أم الرصاص/ كاسترون ميفعة

الأقواس في أم الرصاص- موقع اليونيسكو

كانت أم الرصاص مأهولة بالسكان منذ القرن الثالث وحتى القرن السابع. لقد استوعبت المنطقة العديد من الحضارات التي وضعت بصمتها في موقع أم الرصاص التاريخي. ولقد لعبت المسيحية دورا مهما في تطور أم الرصاص خصوصا في المرحلة التي زامنت وجود (سرجيس/ سركيس) قس أسقفية مادبا. وتقترح الأدلة أن المسيحية استمرت في الانتشار حتى أثناء الحكم الأموي والعباسي. وبما أن المسيحية كانت تزدهر في ذلك الوقت فإن أم الرصاص كذلك كانت على نماء معماري وفني؛ فالفسيفساء الخلابة والمجمعات الكنسية والزخارف الهندسية وكل الطرز والأساليب الأخرى كانت عوامل مهمة لإثراء الموقع.

انضم موقع أم الرصاص إلى لائحة المواقع الأردنية المدرجة في قائمة الإرث لدى منظمة اليونيسكو عام 2006. وعلى الرغم من ذلك، لم يقم علماء الآثار بإكمال جميع عمليات التنقيب في الموقع بعد، وحالما تنتهي هذه العمليات ستزيد حتما من أهمية هذا الموقع وقيمته.

فسيفساء في مادبا باللغة اليونانية القديمة- موقع اليونسكو

تشمل هذه المدينة على 16 كنيسة يحوي بعضها على أكثر قطع الفسيفساء أهمية وأكثرها سلامة وحفظا حتى الآن. لقد ساعدت الفسيفساء علماء الآثار على فهم جغرافية وطبوغرافية وتاريخ تلك الحقبة من الزمن. فمثلا تزودنا فسيفساء كنيسة القديس ستيفان (أو اسطفان)  بعدد من خرائط المدن وكل مدينة مع اسمها الجغرافي باللغة اليونانية. تتضمن هذه الخرائط سبعة مدن أردنية هي: كاسترون ميفعة (أم الرصاص) فيلادلفيا (عمان) مادبا، حسبونتا (حسبان) وبيلوماونتا (ماسين) أريوبوليس (الربة) وشراخموبا (الكرك) إضافة للدير الواقع على جبل نيبو.

وقد وجدت فسيفساء أخرى مهمة في  صحن كنيسة القديس سيرجس. وتشكل الكنيستان ستيفان وسيرجس المواقع الأكثر أهمية بسبب الفسيفساء فيهما إضافة إلى الزخارف الهندسية وتحتفي إلى الآن بثيمة (الزهور والحيوانات) التي كانت شائعة في تلك الفترة.

البرج في أم الرصاص- موقع اليونسكو

وبعيدا عن الفسيفساء معقدة التفاصيل، تحوي أم الرصاص على البرجين العموديين المتبقيين في المنطقة. ويعود تاريخ هذه الأبراج إلى تقليد قديم لاعتزال المتعبدين في الأبراج طلبا للعزلة. خلال الامبراطورية البيزنطية، شاعت طريقة في العبادة تتطلب انعزالا كاملا وانقطاعا عن الملهيات الدنيوية ليركز المتعبد على صلاته وإيمانه. بدأ هذا الطقس مع القديس سيرجيس، الذي اعتزل الناس في برج حتى توفي بعد 37 سنة من الخلوة. إن الأبراج العمودية في أم الرصاص هي الوحيدة المتبقية من نوعها والتي صمدت عبر التاريخ. وعلى الرغم من أن أم الرصاص كانت قد عانت من عدة زلازل ولكن البرج ظل صامدا بطول 14 مترا. لا يملك البرجان أية أدراج داخلية وله أربع نوافذ تواجه الكل اتجاه من الاتجاهات الأربعة.  وهذا يلمح إلى فكرة ما إن يقرر المتعبد صعود البرج للعبادة فإنه لن ينوي النزول مرة أخرى. وتحت البرج بنيت كنيسة دون الكثير من العناية، ويوجد صهاريج للماء وبناء من ثلاثة طوابق يعتقد بأنه نزل للحجاج. ويتموضع البرج والنزل والكنيسة على طرف المدينة القديمة مما يعزز أهمية الانعزال لممارسة هذا الطقس.

المراجع

  1. Art-and-archaeology.com. (2017). Stylite Tower. [online] Available at: http://www.art-and-archaeology.com/jordan/rasas/ra06.
  2. Centre, U. (2017). Um er-Rasas (Kastrom Mefa’a). [online] Whc.unesco.org. Available at: http://whc.unesco.org/en/list/1093 [Accessed 29 Nov. 2017].
  3. Encyclopedia Britannica. (2017). Saint Simeon Stylites | Christian monk. [online] Available at: https://www.britannica.com/biography/Saint-Simeon-Stylites
  4. رندة فؤاد (2007). “عمارة الكنائس وملحقاتها لـ رنده قاقيش، عمان: دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع
  5. Photograph F1online digitale Bildagentur GmbH, A. (2017). Um er Rasas. [online] Nationalgeographic.com. Available at: https://www.nationalgeographic.com/travel/world-heritage/um-er-rasas-jordan/

سلسلة كنائس الأردن القديمة: كنائس أم الرصاص

سحم آخر قرية على الحدود الشمالية للمملكة الأردنية الهاشمية، وقد اكتسبت اسمها نسبة إلى سواد أحجارها الصوانية؛ فمعنى كلمة “سحم” بالآرامية هو “الأسود”. منذ العصر البرونزي وصولا إلى العصر الحديث كانت سحم منطقة معمورة. وفي القرية الكثير من الآثار الرومانية والبيزنطية والآثار الإسلامية التي تشهد بتوالي حضور القرية في المشهد العام لتلك الحضارات.

يعتبر مسجد سحم بإطلالته الخلابة على الوادي وعلى القلعة القديمة من أقدم مساجد الأردن حيث يعود تاريخ بنائه إلى الفترة الإسلامية المبكرة التي حصلت فيها معركة اليرموك بين جيوش المسلمين والأردنيين الجذاميين والجيش البيزنطي.

(مسجد سحم من الخارج ويلاحظ وجود النافذة البارزة والتي كانت قد أغلقت. حقوق الصورة محفوظة للباحث نادر عطية)

 أما صحن المسجد فقد شكل مركزا لاجتماع الأهالي ومكانا خلابا يتمتع فيه المرء برؤية وادي اليرموك وسهول الجولان وجبل الشيخ. ويشبه معمار المسجد المعمار الأموي المبكر فالأرضية كانت قد رصفت بالبلاط وللمسجد بيت صلاة مستطيل الشكل ومحراب يتوسط جدار القبلة الذي لا يحوي إلا نافذة كانت قد أغلقت.

(مسجد سحم من الداخل، ويلاحظ الإهمال اللاحق بالمسجد. حقوق الصورة محفوظة للباحث نادر عطية)

إن المميز في معمار هذا المسجد هو التناغم الحاصل بين المعمار الأموي والمعمار البيزنطي؛ فصحن المسجد كان مزدانا بفسيفساء ملونة تشابه تلك الموجودة في آثار أم قيس البيزنطية.

المراجع:

  • الدرادكة، فتحي (1998) القصور والمساجد الأموية في الأردن، دراسة منشورة.
  • غوانمة، يوسف (1986) المساجد الإسلامية القديمة في منطقة عجلون. منشورات مركز الدراسات الأردنية: جامعة اليرموك.
  • سحم، ثغر منيع من ثغور الدولة الإسلامية يستعصي على التغريب، صحيفة الراي:2004

المساجد الأردنية القديمة: مسجد سحم

البرانثوريوم من الجنوب

تعتبر أم الجمال إحدى النفائس الأثرية التي تغني ثقافة وتاريخ بلدنا الأردن. وهذا لأن أم الجمال تحمل بصمة عدة حضارات جعلت الأردن وطنها عبر التاريخ. فقد سكنها الأردنيون الأنباط والرومان والبيزنطيون وصولا إلى الدولة الأموية المبكرة.

الصخور القوية التي استخدمت في بناء الكنائس

لقد بقيت أغلب الآثار سليمة ويعود السبب لقوة أحجار البازلت العظيمة التي استخدمت لتقوية البناء.  لقد ظلت مباني أم الجمال الضخمة صامدة. إن مباني أم الجمال عبارة عن مجموعات كنسية إضافة لمبان أخرى مدنية كالمنازل والمحال وغيرها. شهدت أم الجمال بناء 15 كنيسة تختلف في الشكل والتصميم والوظيفة وكان ذلك في الفترة التي تمتد بين الحكم الغساني – الروماني والبيزنطي.

وتأتي الكنائس في أم الجمال على شكلين: رواقات كنسية وباسيلقا (كنائس مستطيلة) أما القاعات الكنسية فهي طويلة وضيقة وتحتوي على أقواس ودعامات خشبية تحمل الأسقف المسطحة للمبنى.  وتختلف الباسيلقا عن الرواقات الكنسية بكونها ذات شكل مستطيل وصحن للكنيسة وممشى. وتشترك كنائس أم الجمال بكونها جميعا متصلة بمبان أخرى يعتقد بأنها أديرة للرهبان.

وللأسف، فقد تم تأريخ كنيستين فقط من أصل خمسة عشر كنيسة في أم الجمال. تتبع كنيسة جوليانوس نمط الرواقات الكنسية باتخاذها تسعة أقواس مقنطرة وهيكل نصف دائري بارز ومزخرف. وعلى الجهة الشمالية من الكنيسة توجد غرف بثلاثة أبواب تفضي إلى الكنيسة من الداخل.  أما على الجهة الجنوبية، فهنالك باحة ورواق على طول الكنيسة. ليس للكنيسة مدخل مباشر، فالمداخل المتاحة هي فقط تلك التي من المباني المرفقة إلى الكنيسة.  أرخت  كنيسة جوليانوس إلى 345 ميلادي. وتتميز الكنيسة بأنها أقدم الكنائس التي تحمل نقشا مؤرخا من بين كل كنائس العالم. فقد وجد علماء الآثار خلال عمليات التنقيب عام 1993 عدة نقوش باللغة الأردنية النبطية والإغريقية على واجهات المقابر. إضافة إلى ذلك فقد وجد العلماء مبخرة (ثوميستيريون) والتي عادة ما تكون في المعابد الوثنية. إن هذا الخليط من الطقوس الوثنية والمسيحية يثير الاهتمام للغاية.

جزء من الكنيسة في أم الجمال

أما الكنيسة الثانية في أم الجمال فهي “الكاتدرائية” تتبع الكنيسة طراز الباسيلقا من هيكل شبه دائري مزخرف أمام  جنبي الممشى الضيقين. تعد “الكاتدرائية” واحدة من أكبر الكنائس وتقع في الجزء الجنوبي- الغربي من موقع أم الجمال وهي بعيدة عن كل المباني الأخرى.  ويمكن لانعزالها وحجمها أن يدلل على أن لها أهمية خاصة.  بنيت الكنيسة عام 557 ميلادي في أقصى اتساع للديانة المسيحية. وهذا ما يؤكد على أهميتها.

الصليب المسيحي على الكنيسة

الكنيسة المهمة الأخرى هي “كنيسة الشرق” وهي  إحدى أكبر الكنائس في أم الجمال وأكثر سلامة حتى الآن. للكنيسة جدارها الخاص المضموم إلى جدار المدينة. وتتبع الكنيسة الطراز الباسليقي (الطولي) كما هو الحال في الكاتدرائية. وما يميز هذه الكنيسة هو الأرضية الفسيفسائية والتي رغم بساطة تصميمها إلا أنها زينت الأرضية بأربعة ألوان مختلفة. يختلف تصميم هذه الكنيسة عن باقي كنائس أم الجمال فهو يحاكي تصاميم الكنائس في شمال المشرق في الفترة الممتدة بين القرنين الخامس والسادس ميلادي.

تساعدنا كنائس أم الجمال على تحديد هوية أولئك الذين عاشوا في المنطقة. فهنالك الكنيسة المزدوجة التي تقع شمالي شرق البلدة والتي أرفق لها أربع وحدات سكنية. للكنيسة تصميم بسيط ولكنها تحوي نقوشا على إحدى قناطرها وتعود للفترة ما قبل الإسلام.  ويعتقد أن أم الجمال شهدت المرحلة المبكرة من تطور الكتابة العربية كما تبين لنا نقوش الكنيسة. إضافة لنقش الكنيسة فقد اكتشف نقش أموي على عمود بارتيوريوم في “دار الولاية” أي بيت الأمير والذي يقع غرب البلدة ويقول النقش” بسم الله الرحمن الرحيم”  ومن خلال آثار الموقع وتلك النقوش يمكننا تتبع تطور اللغة العربية في الأردن.

وعلى الرغم من أن أم الجمال كانت قد شهدت العديد من الحضارات والعادات والطرز المعمارية إلا أنها هجرت منذ أواخر القرن السابع وأوائل القرن الثامن ميلاي. ويرجح أن السبب في ذلك هو الزلزال الذي حدث في 747 ميلادي والذي دمر المدينة. وبغض النظر عن تلك الكارثة الطبيعية فإننا قد حظينا بفرصة رؤية هذه المجموعة الخلابة من الكنائس التي تعود ل1500 سنة مضت.

المراجع والمصادر

Atlastours.net. (2017). Umm el-Jimal, Jordan. [online] Available at: https://atlastours.net/jordan/umm-el-jimal/ [Accessed 29 Nov. 2017].

Mattingly, G. and de Vries, B. (2004). Umm el-Jimal: A Frontier Town and Its Landscape in Northern Jordan, Volume 1: Fieldwork 1972-1981. Bulletin of the American Schools of Oriental Research, (333), p.91.

رندة فؤاد (2007). “عمارة الكنائس وملحقاتها لـ رنده قاقيش ن عمان: دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع.

Ummeljimal.org. (2017). The Umm el-Jimal Project: Archaeological Research, Cultural Heritage Preservation, and Community Development in Jordan. [online] Available at: http://www.ummeljimal.org

Vries, B. (1979). Research at Umm El-Jimal, Jordan, 1972-1977. The Biblical Archaeologist, 42(1), p.49.

سلسلة كنائس الأردن القديمة: كنائس أم الجمال

تمتد منطقة عجلون من وادي الزرقاء جنوبا إلى اليرموك والسواد شمالا ومن وادي الأردن غربا إلى منطقة البرية شرقا خلف مدينة جرش. ويشق المدينة واديان: وادي جنا شرقا ووادي الجود شمالا وفي الوسط عين ماء غزيرة (غوانمة:1986) ونظرا لاتصافها بكل هذه السمات صارت عجلون مركزا مهما ومنطقة زراعية نشطة ذات كثافة سكانية جيدة.

(جامع عجلون الكبير يتوسط المدينة ويخدم آلاف المصلين. المصدر: وكالة عجلون الإخبارية)

ازدادت أهمية عجلون بعد قيام صلاح الدين الأيوبي ببناء القلعة عام 580 هجري  خاصة بعد ضمها إلى الكرك التي كانت إمارة أيوبية بارزة ومستقلة سياسيا. أما المسجد الحالي فقد أمر ببنائه الصالح نجم الدين بن أيوب سنة 645 هجري، ورغم ايراد بعض المصادر وجود مسجد أيوبي ثان إلا أنه لم يتم إيجاد أي أثر له حتى الآن.

(مئذنة جامع عجلون الكبير المربعة الشكل والتي أمر ببنائها الظاهر بيبرس وكانت تستخدم لأغراض المراقبة والدفاع. المصدر: وكيبيديا)

اهتمت الدولة المملوكية بمدينة عجلون حيث استقر الظاهر بيبرس فيها وأمر ببناء منارة (مئذنة) مربعة الشكل من الحجر الأحمر للمسجد سنة 662 هجري ولا تزال اللوحة التأسيسية مثبتة على الباب الغربي. ويعد بناء المئذنة بناءً ذكيا حيث يصلح لأعمال الدفاع والمراقبة كذلك. استمر اهتمام السلاطين المماليك بمسجد عجلون، فبعدما اجتاح السيل المدينة وتهدمت أجزاء كبيرة من المسجد وغرق الباقي في الماء أمر السلطان الناصر محمد بن قلاوون بإعادة بناء وترميم المسجد. وكان السلطان قد أوكل مهمة الإشراف إلى قاضي عجلون تاج الدين محمد الإخنائي وتشهد اللوحة المثبتة في صحن المسجد على أعمال الترميم وإعادة البناء. (غوانمة:1986)

أما بناء المسجد فمستطيل ويتكون من بيت للصلاة بأبعاد 27.8×14.8 م. ينخفض عن أرضية باقي المسجد. كما يتكون من صحن ومدخل شرقي أعيد بناؤه في عهد السلطان قلاوون وأزيل فيما بعد هذا الجانب وبني مكانه مخازن ومحال تجارية. وفي بيت الصلاة عدة خلوات وهي أمكنة خاصة للمعتكفين والمتصوفة وربما يعود احتواء المسجد على خلوات إلى اشتهار الطرق الصوفية في منطقة عجلون وانتماء العديد من أبناء العشائر الأردنية للفكر الصوفي.

وللمسجد باب شمالي يشابه الباب الشرقي فكلاهما له عتبة إلا أن الباب الشرقي أصغر قليلا من الشمالي. يحمل الباب الشمالي اللوحة التأسيسية لبيت الصلاة والتي تؤرخ لزمن البناء وعهد السلطان الذي أمر بالبناء إضافة للمشرف على البناء.

وفي المسجد من الداخل أعمدة تحمل أشباه قباب أو أقواس. كما يتزين المسجد بزخارف نباتية جميلة ونوافذ عالية. وللمسجد محراب مجوف بعمق 1.2 م. وله عمودان مزخرفان كما يحمل قبة مضلعة مزخرفة من الخارج والداخل. وإلى جانب المحراب ينتصب منبر بارتفاع ثلاثة أمتار وهو حديث البناء (غوانمة: 1986)

يحتوي بناء المسجد على عدة نقوش لم يستطع الباحثون قراءتها كليا، إلا أن بعضها يخبر بإلغاء المظالم (الضرائب) ومصادرات الأراضي في عجلون وذلك في عهد الملك الجركسي خشقدم (865-872 هجري) ويذكر هذا النقش وجود خان في عجلون إلا أنه لا معلومات أخرى عن وجود هذا الخان. كما وجد نقش آخر يختص برفع الضمانات. أما باقي النقوش فإما على حجارة مكسرة أو أنها متآكلة بحيث لا يمكن استخلاص أي معلومة منها. (غوانمة:1986)

للمسجد ست غرف جانبية (مجنبات) واسعة، ثلاثة منها على الجانب الشرقي وثلاثة منها على الجانب الجنوبي وقد كانت تستخدم هذه الغرف للدراسة أو لإقامة من كان يعتني بالمسجد. أما المتوضأ فهو بناء حديث وكانت العادة وجود نافورة إلا أن الدارسين يعتقدون بأن أعمال التجديد قد أزالتها.

ومؤخرا تم اكتشاف جدار أثري في محيط المسجد وعلى عمق ثلاثة أمتار إضافة لمدخل يفضي إلى كهف وحجرة محفورة بالحجر الكلسي يعتقد الباحثون أن المكان عبارة عن مدفن روماني أو بيزنطي يسبق بناء المسجد.

المراجع:

  • الدرادكة، فتحي (1998) القصور والمساجد الأموية في الأردن، دراسة منشورة.
  • غوانمة، يوسف (1986) المساجد الإسلامية القديمة في منطقة عجلون. منشورات مركز الدراسات الأردنية: جامعة اليرموك.
  • اكتشاف جدار أثري في محيط مسجد عجلون الكبير، الإصلاح نيوز:2013

المساجد الأردنية القديمة: مسجد عجلون الكبير

تقع منطقة الحصن جنوب محافظة إربد على الطريق الواصل بينها وبين العاصمة عمان وتبعد الحصن عن عمان قرابة 70كلم. للحصن أهمية تاريخية فقد كانت البلدة مأهولة منذ العصر البرونزي والحديدي وكانت محاطة بجدار منيع يبلغ طوله مئات الهكتارات. وإضافة لجذور المنطقة الضاربة في التاريخ، كانت الحصن إحدى مدن مملكة جلعاد التي تأسست على أراضي الأردن. أما في العهد الأموي فقد كانت بلدة الحصن بالفعل حصنا منيعا للدولة الأموية لموقعها الاستراتيجي الواصل بين المدن الواقعة على سهول حوران.

(صورة جوية لتل الحصن المصنوع من أنقاض إحدى مدن الديكابولس. المصدر: مدونة الأردن)

أما تل الحصن فهو تل اصطناعي بني على أنقاض إحدى مدن حلف الديكابولس السبعة الأردنية الثابتة من أصل عشرة مدن ووجد الآثاريون فيه العديد من المواقع الأثرية كالمدافن وخزانات المياه والحبوب وكانت بقايا المسجد الأموي إحدى اكتشافات حملات التنقيب في الموقع.

كشف العلماء عن وجود آثار لمحراب قديم بارز عن الأرض مما يدل على وجود مسجد مكان كومة الحجارة المتهدمة وبعد تحليل قطع الفخار المصاحبة للحجارة اكتشف أن المسجد يعود في بنائه الأول إلى العهد الأموي. ويذكر وجود قلعة أموية معاصرة لبقايا هذا المسجد وعلى بعد عدة أمتار منه. وترجح المصادر أن هذا المسجد كان صغيرا ويقتصر استخدامه على حراس المدينة لا أكثر.

(مسجد تل الحصن ويظهر يمين الصورة المدخل إضافة للأعمدة التي كانت تحمل السقف. المصدر: وكيبيديا)

يطابق تصميم المسجد المساجد الأموية من ناحية وجود بيت للصلاة وجدار للقبلة ويتوسط الجدار محراب إضافة لأعمدة ترفع السقف حسب الطراز الشائع آنذاك. إلا أن توالي الأبحاث على البناء المتهدم أفضى إلى اكتشاف استمرارية استخدام المسجد في العهدين الأيوبي والمملوكي.

المراجع:

  • الدرادكة، فتحي (1998) القصور والمساجد الأموية في الأردن، دراسة منشورة.
  • غوانمة، يوسف (1986) المساجد الإسلامية القديمة في منطقة عجلون. منشورات مركز الدراسات الأردنية: جامعة اليرموك.
  • نواش، تمارا (2009) المسجد الأموي في موقع تل الحصن: دراسة معمارية تحليلية. رسالة ماجستير: جامعة اليرموك.

المساجد الأردنية القديمة: مسجد تل الحصن الأموي

مبنيا بالكامل من حجارة آثار رومانية وبيزنطية، يطل مسجد حبراص الأموي القديم ليكون شاهدا على العصر الإسلامي في شمال الأردن. حبراص أو “حابي حورس” بالفرعونية هي قرية في لواء بني كنانة في إربد. غزاها الفراعنة في القرن السادس عشر قبل الميلاد واكسبوها اسمه الذي نتداوله حتى اليوم.

مسجد حبراص في لواء بني كنانة وتظهر زاوية من زوايا المسجد المتبقية. حقوق الصورة للباحث نادر عطية

لمسجد حبراص معمارية متميزة، فكل حجر فيه كان جزءا من بناء روماني أو بيزنطي قديم. وعلى الرغم من ذلك، يحتفظ المسجد بطابع معماري أموي متميز حيث رصفت أرضيته بالحجارة على الطريقة الأموية ذاتها المستخدمة في تبليط أرضية مسجد جرش الأموي.

يقوم سقف المسجد على أعمدة بيزنطية مزينة بتيجان مزخرفة. وبيت الصلاة مستطيل الشكل ولجدار القبلة فيه ثلاثة محاريب بقي منها اثنان. وقد نحت أحد هذه المحاريب في الصخر. أما المئذنة فكتب في تأريخها دكتور علم التاريخ الأستاذ محمد حتاملة :

” أما مذئنة المسجد فهي مربعة الشكل ومتصلة بالجزء الشرقي من الجدار الشمالي للمسجد، ويبلغ طول ضلعها أربعة أمتار وأربعين سنتيمترا، المئذنة أو صومعة المسجد بنيت في عهد المماليك وقد أمر ببنائها السلطان منصور قلاوون.. 686 هجري/ 1278 ميلادي. وقد أنيطت مهمة الإشراف إلى أحد مماليك السلطان وهو لؤلؤ المنصور الحسامي ويستدل على ذلك من نقش موجود على لوحة تأسيسية مؤلفة من حجرين يبلغ طولها 133 سم وعرضها 46 سم، وينص النقش على ما يلي: بسم الله الرحمن الرحيم إنما يعمر مساجد الله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر أمر بعمارة هذه المئذنة المقر الأشرف الحسامي طرنطاي  المنصوري (نائب) السلطنة بتولي العبد الفقير إلى الله لؤلؤ المنصور الحسامي في ظهر  صفر  سنة ست وثمانين وستمائة”

إطلالة على بقايا مسجد حبراص بعد الزلازل التي ضربت المنطقة ويظهر يسار الصورة المحراب المجوف. حقوق الصورة للباحث نادر عطية

تهدمت الكثير من معالم مسجد حبراص بفعل العوامل الطبيعية كالزلازل التي ضربت المنطقة ولكن أعيد ترميم المسجد من قبل أهالي القرية في عهد الاحتلال العثماني والعصر الحديث.

المراجع:

  • الدرادكة، فتحي (1998) القصور والمساجد الأموية في الأردن، دراسة منشورة.
  • غوانمة، يوسف (1986) المساجد الإسلامية القديمة في منطقة عجلون. منشورات مركز الدراسات الأردنية: جامعة اليرموك
  • حبراص.. زيتونها المبارك يحمي مسجدها الأموي، صحيفة الراي: 2017

المساجد الأردنية القديمة: مسجد حِبراص

تمهيد

كان الموت ولا زال لغزَ البشر المحير. فمن اللحظة التي أعلن فيها الأردنيون الأوائل في “عين غزال” ارتباطهم في الأرض ودفنهم لموتاهم ومتعلقاتهم انطلقت شرارة كل الميثولوجيا الدينية وكل الطقوس. وصحيح أن البترا تسمى المدينة الوردية إلا أنها سميت أيضا بمدينة القبور فيوجد فيها وحدها 500 قبر.

تخبرنا القبور المهيبة التي نحتها الأردنيون الأنباط في الصخر لموتاهم أنهم قدسوا هذا السر وآمنوا بحياة أخرى يبعث فيها الميت من جديد. وعلى واجهات القبور والمعابد يظهر رمز نبطي مشهور وهو رمز “خطوة الغراب” ويكون على شكل ثلاث درجات للأعلى وثلاث درجات للأسفل دلالة على وجود عالمين سفلي وعلوي، عالم الحياة وعالم الموت.

عشرة قلائد ذهبية وتسع خرزات من المقتنيات المدفونة مع الأنباط ديفيد جونسون
عشرة قلائد وتسع خرزات من المقتنيات التي وجدت في إحدى القبور النبطية. حقوق الصورة للباحث ديفيد جونسون

لقد دفع إيمان الأردنيين الأنباط بحياة أخرى لدفن الميت مع أغراضه الشخصية ليستعملها في حياته القادمة. تباينت المتعلقات بين مجوهرات وسيراميك وأحذية وجلود وعملات وصدف وغيرها، على أن قرابة 77% من القبور النبطية البارزة كانت خالية تماما من المتعلقات ويرجح ذلك لحملات السلب والنهب التي كان يقوم بها اللصوص وقاطعو الطرق.

تنقش على واجهات القبور أدعية اللعن التي تلحق اللعنة بأي من تسول له نفسه نبش القبر وسرقة متعلقات الميت. وفي نقش وجد في البترا ويؤرخ إلى 17 م.  يذكر أولاد الميت بناءهم قبرا لوالدهم (أبناء “وهب اللاهي” أقاموا لأبيهم “بيت صلما” والتي تعني حرفيا “بيت للآخرة” بمعنى قبر أو ضريح).

هيكل نبطي (3-12 سنة) برفقة تمثال صغير. من تنقيبات مقبرة مطار الملكة علياء- حقوق الصورة لإبراهيم وجوردون
هيكل نبطي يعود لطفل من عمر ثلاث إلى اثني عشر سنة، برفقة تمثال صغير. الدفن على شكل فردي. من تنقيبات مقبرة مطار الملكة علياء. حقوق الصورة للباحثة كورتني إيورت

عادات وطقوس الدفن: قداسة الموتى

كانت طقوس الدفن والجنائزيات إحدى أهم أعمدة الطقوس الدينية لدى الأردنيين الأنباط، ولا يعود هذا لقداسة الموت ورهبته فحسب، إنما لكون هذه الطقوس مَعبرا إلى الحياة الأخرى التي اعتقد الأردنيون الأنباط بوجودها. وجد الباحثون أن أجدادنا الأنباط قد استخدموا أكثر من طريقة للتعامل مع الموتى، فمنهم من دفن في مقابر حجرية ومنهم من دفن في توابيت خشبية وآخرون حرقت أجسادهم بطرق متباينة. كما شاعت عادات الدفن الفردي والدفن الجماعي إضافة للتحنيط.

يرجح العلماء أن الأردنيين الأنباط تأثروا في الحضارة الرومانية فيما يتعلق بدفن الموتى في التوابيت الخشبية. إن معظم التوابيت التي تم الكشف عنها كانت متحللة وتعود للعصرين الأوسط والمتأخر من الحضارة النبطية . وقد استخدم الأردنيون الأنباط طريقتين في تثبيت التوابيت الخشبية؛ المسامير وتعشيق الخشب وبطريقة ممتازة الصنع. وتتوزع طريقة الدفن هذه في الحميمة والبترا وفي الطرق المؤدية لميناء غزة الذي كان معبر التجارة النبطية الأردنية نحو العالم. وقد وجدت هذه الطريقة حصرا في القبور الرأسية واستدل العلماء عليها بوجود بقايا خشب إضافة لأجراس وأسرجه ومسامير.  وفي منطقة النقب التي كانت امتدادا للمملكة النبطية الأردنية فقد وجد العلماء مدافن حجرية ذات أرضية مربعة مثبتة بالطين ومغطاة بالحجارة وغالبا ما كانت الهياكل العظمية في هذه المدافن محفوظة وكانت التوابيت الخشبية مزركشة وقد توجد بعض آثار الأكاليل (المحيسن: 2009)

Renaissance Tomb- Courteny Ewert 2016
“قبور نبطية محفورة في الصخر من ضريح النهضة في البتراء. حقوق الصورة محفوظة للباحثة كورتني إيورت”

 أما حرق الموتى فيعد من أغرب تقاليد وطقوس الدفن عند الأردنيين الأنباط ورغم ذلك فقد تعددت صور هذه العادة فمن الحرق الجزئي إلى الكلي أو الحرق بالجير غير المطفأ.  وجد العلماء في مقبرة المعيصرة (قرية في محافظة حماة السورية حاليا- شمال المملكة النبطية الأردنية) على رماد لعظام بشرية وحيوانية إضافة لجماجم محروقة بشكل جزئي (الروابدة: 2008) أما الحرق الكلي والذي يسمى ” كولمباريوم” فلم يوجد إلا في مدينة البترا. حيث يكون المدفن كبيرا ومحتويا على فتحات وكوى في الجدار توضع فيها أوانٍ تحوي على رماد الجثث.

صورة أضرحة الرماد
أضرحة الرماد (أعشاش الحمام)  والحفر التي كان يوضع فيها رماد الميت. (الماجدي: 2012)

 أما استخدام الجير المطفأ فهو العادة التي انفرد بها الأردنيون الأنباط عن غيرهم. فقد وجد في مدفن ذو الشرى في البترا جماجم لثلاثة أطفال بجانب رماد لجثث أخرى وطبقة من الرمل الأسود الذي اكتشف لاحقا أنه الجير.  ويبقى سبب استخدام هذه الطريقة غامض حتى الآن على الرغم من أن بعض علماء الآثار يرجحون أنها طريقة ذكية استخدمها الأردنيون الأنباط للقضاء على الأوبئة حيث يقضي الجير على كل المواد العضوية.

لقد تأثر أجدادنا الأنباط بلا شك بالحضارة المصرية، فقد كانت علاقات التجارة بين الحضارتين قوية. يستخرج الأنباط القير(القار) من البحر الميت ويبيعونه للمصرين لأغراض التحنيط. وعلى الرغم من وجود العديد من الدلائل الملموسة على ممارسة التحنيط إلا أن الآثاريين لم يجدوا جثثا محنطة تحاكي الطريقة المصرية في تحنيط المومياوات.

وكان العلماء قد وجدوا في مقبرة خربة الذريح خصلات شعر وأجزاء جافة من الدماغ إضافة لأكفان جلدية مزركشة كما وجدت لفافات جلدية في محاجر العيون دلالة على أن إزالة العيون قبل هذه السلوكيات. وكل هذا يدل على خصوصية تعامل الأردنيين الأنباط مع الميت.

الدفن الفردي والجماعي

سادت عادة الدفن الفردي عند الأردنيين الأنباط، ففي المقبرة النبطية التي وجدت في منطقة مطار الملكة علياء كانت كل القبور فردية. استقبلت كل الجثث جهة الشرق وهي دلالة على وجود طقس جنائزي يحتفي بالشمس التي كانت تمثل الإلهين الرئيسين ذو الشرى واللات.

وعلى الرغم من شيوع الدفن الفردي إلا أن القبور الجماعية قد حضرت أيضا، ولكن بصورة تجعلها أشبه بتقليد خاص ينفذ بناء على رغبة الشخص نفسه. فقد وجدت الكثير من القبور التي خصصت لدفن فرد واحد على هيكلين يقابلان بعضهما أو موضوعان فوق بعضهما، والأرجح أن يكون هذا مقتصرا على الأزواج والعائلة. وفي البترا وجدت مدافن عديدة يحوي أحدها على رماد 30 جثة وآخر يحوي على سبع جماجم.

الجنازة النبطية: طقوس الانتقال إلى الحياة الأخرى  

يخطف الموت فردا من عائلة أردنية نبطية تسكن بيتا محفورا في الصخر. في تلك الأثناء تمسح عائلة الميت دموعها وتستعد لمنح روح الفقيد الراحة الأبدية. في المدفن، يجهز قبر محفور في الصخر بعمق 150 سم، يتلو الكاهن أدعية اللعنة على نابشي القبور، وإن كان الميت مميزا قد تلف جثته بأكفان جلدية مزخرفة وقد ترسم صورته على جدران القبر. تجمع العائلة أغراضه وجواهره ولا ينسون وضع قطع ذهبية في فمه إرضاء لصاحب العربة المسمى “شارون” والذي ينقل روح الميت من الحياة الدنيا إلى العالم الآخر، وتجر هذه العربة خيل وجمال أو حتى دلافين منقوشة على المقابر!

wadi Mataha, Petra Courteny Ewert
قبور نبطية، البتراء. حقوق الصورة للباحثة كورتني إيورت

يتوجه الجميع بعد الدفن إلى المكان المتفق عليه، “المضافة الجنائزية” شتاء داخل المقبرة وصيفا خارجها، يجلسون على المقاعد التي حفرت في الصخر أيضا وربما في مشهد شبيه في بيوت العزاء الحالية، يستقبل أهل الميت المواساة في خسارتهم. داخل المضافة تجلس تماثيل الآلهة في كل زاوية، ويحرق البخور.

تتقدم جموع المعزين من الطقس الجنائزي التالي: الوجبة الجنائزية التي كانت تقدم على موائد صخرية ملحقة في المقبرة. يجلس الحاضرون على الأرضية الرملية ويبدأ تقديم الطعام فتخرج الأطباق والكؤوس الخزفية وربما يصل الأمر إلى كؤوس ذهبية إن كانت الوليمة على شرف الإله أو شرف الحاكم.  ويكمن الأمر المثير للاهتمام بأن عادة تقديم الطعام لا تزال حاضرة كجزء من بيوت العزاء في المجتمع الأردني.

نقش على قبر
نقش نبطي يؤرخ للعام 31/23 م. في مملكة الحجر إحدى الممالك النبطية جنوب العاصمة البتراء. ترجمة النقش: هذا القبر الذي بناه حسايكو ابن حُميدو لنفسه ولذريته ولغزيعات وسلامو أختيه، ابنتا حميدو ولذريتهما. ولا يملك أي أحد حق الكتابة على هذا القبر أو شرائه أو الدفن فيه غير أصحاب الحق من الورثة. ومن يفعل ذلك فلن يكون له حق شرعي فيه. في شهر أيار، السنة الأربعون من حكم الملك الحارث، ملك الأنباط المحبوب من شعبه. روما وعبد عبادة، البناؤون.

في النهاية، تتفرق جموع المعزين وترجع الحياة إلى المضي كسالف عهدها؛ ربما يقوم أهل الميت بإحياء ذكرى سنوية بإعادة طقوس الدعاء والموائد الجنائزية ليتذكروا فقيدهم وليمنحوه الراحة في العالم الآخر.لم يغفل الأردنيون الأنباط عن كتابة اسم المتوفى ومكان وفاته ولكن كان النصب التذكاري المسمى “النفش” أمرا منفصلا عن المقبرة وقد يوجد في مكان بعيد ومنفصل عن مكان الدفن.  ويعد النقش الذي وجد في أحد اودية البترا من أهم هذه النصب التذكارية (هذا نفش بتريوس ابن تربتوس  وهو مكرم لأنه مات في جرش وهو من سكان الرقيم) والرقيم هو الاسم القديم للبترا. إن هذا النقش يوضح أن الأردنيين الأنباط كانوا يعاملون القبر وشاهد القبر (النفش) معاملة منفصلة حيث يعنى الأول بدفن الجثة والثاني بتخليد ذكرى الميت.

الطقوس النبطية: صورة دينية كاملة

بهذا رسِمت الصورة الكاملة للتوليفة الدينية النبطية الساحرة. لم يكن الأردنيون الأنباط أصحاب حضارة عادية على الإطلاق، بل كانوا شعبا ثريا روحيا ومعنويا. تمنحنا الإطلالة على طقوس الأردنيين الأنباط الدينية معرفة أعمق بمدى استقرار المجتمع الأردني النبطي ومدى تعلقه بالأرض التي عاش عليها.

احتفل الأردنيون الأنباط بآلهتهم وانتصاراتهم وكان لهم كاهن وصلوات وأدعية كما كان لهم تعبيرهم الخاص عن رؤيتهم للحياة الأخرى وعبور الأرواح إليها. لم يؤد الأنباط أي طقس من طقوسهم سوى بكثير من الحب والرغبة في الخلود، ولقد كان لهم ذلك فمدنهم التي حفرت في الصخر لا زالت تحفر في قلوب كل من يزورها الدهشة.

المراجع:

  • الحموي، خالد. (2002) مملكة الأنباط: دراسة في الأحوال الاجتماعية والاقتصادية (ط1)، عمان: مشروع بيت الأنباط.
  • الروابدة، ندى. (2008)، الحياة الدينية عند الأنباط، رسالة دكتوراة، جامعة دمشق، دمشق، الجمهورية السورية العربية.
  • الماجدي، خزعل. (2012)، الأنباط: التاريخ، الميثولوجيا، الفنون، (ط1)، دمشق، دار نايا ودار المحاكاة.
  • غرايبة، هاشم. (2007)، العيد عند الأنباط، صحيفة الراي.
  • عطيوي، ف. و رشيد، ح. (2010)، الحياة الدينية عند الانباط قبل الإسلام، مجلة ديالي 45 (130-154)
  • المحيسن، زيدون(2009)، الحضارة النبطية (ط1)، عمان، وزارة الثقافة الأردنية.
  • عباس، إحسان(1987)، تاريخ دولة الأنباط (ط1)، عمان، دار الشروق.
  • عجلوني، أحمد(2003)، حضارة الأنباط من خلال نقوشهم (ط1)، عمان: مشروع بيت الأنباط

 

 

References:

  • Allpas, Peter& Jhon (2011) The Religious life of Nabatea. Doctoral thesis, Durham University.
  • Alzoubi, M., Almasri, E. & Alajloiny, F. (2012), Woman in the Nabatean Society, Mediterranean Archeology and Archaeometry, 13, No. 1, p. 153-160
  • Perry, M. (2002), Life and death In Nabatea: the North ridge tombs and the burial practices, Near East Archeology 265-270
  • Ewert, C. (2017), Nabatean Subadult Mortuary Practices. MA thesis, Brigham Young University

الطقوس النبطية : الحياة والموت

تمهيد

كانت الحياة الدينية للنبطي الأردني على قدر مثير من الغنى. فبداية من الآلهة المتنوعة التي عبدها ومن رموزها المستقاة من احتكاكه بالطبيعة الأردنية والحضارات المجاورة والتي مكنتنا من فهم مخاوفه وآماله. لقد كان أجدادنا الأردنيين الأنباط على قدر رهيب من الوعي الروحي واستطاعوا أن يصلوا لتوليفة دينية شديدة التميز تلبي جميع احتياجاتهم العميقة.

عاش الأردنيون الأنباط في مدن كالمعابد كان كل ركن منها يحوي إشارة للإله، ولكن هذا الغنى لم يقتصر على المعابد والأضرحة فحسب إنما تعدى إلى أن ينظم الأردنيون الأنباط حياتهم وفقا لطقوس تضمن لهم حب وقرب الآلهة وتبعد عنهم السخط والغضب.

وبداية من الاحتفالات الدينية والشعبية والطقوس التعبدية وصولا إلى الجنائزيات وعادات الدفن كانت الطقوس الدينية النبطية تحتل موقعا مهما انعكس على جميع جوانب الحضارة النبطية الأردنية من معمار وتجارة وزراعة وغيرها.

دائرة الأبراج النبطية والأعياد

ساهمت آثار خربة التنور في فهمنا لطبيعة التقويم لدى الأردنيين الأنباط. فقد وجد علماء الآثار عدة رموز استخدمت كدائرة الأبراج zodiac. تعبر الأبراج عن دورة الوقت عدا عن ارتباطها الوثيق بالآلهة، فالآلهة النبطية كانت مستقاة بشكل رئيس من أمرين هما السماء والدورة الزراعية. فنرى اللات شمسًا وآلهة خصب وقمح، ونرى مناة قمرا وآلهة موت وذبول ويكون ذو الشرى “آلهة الكروم”. ولهذا، كان الأردنيون الأنباط يحتفلون في مواسم معينة وفقا لما تحدده هذه الأبراج.

كانت الأبراج أمرا شهيرا وشائعا في الحضارة الرومانية، فتزدان الكنائس والقصور برسوم ونقوش لرموز الأبراج ولكن الأبراج الرومانية عكس عقارب الساعة (الحمل، الثور، الجوزاء، السرطان، الأسد، العذراء) ومن ثم (الميزان، عقرب، قوس، جدي، دلو) على أن الأردنيين الأنباط لم يأخذوا الأبراج الرومانية على هيئتها تلك إنما كانت الأبراج النبطية مع عقارب الساعة إضافة لحملها رموز الآلهة النبطية الخاصة.

zodiac2
تمثال الأبراج النبطية في خربة التنور وتظهر نايكي ( تايكي ) آلهة الحظ والرعاية تحمل اللات وتطوقها دائرة الأبراج (Nabatean.net)

وجد علماء الآثار في موقع خربة التنور تمثالا يوضح ماهية الأبراج النبطية، فربة الحظ والرعاية “نايكي/ تايكي” المجنحة والتي يرجح أنها ذات الآلهة مناة تحمل اللات آلهة الشمس والخصب على يمينها سيف أو حربة كما ترتدي اللات إكليلا.

تختلف بعض تصاوير الأبراج أيضا في الدائرة النبطية، فصوّر الأردنيون الأنباط برج القوس برامٍ شاب وفتي يحمل قوسا أو رمحا ويرجح أن هذا يرمز للآلهة الكتبا- الكتباي آلهة الكتابة والتجارة. كما صور الأردنيون الأنباط برج الجدي على شكل تمثال نصفي للإنسان على عكس التصوير التقليدي عند الرومان بسمكة أو جدي.

zodiac
(Nabatean.net)   صورة مقربة لدائرة الأبراج النبطية

 

وتتباين احتفالات الأردنيين الأنباط وفقا لهذا التقويم، فبها تحدد الأشهر الحرم ومواقيت الحج وطقوس القرابين والدعاء ولم

تقتصر على ذلك بل استخدمت أيضا للدلالة على مواعيد الحصاد والبذار.

 قداسة الأماكن العالية: حج وأعياد وقرابين

 كانت الصلاة بالنسبة للأردنيين الأنباط فعل ارتقاء حقيقي وروحي في آن واحد. فقد دفعهم تقديسهم للأماكن العالية إلى بناء أدراج تتكون من مئات الدرجات التي ترقى إلى قمم جبال جنوب الأردن؛ ومدينة البترا الوردية التي تلفها الجبال من كل جانب هي خير دليل.

في دراسة أجريت على الأماكن المقدسة في المنطقة وجد الباحثون أن 70% من هذه الأماكن قد بني على مكان مرتفع. ويعد موقع خربة التنور إضافة لخربة الذريح من أهم المعابد النبطية الأردنية التي بنيت في مكان عال والتي كان الأردنيون الأنباط من مختلف أرجاء المملكة يحجون إليها.

عرفت الأماكن العالية المقدسة عند الأردنيين الأنباط بالمعلايات. فالمعلية ساحة منبسطة مقتطعة من جبل، يبنى لها درج. لهذه المساحة المنبسطة ارتفاع بسيط وتحيط بها دكة مبنية استخدمت غالبا للجلوس، وغالبا ما يتوسط المعلية مذبح وتسمى حينها “مسجدا” والمسجدا هي محراب العبادة المقدس. وعلى زوايا المعلية، تحفر مجار للماء وأخرى للدماء. وقد وضع الأنباط داخل هذه المعلايات ما سموه “نصب” أو “مصبا” وكانت هذه الأنصاب تجسيدا للآلهة وعندها تتم طقوس الحج والعيد والقربان.  كما وضعوا قطعا صخريا مستطيلة الشكل وأكثر انتظاما سميت بالمسلات ولها أيضا دلالات دينية كالتي عند الأنصاب.

أدراج المعلية
الأدرج المؤدية إلى المعلية تشق طريقها رغم وعورة الجبل – Nabatean.net

في طقس احتفالي، يتقدم الكاهن الجموع ويصعد الدرج تاليا دعواته وطائفا حول النصب في شعيرة أشبه “بالحج”.  يجر النبطي الأردني قربانه المقدس، وعند الوصول إلى أرض “المعلية” المنبسطة يقوم الكاهن بذبح القربان وتسييل دمه على الأدراج وفي المجاري المخصصة لذلك. منذ فجر الإنسانية، كان الدم رمزا للحياة والقوة، وبه دعا الإنسان إلهه بأن يمنحه إرادة الحياة والقربان وسيلة أيضا للاعتراف بالمنة والفضل لآلهة الخصب التي ترعى الحملان كي تتكاثر. لقد كان الإنسان النبطي الأردني يقدر نِعَم إلهه وهو ككل البشر الباقين كان طامعا في رضا الرب وخاشيا من عذابه وسخطه.

AttufShrine
صورة توضح المعلية على  قمة جبل عطوف في البتراء وتظهر الأنصاب المقدسة في منتصف المعلية حيث كانت تقام طقوس الحج والقربان المقدس – موقع WonderMondo

احتفل الأردنيون الأنباط في ذلك الطقس بالآلهة اللات ربة الخصب. فأثناء موسم تكاثر الحملان يعلن الأردنيون الأنباط بدء الربيع فيكون العيد احتفالا بهبة الآلهة وبمعجزة الخلق التي يشهدونها في موسم التكاثر.  وفي هذا الصدد، كتب الأديب والكاتب الأردني هاشم غرايبة عن طقوس العيد النبطي: ” يبدأ الاستعداد للعيد عندما يهل هلال شهر العيد، وتستمر الطقوس على مدى أسبوعين. أي لحين اكتمال القمر بدرا. طقوس الاستعداد للعيد تبدأ بإعداد القربان المقدس وتنتهي بذبحه أي التضحية به “، ولكن طقوس العيد النبطي لا تقتصر على الاستعداد وتجهيز القربان والحج إلى المعلية، إنما تتعدى ذلك إلى فترة يستغلها النبطي الأردني لتطهير روحه ليبدأ في تطبيق برنامج صارم للزهد والابتعاد عن ملذات الحياة اليومية. يتابع هاشم غرايبة وصفه لطقوس التقشف النبطية الأردنية:

وخلال هذين الأسبوعين يتوقف روتين العمل اليومي، ويلتزم الناس بطقس تقشف قوامه الممنوعات: ممنوع الصيد، ممنوع إراقة أي دم. ممنوع قتل أي كائن ولو كان حشرة. ممنوع شرب الخمور أو التعاطي مع العطور. ممنوع إقامة علاقات جنسية من أي نوع، ممنوع النوم وقت طلوع الشمس ووقت غروب الشمس. ممنوع أي تماس جسدي مع أي شخص آخر، ممنوع غسل الوجه واليدين، ممنوع قص الشعر وحك الرأس، ممنوع الغناء ورفع الصوت حتى من قبل أطفال يلعبون. ممنوع الخروج للبحث عن ضآلتك فالماشية الشاردة تعد ملكا لمن يعثر عليها، خلال هذين الأسبوعين يتم إعداد القربان حيث التضحية بالقربان المقدس هي ذروة العيد وخاتمته. وبعدها تراق الخمور وتغني القيان، ويرقص الناس بالشوارع، ويصير الممنوع مباحا

ويذكر الباحثان عطيوي ورشيد (2010) أن طقوس القربان المقدس لم تكن تقتصر على الذبح أو تلاوة الصلوات إنما ” كان الأنباط يقيمون ولائم مقدسة لأكل لحوم الأضاحي إذا يشارك في أكلها موظفو المعبد والعباد في غرف خاصة. وكانت الوجبة التعبدية هي المشاركة بين الإله وعابديه في المؤاكلة”

كان لذو الشرى، الإله الأكبر، نصيب كبير من طقوس الحج النبطية الأردنية. اذ سمي نصب ذو الشرى بـ “كعبو” وكان صخرة سوداء يحج الأردنيون الأنباط إليها في الخامس والعشرين من كانون الأول، أي في يوم الانقلاب الشتوي. حيث يطوف الحجاج ومن ثم يقدمون القرابين ويحتفلون. وقد ألحقت بمعابد  ذي الشرى أرض تسمى “حمى” لأنها في حماية الآلهة فيحرم فيها قطع الأشجار أو الصيد، وقد وردت لفظة “الحرم” في كتابة نبطية في مدينة البترا حيث تقول العبارة ” حرم ذي الشرى … الإله ربنا” (رشيد وعطيوي 2010)

Dushara
تمثال للإله ذو الشرى

أما قرابين  ذو الشرى فكانت تمزج بالحليب أو الماء في بداية عبادة الأردنيين الأنباط لهذا الإله، لكنه نتيجة للتأثر بالحضارة الهلنستية وامتزاج صفاته بصفات إله الخمر ديونيسوس صارت القرابين تمزج بالخمر. كما قدمت للإله ذو الشرى القرابين من الفخار والبرونز والفضة والتي تصاغ على شكل حيوانات وجمال، أما القرابين الحية فيرجح الباحثون أنها كانت تحرق. (الروابدة : 2008)

ورغم ورود بعض النقوش التي تؤرخ لطقوس الأردنيين الأنباط، تبقى أغلبها لغزا غامضا ومحل جدل بين الباحثين، خصوصا عند المقارنة بين المعابد أو المعلايات المختلفة. فبعض الأماكن المقدسة احتوت تماثيلا أو وجوه الآلهة منقوشة على إحدى الجهات بينما لم تفعل أخرى وقد رأى آخرون أن المعليات أماكن لتقديم أعطيات المعبد لا القربان. ولذلك أدى هذا الجدل عند بعض الباحثين لاقتراح وجود فرق وطوائف دينية مختلفة لدى الأردنيين الأنباط.

وللأردنيين الأنباط أيضا مجالس ومضافات لها طقوس محددة يذكرها المؤرخ اليوناني سترابو، حيث يذكر أنهم كانوا يجتمعون في حلقات مؤلفة من ثلاثة عشر شخصا، إضافة للموسيقيين، بينما للملك قاعة كبيرة يقيم فيها الولائم وخلالها لا يشرب كل مدعو أكثر من 11 كأسًا من النبيذ، وكان الملك يشارك الناس والعامة ويقوم على خدمة الآخرين في المعبد (المزراح) ونذكر حتى اليوم المثل القائل (كبير القوم خادمهم) المستقى من هذا الطقس، وعقب هذه الطقوس تم تأليه هذا الملك وسمي “رب مرزحا” أي سيد المعبد. (زيدون: 2009)

 لقد كانت الأماكن المقدسة محل توقير كبير لدى الأردنيين الانباط، فلم تكن شاهدة فحسب على طقوس القربان والاحتفالات إنما كانت مسرحا رهيبا لتمثيل رؤيتهم للآلهة والعالم.

أعياد واحتفالات شعبية

إن كانت الأعياد الدينية تحظى بسلسلة من المحرمات وطقوس التقشف فإن الاحتفالات الشعبية على العكس تماما. تبدأ طقوس الاحتفالات بالموسيقى الرقص وكل مظاهر الابتهاج وتذكر المصادر التاريخية أن الأردنيين الأنباط احتفلوا بعيد يسمى (pentaeterigine) وكان هذا العيد يقام كل أربع سنوات ويحتفل فيه الأردنيون الأنباط المقيمون في شبه جزيرة سيناء.

كما خلد الأردنيون الأنباط ذكرى حروبهم وانتصاراتهم على جيوش كليوبترا المصرية في معركة “اكتيوم” البحرية التي حدثت في عام 31 ق.م. وكان الاحتفال بهذا الانتصار يجري في شهر أغسطس ترافقه ألعاب القوى والجري والقفز وألعاب الرهان وغيرها من مظاهر الفرح.

ويذكر المؤرخون أن الأردنيين الأنباط في مرحلة متأخرة من حضارتهم كانوا يقيمون حفلات شرب عالية المستوى، بحيث تنص الطقوس الخاصة بهذه الحفلات على شرب النبيذ على شرف الإله ذو الشرى بكؤوس ذهبية تتجدد في كل مرة من المرات الإحدى عشر المسموحة.

الصلاة والتراتيل والكهنة

لم يصلنا الكثير عن طريقة صلوات الأردنيين الأنباط أيضا، على أن الباحثين كانوا قد وجدوا نقشا في مدينة الحِجر، إحدى الممالك النبطية الأردنية، كان يحمل تصاويرا لأشخاص فسرها الباحثون على أنها أوضاع تعبدية كالركوع والدعاء برفع الأيدي. إضافة لوجود الكثير من النقوش التي تحوي كلمات “بركته” أو “بربك” دلالة على طلب البركة والعون.

وقد رافق هذا الحاجة للاغتسال والطهارة الدائمين. لقد فرضت طبيعة الآلهة على الأردنيين الأنباط ممارسات الطهارة بشكل كبير، فقد كانت الآلهتان اللات والعزى مرتبطتان بالينابيع والمياه الجارية وقد كانت اللات، إضافة لذلك، زوجة ذو الشرى؛ فنرى في المعابد المخصصة لذي الشرى أحواضا صخرية ومجار مائية على المداخل لغرض الاغتسال.

عرف الأردنيون الأنباط أيضا الدعاء، فقد خصصت أدعية لجلب الرزق ودرء السيول وحفظ الصحة والحماية من الفقر. كما عرفوا “أدعية اللعن” وهي أدعية للعن من ينبش القبور. ومؤخرا، تم العثور على بردية نبطية في بئر السبع تؤرخ بحوالي مئة سنة قبل الميلاد وهي عبارة عن تميمة لحفظ رجل ما من سيطرة امرأة وبها يتوسل بالآلهة لحمايته (الماجدي: 2012)

في سياق الحديث عن الطقوس الدينية النبطية لا بد لنا أن نتطرق لشخصية الكاهن التي لعبت دورا مهما في حياة الأنباط الدينية. أطلق الأردنيون الأنباط العديد من الأسماء على الكاهن وفقا للمهمة التي يقوم بها  فتذكر المصادر عددا من أسماء الكاهن النبطي الأردني ووظائفه؛ فيسمى الكاهن النبطي “أفكل” وتعني السادن الحكيم، وهي مقتبسة عن البابلية “أفكلو” وعن السومرية من قبلها والتي كانت تسمي الكاهن “أبكالو” وقد بحث البعض في أصل كلمة “أفكل” ووجدها متقاربة لجذر “فلك” في العربية؛ وربما كان هذا عائدا لما كان الكاهن يقوم به من تنجيم.

كان للكاهن وظائف متعددة كقراءة الفأل والتنبؤ وتفسير الأحلام وسمي عند ذلك ” كمرا” أو “فتورا” أما الكاهن المسؤول عن الطقوس الدينية وتنظيمها فهو “المرزح” وهنالك الكاهن “المبقر” والذي يكون مسؤولا عن بقر بطن القرابين وقراءة أكبادها لأغراض تنبؤية، كما سمي الكاهن المسؤول عن تقديم الأعطيات وحرق البخور “أقطيرا” استخدمت كلمتي “كهن” و “كهنا” للدلالة على الكاهن بصورة عامة. (الماجدي:2012)

منحوتة لكاهن نبطي يرتدي العمامة
منحوتة لكاهن نبطي يرتدي العمامة (الماجدي:2012)


التبرك بالغابة المقدسة

اعتقدت العديد من الحضارات القديمة بأن الأشجار مقدسة، وأن روح الرب قد تحل فيها. وقد اتخذ الأنباط حزمة القمح رمزا للآلهة اللات كما قدموا الحبوب والقرابين النباتية للإله شيع القوم.

تذكر بعض المصادر أن الأردنيين الأنباط كانوا يحجون إلى غابة نخيل مقدسة قرب البحر الأحمر. وكان في هذه الغابة معبد له كهنة وكاهنات. يحجون إليها كل خمس سنين فيتعبدون ويذبحون القرابين ومن ثم يجلبون المياه منها للبركة والعافية. وقيل إن الحج إلى الغابة كان مرتين في السنة. شهر واحد أول السنة وشهرين بداية الصيف وتكون هذه الأشهر أشهر حرم يمنع فيها الصيد أو القتال (رشيد وعطيوي: 2010)

المرأة وقداسة المعبد  

 حضرت الأنثى وبقوة كمعبودة وراعية وجالبة للحظ، متحكمة بالخصب والموت والقدر؛ حتى أن الأردنيين الأنباط نحتوا وصوروا آلهتهم الأنثى على شكل المرأة الحسناء، فقد صوّرت اللات مثلا كامرأة جميلة جزؤها العلوي مكشوف، كما ركزت التماثيل على أماكن الخصوبة كالثديين والأرداف وقد صور بعضها المرأة-الآلهة تقوم بإرضاع وليدها أو حتى إنجابه! لم يكن جسد المرأة سوى كيان مقدس، يرى النبطي فيه فتنة وعظمة إعادة الخلق وهبة الحياة.

 كذلك كانت المرأة النبطية الأردنية على قدم المساواة في الطقوس الدينية النبطية.  يذكر المؤرخ Glueck جلوك  أن المرأة النبطية شاركت بكل الطقوس التعبدية، فكانت تشارك في احتفالات الخصب وتقدم القرابين والأعطيات. كما كانت تشارك الرجال في العزف أثناء الاحتفالات الدينية ربما كمتعبدة أو كراهبة في المعبد. وقد ترك لنا أجدادنا الأردنيين الأنباط تماثيل فخارية تصور فرقة موسيقية مكونة من امرأتين ورجل.

تمثال المرأة العازفة
تمثال فخاري نبطي لفرقة موسيقية تتكون من امرأتين ورجل

وكشفت التنقيبات عن وجود نقوش للآلهة النبطية “العزى” وهي حزينة بسبب زوجها، حيث كانت من إحدى الآلهة التي وجدت نقوشها وتماثيلها على واجهات المعابد النبطية، وقد يلمح هذا لنا بقدسية رباط الزواج وبقدسية الأنثى كذلك، فربما اعتبر الأنباط أن حزن الأنثى من زوجها هو حزن للآلهة ذاتها.

تابعوا الجزء الثاني من البحث ( الطقوس النبطية : لغز الموت والحياة ).

المراجع :

  • الحموي، خالد. (2002) مملكة الأنباط: دراسة في الأحوال الاجتماعية والاقتصادية (ط1)، عمان: مشروع بيت الأنباط.
  • الروابدة، ندى. (2008)، الحياة الدينية عند الأنباط، رسالة دكتوراة، جامعة دمشق، دمشق، الجمهورية السورية العربية.
  • الماجدي، خزعل. (2012)، الأنباط: التاريخ، الميثولوجيا، الفنون، (ط1)، دمشق، دار نايا ودار المحاكاة.
  • غرايبة، هاشم. (2007)، العيد عند الأنباط، صحيفة الراي.
  • عطيوي، ف. و رشيد، ح. (2010)، الحياة الدينية عند الانباط قبل الإسلام، مجلة ديالي 45 (130-154)
  • المحيسن، زيدون(2009)، الحضارة النبطية (ط1)، عمان، وزارة الثقافة الأردنية.
  • عباس، إحسان(1987)، تاريخ دولة الأنباط (ط1)، عمان، دار الشروق.
  • عجلوني، أحمد(2003)، حضارة الأنباط من خلال نقوشهم (ط1)، عمان: مشروع بيت الأنباط

References:

  • Allpas, Peter& Jhon (2011) The Religious life of Nabatea. Doctoral thesis, Durham University.
  • Alzoubi, M., Almasri, E. & Alajloiny, F. (2012), Woman in the Nabatean Society, Mediterranean Archeology and Archaeometry, 13, No. 1, p. 153-160
  • Perry, M. (2002), Life and death In Nabatea: the North ridge tombs and the burial practices, Near East Archeology 265-270
  • Ewert, C. (2017), Nabatean Subadult Mortuary Practices. MA thesis, Brigham Young University

الطقوس النبطية : توليفة دينية ساحرة

Scroll to top