة قواعد وأخلاقيات وقعنا عليها نحن ودول أخرى وهذا يتضمن حق الجميع بالسياحة وهذا يتضمن بكل تأكيد الفئات ذات الدخل المحدود والأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة”

 وبكل العطاءات والمشاريع التجديدة التي عملت عليها الوزارة منذ 2010 كان تأمين البنية التحتية التي تخدم ذوي الاحتياجات الخاصة موضع تركيز كبير. وهذا يتضمن مشروع تطوير وسط البلد الذي كلف 170 مليون دولار.

أكد السيد قموه أن فريق وزارة السياحة وشرطة السياحة على جاهزية عالية لمساعدة ذوي الإعاقة عند حضور الاحتفالات والمهرجانات.

 ويختم السيد أبو عساف “إن الناس يرون الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة كأشخاص يحتاجون مساعدة ولكننا نؤمن بأنه لو كانت تلك المواقع الأثرية مجهزة ببنية تحتية تخدمهم سيكون  ذوو الاحتياجات الخاصة الطرف الذي يساعد الآخرين لا الذي يحتاج مساعدة”

المصدر:

مقال منشور على صحيفة جوردان تايمز http://www.jordantimes.com/news/local/most-archaeological-sites-jordan-inaccessible-people-disabilities%E2%80%99

معظم المواقع الأثرية الأردنية غير مهيأة لدخول ذوي الإعاقة

الحياة العائلية

يعيش الرجال والنساء مع عائلاتهم حتى يتزوجوا. وبعد الزواج، يكون للرجل بيت الشعر الخاص به وبعائلته ويعيش فيه مع زوجته وأطفاله. في بعض الحالات كأن تكون الزوجة غير قادرة على الإنجاب، يتزوج الرجل مرة أخرى ويكون له بذلك أكثر من زوجة. كما يعتمد الزواج بأكثر من امرأة على الحالة المادية للرجل. لا يزال تعدد الزوجات ممكنا اليوم ولكنه غير شائع.

في هذا الفصل سنناقش عدة محاور في الحياة العائلية البدوية كعادات الزواج ومراحل اختيار العروس وتجهيزات العروس للزواج ووصف احتفالات الزواج والإنجاب وتربية الأطفال وحتى قصص ما قبل النوم.

المرأة والزواج

عامة، كانت الزيجات ولا زالت تتم بين أولاد العمومة مع تفضيل أولاد العمومة من جهة الأب ونادرا ما كان  يتزوج رجل وامرأة من قبائل مختلفة. ونادرا أيضا ما رغب الشاب بالزواج من ابنة عمه ورفضت هي ذلك. في هذه الحالة، يذهب الشاب لعائلتها ويخبرهم بنيته للزواج منها. ومن ثم يلاحقها مثلا عندما تذهب لجلب المياه وبعدها يحاول قص خصلة من شعرها. وإن نجح في ذلك، يعلم جميع من في القبيلة وتجبر الفتاة على منحه موافقتها للزواج منه. تسمى هذه العادة “يصيحاها؟” (وحرفيا تعني: اجعلها تصرخ)

تتبع أغلب الزيجات في المجتمع البدوي لنمط خاص. تذهب مجموعة من الرجال تسمى “الجاهة” لوالد العروس ليحصلوا على موافقته لزواج العريس من ابنته. إن كان والدها متوفى فأخوها الأكبر من سيقرر منحهم الموافقة أو الرفض. وبعد الموافقة، تبدأ ترتيبات الزفاف. يحدد ميعاد معين ومقدار المهر. كان المهر في السابق بسيطا جدا فربما يكون قطيع خراف أو ماعز ونادرا ما يكون جمالا. أحيانا يكون مالا كدينار ذهبي واحد. لقد ظلت عادة المهر سائدة حتى يومنا هذا ولكن مقداره يختلف بحسب الحالة المادية لعائلة العريس.

صندوق العروس

في خضم التحضيرات للزفاف، تحضر المرأة البدوية الغنية صندوقا معدنيا أو خشبيا تضع فيه ممتلكاتها الثمينة بشكل مشابه لصندوق الزواج Hope chest  في أوروبا والولايات المتحدة. أما المرأة البدوية الأفقر حالا فكانت تصنع يدويا حقيبة ملونة تسمى “مذهبة”. وتأخذ العروس صندوقها أو حقيبتها معها إلى بيتها الجديد. يحوي الصندوق عدة أشياء خصوصا الأشياء التالية: فستانان وقميصان وكانت ألوان القمصان المفضلة هي الأحمر والوردي والأزرق وكانت النساء ترتدي القميص تحت الفستان. كما يحوي الصندوق على زوج من الأحذية الجلدية إضافة لمعطف يسمى “الدامر” والذي قد يأتي باللون الأحمر أو الأزرق أو الأسود. وتجلب العروس في صندوقها قارورة من الكحل ومرطب معطر يدوي الصنع يسمى “معشق” وعطرا ومرآة ومشط وبعض الحلي وأغطية الرأس التي تسمى “معصب والرفيفة” هنالك ثلاثة أنواع لأغطية الرأس التي كانت ترتديها النساء البدويات الأردنيات: 1- وشاح على الرأس للفتيات اللواتي لم يتزوجن بعد. ويسمي البدو الفتاة التي تلبس هذا الوشاح “عقادة aqada ”  الشنبار وهو شال أحمر داخلي مع 15 أو 10 قطع فضية مربوطة فيه بحسب الحالة المادية للفتاة. 3- المعصب وتلبسه عادة المرأة الشابة التي تجاوزت العشرين ويتكون  المعصب من طبقتين المعصب وهو الطبقة الخارجية  والملفي؟ وهو الطبقة الداخلية. وأخيرا، يمكن للمرأة البدوية أن تضيف لصندوقها أو حقيبتها بعض المأكولات الخفيفة أو حتى المكسرات. بالإضافة إلى الصندوق أو الحقيبة قد تأخذ العروس بعض الأثاث المسمى “الوهد” الذي يتكون من “فرشة” وأغطية ” اللحاف” المصنوع من صوف الخراف.

يأخذ الزفاف في الماضي مدة من الزمن تتراوح بين ثلاثة أيام وتسعة أيام متضمنا عدة احتفالات. ولكن الحدث الأهم في الزفاف هو الزفة أي القيام بأخذ العروس من بيت عائلتها إلى بيت زوجها. وتقام عدة احتفالات في الأيام ما قبل الزفة كليلة الحناء والتي تقام قبل الزفة بيوم حيث تجتمع العروس وصديقاتها ويزيّن أياديهن برسوم الحنا بينما تغني صديقاتها الأغاني.

وفي الحقيقة، كانت حفلات الزفاف ولا زالت إحدى أهم السياقات التي ترد فيها أنماط متعددة من الأغاني والرقصات. فيقوم الرجال بتأدية رقصاتهم وأغانيهم خارجا بينما تقوم النساء بها في الداخل بعيدا عن الرجال. تشكل أغاني الزفاف قسما كبيرا من مجمل أغاني النساء البدويات والتي تتضمن أغاني الفواريد (مفردها فاردة) وهي الأغاني التي تغنى في الزفة. والفواريد أغاني (تجاوبية) بمعنى أن كل مرأة تغنى مقطعها الخاص وترد عليها المرأة الأخرى بمقطع آخر وبهذا تغني النساء بالتناوب.

النساء البدويات والأطفال

بسبب نمط المعيشة الترحالي، كانت الصحة الجسدية للمرأة البدوية جيدة للحد الذي لا تضطر فيه لطلب المساعدة عندما يواتيها المخاض. فتذهب لمكان بعيد عن خيمتها وتنجب طفلها بنفسها. وكانت تتولى عملية الإنجاب بتمكن وتقطع الحبل السري لطفلها بحجر. وفي بعض الحالات إن تعسرت عملية الإنجاب كانت المرأة البدوية تطلب المساعدة من ممرضة تدعى “الداية” في تلك الأيام، قامت الداية بدور الطبيبة النسائية.

كان إنجاب الطفل مدعاة للاحتفال، فتذبح العائلة خروفا أو جملا بحسب حالتهم المادية. يختار الأب اسم الطفل ويكون الاختيار تبعا للظروف. فعلى سبيل المثال، إن كان لدى العائلة ضيف قد يمنح الأب اسم الضيف لطفله كدلالة على الاحترام والكرم. وبعض الأسماء تمنح للأطفال بحسب الظروف الجوية السائدة وقت ولادتهم. فمثلا قد يسمي الأب مولودته “ثلجية” أو مولوده “ثليج” إن ولدا في أوقات الثلج. وإن كان الموسم جافا فقد يسمى الطفل “عطش” والفتاة “عطشة”. قد تسمى الفتيات على اسم امرأة جميلة تعيش في ذات الفترة وقد يسمى الأولاد الذكور على اسم شخص مات في نفس السنة لتذكره.

وتتم عملية ختان الذكور في أي وقت بين سن الشهر والعشر سنوات بحسب ظروف عدة كتوافر شخص يعرف كيف يختن الذكور. يسمى الختان “الطهور” ويعقد البدو احتفالا كبيرا بأغان خاصة.

 تقدم العائلة في حفل الطهور حلويات خاصة وغن كانت حالتهم المادية تسمح فإنهم يذبحون شاة. كما يزينون خيمتهم ليعلنوا للناس عن هذا الاحتفال.

كانت المرأة البدوية حريصة على غذائها لتضمن أن ترضع طفلها أو طفلتها رضاعة صحية ومغذية. وإن كانت حالة الأم الصحية سيئة ولم تقو على إرضاع الطفل قد تتطوع امرأة أخرى لإرضاعه. وهذا التصرف مظهر آخر من مظاهر التعاون والعمل الجماعي الذي ميز الحياة البدوية. وعندما يحبن وقت الفطام، تضع الأم “راحة” وهي نوع الحلويات وتربطها في طرف غطاء الرأس. وبهذه الطريق يظل الطفل يمص الراحة وينسى الرضاعة.

كانت الأم البدوية حريصة أشد الحرص على تحضير الغذاء المناسب لأطفالها وعلى إبقائهم دافئين شتاء والعناية بهم وقت مرضهم. كما كانت تغني لهم التهويدات (أغان تغنى للأطفال وقت النوم) كما كانت الأم البدوية المصدر الذي يتعلم منه الأطفال تقاليد وعادات وثقافة البدو.

المصدر:

Aloun, G., Hood, K., The Bedouin beauty of my grandmother (2017) the Hashemite fund for development of Jordan Badia and Ministry of culture p18-24

الحياة العائلية عند بدو الأردن

عانت الأردن طيلة عهد الاحتلال العثماني بغياب الدولة عن شؤون الحكم والتنمية والأمن، فتبدّل الولاة والحكام على المنطقة وانتقلت تبعية الأراضي والجباية فيها ، بتبدّل الحكام والولاة، فكلّما انتصر والٍ عثماني جديد على آخر ووافق على دفع الضرائب للباب العالي في الأستانة وجمعها من الأهالي بالنيابة عنه ، انتقلت كل الأراضي والنيمارات والمالكانات إلى عهدته بالضرورة في حقبة كان عنوانها الأبرز ( حقبة حكم المزرعة).

وفي الفترة التي توسع فيها  حاكم عكا العثماني ظاهر العمر (1685-1775) بإمارته ونفوذه ليسيطر على لواء عجلون وما حوله، أرسل ابنه أحمد ظاهر العمر (1728-1775) ليكون حاكما بالنيابة . وقد بدأ ببناء قلعة ومسجد في تبنة، انتهى منهما حوالي 1770؛ ثمّ انتقل إلى الحصن. وعلى تلها بدأ ببناء قلعة.

في تلك الفترة ومنذ حوالي 1760 كان واحدٌ من أبرز شيوخ الحصن هو الشيخ ابراهيم بن مصطفى نصير ( شيخ عشيرة  النصيرات) ، وقد ولد الشيخ ابراهيم حوالي العام 1720 وتزوج من عشيرة الهزايمة. وقد رُزق بالعديد من الأولاد، وبما أنه لم توجد إدارة مباشرة للاحتلال العثماني على الأراضي الأردنية وكانت شؤون الحكم تدار بالوكالة من قبل الولاة والجباة، فقد كان الشيخ هو كل شيء: القائد والقاضي والشرطي.

 

مشانقٌ محليّة

استهل الحاكم العثماني الجديد لمنطقة حوران أحمد بن ظاهر العمر تعيينه بالنيابة عن أبيه بنصب ثلاثة مشانق لتكون علامة على طابع الحكم القادم لأهالي حوران الأردنيين وذلك بعد أن انتهى من بناء الطابق الأول من القلعة، وبناء السور الخاص بها، والواضح أنه أراد تقصير المسافة على الثوّار والأحرار من فرسان العشائر الأردنية، فبدلا من إرسالهم إلى سجون المحتل في الأستانة ودمشق وإعدامهم بالمشانق هناك، قرّر أن يجعل العقاب محليا ومباشرا وسريعا توفيرا للجهد والوقت بإعدام الأردنيين وقمع ثوراتهم.

لدينا مشانق جديدة ، فلنجرّبها !

وليكرّس عهد الحكم الجديد بالسطوة والقتل طلب أحمد ظاهر العمر من الشيخ ابراهيم النصيرات جلب ثلاثة أطفال من أبناء العائلات المسيحية الأردنية من عشائر الحصن وذلك لتجربة المشانق عليهم. حاول الشيخ ثنيه عن الجريمة ففاوضه بتجربة المشانق على الخراف ومن ثم على فرسه شخصياً، لكن الحاكم أبى وتعنّت ثم توعد الشيخ ابراهيم إن لم يجلب له الأطفال المسيحيين لشنقهم سيقوم هو ويختار من أبناء العشائر المسيحية الأردنية في الحصن بشكل عشوائي.

 وعاد الشيخ ابراهيم النصيرات إلى بيته مهموما، فسألته زوجته عن الأمر، فأخبرها بما حدث، فما كان منها إلاّ أن قالت : ( بالله لا تتقلد خطية أحد تأخذه من حضن أمه وأبوه، وبكرة إذا جاء هذا الظالم فليأخذ أحد أبنائنا، ويعوضنا الله خيراً) فآثرت التضحية بأبنائها على أن تخون حق الجيرة والدم لتقدّم أبناءها بدلاً من أبناء أشقائهم المسيحيين.

وتنفيذا لوعدها قامت زوجة الشيخ ابراهيم النصيرات بإطعام أطفالها ومن ثم قامت بتغسيلهم وإلباسهم أجمل ثيابهم بينما حافظت على هدوئها حتى لا تخيفهم، وهي تعدُّ اللحظات التي تفصل أبناءها عن تدوين أسمائهم في سجل الشرف والفداء .

مشهد للصورة المتخيلة في ذهن النشمية زوجة الشيخ البطل ابراهيم النصيرات لأبنائها وهم معلقين على المشانق العثمانية – لوحة للفنانة هند الجرمي

وفي منتصف تلك الليلة من عام 1774 م ، إذ بباب الشيخ ابراهيم النصيرات يُقرع بشدة وعنف شديدين، وكان الوالي العثماني أحمد بن ظاهر العمر هو القارع طالبا من الشيخ أن يفتح له الباب، وعندما فتح الباب أخبره الشيخ أن الموعد لم يحن بعد وأن الأولاد سيكونوا حاضرين في الصباح للإعدام على المشانق، فإذ بالوالي العثماني المخلوع يحتضن الشيخ ابراهيم النصيرات قائلا: أنا دخيل عليك يا ابن نصير، أنا طنيب عليك يا ابن نصير. فسأله الشيخ بصدمة عمّا حدث؟، فقال أحمد بن ظاهر العمر : لقد أرسل الوالي العثماني أحمد الجزار رجالا ليقتلوني. وذلك بعد أن دبّت الصراعات بين الولاة العثمانيين في المنطقة وأصبح أحمد بن ظاهر العمر والجزّار خصوماً في صراعات السلطة وتم اعلانه ملاحقاً ومطلوباً.

حدث هذا الأمر عندما أثار توسع نفوذ الأمير ظاهر العمر حنق الباب العالي العثماني، ما دفعه إلى إعلان الحرب عليه وعزله وأبنائه عن مناطق ولايتهم وتوجيه جيش بقيادة الوالي العثماني أحمد باشا الجزّار للقضاء عليه .

حينها استجدى الوالي المخلوع أحمد بن ظاهر العمر الشيخ ابراهيم النصيرات بأن يوصله بأمان إلى الأمير الغزاوي في الغور، وللوهلة الأولى أراد الشيخ ابراهيم النصيرات أن يفتك بالحاكم عقابا له وثأرا لكرامة الأطفال، لكن زوجته صرخت منبهة أنه دخيل بعُرف الأردنيين وتقاليدهم، وأن تقديم أولادهم بدلاً عن خيانة جيرانهم لا يزيد أهميةً بالمنظومة القيمية الأردنية عن إجارة الدخيل ولو كان قد ذبح الأولاد فعلياً.

فاستجمع الشيخ ابراهيم النصيرات قواه وضبط أعصابه وقام بترحيله مع مجموعة من الحرس إلى الغور مع ورقة تحمل ختمه، وطلب أن يختمها الأمير الغزاوي بعد وصول (الدخيل)، وأخذ منه مفاتيح منزل تل الحصن التي كان الطابق الأول منها قد أنجز، والعمل قائم على الطابق الثاني، وأحسَّ العمال الذين جلبهم الحاكم العثماني معه بعد زمن باختفاء الحاكم، فهربوا دون أن يكتمل بناء الطابق الثاني .

الغدر والثأر

وحسب الرواية الشفوية وقبل هروب الوالي العثماني أحمد بن ظاهر العمر وانقلاب العثمانيين على أبيه بأيام قليلة كان قد دعى الشيخ موسى الحمد الخصاونة في قرية تُبنة الى الغداء وبنيته الغدر به بعد أن خشي من خطرِ زعامة الخصاونة على ناحية بني عبيد ومناوئتهم للعثمانيين. وعند قدومه قام بغدره وأمر بضرب عنقه على سدر الطعام داخل بيته وأخفى الأمر ليتم التمثيل بجثته باليوم التالي،إذ علَقَ رأسَه على باب قلعته في بلدة تُبنه في الكورة التي كان يتخذها مقراً له وسجنَ العديدَ من رجالاتها، ولا تزال المعمرات من عشيرة الخصاونة يهزجن عن الشهيد البطل الشيخ موسى الحمد الخصاونة بالقول ”  موسى الحمد يا مطلع الجردة ….حملها رحلين ورواقها فردة “.

وعندما علم فرسان عشيرة الخصاونة ما حصل بشيخهم الشهيد البطل موسى الحمد الخصاونة قاموا ومعهم جمع من باقي فرسان الحصن بالذهاب إلى منزل الحاكم فلم يجدوه، فكسروا المشانق وأخذوا جميع الأسلحة والذخيرة التي وجدوها ووزعوها بين الفرسان وأرسلوا الى شيخ الغزاوية أن هذا الوالي المخلوع مطلوب لهذه الفعلة الشائنة وأن تسليمه للقاضي العشائري أمر لا يمكن تجاوزه أو التنازل عنه.

وكُسِرت المشنقة

وقبل ساعات من انفاذ قوانين القضاء العشائري الأردني المتجذر في التاريخ، كان أحمد ظاهر العمر قد خرج من الغور الى فلسطين وقد خرج من دخالة الأمير الغزاوي بحكم التقاليد بعد أن غادر ديرته، حيث لحق به بعض فرسان عشيرة الخصاونة فقتلوه وجنوده في الطريق وأحضروا بعض متعلقاته الشخصية وعلقوها فوق بيته السابق بالحصن.

بينما تشير روايات أخرى أنه حين سقطَ حُكم ظاهر العمر في عكا بعد انقلاب والي دمشق عليه، ثار العجلونيون على ابنه أحمد الظاهر، وطاردوه حتى قرية «لوبية» غربي طبريا.

خاتمة

ليس هذا الحدث برمزيته وعظمته ببعيد عن مسيرة كفاح الأردنيين نحو الاستقلال من الاحتلال العثماني، ولا هو بمختلف أو طارئ على سيرة الأردنيين ووئامهم، ولأجل هؤلاء العظام من أمثال أجدادنا وجداتنا الشيخ ابراهيم النصيرات وزوجته تستحق هذه المسيرة الوطنية أن تخلّد وتبقى في ذاكرة الأردنيين لا كقصة عابرة بل كنقش متوهج في صدورهم .

المراجع :

  1. نصير، د.عبدالمجيد، ورقة بحثية منشورة عن عشيرة النصيرات .
  2. كرد علي، محمد، خطط الشام، دمشق، 1925.
  3. الزركلي، خير الدين، موسوعة الأعلام، 1980.

مشانق الحصن

مشهد عام لربة عمون، يظهر في الصورة بقايا آثار رومانية

مقدمة

بنى أجدادنا الأردنيون الأوائل ثلاثة دول ذات أنظمة سياسية ملكية في بداية العصر الحديدي الثاني (أدوم، مؤاب، عمون)، وكانت هذه الدول حصيلة تطور راكمه الأردنيون عبر آلاف السنين. إن هذه الأنظمة الملكية، كانت تتسم بطابع تشاوري مبني على القيم الاجتماعية الأردنية، حيث لا يمكن تجاوز البنى الاجتماعية للدولة، ولا يستطيع الملك أن يتفرد بالقرارات المصيرية وحده دون الرجوع إلى زعامات البُنى الاجتماعية المتنوعة من مدن وقرى وتجمعات فلاحية وقبائل، وهو الذي يستمد شرعية حكمه منهم، حيث نشأت الممالك بناء على توافقات القوى الاجتماعية التي شعرت بضرورة تأسيس دولة ذات نظام متطور وجهاز إداري وعسكري قادر على صون مصالحهم، وعلى الرغم من ذلك لابد أن يكون للملوك الدور البارز، حيث أن الملك هو من يصدر الأمر باسمه في نهاية المطاف، وهو أحد رموز الدولة المهمة.

وعلى هذا الأساس حاولنا في هذا البحث إيراد أسماء الملوك الأردنيين العمونيين، والظروف السياسية في ظل حكم كل ملك منهم، كما حاولنا إيراد أهم الانجازات لهؤلاء الملوك حيثما وجدناها، وقد اعتمدنا في هذا البحث على ثلاث مصادر رئيسية، وهي (المصادر التاريخية، السجلات الأشورية، النقوش العمونية).

صورة لتماثيل عمونية، متحف الآثار الأردني- جبل القلعة

الملك الأردني ناحاش

هو ملك أردني عموني، حكم حوالي (1020- 1000ق.م)، وكان ملكاً طموحاً، حيث أن فترة حكمه جاءت عقب تراجع أصاب الأردنيين العمونيين لفترة من الزمن، استطاع خلالها العبرانيون التقدم داخل الحدود العمونية الأردنية والسيطرة على جزء من الأراضي الأردنية.

قام الملك الأردني العموني ناحاش بإعادة تجهيز جيشه، وبث الروح المعنوية العالية بين الأردنيين العمونيين، الذين كانوا غاضبين من التواجد العبراني داخل أراضيهم، وبدأ بشن الهجمات على المناطق التي احتلها العبرانيون وبث الرعب في قلوبهم، حتى طلبوا منه إبرام معاهدة.

وكان رد الملك الأردني العموني ناحاش على طلبهم هذا بأن يكونوا بمنزلة اجتماعية متدنية، ويرضخون للحكم الأردني العموني بنظام عمل أشبه بالسخرة، حينذاك حاول العبرانيون التفاوض على شروط أقل حدة.

في ذلك الوقت وصلت ثقة الملك ناحاش بقوته حد الغرور، حيث منح العبرانيين مهلة من سبعة أيام للرد على شروطه، وكان يعي أن ذلك يعني أن العبرانيين المحاصرين داخل الحدود الأردنية العمونية سيقومون بطلب النجدة من أقاربهم خارج الحدود، ولم يأبه الملك الأردني العموني ناحاش بذلك أبدا، بل على العكس كان يعتقد أن بإمكانه بذلك استدراج بقية القبائل العبرانية والانتصار عليهم وكسر شوكتهم.

إلا أن الأمر المفاجئ، أن هذا التقدم الملحوظ في قوى الأردنيين العمونيين، جعلت العبرانيين يستشعرون الخطر، مما دفعهم لتوحيد رايتهم وتنصيب شاؤول ملكا على جميع العبرانيين، كي تتجمع قواهم ويستطيعوا دفع الخطر الأردني العموني، وكانت هذه أول مرة يُنشئ بها العبرانيون مملكة موحدة يحكمها ملك واحد، وقام شاؤول بوساطة رجال الدين بدفع كل رجل قادر على حمل السلاح للمشاركة في الحرب، حيث منحها صبغة الحرب المقدسة موظفاً الدين في هذه الحرب.

استطاع شاؤول أن يتغلب على الملك الأردني العموني ناحاش، ويوقف طموحاته بالتوسع بعد أن استنفر جميع من يستطيع حمل السلاح من العبرانيين، مستغلاً نشوة تأسيس المملكة الجديدة، واستهتار الملك الأردني العموني ناحاش بحجم قوة اعداءه.

الملك الأردني حانون

في نهايات حكم الملك الأردني العموني ناحاش حالف الملك داوود في مواجهة شاؤول، حتى استطاع داوود السيطرة على حكم مملكة اسرائيل، وعندما توفي الملك الأردني العموني ناحاش قام داوود تقديرا للخدمات التي قدمها له ناحاش في وقت ضعفه، بإرسال وفد لتعزية الملك الأردني العموني الجديد (حانون) بوفاة أبيه الملك ناحاش.

وحين وصول الوفد الذي بعثه داوود إلى القصر الملكي في ربة عمون، شكَّ مستشارو الملك الجديد حانون بأن هذا الوفد جاء كي يستكشف المدينة تمهيداً لغزو من قبل مملكة اسرائيل، فأشارت الحاشية على الملك حانون بإهانة الوفد وطرده، وهذا ما تم، وحين عاد الوفد إلى داوود اعتبر داوود هذا التصرف بمثابة إعلان حرب عليه من قبل الملك الأردني العموني حانون، وقام بتجهيز جيشه للهجوم على المملكة الأردنية العمونية، ووقعت الحرب التي انتهت ولم يستطع الملك حانون الانتصار بها.

الملك الأردني بعشا

ورد اسم الملك الأردني العموني بعشا في إحدى السجلات الأشورية ضمن أسماء مجموعة من الملوك الذين كونوا حلفاً سياسياً عسكريا في مواجهة شلمنصر الثالث ملك آشور، وقد كان الملك الأردني العموني جزء مهماُ من هذا الحلف الذي كونه عدد من ملوك الدول المحاذية لآشور من جهة الغرب، لمواجهة مساعي شلمنصر الثالث في اخضاع هذه المنطقة والسيطرة عليها، وقد تواجه هذا الحلف مع قوات شلمنصر ثلاثة مرات لم يستطع خلالها الأشوريون من تحقيق أهدافهم رغم الخسارات العسكرية التي لحقت بالأردنيين العمونيين وحلفائهم.

الملك الأردني سانيبو

هو أحد الملوك الأردنيين العمونيين، الذين ورد اسمهم في حوليات تجلات بلاسر الثالث، من ضمن الملوك الذين قدموا الهدايا للملك الأشوري حينها.

الملك الأردني بودو ايل

ملك أردني عموني ورد اسمه في السجلات الأشورية في زمن الملك الأشوري سنحاريب، حيث كان من ضمن الملوك الذين قدموا الهدايا للملك سنحاريب.

الملك الأردني عمي ندب (الأول)

ورد اسم الملك الأردني العموني عمي ندب في السجلات الأشورية في فترة حكم الملك الأشوري آشوربانيبال، ويعتبر عمي ندب الأول لأنه تم ذكر ملك أردني عموني آخر يحمل ذات الاسم في فترة لاحقة على نقوش عمونية.

الملوك الأردنيون العمونيون الذين وردت أسماؤهم في النقوش العمونية

تمثال عازر، من جبل القلعة، عمون.
The art of Jordan, treasures from an ancient land,edited by Piotr Bienkowski, alan sutton publishing.

وجدت الحفريات الأثرية عدة قطع أثرية تحتوي على نقوش عمونية، وورد في بعضها أسماء لبعض الملوك الأردنيين العمونيين لكن دون ذكر تفاصيل واضحة حولهم لذلك سنورد أسماءهم وما ذكر عنهم في هذه النقوش .

  • الملك الأردني زاكور

هو ملك أردني عموني ورد اسمه في تمثال عمان (تمثال وجد في حفريات في جبل القلعة – ربة عمون – ويحمل نقشا على قاعدته) والملك زاكور هو ابن الملك شانيب الذي ورد اسمه بنقش تمثال عمان كما ورد اسمه في السجلات الأشورية أيضا  وأبو الملك يرح عزر.

  • الملك الأردني يرح عزر

وجد اسم الملك الأردني العموني يرح عزر أيضا في نقش تمثال عمان، إلى جانب اسم والده الملك زاكور، وجده الملك شانيب.

  • الملك الأردني عمي ندب الثاني
قارورة تل سيران

ورد اسم الملك عمي ندب في نقش قارورة تل سيران مرتان، حيث كتب في نقش تل سيران، “أعمال عمي ندب، ملك بني عمون، بن هصال ايل، ملك بني عمون، بن عمي ندب ملك بني عمون…”،  ويستدل من هذا النقش وبعد تحليل المدد الزمنية، أن عمي ندب الجد الذي ورد اسمه في القارورة هو ذاته الملك عمي ندب الذي ورد اسمه في السجلات الأشورية سابقاً، وأن الملك عمي ندب الحفيد يصبح بذلك الملك عمي ندب الثاني.

  • الملك الأردني هصال إيل

ورد اسم الملك الأردني العموني هصال إيل أيضا في نقش قارورة تل سيران، إلى جانب اسم أبيه وابنه الملوك الأردنيين العمونيين، عمي ندب الأول وعمي ندب الثاني.

المراجع

  1. كفافي ، د. زيدان عبد الكافي (2006 )، تاريخ الأردن وآثاره في العصور القديمة ( العصور البرونزية والحديدية) ، دار ورد ، عمان .
  2. أبحاث إرث الأردن،مدخل عام إلى عصر الممالك الأردنية القديمة
  3. العبادي، د. أحمد عويدي (2018)، التاريخ السياسي للممالك الأردنية القديمة، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان.
  4. كفوف، نجاة ثلجي سعد(1995)، ملوك بني عمون،  رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة اليرموك، اربد، الأردن.

المملكة الأردنية العمونية – الملوك وانجازاتهم

مقدمة

على مرتفعات البلقاء، وسط الأردن، وفي سفوحها الوعرة، كان قلب المملكة الأردنية العمونية، ومن عمّان (ربة عمون)، كتب أجدادنا الأردنيون العمونيون، سفراً جديداً في كتاب الحضارة الانسانية، لترسم الجبال والمياه قصة شعب هزم قسوة الطبيعة، وبنى دولة الرفاهية.

على الرغم من صعوبة رسم الحدود السياسية بشكل دقيق بين الدول القائمة في الحقبة التي أنشأ بها أجدادنا الأردنيون العمونيون دولتهم، إلا أن تشييدهم للعديد من الأبراج الدفاعية التي صمدت آثارها حتى يومنا هذا، بالإضافة إلى السرد التاريخي الذي ورد عن المملكة الأردنية العمونية، إلى جانب الحدود الطبيعية استطاعت أن توصل لنا صورة جيدة عن حدود المملكة الأردنية العمونية، نوردها في هذا البحث، كما سنعرّج على بعض المدن والتجمعات السكانية ذات الأهمية.

حدود المملكة الأردنية العمونية

يبوق (نهر الزرقاء)
  • الحدود الشمالية

يعتبر نهر يبوق (الزرقاء) هو الحد الشمالي للمملكة الأردنية العمونية، والفاصل بينها وبين امتداد الممالك الآرامية على الأراضي الأردنية بعد اضمحلال مملكة عوج ملك باشان الأردنية، وتشير الكشوفات الأثرية إلى أن اللقيات الأثرية الأردنية العمونية، تجاوزت نهر الزرقاء شمالاً، مما يعني امتداد نفوذ وتأثير الأردنيين العمونيين إلى الشمال من نهر الزرقاء خلال عدة مراحل زمنية، إلا أن الأقرب للواقع أن حوض نهر الزرقاء كاملاً بضفتيه الشمالية والجنوبية كان يقع تحت نفوذ الأردنيين العمونيين.

  • الحدود الجنوبية
وادي الموجب 1900 نهاية القرن التاسع عشر شمال الكرك وعرف بنهر ارنون وتم ذكره في مسلة ميشع الملك المؤابي الأردني قبل الميلاد

يعتبر وادي أرنون (الموجب)، هو الحد الجنوبي للمملكة الأردنية العمونية والذي يفصلها عن المملكة الأردنية المؤابية، ولكن هذه الحدود ليست فاصلاً نهائياً بين المملكتين، حيث أن تمازجاً ثقافياً هوياتياً يجمع بين المملكتين الشقيقتين، فضلاً عن الحلف السياسي العسكري بين المملكتين الأردنيتين، الذي كان يسمح بتداخل للأراضي.

  • الحدود الشرقية

على امتداد مرتفعات البلقاء، وإلى الشرق منها، في البادية الأردنية الوسطى وعلى حد الصحراء، وجدت العديد من الأبراج العمونية الدفاعية، مما يعني أن الحدود الشرقية للمملكة الأردنية العمونية كانت تنتهي على مشارف الصحراء، ويُعتقد أن الأبراج الدفاعية العمونية كانت تحرس التجمعات الزراعية بالتعاون مع القبائل الأردنية البدوية الخاضعة للنفوذ العموني من الغزو القادم من الصحراء.

  • الحدود الغربية
نهر الأردن

امتدت الحدود الغربية للمملكة الأردنية العمونية على طول سفوح الجبال والمناطق الغورية المتاخمة لوادي الأردن، وتعتبر الحدود الغربية للمملكة الأردنية العمونية الأكثر خطورةً كونها تطل على مناطق نفوذ العبرانيين الذين ناصبوا الأردنيين العمونيين والمؤابيين العداء طويلاً.

أهم المواقع في المملكة الأردنية العمونية

  • العاصمة ربّة عمون (عمان)
جانب من الجدار الذي يحيط بمدينة ربة عمون

كان المركز الرئيسي للعاصمة ربة عمون هو موقع جبل القلعة الحالي الواقع في وسط عمان الحديثة، وهو يعتبر أحد جبال عمان الرئيسية، ويعود تاريخ جبل القلعة إلى بدايات العصر النحاسي، وعرف قروناً من الازدهار، حتى أقام على أرضه أجدادنا الأردنيون العمونيون عاصمتهم.

  • تل سيران
قارورة تل سيران

هو تل أثري يعود إلى العصر الحديدي، داخل حرم الجامعة الأردنية، اكتشف به أحد طلاب كلية السياحة والآثار قارورة تل سيران المعروفة، أثناء إحدى الحفريات الأثرية، كما وجد في نفس التل على عدد من الكسر الفخاري التي يعود تاريخها إلى كل من العصور الحديدية، والرومانية والأموية.

  • تل جاوة الجنوبي

بني موقع تل جاوة الجنوبي، إلى الجنوب من عمان، على مساحة تقارب العشرين دونماً، ويحتوي الموقع على مباني متنوعة، ويعتقد أنه تجمع زراعي متوسط الحجم.

  • موقع جلول

تقع جلول شمال شرق مدينة مادبا، قرب الحدود الفاصلة بين المملكة الأردنية العمونية، والمملكة الأردنية المؤابية، وبني الموقع على مساحة 73 دونماً، ويعد الموقع مدينة متوسطة الحجم.

  • موقع تل العميري

بني موقع تل العميري إلى الجنوب الغربي من ربة عمون، وهو تجمع سكاني يعود تاريخه إلى العصر النحاسي، ومر هذا التجمع السكاني بتطورات عديدة حيث أصبح (مدينة دولة) في العصر البرونزي ثم أحد أهم المدن الأردنية العمونية.

  • تل صافوط الأثري

بني هذا الموقع شمال عمان على الطريق الواصل بين عمان ومناطق الشمال (جرش، اربد، عجلون)، ويعد من أهم المواقع الأثرية في عمان، ووجد فيه العديد من الآثار العمونية.

  • عراق الأمير
عراق الأمير 1900 جنوب غرب عمان وهي من أهم المواقع الأردنية العمونية

بدأ التواجد البشري في عراق الأمير منذ آلاف السنين، حيث استوطنها أجدادنا الأردنيون الأوائل منذ العصر الحجري الوسيط (8000- 10000) ق.م، كلمة عراق تعني الكهوف، ويقال أن المنطقة سميت بهذا الإسم نسبة إلى الكهوف التي استخدمها الأمير طوبيا العموني إضافة إلى القصر الذي بناه فيها، وكانت عراق الأمير أحد أهم المواقع العمونية.

قصر العبد (قصر عراق الأمير)

يعود تاريخ بناء قصر العبد إلى ما قبل خمسة ألف عام تقريبا، أي إلى العصر الهيلنستي في القرن الثاني قبل الميلاد وقد بناه هركانوس من أسرة طوبيا العمونية الاردنية في عهد الملك سلوقس الرابع.
وقد سُمي قصر عراق الأمير ؛ عراق التي تعني مدخل المغارة والأمير وهو طوبيا العموني الأردني، وتشير الوثائق التاريخية والمسكوكات والرسومات والنقوش أن القصر يعود تاريخ بناءه بين عامي 187 و 175 ق.م في ظل حكم البطالمة وتحديدا في عهد سلوقس الرابع ويذكر أيضا أن هركانوس الذي بناه وهو أيضا من الأسرة الطوبية العمونية الأردنية كان أحد امراء العمونين الأردنيين الذين استقروا في منطقة وادي السير عام 360 ق.م، وكان طوبيا آنذاك أميرا ونائبا للملك وواليا على منطقة عمّان في عهد البطالمة، إلى أن اصبح ملكا وهو آخر ملوك العمونين الأردنيين.

  • رجم المخيزن (خربة الحجار)

هو موقع أثري عمون، في منطقة الرصيفة/ شلنر، عبارة عن أحد الأبراج العمونية الدفاعيةالتي تحمي حدود ربة عمون.

الخاتمة

رغم التخريب الذي تعرضت له مواقع أثرية عديدة، ومع شح الحفريات الأثرية التي تغطي الأردن في العصور الحديدية، إلا أن آثاراً عديدة تحدت آلاف السنوات لتبقى دليلاً على إحدى أهم الحضارات الأردنية، وقد حاولنا في هذا البحث وصف حدود المملكة الأردنية العمونية، وإيراد أهم المواقع المكتشفة في سعينا لتغطية كل ما يخص المملكة الأردنية العمونية، ونسعى لأن يكتمل العمل الآثاري حتى نستطيع أن نفي الجهد الذي بذله أجدادنا الأردنيون الأوائل حقه.

المراجع

  1. كفافي ، د. زيدان عبد الكافي (2006 )، تاريخ الأردن وآثاره في العصور القديمة ( العصور البرونزية والحديدية) ، دار ورد ، عمان .
  2. غوانمة، د. يوسف درويش (1979)، عمان حضارتها وتاريخها، دار اللواء للصحافة والنشر، عمان.
  3. أبحاث إرث الأردن،مدخل عام إلى عصر الممالك الأردنية القديمة
  4. أبحاث إرث الأردن، قصر العبد – عراق الأمير
  5. العبادي، د. أحمد عويدي (2018)، التاريخ السياسي للممالك الأردنية القديمة، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان.
  6. جتاوية، نداء (2012)، مفهوم الإثنية في علم الآثار: دراسة تحليلية للمالك (عمون، مؤاب، أدوم) في الأردن خلال العصر الحديدي. رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                              

المملكة الأردنية العمونية- الحدود وأهم المواقع

Scroll to top