قصر العبد
 مقدمة تاريخية
 يعود تاريخ بناء قصر العبد إلى ما قبل خمسة ألف عام تقريبا، أي إلى العصر الهيلنستي في القرن الثاني قبل الميلاد وقد بناه هركانوس من أسرة طوبيا العمونية الاردنية في عهد الملك سلوقس الرابع.
وقد سُمي قصر عراق الأمير ؛ عراق التي تعني مدخل المغارة والأمير وهو طوبيا العموني الأردني، وتشير الوثائق التاريخية والمسكوكات والرسومات والنقوش أن القصر يعود تاريخ بناءه بين عامي 187 و 175 ق.م في ظل حكم البطالمة وتحديدا في عهد سلوقس الرابع ويذكر أيضا أن هركانوس الذي بناه وهو أيضا من الأسرة الطوبية العمونية الأردنية كان أحد امراء العمونين الأردنيين الذين استقروا في منطقة وادي السير عام 360 ق.م، وكان طوبيا آنذام أميرا ونائبا للملك وواليا على منطقة عمّان في عهد البطالمة، إلى أن اصبح ملكا وهو آخر ملوك العمونين الأردنيين.

قصر العبد أو قصر عراق الأمير

الوصف المعماري للقصر
يبلغ طول القصر 38 مترا وعرضه 18.5 متر، وقد استخدمت الحجارة في بناء قصر العبد  فهي من النوع الجيري القاسي العالي التبلور والبيضاء اللون اما الحجارة التي نحتت بها شكل اللبؤة والأسد والموجودة في المداميك السفلية عند الزاوية الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية لهذا المبنى فإنها من نوع آخر من الحجارة الرسوبية الكلسية المعروفة بإسم حجر “الدولمايت” الرسوبي العالي التبلور ذو اللون الأبيض الذي يشتمل على قطع بنية فاتحة اللون.

بوابة قصر العبد

وأحيط القصر بحوض كانت توصل إليه المياه من الينابيع المجاورة اذ تعتبر منطقة عراق الأمير منطقة خضراء وتكثر فيها ينابيع المياه واشجار الزيتون والأشجار الحرجية.

يوجد لقصر العبد مدخلان: شمالي، جنوبي ويتألف من طابقيين استعمل الطابق السفلي منه للتخزين وقاعات للحرس أما الطابق الثاني فلم يكتمل بناؤه لأن هركانوس الذي قام ببنائه إنتحر بسبب تهديد الجيش السلوقي للمنطقة.
كما أن  قصر العبد يمتاز بالزخارف الهندسية التي تمثل في أعمدة حرة تقف منفردة في وضع ينفصل عن جدران المبنى واحيانا تظهر هذه الأعمال متصلة كما في الواجهتين الشمالية والجنوبية من المبنى، كما يمكن ملاحظة ما يوجد بإسم الدعائم التي تمثل مقطع مربع أو مستطيل الشكل يبرز عن سطح الجدار الخارجي للمبنى وخصوصا كحليات تحيط بجانبي الأبواب الرئيسية اي في الجهتين الشمالية والجنوبية لهذى المبنى والغرض منها تقوية جوانب هذه المداخل وإعطائها طابع القوة والمنعة.
واستخدمت في تزيينه أيضا التيجان الكورنثية  وتمثل هنا الغالبية المسيطرة على الواجهتين الشمالية والجنوبية من المبنى وغطيت هذه التيجان بأوراق الأكنثوس المشرشرة، وبعض النباتات البسيطة والأشكال الحلزونية، كما استخدمت أوراق الأكانثوس وهو من أقدم النماذج الهلنستية، أما الوردتين المنحوتتين في الواجهة الشمالية من القصر تشبهان ما وجد من الأعمال اليونانية التي صنفت أنها كلاسيكية الطابع.

التيجان الكورنثية

واستخدم أيضا التاج الأيوني البسيط بشكل أقل حيث تم العثور أثناء التنقيبات التي أجريت ما يدل على استخدام التاجيات الأيونية في زخرفة واجهات القصر والقرية، وتختلف مقاييس هذين النوعين من التيجان في هذا المبنى بحيث تتناسب والموضوع الذي أعد له، ويمكن ملاحظة  أن الاعمال المعمارية لم تنجز بشكلها النهائي في بعض المواقع الداخلية للمبنى.

أما عن الحليات المعمارية الزخرفية ذات الأسلوب التتويجي توجد في القصر في أعلى الجدران كما هو الحال في الواجهتين الشمالية والجنوبية ويبدو من ملاحظة هذه الحليات التي عثر عليها أن بعضها لم يتم اكتمال نحتها بشكل نهائي، كما تعرف الحليات المعمارية بالأخاديد البارزة التي تتبادل مع أخاديد أخرى غائرة وتشبه تلك التي توجد في المباني الحديثة كحشوات جبصية زخرفية تلتف حول أعلى الجدران ودون السقف من الداخل.

الحليات

 أهم المنحوتات في قصر العبد

فيما يتعلق  بالمنحوتات فقد وضع لهذا القصر أسلوباً زخرفياً خاصاً به لم يكن متبعاً في المباني المعاصرة لفترة بناء قصر العبد وذلك أن هركانوس قام بنحت أشكال حيوانية وطيور بشكل يدل على نجاحه التام بإظهار عنصري التجسيم والحركة و إظهار عنصري الظل والضوء معاً إن مثل هذا الأسلوب لم يكن متبعاً في العمارة الكلاسيكية وخصوصاً تلك التي ترجع للقرن الثاني قبل الميلاد في عمارة المنطقة، وكأن هذه المنحوتات تمثل مدرسة خاصة بها تميز هذا المبنى و تحدد جوانبه ويمكن تقسيم هذه الأشكال الحيوانية المنحوتة إلى: الأسود، النسور، اللبؤات.
وتوجد منحوتات الأسود في الواجهات الأربع للقصر، الواجهة الشمالية: يوجد أسدين يتجه أحدهما نحو اليمين حيث لا يبدو منه إلا بعض ملامحه فقط، الأقدام تظهر بشكل واضح وجزء بسيط من الهيكل، أما الآخر فإنه يتجه نحو اليسار ويظهر بوضع أفضل ولكن ما يظهر للعيان هو ملامح الجسد فقط دون تفصيلها.
الواجهة الشرقية:  وجدت منحوتة لأسد يتجه إلى اليمين يقف بوضع منفرد ولا تظهر معالمه وإنما خطوط خارجية للبدن فقط دون تفاصيل، يتبعه أسد آخر بنفس الملامح.
الواجهة الجنوبية: إلى يمين الواجهة أسد يتجه إلى اليمين ولا يظهر منه إلا المعالم الخارجية فقط دون نحت الوجه، يتبعه أسد يتجه إلى الشمال، نُحت بدنه دون إبراز التفاصيل، وإلى شمال الواجهة أسد يتجه إلى اليمين وأسد يتجه للشمال في وضع متناظر حيث تبدو معالم الجسد واضحة لكن الوجه لا يبدو كذلك والأسد الآخر وضعت له خطوط الجسم الخارجية فقط.
الواجهة الغربية: إلى يمين الواجهة منحوتة لأسد يتجه إلى اليمين يتبعه أسد يتجه أيضاً إلى اليمين أي في وضع متتابع وظهر الأسد الأول وقد نحت جسمه للخارج في حين الأقدام كانت عبارة عن خطوط فقط دون نحت، أما الأسد الثاني فتظهر معالمه دون تفاصيل.
إن وضع الأسود في هذه الطريقة ليدل على الوظيفة التي أنيطت بهم وهي الحراسة، وكذلك لإبراز علو هركانوس ونجد ذلك في العديد من مظاهر الفن الفارسي خاصة أقاليم المناطق الغربية من الامبراطورية الإخمينية، وكان مثل هذا النموذج نادر في الشرق قبل الفترة الفارسية، واستخدم في الميثولوجيا اليونانية كرمز للقوة.

منحوتة الأسد بقصر العبد منحوتات قصر العبد يظهر فيها منحوتة أسد والحليات

أما النسور فمن المفترض أن يكون عددها ثمانية نسور يتواجدون على كل زاوية من زوايا الطابق الثاني للقصر وهذه المنحوتات تقع فوق منحوتات الأسود ومن الجدير بالذكر أن هذه المنحوتات لم يعد لها أثر إلا من خلال عدد من الكسر التي تم العثور عليها أثناء التنقيبات الأثرية الحديثة حيث نستطيع ذكر عددها من خلال إعادة تصور للمبنى نفسه وليس من خلال ما هو موجود الآن.
اما اللبؤات فقد تم نحت ما يشبه شكل الفهد أو اللبؤة في الطابق الأراضي لمبنى القصر وخصوصاً في المدماك الأراضي وذلك في الواجهتين الشرقية والغربية ويعرف هذا الأسلوب معمارياً بـ “أوثروستات”، وقد نحتت في واجهة بعض حجارة الأثروستات الضخمة الموجودة في الطابق الأرضي شكل فاغراً فاه ليخرج بالتالي منه الماء وليتشكل صنبوراً مائياً يتدفق منه الماء نحو حوض أرضي يقابله، عثر عليه عند الزاوية الشمالية الشرقية من مبنى قصر العبد.

منحوتة لبؤة بقصر العبد

 الغاية الوظيفية لمبنى قصر العبد
استعرض العديد من الرحالة والباحثين موضوع تحديد الغاية التي يمكن إسنادها لوظيفة بناء قصر العبد، وفيما يلي موجز لأبرز هذه الآراء التي تناولت هذا الموضوع:
يجمع كل من الرحالة “بانكو” و” آربي ومانجلس” بأن هذا البناء إنما يمثل قصراً تم بناؤه خلال العصر الهلنستي من قبل الأسرة العمونية الأردنية.
كما تحدث الرحالة “دي فوجيه” الذي زار الموقع عام (1862) في كتابه عن مبنى قصر العبد وأرفقه بعدد من المخططات الأولية لمبنى معتبراً إياه بأنه يمثل معبداً وليس قصراً ويضم الرحالة “دي ساولي” رأيه إلى الباحث ” دي فوجيه” في تحديد الغاية الوظيفية لهذا البناء وإسناد عمله لأن يكون معبداً ولكنه في الوقت نفسه ذهب إلى أبعد من ذلك بأن يضيف إلى أنه كان يمثل حرماً قدسياً للعمونيين الأردنيين أي أنه يرجع إلى الفترة السابقة للعصر الهلنستي ويتابع القول بأنه قد استخدم من قبل العمونيين الأردنيين كمعبد لعبادة الإله “كاموش” ويرى بأن المنحوتات الضخمة البارزة لأشكال الأسود التي تظهر في أعلى واجهات المبنى إنما تؤكد رأيه، وأشار إلى أن السبب في تدمير هذا المبنى إنما يعود إلى فترة السبي البابلي ( فترة نبوخذ نصر) عام (588 ق.م).
ويؤرخ ” دي ساولي” النقشان اللذان نحتا على أعتاب نوافذ مغائر الطابق السفلي في كهوف عراق الأمير واللذان يكرران اسم عائلة “طوبيا” إلى القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، وفي حقيقة الأمر فإنهما يؤرخان حسب شكل الأحرف الأبجدية إلى أواخر القرن  الثالث وبداية القرن الثاني قبل الميلاد.
ومن خلال الحفريات الأثرية التي أجريت عند البوابة التذكارية فإنه تم كشف ست قطع نقدية تؤرخ إلى فترة “أنطوخيوس الثالث”، وكذلك تم الكشف عن قطع فخار تعود إلى بداية القرن الثاني للميلاد.

إن المعلومات التي زودنا بها “جوزيفوس” لهذا البناء قد ارتبطت بإقامة هيركانوس العموني الأردني لمدة استغرقت إحدى عشرعاماً في هذه المنطقة  – وادي السير – وبالاعتماد على ذلك فإن المبنى سيكون تأريخه ما بين (186-175 ق.م)  وهو مخالفاَ للرأي الذي نادى به ” دي ساولي” والذي أرجع فترة البناء إلى الفترة الإخمينية ونستطيع رفض ذلك على الأقل من خلال الزخارف المعمارية الهلنستية الطابع التي تمثل على واجهات بناء قصر العبد.

عدم اكتمال البناء
يمكن الإشارة إلى أن المبنى لم يتم إكمال أعمال بناءه بالاعتماد على أن الزخرفة المتمثلة بالمنحوتات الحيوانية التي زينت الواجهات الخارجية للقصر مثل الأسود والنسور لم تكتمل وإنما تم نحتهم بطريقة بدائية يظهر من خلالها أن الفنان بدأ فعلاً بتنفيذ العمل الفني، ولكنه لم يتمم بعضاً منها ولم يضع اللمسات الفنية على الأخرى.
أما فيها يتعلق بالزخرفة الهندسية، نجد أن زخرفة التيجان والقواعد تم نحت بعضهم بشكل بدائي أي وضع الخطوط الخارجية فقط، ونلاحظ عدم اكتمال زخرفة أنصاف الأعمدة في الجهة الشمالية عكس ما هو عليه في الجهة الجنوبية.
ومن الملاحظ أن “الكوات” التي وجدت في الأجزاء الداخلية للطابق الأرضي لم يتم إشغالها في عناصر زخرفية من أجل إكمالها، بل تركت دون أية زخارف ولم يتم إنهاء العمل فيها خاصة إذا تمت مقارنة ذلك مع ما تم إكماله من أعمال زخرفية في المبنى.
أما النوافذ الموجودة في واجهات البناء الشرقية والغربية من الخارج فلم تتضمن أي  أثر لسياج أو لنظام حماية آخر، وإنما كانت عبارة عن فتحات  يتم من خلالها إدخال الإضاءة إلى أجزاء المبنى الداخلية.
فيما يتعلق بالأسقف فإن ما نجده من دعامات أو قناطر إنما هي إضافات بيزنطية، وهي عبارة هم مجموعة من العقود البرميلية غير موجودة حالياً، ولقد تم العثور على معطيات تدل على وجود بقايا للقناطر والعقود التي نفذت لحمل السقف، وبالتالي فإن الطابق الأرضي بقي مكشوفاً عند توقف العمل في هذا البناء، وتشير إلى أن استخدام نظام العقود أو القناطر قد تم العمل به طيلة الفترة البيزنطية في كل الأقاليم المجاورة ولكن في الأردن تم استخدام نظام آخرمميز وهو نظام القناطر الكاملة لأسقف مسطحة، مركبة من بلاطات حجرية أو صفائح خشبية.
أما الأرضيات فنجد أن معظم أرضيات البناء كانت مبلطة ولكن بصورة بسيطة، وذلك من خلال قطع حجرية صغيرة الحجم غير منتظمة وخاصة في الزاوية الجنوبية الغربية من القصر ويمكن ملاحظة أن أرضية الغرفة الجنوبية الشرقية في البناء سويت بكتل حجرية ضخمة غير متساوية، وفي بعض غرف الزاوية الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية زودت بأرضية من الكتل الحجرية الكبيرة، ولكنها غير منتظمة ويبدو أنه أضيف لها بلاطات من أجل التكييس.

تصميم صوري لقصر العبد
أهم المعالم في قصر العبد
 القصر محاط بسور على مساحة واسعة من الأرض ما زالت معالمه بارزة في الجهات الغربية والجنوبية بالإضافة إلى بوابة الصرح الرئيسة في واجهة السور الشرقي من القصر ويعتقد أن هذه البوابة –التي لم يتم تنقيبها أثرياً لغاية الآن تفضي إلى نفق أرضي يقود إلى بوابة القصر الشمالية من تحت الأرض لكون القصر كان محاطا بالمياه من كل جهاته ولا يمكن الدخول اليه إلا من خلال هذه البوابة ويتزود القصر بالمياه من قنوات الري الحجرية التي تنقل المياه من وادي عراق الأمير الجاري وعيون المياه الوفيرة في المنطقة إلى البركة الكبيرة التي تحيط بالقصر من جميع الجهات.

ممرات مائية
المصطبة

بنيت المصطبة فوق الأرض من الصخر الطبيعي، وشيدت حتى تعطي أرضية مستوية  حتى يقف عليها البناء بصلابة وقوة ولتظهر جدران البناء بعظمتها وضخامتها وايضاً لعدم دخول المياه أو الرطوبة لداخل المبنى و تستخدم بعض جوانب هذه المصطبة للتخزين والخدمات العامة.
ونفذت هذه المصطبة من كتل حجرية ضخمة تم تثبيتها فوق الأرض البكر ويقابلها من الداخل جدار آخر من الحجارة الضخمة غير المشذبة، ويشير بعض الباحثين إلى أن بعض أساسات البناء بدأت من نقطة (417 م) عن سطح البحر، ثم تبدأ الجدران المبنية من حجارة مشذبة فوق المصطبة ويبلغ ارتفاع بدايات هذه الجدران بأسلوب هندسي يعرف باسم ” الأورثوستات” وهو عبارة عن مدماك يتألف من حجر ضخم مربع  ذوسطح خارجي أملس يتبادل مع كتف ضيق من الحجارة يقف في وضع رأسي.

البوابة التذكارية
تقع على بعد (150 م) إلى الجهة الشمالية الشرقية من مبنى قصر العبد، وتعود في تأريخها إلى نفس فترة بناء القصر، ومن خلال الحفريات التي أجريت في العامين (1977-1978) تم العثور على ست قطع نقدية تؤرخ إلى فترة ” أنطوخيوس الثالث”، وقطع من الفخار تعود إلى (208-200 ق.م).

مقصده للسياحة

قصر عراق الأمير أو قصر العبد وجهة مناسبة للسياحة ويقصد المنطقة عموما  الكثير من السياح الأجانب و المحليين من محافظات أخرى إذ ان قصر العبد يحوي في طياته الكثير من المعالم و الزخرفات الهندسية التي تنقلنا إلى عصور قديمة وإن دلّ ذلك على شيئ فإنه يدل على التقدم و الانفاتح لدى الأردنيين القدماء في تحويل الأحجار الصلبة إلى لوحات فنية عملاقة ذات معنى.

ونأمل بالطبع هنا أن يوجه الاهتمام بالموقع إلى درجة أعلى اذ يشتكي أهالي منطقة عراق الأمير من نقص الإهتمام بالبنية التحتية للموقع ومن نقص الخدمات والمرافق العامة وعدم وجود استراحات سياحية توفر خدمات للسياح بالإضافة الى عدم توفر النشرات السياحية والمرشدين السياحيين للتعريف بالموقع وأهميته.

المراجع

عراق الأمير وقصر العبد :دراسة تحليلية/ إعداد نهى صالح المبيضين ; إشراف نبيل إبراهيم الخيري، أب 2001، الجامعة الأردنية.

القدس العربي ، ع 8359، 30 كانون الثاني، 2016م.

مقالة في علماء الأثار ، مها( 23، 2010)، عراق الأمير وقصر العبد (أثار من بلدي).
www.archaeology.land

قصر العبد – عراق الأمير

مقدمة تاريخية
تعود معرفة الانسان بقصب السكر لفترة مبكرة تقدر بحوالي ثلاثة الآف سنة قبل الميلاد، حيث استقدم من الهند وانتقلت زراعته إلى بلاد الشرق الأوسط ومن الشرق انتقلت زراعته إلى بلاد الغرب ولقد ذكرت المصادر العربية انتشار قصب السكر في بلاد الهند، ومما قاله القلقشندي ” قصب السكر كثير للغاية في بلاد الهند ومنه نوع أسود صلب المعجم وهو أجود للامتصاص لا الاعتصار، ولا يوجد في غيرها ويعمل من بقية انواعه السكر الكثير..”
ولقد وجد قصب السكر في مختلف بلدان الشرق الأوسط ومنها خوزستان وفي العراق حيث كان يزرع حول البصرة وفي سنجار كما وجد ايضا في اقاليم أخرى من العراق حيث يذكر القلقشندي وفرته في دجلة الأهواز.
أما ذكر السكر في المصادر القديمة فيعود إلى الفترة الهيلينية فقد أشارت إلى القصب الذي ينتج عسلا بدون تدخل أو مساعدة من النحل، بينما قام بعض العلماء بوصف سائل السكر في المعالجات الطبية كما ذكر قصب السكر في المصادر العربية إذ عرف العرب زراعته وصناعته، حيث استخدموه في صناعة الأدوية والعقاقير الطبية، إذ ورد في مخطوطة كتبت في زمن الفاطميين في كتاب ” المرشد إلى جواهر الأغذية وقوى المفردات في الأدوية” عن أهمية السكر في العلاجات الطبية .
وفي أوروبا عرف قصب السكر قديما ولكنه لم يستخدم كثيرا في  البلاد الأوروبية إلا في القرن الثاني عشر الميلادي وما بعده، ويعتبر العرب أول من استعمل السكر في الأدوية وأول من علم الأوروبيين صناعته باتخاذه من القصب، ومن المعروف أن زراعة قصب السكر وصناعته انتقلت إلى أوروبا قبل القرن الثالث عشر ميلادي، فلم تكن أوروبا قبيل هذا التاريخ تعرف زراعة القصب وصناعة السكر، وتؤكد المصادر اللاتينية أنّ أهالي هذه المنطقة كانوا أكثر تقدما من أوروبا في استخدام الطاقة المائية في الصناعة، وبلغت زراعة القصب وصناعة السكر في أوجها في العصريين الأيوبي والمملوكي، فأقيمت معاصر السكر أو طواحين السكر على سواحل البحر الأبيض المتوسط المشرقية.
أما صناعة السكر في الفترة المملوكية فكان حصيلة تطور ناتج عن اهتمام الفاطميين والأيوبيين بها، وفي الفترة المملوكية أصبح السكر من أهم الموارد التي دعمت الإقتصاد المملوكي وتشير المصادر إلى أن أرض غور الأردن الممتد من بحيرة طبرية وحتى البحر الميت كانت مهمة جدا في زراعة قصب السكر وإنتاجه وتصديره وهي البداية الحقيقة لإنتاج السكر المصنوع من قصب السكر والذي أخذ إسم مونتريال لاحقاً.

جغرافية منطقة غور الأردن
إن كلمة الغور تسمية محلية لوادي الأردن الأدنى ويعني الأرض الهابطة والمنخفضة التي تمتد من بحيرة طبرية وحتى البحر الميت.
أما فيما يرتبط بزراعة قصب السكر، فقد جرت في منطقة غور الأردن على نطاق واسع، ومن الجدير بالذكر أن العديد من الجغرافيين القدامى أتوا على ذكر هذه المنطقة  ووصف تضاريسها وأنهارها ومزروعاتها ومما جاء عن الجغرافيين بهذا الصدد ما يلي:
ذكر نهر الأردن باسم الشريعة أو نهر الغور الذي ينبع من بحيرة بانياس ثم يخرج من البحيرة المذكورة ليصب في طبريا، ثم ينحدر جنوبا إلى أن ينتهي في بحيرة زغر المعروفة بالبحر الميت، وينضم إليه في منخفض الغور بعد خروجه من طبرية إلى نهر اليرموك، ونهر الزرقاء من الشرق ونهر الجالود، ووادي الفارعة والمالح من الغرب.
أما منخفض الغور فقد كان من المناطق المميزة بطبيعتها التي لائمت الإنسان عبر العصور المختلفة لخصوبة ارضها ووفرة مياهها واصبحت منطقة زراعية منفردة اشتهرت بزراعات متعددة ومتنوعة كقصب السكر، والموز، والنخيل، والبلسان، الحلفاء، والارز.

المسوحات الأثرية
جاءت المعلومات عن منطقة غور الأردن من خلال المسوحات والحفريات الأثرية التي قام بها عدد من المهتمين بتاريخ المنطقة وآثارها، والتي تعود إلى عام 1887م عندما زار المنطقة  العالم الألماني (Schumacher) وقام بتوثيق عدد من المعالم الأثرية مع إعطاء معلومات عنها، ومن بين المواقع التي قام بزيارتها طبقة فحل موثقا ذلك برسم خارطة توضح المعالم الطبوغرافية والمعالم الأثرية وقد أشار (Schumacher) إلى وجود معصرتين قام بتوثيقهما على الخارطة واكتفى بوصف المعصرة الموجودة في الجهة الغربية والتي تعمل بواسطة المياه التي تأتيها من نبع إلى الجنوب لتصب بعد مرورها عبر قناة مبنية من حجارة إلى وادي الجرم، وقد نسبها شوماخر إلى ما أسماه بالفترة المحمدية مشيرا بذلك إلى الفترة الإسلامية دونما تحديد لتاريخها ووظيفتها.
وقد ذكر معصرة موجودة على الجهة الشمالية من وادي زقلاب، وواحدة وجدت في بلدة وقاص كما أشار إلى معصرة على وادي العرب مشابهة لتلك التي وجدت في طبقة فحل لكنه اكتفى بذكره لهذه المعاصر دونما تحديد لتاريخها ووظيفتها.
وجاء بعده الأمريكي (Albright) في بداية العشرينات حيث قام بمسح اثري في منطقة وادي الأردن مركزا على المواقع التي تعود إلى العصر البرونزي والذي لم يشير إلى اي مواقع بها معاصر.
في حين أن تلميذه (glueck) قام بأكبر عملية مسح للأردن بين عامي 1938-1947 ركز خلاله على مواقع العصر الحديدي، وأشار جلوك إلى وجود مجموعة من المعاصر التي تدار بواسطة المياه في كل من: الساسية، تل الطاحون، ووجود أكثر من معصرة في تل أبو القوس.
وفي منتصف السبعينات قامت دائرة الأثار الأردنية بالاشتراك مع الجامعة الأردنية والمركز الأمريكي للأبحاث الشرقية بعمليات مسح اثري في المنطقة الممتدة من نهر اليرموك شمالا وحتى الزاوية الشمالية الشرقية للبحر الميت، بهدف إعادة النظر في تاريخ المواقع السابقة وتوثيق مواقع جديدة، وقد تم توثيق 224 موقعا خلال موسميين متتاليين في عامي 1975-1976، ويعتبر هذا المسح أول محاولة تناولت الفترات الإسلامية بقدر من التفصيل في المنطقة التي شملها المسح الأثري، وكان من بين نتائج هذا المسح رصد العديد من المنشأت التي يعتقد أنها معاصر للسكر أو ذات علاقة بها، وذلك من خلال البقايا المعمارية التي وجدت في 13 موقعا على طول وادي الأردن هي (تل السكر، الراسية الجنوبية، تل أبو البسة، خربة المرقعة، خربة سليخات، كريمة الجنوبية، تل أبو القوس، ضرار، زمالية، العارضية، سبيرة، تل الطاحون، مصليحي)
إضافة إلى ذلك فقد تم العثور على أواني فخارية أطلق عليها أواني السكر والتي استخدمت لغايات التصنيع في عدد من المواقع منها (دير علا، تل قعدان، تل الطاحونة، أبو عبيدة، تل الشونة الشمالي).

خارطة توضح مواقع معاصر السكر في منطقة غور الأردن

كما نلاحظ أن الخارطة تقف عند وادي الموجب، هذا لأن صورة المعاصر في العصر المملوكي- الأيوبي وفي ذلك الوقت كانت الفرنجة محتلة للمنطقة ما بعد وادي الموجب.

الحفريات الأثرية على مصانع السكر في الأردن
وجدت العديد من الحفريات الأثرية في عدد من المواقع التي أمدتنا بمعلومات جيدة عن هذه الصناعة، ولكنها لم تركز على الكشف عن معاصر السكر فقط، وإنما تمثلت في العثور على آواني فخارية استخدمت لغايات تصنيع السكر، حيث وجدت في كل من طبقة فحل، تل أبو قعدان، وتل أبو صربوط.


طبقة فحل
يقع هذا الموقع على قمة جبل أثري يشرف على وادي الجرم، تقع في لواء الأغوار الشمالية التابع لمحافظة إربد شمال المملكة.، ولقد حظيت طبقة فحل بنصيب وافر من الحفريات المنظمة حيث تقوم بعثة أثرية من جامعتي سدني الأسترالية ووستر الأمريكية بالتنقيب في هذا الموقع منذ سنوات، حيث أظهرت الحفريات استمرار الاستيطان منذ العصور الحجرية وحتى الفترات الاسلامية ( الأموية، العباسية، الفاطمية، الايوبية-المملوكية)، وأرجع هنسي أهمية موقع طبقة فحل في الفترة الأموية، إلى أنها كانت تمثل موقعا عسكريا أمويا يتبع جند الأردن، وذلك لقلة البيوت السكنية ذات النشاطات الزراعية، وفي موسم حفريات 1981 عثر بالموقع على مسجد يعود للفترة المملوكية، وكانت المنطقة خلال “الفترة الإسلامية” من أهم المراكز لتصنيع السكر حيث وجدت الآنية التي استخدمت لأغراض التصنيع وذلك أثناء عمليات التجريف في وسط التل وأصبحت القرية الزراعية قائمة في وسط التل في الفترة المملوكية، حيث كان يتم تزويد المنطقة بقصب السكر من المناطق الزراعية المجاورة في وادي الأردن، ولقد دلت الحفريات الأخيرة في وسط التل وهي منطقة المسجد على وجود قرية مملوكية مبكرة معتمدين في تأريخها على قطع نقدية، اضافة إلى وجود اعداد كبيرة من آواني السكر والتي لم تتم دراستها بعد.
طبقة فحل ءئتاؤعهئ

قناه المياه في طبقة فحل مخطط افقي لطاحونة طبقة فحل

تل أبو قعدان
وفي منطقة الأغوار الوسطى تم العثور على مقابرللمسلمين في تل دير علا، الأمر الذي دعا الى العمل في موقع تل أبو قعدان الذي يقع شمالي دير علا، وقد قام franken  ومحمد جمره عام 1967 بعمل مجس بهدف معرفة تاريخ تقريبي لهذه المقابر التي عثر فيها على قطع فخارية تعود الى الفترات الاسلامية من بينها آواني السكر كما عثر على هذه الآواني اثناء العمل في تل ابو قعدان حيث قام بدراستها franken  و kalsbeek  وركزا في دراستهما على صناعة الفخار وتشكيله، ودون إعطاء تأريخ محدد لهذه القطع واكتفوا بذكر “الفترة الوسيطة”.

تل أبو صربوط
أما حفريات موقع تل أبو صربوط الواقعة إلى الغرب من دير علا، فقد أظهرت نتائجها الاستيطان البشري من الفترة البيزنطية وحتى الأموية، ووجدت هناك فجوة في الاستيطان في الفترة العباسية، وكثافة استيطان في الفترة الأيوبية-المملوكية، وقد تم العثور على كميات كبيرة من الفخار الذي يعود لتلك الفترة بأشكالها وخاماتها المختلفة، ومن ضمنها أن السكر التي وجدت بكميات كبيرة.
وفي موسم حفريات 1990 تم العثور على كسر فخارية بكميات كبيرة من بينها عدد لا بأس به من الأواني التي استخدمت في صناعة السكر، وقد تم العثور على خمس أواني بالإضافة إلى اثنتين عثر عليهما سابقا.

تل السكر
يقع هذا التل على مرتفع طبيعي شمال المشارع، حيث ذكر في المسوحات السابقة التي قام بها جلوك 1924 وقد إكتفى بذكر مصطلح (mediaval period) لتاريخها، بينما أرخها المحيسن 1986 إلى الفترات الاموية، الأيوبية -المملوكية وذلك اعتمادا على البقايا الفخارية التي وجدت وخاصة آواني السكر.
يضم الموقع معصرتين للسكر الأولى في الجهة الشمالية والثانية في الجهة الشمالية الشرقية، وتتكون المعصرة الأولى والتي كانت تدار بواسطة شلال ماء منحدر من طبقة فحل نابع من وادي الجرم من بناء واسع مقوس على ارتفاع يقارب 2 م مبني من الحجارة بشكل جيد لحجر العصر الدائري الشكل وفيها ثقب على جانبه لينزل السائل وآخر في الوسط لتحريك الدولاب.
أما بقايا مجرى المياه فقد وجدت داخل البناء المقوس من زاويته الشرقية، إضافة إلى وجود الترسبات الكلسية المتكونة على الجدار الشرقي الملازم لمجرى المياه، الامر الذي يدل على مرور المياه من هذا الاتجاه.

 رسم توضيحي لآلية عمل مصانع السكر

البناء المقوس والقناة

كريمة الجنوبية
تقع مدينة كريمة على الشارع الرئيسي الممتد عبر الضفة الشرقية لوادي الأردن، وتبعد حوالي 3كم شمالي مقام الصحابي أبي عبيدة، ويقع وادي كفرنجة إلى الشمال من منطقة كريمة الجنوبية، تظهر الجبال في الشرق مع حقول منبسطة في الغرب وتغذي المنطقة مياه وادي كفرنجة بواسطة قنوات إلى الجهة الشمالية.
توجد في الموقع قناة محمولة على قناطر في الجهة الشمالية الشرقية ويقع جزء منه على وادي كفرنجة ويتكون من بناء حجري مع أقواس إضافة إلى معصرة في الجهة الشمالية مبنية بحجارة تظهر مشذبة في أسفلها مع حجارة مشذبة وقد رممت فيما بعد بالإسمنت في محاولة لإصلاح ما تهدم أو بناء ما هو ضروري من خدمات حديثة فشوه البناء الإسمنتي العشوائي طابع البناء وطمس معالمها ولم يبق واضحا منها سوى قنوات المياه والتي تستمر حتى الشرق على الجهة الجنوبية من وادي كفرنجة ولكن اثارها غير واضحة بسبب البناء الحديث في المنطقة والذي غطى على معظم اثارها لذلك كان من الصعب تتبعها لمعرفة طولها.

ضرار
تقع قرية ضرار إلى الجهة الشمالية من دير علا وتبعد 1 كم للجهة الشرقية من الشارع الرئيسي، ويوجد في وسط القرية مقام الصحابي ضرار بن الأزور، حيث نسبت إليه، وقد ذكرت الموقع لأول مرة أثناء المسح الأثري الذي قام به إبراهيم وسور وياسين عام 1976 حيث تم تأريخه إلى الفترة الأيوبية- المملوكية.
وقد وجدت في وسط القرية معصرة قديمة تدار بواسطة شلال من الماء وسط البلد يأتيها من سفح الجبل، ولم يبق من أثرها سوى قناة المياه التي بنيت بشكل منحني من الحجارة الجيرية بطول حوالي 45م لتصب المياه المتدفقة عبر قناة داخلية إلى بناء واسع مقوس غير واضح المعالم بسبب ردمه وإختفاء الكثير من اثاره وذلك أثناء القيام بعمليات فتح الطريق في المنطقة والتي أضاعت الكثير من المعالم وخاصة المعاصر حيث ذكر أهل القرية وجود ثلاث معاصر في الموقع لم يبق منها سوى معصرة واحدة مع بعض الاثار الباقية التي من المعتقد أنها تعود الى بقايا مصنع، وقد استمر استخدامها حتى سنة 1967م، لكن كمطحنة للقمح.

المخطط الأفقي لمعصرة ضرار

الراسية الجنوبية
تل يقع إلى الشمال من المشارع، يبعد حوالي 200م شرق الشارع الرئيسي، يحتوي على أراضي زراعية ومناطق صخرية، ضم الموقع معصرة اسفل تل الغربي حيث وجدت حجارة طحن كبيرة تحت البناء المقوس، وتأتيها الماء من عين في طبقة فحل في الجهة الغربية للموقع، تم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

الساسية
تل على الجانب الجنوبي من وادي العرب، جنوب غرب تل الشونة الشمالية، يحتوي على أراضي مزروعة عند القمة، ويحيط بالتل مجموعة من البيوت وتأتيها المياه من وادي العرب.
اما الأبنية القديمة فتحتوي على جدار يظهر عند الجزء الشرقي من التل ومن المحتمل أنه كان جزء من معصره وذلك من خلال بقايا القناة الموصلة من وادي العرب، تم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

تل أبو البسه
تل على مرتفع طبيعي، شرق المنشية بحوالي 2 كم، وقد احتوى الموقع على عدد من الجدران الحجرية، إضافة إلى وجود معصره في أعلى الجزء الجنوبي من المنحدر، من المحتمل انها استعملت للسكر، إضافة إلى جدران حجرية من المحتمل أنها تعود لقناة المياه حيث يأتيها الماء من وادي العرب في الشمال، ووجد بناء مقوس فوقه معصرة بازلتية مثقوبة من الوسط، وهي تشبه في نظامها تلك التي وجدت في الرأسية الجنوبية، تم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

خربة المرقعة
تل على مرتفع طبيعي، شمال شرق الاسماعيلية بحوالي 1كم، احتوى الموقع على معصرة تأتيها المياه من وادي ابو سعيد في الجنوب، ومن المحتمل أنها استعملت لعصر قصب السكر أو طحن الحبوب.
ولقد وجد في الموقع بناء من الحجارة في الجهة الجنوبية بجانب قناة المياه التي ما زالت بعض اثاره ظاهرة ولكن وظيفة هذا البناء غير واضحة  وتم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

خربة سليخات
يقع وادي سليخات في الجهة الشمالية من الموقع وتبعد عن الطريق الرئيسي حوالي 4 كم، وقد احتوى الموقع على عدد من المعاصر السكر تظهر منها اثنتان في الجهة الشمالية والغربية واخرى في الجهة الجنوبية الشرقية حيث تصلهم المياه من وادي سليخات ، تم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

تل أبو القوس
تل مرتفع طبيعي، على الجانب الشمالي من وادي راجب ويبعد 5, كم عن الشارع الرئيسي، يحتوي الموقع على عدد من معاصر السكر، معصرتين على حافة وادي راجب من جهته الغربية، ومعصرة في الجهة الشمالية، ومعصرة في الجهة الجنوبية، تم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

 إنتاج السكر في الأردن عبر العصور
توالت على الأردن الكثير من العصور كان أهمها في تأريخ انتاج السكر عصر احتلال الفرنجة للمنطقة وفي العصرين الأيوبي والمملوكي وغيرهم، وقد اشتهرت المنطقة بزراعة قصب السكر الذي تقوم عليه صناعة السكرعندما سيطر الفرنج على المنطقة ووجهوا عنايتهم بهذه الصناعة التي ازدهرت بوجه خاص في منطقة غور الصافي قرب الكرك  ومنطقة الأغوار الأردنية التي تمتد من جنوبي بحيرة طبرية حتى البحر الميت وما يقع منها في جنوبه قرب الكرك فهي أيضا من المناطق الزراعية المشهود لها بالخصب ووفرة التلال واشتهرت بزراعات عديدة متنوعة كقصب السكر، الموز والنخيل وشجر النيل ، وتمكنوا من إنتاج صنف جيد اشتهر بنعومته وبياضه سمي بسكر ” مونتريال” أو سكر ” الكرك والشوبك”، إذ يعتقد المؤرخون أن “سكر مونتريال” هو أول علامة تجارية شهدها العالم أو على الأقل من أوائل العلامات التجارية تاريخياً.
“سكر مونتريال” كان اسم السكر الذي أنتج من الشوبك ابتداءً من القرن الأول ميلادي بعد أن التقت شبكة الرومان للإمداد العسكري من أوروبا مع العقل التجاري للأردنيين الأنباط وأراضيهم الخصبة في الشوبك أو مونتريال. ولاهتمام الفرنجة بالسكر قاموا بنقل زراعته وصناعته إلى أوروبا، إذ نقله الامبراطور فردريك الثاني في حملة الفرنج السادسة وحمل معه صُنّاعاً من الأردن وأنزلهم في جزيرة صقلية.
وفي فترة الحكم الأيوبي والمملوكي زاد الإهتمام بزراعة قصب السكر إلى حد أن معظم منطقة الأغوار أصبحت اقطاعات خاصة بالأمراء والسلاطين.
وبلغت زراعة قصب السكر وتصنيعه في الأردن أوجها في عصر دولة المماليك فأقيمت لذلك معاصر السكر ومطابخه في جميع أنحاء النور ويقصد بالنور المكان الذي كان يحتفظ به السلاطين بالسكر، وأصبحت أملاك سلطانية خاصة وصار السلطان يعين لهذه المطابخ ( شادا ) خاصا وهو إسم يطلق على حارس السكر المحفوظ للسلاطين، ويجمع ما يتحصل منها من نقود وأعمال وسكر، وقد أسفرت الأبحاث الأثرية التي أجريت مؤخراً عن كشف مئات المعاصر و أعداد هائلة من الأواني الفخارية التي كانت تستعمل لتجفيف عصير القصب.
وبلغ اهتمام السلاطين بالأغوار الأردنية إلى الحد الذي جعلهم يخصصون لها نائبا سموه في كثير من الأحيان (استدار الأغوار) وهو مصطلح فارسي مركب  ويعني استدار الشخص المسؤول عن قبض المال للإنفاق على مطابخ السلطان أو النائب، ولم يكتف السلاطين بذلك، بل جعلوا مطابخ السكر في القصير (الشونة الشمالية) وبقية الأغوار تحت الإشراف المباشر لنائب دمشق، فكان يخرج بنفسه في فترة قطع  القصب وعصره فيمكث هناك حتى يتم عصر القصب، وكانت فترة إقامته تطول أو تقصر بحسب الموسم، حتى أنه  سنة 1377م أقام مدة شهرين وسبعة عشر يوماَ، أما في سنة 1398م فقد مكث هناك ما يقارب من خمسة أشهر في عمل السكر، وكان قصب السكر في هذا العام كثيراً جداً يتجاوز الحد، كمان أن الفلاح الأردني تأثر في زراعة أرضه كبقية بلاد المنطقة بالنظام الروماني فانتهج في ذلك نظام فلاحة الحقلين، بمعنى أنه يعمد إلى إراحة حقل في الوقت الذي يزرع فيه الحقل الثاني ثم يبدل الحقلين في السنة التالية تجنباً لإجهاد الأرض وتحسيناُ للإنتاج، واستعمل الفلاح الأردني في العصر المملوكي في فلاحته الطرق التقليدية القديمة، فكان يحرث الأرض بآلة مخصصة لذلك تسمى السكة في رأسها حديدة تسمى النصل وهو الذي يشق به التربة ويحرث الأرض وكانت هذه الآلة تنصب على رقبة ثورين يحرثان الأرض يسميان (الفدان).
استأثرت صناعة السكر في شرقي الأردن بإهتمام السلاطين في العصر المملوكي، بسبب جودته ونقائه، ومن هناك لقي طريقه إلى الأسواق الأوروبية، وتشير الوثائق الأوروبية إلى وجود سكر الكرك والشوبك في أسواق فلورنسا بين السلع الشرقية المعروضة في أسواقها بين عامي 1310 إلى 1340 م.
ولما كان السكر من السلع الهامة المطلوبة فقد احتكر سلاطين المماليك تجارته، وأصبح السكر الأردني حكراً على السلطان، يتحكم في أسعاره وتسويقه وكان ذلك يثير مشاعر السخط والتذمر لدى الدول المجاورة بسبب ارتفاع أسعار السكر، فقد رفع سعره من 14 إلى 28 درهما للرطل الواحد ثم زيد إلى 30 ونتيجة لاحتجاج أهال المدن والعواصم المجاورة انفصل الحال فيه عن بيع الرطل بستة عشر درهما وانخفضت كلفته إلى ما يعادل نسبة 50%.
كما أن زراعة قصب السكر انتقلت من مدينة الشوبك إلى مصر، عن طريق اصطحاب الملك الظاهر برقوق للعمال الأردنيين والمزارعين المهرة في زراعة قصب السكر وصناعة السكر من أهالي الشوبك وذلك بعد إعادته إلى حكمه في مصر، حيث أبعد لسنوات في الشوبك، وكانت مصانع تكرير السكر في مصر تعتمد على خبرات أبناء الشوبك.

إضافة إلى أن هؤلاء العمال الوافدين المهرة استطونوا بلدة في منطقة بالقرب من مدينة الزقازيق المصرية وأطلقوا عليها اسم بلدتهم الأصلية (الشوبك) ، ولغاية أيامنا هذه تقطن في البلدة عائلة كبيرة يطلق عليها اسم عائلة الشوبكي.

آليه عمل معاصر السكر في ضوء التنقيبات الأثريَّة

يعتمد مبدأ عمل مصانع السكرعلى المياه التي تحرك الدواليب الأفقيَّة أو العموديَّة لتشغيل حجر الطاحون أو العصر المثبت بها، إما بشكل مباشر أو عن طريق المسننات، وهذا تحدده قوة دفع المياه وسرعتها؛ فحجر الطحن أو العصر يحركه دولاب مياه مصنوع من الخشب الصلب والحديد الذي تحركه بدوره المياه التي تصله بثلاث طرق:
1. الماء المتدفق من فوهة قناة أفقيَّة مرتفعة يختلف ارتفاعها باختلاف مستوى منسوب المياه الذي يأتيها من النبع أو الوادي. وتقع قوة المياه المتدفقة مباشرة على حجر الطحن أو العصر، ويتناسب ارتفاع منسوب المياه تناسبًا طرديًا مع قوة دفع المياه.
2.  المياه المتدفقة من مرتفع ليمر عبر قناة معلقة لتنزل من فوهة القناة مباشرة فوق دولاب المياه المثبت بشكل عمودي.
3. المياه الجارية بقوة عالية في النهر أو الوادي من أسفل دولاب المياه المثبت بشكل عمود
أما قوة المياه المتدفقة في الحالة الثانية أو الثالثة فهي قوة غير مباشرة،حيث تحرك المياه الدولاب العمودي الذي يحرك بدوره حجر العصر عن طريق الدواليب المسننة، وتعتمد سرعة حجر العصر على كميَّة المياه وقوة دفعها وسرعتها، وعلى دواليب المياه ونوعها، ووزن حجر العصر،وحجر العصر حجر دائري من البازلت أو الصخر المنحوت، مثبت إما بشكل أفقي حيث يوضع الحجران فوق بعضهما بعضًا وبحيث يبقى الحجر الأسفل ثابتًا بينما يتحرك الحجر العلوي، وتدخل أعواد القصب فيما بين الحجرين، ويتفاوت مقدار الضغط الذي تتعرض له الأعواد تبعًا لتفاوت درجة اقتراب هذين الحجرين من بعضهما بعضًا. وفي بعض الأحيان، يوضع الحجر العلوي بشكل عمودي، بحيث يكون الحجر السفلي أفقيًا وثابتًا بينما يتحرك الحجر العلوي الذي يكون في وضع عمودي. وفي كثير من الأحيان يوضع حجران عموديان بدلاً من حجر واحد.
ويُستقبل العصير الناتج من هذه العمليَّة في أوعية مخصصة له .ثم ينقل بإحدى الطريقتين اللتين سبق ذكرهما إلى قسم آخرمن أقسام المصنع، حيث يطبخ ويغلى ليصب في النهاية في قوالب مخروطيَّة ليصبح على شكل أقماع السكر.

قوة دفع المياه لتحريك حجر المعصرة

حجر المعصرة الأولى

حجر العصر التابع للمعصرة الثانية

الأواني الفخارية المستخدمة في صناعة السكر ودراستها
1.
شكل الجرة الذي يتصف بأنه واسع في أسفله وضيق في أعلاه، ذو جدران سميكة وعجينة خشنة، لا يحتوي على عراوي وتم تشكيله بواسطة الدولاب واستخدام الايدي للضغط على سطحي الإناء الخارجي والداخلي، اذ كان وظيفة هذا الإناء سكب عصير القصب في مراحله النهائية.

أنية فخارية على شكل جرة1

2. الشكل المخروطي الذي يتسع في أعلاه ويضيق في أسفله، وهو يشبه المخروط وينتهي في الأسفل بقاعده مستديرة مثقوبة، جدرانه سميكة ذو طينة خشنة سطحه الخارجي خشن والداخلي أملس، كما لوحظ وجود زخرفة تحت الحافة ولكن زخرفة هذا النوع لم تكن شائعة  ويعتقد أن وظيفة هذا النوع كانت لتجميد ما يتبقى من عصير القصب ولم يكن هذا النوع ليعمر بسبب تعرضه للكسر أثناء استخلاص السكر المتجمد بداخله.

أنية فخارية على شكل مخروط

3. شكل الجرس الذي وجد في تل السكر، كريمة، ضرار تتصف بالعجينة الخشنة وجيدة الحرق، وتحتوي على شوائب بحجم متوسط من البازلت والحجر الجيري ومنها ما صنع بها شوائب دقيقة بيضاء وصوانية ومنها ما يحتوي على شوائب كبيرة كلسية ، وعليها بطانة من الخارج والداخل، ووجد أيضا بعضها يظهر عليها أثار تحزيز خفيف من الخارج.

كما تم العثور في مخيم الكرامة في  دير علا على كميات كبيرة من الكسر الفخارية التي تعود إلى أواني السكر غير أن اعمال التجريف الحديثة اضاعت الكثير من آثارها.
لم يتمكن الباحثون من إعطاء تاريخ محدد لآواني السكر نظرا لتنوع أشكالها والتطور الذي حصل على تفاصيلها ووجود هذه الأنواع في كافة الطبقات في الموقع.
أما عن الفخار في طبقة فحل الذي عثر عليه في مرحلة مبكرة، فقد اشتملت على عدد من آواني السكر التي اتصفت بجدران سميكة وقاعدة مضغوطة إلى الداخل، ونوع آخر اتصف بقاعدة مثقوبة، اما الفخار الذي تم العثور عليه حديثاً، فلقد تم العثور عليه في منطقة المسجد في المنطقة الوسطى من التل، والتي يتم تصنيفها إلى نوعين: إناء، وعاء.
واشتمل فخار موقع حسبان على كسرة واحدة تعود إلى آنية من آواني السكر.

السكر الأردني والعلاقات التجارية الخارجية
 ارتبط الأردن بعلاقات تجارية وثيقة بكل من مصر، سوريا، فلسطين والحجاز وارتبطت أيضا بعلاقات تجارية مع بغداد ففي القرن السابع الهجري، ونستدل من ذلك على أن عمان كانت في الفترة الأيوبية مركزا تجاريا هاما.
كذلك كانت للأردن صلاتها التجارية عبر البحر الأحمر مع الجنوب الغربي والهند والصين، فقد ذكرت المصادر عن وجود (دار الطعم) في مدينة عجلون أعدت للتجار الأجانب وهذه الدار يوجد شبيه لها في مدينة دمشق وتؤدي نفس عمل الوكالة بالديار المصرية، وتجمع في وظيفتها بين إيواء التجار الأجانب وخزن سلعهم، وتشير بعض الوثائق الأوروبية إلى وجود السكرالكركي والشوبكي التي اشتهرت به المنطقة في أسواق فلورنسا  بين عامي 1310م إلى 1340م.
وكذلك نصت المعاهدة  التجارية التي عقدها السلطان العباسي الملك  المؤيد سيف الدين شيخ مع البندقية على أن يتقيد بنصوصها كل من: نائب الإسكندرية والكرك وصفد وحماة وطرابلس، فأصدر أمره بذلك سنة 1412م  بما تخص التجارة الخارجية وتعتبر  هذه المعاهدة من الوثائق المهمة حول آلية تصدير السكر المصنع في المعاصر التي تم ذكرها سابقاَ.
وهذا دليل أن المدن الأردنية كانت لها علاقات تجارية مع البندقية قبل إبرام هذه المعاهدة إذ عُرف أهل الشوبك بنشاطهم التجاري في صناعة السكر والتكسب عن طريق التجارة مع المدن الأوروبية، والإ لما صدر لهم هذا الأمر السلطاني وذات الأمر يتكرر في فترة قيام السلطان المملوكي الملك الناصر محمد بن قلاوون بالثورة بالكرك في سلطنته الثالثة، وخروجه منها للسيطرة على دمشق.
ولم تقتصر مكاسب هذه المنطقة موضوع الدراسة من هذه الحركة التجارية النشطة عبر مردودها على مجرد الربح المادي العائد على أهلها بل كانت تتابع هذه القوافل والتجارية العابرة مجالا خصبا لالتقاء حضاري وثقافي فالطرق التجارية تعتبر طرقا حيوية لنقل الحضارة والثقافة بين الشعوب، فعن طريقها تنتقل الأخبار وما يستجد من مذاهب و آراء وكانت الأسواق التي تحط فيها عبر الأردن ميدانا لتبادل الفكر والمعرفة.

المراجع

  1. ربى أحمد أبو دلو(1991). معاصر السكر في غور الأردن في القرنين الثاني عشر و الرابع عشر الميلاديين في ضو المصادر التاريخية و المكتشفات الأثرية. رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.
  2. الهباهبة، طه(2000)، الشوبك: التاريخ والوجدان الشعبي،(ط2)، عمان: دار الينابيع للنشر والتوزيع.
  3. تاريخ منطقة شرقي الأردن في عصر دولة المماليك الأولى / إعداد يوسف حسن سلامة درويش غوانمة ؛ إشراف السيد عبد العزيز سالم، أحمد مختار العبادي.

تاريخ صناعة السكر في الأردن

3555f8315f4d59a9ddf9c533d80af842

مقدّمة

نشأ سليمان الموسى في بدايات عهد الإمارة الأردنية حينما كانت في البلاد مدرسة ثانوية كاملة هي مدرسة السلط. و استهوته الكتابة التاريخية ثم ما لبث أن خاض غمارها معتمداً على لغته العربية السليمة و على اتقانه للغة الإنكليزية وسعة إطلاعه على الكتب و المجلات التي أكسبته ثقافة متينة. وألف في تاريخ الأردن المعاصر ما لم يؤلف مؤرخ أردني قبله مثله. واختص بتاريخ الثورة العربية الكبير و بسير قادتها فأجاد و أبدع. و تكونت لديه مع الزمن والممارسة خبرة في استنطاق الوثائق التاريخية، و دراية في نقد الروايات و كشف ميول أصحابها واتجاهاتهم، وسبر أغوار العديد من القادة و السياسيين وصناع القرارات. فاق سليمان بحدسه ودرايته و ذكائه كثيرين ممن درسوا التاريخ وحصلوا على الشهادات الجامعية فيه. و غدا مؤرخ الأردن الأسبق بلا منازع، مثلما أصبحت مؤلفاته مراجع ومصادر لدراسة تاريخ الأردن لا يستغني عنها باحث أو دارس.

و المرحوم سليمان الموسى أديب ذو قلم رشيق، جرّب كتابة القصة، و أجاد في الترجمة من الإنكليزية إلى العربية، وكتب بالإنكليزية وأتيحت له فرص الرحلة و التجوال في العالم و في البلاد العربية فاتسعت دائرة معارفه، و خلّف عدداً وفيراً من الأصدقاء حيثما رحل واستقر، و له فضل لا ينسى و يحظى بذكرى طيبة لدى كل من عرفه وخبره وعاصره.[1]

مولده و نشأته

وُلد سليمان موسى سليمان الموسى في شهر أيلول سنة 1919م في قرية الرفيد/ إربد في أسرة ريفية متوسطة الحال، والده موسى سليمان الموسى الذي توفي عنه و هو صغير و أمه فرحة الناصر ، تلقى علومه الأولى في كُتّاب القرية ومدرستها، ثم التحق بمدرسة الحصن وتخرج فيها في مطلع الثلاثينيات، وتابع تعليمه في مرحلة لاحقة فحصل على شهادة الدبلوم في اللغة الإنجليزية من بريطانيا بالمراسلة.

عمله و خطوات التأريخ الوطني

عمل في بداية حياته المهنية مدرّساً في مدرسة الطائفة المسيحية (الكاثوليك) بالرفيد لمدة سنتين ، ثم سافر إلى فلسطين في منتصف الثلاثينيات، حيث عمل في حيفا ويافا و تحول هناك من كتابة القصة القصيرة و الرواية إلى كتابة السيرة التاريخ فألف كتاب الحسين بن علي والثورة العربية الكبرى ولو أنه احتاج إلى ثمانية عشر عاماً حتى رأى النور في طبعته الاولى عام 1957م ، ثم عاد إلى الأردن في مطلع الأربعينيات ليعمل في شركة بترول العراق بالمفرق، تزوج سنة 1943م من السيدة جورجيت نصير، وأنجب منها أربعة أبناء وبنتين، و ساهم مع بعض الشبان في تأسيس وإنشاء “نادي المفرق الصحراوي” خلال مكوثه في المفرق   .

11401419_10152813744436607_6403122163206371383_n

10399210_20385271606_2848_n

ثم عمل في الإذاعة الأردنية؛ معدّاً للبرامج ومذيعاً (1957) في إذاعة عمّان في جبل الحسين ، ثم انتقل سنة 1958 إلى دائرة المطبوعات والنشر ليشرف على مجلة “رسالة الأردن” حيث رأسَ تحريرها حتى سنة 1962. وفي عام 1959م كتب في 720 صفحة كتاب (تاريخ الأردن في القرن العشرين) بالإشتراك مع منيب الماضي،  نجا عام 1960 من الاغتيال خلال عملية تفجير مبنى رئاسة الوزراء الذي أودى بحياة رئيس الوزراء هزاع المجالي حيث كان في نفس المبنى حينها.

10401073_34608576606_2602_n

و في عام 1962م أصدر كتابه (لورنس: وجهة نظر عربية)، الذي تمكن من خلاله تفنيد إدعاءات لورنس بقيادة الثورة العربية الكبرى، و شمل هذا الكتاب وثائق عربية ومطالعات ميدانية فريدة ، وتمت ترجمته لاحقاً إلى ثلاث لغات، الإنجليزية، الفرنسية، واليابانية ، و في عام 1966 سافر لمدة أربعة شهور إلى لندن للإطلاع على الوثائق البريطانية بمنحة من المجلس الثقافي البريطاني ، ثم انتقل للعمل في وزارة الثقافة بعد تأسيسها وظل فيها حتى تقاعُده سنة 1984، وفي أثناء ذلك تولى رئاسة التحرير في مجلة “أفكار” (1966/1967).

28389

ما بعد التقاعد

عمل بعد تقاعده – حيث رغب بالتقاعد حتى لا يشغله منصب عن الكتابة – مستشاراً ثقافياً لأمين العاصمة (1984–1988) و في هذه الفترة كتب كتاب (عمّان عاصمة الأردن) ، وأشرف في أثناء ذلك على تنظيم محتويات صرح الشهيد، ومتحف عمّان السياسي ، وقام بكتابة مذكراته في كتابين، الأول تحت عنوان (ثمانون: رحلة الأيام والأعوام)، والثاني (خطوات على الطريق: سيرة قلم – تجربة كاتب) .

11215799_10153114713426607_5072802717277597120_n

كان سليمان الموسى قد قابل جلالة الملك بتاريخ 30 آب 2007 ، و قام جلالة الملك حينها بشكر سليمان الموسى و نجله الذي حذا حذوه عصام سليمان الموسى على جهودهم العلمية القيّمة في حفظ التاريخ الاردني ، كما قلد الملك سليمان الموسى وسام الحسين للعطاء المميز لدوره .

1910175_20173731606_1317_n 1924052_34604976606_8897_n 1924052_34848406606_8632_n

توفِّي يوم 8/6/2008 في عمّان عن عمر يناهز التاسعة و الثمانين عاماً ، ودُفن فيها. وقد أطلقت أمانة عمّان الكبرى اسمه سنة 2009 على مكتبة مركز الحسين الثقافي التي أصبح اسمها: “مكتبة سليمان الموسى المتخصصة بتاريخ الأردن”.

hqdefault

وأقامت له وزارة الثقافة بتاريخ 11/8/2008م، حفل تأبين كبير في المركز الثقافي الملكي في العاصمة عمّان أطلقت فيها كتابين ؛ إحداهما مذكراته الشخصية بعنوان (ثمانون: رحلة الأيام و الأعوام) و كتاب (سليمان الموسى : أيامك لن تنسى) للدكتور بكر خازر المجالي .

1909846_20506051606_1950_n 1909846_20506056606_2232_n 1910175_20175451606_9698_n 1910175_20175456606_9909_n

قالوا في حضرة الموسى :

  1. ” لقد حافظ سليمان الموسى على جزء كبير من ذاكرة الوطن..وصحح الكثير من المغالطات التاريخية..وحاجج بقوة الحقيقة… فاستحق أن يكون “عميدا للمؤرخين”..وذاكرة الأردن الحية “
  • وزيرة الثقافة السيدة نانسي باكير، من المقدمة التي كتبتها بعنوان (فارس لم ولن يترجل) لكتاب سليمان الموسى: أيامك لن تنسى شهادات ومقالات، تحرير د. بكر خازر المجالي، إصدار خاص في تأبين المرحوم المؤرخ سليمان الموسى، وزارة الثقافة، عمان، 2008
  1. ” لولا جهوده الاستثنائية لضاع جزء كبير من تاريخنا… “
  • أ. عبدالله ابو رمان، الرأي، 10/6/2008
  1. ” رجل استثنائي اختصر بجهوده عمل مؤسسة بحالها… “
  • د. هند غسان أبو الشعر، ملحق الدستور الثقافي، 20/6/2008.
  1. ” يكفيك فخرا يا سليمان ان العديد من الأردنيين والأردنيات تربوا وعشقوا هذا الوطن من خلال الحروف التي سطرتها “
  • د. ايفون محمد عودة أبو تايه، موقع عمون الالكتروني، 15/6/2008.

    5. ” المؤسس الحقيقي للكتابة التاريخية حول الأردن وهو أول من حول الوثائق والسجلات الرسمية دفتر تاريخ… “.

  • د. باسم الطويسي، الغد، 14/6/2008.
  1. ” شيخ المؤرخين… سخره القدر ليشير إلى عظمة المرحلة وزخم أحداثها “
  • أ. نصوح المجالي، الرأي، 12/6/2008.
  1. ” هذا الرجل مؤسسة ومكتبة اجتمعتا في شخص واحد… “
  • د. سمير مطاوع
  1. ” كنت أنت يا مؤرخ الأردن أول الملبين للنداء برسالتك التي أعتز بها والتي أجبتني فيها راثياً بغداد دار السلام وتعلن تبرعك بما أنت قادرا عليه لتساهم في إعمار مكتباتها… “
  • د. محمد جاسم المشهداني، الأمين العام لاتحاد المؤرخين العرب.
  1. ” ما تركه لنا… مكتبة متكاملة في تاريخ الأردن والثورة العربية الكبرى… “
  • د. محمد ناجي عمايرة، الرأي، 17/6/2008.
  1. ” ترك أثرا عميقا محفورا في ذاكرة من عرفوه، أعني من عرفوه شخصياً، وعاشروه، ومن قرأوا له، ومن سمعوا عنه بموضوعية واهتمام “
  • د. أحمد ماضي
  1. ” والحقيقة ان الأجيال اللاحقة من المؤرخين الأردنيين تتلمذوا وتعرفوا على تاريخ الأردن من خلال كتاباته، لا بل أن معرفة معظم السياسيين والمثقفين عن تاريخ الأردن بدأت به وعن طريقه، ولاسيما من خلال الجزء الأول من مؤلفه الكبير تاريخ الأردن في القرن العشرين الذي صدر عام 1959… “
  • أ. هاني الحوراني

الجوائز التي حاز عليها سليمان الموسى :

  1. درع تكريمي من المؤتمر الأول لتاريخ الأردنّ و آثاره – 1980
  2. درع تكريمي من المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبد العزيز – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض  1985.
  3. وسام الحسين بن علي – وسام الاستقلال من الدرجة الثانية – 1988.
  4. جائزة عبدالله بن الحسين لبحوث الحضارة الإسلامية – فازفيها في دورتها الأولى في تشرين الثاني، 1988- في مسابقة تنافسية أعلنها المجمع الملكي لبحوث الحضارة الاسلامية- على كتابه (امارة شرقي الأردن: نشأتها وتطورها في ربع قرن: 1921-1946). .
  5. هدية تكريمية مقدمة من مؤسسة عبد الحميد شومان و هي عبارة عن مجسم المسجد الأقصى المبارك – حزيران 1989.
  6. درع تكريمي مقذم من جامعة عمّان تقديراً لجهود سليمان الموسى في مجال القصة القصيرة في الأردن – 1990.
  7. درع تكريمي مقدم من نادي الفيحاء الرياضي الثقافي الاجتماعي – أيلول، 1993.
  8. درع تكريمي مقدم من مدرسة القرطبي الثانوية للبنين – الزرقاء الأولى – تشرين الثاني، 1995.
  9. درع تكريمي مقدم من ديوان اهالي – بلدته التي ولد فيها- بلدة الرفيد، بني كنانة تموز، 1996.
  10. درع تكريمي مقدم من الخدمات الطبية الملكية – كانون الأول، 1996.
  11. درع تكريمي مقدم من مركز الأردنّ الجديد للدراسات،– عمّان تموز، 2000 – وذلك اعترافاً بدورهِ الكبير في التأسيس لكتابة تاريخ الأردنّ السياسي و تقديراً لعطائه المتواصل في الدراسات الأردنية.
  12. وسام الحسين بن علي – وسام الاستقلال من الدرجة الأولى – حزيران، 2002.
  13. درع تكريمي مقدم من رابطة الكتّاب الأردنيين – كانون الثاني، 2006.
  14. وسام الحسين للعطاء المميز – آيار، 2007.
  15. درع مقدم من أمانة عمّان الكبرى.
  16. درع مقدم من وزارة الثقافة.
  17. درع مقدم من القناة العربية الأردنية.
  18. درع مقدم من مجلس امناء مركز التوثيق الملكي الأردنيّ الهاشميّ تقديراً لمساهماته الجليلة و المهمة و المتميزة في رفد أعمال مركز التوثيق الهاشميّ.
  19. درع مقدم من جريدة الدستور- حزيران 2008.
  20. وسام المؤرخ العربي من اتحاد المؤرخين العرب.

1909846_20259101606_2689_n 1909846_20261566606_1219_n

أعماله الأدبية:

  1. “وجوه وملامح.. صور شخصية لبعض رجال السياسة والقلم” (ج1)، أدب السيرة، وزارة الثقافة، عمّان، 1980. ط2، دار ورد الأردنية، عمّان، 2011 (ضمت هذه الطبعة الجزء الثاني من الكتاب).
  1. “ذلك المجهول” قصص، رابطة الكتّاب الأردنيين، عمّان، 1982. ط2، دار ورد الأردنية، عمّان، 2011 (ضمت هذه الطبعة أيضاً كتابَه الزوجة المثالية وقصص أخرى).
  1. “في سبيل الحرية: قصة الثورة العربية الكبرى”، قصة تاريخية، وزارة الشباب، عمّان، 1981. ط2، الناشر نفسه، 1982.
  1. “الزوجة المثالية” قصص (ترجمة من الإنجليزية)، دار النسر، عمّان، 1991 (ضمت هذه الطبعة أيضاً كتابَه ذلك المجهول).
  1. “وجوه وملامح.. صور شخصية لبعض رجال السياسة والقلم” (ج2)، أدب السيرة، وزارة الثقافة، عمّان، 1994 (ضمت هذه الطبعة الجزء الأول من الكتاب).
  1. “مشاهد وذكريات” أدب الرحلات، المؤسسة الصحفية الأردنية (الرأي)، عمّان، 1996.
  1. “أوراق من دفتر الأيام: ذكريات الرعيل الأول”، 2000.
  1. “ثمانون: رحلة الأيام والأعوام”، سيرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2002. ط2، وزارة الثقافة، عمّان، 2008.
  1. “الوجه الآخر: كتّاب ومؤرخون في كل واد يهيمون”، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2002. ط2، دار ورد الأردنية، عمّان، 2011.
  1. “خطوات على الطريق: سيرة قلَم”، سيرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2003.
  1. كما ترك مخطوطة في السيرة بعنوان “من بيدر الحياة”، ومخطوطة تشتمل على ترجمته روايةَ “جيرمنال” لـ إمِيل زولا من الإنجليزية (أنجزها سنة 1955) .

 

28388 12829371_10153280455721607_1307007193954836657_o 19702415_10154507496816607_701632405075745870_n

وكتب في موضوعات أخرى:

  1. “الحسين بن علي والثورة العربية الكبرى”، دار النشر والتوزيع، عمّان، 1957. ط2، المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت)، عمّان، 1992.
  1. “تاريخ الأردن في القرن العشرين” (ج1، بالاشتراك مع منيب الماضي)، عمّان، 1959. ط2، مكتبة المحتسب، عمّان، 1991. (ج2)، الناشر نفسه، 1996.
  1. “لورنس والعرب: وجهة نظر عربية”، عمّان، 1962. ط 2، وزارة الثقافة، عمّان، 1992. ط3، دار ورد الأردنية، 2010. (تُرجم إلى اللغات: الإنجليزية، والفرنسية، واليابانية).
  1. “إمارة شرقي الأردن: نشأتها وتطورها في ربع قرن 1921-1946″، وزارة الثقافة، عمّان، 1990. ط2، الناشر نفسه، 2009.
  1. “تاريخ الأردن السياسي المعاصر: 1967-1995″،وزارة الثقافة، عمّان، 1998. ط2، الناشر نفسه، 2011.
  1. الثورة العربية الكبرى – وثائق وأسانيد، دائرة الثقافة والفنون – عمان 1966م.
  1. صور من البطولة، المطبعة الهاشمية – عمان 1968م.
  1. الحركة العربية ( 1908- 1924)، الطبعة الأولى – دار النهار للنشر – بيروت1970م .
  1. تأسيس الإمارة الأردنية ( 1921- 1925 )، عمان 1971م ، مكتبة المحتسب  عمان 1989م .
  1. المراسلات التاريخية – وثائق الثورة العربية الكبرى: المجلد الأول – عمان 1973م.
  1. مذكرات الأمير زيد – الحرب في الأردن ( 1917- 1918)، الطبعة الأولى ، مركز الكتب الاردني . عمان 1976م.
  1. صفحات مطوية – المفاوضات بين الشريف حسين وبريطانيا (1920-1924)، عمان 1977م.
  1. غربيون في بلاد العرب، دائرة الثقافة والفنون – عمان 1969م.
  1. أيام لا تنسى – الأردن في حرب 1948م، الطبعة الأولى – عمان 1984م؛ والطبعة الثانية – عمان 1997م؛ والطبعة الثالثة – الديوان الملكي الهاشمي 2008م.
  1. أعلام من الأردن ( هزاع المجالي، سليمان النابلسي، وصفــي التل )، الجزء الأول – عمان 1986م.
  1. أعلام من الأردن ( توفيق أبو الهدى، سعيد المفتي )، الجزء الثاني – المؤسسة الصحفية الأردنية – عمان 1993م.
  1. الثورة العربية الكبرى – الحرب في الحجاز ( 1916 – 1918م ) – حصار المدينة المنورة، الطبعة الأولى – عمان 1989م.
  1. تاريخ الأردن السياسي المعاصر 1967ـ 1995م، لجنة تاريخ الأردن، مؤسسة آل البيت – عمان 1998م.
  2. كما ترك مخطوطة بعنوان “حركات الضبّاط في الأردن: 1957-1956”.

 

1910175_20174536606_7552_n Suleiman_Mousa_typewriter

المراجع :

  1. من الرعيل الاول سليمان الموسى .. أول من أرخ للأردن ، د. محمد العناقرة . جريدة الدستور 8 اب 2008
  2.  أردنيون في ذاكرة الزمن سيرة المؤرخ والباحث /سليمان الموسى , رابعة الشناق . جراسا نيوز 22 اب 2013
  3. الموسى ، سليمان 2011 . مذكرات الأمير زيد – الحرب في الاردن 1917-1918 ، صفحة 23-36 . الطبعة الثالثة ، عمان : دار ورد .
  4. جلالة الملك يستقبل المؤرخ سليمان الموسى ، عمان – 30 اب 2007 ، الموقع الرسمي لجلالة الملك عبدالله الاول ابن الحسين .
  5. الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة  www.culture.gov.jo

[1] من تقديم الأستاذ الدكتور علي محافظه لكتاب الراحل الموسى ( مذكرات الأمير زيد – الحرب في الاردن 1917- 1918 ) ، صفحة 7.

سليمان الموسى ” قلم التأريخ الوطني “

7-taiseer-sboul-تيسير-سبول

مقدمة

يستدعي الحديث عن قامة أدبية كتيسير السبول استحضار الكثير من المشاعر والأحداث من ذاكرتنا الوطنية، فالأمور التي كان تيسير شاهدا عليها لم تكن لتتركه دون ندوب كثيرة يقضي حياته في محاولة مداراتها والشفاء منها. لم يكن مسار حياته بالمسار السهل؛ وربما هذا ما منحه حزنا كافيا لتطويع الكلمات شعرا ونثرا. وعلى الرغم من الحياة القصيرة التي عاشها إلا أنه قدم إسهاما رائعا في المشهد الأردني الأدبي، ورسم حرفا صعبا في سجل الأدباء في المنطقة وهو الذي خطّ بإبداعه طريقا فريدا في صنوف النثر متحديا أطر من سبقوه بلا وجل أو تردد.

بين ناي الطفيلة وناسك العالوك

لقد حفر تيسير السبول ذكراه في ذاكرة الأردنيين، حتى اختصه الشاعر الأردني العظيم الراحل حبيب الزيودي عام 2012 بقصيدة مؤثرة بعنوان “عودي ناقص وترا” فتيسير هو الوتر الناقص في العود أو الثقب الزائد في الناي ، الذي اختار “بابا آخرا للحقيقة” غير الباب الذي اختاره حبيب وإن كانت أبوابهما الاثنين تطل على وطن عظيم أحبوه هو الأردن.

” أذان الفجر أكملت القصيدة والصلاة 
أطلّ تيسير السبول وقال كيف تطيق هذا الليل  
خذها بغتة في الرأس 
قلت طلعت رغم جحوده قمرا 
وأنت اخترت بابا للحقيقة غير بابي حينما واجهت نزف الحبر منتحرا”

( حبيب الزيودي 2012 – عودي ناقص وترا)

المولد والنشأة

يعود نسب الأديب الأردني الراحل تيسير رزق عبد الرحمن السبول إلى عشيرة الهلالات إحدى عشائر محافظة الطفيلة. ولد عام 1939 وكانت المنطقة التي قضى فيها تيسير طفولته منطقة يعمل أهلها بالزراعة، وكذلك كانت عائلة تيسير. هو الأخ الأصغر لخمسة أولاد وأربع فتيات وعرِف بالشخصية القوية وسرعة البديهة التي أثارت إعجاب كل من قابله. فيصف صادق عبد الحق، أحد أصدقاء تيسير المقربين فيقول : ” نشأ تيسير في طبقة وسطى أو أعلى من الوسط، ضعيف البنية لكنه لم يكن يشكو من مرض معين، ذكيا بل شديد الذكاء، صادقا لا تبغض نفسه شيئا أكثر من الكذب والرياء، كان يشرب ويدخن.. كان يكره العجز والشيخوخة فرفضهما، كثيرا ما كان يصحبني، ولعله صحب أصدقاء آخرين له، في سيارته الصغيرة على طريق الجامعة، ثم يبدأ لعنة العبث يدوس البنزين “تيسير.. تيسير أيها الأحمق.. ماذا تفعل هنا.. لماذا أنت هنا الآن”.

تيسير السبول في طفولته
تيسير السبول في طفولته

انتقل تيسير إلى الزرقاء مع أخيه شوكت-الذي أهداه لاحقا قصيدة بعنوان “النسر الغائب”-، وهناك توثقت عرى الصداقة بين تيسير والقاص الأردني الراحل عدي المدانات واستمرت صداقتهما عقدين من الزمن، حيث حصلا على الشهادة الثانوية سوية من كلية الحسين في عمان عام 1957 وابتعث تيسير بعدها إلى الجامعة الأمريكية في بيروت والتي ستكون تجربة ذات أثر لا يمحى من حياته.

5-taiseer-sboul-تيسير-سبول-
تيسير السبول في صباه

 

الغربة الأولى: الجامعة الأمريكية في بيروت

رغم الظروف التي كان تعيشها أسرة تيسير السبول العاملة في الزراعة كباقي الأسر إلا إن التوجه العام كان يقضي بتعليم الشباب جامعيا ولهذا سافر تيسير إلى الجامعة الأمريكية في بيروت وذلك لدراسة الفلسفة عام 1957 وكانت هذه أولى ارتحالاته.

من هنا يبدأ نجم تيسير السبول الأديب باللمعان، فقد أثارت الغربة في روحه شتى العذابات إضافة لما كانت الصراعات العربية الإسرائيلية تفعل. كانت بيروت نقلة نوعية في الحياة بالنسبة للشاب السبول القادم من قرية جنوب الأردن. يبلغ الاغتراب مبلغه في نفس أديبنا ويتجلى في قصة (الهندي الأحمر) والتي يصف فيها حال شاب بدوي وسط مجتمع مختلف عنه لا هو يستطيع تقبله ولا هو يستطيع تغييره. وتختلط في القصة مشاعر الحنين للوطن والأب مع حماس التجربة المختلفة والجديدة كل الجدة، ويرى النقاد أن هذا الهندي ما هو إلا تيسير نفسه عاكسا تجربة الابتعاد عن الوطن للمرة الأولى.

دفع التيار السياسي للأحداث آنذاك بتيسير لترك دراسة الفلسفة في الجامعة الأمريكية والتوجه لجامعة دمشق ودراسة الحقوق ليتخرج فيها عام 1961. ورغم انتساب الصديقين عدي وتيسير إلى أحزاب سياسية مختلفة، فقد انضم تيسير لحزب البعث بينما كان مدانات منتميا للحزب الشيوعي؛ يستذكر عدي المرة التي أنقذ فيها تيسير حياته أعمال شغب هبت بين منتسبي الحزبين المختلفين في جامعة دمشق  فيقول  “كان من نصيبي أني تلقيت ضربة بجذع شجرة على جبيني وكان أن التجأت إلى مكتبة الجامعة … وفيما أنا في أشد أوضاعي خطورة، إذ بتيسير الذي كان يبحث عني يدخل المكتبة ويأخذني وقد جهز طاقما من أبناء بلدته الطفيلة ليشكلوا حاجزا بيني وبين الطلبة الغاضبين .. ثم ليساعدني على ارتقاء السور والهرب من الشجار.. ولم يقتصر موقف تيسير على ذلك إنما جاءني في المساء ليطمئن” كان تيسير حسب ما وصفه أصدقاؤه سهلا ولينا ويقدر الألفة التي تجمعه مع الأصدقاء ولم يسمح بأن يكون اختلاف الأحزاب السياسية سببا في الفرقة.

عمله وسفره

تنقل خلال السنوات التي عقبت تخرجه بين العمل الحكومي في دائرة ضريبة الدخل إلى التدرب في مكتب للمحاماة ومن ثم السفر إلى دول عربية شقيقة كالبحرين والسعودية. في تلك الأثناء رافقته زوجته السيدة مي اليتيم والتي أنجب منها ولدا وبنتا عتبة وصبا.

8-taiseer-sboul-تيسير-سبول
تيسير ، مي ، صبا وعتبة – الموقع الالكتروني للأديب تيسير السبول

وخلال سفره كان يبعث دوما برسائل لصديقه صادق عبد الحق فكتب له مرة واصفا حزنه وخوفه من الوحدة والعجز “عندما كنت في البحرين كنت دائم التأثر بمنظر قارب مهجور على شاطئها حيث كنت أتسلى- لا بل أسلي النفس .. وذات أمسية كئيبة في الرياض أجهش صديق بغصة فقال: “بكل تداوينا فلم يشف ما بنا على أن قرب الدار خير من البعد[1]، يعلم الله أن الحزينة التي وعدت بيوم تفرح فيه فقدت أوانها، ويعلم الله أن الشيخوخة على الأبواب فهلا أعطتها الحزينة الوعد الحق”

كما كتب القاص الراحل عدي مدانات مستذكرا صديقه تيسير في تلك الفترة “قائمة محبي تيسير السبول تطول أكثر مما نعرف، فقد امتلك أفئدة كل من أقام معه صلة ولو صغيرة، فما من إنسان امتلك قلوب أصدقائه ومعارفه الكثر، كما فعل تيسير في حياته… لقد كان أكثرنا اندفاعا وتفاعلا مع الحياة وأكثرنا تحفيزا للفكر كي يعمل ويثمر” ولهذا ربما تحول مأتمه عام 1973 إلى بذرة رابطة الكتاب الأردنيين، بحسب ما قاله الراحل المدانات. كان تيسير شغوفا بفكرة ضم الكتاب الأردنيين في إطار موحد وقانوني ولطالما شارك أصدقاءه بحلمه هذا. في خامس أيام العزاء في بيت الراحل عدي مدانات، وبعد قراءة قصائد تيسير، اقترح عدي حلم تيسير على الموجودين ورحبوا بالأمر، وفي نفس الجلسة اختيرت لجنة تحضيرية ومن ثم لجنة تأسيسية للرابطة. وجعل أصدقاء تيسير – الذين وحدتهم فجيعتهم – حلمه واقعا.

الغربة الثانية: النكسة وما عقِبها

أنهى تيسير تنقلاته عام 1964 حيث عاد إلى الأردن وافتتح مكتبا للمحاماة. ولكن العواصف لم تهدأ في حياة السبول فما لبث إلا وأغلق مكتبه وعمل في الإذاعة حيث كان يقدم برنامجا بعنوان “مع الجيل الجديد”.

 والمتتبع لحياة السبول يرى كم كانت الحروب العربية الإسرائيلية تحتل من تفكيره. كانت النكسة (1967) أو ما سمي بهزيمة حزيران التي منيت بها الدول العربية أمام الكيان الصهيوني زلزالا على نفس تيسير السبول المتشبع بحلم الوحدة العربية. ويمكن القول إنها أول خطواته نحو حزن عميق وممتد حتى آخر حياته.

نتاج أدبي عالي المستوى

طبعت أعمال الأديب تيسير السبول عدة مرات واشتملت على ما كتب في الرواية (أنت منذ اليوم) الفائزة بجائزة دار النهار، الفائزة بجائزة مجلة الآداب للراوية العربية والتي كانت أهم الجوائز الأدبية في تلك الفترة، والقصة القصيرة (الله يرحمهم، هندي أحمر، صياح الديك) وديوانه الشعري (أحزان صحراوية) كما تضمنت على دراساته في الشعر والرواية والسياسة والفن والتاريخ، كما نشرت صحيفة الدستور الأردنية في ذكرى رحيله الثلاثين رسائله مع صادق عبد الحق والذي كان من أقرب أصدقائه له، والجدير بالذكر أنه كتب التمثيليات أثناء عمله في الإذاعة الأردنية كما قدم عدة ترجمات لرباعيات الخيام.

كان النتاج الأدبي لتيسير السبول هدفا لكثير من  دراسي الأدب الأردني المعاصر. ونذكر من هذه الإصدارات “الشاعر القتيل تيسير السبول- سليمان الأزرعي”  و “تيسير السبول العربي الغريب- فايز محمود” و “فصول في الأدب الأردني ونقد- إبراهيم خليل” و “حالة شعرية خاصة (تيسير السبول) – أحمد المصلح”  ويتحدث الأستاذ عبد الفتاح النجار عن استقطاب تيسير السبول لكل هذه الدراسات بقوله:

إن هذا الاهتمام يعود إلى أسباب منها كونه أحد الشعراء الرواد الذين كتبوا الشعر الجديد أو “الحر” في مرحلة مبكرة من حياة الشعر الحر في الأردن، في فترة كان  فيها التجديد يعد مغامرة خطرة وخروجا على التراث وعلى الأخلاق وعلى الدين على المجتمع وعلى التقاليد، إضافة إلى أن شعر تيسير السبول كله المنشور في ديوانه الوحيد “أحزان صحراوية” وفي أعماله الكاملة هو من الشعر الجديد

وتعد دراسة الدكتور عبد الفتاح النجار “تيسير السبول شاعرا مجددا 1993” من أهم الدراسات التي تتناول شعره شكلا ومضمونا، كما تلقي الضوء على محاور التجديد الأدبي التي أضافها شعر تيسير السبول إلى الساحة الأدبية الأردنية والعربية.

ويضيف الأستاذ النجار في ملخص دراسته لشعر الأديب الراحل:

بعد دراستي ديوان (أحزان صحراوية)… ودراستي الأعمال الشعرية المنشورة في كتاب الأعمال الكاملة، اتضح لي أن قصائدهما جميعها من الشعر الجديد (الحر) الذي  نوع القافية أو ألغاها واتخذ التفعيلة وحدة موسيقية دون التقيد بعدد محدد من التفاعيل في كل سطر ، كما تجلت في شعره ظواهر تجديدية أخرى مثل الصور الشعرية والرمز والأسطورة والتكرار والتدوير والبنية الدرامية واللغة البسيطة… كما لاحظت أن شاعرنا قد تناول في مضامينه هموما ذاتية وأخرى اجتماعية ووطنية وقومية على أن همومه الذاتية في كثير من الأحيان كانت متأثرة بالهم الاجتماعي والقومي

كما يُشار هنا أن النقاد العرب يشيرون إلى الأديب السبول على أنه المؤسس لنمط سردي روائي جديد، وأن روايته “أنت منذ اليوم” هي ” فتح أدبي” لا مثيل له. وقد تضمنت هذه الرواية جزءا من سيرته الذاتية إضافة لسيرة الحالة العربية آنذاك. وقد نجح في مهمته السردية تلك مستعينا بالأسلوب الأدبي “السرد عن السرد” والذي كان أسبق أدباء عصره في استخدامه. وبهذا كانت روايته الوحيدة عامودا من أعمدة الرواية العربية الحداثية. [2]

 أما اليوم، وفي محاولة لتمثل ذكرى الأديب كجزء من إرثنا الثقافي والأدبي، ترعى وزارة الثقافة بالتعاون مع ملتقى الطفيلة الثقافي جائزة أدبية للشعر والقصة تحمل اسمه.

3-taiseer-sboul-تيسير-سبول
“اذكرني يا صادق اذكرني دائما وابك من أجلي. سنبكي معا يوما ما من أجل كلينا..أنا بائس وأظن إنك بائس، يا لنا من معذبين”

تيسير السبول أديبا أردنيا

كان تفكير السبول تفكيرا إنسانيا عالميا يتجاوز الأطر والحدود على الرغم من تعلقه الشديد بالقضايا الوطنية والتحامه بالشعب، وهذا ما جعل شعره ونثره قريبا لروح القارىء العادي للغاية. لقد كان لكلمات السبول صدى أعمق مما نتخيل في المجتمع الأردني.

رعب، لو، كلمات ثقيلة، لحظات من خشب.. هكذا كانت عناوين قصائد تيسير السبول مشبعةً بالألم والتيه الذي كتب على بني البشر في سبيل حيازة الحقيقة والخلاص. إلا أن قصيدته الأخيرة كانت بلا عنوان وقد وصف نفسه بنبيّ بلا آيات، يمضي ولا مقصد له سوى النهاية ولا عذر للآخرين سوى النسيان:

“أنا يا صديقي
أسير مع الوهم، أدري
أُيَمّمُ نحو تخوم النهاية
نبيّاً غريب الملامح أمضي
إلى غير غايةْ
سأسقطُ، لا بدّ يملأ جوفي الظلامْ
نبيّاً قتيلاً، وما فاهَ بعدُ بآيهْ
وأنت صديقي، وأعلمُ… لكن
قد اختلفت بي طريقي
سأسقط، لا بدّ، أسقطُ..
يملأ جوفي الظلامْ
عذيرك، بعدُ، إذا ما التقينا
بذات منامْ
تفيقُ الغداةَ، وتنسى
لكم أنتَ تنسى
عليك السلامْ”

 

لقد كانت لنشأة السبول في الطفيلة أعظم الأثر على شخصيته؛ فقد تربى الأديب الأردني الراحل في أحضان الجبال وربما من هنا قد اقتبس وعيه الحاد الذي يرسم حدودا واضحة بين الخيانة والوطنية، بين القوة والضعف. وقد كتب النقاد عن انعكاس مجتمع الطفيلة القروي والذي كانت تسوده السلطة الأبوية في كتابات تيسير السبول خصوصا ما تضمنته روايته  الوحيدة “أنت منذ اليوم “.

في مجتمع كان ولا زال يضيق على الرجل في عواطفه وتعبيره عن مشاعره، كسر تيسير السبول هذه الحدود وعبر بشعر في غاية الرقة حينا وفي غاية الألم والحب حينا آخر. لقد رسم الأديب الأردني الراحل تيسير السبول شكلا جديدا للرجل الإنسان الذي من حقه البكاء والضعف والحب وحتى الانهيار. لقد خلع تيسير بشعره وحساسيته عن الرجل عباءة القوة الدائمة والمصطنعة التي تلف شكل العلاقات في المجتمع آنذاك.

إن التعبير الشفاف عن المشاعر والذي يصل إلى الشارع والمجتمع يساهم في إعادة تشكيل مفاهيم الذكورة والأنوثة، وفي فتح الإشكاليات المغلقة والأسئلة التي قد تعد في لحظة ما خطوطا حمراء. هكذا كانت إسهامات السبول تتعدى جماليات الأدب والشعر إلى ما هو منصب في نسيج المجتمع وصميمه. ومن منبره الإذاعي، خاطب السبول المجتمع الأردني آخذا على عاتقه نشر الثقافة والأدب، فقد كان يناقش ما يطالعه ويطرح تساؤلاته ويكتب تمثيلياته الإذاعية.

كأنه ما مات.. كأنه في إجازة 

 الحقيقة والخلاص اللذان لم يتجل طريقهما لتيسير سوى بالانتحار بطلقة في الخامس عشر من تشرين الثاني عام 1973. كان انتحار الشاعر رفضا واحتجاجا وخلاصا في آن واحد، فقد رفض واقعه واحتج عليه كما أثقلته التقلبات والخيبات، أثقله شعوره بالعجز وحصاره بالقلق وتجريم الذات وكان انتحاره آخر خط دفاع ضد هذه الورطة الوجودية التي علقت فيها روحه.

 وقف السبول أمام شعوره بالاضطهاد  في العمل، فقد نقل إلى غرفة نائية بلا تهوية أو إنارة أو هاتف في مبنى الإذاعة، وأمام الهزيمة التي مثلها لقاء القوات المصرية والقوات الإسرائيلية عند خيمة الكيلو 101 وبإعلان بدء المباحثات بينهما. في ذلك اليوم لم يمر السبول على صديقه عديّ كما اعتاد دوما ليشربا القهوة وليتبادلا الحديث.

غادر عمله مبكر وكان قد ودع جميع زملائه وطلب منهم أن يسامحوه وقد ذكر الشاعر حيدر محمود أن تيسير في ذلك اليوم كان شديد الرقة ومفرط الحساسية، وكان قد استعار مسدسا من صديق مقرب له .

وحسب ما ترويه عائلته فقد رسم السبول نهاية روايته الذاتية كما يأتي :” لم يكن تيسير يعمل في تلك الفترة وكان ساهرا تلك الليلة مع صديقيه عدي مدانات والروائي الأديب فايز محمود الذي توفي منذ بضع سنوات، كانوا يتحدثون عن الانتحار جماعة، لكنهم كانوا يتدربون على إطلاق الرصاصة من مسدس فارغ وكان تيسير يجري التمثيلية أمامهم ويقول : ( هنا سأضع فوهة المسدس وسأضغط على الزناد هكذا )؛ ويتحدث عن ماذا سيحدث، ثم وفي منتصف الليل غادر عدي في سيارته عائدا لمنزله وبقي فايز عند تيسير، وكون الأديب الراحل فايز محمود لم يكن يملك سيارة فقد كان تيسير عادة هو من يوصله ويعيده إلى منزله وهكذا كان، عاد تيسير إلى منزله وكانت زوجته الدكتورة مي اليتيم قد غادرت المنزل إلى عملها في مستشفى ماركا العسكري القريب من منزلهم في ذلك الحين. انتظرها تيسير لحين عودتها ، دخلت الراحلة ( أم عتبة )  فوجدته ساكنا ممدا على سريره وباسما في وجهها طالبا اياها الجلوس قربه ، في آخر لحظات جمعته مع مي  كان قد تناول القلادة التي تحمل اسم “الله” في عنقها وسألها تؤمنين به؟ قالت نعم. بسؤال الإيمان العميق هذا أرسل تيسير آخر رسائل الوداع وأعلن نبأ الرحيل ضمنيا وبإجابة مي استقبلت عائلته خبر وفاته المفجع بصمت المشدوه. قال لها تيسير أنه ليس لديهم غاز وأنه يتوجب عليها أن تذهب إلى منزل الجيران كي تتصل بمحل الغاز كي يرسل أحدهم لتبديل الأسطوانة كون الهاتف في ذلك الزمن لم يكن متوفرا في كل منزل. وعندما خرجت وذهبت إلى منزل الجيران وبينما كان يراقبها من الشباك الذي يطل على مدخل منزل الجيران أطلق الرصاصة على رأسه لحظة دخولها المنزل وسمعت هي دوي الرصاصة، وكانت القصيدة ( أنا يا صديقي أسير مع الوهم أدري ) مما وجدته أخته في متعلقاته”.
أطلق تيسير رصاصة أخيرة في الجبهة التي كان يحارب فيها وحده. كان انسحاب تيسير السبول من حياة عائلته وزوجته وأصدقائه مفجعا للغاية؛ “أدركنا جميعا أننا كنا مقصرين، وقصيري النظر وأنانيين وآثمين في النهاية” كتب الراحل عدي مدانات.
لم يكن يتوقع أحد هذه النهاية وأيقن الجميع أن تيسير كان يحمل هما أكبر من أن يقال أو يخمن. لقد مشى تيسير السبول إلى موته، وتجرأ وكتب النهاية بيده. وبينما نفى كل من عرفه الضعف والانهزامية عنه، وأثبت له القوة والجدة؛ إلا أنه عاش أزمة المثقف المنتمي، الذي جعل هم الوطن وهم الشعب هما شخصيا له وقد أفصح عن هذا الحزن العميق مرات عديدة في رسائله وشعره ؛  فقد كتب يوما لصديقه صادق عبد الحق يقول :

15-taiseer-sboul-تيسير-سبول

لكن الفراق مر

والموت مر

وكل ما يسرق الإنسان من إنسان مر

والحياة مرة

والملل- والليل- والوحدة- والضياع أشياء مرة

وجودنا كله مر.. مر يا الله ما أشد مرارته

وريقي هو الآخر مر

حظنا أننا نموت يا صادق لأن الموت آخر مر نتذوقه”

المراجع:

  • السبول، تيسير(1981)، الأعمال الكاملة، (ط1)، بيروت: دار ابن رشد
  • عماد الضمور(2009)، شعر الشعراء المنتحرين في الأردن، دراسات، العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 36 (2)
  • تيسير النجار، إحدى وعشرون رسالة لتيسير السبول الذي انتحر محتجاً على هزيمة الأمة: رسائل تيسير السبول مع صادق عبد الحق كراسة مسكونة بالبوح والأسرار، الدستور، عمان، 15 نوفمبر، 2003.
  • جعفر العقيلي، عدي المدانات مستذكرا تيسير السبول ” كأنه ما مات.. كأنه في إجازة “، الرأي، عمان، 19 نوفمبر، 2016
  • معجم الأدباء الأردنيين (ط1) عمان، وزارة الثقافة.
  • حبيب الزيودي (2012) عودي ناقص وترا، شبكة عمون الإخبارية .
  • النجار، عبد الفتاح (1993)، تيسير السبول شاعرا مجددا، مطابع الدستور التجارية
  • مقابلات إرث الأردن مع الدكتور حكمت النوايسة مدير مديرية التراث – وزارة الثقافة الأردنية، الأستاذ الدكتور مهند مبيضين أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية، الشاعر الدكتور إسماعيل السعودي أستاذ اللغة العربية في الجامعة الأردنية.
  • [1]  من خاتمة قصيدة (خليلي مرا بي على الأبرق الفرد ) للشاعر قيس بن الملوح ( مجنون ليلى ).

  • [2] من مقابلة فريق إرث الأردن مع الدكتور حكمت النوايسة مدير مديرية التراث- وزارة الثقافة

تيسير السبول ” الوتر الراحل وصداه “

مقال ل : إريك غراند هوسر

ترجمة : عائشة أحمد الصمادي.

ChyTS87UoAAlJ-q
مصادر الصور:  http://sbcltr.in/oldest-library/ https://www.lafargeholcim-foundation.org/Experts/aziza-chaouni

 

أقدم مكتبة في العالم، تعيد فتح أبوابها لاستقبال الزوار، بعد إغلاقها في عام 2012 لغايات الصيانة، طبقاً لموقع (tech insider).

نحن هنا بالطبع نتحدث عن مكتبة (القرويين) الكائنة في جامعة (فاس) في المغرب، المكتبة التي تُشكل جُزءاً من مجمعٍ تعليمي ابتدأ كمسجد عام 859، يعود الفضل في تأسيس هذا المعلم لابنة مهاجر تونسي -ثري-تُدعى (فاطمة الفهرية)، حيث كان الهدف من هذا المعلم التاريخي جعله مكاناً للعبادة و العلم.

بحلول القرن العاشر، تمت إضافة جانب الجامعة مرفقة بالمكتبة الخاصة بها و التي أُسست بالكامل في تلك الفترة، كما تم تزيين الساحات المختلفة -الداخلية و الخارجية – لهذا المعلم بزخارف (الأرابيسك) و الخط العربي الفريد و المميز إضافة للوحات مميزة من الفسيفساء والتي لم تزين فقط الأرضيات، بل و استُخدمت لتزيين الحيطان و الأقواس أيضاً، مما جعل من هذا المعلم تحفةً فنية معمارية إضافةً لكونه صرحاً أكاديمياً استثنائيًا.

aziza_chaouni_img_2096
مصادر الصور:  http://sbcltr.in/oldest-library https://www.lafargeholcim-foundation.org/Experts/aziza-chaouni

 

على الرغم من روعة تصميمها إلا أنه و بعد أن تم استخدامها قرابة ألف سنة،  وبحلول القرن الواحد و العشرين فقدت مكتبة (القرويين) أهميتها، و طبقاً لموقع (ted.com) فإن المكتبة والعديد من النصوص التاريخية المهمة والتي تناولت شتى المواضيع ابتداءاً بعلم الفلك و انتهاءاً  بمجال القانون التي تعود للقرن السابع، كانت معرّضة للفقد بسبب تهتك المكان، حيث عانى هذا المعلم التاريخي قبل ترميمه من: تشققات في الجُدران، الرطوبة المستمرة وتسرّب مياه الصرف الصحي.

ليس هذا فحسب؛ بل وحتى نوافير الساحات الخارجية الجميلة ولوحات الفسيفساء التي كانت قد بدأت بالإنهيار، فأُغلقت المكتبة أمام زوّارها لسنوات عدة بعدما تم تسليم مهمة إعادة ترميم هذا الموقع الأثري للمهندسة (عزيزة شاووني).

Chaouni-A08_AME_Gold_Interview08_31
المهندسة عزيزة شاووني

جميع تلك الأضرار كانت في السابق، لكن بعد سنوات طويلة من العمل الدقيق على هذه المكتبة آتت جهود (شاووني) ثمارها و فتحت المكتبة أبوابها للزائرين من جديد بدءاً من شهر أيار الفائت.

تصميم المكتبة الجديد يبدو بحداثة مكتبة في القرن التاسع مما يعني أن المكتبة لم تفقد طابعها، ذلك أن (شاووني) حرصت على استخدام مواد أصلية في عملية الترميم؛ أما ما لم تستطع ترميمه فببساطة أعادت ابتكاره، فضلاً عن حرصها الشديد على جعل المكتبة مكاناً عملياً للباحثين و الطلاب مضيفةً أثاث جديد للمكتبة وألواح شمسية للحفاظ على استمرارية الطاقة.

460x
مصادر الصور:  http://sbcltr.in/oldest-library/ https://www.lafargeholcim-foundation.org/Experts/aziza-chaouni

المصدر:

http://www.atlasobscura.com/articles/the-worlds-oldest-library-has-reopened

 

أقدم مكتبة في العالم تفتح أبوابها من جديد

صورة للشيخ ارفيفان المجالي موشحا بالأوسمة

مقدمة

سجلُ حافل في البطولات قدّمه الشيخ البطل ارفيفان باشا المجالي ( اخو شاهة ) في مدارس البطولة والنضال الأردني، بطلُ ترك لأبناء وطنه إرث كبيرا في الشجاعة والفداء وتحولت سيرته إلى مدرسة عظيمة في قيم البطولة و الحكمة، مرعب العثمانيين بدهائه وذكائه ولم يتراجع عن مبادئه وقيمه ضد العدو المحتل حتى وزوجته تقبع في سجن المحتل في معان، لقد أتعب هذا الشيخ البطل المحتل العثماني وراوغه كثيرا منذ اللحظات الأولى لتخطيطه مع الشهيد البطل قدر المجالي لثورة الأردنيين الوسطى عام 1910( الهيّة )، ولم يكتف أخو شاهة بفعائله العظام في مسيرة وطنه؛ بل قدّم للأردن من نسله المكرّم فيلقا عسكريّا كاملا كان اسمه ( المشير البطل حابس ارفيفان المجالي ).

النشأة والأسرة

هو ارفيفان بن محمد بن عبدالقادر بن يوسف بن سليمان المجالي مواليد سنة 1862م في بلدة الربّة بالكرك، لم يحظَ الشيخ ارفيفان المجالي من التعليم شئ، اذ عاصر كأي أردني آخر في عهد حقبة المحتل العثماني الذي مارس الحكم بالوكالة ونفّذ سياسات تجهيل والافقار المتعمّد فلا مدارس ولا معاهد، لا تنمية ولا بناء، واقتصرت وظيفة الدولة على جمع الضرائب الجائرة،  كل هذا كي لا تقوم للأردنيين قائمة في مواجهتهم بعد مسلسل طويل العهد من الثورات الصغرى ضد العثمانيين مع دخول أول قدم تركية للبلاد ، وهكذا لم يكن لارفيفان الطفل والشاب، سوى أن يتعلم في مدرسة الحياة قيم الفروسية والإدارة والمشيخة على يدي والده والده الشيخ محمد المجالي.

كعادة الشيوخ في تلك الحقبة وفي مواجهة المرض والموت الذي يحصد أرواح الأطفال ، ومن ثم الحروب والغزوات التي كثيرا ما افتعلها العثماني أو ساهم بتأجيجها ومن ثم لبناء الأحلاف الاستراتيجية في مواجهة العثمانيين ولتعميق أواصر المودة والنسب مع باقي أبناء عمومتهم واشقائهم من شيوخ العشائر الأردنية الأخرى، لأجل ذلك كله كان على شيوخ العشائر الأردنية أن يحفظوا نسلهم وبيوتهم العامرة وأن يزيدوا من فرسان عشيرتهم عبر تعدّد  الزوجات، ولذلك تعدّدت زيجات الشيخ ارفيفان باشا المجالي من كريمات بنات كرام، فتزوّج من ( شمسيّة المجالي ) والتي انجبت له أول أولاده (معارك)، وتزوج لاحقا من ( نجمة عبد الغني البطوش ) وأنجب منها ابنه صالح، كما تزوج من ( نعمات ) والتي أنجبت له عاطف وعبدالله ونايفة وسميحة وبهيجة، وتزوج أيضا من النشمية الشيخة ( بندر فارس شلاش المجالي ) وأنجب منها حابس ودميثان وعصر وسليمان.

بندر
صورة النشمية بندر فارس شلاش المجالي

ارفيفان والهيّة

استطاع الراحل البطل ارفيفان باشا المجالي بدهائه وذكائه الفطري والمكتسب من جينات العشيرة الأردنية أن يستخدم حنكته السياسية والدبلوماسية ضد العدو العثماني أثناء ثورة الأردنيين الوسطى 1910( الهيّة )، فكانت أولى خططه في مواجهة المحتل العثماني عندما اتفق مع الشيخ قدر المجالي على تشتيت الإدارة العثمانية وبعثرة بصرها وتركيزها ، من أجل التخطيط للثورة بسرية مطلقة، ولذلك أصرّ حينها على ضرورة دخول الشهيد الشيخ البطل قدر المجالي كعضو في لجان تعداد الأنفس رغم رفض الشيخ قدر المجالي المكرر والصريح لما تقوم به هذه اللجان من تجاوزات كثيرة ضد أهالي الكرك.

قدر
الشيخ الفارس قدر المجالي ( زعيم ثورة الكرك ) يتوسط فرسان و أبناء عشيرته ابان الهيّة 1910

ولم يكتفِ بذلك فقد أرسل الشيخ ارفيفان المجالي؛ النائب الأردني في مجلس المبعوثان ( توفيق بك المجالي ) وذلك من أجل إبلاغ الباب العالي في الأستانة، بأن أهالي الكرك جميعهم مع الاجراءات التي تقوم بها الدولة العثمانية من احصاء الأنفس وفرض التجنيد الاجباري، وأن أهالي منطقة الكرك سيستمرون في حماية حامياتهم العسكرية وممتلكاتهم، وكان لا بد من هذا التمويه والخداع للعدو أملا في مماطلته وتأخير المواجهة المحتومة، من أجل التفرغ كليا للتخطيط للثورة تقمع جذور هذا المحتل من أراضٍ أردنية استنزفوها طويلاً.

15731587_1779935115591757_516900656_n
إعلان في إحدى الصحف العثمانية الناطقة بالعربية عن التلغراف الذي أرسله الشيخ ارفيفان عبر النائب توفيق المجالي

وتذكر قصص هذه الثورة أنه وفي احدى الاجتماعات التي كانت في صلب العمليات اللوجستية للتخطيط  من أجل الثورة صاح الشيخ البطل ارفيفان المجالي ومن أجل تحفيز وتشجيع فرسان العشائر الأردنية بقصيدة قال فيها:

الراس في طاري الكرك دوم مرفوع

هنيّال من غرسه… كان بثراها

يا آمن من الخوف وما ياصله جوع

يا شعلة الفرسان …. ما حدِّن طفاها

في اهلها نخوة وفي جودها سوع

وفي جوفها عزن عانق سماها

وتاريخها ثورة وفي مجدها سطوع

حتى نجوم الكون نجمك محاها

يا منبر التاريخ يا ندرة بالنوع

الله يحفظها دووم ويروي ظماها.

أعلنت الثورة وبدأت المعارك بين المحتل وفرسان العشائر الأردنية وبسبب قوة طوابير وعدة المحتل العثماني ونظرا لجرأته في القمع والتنكيل، فقد ألحقت بعشائر الكرك الخسائر الكبيرة ثمنا للتضحية والبطولة، فمنهم من ألقي القبض عليه وأعدم من أعلى قلعة الكرك عبر ربط الصخور في أعناقهم بالحبال ورميهم من على أسوارها، ومنهم من أرسلوا طوابيرا للأسر في سجون الخسة للمحتل بين دمشق والأستانة، ومنهم من استشهد في الثورة، فما كان من الشيخ ارفيفان المجالي كأحد قادة الثورة إلاّ الانسحاب من أرض المعركة والذهاب نحو مضارب العشائر الأردنية في الشوبك وكان معه زوجته بندر وشقيقاتها مشخص وشفق ومجموعة من النساء والفرسان.

طارد العثمانيون الشيخ ارفيفان ومن معه وحصلت معركة الملاحقة في الشوبك حيث تمكنت الجندرمة التركية من إلقاء القبض على النساء بعد قتل مرافقهم البطل صخر المجالي رميا بالرصاص بعد أن فتك بالكثير من جنودهم، وكانت من بين المعتقلات من النشميات زوجته بندر المجالي التي تنتظر مولودها القادم بفارغ الصبر حاملا اسم ( جميل ) وهو في بطنها كما اتفقت مع زوجها الشيخ ارفيفان المجالي، تحول هذا الوليد ( جميل ) المولود بعيدا عن ناظري أبيه وأهله في سجن المحتل العثماني ليصبح كونه وليد الحبس والمعتقل ( المشير البطل حابس المجالي )  رمز العسكرية الأردنية الفذّة وأحد رموزها الغر الميامين  .

لقراءة قصة بطولة النشميات بندر ومشخص المجالي أنقر هنا

 

14657713_10211330088908363_1777864017_n
مشهد ولادة المشير البطل حابس المجالي – والدته بندر المجالي محفوفة برعاية نشميات بني عطية والحويطات برفقة شقيقتها مشخص- لوحة للفنانة هند الجرمي .
حابس
المشير البطل حابس ارفيفان المجالي

استطاع الشيخ ارفيفان ان يتخلص من قبضة القوات العثمانية في تلك المعركة وبعد اصدار الحكم الفوري عليه بالإعدام على مشانق العثمانيين، اتجه الشيخ ارفيفان المجالي إلى المنطقة الواقعة بين جنوب الأردن وشمال الحجاز بعيدا عن ملاحقة العسكر العثماني التي أرادت رأسه، يرافقه أحد رجال عشيرته اسمه ( عبدالنبي محمود المجالي )، وفي منتصف الطريق توقف ارفيفان مطالباً رفيقه عبدالنبي المجالي أن يبدل ملابسه بملابس عبدالنبي لمزيد من التمويه، وأوصاه بأن يعطي فرسه إلى ابنه ( معارك ) وبندقيته إلى ابنه ( دميثان ) ذلك حتى وإن فارقته الروح يضمن أن يبقي لأولاده شيئا من رمزية الكفاح والنضال في وجه المحتل وأن لا يسمحوا للرصاص والصهيل أن يتوقف في مواجهة رايات العثمانيين الحمراء،  ومن ثم أمره بالعودة حالا إلى الكرك، وتابع الشيخ ارفيفان المجالي طريقه نحو شمال الحجاز حيث نزل في مضارب أحد وجهاء المنطقة الشيخ قبلان أبو رمان بحجة أنه رجل يبحث عن عمل يكفيه مؤونته، فعمل كـ ( قهوجي) لدى الشيخ سلامة أبو رمان، كان هذا الفعل رغبة في مزيد من كسب الوقت بعيدا عن أعين الملاحقة العثمانية.

ارفيفان والخويّ

كان للشيخ ارفيفان صديق حميم وهو الشيخ حرب العطيّات أحد شيوخ وفرسان قبيلة بني عطية صاحب القوة والنفوذ، سمع الشيخ حرب العطيّات ما حلّ بصديقه الشيخ ارفيفان المجالي بعد الثورة، فامتلكه الغضب والأسى، وما كان من الصديق اتجاه صديقه سوى التضحية من أجله معرّضا نفسه للانتقام العثماني، فذهب من فوره إلى الوالي العثماني وأبلغه بأنه ان تمكّن جنوده من القبض على الشيخ ارفيفان المجالي، فإنه عليه أن يطلق سراحه فورا ويصدر العفو عنه وأن لا يمسه مكروه، وإلا كانت العواقب وخيمة على العثمانيين وسيشعلها نارا من تحت أقدامهم، فوافق الوالي العثماني خوفا ووجلا من ثورة جديدة قادمة يقودها فرسان بني عطية وأصدر عفوا عن الشيخ ارفيفان المجالي.

فبدأ الخوي ( الشيخ حرب العطيّات ) يبحث عن خويّه ( الشيخ ارفيفان المجالي ) في كل مكان حتى أعياه البحث، وفي ذات يوم نزل الشيخ حرب العطيّات أثناء رحلة البحث في مضارب صديقه الشيخ قبلان أبورمان ، هناك حيث يقيم خويّه الشيخ ارفيفان عاملا كـ ( قهوجي ) في بيت الشيخ قبلان، ما أن تلاقت الأعين عرف الشيخ ارفيفان صديقه الشيخ حرب، بينما لم يعرفه الشيخ حرب بسبب تخفيه بملابسه الرثة وطول لحيته وتكميمه لفمه بطرف شماغه، وفي منتصف الليل نهض الشيخ حرب العطيّات باتجاه موقد النار حيث يجلس ارفيفان – المتخفي بملابس ( الفداوي ) – لكي يشعل غليونه (سبيله) فقال ارفيفان لصديقه حرب بعد أن ضربه على ركبته بيده للفت الانتباه : ( أنظر في عيني جيدت ألا تعرفني ؟ )، وعندما حدق الشيخ حرب في عينيه عرف أنه في حضرة صديقه الشيخ ارفيفان، فانتفض فرحا وشوقا، وذهب على الفور ليخبر مضيفه الشيخ سلامة أبو رمان بأن قهوجيه ما هو إلاّ الشيخ ارفيفان المجالي فتضاربت لدى الشيخ قبلان مشاعر الفخر بضيفه الكبير والحرج من مما حل به في بيته، وفي اليوم التالي تم ذبح الجزور وتغيير ملابس الشيخ ارفيفان وحلاقه ذقنه وعمل وليمة كبيرة على شرفه.

ومن بعدها أخذ الخوي صديقه ارفيفان المجالي إلى الوالي العثماني وأجبر الشيخ حرب العطيّات الوالي العثماني على إصدار وتسليم قرار العفو عن الشيخ ارفيفان فأصدره في الحال، ولكن كما هي شيم العثمانيين المعهودة في ضمرهم للخيانة والانتقام وبعد أسبوع واحد فقط من صدور العفو، تم اعتقاله بالقوة، وأخذه إلى سجن القلعة في دمشق، وبقي الشيخ ارفيفان المجالي في السجن إلى أن صدر العفو العام عن جميع أهالي الكرك وشيوخها، على إثر ما قام به النائب توفيق بك المجالي من بيانات نارية في وجه الإدارة العثمانية في مجلس المبعوثان وعاد بهم إلى الكرك الأمر الذي أجبره هو الآخر أيضا على التخفي هربا من المحاولات الانتقامية للإدارة العثمانية.

لقراءة قصة النائب البطل توفيق المجالي أنقر هنا

رفيفان مع لوجو

مسيرة سياسية وطنية حافلة

وبعد هزيمة المحتل العثماني واندحاره عن الأرض الأردنية بالثورة العربية الكبرى وإعلان الاستقلال، بدأت الحياة السياسية تأخذ طابعها الديمقراطي المؤسسي، ومع إعلان المملكة الفيصلية استلم الشيخ ارفيفان زمام الأمور في إدارة الكرك عام 1920، وبعد ذلك ذهب الشيخ ارفيفان للمشاركة في مؤتمر السلط عام 21/8/1920 بحضور هيربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني، المؤتمر الذي تمخض عنه إرسال مجموعة من الضباط السياسيين المعتمدين لدى سلطة الانتداب البريطاني لعدد من المدن الأردنية بحجة مساندة الحكومات المحلية الناشئة فيها اثر سقوط المملكة الفيصلية على يد الاحتلال الفرنسي ، وكان أحدهم الضابط ( كلنفيك) الذي أرسل لكي يشغل وظيفة المعتمد لدى حكومة الكرك.

قام كلنفيك بالمباحثات والدراسات مع أهالي وشيوخ المنطقة على الشؤون الإدارية للمدينة، بعد أن قامت حكومة محلية أطلق عليها وجهاء الكرك وشيوخها مسمى (الحكومة الوطنية المؤابية) وتم اختيار الشيخ ارفيفان المجالي رئيساً للحكومة وتكوّن المجلس العالي لهذه الحكومة المنتخبة من أهالي المنطقة من كل من:

  1. الشيخ عطوي المجالي
  2. الشيخ حسين الطراونة
  3. الشيخ سلامة المعايطة
  4. الخوري عودة الشوارب
  5. المحامي عبدالله العكشة
  6. الشيخ نايف المجالي
  7. الشيخ موسى المحيسن
  8. الشيخ عبدالله العطيوي

وكانت أولى قرارات هذه الحكومة إلغاء التشكيلات الخاصة بالعهد الفيصلي وتعيين موظفيين من أهل الكرك والطفيلة، وحُلّت هذه الحكومة عندما جاء الأمير عبدالله بن الحسين إلى الأردن وأنشا حكومة مركزية موحدة فيما بقي الشيخ ارفيفان متصرفاً في الكرك كما كان في الحكومات المحلية.

نن
الشيخ ارفيفان على يمين الشهيد الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين

ومع أول انتخابات نيابية في عهد الإمارة الأردنية وبعد اقرار قانون الانتخابات وانتخاب المجلس التشريعي في 2 نيسان 1929؛ مثّل الشيخ ارفيان المجالي الكرك في المجلس التشريعي وكان له دور مؤثر عند اقرار المجلس على التصديق على المعاهدة البريطانية – الأردنية بأنه أشترط على المجلس التشريعي عدة ملاحظات على نص المعاهدة وأهمها:

  1. تعديل أو الغاء كل من المواد التالية من نص المعاهدة : 5،6،7،10،14،16،1
  2. تعديل أو الغاء الفقرات التالية من نص المعاهدة : الفقرة الثانية من المادة 11، الفقرة الثانية من المادة الثانية.

وفي 1 حزيران 1931 جرت انتخابات المجلس التشريعي الثاني بعد أن حُلّ المجلس التشريعي الأول بتاريخ 9 شباط 1931، وتم انتخاب الشيخ ارفيفان المجالي للمرة الثانية عن لواء الكرك ومعان. وفي هذه الدورة أيضا بقي الشيخ ارفيفان على عزيمته واصراره بضرورة استقلال وطنه عن الاستعمار البريطاني حيث طالب مجددا بتغير مزيد من بنود المعاهدة الأردنية البريطانية من أجل الاستقلال النهائي .

وبعد انتهاء مدة المجلس التشريعي الثاني عقدت الانتخابات النيابية الثالثة في الأردن بتاريخ  16 تشرين الأول 1934 ليتكرر فوز الشيخ رفيفان المجالي عن لواء الكرك ومعان ويكون هو ومن معه من زملائه النواب الوجه المعارض في هذا المجلس الثالث لسياسات الاستعمار البريطاني ومطالبته الدائمة بضرورة نيل الاستقلال النهائي لوطنه الأردن وكان معه من لواء الكرك ومعان الشيخ صالح العوران والشيخ متري زريقات والشيخ محمود زريقات.

وفي تاريخ 16 تشرين الاول 1937 عقدت انتخابات المجلس التشريعي الرابع ومن جديد مثّل الشيخ ارفيفان المجالي لواء الكرك ومعان حيث تم تمديد هذا المجلس سنتين اضافيتين بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية.

وبعد ذلك تم التعديل على قانون الانتخابات ليتم فصل معان عن لواء الكرك لتصبح دائرة لوحدها ولها مقعد واحد، والكرك دائرة منفصلة ولها 3 مقاعد وبعدها أجريت الانتخابات بتاريخ 18 حزيران 1942 حيث فاز في هذه الانتخابات عن لواء الكرك كل من الشيخ ارفيفان المجالي و يوسف العكشة و حسين الطراونة ، في  دلالة واضحة على الاجماع الشعبي الذي حظي به الشيخ ارفيفان المجالي من أهالي اللواء منذ الانتخابات التشريعية الأولى.

وكان للشيخ ارفيفان المجالي نشاطه السياسي الحزبي أيضا، حيث تقدم الراحل بطلب إلى الحكومة بترخيص حزب سياسي وطني أطلق عليه ( حزب التضامن الأردني) وكان معه كل من الشيوخ : مثقال الفايز، سعيد ابو جابر، قاسم الهنداوي، نجيب ابو الشعر، صالح العوران، شمس الدين سامي، احمد الصعوب، متري زريقات، هاشم خير، وهدف هذا الحزب إلى الدفاع عن أبناء العشائر الأردنية وحقوقهم الوطنية، ولم يعمر هذا الحزب طويلاً وذلك بسبب اتهامهم الباطل بـ النعرة الاقليمية من قبل رئيس الحكومة آنذاك عبدالله السراج المعارض لتوجه هذا الحزب الوطني الأردني.

وضمن نشاطاته الحزبية أيضا، ترأس الشيخ ارفيفان المجالي حزب ( الإخاء الأردني) الذي أنشأ في تاريخ 25/9/1937 وكان مركزه الرئيسي في العاصمة عمان وفي 28/9/1937 صدر البيان التأسيسي للحزب والذي أشار إلى أن هذا الحزب يمثل طبقات الشعب الأردني كافة ويسعى إلى خدمة الأردن وتحقيق الاستقلال التام للأردن من الاستعمار البريطاني وضمان الوحدة الوطنية الاردنية بين أبنائه.

الباشوية تكريم واستحقاق 

SAM39271
الصورة مع الشرح المرفق من الموقع الزميل ( زمانكم – قصة الأمس )

وتقديرا لجهود الشيخ البطل ارفيفان المجالي واقرارا بزعامته ودوره الوطني العظيم في إرساء قواعد الدولة الأردنية الناشئة فقد صدرت الإرادة الأميرية من لدن صاحب السمو الأمير عبدالله بن الحسين – الشهيد الملك المؤسس – بتوجيه لقب باشا للشيخ ارفيفان المجالي بالشراكة مع عدد من أشقائه من زعماء العشائر الأردنية وشيوخها وقد نشرت الإرادة الأميرية مع الأسماء في الجريدة الرسمية للإمارة الأردنية عام 1923.

الانسجام الأهلي في فكر الشيخ
حملت الكرك تقاليدًا متوارثة من الحرص المتبادل على حماية خصوصية العلاقة وحفظ الانسجام والوام الأهلي العام والتآخي بين الأردنيين المسيحيين والمسلمين كما في شقيقاتها من المدن الأردنية ،وقد تحدث (بيتر جوبسر) عن مدى حرص مجتمع الكرك على المحافظة على هذه العلاقة المتميزة ، ومضى يقول :”وهم فخورون بعلاقاتهم المتبادلة الجيدة بالمقارنة مع سائر المنطقة والشرق الأوسط”.  وقبل نصف قرن على ماقاله (جوبسر)، كان خليل  الحوراني قد كتب يصف العلاقة بين الأردنيين مسلمين ومسيحيين في الكرك بقوله: “وهم شركاء كأهل الوطن الواحد في الغنم والغرم.”

وحفظا لهذا المبدأ في إعلاء قيم المودة والتسامح والهدف الوطني المشترك ، فقد كان موقف الشيخ البطل ارفيفان باشا المجالي صارما جدا في حال وجود أي خرق – حتى لو كان شفويا – من أي كان لهذه القاعدة الرئيسية ، ولذلك فقد أمر ارفيفان باشا المجالي في مطلع عشرينيات القرن العشرين بنفي تاجر شامي من الكرك لمدة عشر سنوات لإساءته للأردنيين المسيحيين في الكرك بقوله أنهم سيدخلون النار!

ارفيفان والثورة السورية ضد المحتل الفرنسي

كان للشيخ ارفيفان الدور الكبير في مساندة ومساعدة الثوّار السوريين الهاربين من بطش المحتل الفرنسي، عندما فتحت الكرك أحضانها في وجه اللاجئين السياسين السوريين، حيث لجأ القائد العام للثورة السورية سلطان باشا الأطرش ومعه حوالي 500 من الرجال إلى الأردن وزاروا الكرك وحظيوا بالترحاب والحماية من الملاحقة الفرنسية .

سباق في الكرم والإنسانية

زار الشاعر سالم أبو الكباير في ذات يوم الكرك في ليلة باردة في فصل الشتاء، ولم يكن الشاعر أبو الكباير يرتدي (الفروة) وعندها طلب من أحد التجار في المدينة أن يلبسه فروة تقيه من برد الشتاء فرفض التاجر وقال له : إنها للبيع وليست للطيب والكرم، فجلس أبو الكباير ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﺎﺟﺮ ﻋﺴﻰ ﺃﻥ ﻳﺨﻒ ﺍﻟﻤﻄﺮ، ويستطيع الذهاب من عند هذا التاجر الذي كان يبيع أيضا الرز واللوز، وﻳخفض ﺭﺃﺳﻪ ﻟﻴﺮﻯ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﺧﻮﻓﺂ ﺃﻥ ﻳﺰﻳﺪ ﻷﺣﺪﻫﻢ أثناء البيع من شدة بخله، فلم يستطع الشاعر تحمل هذا  فتوجه إلى مضارب المجالية حيث الشيخ ارفيفان المجالي، وكان منزله كبيراً جداً مشرّعا في وجه الضيوف وأهالي الكرك ، فاتجه أبو الكباير نحوه مباشرة وهو يرتعد من البرد، وصدف ليلتها أن كان عند الشيخ ارفيفان ابن اخيه الشيخ البطل قدر المجالي وعندما رأى الشيخان ( ارفيفان وقدر ) أبو الكباير وهو يرتعد من البرد، انطلق كل منهما يسابق الآخر بخلع فروته ليلبسها للضيف وعندها جلس ابو الكباير وقال:

ﺇﻧﻬﺐ ﺷﺒﺎﺑﻚ ﻗﺒﻞ ﻳﺎﺗﻲ ﺩﻣﺎﺭﻩ                ﻻ ﺑﺪ ﻳﺎﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﺯﻳﻼﻥ …
ﺍﻟﻄﻴﺐ ﻳﺎﻷﺟﻮﺍﺩ ﻭﺩﻩ ﺟﺴﺎﺭﺓ                ﻣﺎ ﻭﺩﻩ ﺭﺟﻞ ﻏﺾ ﺭﺍﺳﻪ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ …
ﻗﺪﺭ ﻭ ﺍﺭﻓﻴﻔﺎﻥ ﻣﺜﻞ ﺟﻮﺯ ﺍﻟﻨﻤﺎﺭﺓ           ﻭﺍﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﻴﻪ ﺑﻠﺸﺎﻥ …
ﺍﻟﺼﺒﺢ ﻳﻘﻠﺪﻭﻥ ﻟﻮﻥ ﺍﻟﺴﻔﺎﺭﺓ                 ﻭﻟﻠﻌﺼﺮ ﻣﺎ اﻧﻜﻒ ﻣﻨﺴﻒ ﺍﺭﻓﻴﻔﺎﻥ ..
ﻭﺭﺩﺕ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺧﻴﻞ ﻗﺎﻣﻮﺍ ﻧﻤﺎﺭﺓ              ﺍﻟﻌﺰ ﺑﻠﻘﺎ ﻭ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﻳﺪ ﻋﻤﺎﻥ …

وفاته

رحل الشيخ ارفيفان المجالي مودّعا وطنه وأهله يوم الثلاثاء الموافق 23 كانون الثاني 1945 في الساعة التاسعة مساءً ودفن في مقبرة النبي نوح في الكرك حيث شارك في جنازته جمع غفير من شيوخ العشائر الأردنية والدول المجاورة وحضر الجنازة سمو الأمير طلال بن عبدالله – الملك لاحقا – بالنيابة عن صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الأول بن الحسين – الملك لاحقا.

صورة وفاة رفيفان مع لوجو
إعلان خبر وفاة الشيخ البطل ارفيفان المجالي

وهكذا رحل هذا الرمز المؤابي الأردني المشع، تاركا خلفة سيرة عطرة لمسيرة نضالية وطنية حافلة ، جابهت المحتل بالرصاص والحكمة وواجهت المستعمر بالقلم والكلمة، ووقفت طويلا كعامود بيت شعر عظيم لم تهزها الرياح العواتي، ولم تخضع لابتزاز المحتل وجبروته، وقد قالوا قديما أن ( النار تذر الرماد ) لكن الشيخ البطل ارفيفان المجالي وأمثاله من شيوخ العشائر الأردنية وفرسانها  كانوا ( النار التي خلّفت نارا وبطولة ).

المراجع :

  1. بحث منشور لإرث الأردن عن ثورة الكرك 
  2. صالح رفيفان المجالي، سيرته وحياته، جمع وإعداد راتب صالح المجالي، المطبعة العسكرية، 1997.
  3. جريدة الوفاء، العدد الصادر بتاريخ 28 كانون الثاني 1945
  4. مشاهير في التاريخ الاردني، محمود سعد عبيدات، جريدة شيحان، 22/3/2003.
  5. بيتر جوبسر، السياسة والتغيير في الكرك-الأردن ،دراسة لبلدة عربية صغيرة ومنطقتها،ترجمة د.خالد الكركي،مراجعة د.محمد عدنان البخيت،منشورات الجامعة الأردنية ،عمان ،1988.
  6. لقاء من قبل فريق إرث الاردن مع الباحث التاريخي فرّاس دميثان المجالي ،الكرك، تاريخ4-6-2016
  7. ألفاظ وأشعار كركية، فراس دميثان المجالي، مطبعة السفير،2009.
  8. موقع زمانكم ( قصة الأمس ) – http://www.zamancom.com

الشيخ البطل ارفيفان المجالي

46100_468756629848714_672070020_n[862]

تاريخ نشأة المحمية

تم إنشاء محمية الأزرق المائية في عام 1978 من قبل الجمعية الملكية لحماية الطبيعة وذلك لحماية الواحة و الثروة الحيوية المتواجدة  حيث تمتد المحمية على مساحة 12000 دونم و تقع ضمن الفئة الرابعه من محميات المواطن و الانواع  حسب تصنيف الاتحاد الدولي لصون الطبيعة     

  “Category IV- Habitat /species Management Area                                                 

تقع محمية الأزرق المائية ضمن محافظة الزرقاء/ قضاء الأزرق وسميت نسبة إلى واحة الازرق التي تقع داخل حدودها حيث تبعد عن العاصمة عمان مسافة 115 كم من الشرق.

تم إعلان محمية الازرق المائية كأول منطقة رطبة ذات أهمية عالمية على الطريق الأفريقي-الأوراسي في الأردن (منطقة رامسار) وذلك في عام 1977 وكسبت هذه الأهمية بسبب ندرة نظامها المائي  ولوقوعها بين الصحراء الكلسية من الغرب والصحراء البازلتية من الشرق.

الثروة الحيوية في المحمية

تقع المحمية على ارتفاع 491 م عن سطح البحر وتتميز بأنها أراضٍ رطبة فريدة من نوعها حيث يستطيع فيها العديد من الكائنات الحية البقاء على قيد الحياة لفترة من الظروف غير المؤاتية كالتجمد ويتراوح معدل هطول الأمطار السنوي في حوض الأزرق ما يعادل 350 ملم شمالآ إلى أقل من 75 ملم جنوبآ و من 180 ملم غربآ إلى أقل من 50 ملم شرقآ حيث أن معدل الهطول المطري طويل الأمد 90 ملم سنويا في منطقة المحمية و يعتبر مناخها حارآ صيفا إلى بارد قليل الرطوبة شتاءا

 ويزور المحمية العديد من أسراب الطيور على مدار العام إما للراحة في فترة الهجرة أو لقضاء فصل الشتاء و مواسم التزاوج ، ما يميز محمية الازرق المائية أنها الواحة الوحيدة التي تعمل بنظام التزود الطبيعي للمياه في إقليم الصحراء المشرقية و تصل الذروة الحيوية في المحمية أثناء فترات هجرة الطيور و في فصلي الصيف و الشتاء حيث تتصف محمية الازرق بالمناخ الرطب نسبيا مما يجعلها غنية بالتنوع الحيوي و تتوفر المواطن الطبيعية في المحمية لعدد من الكائنات المائية والبرية حيث يتواجد في المحمية ما يقارب 141 نوعا من النباتات المائية كالحلفا و القصيب الفارسي التي تنمو في المستنقعات و نباتات السمار و الغرقد و الأثل و نباتات القيعان الطينية و الملحية بنسبة 1.8 % بالإضافة إلى السبخات و تم اكتشاف ما يزيد عن 81 نوعاً من الطحالب و ما يزيد عن 163 نوعاً من اللافقاريات و ما يقارب 18 نوعاً من الثديات كإبن آوى و الثعالب الحمراء حيث أنها تعتبر ممرًا هامآ للثعالب و الضباع  كما أنها تضم ما يزيد عن 11 نوعآ من الزواحف و نوعين من البرمائيات و ما يقارب 15 نوعا من الرعاشات و الفراشات كما سجلت المحمية 274 نوعا من مختلف أنواع الطيور .

8

3 556

1 fالجاموس المائي[871]333 المالك الحزين[876]

سمك السرحاني

 وتعد محمية الأزرق المائية الموطن الوحيد لسمك السرحاني (Azraq killifish) و اسمه العلمي  (Aphanius sirhani) وهو نوع نادر من الأسماك سمي نسبة لوادي السرحان الممتد حتى المحمية،  حيث أن هذا النوع لا يتواجد في أي مسطح بحري في العالم إلا في محمية الأزرق حيث تم اكتشافه وتصنيفه لأول مرة في عام 1983 من قبل علماء وباحثين نمساويين (فولفوك وشول وكروب)  أصبح إرثاً طبيعياً حضارياً للمنطقة وقد كان هذا النوع  مهدداً بالإنقراض إلى أن تم اكتشافه مرة أخرى من قبل فريق الدراسات في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة  بحيث أنه لم  يعد متواجدآ في الواحة بعد جفافها منذ مطلع التسعينيات إلا أن جهود الجمعية قد تظافرت لإنقاذه و إعادته إلى وضعه الطبيعي حتى أصبح اليوم مجتمعاً حيوياً في موطنه الأم  .

13

الأهمية التاريخية  للمحمية               

 و تنبع أهمية المحمية التاريخية من وجود كنوز و آثار تاريخية تعود إلى العصر الحجري و العصور الإسلامية بالإضافة إلى جدار بازلتي أسود بني في عصر أحد الخلفاء الأمويين على الأغلب و على مسافة كيلو مترين من محيط المحمية بمقربة من عين السيل تتواجد مزرعة بناها الأمويون ويعد هذا أكبر دليل على أهمية المنطقة في العصور القديمة فيه، ففي عمليات التنقيب الأخيرة داخل المحمية تم اكتشاف أقدم هيكل عظمي بشري في الاردن يعود للعصر الحجري الوسيط المبكر أي قبل 22500 سنة داخل حدود المحمية ضمن مشروع مشترك بين دائرة الآثار العامة و الدكتور البريطاني توبياس ريختر من جامعة أكسفورد

9

بالإضافة إلى اكتشاف أثري جديد وفريد من نوعه قامت به الدكتورة أبريل نويل من الجامعة الكندية ضمن البعثة الكندية للآثار لأقدم عينات مكونة من بقايا بروتينية تعود إلى حوالي 250000 سنة قبل الميلاد لكائنات برية و طيور منها وحيد القرن و الخيول و البقريات و الجمال و البط فقد أضاف هذا الاكتشاف فرضية لرسم ملامح تطور الإنسان و البيئة في المنطقة.

 

الأثر التنموي للمحمية

و تدعم إدارة المحمية المشاريع المرتبطة بدعم وحماية  البيئة و تتعاون مع أبناء المجتمع المحلي من سكان المنطقة على تطوير و تنمية الأنشطة المتواجدة في محيط المحمية بما يعود بالفائدة عليهم و على ديمومة الحياة داخل مواطن المحمية حيث يبلغ عدد العاملين في المحمية 40 موظفآ تقريبا من أهل المنطقة مما يؤكد على أهمية هذه المحمية بتوفير مصدر الدخل الدائم و تحقيق التنمية الإقتصادية حيث أن الأعمال الحرفية و الفنية من إنتاج أبناء المنطقة العاملين في المحمية، وتقوم المحمية بالدعم الفني للجمعيات التنموية في المنطقة عن طريق كتابة جدول بالمشاريع المقترحة و بناء قدرات الجمعيات و منحهم الدعم اللوجيستي وتوفير خبرات العاملين فيها و مرافقها كقاعات اجتماعات و تأمين احتياجاتهم الإدارية و تعمل أيضا على استمرارية التواصل والمشاركة بفعاليات و أنشطة الجمعيات الرسمية والشعبية كما أنها تعتبر الجسر الواصل بين المؤسسات و الجهات المانحة كالمرفق البيئي العالمي و اليو أس إيد و هذه الجمعيات، و قد قامت محمية الازرق المائية بالشراكة مع الجمعيات المحلية بالعديد من المشاريع التنموية كإعادة التدوير و الزراعات العضوية و العديد من مشاريع التنمية المستدامة التي تعود بالفائدة على أفراد المنطقة عامة وعلى المحمية خاصة، ومن الأنشطة البيئية التي تقدمها المحمية لأبناء المنطقة أنها تعمل على إعداد البرامج التوعوية اللامنهجية و تطويرها كالزيارات المدرسية و أنشطة العلماء البيئين الصغار وبرنامج فارس الطبيعة كما قام طلاب أحد المدارس في قضاء الأزرق بتصميم نموذج فيزيائي لحوض الأزرق المائي إضافة إلى أول لعبة الكترونية تفاعلية بيئية مقدمة للطلبة متواجدة على الهواتف الذكية  أنشئت بمحمية الأزرق المائية للتعريف بها وبمشكلة المياه فيها ومن الجدير بالذكر أيضا أن محمية الأزرق المائية و مرافقها تعتمد على الخلايا الشمسية في توليد الكهرباء بواقع 190 خلية كهربائية.

التحديات التي واجهت المحمية

 55

  

قبيل مزاولة الضخ الجائر كانت المحمية في الثمانينات مرتعاً لما يقارب مليون من أنواع الطيور المتنوعة و ذلك لوقوعها على أحد أهم مسارات هجرة العديد من الطيور وقد ذكر أن مواسم الهجرة كانت تشكل ازدحاما في سماء المحمية حاجبة جزءآ من أشعه الشمس وبحلول العام 1993 وبسبب الضخ الهائل للمياه لم يعد هناك أية مياه سطحية في المحمية مما أدى إلى تدهور القيمة البيئية للمحمية، ولسوء الحظ عانت محمية الأزرق من كارثة بيئية بسبب هذا الضخ الجائر للمياه من حوض الأزرق الجوفي إلى المدن المجاورة وحفر الآبار مما أدى إلى تناقص مستمر في مستويات مياه الحوض في السنوات الخمسين الأخيرة حيث بدأت مستويات المياه بالهبوط وصولا إلى أدنى مستوى في عام 1993، وكان حصيلة هذه الممارسات وخيمة حيث أدت إلى تبديد  مساحات الجفاف من الواحة وصولا إلى الأراضي الرطبة  بما يقدر بـ 25 كم2 من المساحة الكلية واستمرت هذه الكارثة إلى أن جفت الينابيع التي كانت تعمل على تزويد الأراضي الرطبة بالمياه و وصل عمق المياه لأثني عشرمتراً تحت سطح الأرض.

الجهود المبذولة لحماية المحمية

تنبع أهمية محمية الأزرق المائية بأنها بوابة الأردن الشرقية و أولى وجهاتها السياحية الجاذبة للزوار القادمين من الجهة الشرقية للأردن.

في عام 1994 بدأت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة بمشاركة دولية  من مرفق البيئة الدولي بعملية إنقاذ للواحة بهدف رفع نسبة المياه المستنزفة 10 % وتوقيع اتفاقية مع وزارة المياه والري لتزويد المحمية بـ 1.5ــ2.5 مليون م3 من مياه حوض الأزرق الجوفي سنويآ إعادة تأهيل المواطن الطبيعية في المحمية وأسفرت بنجاح في استعادة جزء مهم من الأراضي الرطبة لكن لم يتم الوصول للنسبة المرادة بسبب الضخ المستمر للمياه من حوض الأزرق وقلة الأفراد الخبراء و المتخصصين بمجال إدارة الأراضي الرطبة و بفضل جهود الجمعية الملكية لحماية الطبيعة بدأت العديد من الطيور بالعودة إلى المحمية.

في عام 2003 تم استحداث محطة لمراقبة الطيور في محمية الأزرق المائية  لاستقطاب الباحثين ومراقبي الطيور والتخطيط معهم لإعداد الدراسات حول هجرة وسلوك الطيور من خلال عمليات التحليق وتسجيل أصوات الطيور.

قامت المحمية في عام 2006 بالعمل على إعادة تأهيل المواطن الطبيعية للسمك السرحاني و الذي يعد الحيوان الفقاري الوحيد المتوطن في الأردن و للمحافظة على هذا النوع من الانقراض عملت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة بالتعاون مع الاتحاد الدولي لصون الطبيعة على إعادة إكثار السمك السرحاني حيث تزايدت أعداد السمك السرحاني في موطنها الطبيعي وقد حقق المشروع نجاحا وحظي باهتمام عالمي وحصل على جائزة شركة فورد العالمية في مجال البيئة وعلى أثر نجاحه فقد أصدر الاتحاد الدولي لصون الطبيعة تقريرا عن مشروع إكثار السمك السرحاني في المحمية مشيرا إلى أنه من أكثر المشاريع التي تتعلق بالإكثار نجاحا في العالم و على أثر ذلك بدأ نُزل الأزرق و الذي يقع بمحيط المحمية باستقبال زوارها و كانت نقطة الإنطلاقة الأولى في برنامج السياحة البيئة في الصحراء الشرقية وقد أشاد جلالة الملك عبدالله الثاني بهذه الجهود المبذولة وأبدى دعمه لهذه المشاريع المقامة.

و كشفت إدارة الجمعية الملكية لحماية الطبيعة عن مشروع لتوسيع المحمية من 12000 دونم إلى ما يقارب 72000 دونم حيث تعتبر هذه العميلة التوسعية نقلة نوعية للمنطقة بهدف حماية القاع و الحفاظ عليه و تطوير الخدمات المجتمعية التي تقدمها المحمية

 

الخدمات التي تقدمها المحمية

 تعتبر المحمية نقطة توقف للطيور المهاجرة  باعتبارها مكاناً لمراقبة ومشاهدة الطيور بأنواعها المحلية والمهاجرة النادرة فيستطيع الزوار مراقبة الطيور عن بعد و تضم المحمية العديد من المرافق و الأنشطة التي تمكن الزوار الاستمتاع بأركانها دون الحاجة إلى الخروج منها لتأمين احتياجتهم ويمكن للزائرين الإقامة على مقربة من المحمية في نُزل الأزرق المتاح على مدار العام بالإضافة إلى سينما الطبيعة التي تمكن النزلاء من مشاهدة وثائقيات عن الطبيعة و التاريخ و يتميز بإطلالة ذات طابع صحراوي على المسطحات الطينية والرملية لحوض الأزرق حيث كان هذا النزل فيما سبق مستشفآ عسكريا للاستعمار البريطاني.

تضم المحمية مشاغل للحرف اليدوية التي يتم إنتاجها محليا كمشغل الأزرق للرسم على بيض النعام يدويا باستخدام خاصية النقش والتنقيط بالإضافة إلى مشغل للطباعة الحريرية بطريقة صديقة للبيئة ومشغل الخياطة التي يستطيع فيها الوافدين للمحمية تصميم ما يرغبون وتضم مرافق المحمية مشغلا للألعاب التعليمية التي يتم تصميم مجموعة من الألعاب فيها وقد لاقت لعبة “وايلد مونيبولي” رواجا واسعا لدى العائلات الزائرة، كما أضاف مشغل التغليف رونقا للمنتجات المتواجدة في المحمية باستخدامهم علب تغليف مصنعة يدويا كما بإمكان العاملين تنفيذ العديد من التصميمات المرادة لعلب التغليف ويعتبر مشغل إعادة التدوير أحد أهم هذه المشاغل لما لهذه القضية من أهمية حيث يقوم بإعادة تدوير الورق و غيرها من عمليات إعادة التدوير والتي من شأنها إظهار الاهتمام بالمحافظة على المحيط البيئي.

و من الجدير بالذكر أن هذه المشاغل أسهمت بتأمين الكثير من الوظائف تحديدا للإناث من سكان المنطقة المحيطة.

000 5 7 11 44

الأنشطة المقامة في المحمية

بإمكان القادمين للمحمية بالقيام بالعديد من الأنشطة من شأنها أن تكون محصلة لمغامرة ممتعة في البيئة الصحراوية النادرة إذ بإمكان الزوار المشي عبر الممر الخشبي للتعرف على المحمية ومراقبة الطيور المهاجرة وبعض من الجواميس المائية من داخل مبنى مصنوع من الطوب المحلي بالإضافة إلى ممر دراجات القاع الذي تمكن الزوار من التجوال حول المحمية بالدراجات الهوائية الذي يتواجد فيه عدد من المسطحات الطينية الشاسعة لمنطقة القاع والصحراء الشرقية وكذلك بإمكان الزائرين التجوال في الأزرق والتعرف على تاريخها ونمط معيشتها من خلال ممر دراجات قرية الأزرق ورؤية القصور والقلاع المحيطة بالمحمية ومن ثم الإستراحة وتناول وجبة خفيفة في أحد بيوت عشائر المنطقة والعودة إلى المحمية  .

2 90 1915433_1048014108589627_3216920650563692443_n 14370391_1188145114576525_7688934000384417232_n 15027457_1238729886184714_1413728487649648072_n

المراجع :

  • دليل المحميات الطبيعية في الاردن/ الجمعية الملكية لحماية الطبيعة
  • الموقع الإلكتروني للجمعية الملكية لحماية الطبيعة   rscn.org.jo
  • الموقع الإلكتروني لهيئة تنشيط السياحة visitjordan.com
  • الموقع الإلكتروني لبرية الاردن wildjordan.com
  • الموقع الرسمي لوزارة السياحة و الآثار mota.gov.jo
  • الصفحة الرسمية لمحمية الأزرق المائية على الفيس بوك facebook.com/pg/azraqwetlandreserve
  • الصفحة الرسمية للجمعية الملكية لحماية الطبيعة على الإنستغرام https://www.instagram.com/RSCN_Jordan/
  • Interglacial and glacial desert refugia and the Middle Paleolithic of the Azraq Oasis, Jordan – Science Direct (scientific article)

 

محمية الأزرق المائية : قلب الصحراء الأردنية الشرقية

مقدّمة 

تعتبر الخدمات البريدية من أوائل خدمات البنية التحتية التأسيسية للدولة الأردنية، وذلك لحاجة المؤسسين والمؤسسات إلى الاتصالات والمراسلات لعدة جهات، لذلك البريد كخدمة كان موجوداً منذ بداية الدولة الأردنية حيث بدأت خدمة البريد والبرق والهاتف في الأردن بصورة رسمية مع قيام أول حكومة عُرفتْ بإسم (مجلس النُظّار) وكان ذلك عام 1921.

item_XL_5509057_2454270

    صدر أول طابع بريد أردني في 27/9/1927 بأمر من مدير البرق والبريد والهاتف، حيث تم وضع هذه الطوابع رسميا ًعلى الرسائل، وكان أول الطوابع ظهورا ً، ذلك الطابع الذي كتب عليه كلمتا (خالص الأجرة)، ثم عقبه طابع آخر نقشت عليه كلمات (ذكرى الاستقلال) .

overprinted-palestine-eef-stamps-1920-1

وبعد ذلك تم إصدار طوابع تحمل صور الأمير عبدالله ( الملك المؤسس )، وكانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها إصدار طوابع عليها صورة أمير البلاد، وحينها كان البريد ما زال ينقل على الدواب .

b4811f4ca5d0.210x246

وقد صدرت مجموعات طوابع أردنية تذكارية خلال الأعوام 1927 -1933 تحمل مناسبات عديدة مثل صدور أول دستور لإمارة شرق الأردن عام 1928 والجراد عام 1930 وأماكن أثرية عام 1933، ولكن أول مجموعة طوابع تذكارية لمناسبة وطنية صــــــدرت في 25 / 5 / 1946 بمناسبة الإستقلال وثاني مجموعة 1947 بمناسبة تأسيس المجلس النيابي، وأول مجموعة طوابع أردنية لمناسبة عالمية كانت عام 1949 بمناسبة مرور 57 عاماً على تأسيـــس الاتحاد البريدي العالمي UPU، أما أول مجموعة طوابع تذكارية تحمل صورة جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه فهي ( ذكرى إعتلاء العرش) والتــــي صـــــدرت في 1 / 10 / 1953 وهي أيضاً أول طوابع تصدر في عهد الحسين ومكونه من 6 طوابع، وفي عهد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين كان أول صدور لطابع بريد هو بمناسبة العيد الثامن والثلاثون لميلاد جلالته بتاريخ 30 / 1/ 2000.

المراجع :

محمد ربيع الخزاعلة ، الأوائل في تاريخ الأردن الحديث ، ص 102 ، 2003

تاريخنا ، الموقع الالكتروني للبريد الأردني ، jordanpost.com .

الدكتور سعد أبو دية ، البيئة السياسية وتطوير أعمال البريد في الأردن ، عمان ، 1993م .

أول طابع بريد

Scroll to top