المقدمة

البحث في طبيعة التوليفة الدينية الغنية والمعقدة للمجتمع الأردني يبهرنا دوما بنتائج مذهلة. وتحمل لنا طيات الكتب والروايات الشفوية عن أجدادنا الكثير من القصص والحقائق. عبر سلسلة “يا خظر الأخظر” تتبعنا في إرث الأردن طبيعة الطقوس والمعتقدات الدينية التي غلفت بطبيعة صوفية وسحرية.  في الجزء الثالث من هذه السلسلة نستكمل غوصنا في نسيج مجتمع البلقاء الثري، ونستعرض مجمل المقامات والمزارات والحوط والقبور المباركة التي اعتنى بها الأردنيون عبر الزمن وكانت لهم رديفا روحيا يعينهم في حياتهم.

المقامات والمزارات

في البلقاء مقامات أخرى كان لا بد لنا من الوقوف عليها وعلى أبرز المعتقدات والممارسات الدينية التي ارتبطت فيها. وهنا سنستعرض مقام النبي يوشع – هوشع – ومقام النبي شعيب ومقام الولي الصوفي العجمي وضريح سارة ومقام النبي أيوب ومقام النبي جاد وجميعها مقامات دينية مهمة وحاضرة حتى اليوم في المشهد الديني البلقاوي.

 أولا: مقام وضريح النبي يوشع

على أعلى قمة جبل من جبال البلقاء الشامخة يقع مقام النبي يوشع على الجبل الذي سمي باسمه تيمنا به. مساحة المقام 12 دونما مشرفا على الغور الأوسط وبعض جبال نابلس والقدس.

المبنى القديم لمقام النبي يوشع بن نون

يعود البناء للعهد المملوكي وشيد من الحجارة غير المشذبة ويحوي المقام على عدة بيوت ومسجد بداخله الضريح المغطى بقطعة قماش خضراء. بجوار المقام تنتصب أشجار البلوط والسنديان المعمرة وبئر ماء يشرب الناس منها.

محراب المقام من الداخل

يذكر الرحالة البريطاني تريسترام في زيارته للأردن عام 1863:” صعدنا السلط عبر تلة تكسوها الأشجار الحرجية إلى قمة جبل يوشع، وهو مكان يقدسه المسلمون والمسيحيون ومن هناك وفي ظل شجرة البلوط العظيمة ألقينا نظرة نحو الغرب فشاهدنا منظرا رائعا من فلسطين”[5]

واجهة مقام ومسجد النبي يوشع عليه السلام بعد التجديد

مر المقام بعدة عمليات للترميم والتجديد كان آخرها في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني 21/11/2003 حيث تم بناء مسجد كبير وواسع.  أما المقام فهو مستطيل الشكل 20×10م بقبة صغيرة وضريح كبير بطول عشرة أمتار وارتفاع متر ونصف (الصويركي: 2017)

في مقام النبي يوشع عليه السلام كانت عشائر البلقاء من المسلمين والمسيحيين يتخيرون أجمل الأضاحي لتقديمها عند المقام وكانوا ينفذون نذورهم ويحلفون بأيمانهم ويقال أن عقاب اليمين الكاذبة الموت خلال سنة واحدة، وعن الأضاحي التي تذبح على  منصة حجرية كتب المؤرخ الدكتور أحمد العويدي العبادي ” والزوار كثيرون يأتون ليقدموا الضحايا والنذور على اختلاف موادها، وقد جرت العادة أن تذبح الضحايا في الأعالي وتسيل دماؤها على العتبة”، بينما كتب الرحالة السويسري يوهان بيركهارت واصفا المقام:” يقع بالقرب من مدينة السلط ويعظّمه المسلمون والمسيحيون ويقدمون له الأضاحي تقربا ومباركة وكانت تمارس خلال زيارة هذا المقام تجارة مادة القلي المهمة في صناعة الصابون، حيث يُعد المقام أثناء الزيارة سوقا تجاريا لتبادل السلع وتقدر كمية رماد الصابون التي تجلب إلى سوق يوشع حوالي ثلاثة آلاف حمل بعير في السنة“.

ضريح النبي يوشع عليه السلام بطول 10 أمتار

 

مقام النبي يوشع عليه السلام
إلى المقام

وهنا نرى كيف كان المقام مركزا تجاريا دينيا مهما لأبناء البلقاء في تجارة الصابون. وبالعودة إلى المعتقدات الدينية التي لفت هذا المقام، تعتبر الأشجار المعمرة حوله حرما أو “حوطة” حالها حال أشجار الخضر في مقام ماحص. فلا يقطع حطب من الأشجار ولا يتم صيد أي طائر وكانت العشائر في البلقاء يعتبرون المقام دار أمان فيضعون فيه حاجياتهم فلا تسرق أو تؤخذ لأنهم يعتقدون بأن من يسرق من هذا الحرم سينكشف أمره لا محالة. (الصويركي: 2017)

1920 صورة قديمة لمقام النبي يوشع قبل التجديد

في ليلتي الاثنين والجمعة تُضاء الأسرجة ويعبق المقام بالبخور ويزوره الناس طلبا للقرب والبركة. وقد ارتبط هذا المقام أيضا بطلب الاستسقاء عند الجفاف خاصة أن النبي يوشع كان على صلة قرابة بنبي الله موسى وهارون، وثبت أن سيدنا موسى طلب الاستسقاء لقومه، وتيمنا بهذا الرابط، ارتبط المواطنون بهذا المقام.

صورة أخرى لمقام النبي يوشع والضريح من الداخل

ثانيا: مقام النبي شعيب

بعيدا حوالي 12 كلم إلى الجنوب جهة وادي شعيب، يقع مقام النبي شعيب في  خمسة دونمات ونصف. يطل المقام على الطرف الأيسر للهابط من جسر شعيب إلى الأغوار الوسطى. وهو محاط بالأشجار والمياه من كل اتجاه.

كان المقام قديما عبارة عن رجم من الحجارة وبركة مياه حتى قام  العقيد حسام الدين المفتي في القرن الماضي بجمع التبرعات من أهل الخير ووزارة الأوقاف الأردنية في منتصف الستينيات وتم بناء مقام جديد يحوي ضريحا مشابها لضريح النبي يوشع (الصويركي: 2017)

قبل التجديد الثاني عام 1997، كان المقام عبارة عن غرفة 35 متر ومسجد ملحق بمساحة 84 متر تقريبا. وفي عام 2003 تم إعادة إعمار المقام والمسجد ليصبحا أوسع. وغطي الضريح بكسوة خضراء مزدانة بآيات قرآنية. وألحق بمصلى النساء والرجال غرفة متعددة الاستعمال وسكن للمؤذن والإمام ومكتبة.

مقام النبي شعيب مزدانا بالكسوة الخضراء

لمقام النبي شعيب أهمية خاصة، فرغم أن الطقوس الدينية المرتبطة بالنذور والأضاحي التي تذبح على منصة حجرية لا تختلف كثيرا عن تلك يمارسها الأردنيون عند مقام النبي يوشع مثلا إلا إن لهذا المقام قداسة مميزة. فعند بركة النبي شعيب يأخذ شيخ القبيلة اليمين من المذنب أو الجاني على عدم اقترافه للذنب ولا يجرؤ أحد أن يذكر النبي شعيب ويكذب أو يحلف زورا. فبحسب المعتقد السائد سيموت الكاذب خلال سنة واحدة أو تتيبس يده بحسب القصة التي يتناقلها أبناء العشائر في السلط عن رجل سرق بندقية من عرس ولما حلف بالنبي شعيب بأنه لم يفعل تيبست يده. (الدمشقي: 2008) ومن القصص الأخرى التي يتداولها أبناء البلقاء عن مقام النبي شعيب بأن رجلا من بني صخر اتهم بقتل رجل  فأخذوه إلى المقام وقطعوا فروعا من ثلاث شجرات سدر كانت مباركة آنذلك وطلبوا منه أن يتمرغ بالشوك فإن جرح فهو آثم وإن لم يجرح فهو بريء فقال الرجل ( يا شعيب إذا أنا قتلته فشمت بي الأعداء وإلا فبرئني) ونزل في الشوك ولم يصب ففرح أهله أنه بريء. (الدمشقي: 2008)

لافتة المقام

ويذكر الأب بولس نعمان ذلك خلال فترة عيشه في السلط:  يطلب القاضي البدوي القَسَم الرهيب في بركة شعيب، فينزل المجرم في المياه المكرسة ويقول ” بحياة شعيب ورب شعيب أني بريء مما أسند إلي من الجرم” وكثيرا ما تأخذه الأوهام ويشعر بذنبه فترتجف أعضاؤه وتصطك أرجله ويعقد لسانه فيقر بما جنت يداه” ويكمل الأب بولس رواياته لمقدار قداسة شعيب عند عشائر البلقاء فهو ملقب “بمرهوب الجانب من الزرقاء إلى الزرقاء” أي من نهر الزرقاء الشمالي (زرقاء شبيب) إلى نهر الزرقاء الجنوبي (زرقاء ماعين) فالبدوي يمكن أن يقسم كثيرا ولكنه سيخشى ذكر اسم النبي شعيب بالكذب (الصويركي: 2017) وبحسب ما أرخه الدكتور العويدي العبادي فقد كان المقام يرعى من قبل قبائل العدوان بشكل خاص لفترة طويلة من الزمن إضافة لعشائر السلط وعبّاد وفيما أرخه الدكتور جورج فريد في كتابه “مدينة السلط وجوارها” “أما البناء هو عبارة عن دائرة من الحجارة بنيت بشكل عشوائي ويطلب القاضي البدوي القسم الرهيب  في بركة شعيب حيث كان ينزل المجرم في المياه المكرسة ليقر بما جنت يداه من الإثم. ويوجد في جدران البناء جحور كثيرة يضع البدو وعائلاتهم  الأشياء المقدمة وفاء لنذر ما، وتوجد منصة حجرية تقدم عليها الأضحيات في المناسبات الكبرى بما في ذلك المناسبات النذرية التي يمكن رؤيتها باستمرار، ويذبح الناس الخرفان هناك ويسجلون نذرهم واعتبر المقام خاصا بعشائر عباد والعدوان) [1]، بينما يورد الدمشقي في روايته عن أحد معمري ماحص أن المقام بناه السلطية.

مسجد ومقام النبي شعيب بعد التجديد والإعمار الهاشمي

ويرتبط مقام النبي شعيب عليه السلام بما يعرف عند البدو “الشملة والنملة” ففي حالة ابتعاد البدو عن مضاربهم يتم حلف اليمين عن طريق رسم سيف (دائرة على التراب) وتوضع بها حبة قمح. أما الشملة فهي قطعة القماش التي يغطى بها ثدي الناقة عند رضاع ابنها ومعها توضع حبة قمح أو حنطة ونملة. وترمز الشملة للحياة لأن حليب الناقة هو غذاء البدو بينما ترمز النملة للجد والصدق. ويتجه الحالف إلى القبلة أو إلى اليمين ويحلف على المصحف والسيف.

يعتقد البدو أن زيارة النبي شعيب ستبارك لهم مواشيهم وكانت أي شاة تدخل سور المقام يتوجب ذبحها وإن كانت أكثر من شاة يتخيرون أحسنها. ويقيمون وليمة ومن ثم يعودون لمضاربهم آخذين معهم خيوطا خضراء من القماش الأخضر الذي يغطي القبر. ويهني الجيران جيرانهم برحلتهم المباركة لمقام النبي ويطلبون الأشرطة الخضراء المباركة.

سدرة النبي شعيب عليه السلام

 كما كان الصيد عند مقام النبي شعيب محرما  وكانت الغزلان التي ترعى وتعيش بجوار المقام تسمى “غزلان بنات شعيب” وفي رواية شفوية عن أحد معمري ماحص، أن الناس حذروه من الصيد عند المقام وكان يطلق النار على الغزال فلا يصيبه حتى ارتدت الطلقة من الغزال إلى عين الحاج فأصيب وذهب إلى المستشفى على إثر هذا الحادث (الدمشقي: 2008)

وكان زوار المقام من البدو يطوفون بأغنامهم حول المقام وإن شفيت أغنامهم أطلقوا النار احتفالا، ومن الأضاحي الأخرى التي يقدمها الزوار كان الشعير والقمح والتمر. وعرف النبي شعيب بأنه يجير من يستغيث به فيتعلق  الخائف من عدو في قبره. (الدمشقي: 2008)

يمكننا استخلاص عدة نتائج من هذه الممارسات. فالبدوي يعيش حياته مرتحلا وعنصر الأمان عنصر مهم فهو يستجدي هذا الأمان من شخصيات مقدسة ومن مصادر روحانية، وتعزز ممارسات الحَلْف وممارسات التعامل مع المذنبين عند المقامات قيما مهمة كالصدق والأمانة.

ثالثا: مقام النبي أيوب عليه السلام 

يقع مقام النبي أيوب في قرية بطنا في منطقة خربة النبي أيوب  إلى الجنوب الغربي من السلط (12 كلم) وهي منطقة أثرية يعتقد بأنها تعود إلى الحقبة المملوكية. ترتبط قصة النبي أيوب عليه السلام بالانتصار على نوائب الدهر، فقد ابتلي النبي بشتى صنوف المصائب من فقر وموت الأولاد واعتزال الناس ولكنه صبر وعوضه الله عن صبره بكل ما فقد أضعافا ومن ثم بعثه نبيا.

ونرى في قصته ارتباطا وثيقا مع الممارسات والمعتقدات التي امتلكتها عشائر البلقاء، فكانت النسوة يلجأن إلى خربة النبي أيوب إن استصعب حملهن وكان الفقراء يجدون في صبره إلهاما. وكحال باقي المقامات كان لهذا المقام كرامة فلا يجوز الاعتداء عليه أو على أي شيء في حرمه كما تم الاعتناء به وتجديده في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني.

مقام النبي أيوب عليه السلام يظهر السور القديم والمسجد بعد التجديد. حقوق الصورة محفوظة لصحيفة الغد

 رابعا: مقام العجمي

كثيرا ما يشيع ارتباط القبور والمقامات في بمعتقدات الشفاء ففي البلقاء خصوصا، كما رأينا خلال هذه السلسلة من الأبحاث. تم إحصاء العديد من المقامات التي تحمل اسم العجمي ففي قرى عجلون وإربد وصولا إلى البلقاء تحمل الأشجار والمقامات اسم العجمي. والعجمي كلمة تعني “غير العربي” واستخدمت لوصف أولياء الله من المتصوفة القادمين من بلاد فارس قديما. ووفقا للأبحاث التي أجرتها إرث الأردن سابقا عن الصوفية وممارسات الصوفية في شمال المملكة، نستنتج أن للشيخ الصوفي مكانة خاصة. فقد انتشر التصوف في العشائر الأردنية ومارس الأردنيون في المدن والحواضر والقرى الأردنية طقوسا دينية صوفية كحلقات الذكر والحضرات وإحياء الاحتفالات الدينية والاعتكاف وتقديس الشجر والمقامات وغيرها.

أما مقام العجمي في السلط فهو لشهاب الدين داوود بن سليمان بن داوود الكوراني من الكورة في اربد وقد درس في المدرسة السيفية في السلط واشتهر كـ ولي صالح زاهد وحكيم ظلت نساء السلط مسلمات ومسيحيات عندما يخرجن لطلب الاستسقاء من الله يذكرونه ويهزجن
يا عجمي جيتك زاير وانا بموري حاير (موري= اختصار “أموري” باللهجة المحلية)

يا ربي تسمع نجواي زرعي من دونك باير

يقع المقام في حوض البقيع الغربي في بلدة ماحص ومساحته دونم و356 مترا . ومن الطقوس المرتبطة بهذا المقام قدوم النساء ليلتي الاثنين والخميس  وإضاءة القناديل وإشعال البخور وربط الخرق والأقمشة الخضراء. (الصويركي: 2017).

خامسا: مقام النبي جادور عليه السلام

على تل الجادور، إحدى تلال السلط الشهيرة وبجانب عيني الجادور الفوقا والتحتا العذبتين، يقع مقام النبي جادور أو النبي جاد كما هو مشتهر. التل بأكمله عبارة عن كنز آثاري وتاريخي ففيه كانت الآثار التي تنتمي إلى الحقبة الهيلينية والبيزنطية تتناثر في كل مكان. ولا زال التل يحمل جزءا من اسمه اللاتيني السابق “جادورا” أي مدينة جاد.

مقام وضريح النبي جاد يتوسط مقبرة إسلامية

والنبي جاد أحد أبناء النبي يعقوب عليه السلام وهو من الأسباط الذين ذكروا بالقرآن الكريم. ويعتقد بأن النبي جاد كان قد استقر في الأردن ودفن فيها. وكان يلقى إكراما شديدا من أهالي السلط حيث يستعينون به على نوائب الدهر ويتوسلون فيه لقضاء حاجاتهم.

يتوسط المقام اليوم مقبرة إسلامية، وقد بني عليه مسجد عام 1958 من الحجارة الصفراء المشذبة. بنيت غرفتان واحدة بتبرعات أهالي السلط وأخرى بتبرعات السيد قدري يوسف الصالح. وقد حوت الأخيرة قبر النبي جاد وعلتها قبة خضراء اللون وكتب على المدخل:  قام ببناء هذا المقام الشريف العبد الفقير قدري يوسف الصالح وذلك سنة  1387 هجري”

سادسا: مقام حزير بن يعقوب

حزير بن يعقوب عليه السلام هو أحد الأسباط أبناء النبي يعقوب. وقد يكون اسمه عزير أو أشير وحرف فيما بعد وفقا للهجة أهل السلط. يقع المقام في منطقة تؤرخ أولى الاستيطانات البشرية فيها للعصر الحديدي وفيها نبع ماء غزير وعذي يحمل اسم حزير.

يقع المقام في بداية طريق وادي شعيب باتجاه الأغوار على بعد 4 كلم من مدينة السلط. والمقام عبارة عن مغارة تحوي قبرا وقد بني بجانبها مسجد حديث.

منطقة حزير التي تحوي المغارة وعين حزير

الشيخ الوليّ نعمة الصلتي

 في مقبرة العيزرية في السلط، يرقد الشيخ الصالح نعمة الصلتي (نسبة إلى الصلت الاسم القديم للسلط). ذكر الولي في كتاب “الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة للنجم الغزي” فقال: نعمة الصلتي، الشيخ الصالح. توفي بالصلت سنة ست وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر من السنة المذكورة. قال ابن طولون: وكثر الثناء عليه.[2]

قبر الولي نعمة الصلتي في مقبرة العيزرية محاطا بسور قصير

وهو حاضر في الوجدان الصوفي ومكرم لدى أصحاب الطريقة الكيلانية[3] التي انتشرت في السلط منذ القرن الثامن عشر تقريبا، فيذكر أن الشيخ الصوفي الفاضل الراحل – مفتي السلط – محمد أمين زيد الكيلاني كان يداوم على زيارة قبر الولي الصلتي وقراءة الفاتحة له، وللقبر حوطة وشجرتان قطعت إحداهما.

وبحسب الرواية الشفوية الموثقة فقد اعتاد المقبلين على الزواج من أهالي السلط في القرون التي تلت وفاة الشيخ نعمة الصلتي وحتى نهايات القرن التاسع عشر أن يزوروا ضريحه الشريف وأن يقرؤوا الفاتحة عند ضريحه على نية التوفيق، كما اعتاد من له غاية أو مصلحة ما أو يمر بأزمة أو ضيق حال أن يفعل ذات الأمر وتحديدا أيام الجمعة.

حوط مقدسة وقبور

شاع الاعتقاد بقدرة الصالحين من الفقراء على الشفاء فيذكر ارتياد عشائر ماحص لقبور “سمور وطحيمر وعبد العزيز وأبو خالد وعبد الرحمن” وكانت عشائر ماحص كل شهر أيار يذبح كل بيت ذبيحة لهؤلاء الأولياء “الافقره” وانتشر أيضا اعتقاد قدرة هؤلاء الشيوخ على الشفاء كما أسلفنا، فيذكر أن شيخا كان يطبب الناس بالقرآن حيث يكتب القرآن مقلوبا ويعلق الورقة التي كتب عليها على رقبة المريض وكان يوزع خرقا مصلى عليها تبلل بالماء وتدار على رأس المريض فيشفى. (الدمشقي: 2008)

ومن القبور الأخرى التي اعتقد بقدسيتها قبر ذياب الذي يقع غرب مدينة ماحص، وقيل أنه قبر لنبي أو ولي وكان مشتهرا ببركته وقدرته على الشفاء ففي رواية شفوية موثقة أن الناس كانوا إذا مرضوا أخذوا من تراب قبره ووضعوا على موضع المرض فشفوا.

 وهنالك أيضا قبر الولي فضل وما حوله من حوطة التي اشتهرت بحوطة الولي فضل. كما تنتشر المغارات التي يعتقد ببركتها أيضا وهي بحسب ما تم توثيقه كثيرة وصعبة الحصر ومنها مغارة أم عامود ومغارة الشياب .(الدمشقي: 2008)

أما الأشجار فنالت نصيبا من التقديس تبعا لطبيعة البلقاء الجيولوجية الخصبة وكما أسلفنا في أبحاثنا السابقة من سلسلة “يا خظر الأخظر” فإن الحاجة الروحية للإنسان الأردني دفعته للاعتقاد بقدسية الأشجار، وكان هذا المعتقد منتشرا إلى حد كبير في عجلون وإربد والبلقاء وصولا إلى الجنوب.

في رواية شفوية نقلت عن أحد معمري ماحص أن في الوادي الأزرق شجرة مقدسة تدعى شجرة مفلح وتحتها قبر ولها حوطة (المكان المقدس المحيط بها) وكان الناس يقصدونها للشفاء، فيحضرون الأغنام ويطوفون بها حول الشجرة ويذبحون شاة ويعلقونها بالشجرة ويذهبون عنها ، فتشفى الأغنام ولا تموت (الدمشقي: 2008)

معتقدات دينية متعددة

لا يمكننا أن نغفل عن الصبغة المجتمعية التي أكساها أبناء العشائر في البلقاء للشعائر والمعتقدات الدينية الإسلامية. فمثلا اعتاد الأهالي على الاحتفال بالمولد النبوي، وكانوا ينشدون أناشيدا خاصة بالمولد النبوي فيقولون:

صلوا عليه وسلموا تسليما….  الله زاد محمد تعظيما

بشراك يا حليمة…. يا درة اليتيمة

يا مرضعة محمد …. الله يشفعه فينا

يا آمنة بشراك …….. سبحان من أعطاك

بحملك محمد…. رب السما هنّاكِ

صلاتي وسلامي  على بدر التمام…. وأبو القاسم محمد على منا السلامِ[4]

وكانوا يرددون أيضا:

مرحبا يا نور عيني….. مرحبا جد الحسين

يا مليح المقلتين…. فمتى تبدد لعيني

لاح في شهر ربيع… نور خير الثقلين

فاز من صلى عليه…. برضا والجنتين

سلام عليم من باب السلام…. السلام عليك يا خير الأنام [5]

وتزغرد النساء. ومن المثير أنه لم يكن الاحتفال يتم في يوم معين إنما وفاء لنذر أو رغبة في بركة أو احتفالا في ختان المولود.

 ومن المعتقدات الأخرى في الأضاحي  في عيد الأضحى أن يضحى كل بيت أضحية وكانوا يضحون بأضحية واحدة لسبع سنوات والبقرة تسد عن سبع سنوات في ليلة العيد كانوا ينثرون الكرسنة في البيت لطرد الشياطين. وعن العمر والحج فلم يكن لديهم عمرة إنما حج على ناقة أو جمل وكان يستغرق الوصول لمكة المكرمة ستة أشهر.

ومن معتقداتهم الدينية المرتبطة بالزواج أنه الزواج في المدة ما بين العيدين (الفطر والأضحى) غير مباركة فالزوجين الذين تزوجا فيها لا ينجبان أبدا ومن تزوج في تلك المدة يلزم عليه تطليق امرأته. أما الصيام، فكانوا لا يفطرون لغروب الشمس إنما عند رؤية النجم بعد الغروب. (الدمشقي: 2008)

وانتشرت أيضا “العقدة” وهي أن يربط المرء أو يعقد على حاجته أو دوابه ليحميها من الشر وكانت تتلى بعض الأدعية الخاصة عند العقد مثل: ” بسم الله يا نور، وبالله يا صور وآية الكرسي تدور من مدينة النبي إلى مدينة الرسول لا يفتحها فتاح ولا تهزها رياح ومن المساء إلى الصباح. أو كانوا يقولون:  (قتا) الله يا علي والشيخ رباني طويل الباع قريب الميادين محمد بالبلد وبطنه بالذهب يقص الراس قبل الذنب. (الدمشقي: 2008)[6]

الخاتمة

   على أرض البلقاء الخضراء، تقبع أضرحة ومقامات مباركة ويختلط صوت الأردنيين ويتعالى، مسيحيين ومسلمين، من طالبي الرحمة والشفاء والبركة. اتخذت عشائر البلقاء من المقامات دورا للأمان، معززين بذلك أمن مدنهم عبر خلق جو من التسامح والانسجام والألفة. وقد خلقت هذه المعتقدات والممارسات الدينية عامل ضبط مجتمعي يجعل من مجتمع البلقاء مجتمعا متفردا لا مثيل له.

المراجع:

  • الصويركي، محمد (2017) الأضرحة والمقامات وأماكن العبادة في السلط وما حولها، منشورات عمان عاصمة الثقافة الإسلامية، عمان: الأردن
  • الدمشقي، حسان (2008) مدينة ماحص وتاريخها الديني، دار الإسراء للنشر والتوزيع، عمان: الأردن
  • الطراونة، محمد (1992) تاريخ منطقة البلقاء ومعان والكرك، منشورات وزارة الثقافة، عمان: الأردن
  • الكفرين والرامة: المُقدّس الشعبي (1-2) – صحيفة الرأي
  • حبيب الزيودي … سنديانة العالوك (1–3) * محمود الزيودي
  • العويدي، أحمد (1979) المناسبات البدوية، سلسلة من هم البدو 3 ، ط 1.
  • جوانب مضيئة من شخصية الشيخ محمد أمين الكيلاني، بقلم الدكتور هاني العمد، جريدة الراي، 2013
  • الخريسات، محمد (1997)، دراسات في تاريخ مدينة السلط، مطبوعات وزارة الثقافة، عمان: الأردن
  • الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة للنجم الغزي، الجزء الأول، الصفحة 347
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: يا خظر الأخظر فصول في التصوف الأردني 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: الممارسات الدينية جنوب الأردن 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: مقام النبي شعيب عليه السلام
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: مقام النبي يوشع عليه السلام 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: إرث الاستقلال الحقبة الإسلامية المتوسطة 

[1] مدينة السلط وجوارها (1846-1921) ص 354

[2] الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة للنجم الغزي، الجزء الأول، الصفحة 347

[3] نسبة إلى الشيخ المتصوف عبد القادر الكيلاني أو الجيلاني

[4] الموروث الديني لمدينة ماحص 2008 ص407

[5] الموروث الديني لمدينة ماحص 2008 ص412

[6] المصدر السابق نفسه.

يا خظر الاخظر.. فصول في التصوف الأردني- الجزء الثالث

مقدمة

من أرض البلقاء الخصبة الخضراء تنطلق الرجاءات والأدعية والابتهالات الصادقة من قلوب الأردنيين. الممارسات الدينية والمعتقدات الصوفية المختلفة لم تكن يوما في هذه البقعة المباركة من العالم سببا في التفرقة والشقاق بين أفراد المجتمع الأردني الواحد. في البلقاء، حوّل الأردنيون الرمز الديني والحاجة الروحية إلى رابط مجتمعي قوي العُرى لا تتسلل إليه محاولات ودعاوى التطرف والعصبية. عبر سلسلة “يا خظر الأخظر” تتبعنا في إرث الأردن طبيعة الطقوس والمعتقدات الدينية التي غلفت بطبيعة صوفية وسحرية.  في الجزء الثاني من هذه السلسلة نستكمل غوصنا في نسيج مجتمع البلقاء الثري، آخذين الخضر عليه السلام والقديس جاورجيوس نموذجا لهذه الممارسات الدينية والمعتقدات، سنناقش في هذا البحث هاتين الشخصيتين الجوهريتين في الوجدان الأردني البلقاوي خصوصا وما ارتبط بهما من طقوس ومعتقدات صوفية إسلامية ومسيحية.

تعني  البلقاء لغةً الأرض المستوية أو اختلاط الأبيض بالأسود أما إداريا فقد كانت قديما تشمل العقبة (أيلة) جنوبا وصولا إلى سهول حوران الأردنية شمالا. ومن البلقاء انطلقت المملكة الأردنية الغسانية وعلى أرضها امتدت المملكة الأردنية النبطية وعددا واسعا من الحضارات الأردنية الأخرى. كانت البلقاء تشمل عمان ومادبا والسلط، والزرقاء، وفي العصر الحديث فصلت محافظات عمان ومادبا والزرقاء  لتشمل البلقاء الآن ألوية خمسة هي ( لواء قصبة السلط، لواء عين الباشا، لواء ماحص والفحيص، لواء الشونة الجنوبية، لواء دير علا) والبلقاء أرض خصبة كثيرة الأشجار وغنية بالآبار والمياه الجوفية كما أن طقسها معتدل ساعد السكان على التجارة والاصطياف على جبالها العالية (الطراونة: 1992)

خريطة البلقاء – موقع وزارة الخارجية الأردنية

الخضر عليه السلام

يظهر الخضر (ع) كشخصية محورية في القرآن الكريم ارتبطت بسيدنا النبي موسى عليه السلام، وقد جاءت قصتهما معا في سورة الكهف، الآية 65 ( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) والخضر (ع) رجل حكيم وقوي  حاز على علم كبير.

تستنجد العجائز الأردنيات ويقلن “يا خظر الأخظر”، الولي الذي تنقلب الأرض من تحته خضراء بعدما كانت هشيما إذا جلس عليها أو صلى فيها. أما اسمه بحسب الروايات التوراتية فهو “بليا بن ملكان بن فالغ”

تتوزع مقامات الخضر في المشرق في حيفا والكرخ وبيروت، أما في الأردن فهناك أكثر من ثلاثة مقامات للخضر عليه السلام. فهو شخصية مشتهرة لدى الطوائف الإسلامية والمسيحية والطُرق الصوفية باختلافها وترتبط بالشفاء والشفاعة وقضاء الحاجات، وكانت مقامات الخضر (ع)  تُبنى بحسب “الظهورات” فمن كان يحلم أو يرى الخضر كان يبني مقاما تكريما له كما كانت المقامات تبنى بحسب الروايات الشفوية والشعبية والدينية حول مروره أو إقامته في تلك المواضع.

القديس جاورجيوس اللابس الظفر

أيقونة القديس جاورجيوس عظيم الشهداء

القديس جاورجيوس عظيم الشهداء، كان شفيعا لدى الأردنيين الغساسنة  لمدة تزيد عن أربعة قرون وقد بنا له الأردنيون الغساسنة عدة كنائس ككنيسة أم الرصاص الأثرية  وكنيسة نتل. واستمر مسيحيو الأردن بتعظيمه حتى يومنا هذا. قصة مار جاورجيوس أو جرجس أو جريس قصة رائعة تتمثل في الصمود أمام الاضطهاد الديني على يد الإمبراطور الروماني ديوكلتيانس. وبحسب الروايات المسيحية، بدأ الإمبراطور في القرن الثالث باضطهاد المسيحيين فيعلن الأمير والقائد جاورجيوس رفضه لهذه الممارسات بحق المسيحيين ويقف مدافعا عن إيمانه وعقيدته وبعدها أعطى الإمبراطور أوامره بتعذيبه عذابا قاسيا ليجعله يرتد عن دينه وهنا تظهر معجزات ربانية كثيرة تنصر جاورجيوس على الإمبراطور.

أشهر الصور للقديس جاورجيوس وهو يقتل التنين وينقذ الأميرة. يرمز التنين للشيطان والاميرة للكنيسة.

لمار جاورجيوس ألقاب عديدة كاللابس الظفر أو المظفر لانتصاراته في الحروب فقد كان قائدا عسكريا لكتيبة من ألف جندي. كما سمي العظيم بين الشهداء لرحلة عذابه الطويلة ونصرة الإله له فيها. أما أوجه التقاطع بينه وبين الخضر عليه السلام فتأتي من تشابه الرداء الأخضر الذي يلبسه كل من القديس جاورجيوس والخضر عليه السلام وقدرتهما على الخلود في المرويات الشعبية.

الرايات الخضر، اللون الاخضر وجه التقاطع بين شخصيتي الخضر عليه السلام وجاورجيوس وفي مقام الخضر في ماحص يعقد الناس الراية لتلبية أمانيهم

وسنستعرض فيما يلي مقامات الخضر والقديس جاورجيوس التي تتوزع في البلقاء.

كنيسة القديس جاورجيوس ( مقام  الخضر ) في السلط

مقام الخضر من الداخل حيث يشعل الأهالي الشموع ويطلبون البركات
لافتة كنيسة الخضر في السلط

يقع مقام الخضر أو كنيسة القديس جاورجيوس الخضر في حي الخضر، في مدينة السلط، وقد سمّي الحي الذي يقع على أحد سفوح قلعة السلط نسبة للمقام، وهو مقام يزوره المسلمون والمسيحيون على حد سواء ولهذا يعد هذا الموقع الديني أحد أبرز الأمثلة على الوئام في مجتمع السلط والمجتمع الأردني بشكل عام.

الطريق لمقام الخضر في السلط
المغارة التي يعتقد أنها تقطر زيتا

يعود تاريخ بناء كنيسة الخضر للقرن السابع عشر (1682 ميلادي) ولا تزال قصة بناء كنيسة الخضر أو مقام الخضر في السلط تتردد في أذهان أهالي السلط. فيروى أن راعيا بسيطا من عشيرة حدّاد السلطية ومن طائفة الروم الأرثوذكس كان يرعى أغنامه في الأحراش خارج قلعة السلط وفي المساء بدأ يجمع الحطب ولكنه لما عاد للقلعة وجدها مغلقة ولن تفتح حتى صباح اليوم التالي فآوى لمغارة  قريبة من القلعة وظهر له القديس جاورجيوس بردائه الأخضر حاملا رمحه وممتطيا خيله وقال له:” لا تخف أنا معك اذهب في الصباح وقل للرعية أن يبنوا لي على هذه المغارة كنيسة على اسمي لأن هذا المكان مقدس وأعطيك علامة كي يصدقوك، غدا تذهب وحدك وتترك أغنامك ترعى وحدها فلا تقترب منها الوحوش” وفعل الراعي ما قال له القديس مار جرجس – جاورجيوس – وصدّقه الناس لما رأوا الذئاب لا تقترب من أغنامه (الدمشقي: 2008) وبنيت بعدها كنيسة ( مقام ) الخضر .

خطوة الخضر محفوظة في صندوق زجاجي في كنيسة الخضر

مقام  الخضر في ماحص

مقام الخضر في ماحص

يقع المقام غرب بلدة ماحص بمسافة 5 كلم في منطقة الميدان المطلة على وادي شعيب. ولا تزال قصة بناء المقام بشكله الحالي تروى من قبل عشائر منطقة ماحص حيث يذكر أن الأب ميخائيل صويص قدم إلى ماحص لشراء حاجاته من إحدى عشائر ماحص الذين يسكنون في السهل الذي يقع في الجنوب الشرقي للمقام فاستضافوه ليلة ونام تحت شجرة هي الآن بجانب المقام وأثناء حلمه ظهر له القديس مار جاورجيوس  وقال له:” يا خادم كنيسة الرب، أطلب منك أن تقيم لي مزارا في هذا الموقع الذي أقف فيه وأن تقيم فيه كل عام قداسا إلهيا” فاستيقظ خائفا وعاد للفحيص وفي اليوم التالي اصطحب معه (مسعاف السالم) وكلفه ببناء المقام. (الصويركي: 2017)

قبة المقام والراية الخضراء

المقام غرفة صغيرة 4×4 م ولها قبة تعلوها راية خضراء وباب حديدي يتجه نحو الشمال. وللغرفة قبة اسمنتية صغيرة نسبيا يخرج من وسطها عمود مربع بطول خمسة وسبعين سم وارتفاع نصف متر. يحوي المقام قبرا عليه بعض قطع الأقمشة الخضراء. ولم يكن المقام بيتا لأحد، بل مزارا للجميع، وكان يحوي على  مسرح للخيول فيه قرابة خمسين فرسا يتبارز الأهالي فيهن. وكان يعلو قبته هلالا ونجمة خماسية ويعود بناء المقام في بداياته بشكله القديم – قبل قدوم الأب ميخائيل صويص  بينما بُني المقام لاعتقاد أهالي ماحص  بمرور الخضر عليه السلام بالمنطقة وجلوسه فيها للعبادة، حيث استراح بجانب “عين الخضرة”  فبني له هذا المقام تكريما وليكون مصلى. (الدمشقي: 2008)

المقام من الداخل

قسمت دائرة الأراضي المقام ثلاثة أرباع لعشائر ماحص وربع لعشائر الفحيص. وبني السور الذي يحيط في المقام ودفعت بلدية ماحص نصف التكاليف وبلدية الفحيص النصف الآخر. واليوم،  يفتح المقام أبوابه للمسلمين والمسيحيين على حد سواء  فعندما يدخل الزائر المقام سيجد الرموز الدينية المسيحية على يمينه والرموز الدينية الإسلامية على شماله، وهو مسجل كمقام ديني إسلامي- مسيحي مشترك.

مقام الخضر في الرامة

تقع بلدة الرامة في الغور الأردني الأوسط وتتبع إداريا إلى لواء الشونة الجنوبية في محافظة البلقاء. ومقام الخضر في الرامة هو قبر محاط بقبور أخرى  في مكان يتميز بالتجمع السكاني في منطقة المزار التي  قيل أنها سميت نسبة لمزار ضريح الخضر وارتبط هذا الضريح بالعديد من المعتقدات الشعبية الدينية التي سنستعرضها في فصل الممارسات والمعتقدات الدينية من هذا البحث.

كنيسة جاورجيوس الخضر في الفحيص

تأسست هذه الكنيسة عام 1878 ميلادي وهي مبنية بالكامل من الحجارة غير المشذبة والطين وتقع في بلدة الفحيص . بالقرب منها كنيسة أخرى تأسست عام 1909 وتحمل الكنيستان اسم القديس جاورجيوس  الخضر وهما تابعتان لطائفة الروم الأرثوذكس (الصويركي: 2017)

المعتقدات الدينية المرتبطة بالخضر ( ع )

تكمن جوهرية شخصية الخضر في الوجدان الأردني كونه ممثلٌ لفكرة قهر الموت. فالخضر شرب من ماء الحياة وصار خالدا ولا يزال بحسب المرويات الشعبية يعيش في الدنيا معنا. ويمكننا أن نستنتج ارتباط قصة شربه من ماء الحياة بالبئر التي كانت في المقام، فأيام الجدب كان أهالي ماحص “يقلبون العبوات من المسجد القديم، ويركبون الدواب ومعهم البقر ويذهبون يطوفون حول المقام سبع أشواط ويقولون اللهم بارك في دوابنا وغنمنا وارزقنا الغيث بواسطة أبو العباس الخضر.

 وقد ارتبط المقام ارتباطا وثيقا بممارسات الشفاء من الأمراض وكانوا إن مات عندهم ولد أو مرض قالوا أن هذا بسبب عدم ذبحهم لشاة عند المقام.

ربط الخرق الخضراء المصلى عليها على فروع شجرات الخضر طلبا لاستجابة الدعاء

 كما يتصل الخضر ( ع ) باللون الأخضر الذي يرمز دوما للخصب والحياة، والذي بحسب الكاتب مفلح العدوان، قد يكون ذا ارتباط بعشتروت (تقابلها اللات) وآشور (يقابله ذو الشرى أو بعل – هدد) الذين عُبدا في الأردن قبل ظهور الإسلام، ويدلل على هذا وقوع أضرحة الخضر في أماكن خصبة جدا وبشكل طبيعي للغاية.

وبحسب شهادة شفوية وثّقها الكاتب مفلح العدوان عن أهالي منطقة الرامة يتبين لنا أن الخضر( ع ) بحسب معتقدهم مبارك وهو يحمي من يستجير به: “يحمي اللي يستجير بيه، وكانوا يدفنون السمن والجميد عنده، وما حدا يسرقها أو ياخذها وكان التجار يرمو مفاتيح حواصلهم (دكاكينهم) عنده وما يخافوا عليها وما حدا يقرب منها لأن الخضر (تستور – دستور- من خاطرو) كان يرعاها ببركاته”. يشابه هذا المعتقد معتقدات أخرى مرتبطة بمقامات الأولياء الصالحين في عجلون وإربد.

كما كانت النساء ممن تأخرن في الزواج يزرن المقام وينشدن:

” يا خضر جيتك زايرة…. وأنا بأموري حايرة

كل البنات تزوجن.. وأنا ظليت بايرة

يالله يا النبي جادور … كل الإسلام يزور

يالله يا النبي عجعج…. خلي القناة تدعج

يالله يا خليل الله….. سلم على رسول الله

طتح المطر بيدو …. يشفق على عبيده

يالله الغيث يا ربي… خبز مقرقط في عبي

القطة الشرقية ….. على طوير الحربية

يالله الغيث يا دايم….. بل الزريع النايم

بل زريع أبو محمد….. خلو للكرم دايم

دق الكوز بالجرة….. رخص قمحه حمد الله

دق الكوز بالبرميل….يرخص قمحك بالجغبير”

ومن طقوس نساء أهل البلقاء تحنية الرأس  وطلاء جدران المقام بالحنا عند المقام وزراعة العدس حوله وعند الزواج يزف العريس أيضا للمقام طلبا للتوفيق والبركة والسعادة. (الدمشقي: 2008)

والمثير بأن الأردنيين لا زالوا يستعيدون إرثهم المتعلق بالخضر عبر الأغاني التي تؤرخ لما كانت نساء الأردن تغني عند مقامه. وقد غنت سميرة توفيق – الفنانة اللبنانية التي اشتهرت باللون الغنائي الأردني – أغنية “يا خظر الأخظر” والتي تقول فيها :

“يا خضر الأخضر يا النبي داوود

تحرس هالأسمر أبو عيون السود

أسمر يا زينو والرّب يصونو

وبرمش عيونو ياما صاد أسود

الوجه مدوّر سبحن مين صوّر

والخدّ الأحمر بستان من ورود

ماشي ع مهلو ومروّح لاهلو

عيني بتندهلو وقليبي ملهود

فات من قبالي واشغل لي بالي

ريتك يا الغالي تتعطّف وتجود”

كما وردت ذات الأغنية بتنسيق مختلف المطلع عن أغنية سميرة توفيق

“يا خضر الاخضر يا النبي داوود

تحمي هالشباب من ضرب البارود”

عيد الخضر أو عيد مار جرجس

تحتفل عشائر  الفحيص وماحص بعيد الخضر أو عيد مار جرجس  في السادس من أيار وفقا للحساب الشرقي المسيحي. ويؤرخ الأديب جريس سماوي لهذا الاحتفال المبهج الذي يتشارك فيه مسيحيو الفحيص ومسلمو ماحص الأردنيين الفرحة: “عيد الخضر مار جريس أي القديس جورج في الحساب الشرقي. حيث يبادر أهالي الفحيص في هذا اليوم بالذهاب جماعات إلى مقام الخضر مار جريس في بلدة ماحص المجاورة ويقوم كهنة الكنيسة في الفحيص بإحياء قداس احتفالي مسيحي في بلدة ماحص الجارة العزيزة المسلمة حيث يستقبلهم أبناء ماحص بالحفاوة التي اعتادوا عليها دائما ويشاركوهم القداس بل يتقاسم الجميع الشرائط الخضراء التي يقدسها الكاهن أثناء الصلاة ويضعونها في سياراتهم وبيوتاتهم”.

من احتفالات أهل ماحص والفحيص في عيد مار جرجس

ويصف لنا احتفال الأطفال ومشاركة أهالي ماحص لهم بالفرحة والطقوس الدينية: ” كنا ونحن أطفال نبتهج بالمشاركة بهذا العيد ونذهب مشيا على الأقدام نمارس كل الشقاوات ومنها الزحف إلى حقول العدس والحمص والبقوليات التي كان يزرعها أبناء ماحص الحبيبة ونقتلع منها ما نشاء وندوس بعضها بلا مبالاة الأطفال ويرانا أهل المزروعات فلا ينهروننا أو يبعدونا بل يتلقونا بالابتسامة المرحبة المحبة قائلين: هذا يوم أهل الفحيص (صبيان الحصان) فهو لهم يفعلون ما يشاؤون. فليبارك الله سبحانه أهل ماحص الأحباء علينا وجيران الزمن القديم والحاضر والمستقبل. كان الأهل من البلدتين يتقاسمون معا الاحتفال التلقائي البسيط وكان الفرح يغمر المكان والأجواء. المرضى والحزناء من البلدتين يقبلون على المكان بنذوراتهم وخرافهم وتقدماتهم. النساء يبتن الليل في باحة القديس العظيم قاتل التنين من البلدتين”

ومن الطقوس المسيحية عند زيارة مقام الخضر في ماحص في عيد الخضر هو إتيان المقام حفاة  والطواف حوله وتعميد الأطفال  تحت شجرة الخضر وقص شعورهم مع الصلاة لهم بالشفاء وإطالة العمر  كما يشعلون الشموع ويذبحون الأغنام ومن ثم يقصدون مقام الخضر في السلط (الدمشقي: 2008) أما الشباب من أهل ماحص فكانوا يبيعون المأكولات والمرطبات ويدخلون المقام معهم.

 أقسم عرار في شعره بجمال ماحص والفحيص فقال ” اني إلى تلك الربوع وحسنها المتوفر… قسما بماحص والفحيص وبرد الحمر” فلا بد أن شاعر الأردن، عرار، كان يعرف ويحس مقدار الجمال والمحبة التي تهبها هاتين البلدتين التوأمين للأردن.

الاستغاثة لجلب المطر

ولعشائر ماحص ممارسات دينية أخرى تتعلق بهذا المقام فقد ارتبط الخضر عليه السلام بالغيث فكانت النساء تتوجه إليه وقت القحط ومن هنا جاءت تسميتهن “الغياثات”  وكن يقلن:

“مفتاح المطر بايدو…يشفق على عبيدو

يالله يالغيث  يا دايم.. بل الزريع للنايم

بل زريع أبو محمد.. خلوا للكرم دايم”

وكانوا في حال الشتاء القوي يذهبون ويصلون في المقام حتى يخفف الله عنهم المطر ، وكانوا يبكون كثيرا هناك ومن القصص التي يتداولها أهالي البلقاء بخصوص استسقاء الخضر بأن عشائر ماحص ووادي السير والسلط فزعوا يطلبون الغيث من مقامات الأولياء والأنبياء ولكن الجدب استمر ولما وصلوا مقام الخضر  أخذ فلان بقرة وقلب عباءته ونادى أهل ماحص ليستسقوا معه عند الخضر، وخرج إمام مسجد ماحص الشيخ فلان مع رجل آخر وطافوا بالبقرة حول المقام وذبحوها وجاءت السحب ونزل المطر (الدمشقي: 2008) ومن القصص الأخرى المشابهة شراء الشيخ فلان ثورا بست ليرات ليذبحوه عند الخضر فطافوا به ثلاثة أشواط ثم ذبحوه ولم يستطيعوا تقسيمه بينهم لشدة المطر الذي ظل يهطل ثمانية أيام حتى رحل الناس بخيمهم إلى الغور.

وربما يعود هذا الربط بين المطر والخضر عليه السلام ، كما أسلفنا، نتيجة لوجود بئر الماء الغزير في (حوطة) المقام إضافة لكون المنطقة التي تحيطه منطقة خضراء وخصبة. كما كانت العناية مستمرة بالمقام من إشعال البخور والشموع وغيرها.

شجرات مباركة

لم يكتف الإنسان الأردني بممارسة طقوسه الدينية الثرية بشكل منعزل عن بيئة المكان الذي يعيش فيه. فقد تم إشراك الطبيعة منذ الأزل في الطقس والمعتقد الديني. فمقامات الخضر عليه السلام وجاورجيوس كما أسلفنا قد بنيت في أماكن تتسم بالخصوبة العالية طبيعيا.

كانت سمة خصوبة الأرض شيئا جوهريا في حياة أهالي البلقاء الأردنيين فهم فلاحون وتجار والأرض تعني كل شيء لهم ومن هنا افتتن الإنسان الأردني منذ القدم بما تهبه الطبيعة من خيرات. عند دراسة الممارسات الدينية على طول المملكة سنرى شيوع تقديس الأشجار.

واحدة من الأشجار المعمرة في محيط مقام الخضر في ماحص وهي شجرة الملول
واحدة من شجرات الخضر المعمرة
فروع السنديانة الوارفة

ففي شمال المملكة خصوصا محافظتي عجلون وإربد سلسلة من الطقوس الروحانية التي شكلت أمنا وحصنا ضد خيبات الرجاء والآلام والتي ارتبطت بالأشجار المقدسة فنذكر مثلا شجرة البركات والبصوص في كفر الما بأهمية مشابهة، إضافة لشجرة أبو مرسة في زوبيا وشجرة أبو شوشة والمستريحي وعامود الست في جنين الصفا وشجرة الفقير في كفر عوان. وفي عنبة كذلك، ثلاث شجراء بأسماء ثلاث أولياء: البلخي والفقير والعجمي. والفقير خصيصا – إضافة لكوها لقب خاص بالأولياء – عائلة اشتهرت بصوفيتها وبركة شيوخها، فيذكر الكاتب والمؤرخ محمود الزيودي في إحدى مقالاته عن الشاعر الأردني حبيب الزيودي: “أحدهم جاء بزجاجة دواء صغيرة ملأها بزيت الزيتون وطلب إلى الفقير أن يباركها … تلا عليها اسم الله وتمتم بكلام لم نفهمه نحن الصغار وأعادها للرجل الذي أمضى زمنا ً يدهن بعض أجزاء جسمه من زيت الفقير .” وفي الجنوب شاع تقديس شجرة تسمى بطمة المنية أي البطمة التي تقتل من يتجرأ ويأكل من ثمارها أو يكسر من فروعها. وتجمع هذه الأشجار وهؤلاء الأولياء من المتصوفة اعتقاد الأهالي بقدرتهم على الشفاء والمباركة  في زمن الاحتلال العثماني الذي مارس فيه العثمانيون صنوف التجهيل والإفقار في الأردن. من هنا انطلقت الحاجة الروحية الفطرية بالإنسان لابتداع هذه المعتقدات واستغلالها كما أسلفنا في تعزيز الوئام والانسجام الأهلي والضبط المجتمعي.

شجرة بطمة المنية التي يعتقد بأن من يأكل منها يموت

أما أشهر الأشجار المباركة التي تحظى باهتمام وعناية أهالي البلقاء فهي أشجار مقام الخضر في ماحص. وتسمى  “أشجار الخظر الأخظر” وهي أشجار معمرة وقد كتب الدكتور احمد عويدي العبادي:” يقع المقام على حوالي دونم وربع وفيه ثلاث شجرات، اثنتان منها من البلوط يزيد عمرها عن الألف عام، وهنالك شجرة هي أصغر حجما وعمرا وهي من السنديان” ويذكر وجود أشجار أخرى حول المقام تسمى جميعها أشجار الخضر الأخضر وعليها تربط الخرق الخضراء التي يصلى عليها أملا في استجابة الدعاء.

إطلالة أخرى على شجرات الخضر

وبشكل عام، دوما ما تكون المساحة المحيطة بالمقام مكانا مقدسا ويسميها الأردنيون “الحوطة” أي المكان المحيط بالمقام ويظهر هذا في مقامات البلقاء وسائر المقامات الدينية في المملكة.

الخضر ومار جاورجيوس والوئام الإسلامي المسيحي

كنيسة الراعي الصالح ومسجد السلط الكبير في السلط نموذج أردني للوئام

يتقابل الخضر عليه السلام مع القديس جاوروجيوس في عدد من الصفات المحورية. فاللون الأخضر والحكمة والقوة والنصر الإلهي أمور تشترك الشخصيتان فيها. إضافة إلى فكرة قهرهما للموت وشرب ماء الحياة والخلود. لهذا صار من الصعب التفريق بين الشخصيتين وقد جمعتا الأردنيين مسلمين ومسيحيين في ألفة.

وقد كتب الدكتور أحمد عويدي العبادي:” الخضر شخصية وليّ يرى الأردنيون أنه شرب من ماء الحياة ولم يمت وأنه موجود في العالم حي يرزق، لا نراه، وأنه مستجاب الدعاء والطلب عند الله سبحانه وتعالى وأنه عاصر الأنبياء منذ زمن سيدنا موسى ويبقى إلى يوم الدين. من هنا أقاموا له الأضرحة ومن أهمها ضريحه إلى الجنوب من ماحص من أراضي قبيلة عباد في محافظة البلقاء بوسط الأردن، هو شخصية مقدسة لدى المسلمين والمسيحيين وهناك اتفاق ووئام بين أتباع الدينين من العبابيد – أبناء عبّاد – المسلمين ومن حولهم في ماحص وبين الفحيصية المسيحيين ومن حولهم بحيث لا يطغى أحد على آخر ولا يعترضه، وهو مسجل في دائرة الأراضي باسم الطائفتين المسيحية والإسلامية”.

نلحظ أن مقامات الخضر وجاورجيوس في البلقاء مفتوحة لكلا أبناء المسلمين والمسيحيين فمقام الخضر في السلط وهو عبارة عن كنيسة مفتوحة للجميع على حد سواء كذلك الأمر في المقامات الأخرى للخضر والكنائس التي تحمل اسمه. إن هذا الانسجام الأهلي جعلنا نرى الكنيسة بجوار المسجد والمقام فاتحا أبوابه لكل طالبي الرحمة والشفاعة.

هنا نرى كيف تحوّل الرمز الديني إلى عامل ألفة وتناغم مجتمعي وكيف تم تجاوز الاختلاف الطائفي إلى عملية خلق رمز مجتمعي وسنوضح عملية التحول هذه باستعراض أهم الطقوس الدينية التي ارتبطت بمقامات الخضر  والتي كان يمارسها مسلمو ومسيحو البلقاء على حد سواء.

تم تأريخ هذا الوئام الأردني في ذاكرة الرحالة والمستشرقين فكتبت الكاتبة الإنجليزية ستيوارت ايريسكين في زيارتها للسلط : ” وهذه المئذنة – مئذنة مسجد السلط الكبير – قريبة جدا من المستشفى ( المستشفى الإنجليزي الذي يشتمل على كنيسة الراعي الصالح)  حتى أن أحد المؤذنين الذي كان في الوقت نفسه خبازا كان يخاطب رئيسة الممرضات  بعد أن ينتهي من الأذان قائلا: يا أخت كم رغيفا من الخبز تريدين للمستشفى هذا اليوم؟

 الخاتمة

ومن قال أن أتباع ديانات مختلفة في العالم لا يستطيعون أن يعيشوا في سلام وحسن جوار إذا حاولوا ذلك؟” تقول الكاتبة الإنجليزية إيرسكين. وهنا، على أرض الأردن المباركة، يصيغ الإنسان الأردني، منذ القدم، عاداته و طقوسه الدينية وعاداته وتقاليده، في جو الألفة مع الغير والانفتاح على الآخر والقبول الذي يساهم دوما في دفع عجلة الإنسانية إلى الأمام.

المراجع

  • الصويركي، محمد (2017) الأضرحة والمقامات وأماكن العبادة في السلط وما حولها، منشورات عمان عاصمة الثقافة الإسلامية، عمان: الأردن
  • الدمشقي، حسان (2008) مدينة ماحص وتاريخها الديني، دار الإسراء للنشر والتوزيع، عمان: الأردن
  • الطراونة، محمد (1992) تاريخ منطقة البلقاء ومعان والكرك، منشورات وزارة الثقافة، عمان: الأردن
  • القديس جاورجيوس اللابس الظفر، موقع كنيسة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس
  • الكفرين والرامة: المُقدّس الشعبي (1-2) – صحيفة الرأي
  • حبيب الزيودي … سنديانة العالوك (1–3) * محمود الزيودي
  • العويدي، أحمد (1979) المناسبات البدوية، سلسلة من هم البدو 3 ، ط 1.
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: يا خظر الأخظر فصول في التصوف الأردني 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: الممارسات الدينية جنوب الأردن 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: مقام النبي شعيب عليه السلام
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: مقام النبي يوشع عليه السلام 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: إرث الاستقلال الحقبة الإسلامية المتوسطة 
  • كلمات أغنية يا خظر الأخظر – سميرة توفيق، موقع جفرا نيوز  http://www.jfranews.com.jo

يا خظر الأخظر.. فصول في التصوف الأردني – الجزء الثاني

مقدمة

تحّدثنا في بحثنا  السابق “الدين عند الأردنيين الغساسنة: مدخل عام” عن الحالة الدينية السائدة في الأردن وما حولها. وعن الثلاث طوائف مسيحية التي تشاركت الوجود ككيانات دينية وسياسية منفصلة. فالغساسنة مونوفيزيون والبيزنطيون ميافيزيون أما المناذرة فاعتنقوا النسطورية. ورغم أننا ربطنا في البحث الأول الدين بالأحداث والمجريات السياسية كان لا بد لنا من وقفة على الآثار الاجتماعية والحضارية للمسيحية عند الأردنيين الغساسنة.

مسيحية الغساسنة

في القرون الميلادية الأولى، كانت الإمبراطورية الرومانية تمارس اضطهادها الديني على المؤمنين بالمسيحية عدا عن الظلم والاستبداد ومحاولات فرض الولاية والسيطرة بالقوة. في تلك الأثناء خرجت من رحم الصحراء الأردنية الشرقية الملكة ماوية، قادت القبائل الأردنية وأغارت على الحاميات الرومانية في الأردن ولبنان وسورية وفلسطين وحتى مصر. أرعبت قوة الملكة وجيوشها الأردنية القوات الرومانية فاضطروا لعقد صلح معها.

تصوير كنسي للملكة الأردنية المحاربة ماوية

اعتنقت الملكة المحاربة المسيحية على يد القديس يعقوب البرادعي وكانت أولى شروطها أن يتولى القديس البرادعي أسقفية القبائل الأردنية وتلاه صديقه القديس ثيودور وتولى الجزء الغربي من الأردن بالتعاون مع الأردنيين الغساسنة. سرعان ما انتشر المذهب اليعقوبي (نسبة ليعقوب البرادعي) في المنطقة فاعتنق المذهب معظم الأردنيين في سهول حوران الأردنية والبلقاء وما حولها.  تمسك الغساسنة بشدة بهذا المذهب ودافعوا عنه بغيرة وإباء أمام محاولات الإمبراطورية البيزنطية لتحويلهم عنه.

صورة للقس البرادعي الذي عينته الملكة ماوية وكان مسؤولا عن المذهب المونوفيزي في الشرق

يورد الباحث تيسير خلف ترجمة لرسالة بعثها الملك الغساني الحارث بن جبلة إلى القديس يعقوب البرادعي يناقش فيها آخر انتصاراته :

رسالة البطريق الأمجد “الحارث بن جبلة ” للقديس يعقوب البرادعي

أود أن أعلمكم يا صاحب الغبطة أن الله والقديسة مريم باركا سفري وغمراني بنعمة النجاح في ما عزمت عليه من أعمال، وعندما كنت استعد لمغادرة العاصمة حدثني الأسقف مار بولس رئيس الدير الكبير(الأرشمندريت) بالأمر الذي سبق أن ناقشه معك، والذي كتب بخصوصه إليك. وقال لي إنه أرسل لك ثلاث رسائل بهذا الشأن، وأود أن أخبر غبطتكم أنه إذا لم تستطيعوا إرسال الرسائل والأشخاص المكلفين بتنفيذ ما أمرتم به، أو إذا منعتكم الظروف من الحضور إلينا، بإمكانكم إرسال الرجال المعنيين محملين بالرسائل، وأطلب من الله أن يساعدني على إنجاز الأمور حسب إرادته، ولهذا يجب اختيار الأشخاص المؤهلين لهذه المهمة”[1].

وتتوضح العلاقة القوية بين القديس البرادعي وأهم ملوك الأردنيين الغساسنة الحارث بن جبلة في هذه الرسالة. إذن، من عند الملكة الأردنية ماوية بدأت الحكاية ولكن في ذات الوقت الذي كانت الملكة ماوية تغذ الخُطا بشجاعة نحو القوات الرومانية، وُجد قديسون آخرون، كانوا ملهمين وحاضرين في الوجدان الغساني كرموز دينية لا تُنسى.

وقد كانت الممالك المسيحية الثلاث (الغسانية الأردنية والمناذرية والنجرانية) تتبارى في تكريس جهودها للحفاظ على مذاهبها ونظامها الكنسي وكان الأردنيون الغساسنة يتصدرون المقدمة حيث أن المناذرة اعتنقوا المسيحية في وقت متأخر من القرن السادس ميلادي بينما كانت نجران مدينة صغيرة معرضة لتهديد مستمر ممّن حولها حتى الوقت الذي انضوت فيه تحت الراية الغسانية.

التعاليم والطقوس

امتاز الأردنيون الغساسنة بإحساسهم الديني الحار، فتعج المصادر والتقاويم الكنسية باحتفالاتهم وأعيادهم وأيام صومهم. كان الغساسنة يعظمون الصيام إذ صاموا الصيام الكبير(أربعين يوما) إضافة لأيام العذراء مريم. ويذكر الأب قاشا في كتابه “صفحات من تاريخ المسيحيين العرب قبل الإسلام” أن الكنائس كثرت في بلاد الغساسنة وأن صوت أجراس الكنائس كان يتردد في كل مكان وعليه يورد بعض الأشعار التي تغنى فيها الأدباء بصوت نواقيس كنائس بلاد غسان:

حنت قلوصي بها والليل مطرق

بعد الهدوّ[2] وشاقتها النواقيسُ[3]

ومما ذكر في الشعر العربي القديم عن احتفالات الأردنيين المسيحيين بعيد الفصح قول حسان بن ثابت:

قد دنا الفصح فالولائد ينظمن

سراعا أكلة المرجــان

يتبارين في الدعاء إلى الله

وكل الدعاء للشيطان  (أي كل الدعاء واللعنات على الشيطان )

 ذلك معنى لآل جفنة[4] في الدير

وحق تصرّف الأزمان

صلوات المسيح في ذلك الدير

دعاء القسيس والرهبان[5]

وفي عيد الشعانين[6] الذي كانوا يسمونه “يوم السباسب[7]” أنشد النابغة الذبياني واصفا الأردنيين الغساسنة أثناء احتفالهم:

رقاق النعال طيب حجزاتهم

يحيون بالريحان يوم السباسب

ومن الأعياد الأخرى التي تذكرها كتب التاريخ القديمة، عيد “السُبّار” وهو عيد تبشير جبريل (ع ) للسيدة مريم (ع) بحملها بالمسيح (ع). وعيد “القلنداس” وهو عيد الأسبوع الأول بعد ولادة السيد المسيح (ع). وعيد “الدِنح” وهو عيد ظهور السيد المسيح (ع) لبني إسرائيل. وعيد “السُلاق” وهو يوم تسلق المسيح إلى السماء.

ومن شدة اهتمام الأردنيين الغساسنة بهذه الأعياد الدينية كانوا يحيكون لها ملابسا خاصة. فعرف عندهم ثوب ” الإضريح” وهو ثوب من قماش خاص مصنوع من صوف الماعز يلون باللونين الأحمر أو الأصفر (قاشا: 2005)

الرهبنة عند الغساسنة

كان النظام الكنسي الذي أسّسه وحافظ عليه الغساسنة نظاما يتماشى مع الأسس العامة للديانة المسيحية. فقد أنشأوا كما أسلفنا الأديرة والكنائس وكان الراهب يعيش حياته محتذيا بالمسيح (ع) ويهبها لفعل الخيرات والعبادة.

ولا تختلف التقاليد التي اتبعها مسيحيو الأردن من الغساسنة عن التي يتبعها مسيحو اليوم. فقد تولّى الراهب أو الأسقف تقاليد الاعتراف، وحفلات العماد والزواج والتكريسات الدينية والقداس.

كما اهتم الأردنيون الغساسنة ببناء الأديرة والبِيَع (جمع البِيعة وهي الكنيسة) ليس فقط في الأردن وسوريا إنما وصلوا إلى مصر. فيذكر أنهم عقب انتصارهم على المناذرة عام 554 أعادوا بناء كنيسة سانت كاترين الواقعة على جبل في سيناء.

صورة حديثة لدير سانت كاترين في سيناء، والدير مبني على أنقاض كنيسة جددها الأردنيون الغاسسنة واعتنوا بها

عرف الرهبان الغساسنة عدة أنماط سكنية، ظل بعضها صامدا على أرض وطننا الأردن حتى الآن. يعدُّ البرج أو “الأسطوانة” من أبرز المباني الدينية عند الرهبان الأردنيين الغساسنة. يحوي موقع أم الرصاص الأثري أقدم برج من هذا النوع، وهو الوحيد الذي صمد رغم الزلازل التي ألمّت بالمنطقة. في تلك الفترة انتشرت ظاهرة التعبد عبر الخلوة والانقطاع عن الأمور الدنيوية وقد بني البرج لخدمة هذا الهدف فهو في تجمع كنسي محاط بحصن وبارتفاع 15 متر. وكان القديس سمعان العمودي هو من بدأ هذه الطريقة في الرهبنة وسميت فيما بعد الرهبنة العمودية.

البرج أو الأسطوانة الباقية في مجمع كنائس أم الرصاص في الأردن

ومن المباني الدينية الأخرى التي اشتهرت هي “الأُكيراح” وهي مبان لاحتفال الرهبان بالأعياد الدينية. وهنالك “التامور أو التأمور” وهو مبنى منعزل للتعبد. و”الدير” و”الصرح” و”الركح” و”الصومعة” “والطربال” و”العُمر” و”القلاية” و”القوس” و”الكرح” و”الناموس” وقد ذكرت كل هذه المباني ذكرا في الأدبيات القديمة دون الوصول لآثار حقيقية ملموسة لها. (شيخو: 2011)

القديسون والأساقفة

منذ القدم، ترسخت في نفوس أبناء الأردن الحرية والصمود وقول كلمة الحق أمام الظلم والطغيان. في سيرة القديسين والشهداء المسيحيين الأردنيين الغساسنة أمثلة لا تضاهى. فهنالك شهداء وادي فينان وشهداء فيلادلفيا يوليانوس وإفبولوس وملكامون وغيرهم. ومن البترا نجد تمجيدا للقديس أثينوجينوس وأمه الناسكة ذامياني والقديس بولس أسقف رايثو، البترا. والقديس زكا الشماس وهو من أم قيس. والقديس بطرس من بيت راس والقديس جراسيموس الأردني. لا يمكن لنا أن نلمّ بكل شهداء الأردن في العصر الغساني الذي شهد اضطهادا دينيا واسع المدى، ولكننا نمجد بالطبع ذكرى هؤلاء الشهداء بوصفهم شهداء وطن، ومدافعين أصيلين عن حرية الرأي والاعتقاد المنسجمة بالفطرة مع جوهر الروح الأردنية.

القديس جراسيموس الأردني

تذكر المصادر التاريخية العديد من القديسين والأساقفة بتفصيل أكبر متناولة حياتهم ومساهماتهم وقصصهم. وفيما يلي استعراض لأهم القديسين في عهد الأردنيين الغساسنة.

القديس إليان العمّاني 

تصوير للقديس إيليان العمّاني

من فيلادلفيا انطلقت تمجيدات القديس الأردني إيليان العمّاني الذي استشهد بعد رفضه تقديم القربان للإله خرونس في جرش. كان للقديس العمّاني دكان قرب كنيسة جرش يحيك فيها الثياب وعندما بدأ الإمبراطور ماكسيموس (245- 313) بجمع الناس لاضطهادهم وإجبارهم على تقديم القرابين كان القديس من ضمنهم ورفض ذلك فقيّدوه، وتذكر الروايات الدينية عدة معجزات على تحرر القديس من قيوده وعلى نطق الوثن أمامه. استشهد القديس في الثامن والعشرين من تشرين الثاني حافرا اسمه في سجل شهداء الأردن المبجّلين. [8]

 

القديسان زينون وزيناس

(القديسان زينون وزيناس، من رسم جداري في كنيسة الراعي الصالح في مركز سيدة السلام، عمان، الأردن)

في عهد الإمبراطور ميكسيمانوس الذي أمعن في الاضطهاد الديني وفي منطقة زيزياء جنوب عمان، وقف زينون أمام ظلم الإمبراطور وإجباره للشعب على الوثنية. أما زيناس فهو خادم وتلميذ زينون وقد عذبا بطريقة وحشية ونالا “إكليل الشهادة والخلود” سويا. سطر القديسان مثالا في القوة والصمود يحتذي به الأردنيون حتى اليوم. [9]

تصوير آخر للقديسين زينون وزيناس

الأسقف  ثيودور (540-570)

الأسقف ثيودور هو أحد الأساقفة الأكثر شهرة، فقد تولى أسقفية المملكة الغسانية في أوج ازدهارها في عهد الحارث بن جبلة. كان الأسقف ثيودور صديقا للقديس يعقوب البرادعي الذي ولته الملكة الأردنية ماوية على مسيحيي البادية الأردنية وما حولها. بشّر ثيودور بالمذهب اليعقوبي المونوفيزي وكان يبعث بالرسائل إلى شيوخ وملوك الحواضر والمدن الأخرى. وكان ملتزما بحضور المجامع الدينية الكنسية للتوفيق بين المذاهب المسيحية ، كما لعب دورا حاسما في حركة الثالوثية التي حاربت المذاهب التي ترفض الطبيعة الإلهية للمسيح.

ناقشت العديد من الكتب السريانية اللاتينية والآرامية حياة الأسقف ثيودور بشيء كبير من التفصيل ومؤخرا ترجمت بعض الرسائل التي كتبها هو أو كتبت له نقلا عن السريانية والآرامية، وتعد الرسالة التي بعثها الملك الغساني الحارث بن جبلة إلى القس يعقوب البرادعي من أهم الرسائل التي تذكر حكمة ومكانة القس ثيودور:

وفي هذه المناسبة، أبلغ غبطتكم عن موضوع آخر، وهو أن طيّب الذكر ثيودور بابا الإسكندرية تفضّل وتحدث معي حول موضوع مار بولس رئيس الدير الكبير (الأرشمندريت)، فكنت في غاية السرور، و حمدت الله فقد تحدثت معه وجهاً لوجه واستفدت منه كثيراً، وبتنفيذي للأمور التي أمرتموني بها، أرجو أن أكون أهلاً لصلواته” [10]

القديسان سركيس وباخوس

شعار المملكة الغسانية وفي المنتصف أيقونة القديس الشهيد سركيس

على الشعار الحربي للقوات الغسانية نرى أيقونة رجل محاط بهالة نورانية؛ إنها أيقونة القديس سركيس أو سرجيوس. في القرن الثالث ولد القديسان سركيس وباخوس. في ذلك الوقت كانت الاضطرابات الدينية تسود المنطقة، المسيحية لا زالت دينا حديث الانتشار والإمبراطورية الرومانية تقوم بتعذيب معتنقيه بصورة بشعة ووحشية.

أيقونة قديمة للقديسين سركيس وباخوس وفي المنتصف ترتسم صورة المسيح- المصدر: وكيبيديا

أما القديسان فكانا في الجيش عندما امتنعا عن تقديم الأضاحي والقرابين للإله مركوري (المشتري) تبعا للتقاليد الوثنية في الإمبراطورية الرومانية وعندها اكتشف قائد الجيش اعتناقهما للمسيحية فعذبهما طويلا بغية جعلهما يرتدان عن المسيحية ولكنهما صمدا. استشهد القديس باخوس  في البداية وظل القديس سركيس يتعرض للاضطهاد حتى عرف القائد الروماني بأنه لن يرتد مهما فعل فقطع رأسه في مدينة الرصافة في العراق.

أيقونة تخيلية لمشهد استشهاد القديسين على يد القوات الرومانية- المصدر: موقع بطريركية أنطاكية

بنيت أول كنيسة لتكريم ذكراهما في سهول حوران الأردنية في مدينة الجابية عاصمة الغساسنة الأولى. وبنيت كنيسة أخرى في مدينة بُصرى في القرن السادس ميلادي. كذلك كنيسة أم الرصاص التي تسمى “كنيسة التوأم” لأنها كنيستين في كنيسة واحدة وقد بنيت في عهد الغساسنة في القرن السادس ميلادي تحديدا عام 586.

كنيسة القديس سرجيوس أو سركيس المبنية على أنقاض كنيسة غسانية قديمة. تحوي الكنيسة أقدم خارطة فسيفساء في العالم للأردن وفلسطين- أم الرصاص الأردن

 

ومن الكنائس الأردنية القديمة التي كرست للشفيع كنيسة أثرية في تل العميري، قرب منتزه عمّان القومي في العاصمة. وتل العميري منطقة مأهولة بالبشر منذ العصر الحجري، يذكر النقش اليوناني المكتشف هناك أنه تم رصف مقام القديس  سرجيوس (سركيس)، شفيع الأردنيين الغساسنة، بالفسيفساء وبأن هذا العمل مُهدى للملك الأردني الغساني المنذر بن الحارث. ويخلد النقش أيضا بناء الكنيسة التي تم التنقيب عن آثارها حديثا ليتم الكشف عن صحنها وخزان ماء وعدة مرفقات أخرى.

النقش اليوناني المكتشف في كنيسة موقع تل العميري

ترجمة النص عن اليونانية: “يا رب، تقبل قربان المتبرع صاحب الكتابة ، عبدك موسيليوس و أبناءه
يا رب يسوع المسيح ، إله القديس سرجيوس ، احمي القائد بالغ التعظيم المنذر
يا إله القديس سرجيوس ، بارك خادمك أوزيبيوس وأبناءه!
يا إله القديس سرجيوس ، بارك ابنك يوانيس مع زوجته وأولاده!
يا إله القديس سرجيوس ، بارك خادمك عبد الله وديونيسيوس و [- – -]!
في عهد الأسقف بوليوكتوس ، المحبوب من الله ، تم رصف هذا الضريح للشهيد القديس سرجيوس بالفسيفساء بسعي من ماري، ابن ربوس، الكاهن الأكثر تقوى، وجورجيوس الشماس، وسابينوس وماريا. في شهر أبريل في وقت [..].”

صورة جوية لموقع تل العميري الأثري

عظّم الأردنيون الغساسنة القديس سركيس كثيرا ووضعوا أيقونته على شعارهم الحربي. مثّل القديس الشهيد بالنسبة لهم “شفيعا” دينيا واستعانوا بذكراه للصمود أمام أعدائهم في الحروب. وتذكر المصادر التاريخية التي كتبها القساوسة باللاتينية أو السريانية أن ملوك الغساسنة وحتى المناذرة والفرس احترموا قبر الشهيد سركيس وكانوا يلتزمون بحضور القداسات والاحتفالات الدينية. ويقول الشاعر جرير واصفا ارتباط الأردنيين الغساسنة بذكرى القديس الشهيد:

يستنصرون بمار سرجيس وابنه

بعد الصليب ومالهم من ناصرِ[11]

لعب قبر القديس الشهيد في الرُّصافة دورا هاما في التاريخ السياسي الغساني. فعندما بدأت العلاقات الغسانية البيزنطية تأخذ منحى سيئا عقب موت الملك الغساني الحارث وتولي ابنه المنذر، كان قبر القديس المكان الذي اختاره المنذر الغساني لقبول طلب الصلح الذي قدمه البيزنطيون في القرن السادس.

القديسان قزمان ودميان

قصة القديسان قزمان ودميان إحدى القصص المؤثرة التي ظلت محفورة في ذاكرة الأردني الغساني. فقد ربتهما أمها ثاؤذتي الشهيدة على حب الخير فأصبحا طبيبان يعالجان الفقراء والمحتاجين بالمجان. استشهدا هما وأختيهما وأمهما على يد الإمبراطور دقلديانوس وكانت أول كنيسة تمجد لذكرى هذين الطبيبين في جرش، سنأتي على ذكر قصة القديسين لاحقا بشيء من التفصيل في فصل المرأة الغسانية والدين لأن ذكر القديسين اقترن دوما بقصة والدتهما الشهيدة ثاؤذتي.

إطلالة على كنيسة القديسين

القديس ( جاورجيوس ) 

القديس جرجس ( جاورجيوس ) رمز مسيحي مشهور حول العالم ولكن قصته لم تكن لتنطلق للعالمية لولا التمجيد الذي حظي به عند الأردنيين الغساسنة. يشابه في صفاته “الخضر” وله عدة كنائس ومقامات تنتشر في السلط وماحص ومادبا والكرك. لقصته وقع جميل ومؤثر في النفس فهو إحدى الشخصيات التي لاقت مصيرا مؤلما من العذاب والاضطهاد لأجل الدين. بصمود القديس جرجس أو “الخضر” آمن الكثيرون بالمسيحية ابتداءً بالعامة وصولا إلى زوجة الإمبراطور دقلديانوس نفسه.

رسم لاتيني للقديس جاورجيوس – الخضر

يحتفي الأردنيون في البلقاء (عاصمة الأردنيين الغساسنة) وما حولهما بالقديس جرجس أو جاورجيوس الذي منح الخلود عندما أنطق الوثن في المعبد  وقال بحسب المرويات ” لست أنا الإلهة الذي تعبد” وقد قتله الإمبراطور على إثر هذه المعجزة.

واجهة كنيسة الخضر في السلط

اهتم الأردنيون الغساسنة قديما في القديس جاورجيوس وكان حاضرا في أدبياتهم وأشعارهم وقد استمر الأردنيون حتى اليوم بتمجيده. بنيت لذكراه كنيسة السلط في القرن السابع عشر، وسمي على إثرها شارع الخضر الشهير في السلط إضافة لحي الخضر. أما في مأدبا، فبنيت كنيسة الخارطة في القرن التاسع عشر على أنقاض كنيسة غسانية قديمة تحوي أقدم وأكبر خارطة فسيفسائية في الأردن وفلسطين، بينما تحوي بلدة ماحص في محافظة البلقاء على مقام مسيحي إسلامي مشترك للخضر.

كنيسة الخارطة في مادبا

 

الفنون المسيحية الغسانية

إنه من المنصف أن نصف الحضارة الغسانية بأنها حضارة “فنيّة” فقد غلف الفن كل جوانب حياة الإنسان الأردني الغساني. وإن استطلعنا الكنائس التي بنيت في عهد الغساسنة نجدها على قدر عال من الجمال. ومن المؤكد أن هذه الكنائس التي تحوي خرائط  فسيفسائية عظيمة حوت تصاوير وأيقونات ملوّنة للقديسين والشهداء قد بنيت كلها بأيدي الحرفيين الفنيين الغساسنة الذين أبدعوا في هذه الفنون.

جزء من خارطة فسيفساء كنيسة القديس جورجيوس ويظهر فيها نهر الأردن

المرأة الغسانية والدين

آمن الغساسنة بالمسيحية وكانوا مخلصين لمذهبهم، فكما ناقشنا في بداية البحث، اعتنقوا المذهب المونوفيزي بتأثير من الملكة الأردنية ماوية التي فعلت الكثير لتثبيت هذا المذهب في المشرق. كانت صورة السيدة مريم العذراء تَمثُل دوما أمام كل امرأة غسانية. فالسيدة مريم مثلت بالنسبة إليهن الصورة الكاملة للمرأة الأم التي تكافح وترعى الجميع.

امتد تأثير السيدة مريم ومن بعدها الملكة ماوية إلى الملكات الغسانيات تحديدا فبنين العديد من الأديرة. كما تسمين باسمها ونسبن أولادهن لها فنرى أن اسم والدة أحد ملوك الغساسنة الحارث بن جبلة تسمى “مارية” وهو أحد أسماء السيدة مريم. (شهيد: 2009)

صورة للسيدة مريم العذراء التي ألهمت شخصيتها النساء الغسانيات

الشهيدات الغسانيات

عظّمت الملكات الغسانيات سيرة الشهيدات اللواتي قضين نحبهن وهن متمسكات بدينهن أمام الاضطهاد. عام  520 ميلادي قُتلت حوال 100 امرأة من نجران التي كانت تابعة آنذاك لحكم مملكة كندة ومن ثم لحكم الغساسنة، فآوت الملكات الغسانيات النساء المهاجرات من نجران وكانت من أهمهن امرأة تدعى “رُحُم أو روهوم” ذكرت كثيرا كقائدة روحية وملهمة لشعراء الغساسنة (شهيد: 2009)

تصوير كنسي للثاؤذتي وعائلتها، الذين خلدوا في الذاكرة لتمسكهم وإخلاصهم لدينهم

تُعد قصة الشهيدة ثاؤذوتي وبناتها انسيموس وابرابيوس ولانديوس إضافة لابنيها الطبيبين قزمان ودميان من القصص المؤثرة للغاية. كانت ثاؤذوتي امرأة طيبة القلب ربّت أبناءها على أن يكونوا مخلصين للمسيحية. دفعت بابنيها قزمان ودميان لتعلم الطب وعلاج المرضى المحتاجين والمساكين بالمجان أما بناتها الثلاث فسلكن طريق الرهبنة ووهبن حياتهن للكنيسة. عندما ارتد الإمبراطور دقلديانوس عن المسيحية بدأ بتعذيب الأهالي المسيحيين بطريقة وحشية وكانت ثاؤذتي وعائلتها من الذين خضعوا طويلا للاضطهاد الديني.

 وقفت  ثاؤذتي بشجاعة أمام الإمبراطور نفسه ونهرته عن أفعاله فقطع الإمبراطور رأس ثاؤذتي ولم يجرؤ أحدهم على الاقتراب حتى صرخ ابنها القديس قزمان وقال: يا أهل المدينة أليس فيكم أحد ذو رحمة ليستر جسد هذه العجوز الأرملة؟ فقاموا ودفنوها. وغضب الإمبراطور من ذلك فأعدم باقي عائلتها. وبحسب الروايات المسيحية نالت هي وأبناؤها إكليل الحياة وصُوِّرت وهي ترتديه في الكنائس والأيقونات كما بنيت أكبر وأقدم كنيسة تمجد ذكرى ابنيها القديسين قزمان ودميان في جرش.

المرأة والحج

كان المجتمع الغساني بأكمله يمتلئُ حماسا عند موسم الحج. شاركت المرأة بطقوس الحج الدينية بشكل أكبر حتى من الذكور. يذكر الأصفهاني اسم أميرة غسانية تدعى ليلى كانت ترعى الحجاج وتساعدهم وتؤمن لهم المأوى والطعام. وقد تمتعت المرأة الغسانية بحرية تنقُّل كبيرة وواسعة وذمة مالية مستقلة ساعدتها على الإنفاق على رحلتها أو على مساعدة الحجيج الآخرين.

اكتسبت المرأة الغسّانية صفة “الحاجّة” وكانت من تمتلك هذا اللقب تحظى باحترام كبير. اقترن هذا اللقب بداية بصفية بنت ثعلبة وهي غسانية أعطت “حق الجوار” أي الأمان  للأميرة هند بنت النعمان آخر أميرة من سلالة المناذرة وكانت تدين هي الأخرى بالمسيحية. وصفت صفية بنت ثعلبة بالحاجة أو الحجيجة (صيغة تحبب وتصغير) وكانت شاعرة مُجيدة، حتى أن الأبيات الشعرية التي أنشدتها في حادثة إعطاء الأمان للأميرة هند لا زالت موجودة تشهد لها على حسن الخلق:

أحيوا الجِوار فقد أماتته معا

كل الأعارب يا بني شيبان

ما العُذر قد لفٌت ثيابي حرةٌ

مغروسةٌ في الدرٍّ والمرجان

بنت الملوك ذوي الممالك والعُلى

ذاتُ الحِجال وصفوة النعمان

كان الغساسنة مؤمنين مخلصين يهتمون للغاية بتقويم الأعياد المسيحية. ارتبطت المرأة الغسانية روحيا بأعياد السيدة مريم العذراء[12]. في سجلات الكنيسة  يكاد يغيب ذكر الذكور في أغلب ما يتعلق بهذه الأيام وتنفرد النساء الغسانيات بالتجهيز لتلك الأيام المقدسة.

لم تقتصر حياة الرهبنة على الرهبان، إنما كانت النساء الغسانيات أكثر ميلا لهذه الحياة. “التأسي بالمسيح” كان أسلوب حياة تتخذه الراهبات فينقطعن عن الملذات ويهبن حياتهن لأعمال الخير والعبادة.

وقد تغنى الشاعر امرؤ القيس الذي يُنسب إلى الغساسنة عن طريق والدته[13] “بالرواهب – الراهبات” وقد ذُكرن أيضا في شعر حسّان بن ثابت. وكان التنظيم الذي تتبعه رهبنة النساء الغسانيات يقسم للراهبات العاديات وللراهبة الأم التي تسمى “حَيجمانة أو هَيجمانة”

الخاتمة

تنقّلنا في هذا البحث من التعاليم والطقوس المسيحية عند الأردنيين الغساسنة إلى أهم الشخصيات الدينية من أساقفة وقديسين واستعرضنا مكان المرأة من خارطة المسيحية الغسانية.  أضواء عيد الميلاد في الأردن تُضاء كل عام، وكنيسة القديس جورجيوس في السلط ومأدبا ما زالت شموعها تشهد لسيرة المسيحية التي بدأها الأردنيون الغساسنة في القرن الأول للميلاد.

المراجع والمصادر

  • Shahid, (1995) Byzantium and the Arab in sixth century, VOL.1, Part 2, the ecclesiastical history, Dumbarton Oaks Research library: Washington D.C
  • E. Shahid (1996) Byzantium and Arab in the sixth century, Vol1. Dumbarton Oaks Washington D.C
  • اليسوعي، ل.( 2011) الآداب النصرانية قبل الإسلام،(ط2) دار المشرق: بيروت
  • قاشا. س (2005) صفحات في تاريخ المسيحيين العرب قبل الإسلام، (ط1) لبنان: بيروت، منشورات المكتبة البوليسية، سلسة الكنائس المسيحية الشرقية
  • أبحاث إرث الأردن، المرأة الغسانية

[1] من مقال منشور للباحث تيسير خلف على موقع مفكر حر: https://mufakerhur.org/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%AC%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%AB-%D8%A8%D9%86-%D8%AC%D8%A8%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%84/

[2] بعد الهدو أي عند السحر فمن عادة الرهبان أن يدقوا أجراس الكنائس قبل طلوع الفجر

[3] قاشا (2005) صفحات من تاريخ المسيحين العرب قبل الإسلام، ص270

[4] آل جفنة اسم آخر من أسماء آل غسان نسبة لجدهم جفنة. وجفنة تعني صاحب الطبق الكبير دلالة على شدة الكرم والجود

[5] المصدر السابق ص272

[6] عيد الشعانين هو عيد مسيحي يوافق الأحد قبل عيد الفصح وهو عيد دخول المسيح لبيت المقدس. وسمي شعانين نسبة لتحية الأهالي للمسيح حيث كانوا يقولون “هوشعنا” المصدر السابق.

[7] السباسب هي أوراق سعف النخيل التي أمسكها سكان بيت المقدس لتحية المسيح عند دخوله. المصدر السابق

[8] المصدر: http://noursatjordan.com/news-details.php?id=47339

[9] المصدر: http://www.orthonews.org/ar/node/2751?page=4

[10] من مقال منشور للباحث تيسير خلف على موقع مفكر حر: https://mufakerhur.org/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%AC%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%AB-%D8%A8%D9%86-%D8%AC%D8%A8%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%84/

[11] المصدر السابق. ص275

[12] للمزيد انظر: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%AF_%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B0%D8%B1%D8%A7%D8%A1

[13] كان النسب قديما إلى الأم في نظام اجتماعي يسمى بالنظام الأمومي.

الدين عند الأردنيين الغساسنة: المسيحية كثقافة وحضارة غسانية

 

مسجد القينة المعاد ترميمه، محافظة الزرقاء. حقوق الصورة محفوظة للباحث نادر عطية

بني مسجد القينة في محافظة الزرقاء وتعود أساساته للعهدين المملوكي والأيوبي، ويرجح الباحث محمد وهيب أن هذا المسجد شكل حلقة وصل مهمة لبناءه على موقع عال واستراتيجي. يحاط المسجد القديم بأشجار الزيتون ومقبرة من ثلاث جهات. أمام المسجد ساحة اسمنتية وفي جدرانه نوافذ للإضاءة وأخرى لوضع المصاحف.

باب مسجد القينة، ويلاحظ الإهمال اللاحق بالمسجد. حقوق الصورة محفوظة للباحث نادر عطية

أعيد ترميم المسجد عدة مرات وسقفه اليوم من الاسمنت، ولكنه يعاني إهمالا شديدا. وتظهر القصارة الاسمنتية متأكلة والسقف شبه آيل للسقوط.

المراجع:

  • الدرادكة، فتحي (1998) القصور والمساجد الأموية في الأردن، دراسة منشورة.

المساجد الأردنية القديمة: مسجد القينة

يجمع مسجد كفرنجة بين طرز العمارة الأيوبية والمملوكية والأموية على حد سواء، فيحاكي شكل الأسقف القباب والأعمدة، كما أنه يشبه جامع عجلون الأثري من أوجه متعددة، إذ نلاحظ فيه الأعمدة والسقف والمحراب والمدخل والشكل الداخلي كما نلاحظه في جامع عجلون، إلا أن جامع كفرنجة له مداخل من جهة الشمال خلافاً لجامع عجلون الذي اقتصرت أبوابه على الجهة الشرقية. وتسمي إحدى العبارات على اللوحة التأسيسية جامع كفرنجة بـ “جامع الفاروق” حيث تنسبه بعض الروايات للخليفة الثاني عمر بن الخطاب الفاروق

مدخل بلدة كفرنجة

المراجع:

  • الدرادكة، فتحي (1998) القصور والمساجد الأموية في الأردن، دراسة منشورة.
  • غوانمة، يوسف (1986) المساجد الإسلامية القديمة في منطقة عجلون. منشورات مركز الدراسات الأردنية: جامعة اليرموك.

المساجد الأردنية القديمة: مسجد كفرنجة الأثري

 

بقايا مسجد عصيم الأثري الأموي وهو أثر مهدد بالزوال. الحقوق محفوظة لوكالة عجلون الإخبارية

تعد قرية عصيم القريبة من قرية راسون شماليّ محافظة عجلون إحدى أكثر القرى ثراءً تاريخيا. تحتوي القرية على الكهوف التي يظن أنها استخدمت للسكن والآبار شديدة القدم وآثار أخرى رومانية وبيزنطية. وفي القرية مسجد يؤرخ للقرن الثامن الهجري، أي للعهد الأموي.

المراجع:

  • الدرادكة، فتحي (1998) القصور والمساجد الأموية في الأردن، دراسة منشورة.
  • غوانمة، يوسف (1986) المساجد الإسلامية القديمة في منطقة عجلون. منشورات مركز الدراسات الأردنية: جامعة اليرموك.

المساجد الأردنية القديمة: مسجد عصيم

يقع هذا المسجد في قرية راسون في عجلون. ويؤرخ بناؤه للعهد الأموي في القرن الثامن الميلادي، كما أعيد ترميمه في العهدين الأيوبي والمملوكي (القرنين 13-14) وأعيد استخدامه في عهد الاحتلال العثماني.

يشابه التصميم المعماري لهذا المسجد تصميم مسجد عجلون الكبير ومسجد كفرنجة من ناحية الأسقف والزخارف والأعمدة، على أن التصميم الهندسي للمسجد من الداخل مميز حيث يعتمد على نظام الأروقة لا نظام الصحون والغرف. قامت عمليات الترميم والإضافات عبر الزمن بإخفاء معظم معالم المسجد القديمة ولم يتبق من زخارف المسجد إلا زخرفة واحدة تزين واجهة المدخل.

الزخرفة الوحيدة المتبقية في مسجد راسون، حقوق الصورة محفوظة لوكالة عجلون الإخبارية

المراجع:

  • الدرادكة، فتحي (1998) القصور والمساجد الأموية في الأردن، دراسة منشورة.
  • غوانمة، يوسف (1986) المساجد الإسلامية القديمة في منطقة عجلون. منشورات مركز الدراسات الأردنية: جامعة اليرموك.

المساجد الأردنية القديمة: مسجد راسون

في قرية سامتا الواقعة على طريق إربد – عجلون والتي تبعد عن مدينة عجلون 11 كم  يتعانق مسجدان أحدهما أموي قديم وآخر حديث ومعاصر. بينما لم يبق من المسجد الأموي “سامتا” سوى أساسات حجرية متفرقة بنى الأردنيون بجانبها مسجدا يشتهر اليوم بشجرة البطم الأطلسي التي تزين باحته.

بقايا مسجد سامتا الأموي ويظهر تجويف المحراب في منتصف الصورة، الحقوق محفوظة للباحث نادر عطية

المراجع:

  • الدرادكة، فتحي (1998) القصور والمساجد الأموية في الأردن، دراسة منشورة.
  • غوانمة، يوسف (1986) المساجد الإسلامية القديمة في منطقة عجلون. منشورات مركز الدراسات الأردنية: جامعة اليرموك.

المساجد الأردنية القديمة: مسجد سامتا الأموي

Scroll to top