حرصا من إرث الأردن على متابعة آخر مستجدات الإرث الوطني الأردني وجهود المحافظة عليه، نقدم لكم هذه الترجمة .

عقد السيد آندي فلمور السكرتير البرلماني لوزير الإرث والتعددية الثقافية الكندي اجتماعا مع سعادة السيدة ريما علاء الدين سفيرة المملكة الأردنية الهاشمية في كندا، وذلك لاستعادة مقتنيات أردنية أثرية ثقافية وإرثية مهمة. وقد عقد هذا الحدث في المعهد الكندي للحفاظ على الإرث في أتاوا.  مثل السيد فلمور عطوفة وزير الإرث والتعددية الثقافية الكندي، السيد بابلو رودريغز.

متحف أونتاريو الملكي

وقد استعادت الأردن مقتنيات إرثية هامة تتضمن  الفخار، وقوارير زجاجية، ومنحوتات ومصابيح  زيتية، يعود بعضها إلى القرن الثالث أو الرابع الميلادي والفترة الرومانية. وقد احتفظت وكالة خدمات الحدود الكندية بهذه المقتنيات منذ عام 2015.  وكان خبراء متحف أونتاريو الملكي قد عاينوا تلك المقتنيات وأكدوا على قيمتها العالية. بينما طالب الأردن  باستعادة هذه المقتنيات لكونها جزءا من  الإرث الوطني الأردني.

وقد أعادت كندا تلك المقتنيات للأردن مؤكدة على نهجها المستمر في محاربة الاتجار غير المشروع بالمقتنيات الثقافية الإرثية وتأكيد على حرصها على أن تستعيدها الدول التي تمتلكها. إنه مثال رائع على تعاون القطاعات الحكومية والوكالات معا لتطبيق قانون تصدير واستيراد الممتلكات الثقافية.

مقتطفات

“إن كندا سعيدة بإعادة هذه المقتنيات الإرثية المهمة إلى المملكة الأردنية الهاشمية، وتماشيا مع القوانين التي وقعناها عام 1970 في اتفاقية اليونسكو لمحاربة الاتجار غير المشروع للمقتنيات الأثرية. إننا ممتنون للتعاون المتواصل بين قسم الإرث الكندي وموظفي كندا لمراقبة الحدود وكذلك خبراء التاحف الكندية

وزير الإرث والتعددية الثقافية الكندي، السيد بابلو رودريغز.

إننا هنا نتشارك هذه اللحظة المهمة، والأردن يستعيد مقتنياته الإرثية. إن حكومتنا تؤمن بأهمية الحفاظ على إرثنا وجعله متاحا للمواطنين كي يتعرفوا على فنونهم وثقافتهم

– السيد آندي فلمور السكرتير البرلماني لوزير الإرث والتعددية الثقافية الكندي.

إن حكومة الأردن ممتنة لجهود وكالة خدمات الحدود الكندية وقسم الإرث الكندي، تلك الجهود التي أثمرت باستعادة الأردن  لمقتنياته التي لا تقدر بثمن. إن هذا يعبر عن العلاقات الثنائية الممتازة بين الدولتين، والتعاون متعدد الأوجه الذي نتمتع به سويا منذ عقود عديدة

– سعادة السفيرة  ريما علاء الدين، سفيرة الأردن في كندا.

حقائق سريعة

  • وقعت كندا والأردن على اتفاقية اليونسكو عام 1970 والتي تهدف لتجريم ومكافحة تصدير واستيراد ونقل ملكية الممتلكات الثقافية. وبتوقيع الاتفاقية، وافقت الدول المشاركة على مساعدة بعضها البعض بشأن الممتلكات الثقافية المسروقة أو المصدرة بشكل غير قانوني.
  • يسعى الأردن بشكل حثيث لاستعادة الآثار والمقتنيات الإرثية التي تم الاتجار بها بطريقة غير مشروعة.
  • عام 2010 استعاد الأردن حوالي 300 قطعة تم تهربيها إلى أراضي فلسطين المحتلة.
  • عام 2011 استعاد الأردن قرابة 1000 قطعة أثرية تم الاتجار بها بشكل غير قانوني وتهريبها إلى أراضي فلسطين المحتلة.
  • تعمل الجهات الأمنية الأردنية خصوصا على الحدود، على تعزيز الرقابة فيما يتعلق بتهريب الآثار والممتلكات الثقافية والاتجار بها وذلك إيمانا بحق الأردنيين وشعوب العالم في إرثهم الوطني.

 

المصدر: مقالة منشورة على موقع الحكومة الكندية https://www.canada.ca/en/canadian-heritage/news/2018/11/canada-returns-heritage-objects-to-the-hashemite-kingdom-of-jordan.html?fbclid=IwAR02gooDL6PJgLajIT1Iae9FYrVfeabHTciB-dRDq0e87i-yN1GXx_hTbbg

الخبر على موقع اليونسكو: http://www.unesco.org/new/en/culture/themes/illicit-trafficking-of-cultural-property/recent-restitution-cases-of-cultural-objects-using-the-1970-convention/

الأردن يستعيد مقتنيات أثرية من كندا

( 1905- 2000)

تعود أصول قبيلة الشقير إلى قلب الجزيرة العربية قرب نجد، في المملكة السعودية اليوم، عند سفح جبل يدعى الشقير (تصغير كلمة الأشقر)  عام 1750 هاجرت القبيلة إلى الشمال واستقر أفرادها كتجار على طول منطقة خربة الوهادنة الخصبة والخضراء، التي تقع في عجلون شمال الأردن. بحلول منتصف القرن التاسع عشر، هاجرت القبيلة مرة أخرى ولكن منقسمة إلى ثلاثة أقسام  الأول قصد الشمال فهاجر إلى سورية والثاني إلى الجنوب مهاجرا إلى الكرك أما الثالث فاستقر في مدينة نابلس في فلسطين عام 1870. ومن هنا استغل أفرادها مهاراتهم التجارية وحبهم للعلم على أتم وجه. وقد قيل بأن كل أطفال قبيلة الشقير يعرفون القراءة والكتابة ذكورا وإناثا وقد كان غير معهودا ي الوقت الذي انتشرت فيه الأمية بين النساء بشكل كبير.

في بدايات القرن العشرين اعتاد الناس على القول بأن “عمان هي بيت الشركس والشقيرية” قبل انهيار الاحتلال العثماني، أدى التواطؤ مع الروس عبر البحر الأسود إلى واحدة من أكبر الحركات السكانية في التاريخ الحديث. لقد تم نفي كل المحاربين المسلمين من منطقة القوقاز المستقلة عقب هزيمتهم، ففي عام 1864 طردوا بأعداد عائلة من موطنهم الأصلي وتوجهوا جنوبا إلى تركيا وسورية والأردن. بلغت موجة الهجرة الأولى قرابة ثلاثة آلاف شركسي لجأوا إلى الأردن واستقروا بسلام وتعايش إلى جانب جيرانهم من العشائر الأردنية وقد شكلوا قرية على أنقاض المملكة العمونية القديمة والتي سيكون لها أهمية استراتجية عظيمة فيما بعد.

عندما أعلن الأمير عبد الله الأول اتخاذ عمان عاصمته المستقبلية في أوائل العشرينات، تحولت القرية الصغيرة إلى مدينة صاخبة وشهدت وشكلت مركزا اقتصاديا جديدا للدولة الأردنية الحديثة. جذبت عمان التجار والمهندسين والمعلمين والبنائين وأصحاب الحرف من مختلف القطاعات والاتجاهات ومن جميع أنحاء الشرق الأوسط. من بين من جاؤوا إلى عمان كانوا أبناء الشقير من نابلس ودمشق وقد أسسوا منازلهم ومحلاتهم من شارع خرفان حتى شارع بسمان. كان والد أنيسة وزوجها وأخوالها من أوائل من استفادوا من الفرص الاقتصادية التي ولدت مع اتخاذ الأمير عبد الله الأول عمان عاصمة جديدة. وإحدى هذه الفرص بناؤهم لمصنع صغير (وحدة صناعية) لتصنيع البارود في قبو منزلهم خارج حدود المدينة على جبل عمان في منطقة الدوار الأول. لقد زودوا مدفع جبل القلعة بالبارود، وكان المدفع مخصصا لإعلان بدء وانتهاء شهر رمضان الفضيل كل سنة. عام 1949، انفجر المصنع في حادث أليم أدى لتدمير المبنى بأكمله.

أما قصة أنيسة فتتادخل مع كل ذلك، ففي عمان عام 1929 بدأت حياتها ترتسم وتتشكل وتتحدد معالمها أكثر. وبناء على طلب القائد الأردني الامير عبد الله صاحب الرؤية الطليعية، طلبت عمان من حكومة فلسطين استدعاء أنيسة وقد عينت أول قابلة  مدربة في عمان ولقبت حينها (أم العمانيين) ولكن هذا الإنجاز غطى حياة كانت مليئة بخيبات الأمل والأسى.

ولدت أنسة في مدينة نابلس الفلسطينية عام 1905، في وقت كانت روح القومية تتأجج بين العرب، نشأت في عائلة تقليدية ومحافظة تؤمن بفائدة التعليم  للفتاة مادام مقتصرا على المنزل. “كانت مهمتي الوحيدة هي تعلم كيفية إرضاء العائلة والزوج” قالت أنيسة في مقابلة عام 1988.

تزوجت عام 1916 بعمر الحادية عشر من ابن عم ثان بعمر العشرين. كان واجب أنيسة هو إنجاب الأطفال ولكنه أمر لم يتحقق لثلاثة عشر عاما لاحقة. دفعها إحساسا العميق بالفشل وحزنها لإيجاد السلوى والمتعة في عملها كقابلة.  وعلى امتداد نصف قرن، بدأ عملها مع أول حالة ولادة في الخليل عام 1928 وانتهى بتوليدها لحفيدها أنس الذي حملته أيديها إلى العالم في 18 تموز عام 1978.

بينما سعى زوجها لاستغلال الفرص الجديدة التي خلقتها مدينة عمان في بداية العشرينات، قضت أنيسة العشر سنوات التالية في بيت أهلها غارقة في يأسها بسبب ما اعتبرته زواجا فاشلا. لقد أدركت بأن العمل هو الطريقة الوحيدة كي تخرج من تعاستها، وهو الأمر الذي بدا مستحيلا في ذلك الوقت نظرا للقيود الثقافية التي تمنع الفتيات من مجاراة الرجال. عندما أصدر المجلس الإسلامي الأعلى في القدس فتوى عام 1925 شجع الفتيات على مواصلة دراستهن في القبالة كاستكمال لعمل الدايات (المولدات التقليديات) ، بدا الأمر وكأنه تدخل إلهي لأنيسة. أدركت الفرصة التي فتحت أمامها ومع موافقة والدها المترددة، سجلت أنيسة في واحد من مراكز تدريب المستشفيات في القدس وهي رحلة من 66 كلم. وبالنسبة للعائلة بأكملها، لم يكن هذا القرار ليمر مرور الكرام. ” أتذكر أني كنت مرتعبة من فكرة أني سأدرس في صف فيه رجال” تتذكر أنيسة، وتكمل” كنت أنوي إلغاء الأمر بأكمله إلا أن إدارة التدريب جعلت الأمر أسهل بالنسبة للفتيات عبر تحديد أعداد الرجال في الدرس” “كنت خائفة لأني نشأت في ثقافة لا تسمح للرجال والنساء أن يجلسوا معا حتى لأهم الأسباب” بعد تغلبها على تلك الشدائد وعلى خوفها الداخلي وكآبتها؛ اشتعلت الحماسة فيها.

لقد كانت أنيسة الفتاة المسلمة الوحيدة في الدورة الأولى التي امتدت لستة أشهر، رافقتها ست فتيات يهوديات من القدس وفتاة مسيحية واحدة من حلب. كانت ملكة اللغة التي وهبت لأنيسة قد ساعدتها على الاطلاع على المناهج التي تدرس بالعربية والإنجليزية والفرنسية- اللغات الثلاثة التي رافقتها طوال حياتها. تخرجت عام 1926، وعينت في وظيفتها الأولى في مستشفى الخليل وقد استطاعت أخيرا تجريب متعة توليد الطفل الأول.

دعاها منهجها المنهجي والحداثي للعمل في وزارة الصحة في نفس الوقت الذي لبّت فيه دعوة لتقديم المساعدة في جميع المجالات إلى فلسطين وسوريا من قائد الأردن، الأمير عبد الله. أعارتها الحكومة الفلسطينية عام 1929 وبعد فترة وجيزة من وفاة والدها المفاجئة، قصدت أنيسة وأمها وأختها عمان ليلتم شملها أخيرا مع زوجها.

عينتها أمانة عمان كقابلة المدينة الأولى، وجعلتها خبرتها العملية أن تدخل قلوب الجميع في عمان وما بعدها كما دخلت بيوتهم. متشبعة بإحساس الثقة الجديد بمهاراتها، بدأت نظاما رائعا من إعادة تثقيف وتحديث المعتقدات الشعبية التي تختص بالأمومة والطفولة والتي كانت سائدة في ذلك الوقت. وعلى الرغم من أن الولادة في وضعية القرفصاء هو أمر شائع في العالم حيث يؤمن الكثير بكون هذه الوضعية أسرع وأقل ألما من الاستلقاء. صرحت أنيسة لصحفي في وقت لاحق من حياتها “العديد من الناس يملكون معتقدات وأفكار خاطئة، منها أن على المرأة أن تلد وهي مقرفصة” وأكملت” كان من الصعب إقناع السيدات بضرورة الاستلقاء لولادة أكثر صحة. لم تكن السيدات يستخدمن الأدوات المعقمة أيضا، ولكني تمكنت من تغير بعض هذه الأفكار” كان التغيير على رأس الأولويات في كل مكان. أما ثقة أنيسة بحياتها العملية منحتها بعض السلام الداخلي. واستطاعت أخيرا أن تترك الماضي وأحزانه وراءها وبحلول نهاية العام كانت حاملا. كانت تضع النساء الحوامل وصحتهن على صحتها، ويوما ما وجدت نفسها في بيت إحدى المريضات التي أنجبت للتو طفلة عندما بدأ مخاض أنيسة نفسها. أنجبت طفلها البكر في منزل غريب. لم تطل فرحتها كثيرا فقط مات مولودها بعد ثلاثة أيام. خففت الصلاة من شعورها المر بالفقد، أصبحت أنيسة أكثر تدينا وازدادت ثقتها بالله ليلهمها في المصاعب التي تطرأ في الولادات التي تكون مسؤولة عنها وخاصة تلك التي قد تسبب الوفاة أو العيوب الخلقية. لم تثق النساء بالأطباء، لأنهم كانوا جميعا رجالا.

وبحلول القرن العشرين، كانت عمان مجرد قرية نائية خاضعة للاحتلال العثماني. أعاد اللاجئون الشركس وأبناء العشائر الأردنية بناء عمان. بنى  الوافدون الجدد  وبيوتهم من الحجر والطوب على طول مجرى نهر عمان ، في (الوديان) من سبعة تلال، وعلى أنقاض مباني عمان القديمة التي أقامت بأمان لآلاف السنين.

لحسن حظ أنيسة كانت معظم البيوت يمكن الوصول إليها سيرا على الأقدام. ولكن بعد قدوم العمال في مختلف المجالات كالجارة والحرف والبناء، من فلسطين وسوريا والعراق، تحولت القرية الهادئة إلى مدينة صاخبة، وبدأت البيوت تنتشر على التلال السبعة في عمان. اضطرت أنيسة لاسئجار تاكسي محلي يوصلها إلى أي مكان تريده مقابل أجرة معينة تدفعها نهاية كل شهر. وكان عدد مريضاتها يزداد مع اتساع شهرتها. في بداية الثلاثينات، بدأ زوجها ببناء منزل جديد للعائلة في شارع الهاشمي المطل على المدرج الروماني ولكن للقدر كلمة أخرى. توفي زوجها عام 1935، تاركا أنيسة مع ثلاثة أطفال صغار، ابنتها نفيسة التي ولدت عام 1929، وابنها معاوية الذي ولد عام 1931 وابنها معاذ الذي ولد عام 1933 أصبحت المباعدة بين الولادت (تنظيم النسل) شعار أنيسة، إضافة لرفضها العنيد لأي مساعدة مادية من الأقارب عقب وفاة زوجها. ولكنها قبلت بعرض المعلم الذائع الصيت حسن أبو غنيمة لاستكمال بناء المنزل مقابل العيش فيه ستة سنوات بلا إيجار.

يستذكر معاذ والدته بأنها كانت متسامحة مع آراء الآخرين، ومتدينة لا بالمفهوم الإسلامي ولكن بطريقة سخية وناكرة للذات “على غرار الأم تيريزا” علمت أطفالها عبر القدوة وحكاية القصص التقليدية التي تسلط الضوء على حرية الاختيار والمسؤولية الاجتماعية. علمتهم أيضا أن الدين هو طريقة ووسيلة لجعل الحياة أفضل. لقد حرصت على أن يتلقى أطفالها التعليم الصحيح وأفضل عناية صحية ممكنة، مولت دراستهم في مصر ولبنان وأمريكا كما كانت خير داعم لهم في كل قرارتهم التي اتخذوها. يمتلك أطفالها ذكريات قليلة عن والدهم. لم تزر أنيسة قبره أبدا لأنها آمنت بأنه حالما مات المرء، فالأمر المهم تذكره هو قيامة روحه نفسها، ولهذا لم تكن لتهتم بالعظام التي دفنت تحت الأرض، وهو اعتقاد شائع في الإسلام وبالأخص في السعودية، المكان الذي يحمل ذكرى خاصة عندها.

باعت أنيسة مجوهراتها في الثلاثينات لتذهب للحج في المرة الأولى لها، ولكن كان ذلك الجزء السهل فالوصول إلى مكة كان أمرا مختلفا تماما.  كانت أول رحلة لها في شاقة جدا استغرقت خمسة أيام برا من عمان إلى اللد، ومن ثم  بالقطار إلى السويس،  وبعدها عن طريق العبارة إلى جدة وعلى ظهر الجمل إلى المدينة المنورة حيث وجدت سلواها. قامت أنيسة بتلك الرحلة لأكثر من ثلاثين مرة خلال حياتها.

قامت أمانة عمان بتثبيت لافتة على جدار منزلها تحمل اسمها” الحاجة أنيسة شقير” ليعرف الناس مكان سكنها في حالة الطورائ.  كما تم تخصيص خط هاتفي لها، وهو واحد من أول مائة مثبتة في تبادل التلغراف، رقم 73.

وبعد عملها لخمسة وعشرين عاما في العمل الحكومي براتب بدأ بخمسة دنانير وانتهى بخمسين دينارا، نقلها عملها من المساكن المتواضعة إلى الأكثر فخامة شيئا فشيئا. كان من الشائع لدى النساء أن يتم إعفاؤهن من مهام المنزل، إن كن يستطعن تحمل تكاليف ذلك، قد يكون ذلك مرتين أسبوعيا أو خلال فترة الحمل والولادة بأكملها. ولذلك كان من الطبيعي أن ترعى الأميرة زين الشرف، زوجة الملك طلال ابن الأمير عبد الله، خلال حملها الأول عام 1935. وقبل بضعة أسابيع من ولادة الأمير حسين – ملك الأردن المستقبلي- دخل الامير عبد الله الغرفة وقال “إن كانت أنيسة تعتني بزين، من يعتني إذن بنساء عمان؟” ولها عين طبيب آخر للأميرة زين ليرعاها فيما تبقى من حملها. تابعت أنيسة عملها الكثير والمضني والذي تضمن الاعتناء بدفاتر الولادة الهائلة التي احتفظت بها في المنزل. ولا عجب بأنها حصدت لقب “أم العمانيين” كانت القبالة والأمومة جل اهتماماتها، فلم تولي الموضة والأزياء والملابس التي بدأت وقتها تنتشر أي اهتمام، وقد رفضت تغيير المجوهرات التي باعتها في الثلاثينات.

امتد إحساسها العميق بالالتزام تجاه مريضاتها وحبها للأطفال الذين تولدهم وكأنهم أولادها إلى توليد النساء في السجن، وفي تلك الحالة كان ينبغي عليها قضاء الليل معهن. ولكونها القابلة المدربة الوحيدة حتى الأربعينيات أخذت على عاتقها تخريج فوج من القابلات المدربات، كن بالمجمل ثمانية قابلات. بعدما تركت العمل الحكومي عام 1948، عينت كرئيسة قسم التمريض في مستشفى ملحس الخاص الجديد الذي بني في منطقة الدوار الأول الحديثة في جبل عمان. احترمها الأطباء وقدروا خبرتها وقدرتها على ردم الهوة بين ما هو تقليدي وما هو حديث مع الحساسية الثقافية التي تغلف تلك الأمور.

بحلول عام 1953، انتقلت مرة أخرى ولكن إلى السعودية حيث عينتها الحكومة السعودية في مستشفى حديث الافتتاح في المدينة المنورة قرب قبر الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وهناك قضت أسعد أيام حياتها. وبعيدا عن العامل الديني الذي عزز سعادتها في الحياة في السعودية، كانت سعادتها في كون السعوديين لا يفرقون بين ولادة أنثى أو ذكر فقد كانت صحة المولود هي المهمة، على عكس الحال في عمان.

عادت أنيسة إلى الأردن عام 1958 واستمرت في العمل في القطاع الخاص حتى أقعدها المرض عن العمل عام 1975. توفيت الحاجة أنيسة بسلام عام 2000 جدة فخورة لعشرين حفيدا أشرفت على ولادتهم بنفسها وكأنهم “الامل بالحياة، وأجمل هدية يمكن أن يحصل عليها المرء” حصلت أنيسة شقير على عملها الدؤوب على عدة جوائز:جائزة الإنجاز مدى الحياة من الممرضات والقابلات القانونيات في عام 1975. الدرع الأردني للمرأة الريادية في 1982؛ وجائزة من مستشفى ملحس في عام 1995 بمناسبة اليوبيل الذهبي للمستشفى.

وللأسف لا نملك الكثير من الصور لها، حيث أنها أتلفت كل الصور في نهاية حياتها لأسباب غير معلومة. أصبح اسمها رديفا للأمومة في أيام عمان الأولى، ولا عجب أنها وجدت ذاتها في مدينة منحت لامان والملجأ للكثيرين، وقد وهبت الحياة لأبناء دولة الأردن الحديثة.

أمّ العمانيين، أنيسة شقير

زينب أبو غنيمة

(c. 1900-1996)

“معلمات إربد”

إن الحصول على معلومات عن النساء الملعمات الرائدات ومديرات المدارس في بداية نشأة الدولة الأردنية ليست مهمة سهلة أبدا. فمن أين نبدأ؟ في عشرينات وثلاثينيات القرن الماضي، دعيت المعلمات اللواتي أنهين تعليمهن في القدس والدمشق لتولي إدراة مدارس البنات في الدولة الأردنية التي كانت في طريقها للنهضة الأولى. فعينت مثلا ميساء بارودة لإدارة مدرسة زين الشرف في جبل عمان. لقد كُتب القليل جدا عن النساء في العقود الأولى من القرن العشرين، أو هكذا ظننت. وإن لم يملك المرء أسماء لينطلق منها في بحثه فإن الأمر يشبه البحث عن إبرة في صحراء وادي رم الشاسعة.  ولكن أحيانا يكون الحظ في صفك. وكذلك الأمر في حالة زينب أبو غينمة، التي تعد واحدة من أوائل الحاصلات على شهادة في التعليم في إربد ومن أوائل المديرات في مدارسها. ومن خلال قصتها التي رواها لنا ابنها عدلي وزوجته هدى، اكتشفنا المزيد عن النساء الرائدات وعن معلمات عائلة أبو غنيمة في الماضي والحاضر. وبهذا تشكلت لوحة الفسيفساء الأخاذة.

يقولون بأن خلف كل رجل عظيم إمرأة ولكن عكس هذه المقولة صائب أيضا. وأحد هذه الأمثلة الرائعة “حسن أبو غنيمة” أخ زينب. وهو معلم شهير من إربد قبل وبعد إنشاء الدولة الأردنية الحديثة، كما أنه مؤسس حركة الكشافة الأردنية عام  1923لقد دفعه إيمانه القوي بأهمية تعليم المرأة لتمكين أخواته زينب وآمنة وبناته أسماء وعفاف، من الحصول على أفضل تعليم ممكن. وكانت إسطنبول ودمشق أفضل المدن للتعليم وعليها انصب اهتمام حسن. وكانت أخواته أول امرأتين في إربد تسافران إلى دمشق لاستكمال تعليمهما في أوائل عشرينات القرن الماضي. وبالرغم من الاضطراب الذي ساد دمشق عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، نجحت زينب وآمنة في تحويل فلسفة والدهما وأخيهما إلى واقع. وقد وثقت رحلتهما  إلى دمشق في ملفات وزارة التربية والتعليم.

سنبحث حياة بنات وحفيدات علي وأميرة أبو غنيمة من إربد، اللذان استقيا المعرفة من الأدب العربي والإنجليزي  وتحديا سويا الصور النمطية المجتمعية عبر بث الوعي وتعليم المرأة، بمساعدة رجال عائلتهم.

ولدت ونشأت زينب إحدى أفراد الجيل الثالث لعائلة أبو غنيمة في إربد المسماة بعروس الشمال لجمال طبيعتها. مجتمع حضري لا يختلف عن مجتمع السلط في بداية القرن العشرين، كانت إربد مدينة بطموح مدنية وسياسية عالية. وقد عزز  ذلك وقوع إربد على الطريق الشهير الذي يربط دمشق وبيروت والقدس بقبلة المسلمين في الجزيرة العربية.

إنه من الصعب تحديد موعد ولادة زينب بدقة ولكنها ولدت في العقد الأول من القرن العشرين وولدت أختها آمنة بعدها بسنة. كان والدها علي أبو غنيمة تاجرا مسلما متدينا ومعلما للقرآن وكان يؤمن بقوة أن المرء لا يكون مسلما بحق إلا إذا تعلم القراءة والكتابة. ولهذا أنشأ أول مدرسة تقليدية “كتاتيب” في بلدته وعلم الأطفال فيها القراءة والكتابة ليستطيعوا تعلم القرآن. أما والدة زينب أميرة الأنصاري كانت فهي من بيروت، وكانت ناشطة اجتماعية متعلمة أخذت على عاتقها تحسين حياة وصحة النساء في إربد والقرى المجاورة عبر بث التوعية والتثقيف. وكان جل اهتمامها ينصب على تشجيع الأهالي على إرسال بناتهن للمدارس وكانت الطريقة الوحيدة هي أن تكون مثلا يحتذى به في هذا الموضوع.

مع تركيز علي وأميرة الكبير على التعليم، تخرج حسن ومحمود ابنيهما من جامعة اسطنبول بتخصص العلوم أما الابن الأصغر محمد صبحي فكان أول طبيب مدرب في إربد حاصلا على شهادته من جامعة برلين عام 1929.  لقد صار محمد صبحي حديث المدينة عندما جلب من أوروبا أول آلة تصوير بالأشعة السينية عبر شحنها إلى ميناء حيفا ومن ثم جلبها لعيادته الحديثة في إربد. كان الطبيب محمد صبحي أيضا قوميا عربيا وشاعرا وكاتبا سياسيا وقد أثار ذلك اهتمام الأمير عبد الله بسبب امتعاض مرافقه البريطاني ألس كيركبرايد. ولكن تلك قصة أخرى قد ذكرت بمزيد من التفصيل في فصلين من كتاب ابنته الدكتورة هدى أبو غنيمة.

تلقت زينب وأختها آمنة تعليمهما الابتدائي في المنزل بإشراف من والدهما الذي ربى أولاده جميعهم على فكرة أنه لا عقل منفتح دون الوعي السياسي. بنشأتهما في جو كان الحوار هو الأمر الطبيعي فيه، تأثرت زينب وآمنة بشغف أخيهما حسن بساطع الحصري، القومي العربي، والمعلم والفيلسوف الذي شجع طلابه على السفر إلى أقاصي أراض الاحتلال العثماني الأربعة. وقد قبل حسن بالتحدي وسافر إلى اليمن لأربعة سنوات ليدرس اللغة العربية والعلوم قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى. ورحلته الثانية كانت إلى لبنان، وهناك قابل زوجته سلمى. بعد ولادة ابنتيه أسماء وعفاف، انتقلت العائلة الفتية إلى دمشق حيث عين حسن مديرا لكلية المعلمين للعلوم التطبيقية. ولنشاطه ضد الاحتلال الفرنسي في سوريا تم نقله إلى دار المعلمين في الحمة. ومن هنا شجع أخواته على الالتحاق بدار المعلمات في دمشق.

إن المشاريع الاستعمارية التي وضعها الاحتلال الفرنسي على أنقاض الاحتلال العثماني، خصوصا في سورية قد أدت لاندلاع فتيل معركة ميسلون العنيفة في دمشق. وخوفا من أن يتم القبض على حسن في جملة حملة الإعدامات بلا محاكمة خلال المعركة عاد إلى إربد مع عائلته وأخواته: آمنة ذات الطبع الرقيق وزينب ذات الطبع الصريح. أكملتا سويا سنتين من ثلاثة سنوات في التعليم العالي. عام 1921، استدعى الأمير عبد الله الأول حسن ليساهم في إنشاء النظام التعليمي للأردن وبهذا انتقلت عائلته هذه المرة إلى عمان.

عمل حسن كمدير تعليم للدولة وكان أخوه محمود المدير المؤسس لمدرسة العبدلية الشهيرة للأولاد وهي أول مدرسة تبنى بقرب المدرج الروماني، أما زينب فقد عينت في أول مدرسة ابتدائية للبنات في عمان. لقد كان ممكن إبقاء الأمر عائليا، ولكن الحكمة الفردية والشغف للعلم خصوصا العلوم الطبيعية التي تستند لمراجع رفيعة المستوى والكتب والشروحات التي استخدمتها زينب بالعربية والإنجليزية قد سلمت جميعها إلى ابنها عدلي. وبعد سنوات، عثرت هدى زوجة عدلي على مجموعة من الكتب القديمة ودهشت بأن عماتها كن يدرسن بالعشرينات نفس المستوى التي تدرسه هي عام 2010.

عام 1923، عادت زينب وآمنة إلى دمشق لاستئناف دراستهما والتخرج عام 1924 كأول أردنيات حاصلات على شهادات عليا في التعليم. شهاد الدبلوم الخاصة بزينب مكتوبة بخط يد بديع ومزخرفة وقد صدرت عن مملكة سورية وتشهد لها بأنها تستحق لقب معلمة. وقد كانت تستحقه فعلا. بالإضافة إلى الشهادة أرفق كشف الدرجات في خمسة عشر مادة درستها عشرة منها علمية كانت أحرزت العلامة الكاملة فيها. لقد كانت متفوقة للغاية.

في الحقيقة، كانت زينب شديدة الحماس ولا تدع أي شيء يقف في طريقها حتى أبسط الأشياء كتاريخ ولادتها! وبالرغم من هوس الاحتلال العثماني  بتسجيل كل شيء إلا أن تواريخ ولادة الإناث كانت استثناء. لقد استغلت زينب هذه النقطة لصالحها، فإن تغير تاريخ هنا أو هناك، هذا يعني حصول مزيد من البنات على التعليم. لقد تعززت شخصيتها القوية عبر القيم والمبادئ التي لا تعزز بالنسبة لأهمية التعليم للمجتمع وقد رافقها شجاعتها الأخلاقية الرائعة.

مع تصاعد الأزمة بين الفلسطينيين والانتداب البريطاني الموالي للحركة الصهيونية، سبب قرارات المندوب السامي الموالية لليهود عاصفة ثورية بين عرب القدس وقد نتج عنها هبة شعبية في عموم فلسطين ودمج المرأة في الساحة السياسية لأول مرة. لقد دعيت الثورة بثورة البراق وحدثت في 16 أكتوبر عام 1929 وانتشرت بسرعة لتشمل الدول المجاورة. وقد حشدت المظاهرات في جرش شمال الأردن.  لا نعرف على وجه الدقة إن التحقت زينب بالمظاهرات أم لا،  ولكننا تيقنا من تواجد ابنة أخيها أسماء وأصدقائها  كما تذكر مذكرات زميل أسماء خالد  حجازي (1912-2001) وقد كان والده محافظ إربد لعدة سنوات:

“الخميس 17/10/1929. “أخذت هذا الصباح كتبي وذهبت إلى المدرسة، على عكس الطلاب الذين شاركوا في المظاهرة الحاشدة. لقد شاركت ثلاث طالبات ضمن جموع المتظاهرين: أسماء أبو غنيمة، وسندور النصراوي وأوجنين يوسف عودة. أما في المدرسة فقد وجدت طلابا عدة: جمال الحسن وطاهر الناجي ورجائي النهار وعربي سالم. أخذنا الحصة الأولى وقد كانت في اللغة الإنجليزية. كنا ثمانية طلبة في الحصص السبعة ذلك اليوم، وقد غادرت المدرسة بعد الفسحة. في ذلك اليوم قصد عدة طلبة مدينة جرش حاملين بعض التبرعات التي جمعوها دعما لفلسطين”

بينما كانت النساء الفلسطينيات يضعن بصمتهن في المشهد السياسي كانت زينب تثبت بأنها لا تقل كفاءة عن الرجال في المشهد التعليمي، لأنها فهمت اتساع الفرص المفتوحة أمامها كما فهمت المصاعب والمعوقات التي ستقف في طريقها. لم تكن لتتحدى التقاليد بشكل صارخ، التقاليد التي تحدد حركة المرأة خارج بيت العائلة، ولكنها كانت تعمل معهم كقدوة لقريناتها عبر تمثيلها لمعنى العلم كأداة قوية بين يدي المواطن. كمسلمة متدينة، الصدقة على المحتاج والفقير جزء من دينها ولكنها أعطت ما هو أكثر من الصدقة كمشورتها التي طلبتها نساء مجتمعها دوما، لقد احترمن فيها حكمتها وريادتها. لقد مثلت المرأة بوصفها رأس العائلة وعامودها وأيقنت بأن التعليم سيحسن الحياة خصوصا بالنسبة للعائلات الفقيرة التي مرت عليها خلال تجوالها مع والدتها في المناطق الريفية. في الوقت الذي عينت زينب مديرة كانت عائلتها قد أسست نظام التعليم الحكومي للبنات وقد ارتفعت معدلات التحاق الفتيات ارتفاعا ملحوظا ويعزى ذلك بشكل كبير إلى الثقة التي حصدتها من أفراد المجتمع عامة.

لقد وهبت زينب وأختها آمنة حياتهما للعمل ولم تملكا سوى القليل من الوقت للحياة التقليدية الزوجية. لقد كانتا مثالا للمرأة العملية وحذت ابنة أخيهما أسماء حذوهما. في عام 1938 تزوجت الأختان أخين من عائلة الناصر في نفس اليوم، وقد تغيرت حياتهما أكثر مما كانتا تتخيلان.

وعلى كل الأصعدة لم تكن الأختان سعيدتين في حياتهما الزوجة ولم تكونا أنجبتا بعد. وإضافة لمعاناتهما في زواجهما ظل  القانون الذي يمنع المرأة المتزوجة من العمل في التعليم موجودا في الدساتير حتى 1955. لقد وقعت العديد من السيدات ضحية للقوى المحافظة داخل وزارة التعليم.

لقد أجبرتا على الاستقالة حالما تزوجتا وقد وجدتا الأمر صعبا. لم يكن بإمكان زينب وآمنة أن تتكيفا مع التقاليد والحركة المقيدة التي فرضها الزواج عليهما فجأة. لقد شعرتا بأنهما قد استثمرتا كثيرا في التعليم ولا يمكن أن يتم يحصرهمها أزواجهما في المنزل. بالرغم من حب أزواجهما لهما إلا أنهما لم يتمكنا من تقبل استقلالية زوجاتهما وثقتهما بنفسيهما. لقد كان وضعا تسبب الحزن للجميع وقد أدى ذلك بالرجلين لاتخاذ زوجة ثانية.  كان هذا غير مقبولا بالنسبة لآمنة وزينب وقد طلبت كلتاهما الطلاق. لم يتم طلاق زينب حتى بلغ أطفالها الجامعة. أما آمنة ورغم محاولات زوجها لإصلاح زواجهما إلا أنها تركته.

كانت مدينة إربد قد دخلت في ذات المرحلة السريعة التي دخلتها عمّان، وقد تم تدشين العديد من جمعيات الرعاية الاجتماعية والاتحادات التي تختص بالمرأة بحلول عام 1945 في كلتا المدينتين، وقد رعت الأميرة مصباح العبد الله، زوجة الأمير عبد الله وأخته الأميرة زين الشرف هذه الجمعيات. لقد كرست زينب وابنة أخيها أسماء جهودهما في تلك الحركة كمعلمتين قديرتين ومرأتين حكيمتين في مجتمعهما. ألقيت العديد من الخطابات في الثاني من تموز عام 1945 خلال فتح فرع اتحاد المرأة الأردنية في مدينة إربد. وقد ألقت أسماء واحدا قالت فيه:

“”إن واجبات المرأة في بلد طموح، بلد يبتغي الصدارة لهي مسؤوليات عظيمة، لأنها من تربي الرجال وتجعلهم قادرين على مواجهة الحياة. إنها من تربي الأمهات لكي يكن أفضل ما يمكنهن في كل الأوقات. إن الأمم التي لا تعتني بالنساء وهن نصف السكان ستتراجع بالتأكيد وستتقدم ببطء شديد في مسيرتها، وستكون تلك المسيرة على أرض غير صلبة. وهذا لأن القيم الفاضلة  كالشجاعة والالتزام بالعمل والحياة ومساعدة الفقير والمحتاج والضعيف، إنها قيم تعطيها الأمهات الفاضلات لأولادهن. وقد اختتمت خطابها قائلة:

“لذا فإن الأمة التي تعول على تقدمها وتطورها عليها أن تعول على قوة هذه القيم والمبادىء في قلوب أبنائها. وإننا نشكر الله أن هذا المبدأ قد أصبح مترسخا في نفوس رجال ونساء بلدنا  وسيتم تعزيزه أكثر بافتتاح هذا الاتحاد. إننا نسعد بافتتاح فروع أكثر في مدن أردنية بجانب عمان، كإربد. إننا، نساء إربد، لحريصات أشد الحرص لإثبات أنه وسواء كنا متزوجات أو عازبات، إيماننا قوي بهذه المبادئ  وأننا سنطبقها على أكمل وجه نستطيعه.”

أحد أهم التدابير التي اتبعها الاتحاد هو نقض الحكم التمييزي ضد المعلمات المتزوجات  في وزارة التعليم. كان عليهم الانتظار حتى 1955 حيث تم نقض القانون وعادت المعلمات إلى النظام التعليمي مرة أخرى. دعى رئيس الوزراء زينب كي تستأنف عملها كمديرة مدرسة إربد للبنات وقد استمرت كمديرة لمدة سنتين بعد ذلك. أما أسماء فهي الآن أم لطفلتين رفضت عرض الرجوع إلى التعليم وفضلت التقاعد عن العمل وقد أدت الخسارة المفجعة لزوجها عام 1960 بعد 12 سنة سعيدة إلى تعزيز إيمانها بالأمومة. لقد ربت أسماء ابنتيها وحدها، رافضة كل عروض المساعدة والدعم.

بحلول عام 1957، تسلم الملك حسين العرش ونقلت زينب لتصبح مديرة المدرسة الشاملة الحديثة في جبل الويبدة والتي سميت على اسم ابنة الملك، الأميرة عالية بنت الحسين. وعندها تقاعدها عام 1960، قضت زينب بقية عمرها في العمل التطوعي. وقد كان ذلك حين حصلت على ما كانت تسعى له لعقود: الطلاق. لقد منحها ذلك انطلاقة جديدة للحياة، فقد أصبحت جذابة أكثر وغمرتها حالة من السلام، وتستذكر هدى سعيدة بأن تكون ربة الأسرة لطفليها الحبيبين: أصبح عدلي موظفا في وزارة الخارجية أما ابنتها مرام فقد أصبحت ثاني امرأة أردنية تصبح محامية، بعد إميلي بشارات.

في عام 1973 ، تم تكريم زينب لمساهمتها في التعليم حيث منحها الملك حسين ميدالية تقدير. وقد وضعت الشهادة والميدالية في مدخل منزل عدلي وزوجته هدى. توفيت زينب بسلام عام 1996 وقد خلدت ذكراها بتسمية شارع باسمها، هذا الشارع المحاذي للجامعة الأردنية، يناسب تماما رسالتها وإنجازاتها.

معلمات إربد، سيرة حياة زينب أبو غنيمة

المقدمة

البحث في طبيعة التوليفة الدينية الغنية والمعقدة للمجتمع الأردني يبهرنا دوما بنتائج مذهلة. وتحمل لنا طيات الكتب والروايات الشفوية عن أجدادنا الكثير من القصص والحقائق. عبر سلسلة “يا خظر الأخظر” تتبعنا في إرث الأردن طبيعة الطقوس والمعتقدات الدينية التي غلفت بطبيعة صوفية وسحرية.  في الجزء الثالث من هذه السلسلة نستكمل غوصنا في نسيج مجتمع البلقاء الثري، ونستعرض مجمل المقامات والمزارات والحوط والقبور المباركة التي اعتنى بها الأردنيون عبر الزمن وكانت لهم رديفا روحيا يعينهم في حياتهم.

المقامات والمزارات

في البلقاء مقامات أخرى كان لا بد لنا من الوقوف عليها وعلى أبرز المعتقدات والممارسات الدينية التي ارتبطت فيها. وهنا سنستعرض مقام النبي يوشع – هوشع – ومقام النبي شعيب ومقام الولي الصوفي العجمي وضريح سارة ومقام النبي أيوب ومقام النبي جاد وجميعها مقامات دينية مهمة وحاضرة حتى اليوم في المشهد الديني البلقاوي.

 أولا: مقام وضريح النبي يوشع

على أعلى قمة جبل من جبال البلقاء الشامخة يقع مقام النبي يوشع على الجبل الذي سمي باسمه تيمنا به. مساحة المقام 12 دونما مشرفا على الغور الأوسط وبعض جبال نابلس والقدس.

المبنى القديم لمقام النبي يوشع بن نون

يعود البناء للعهد المملوكي وشيد من الحجارة غير المشذبة ويحوي المقام على عدة بيوت ومسجد بداخله الضريح المغطى بقطعة قماش خضراء. بجوار المقام تنتصب أشجار البلوط والسنديان المعمرة وبئر ماء يشرب الناس منها.

محراب المقام من الداخل

يذكر الرحالة البريطاني تريسترام في زيارته للأردن عام 1863:” صعدنا السلط عبر تلة تكسوها الأشجار الحرجية إلى قمة جبل يوشع، وهو مكان يقدسه المسلمون والمسيحيون ومن هناك وفي ظل شجرة البلوط العظيمة ألقينا نظرة نحو الغرب فشاهدنا منظرا رائعا من فلسطين”[5]

واجهة مقام ومسجد النبي يوشع عليه السلام بعد التجديد

مر المقام بعدة عمليات للترميم والتجديد كان آخرها في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني 21/11/2003 حيث تم بناء مسجد كبير وواسع.  أما المقام فهو مستطيل الشكل 20×10م بقبة صغيرة وضريح كبير بطول عشرة أمتار وارتفاع متر ونصف (الصويركي: 2017)

في مقام النبي يوشع عليه السلام كانت عشائر البلقاء من المسلمين والمسيحيين يتخيرون أجمل الأضاحي لتقديمها عند المقام وكانوا ينفذون نذورهم ويحلفون بأيمانهم ويقال أن عقاب اليمين الكاذبة الموت خلال سنة واحدة، وعن الأضاحي التي تذبح على  منصة حجرية كتب المؤرخ الدكتور أحمد العويدي العبادي ” والزوار كثيرون يأتون ليقدموا الضحايا والنذور على اختلاف موادها، وقد جرت العادة أن تذبح الضحايا في الأعالي وتسيل دماؤها على العتبة”، بينما كتب الرحالة السويسري يوهان بيركهارت واصفا المقام:” يقع بالقرب من مدينة السلط ويعظّمه المسلمون والمسيحيون ويقدمون له الأضاحي تقربا ومباركة وكانت تمارس خلال زيارة هذا المقام تجارة مادة القلي المهمة في صناعة الصابون، حيث يُعد المقام أثناء الزيارة سوقا تجاريا لتبادل السلع وتقدر كمية رماد الصابون التي تجلب إلى سوق يوشع حوالي ثلاثة آلاف حمل بعير في السنة“.

ضريح النبي يوشع عليه السلام بطول 10 أمتار

 

مقام النبي يوشع عليه السلام
إلى المقام

وهنا نرى كيف كان المقام مركزا تجاريا دينيا مهما لأبناء البلقاء في تجارة الصابون. وبالعودة إلى المعتقدات الدينية التي لفت هذا المقام، تعتبر الأشجار المعمرة حوله حرما أو “حوطة” حالها حال أشجار الخضر في مقام ماحص. فلا يقطع حطب من الأشجار ولا يتم صيد أي طائر وكانت العشائر في البلقاء يعتبرون المقام دار أمان فيضعون فيه حاجياتهم فلا تسرق أو تؤخذ لأنهم يعتقدون بأن من يسرق من هذا الحرم سينكشف أمره لا محالة. (الصويركي: 2017)

1920 صورة قديمة لمقام النبي يوشع قبل التجديد

في ليلتي الاثنين والجمعة تُضاء الأسرجة ويعبق المقام بالبخور ويزوره الناس طلبا للقرب والبركة. وقد ارتبط هذا المقام أيضا بطلب الاستسقاء عند الجفاف خاصة أن النبي يوشع كان على صلة قرابة بنبي الله موسى وهارون، وثبت أن سيدنا موسى طلب الاستسقاء لقومه، وتيمنا بهذا الرابط، ارتبط المواطنون بهذا المقام.

صورة أخرى لمقام النبي يوشع والضريح من الداخل

ثانيا: مقام النبي شعيب

بعيدا حوالي 12 كلم إلى الجنوب جهة وادي شعيب، يقع مقام النبي شعيب في  خمسة دونمات ونصف. يطل المقام على الطرف الأيسر للهابط من جسر شعيب إلى الأغوار الوسطى. وهو محاط بالأشجار والمياه من كل اتجاه.

كان المقام قديما عبارة عن رجم من الحجارة وبركة مياه حتى قام  العقيد حسام الدين المفتي في القرن الماضي بجمع التبرعات من أهل الخير ووزارة الأوقاف الأردنية في منتصف الستينيات وتم بناء مقام جديد يحوي ضريحا مشابها لضريح النبي يوشع (الصويركي: 2017)

قبل التجديد الثاني عام 1997، كان المقام عبارة عن غرفة 35 متر ومسجد ملحق بمساحة 84 متر تقريبا. وفي عام 2003 تم إعادة إعمار المقام والمسجد ليصبحا أوسع. وغطي الضريح بكسوة خضراء مزدانة بآيات قرآنية. وألحق بمصلى النساء والرجال غرفة متعددة الاستعمال وسكن للمؤذن والإمام ومكتبة.

مقام النبي شعيب مزدانا بالكسوة الخضراء

لمقام النبي شعيب أهمية خاصة، فرغم أن الطقوس الدينية المرتبطة بالنذور والأضاحي التي تذبح على منصة حجرية لا تختلف كثيرا عن تلك يمارسها الأردنيون عند مقام النبي يوشع مثلا إلا إن لهذا المقام قداسة مميزة. فعند بركة النبي شعيب يأخذ شيخ القبيلة اليمين من المذنب أو الجاني على عدم اقترافه للذنب ولا يجرؤ أحد أن يذكر النبي شعيب ويكذب أو يحلف زورا. فبحسب المعتقد السائد سيموت الكاذب خلال سنة واحدة أو تتيبس يده بحسب القصة التي يتناقلها أبناء العشائر في السلط عن رجل سرق بندقية من عرس ولما حلف بالنبي شعيب بأنه لم يفعل تيبست يده. (الدمشقي: 2008) ومن القصص الأخرى التي يتداولها أبناء البلقاء عن مقام النبي شعيب بأن رجلا من بني صخر اتهم بقتل رجل  فأخذوه إلى المقام وقطعوا فروعا من ثلاث شجرات سدر كانت مباركة آنذلك وطلبوا منه أن يتمرغ بالشوك فإن جرح فهو آثم وإن لم يجرح فهو بريء فقال الرجل ( يا شعيب إذا أنا قتلته فشمت بي الأعداء وإلا فبرئني) ونزل في الشوك ولم يصب ففرح أهله أنه بريء. (الدمشقي: 2008)

لافتة المقام

ويذكر الأب بولس نعمان ذلك خلال فترة عيشه في السلط:  يطلب القاضي البدوي القَسَم الرهيب في بركة شعيب، فينزل المجرم في المياه المكرسة ويقول ” بحياة شعيب ورب شعيب أني بريء مما أسند إلي من الجرم” وكثيرا ما تأخذه الأوهام ويشعر بذنبه فترتجف أعضاؤه وتصطك أرجله ويعقد لسانه فيقر بما جنت يداه” ويكمل الأب بولس رواياته لمقدار قداسة شعيب عند عشائر البلقاء فهو ملقب “بمرهوب الجانب من الزرقاء إلى الزرقاء” أي من نهر الزرقاء الشمالي (زرقاء شبيب) إلى نهر الزرقاء الجنوبي (زرقاء ماعين) فالبدوي يمكن أن يقسم كثيرا ولكنه سيخشى ذكر اسم النبي شعيب بالكذب (الصويركي: 2017) وبحسب ما أرخه الدكتور العويدي العبادي فقد كان المقام يرعى من قبل قبائل العدوان بشكل خاص لفترة طويلة من الزمن إضافة لعشائر السلط وعبّاد وفيما أرخه الدكتور جورج فريد في كتابه “مدينة السلط وجوارها” “أما البناء هو عبارة عن دائرة من الحجارة بنيت بشكل عشوائي ويطلب القاضي البدوي القسم الرهيب  في بركة شعيب حيث كان ينزل المجرم في المياه المكرسة ليقر بما جنت يداه من الإثم. ويوجد في جدران البناء جحور كثيرة يضع البدو وعائلاتهم  الأشياء المقدمة وفاء لنذر ما، وتوجد منصة حجرية تقدم عليها الأضحيات في المناسبات الكبرى بما في ذلك المناسبات النذرية التي يمكن رؤيتها باستمرار، ويذبح الناس الخرفان هناك ويسجلون نذرهم واعتبر المقام خاصا بعشائر عباد والعدوان) [1]، بينما يورد الدمشقي في روايته عن أحد معمري ماحص أن المقام بناه السلطية.

مسجد ومقام النبي شعيب بعد التجديد والإعمار الهاشمي

ويرتبط مقام النبي شعيب عليه السلام بما يعرف عند البدو “الشملة والنملة” ففي حالة ابتعاد البدو عن مضاربهم يتم حلف اليمين عن طريق رسم سيف (دائرة على التراب) وتوضع بها حبة قمح. أما الشملة فهي قطعة القماش التي يغطى بها ثدي الناقة عند رضاع ابنها ومعها توضع حبة قمح أو حنطة ونملة. وترمز الشملة للحياة لأن حليب الناقة هو غذاء البدو بينما ترمز النملة للجد والصدق. ويتجه الحالف إلى القبلة أو إلى اليمين ويحلف على المصحف والسيف.

يعتقد البدو أن زيارة النبي شعيب ستبارك لهم مواشيهم وكانت أي شاة تدخل سور المقام يتوجب ذبحها وإن كانت أكثر من شاة يتخيرون أحسنها. ويقيمون وليمة ومن ثم يعودون لمضاربهم آخذين معهم خيوطا خضراء من القماش الأخضر الذي يغطي القبر. ويهني الجيران جيرانهم برحلتهم المباركة لمقام النبي ويطلبون الأشرطة الخضراء المباركة.

سدرة النبي شعيب عليه السلام

 كما كان الصيد عند مقام النبي شعيب محرما  وكانت الغزلان التي ترعى وتعيش بجوار المقام تسمى “غزلان بنات شعيب” وفي رواية شفوية عن أحد معمري ماحص، أن الناس حذروه من الصيد عند المقام وكان يطلق النار على الغزال فلا يصيبه حتى ارتدت الطلقة من الغزال إلى عين الحاج فأصيب وذهب إلى المستشفى على إثر هذا الحادث (الدمشقي: 2008)

وكان زوار المقام من البدو يطوفون بأغنامهم حول المقام وإن شفيت أغنامهم أطلقوا النار احتفالا، ومن الأضاحي الأخرى التي يقدمها الزوار كان الشعير والقمح والتمر. وعرف النبي شعيب بأنه يجير من يستغيث به فيتعلق  الخائف من عدو في قبره. (الدمشقي: 2008)

يمكننا استخلاص عدة نتائج من هذه الممارسات. فالبدوي يعيش حياته مرتحلا وعنصر الأمان عنصر مهم فهو يستجدي هذا الأمان من شخصيات مقدسة ومن مصادر روحانية، وتعزز ممارسات الحَلْف وممارسات التعامل مع المذنبين عند المقامات قيما مهمة كالصدق والأمانة.

ثالثا: مقام النبي أيوب عليه السلام 

يقع مقام النبي أيوب في قرية بطنا في منطقة خربة النبي أيوب  إلى الجنوب الغربي من السلط (12 كلم) وهي منطقة أثرية يعتقد بأنها تعود إلى الحقبة المملوكية. ترتبط قصة النبي أيوب عليه السلام بالانتصار على نوائب الدهر، فقد ابتلي النبي بشتى صنوف المصائب من فقر وموت الأولاد واعتزال الناس ولكنه صبر وعوضه الله عن صبره بكل ما فقد أضعافا ومن ثم بعثه نبيا.

ونرى في قصته ارتباطا وثيقا مع الممارسات والمعتقدات التي امتلكتها عشائر البلقاء، فكانت النسوة يلجأن إلى خربة النبي أيوب إن استصعب حملهن وكان الفقراء يجدون في صبره إلهاما. وكحال باقي المقامات كان لهذا المقام كرامة فلا يجوز الاعتداء عليه أو على أي شيء في حرمه كما تم الاعتناء به وتجديده في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني.

مقام النبي أيوب عليه السلام يظهر السور القديم والمسجد بعد التجديد. حقوق الصورة محفوظة لصحيفة الغد

 رابعا: مقام العجمي

كثيرا ما يشيع ارتباط القبور والمقامات في بمعتقدات الشفاء ففي البلقاء خصوصا، كما رأينا خلال هذه السلسلة من الأبحاث. تم إحصاء العديد من المقامات التي تحمل اسم العجمي ففي قرى عجلون وإربد وصولا إلى البلقاء تحمل الأشجار والمقامات اسم العجمي. والعجمي كلمة تعني “غير العربي” واستخدمت لوصف أولياء الله من المتصوفة القادمين من بلاد فارس قديما. ووفقا للأبحاث التي أجرتها إرث الأردن سابقا عن الصوفية وممارسات الصوفية في شمال المملكة، نستنتج أن للشيخ الصوفي مكانة خاصة. فقد انتشر التصوف في العشائر الأردنية ومارس الأردنيون في المدن والحواضر والقرى الأردنية طقوسا دينية صوفية كحلقات الذكر والحضرات وإحياء الاحتفالات الدينية والاعتكاف وتقديس الشجر والمقامات وغيرها.

أما مقام العجمي في السلط فهو لشهاب الدين داوود بن سليمان بن داوود الكوراني من الكورة في اربد وقد درس في المدرسة السيفية في السلط واشتهر كـ ولي صالح زاهد وحكيم ظلت نساء السلط مسلمات ومسيحيات عندما يخرجن لطلب الاستسقاء من الله يذكرونه ويهزجن
يا عجمي جيتك زاير وانا بموري حاير (موري= اختصار “أموري” باللهجة المحلية)

يا ربي تسمع نجواي زرعي من دونك باير

يقع المقام في حوض البقيع الغربي في بلدة ماحص ومساحته دونم و356 مترا . ومن الطقوس المرتبطة بهذا المقام قدوم النساء ليلتي الاثنين والخميس  وإضاءة القناديل وإشعال البخور وربط الخرق والأقمشة الخضراء. (الصويركي: 2017).

خامسا: مقام النبي جادور عليه السلام

على تل الجادور، إحدى تلال السلط الشهيرة وبجانب عيني الجادور الفوقا والتحتا العذبتين، يقع مقام النبي جادور أو النبي جاد كما هو مشتهر. التل بأكمله عبارة عن كنز آثاري وتاريخي ففيه كانت الآثار التي تنتمي إلى الحقبة الهيلينية والبيزنطية تتناثر في كل مكان. ولا زال التل يحمل جزءا من اسمه اللاتيني السابق “جادورا” أي مدينة جاد.

مقام وضريح النبي جاد يتوسط مقبرة إسلامية

والنبي جاد أحد أبناء النبي يعقوب عليه السلام وهو من الأسباط الذين ذكروا بالقرآن الكريم. ويعتقد بأن النبي جاد كان قد استقر في الأردن ودفن فيها. وكان يلقى إكراما شديدا من أهالي السلط حيث يستعينون به على نوائب الدهر ويتوسلون فيه لقضاء حاجاتهم.

يتوسط المقام اليوم مقبرة إسلامية، وقد بني عليه مسجد عام 1958 من الحجارة الصفراء المشذبة. بنيت غرفتان واحدة بتبرعات أهالي السلط وأخرى بتبرعات السيد قدري يوسف الصالح. وقد حوت الأخيرة قبر النبي جاد وعلتها قبة خضراء اللون وكتب على المدخل:  قام ببناء هذا المقام الشريف العبد الفقير قدري يوسف الصالح وذلك سنة  1387 هجري”

سادسا: مقام حزير بن يعقوب

حزير بن يعقوب عليه السلام هو أحد الأسباط أبناء النبي يعقوب. وقد يكون اسمه عزير أو أشير وحرف فيما بعد وفقا للهجة أهل السلط. يقع المقام في منطقة تؤرخ أولى الاستيطانات البشرية فيها للعصر الحديدي وفيها نبع ماء غزير وعذي يحمل اسم حزير.

يقع المقام في بداية طريق وادي شعيب باتجاه الأغوار على بعد 4 كلم من مدينة السلط. والمقام عبارة عن مغارة تحوي قبرا وقد بني بجانبها مسجد حديث.

منطقة حزير التي تحوي المغارة وعين حزير

الشيخ الوليّ نعمة الصلتي

 في مقبرة العيزرية في السلط، يرقد الشيخ الصالح نعمة الصلتي (نسبة إلى الصلت الاسم القديم للسلط). ذكر الولي في كتاب “الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة للنجم الغزي” فقال: نعمة الصلتي، الشيخ الصالح. توفي بالصلت سنة ست وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر من السنة المذكورة. قال ابن طولون: وكثر الثناء عليه.[2]

قبر الولي نعمة الصلتي في مقبرة العيزرية محاطا بسور قصير

وهو حاضر في الوجدان الصوفي ومكرم لدى أصحاب الطريقة الكيلانية[3] التي انتشرت في السلط منذ القرن الثامن عشر تقريبا، فيذكر أن الشيخ الصوفي الفاضل الراحل – مفتي السلط – محمد أمين زيد الكيلاني كان يداوم على زيارة قبر الولي الصلتي وقراءة الفاتحة له، وللقبر حوطة وشجرتان قطعت إحداهما.

وبحسب الرواية الشفوية الموثقة فقد اعتاد المقبلين على الزواج من أهالي السلط في القرون التي تلت وفاة الشيخ نعمة الصلتي وحتى نهايات القرن التاسع عشر أن يزوروا ضريحه الشريف وأن يقرؤوا الفاتحة عند ضريحه على نية التوفيق، كما اعتاد من له غاية أو مصلحة ما أو يمر بأزمة أو ضيق حال أن يفعل ذات الأمر وتحديدا أيام الجمعة.

حوط مقدسة وقبور

شاع الاعتقاد بقدرة الصالحين من الفقراء على الشفاء فيذكر ارتياد عشائر ماحص لقبور “سمور وطحيمر وعبد العزيز وأبو خالد وعبد الرحمن” وكانت عشائر ماحص كل شهر أيار يذبح كل بيت ذبيحة لهؤلاء الأولياء “الافقره” وانتشر أيضا اعتقاد قدرة هؤلاء الشيوخ على الشفاء كما أسلفنا، فيذكر أن شيخا كان يطبب الناس بالقرآن حيث يكتب القرآن مقلوبا ويعلق الورقة التي كتب عليها على رقبة المريض وكان يوزع خرقا مصلى عليها تبلل بالماء وتدار على رأس المريض فيشفى. (الدمشقي: 2008)

ومن القبور الأخرى التي اعتقد بقدسيتها قبر ذياب الذي يقع غرب مدينة ماحص، وقيل أنه قبر لنبي أو ولي وكان مشتهرا ببركته وقدرته على الشفاء ففي رواية شفوية موثقة أن الناس كانوا إذا مرضوا أخذوا من تراب قبره ووضعوا على موضع المرض فشفوا.

 وهنالك أيضا قبر الولي فضل وما حوله من حوطة التي اشتهرت بحوطة الولي فضل. كما تنتشر المغارات التي يعتقد ببركتها أيضا وهي بحسب ما تم توثيقه كثيرة وصعبة الحصر ومنها مغارة أم عامود ومغارة الشياب .(الدمشقي: 2008)

أما الأشجار فنالت نصيبا من التقديس تبعا لطبيعة البلقاء الجيولوجية الخصبة وكما أسلفنا في أبحاثنا السابقة من سلسلة “يا خظر الأخظر” فإن الحاجة الروحية للإنسان الأردني دفعته للاعتقاد بقدسية الأشجار، وكان هذا المعتقد منتشرا إلى حد كبير في عجلون وإربد والبلقاء وصولا إلى الجنوب.

في رواية شفوية نقلت عن أحد معمري ماحص أن في الوادي الأزرق شجرة مقدسة تدعى شجرة مفلح وتحتها قبر ولها حوطة (المكان المقدس المحيط بها) وكان الناس يقصدونها للشفاء، فيحضرون الأغنام ويطوفون بها حول الشجرة ويذبحون شاة ويعلقونها بالشجرة ويذهبون عنها ، فتشفى الأغنام ولا تموت (الدمشقي: 2008)

معتقدات دينية متعددة

لا يمكننا أن نغفل عن الصبغة المجتمعية التي أكساها أبناء العشائر في البلقاء للشعائر والمعتقدات الدينية الإسلامية. فمثلا اعتاد الأهالي على الاحتفال بالمولد النبوي، وكانوا ينشدون أناشيدا خاصة بالمولد النبوي فيقولون:

صلوا عليه وسلموا تسليما….  الله زاد محمد تعظيما

بشراك يا حليمة…. يا درة اليتيمة

يا مرضعة محمد …. الله يشفعه فينا

يا آمنة بشراك …….. سبحان من أعطاك

بحملك محمد…. رب السما هنّاكِ

صلاتي وسلامي  على بدر التمام…. وأبو القاسم محمد على منا السلامِ[4]

وكانوا يرددون أيضا:

مرحبا يا نور عيني….. مرحبا جد الحسين

يا مليح المقلتين…. فمتى تبدد لعيني

لاح في شهر ربيع… نور خير الثقلين

فاز من صلى عليه…. برضا والجنتين

سلام عليم من باب السلام…. السلام عليك يا خير الأنام [5]

وتزغرد النساء. ومن المثير أنه لم يكن الاحتفال يتم في يوم معين إنما وفاء لنذر أو رغبة في بركة أو احتفالا في ختان المولود.

 ومن المعتقدات الأخرى في الأضاحي  في عيد الأضحى أن يضحى كل بيت أضحية وكانوا يضحون بأضحية واحدة لسبع سنوات والبقرة تسد عن سبع سنوات في ليلة العيد كانوا ينثرون الكرسنة في البيت لطرد الشياطين. وعن العمر والحج فلم يكن لديهم عمرة إنما حج على ناقة أو جمل وكان يستغرق الوصول لمكة المكرمة ستة أشهر.

ومن معتقداتهم الدينية المرتبطة بالزواج أنه الزواج في المدة ما بين العيدين (الفطر والأضحى) غير مباركة فالزوجين الذين تزوجا فيها لا ينجبان أبدا ومن تزوج في تلك المدة يلزم عليه تطليق امرأته. أما الصيام، فكانوا لا يفطرون لغروب الشمس إنما عند رؤية النجم بعد الغروب. (الدمشقي: 2008)

وانتشرت أيضا “العقدة” وهي أن يربط المرء أو يعقد على حاجته أو دوابه ليحميها من الشر وكانت تتلى بعض الأدعية الخاصة عند العقد مثل: ” بسم الله يا نور، وبالله يا صور وآية الكرسي تدور من مدينة النبي إلى مدينة الرسول لا يفتحها فتاح ولا تهزها رياح ومن المساء إلى الصباح. أو كانوا يقولون:  (قتا) الله يا علي والشيخ رباني طويل الباع قريب الميادين محمد بالبلد وبطنه بالذهب يقص الراس قبل الذنب. (الدمشقي: 2008)[6]

الخاتمة

   على أرض البلقاء الخضراء، تقبع أضرحة ومقامات مباركة ويختلط صوت الأردنيين ويتعالى، مسيحيين ومسلمين، من طالبي الرحمة والشفاء والبركة. اتخذت عشائر البلقاء من المقامات دورا للأمان، معززين بذلك أمن مدنهم عبر خلق جو من التسامح والانسجام والألفة. وقد خلقت هذه المعتقدات والممارسات الدينية عامل ضبط مجتمعي يجعل من مجتمع البلقاء مجتمعا متفردا لا مثيل له.

المراجع:

  • الصويركي، محمد (2017) الأضرحة والمقامات وأماكن العبادة في السلط وما حولها، منشورات عمان عاصمة الثقافة الإسلامية، عمان: الأردن
  • الدمشقي، حسان (2008) مدينة ماحص وتاريخها الديني، دار الإسراء للنشر والتوزيع، عمان: الأردن
  • الطراونة، محمد (1992) تاريخ منطقة البلقاء ومعان والكرك، منشورات وزارة الثقافة، عمان: الأردن
  • الكفرين والرامة: المُقدّس الشعبي (1-2) – صحيفة الرأي
  • حبيب الزيودي … سنديانة العالوك (1–3) * محمود الزيودي
  • العويدي، أحمد (1979) المناسبات البدوية، سلسلة من هم البدو 3 ، ط 1.
  • جوانب مضيئة من شخصية الشيخ محمد أمين الكيلاني، بقلم الدكتور هاني العمد، جريدة الراي، 2013
  • الخريسات، محمد (1997)، دراسات في تاريخ مدينة السلط، مطبوعات وزارة الثقافة، عمان: الأردن
  • الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة للنجم الغزي، الجزء الأول، الصفحة 347
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: يا خظر الأخظر فصول في التصوف الأردني 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: الممارسات الدينية جنوب الأردن 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: مقام النبي شعيب عليه السلام
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: مقام النبي يوشع عليه السلام 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: إرث الاستقلال الحقبة الإسلامية المتوسطة 

[1] مدينة السلط وجوارها (1846-1921) ص 354

[2] الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة للنجم الغزي، الجزء الأول، الصفحة 347

[3] نسبة إلى الشيخ المتصوف عبد القادر الكيلاني أو الجيلاني

[4] الموروث الديني لمدينة ماحص 2008 ص407

[5] الموروث الديني لمدينة ماحص 2008 ص412

[6] المصدر السابق نفسه.

يا خظر الاخظر.. فصول في التصوف الأردني- الجزء الثالث

مقدمة

من أرض البلقاء الخصبة الخضراء تنطلق الرجاءات والأدعية والابتهالات الصادقة من قلوب الأردنيين. الممارسات الدينية والمعتقدات الصوفية المختلفة لم تكن يوما في هذه البقعة المباركة من العالم سببا في التفرقة والشقاق بين أفراد المجتمع الأردني الواحد. في البلقاء، حوّل الأردنيون الرمز الديني والحاجة الروحية إلى رابط مجتمعي قوي العُرى لا تتسلل إليه محاولات ودعاوى التطرف والعصبية. عبر سلسلة “يا خظر الأخظر” تتبعنا في إرث الأردن طبيعة الطقوس والمعتقدات الدينية التي غلفت بطبيعة صوفية وسحرية.  في الجزء الثاني من هذه السلسلة نستكمل غوصنا في نسيج مجتمع البلقاء الثري، آخذين الخضر عليه السلام والقديس جاورجيوس نموذجا لهذه الممارسات الدينية والمعتقدات، سنناقش في هذا البحث هاتين الشخصيتين الجوهريتين في الوجدان الأردني البلقاوي خصوصا وما ارتبط بهما من طقوس ومعتقدات صوفية إسلامية ومسيحية.

تعني  البلقاء لغةً الأرض المستوية أو اختلاط الأبيض بالأسود أما إداريا فقد كانت قديما تشمل العقبة (أيلة) جنوبا وصولا إلى سهول حوران الأردنية شمالا. ومن البلقاء انطلقت المملكة الأردنية الغسانية وعلى أرضها امتدت المملكة الأردنية النبطية وعددا واسعا من الحضارات الأردنية الأخرى. كانت البلقاء تشمل عمان ومادبا والسلط، والزرقاء، وفي العصر الحديث فصلت محافظات عمان ومادبا والزرقاء  لتشمل البلقاء الآن ألوية خمسة هي ( لواء قصبة السلط، لواء عين الباشا، لواء ماحص والفحيص، لواء الشونة الجنوبية، لواء دير علا) والبلقاء أرض خصبة كثيرة الأشجار وغنية بالآبار والمياه الجوفية كما أن طقسها معتدل ساعد السكان على التجارة والاصطياف على جبالها العالية (الطراونة: 1992)

خريطة البلقاء – موقع وزارة الخارجية الأردنية

الخضر عليه السلام

يظهر الخضر (ع) كشخصية محورية في القرآن الكريم ارتبطت بسيدنا النبي موسى عليه السلام، وقد جاءت قصتهما معا في سورة الكهف، الآية 65 ( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) والخضر (ع) رجل حكيم وقوي  حاز على علم كبير.

تستنجد العجائز الأردنيات ويقلن “يا خظر الأخظر”، الولي الذي تنقلب الأرض من تحته خضراء بعدما كانت هشيما إذا جلس عليها أو صلى فيها. أما اسمه بحسب الروايات التوراتية فهو “بليا بن ملكان بن فالغ”

تتوزع مقامات الخضر في المشرق في حيفا والكرخ وبيروت، أما في الأردن فهناك أكثر من ثلاثة مقامات للخضر عليه السلام. فهو شخصية مشتهرة لدى الطوائف الإسلامية والمسيحية والطُرق الصوفية باختلافها وترتبط بالشفاء والشفاعة وقضاء الحاجات، وكانت مقامات الخضر (ع)  تُبنى بحسب “الظهورات” فمن كان يحلم أو يرى الخضر كان يبني مقاما تكريما له كما كانت المقامات تبنى بحسب الروايات الشفوية والشعبية والدينية حول مروره أو إقامته في تلك المواضع.

القديس جاورجيوس اللابس الظفر

أيقونة القديس جاورجيوس عظيم الشهداء

القديس جاورجيوس عظيم الشهداء، كان شفيعا لدى الأردنيين الغساسنة  لمدة تزيد عن أربعة قرون وقد بنا له الأردنيون الغساسنة عدة كنائس ككنيسة أم الرصاص الأثرية  وكنيسة نتل. واستمر مسيحيو الأردن بتعظيمه حتى يومنا هذا. قصة مار جاورجيوس أو جرجس أو جريس قصة رائعة تتمثل في الصمود أمام الاضطهاد الديني على يد الإمبراطور الروماني ديوكلتيانس. وبحسب الروايات المسيحية، بدأ الإمبراطور في القرن الثالث باضطهاد المسيحيين فيعلن الأمير والقائد جاورجيوس رفضه لهذه الممارسات بحق المسيحيين ويقف مدافعا عن إيمانه وعقيدته وبعدها أعطى الإمبراطور أوامره بتعذيبه عذابا قاسيا ليجعله يرتد عن دينه وهنا تظهر معجزات ربانية كثيرة تنصر جاورجيوس على الإمبراطور.

أشهر الصور للقديس جاورجيوس وهو يقتل التنين وينقذ الأميرة. يرمز التنين للشيطان والاميرة للكنيسة.

لمار جاورجيوس ألقاب عديدة كاللابس الظفر أو المظفر لانتصاراته في الحروب فقد كان قائدا عسكريا لكتيبة من ألف جندي. كما سمي العظيم بين الشهداء لرحلة عذابه الطويلة ونصرة الإله له فيها. أما أوجه التقاطع بينه وبين الخضر عليه السلام فتأتي من تشابه الرداء الأخضر الذي يلبسه كل من القديس جاورجيوس والخضر عليه السلام وقدرتهما على الخلود في المرويات الشعبية.

الرايات الخضر، اللون الاخضر وجه التقاطع بين شخصيتي الخضر عليه السلام وجاورجيوس وفي مقام الخضر في ماحص يعقد الناس الراية لتلبية أمانيهم

وسنستعرض فيما يلي مقامات الخضر والقديس جاورجيوس التي تتوزع في البلقاء.

كنيسة القديس جاورجيوس ( مقام  الخضر ) في السلط

مقام الخضر من الداخل حيث يشعل الأهالي الشموع ويطلبون البركات
لافتة كنيسة الخضر في السلط

يقع مقام الخضر أو كنيسة القديس جاورجيوس الخضر في حي الخضر، في مدينة السلط، وقد سمّي الحي الذي يقع على أحد سفوح قلعة السلط نسبة للمقام، وهو مقام يزوره المسلمون والمسيحيون على حد سواء ولهذا يعد هذا الموقع الديني أحد أبرز الأمثلة على الوئام في مجتمع السلط والمجتمع الأردني بشكل عام.

الطريق لمقام الخضر في السلط
المغارة التي يعتقد أنها تقطر زيتا

يعود تاريخ بناء كنيسة الخضر للقرن السابع عشر (1682 ميلادي) ولا تزال قصة بناء كنيسة الخضر أو مقام الخضر في السلط تتردد في أذهان أهالي السلط. فيروى أن راعيا بسيطا من عشيرة حدّاد السلطية ومن طائفة الروم الأرثوذكس كان يرعى أغنامه في الأحراش خارج قلعة السلط وفي المساء بدأ يجمع الحطب ولكنه لما عاد للقلعة وجدها مغلقة ولن تفتح حتى صباح اليوم التالي فآوى لمغارة  قريبة من القلعة وظهر له القديس جاورجيوس بردائه الأخضر حاملا رمحه وممتطيا خيله وقال له:” لا تخف أنا معك اذهب في الصباح وقل للرعية أن يبنوا لي على هذه المغارة كنيسة على اسمي لأن هذا المكان مقدس وأعطيك علامة كي يصدقوك، غدا تذهب وحدك وتترك أغنامك ترعى وحدها فلا تقترب منها الوحوش” وفعل الراعي ما قال له القديس مار جرجس – جاورجيوس – وصدّقه الناس لما رأوا الذئاب لا تقترب من أغنامه (الدمشقي: 2008) وبنيت بعدها كنيسة ( مقام ) الخضر .

خطوة الخضر محفوظة في صندوق زجاجي في كنيسة الخضر

مقام  الخضر في ماحص

مقام الخضر في ماحص

يقع المقام غرب بلدة ماحص بمسافة 5 كلم في منطقة الميدان المطلة على وادي شعيب. ولا تزال قصة بناء المقام بشكله الحالي تروى من قبل عشائر منطقة ماحص حيث يذكر أن الأب ميخائيل صويص قدم إلى ماحص لشراء حاجاته من إحدى عشائر ماحص الذين يسكنون في السهل الذي يقع في الجنوب الشرقي للمقام فاستضافوه ليلة ونام تحت شجرة هي الآن بجانب المقام وأثناء حلمه ظهر له القديس مار جاورجيوس  وقال له:” يا خادم كنيسة الرب، أطلب منك أن تقيم لي مزارا في هذا الموقع الذي أقف فيه وأن تقيم فيه كل عام قداسا إلهيا” فاستيقظ خائفا وعاد للفحيص وفي اليوم التالي اصطحب معه (مسعاف السالم) وكلفه ببناء المقام. (الصويركي: 2017)

قبة المقام والراية الخضراء

المقام غرفة صغيرة 4×4 م ولها قبة تعلوها راية خضراء وباب حديدي يتجه نحو الشمال. وللغرفة قبة اسمنتية صغيرة نسبيا يخرج من وسطها عمود مربع بطول خمسة وسبعين سم وارتفاع نصف متر. يحوي المقام قبرا عليه بعض قطع الأقمشة الخضراء. ولم يكن المقام بيتا لأحد، بل مزارا للجميع، وكان يحوي على  مسرح للخيول فيه قرابة خمسين فرسا يتبارز الأهالي فيهن. وكان يعلو قبته هلالا ونجمة خماسية ويعود بناء المقام في بداياته بشكله القديم – قبل قدوم الأب ميخائيل صويص  بينما بُني المقام لاعتقاد أهالي ماحص  بمرور الخضر عليه السلام بالمنطقة وجلوسه فيها للعبادة، حيث استراح بجانب “عين الخضرة”  فبني له هذا المقام تكريما وليكون مصلى. (الدمشقي: 2008)

المقام من الداخل

قسمت دائرة الأراضي المقام ثلاثة أرباع لعشائر ماحص وربع لعشائر الفحيص. وبني السور الذي يحيط في المقام ودفعت بلدية ماحص نصف التكاليف وبلدية الفحيص النصف الآخر. واليوم،  يفتح المقام أبوابه للمسلمين والمسيحيين على حد سواء  فعندما يدخل الزائر المقام سيجد الرموز الدينية المسيحية على يمينه والرموز الدينية الإسلامية على شماله، وهو مسجل كمقام ديني إسلامي- مسيحي مشترك.

مقام الخضر في الرامة

تقع بلدة الرامة في الغور الأردني الأوسط وتتبع إداريا إلى لواء الشونة الجنوبية في محافظة البلقاء. ومقام الخضر في الرامة هو قبر محاط بقبور أخرى  في مكان يتميز بالتجمع السكاني في منطقة المزار التي  قيل أنها سميت نسبة لمزار ضريح الخضر وارتبط هذا الضريح بالعديد من المعتقدات الشعبية الدينية التي سنستعرضها في فصل الممارسات والمعتقدات الدينية من هذا البحث.

كنيسة جاورجيوس الخضر في الفحيص

تأسست هذه الكنيسة عام 1878 ميلادي وهي مبنية بالكامل من الحجارة غير المشذبة والطين وتقع في بلدة الفحيص . بالقرب منها كنيسة أخرى تأسست عام 1909 وتحمل الكنيستان اسم القديس جاورجيوس  الخضر وهما تابعتان لطائفة الروم الأرثوذكس (الصويركي: 2017)

المعتقدات الدينية المرتبطة بالخضر ( ع )

تكمن جوهرية شخصية الخضر في الوجدان الأردني كونه ممثلٌ لفكرة قهر الموت. فالخضر شرب من ماء الحياة وصار خالدا ولا يزال بحسب المرويات الشعبية يعيش في الدنيا معنا. ويمكننا أن نستنتج ارتباط قصة شربه من ماء الحياة بالبئر التي كانت في المقام، فأيام الجدب كان أهالي ماحص “يقلبون العبوات من المسجد القديم، ويركبون الدواب ومعهم البقر ويذهبون يطوفون حول المقام سبع أشواط ويقولون اللهم بارك في دوابنا وغنمنا وارزقنا الغيث بواسطة أبو العباس الخضر.

 وقد ارتبط المقام ارتباطا وثيقا بممارسات الشفاء من الأمراض وكانوا إن مات عندهم ولد أو مرض قالوا أن هذا بسبب عدم ذبحهم لشاة عند المقام.

ربط الخرق الخضراء المصلى عليها على فروع شجرات الخضر طلبا لاستجابة الدعاء

 كما يتصل الخضر ( ع ) باللون الأخضر الذي يرمز دوما للخصب والحياة، والذي بحسب الكاتب مفلح العدوان، قد يكون ذا ارتباط بعشتروت (تقابلها اللات) وآشور (يقابله ذو الشرى أو بعل – هدد) الذين عُبدا في الأردن قبل ظهور الإسلام، ويدلل على هذا وقوع أضرحة الخضر في أماكن خصبة جدا وبشكل طبيعي للغاية.

وبحسب شهادة شفوية وثّقها الكاتب مفلح العدوان عن أهالي منطقة الرامة يتبين لنا أن الخضر( ع ) بحسب معتقدهم مبارك وهو يحمي من يستجير به: “يحمي اللي يستجير بيه، وكانوا يدفنون السمن والجميد عنده، وما حدا يسرقها أو ياخذها وكان التجار يرمو مفاتيح حواصلهم (دكاكينهم) عنده وما يخافوا عليها وما حدا يقرب منها لأن الخضر (تستور – دستور- من خاطرو) كان يرعاها ببركاته”. يشابه هذا المعتقد معتقدات أخرى مرتبطة بمقامات الأولياء الصالحين في عجلون وإربد.

كما كانت النساء ممن تأخرن في الزواج يزرن المقام وينشدن:

” يا خضر جيتك زايرة…. وأنا بأموري حايرة

كل البنات تزوجن.. وأنا ظليت بايرة

يالله يا النبي جادور … كل الإسلام يزور

يالله يا النبي عجعج…. خلي القناة تدعج

يالله يا خليل الله….. سلم على رسول الله

طتح المطر بيدو …. يشفق على عبيده

يالله الغيث يا ربي… خبز مقرقط في عبي

القطة الشرقية ….. على طوير الحربية

يالله الغيث يا دايم….. بل الزريع النايم

بل زريع أبو محمد….. خلو للكرم دايم

دق الكوز بالجرة….. رخص قمحه حمد الله

دق الكوز بالبرميل….يرخص قمحك بالجغبير”

ومن طقوس نساء أهل البلقاء تحنية الرأس  وطلاء جدران المقام بالحنا عند المقام وزراعة العدس حوله وعند الزواج يزف العريس أيضا للمقام طلبا للتوفيق والبركة والسعادة. (الدمشقي: 2008)

والمثير بأن الأردنيين لا زالوا يستعيدون إرثهم المتعلق بالخضر عبر الأغاني التي تؤرخ لما كانت نساء الأردن تغني عند مقامه. وقد غنت سميرة توفيق – الفنانة اللبنانية التي اشتهرت باللون الغنائي الأردني – أغنية “يا خظر الأخظر” والتي تقول فيها :

“يا خضر الأخضر يا النبي داوود

تحرس هالأسمر أبو عيون السود

أسمر يا زينو والرّب يصونو

وبرمش عيونو ياما صاد أسود

الوجه مدوّر سبحن مين صوّر

والخدّ الأحمر بستان من ورود

ماشي ع مهلو ومروّح لاهلو

عيني بتندهلو وقليبي ملهود

فات من قبالي واشغل لي بالي

ريتك يا الغالي تتعطّف وتجود”

كما وردت ذات الأغنية بتنسيق مختلف المطلع عن أغنية سميرة توفيق

“يا خضر الاخضر يا النبي داوود

تحمي هالشباب من ضرب البارود”

عيد الخضر أو عيد مار جرجس

تحتفل عشائر  الفحيص وماحص بعيد الخضر أو عيد مار جرجس  في السادس من أيار وفقا للحساب الشرقي المسيحي. ويؤرخ الأديب جريس سماوي لهذا الاحتفال المبهج الذي يتشارك فيه مسيحيو الفحيص ومسلمو ماحص الأردنيين الفرحة: “عيد الخضر مار جريس أي القديس جورج في الحساب الشرقي. حيث يبادر أهالي الفحيص في هذا اليوم بالذهاب جماعات إلى مقام الخضر مار جريس في بلدة ماحص المجاورة ويقوم كهنة الكنيسة في الفحيص بإحياء قداس احتفالي مسيحي في بلدة ماحص الجارة العزيزة المسلمة حيث يستقبلهم أبناء ماحص بالحفاوة التي اعتادوا عليها دائما ويشاركوهم القداس بل يتقاسم الجميع الشرائط الخضراء التي يقدسها الكاهن أثناء الصلاة ويضعونها في سياراتهم وبيوتاتهم”.

من احتفالات أهل ماحص والفحيص في عيد مار جرجس

ويصف لنا احتفال الأطفال ومشاركة أهالي ماحص لهم بالفرحة والطقوس الدينية: ” كنا ونحن أطفال نبتهج بالمشاركة بهذا العيد ونذهب مشيا على الأقدام نمارس كل الشقاوات ومنها الزحف إلى حقول العدس والحمص والبقوليات التي كان يزرعها أبناء ماحص الحبيبة ونقتلع منها ما نشاء وندوس بعضها بلا مبالاة الأطفال ويرانا أهل المزروعات فلا ينهروننا أو يبعدونا بل يتلقونا بالابتسامة المرحبة المحبة قائلين: هذا يوم أهل الفحيص (صبيان الحصان) فهو لهم يفعلون ما يشاؤون. فليبارك الله سبحانه أهل ماحص الأحباء علينا وجيران الزمن القديم والحاضر والمستقبل. كان الأهل من البلدتين يتقاسمون معا الاحتفال التلقائي البسيط وكان الفرح يغمر المكان والأجواء. المرضى والحزناء من البلدتين يقبلون على المكان بنذوراتهم وخرافهم وتقدماتهم. النساء يبتن الليل في باحة القديس العظيم قاتل التنين من البلدتين”

ومن الطقوس المسيحية عند زيارة مقام الخضر في ماحص في عيد الخضر هو إتيان المقام حفاة  والطواف حوله وتعميد الأطفال  تحت شجرة الخضر وقص شعورهم مع الصلاة لهم بالشفاء وإطالة العمر  كما يشعلون الشموع ويذبحون الأغنام ومن ثم يقصدون مقام الخضر في السلط (الدمشقي: 2008) أما الشباب من أهل ماحص فكانوا يبيعون المأكولات والمرطبات ويدخلون المقام معهم.

 أقسم عرار في شعره بجمال ماحص والفحيص فقال ” اني إلى تلك الربوع وحسنها المتوفر… قسما بماحص والفحيص وبرد الحمر” فلا بد أن شاعر الأردن، عرار، كان يعرف ويحس مقدار الجمال والمحبة التي تهبها هاتين البلدتين التوأمين للأردن.

الاستغاثة لجلب المطر

ولعشائر ماحص ممارسات دينية أخرى تتعلق بهذا المقام فقد ارتبط الخضر عليه السلام بالغيث فكانت النساء تتوجه إليه وقت القحط ومن هنا جاءت تسميتهن “الغياثات”  وكن يقلن:

“مفتاح المطر بايدو…يشفق على عبيدو

يالله يالغيث  يا دايم.. بل الزريع للنايم

بل زريع أبو محمد.. خلوا للكرم دايم”

وكانوا في حال الشتاء القوي يذهبون ويصلون في المقام حتى يخفف الله عنهم المطر ، وكانوا يبكون كثيرا هناك ومن القصص التي يتداولها أهالي البلقاء بخصوص استسقاء الخضر بأن عشائر ماحص ووادي السير والسلط فزعوا يطلبون الغيث من مقامات الأولياء والأنبياء ولكن الجدب استمر ولما وصلوا مقام الخضر  أخذ فلان بقرة وقلب عباءته ونادى أهل ماحص ليستسقوا معه عند الخضر، وخرج إمام مسجد ماحص الشيخ فلان مع رجل آخر وطافوا بالبقرة حول المقام وذبحوها وجاءت السحب ونزل المطر (الدمشقي: 2008) ومن القصص الأخرى المشابهة شراء الشيخ فلان ثورا بست ليرات ليذبحوه عند الخضر فطافوا به ثلاثة أشواط ثم ذبحوه ولم يستطيعوا تقسيمه بينهم لشدة المطر الذي ظل يهطل ثمانية أيام حتى رحل الناس بخيمهم إلى الغور.

وربما يعود هذا الربط بين المطر والخضر عليه السلام ، كما أسلفنا، نتيجة لوجود بئر الماء الغزير في (حوطة) المقام إضافة لكون المنطقة التي تحيطه منطقة خضراء وخصبة. كما كانت العناية مستمرة بالمقام من إشعال البخور والشموع وغيرها.

شجرات مباركة

لم يكتف الإنسان الأردني بممارسة طقوسه الدينية الثرية بشكل منعزل عن بيئة المكان الذي يعيش فيه. فقد تم إشراك الطبيعة منذ الأزل في الطقس والمعتقد الديني. فمقامات الخضر عليه السلام وجاورجيوس كما أسلفنا قد بنيت في أماكن تتسم بالخصوبة العالية طبيعيا.

كانت سمة خصوبة الأرض شيئا جوهريا في حياة أهالي البلقاء الأردنيين فهم فلاحون وتجار والأرض تعني كل شيء لهم ومن هنا افتتن الإنسان الأردني منذ القدم بما تهبه الطبيعة من خيرات. عند دراسة الممارسات الدينية على طول المملكة سنرى شيوع تقديس الأشجار.

واحدة من الأشجار المعمرة في محيط مقام الخضر في ماحص وهي شجرة الملول
واحدة من شجرات الخضر المعمرة
فروع السنديانة الوارفة

ففي شمال المملكة خصوصا محافظتي عجلون وإربد سلسلة من الطقوس الروحانية التي شكلت أمنا وحصنا ضد خيبات الرجاء والآلام والتي ارتبطت بالأشجار المقدسة فنذكر مثلا شجرة البركات والبصوص في كفر الما بأهمية مشابهة، إضافة لشجرة أبو مرسة في زوبيا وشجرة أبو شوشة والمستريحي وعامود الست في جنين الصفا وشجرة الفقير في كفر عوان. وفي عنبة كذلك، ثلاث شجراء بأسماء ثلاث أولياء: البلخي والفقير والعجمي. والفقير خصيصا – إضافة لكوها لقب خاص بالأولياء – عائلة اشتهرت بصوفيتها وبركة شيوخها، فيذكر الكاتب والمؤرخ محمود الزيودي في إحدى مقالاته عن الشاعر الأردني حبيب الزيودي: “أحدهم جاء بزجاجة دواء صغيرة ملأها بزيت الزيتون وطلب إلى الفقير أن يباركها … تلا عليها اسم الله وتمتم بكلام لم نفهمه نحن الصغار وأعادها للرجل الذي أمضى زمنا ً يدهن بعض أجزاء جسمه من زيت الفقير .” وفي الجنوب شاع تقديس شجرة تسمى بطمة المنية أي البطمة التي تقتل من يتجرأ ويأكل من ثمارها أو يكسر من فروعها. وتجمع هذه الأشجار وهؤلاء الأولياء من المتصوفة اعتقاد الأهالي بقدرتهم على الشفاء والمباركة  في زمن الاحتلال العثماني الذي مارس فيه العثمانيون صنوف التجهيل والإفقار في الأردن. من هنا انطلقت الحاجة الروحية الفطرية بالإنسان لابتداع هذه المعتقدات واستغلالها كما أسلفنا في تعزيز الوئام والانسجام الأهلي والضبط المجتمعي.

شجرة بطمة المنية التي يعتقد بأن من يأكل منها يموت

أما أشهر الأشجار المباركة التي تحظى باهتمام وعناية أهالي البلقاء فهي أشجار مقام الخضر في ماحص. وتسمى  “أشجار الخظر الأخظر” وهي أشجار معمرة وقد كتب الدكتور احمد عويدي العبادي:” يقع المقام على حوالي دونم وربع وفيه ثلاث شجرات، اثنتان منها من البلوط يزيد عمرها عن الألف عام، وهنالك شجرة هي أصغر حجما وعمرا وهي من السنديان” ويذكر وجود أشجار أخرى حول المقام تسمى جميعها أشجار الخضر الأخضر وعليها تربط الخرق الخضراء التي يصلى عليها أملا في استجابة الدعاء.

إطلالة أخرى على شجرات الخضر

وبشكل عام، دوما ما تكون المساحة المحيطة بالمقام مكانا مقدسا ويسميها الأردنيون “الحوطة” أي المكان المحيط بالمقام ويظهر هذا في مقامات البلقاء وسائر المقامات الدينية في المملكة.

الخضر ومار جاورجيوس والوئام الإسلامي المسيحي

كنيسة الراعي الصالح ومسجد السلط الكبير في السلط نموذج أردني للوئام

يتقابل الخضر عليه السلام مع القديس جاوروجيوس في عدد من الصفات المحورية. فاللون الأخضر والحكمة والقوة والنصر الإلهي أمور تشترك الشخصيتان فيها. إضافة إلى فكرة قهرهما للموت وشرب ماء الحياة والخلود. لهذا صار من الصعب التفريق بين الشخصيتين وقد جمعتا الأردنيين مسلمين ومسيحيين في ألفة.

وقد كتب الدكتور أحمد عويدي العبادي:” الخضر شخصية وليّ يرى الأردنيون أنه شرب من ماء الحياة ولم يمت وأنه موجود في العالم حي يرزق، لا نراه، وأنه مستجاب الدعاء والطلب عند الله سبحانه وتعالى وأنه عاصر الأنبياء منذ زمن سيدنا موسى ويبقى إلى يوم الدين. من هنا أقاموا له الأضرحة ومن أهمها ضريحه إلى الجنوب من ماحص من أراضي قبيلة عباد في محافظة البلقاء بوسط الأردن، هو شخصية مقدسة لدى المسلمين والمسيحيين وهناك اتفاق ووئام بين أتباع الدينين من العبابيد – أبناء عبّاد – المسلمين ومن حولهم في ماحص وبين الفحيصية المسيحيين ومن حولهم بحيث لا يطغى أحد على آخر ولا يعترضه، وهو مسجل في دائرة الأراضي باسم الطائفتين المسيحية والإسلامية”.

نلحظ أن مقامات الخضر وجاورجيوس في البلقاء مفتوحة لكلا أبناء المسلمين والمسيحيين فمقام الخضر في السلط وهو عبارة عن كنيسة مفتوحة للجميع على حد سواء كذلك الأمر في المقامات الأخرى للخضر والكنائس التي تحمل اسمه. إن هذا الانسجام الأهلي جعلنا نرى الكنيسة بجوار المسجد والمقام فاتحا أبوابه لكل طالبي الرحمة والشفاعة.

هنا نرى كيف تحوّل الرمز الديني إلى عامل ألفة وتناغم مجتمعي وكيف تم تجاوز الاختلاف الطائفي إلى عملية خلق رمز مجتمعي وسنوضح عملية التحول هذه باستعراض أهم الطقوس الدينية التي ارتبطت بمقامات الخضر  والتي كان يمارسها مسلمو ومسيحو البلقاء على حد سواء.

تم تأريخ هذا الوئام الأردني في ذاكرة الرحالة والمستشرقين فكتبت الكاتبة الإنجليزية ستيوارت ايريسكين في زيارتها للسلط : ” وهذه المئذنة – مئذنة مسجد السلط الكبير – قريبة جدا من المستشفى ( المستشفى الإنجليزي الذي يشتمل على كنيسة الراعي الصالح)  حتى أن أحد المؤذنين الذي كان في الوقت نفسه خبازا كان يخاطب رئيسة الممرضات  بعد أن ينتهي من الأذان قائلا: يا أخت كم رغيفا من الخبز تريدين للمستشفى هذا اليوم؟

 الخاتمة

ومن قال أن أتباع ديانات مختلفة في العالم لا يستطيعون أن يعيشوا في سلام وحسن جوار إذا حاولوا ذلك؟” تقول الكاتبة الإنجليزية إيرسكين. وهنا، على أرض الأردن المباركة، يصيغ الإنسان الأردني، منذ القدم، عاداته و طقوسه الدينية وعاداته وتقاليده، في جو الألفة مع الغير والانفتاح على الآخر والقبول الذي يساهم دوما في دفع عجلة الإنسانية إلى الأمام.

المراجع

  • الصويركي، محمد (2017) الأضرحة والمقامات وأماكن العبادة في السلط وما حولها، منشورات عمان عاصمة الثقافة الإسلامية، عمان: الأردن
  • الدمشقي، حسان (2008) مدينة ماحص وتاريخها الديني، دار الإسراء للنشر والتوزيع، عمان: الأردن
  • الطراونة، محمد (1992) تاريخ منطقة البلقاء ومعان والكرك، منشورات وزارة الثقافة، عمان: الأردن
  • القديس جاورجيوس اللابس الظفر، موقع كنيسة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس
  • الكفرين والرامة: المُقدّس الشعبي (1-2) – صحيفة الرأي
  • حبيب الزيودي … سنديانة العالوك (1–3) * محمود الزيودي
  • العويدي، أحمد (1979) المناسبات البدوية، سلسلة من هم البدو 3 ، ط 1.
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: يا خظر الأخظر فصول في التصوف الأردني 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: الممارسات الدينية جنوب الأردن 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: مقام النبي شعيب عليه السلام
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: مقام النبي يوشع عليه السلام 
  • أبحاث إرث الأردن المنشورة: إرث الاستقلال الحقبة الإسلامية المتوسطة 
  • كلمات أغنية يا خظر الأخظر – سميرة توفيق، موقع جفرا نيوز  http://www.jfranews.com.jo

يا خظر الأخظر.. فصول في التصوف الأردني – الجزء الثاني

 أقترح عناوين أخرى لتجنب إساءة فهم العنوان المطروح: يما قمرة/ معلمة الكرك

بعد برهة من الزمن، لحظة من صمود أمام الريح

وستنجبني امرأة أخرى”

– جبران خليل جبران، كتاب النبي

 جبران خليل جبران الأديب والمرشد الروحي اللبناني الذي صاغ في أدبه لوعته واشتياقه لوطنه. ينطبق السطران أعلاه على الكرك، المدينة القديمة التي تقع قلب لأردن. اتخذها الناس ملجأ وبنوا على قمتها العالية والوحيدة قلعة شامخة. قاموا بتربية المواشي وحمل أناسها المنتمون للمسيحية والإسلام مشاعر روحية قوية تجاه القدس. وخلال ذلك، يهب النسيم ليداعب جدرانها فينمو الزعتر واللافندر.

 بعد بندر ومشخص المجالي اللتان كانتا تتظاهران سعيا للتغيير السياسي ودعما لزوجيهما قادة العشائر الأردنية الثائرة، كانت امرأة أخرى، بهدوء، تعلم جيلا بأكمله. متخذة من الكلمات أسلحة، قامت قمرة القسوس- شرايحة بوضع بصمتها في حياة سكان قرية بأكملها وفي أمة الأردنيين التي كانت في طريقها لإنشاء الدولة الحديثة.

لقد قال كثر بأن قمرة (تصغير لقمر) تستحق اسمها بعدة طرق لا طريقة واحدة. فباعتبارها “القمر الذي يضيء الليالي الحالكة”، كانت معلمة وقدوة وملهمة وأمّا لجميع أفراد مجتمعها الذي سماها من شدة تأثره بها “ماما قمرة”  لم تكن تحوز على الكثير من الممتلكات لتمنحها، ولكنها منحت الكثير من الحب والتسامح والبهجة والخيال الشغوف.

قلعة الكرك

ولدت قمرة عام 1889 ابنة لشيخ عشيرة الهلسة المسيحية، الشيخ إبراهيم القسوس. درست في مدرسة رهبان الروم الأرثوذكس الابتدائية. كان للروم الأرثوذكس تأثير وحضور كبير في الكرك بسبب البطريركية الخاصة بهم في القدس. ولهذا عام (1849-1919) أصبح عم قمرة الذي كان راهبا محليا الأرشيمندريت أفرايموس العربي المحترم. وإلى القدس أيضا كانت قمرة تسافر طلبا للإلهام المسكوني[1] والعلم والمعرفة. كان موت الأرشيمندريت أفرايموس في ظروف غامضة عام 1919 قد عمق انعدام الثقة بين الاكليروس الروم أرثوذكسي وسائر العرب، فقدان الثقة كان الطاعون الذي ابتليت به الكنيسة إلى يومنا هذا. وبالرغم من الشقاق السياسي في الكنيسة، كان المجتمع ينظر لقمرة باحترام شديد.

لقد كانت المرأة التي جسدت ثقافة العزة والفخر. نشأت قمرة كطفلة لامعة مع ملكة تعلم اللغات من معلمتها هدباء، إننا نعرف القليل عن الآنسة هدباء، فهي لم تتزوج وظلت معلمة حتى مرضت بشدة عام 1901. وقد اتفق  الكهنة الروم  على قمرة لتكون خلفا لمعلمتها ولتدرس مكانها بسبب طلاقتها في القراءة والكتابة في ثلاث لغات: العربية واليونانية والإنجليزية. كانت قمرة حينها في الثانية عشر من عمرها فحسب وكانت سعيدة للغاية بالتزامها في التدريس. في وقت قياسي، استحقت لقب “المعلمة” لاستخدامها طريقا إبداعية في التدريس كالدراما والأعمال اليدوية واستخدام اللغة مع الشطرنج وقد أضاف ذلك روحا لحصتها الصفية. وكقارئة نهمة ، اقتبست من أدب الحياة دوما، وكانت تعود من رحلاتها من القدس ويافا بالمزيد والمزيد لتشاركه مع طلابها الصغار والكبار.

صورة لقمرة في الخمسينات

في ذلك الوقت، كان ينظر للأولاد الذين يبلغون سن الثانية عشر بأنهم أصبحوا رجالا أما الفتيات اللاتي بلغن سن الثانية عشرة إلى الخامسة عشرة فهن ناضجات كفاية كي يتزوجن. وكذلك كان الحال عند قمرة، فما إن بلغت الثالثة عشرة حتى خطبت لجريس شرايحة، فارس من فرسان عشيرة الحمود المسيحية، التي تبعد عن الكرك 30 كلم.  ولكن عندما يسوء الجو في السهول المحيطة بالكرك يصبح امتطاء الفرس أمرا خطيرا. وللأسف، كان جريس  عائدا على فرسه من زيارة عائلية مع قمرة أثناء العاصفة وقد سقط حصانه ورماه أرضا فلقي حتفه. وتزوجت قمرة من أخ خطيبها، يوسف شرايحة وسمت ابنها البكر “جريس”. ولد ابنها جريس عام 1906 تحت رعاية أختها الكبرى ذهيبة التي كانت حاضنة ومختصة بالأعشاب. سمي حفيد أختها ذهيبة “محمد” وهو اسم للمسلمين وعادة ما تكون تسمية المسيحين بأسماء مسلمين نتيجة للاحترام المتبادل بين العشائر الادرنية المسلمة والمسيحية وقد ورثت ذهيبة هذا الاحترام عن والدها.

عندما مرضت والدة قمرة كثيرا وظلت طريحة الفراش في سن صغيرة منح والدها الشيخ إبراهيم إذنا خاصا للزواج مرة أخرى ليس لأنه يود ذلك ولكن بسبب الضغط الاجتماعي الذي يحتم الحصول على خلف ذكر. ومع الموافقة المجتمعية الكاملة، تزوج الشيخ إبراهيم أخيرا من سيدة من عشيرة الزريقات، إحدى أفخاذ عشيرة الهلسة. ومع الوقت، كبرت عائلته ورزق بأربعة أبناء ذكور وابنة أخرى.

تابعت قمرة تدريسها بعد ولادتها لابنها ودفعها حبها للأطفال واهتمامها بالحقيقة لغرسها قيم الأمل والخير والحب في الحياة بشكل يتجاوز التدريس في الفصول الدراسية. كانت دوما حريصة على زيارة “أطفالها” بعد المدرسة، ترعى المريض منهم وتعطي المحتاج دروسا إضافية لتقويته. كانت قمرة ترتدي اللباس الكركي التقليدي المعروف بالمدرقة ولكن هذا لم يكن ليخفي عدم تقليدية هذه المرأة ولم يكن ليخفي روحها الخيّرة والطليعية والمعطاء والشجاعة. لم تكن الأزياء على رأس أولوياتها، على الرغم من رواج الأزياء الحديثة في كل مكان؛ كانت مهمتها الأولى لا أن تدرس اللغات الثلاث التي تتقنها فحسب بل أن تدرس تاريخنا العريق، تاريخ العشائر الأردنية المسيحية والمسلمة. ونتيجة لقوة شخصيتها وصلابة رأيها ومعتقداتها حول البيئة التعليمية التي كانت توفرها لطلابها كانت نادرا ما تفقد أعصابها. والمرة الوحيدة التي فعلت كانت مع أخيها الذي حاولت انتقاد روحها المستقلة وقد ردت عليه بحدة فقالت:” حسنا! أطلق عليّ النار!” ولم يُفتح ذاك الموضوع مرة أخرى، وقد حازت قمرة على احترام أغلب الرجال في محيطها وكان والدها راضيا عنها للغاية.

مع اندلاع فتيل ثورة الكرك (الهيّة) التي قادها أبناء العشائر الأردنية ضد المحتل العثماني عام 1910، رحلت قمرة لقرية عشيرة الحمود، القريبة من منطقة القصر، حيث كان زوجها يجهز محلا ليعمل كتاجر. لم تمتلك قرية الحمود مدرسة آنذاك، ولكن بمساعدة كنيسة الروم الأرثوذكس، أصبحت قمرة أول معلمة للقرية مع كامل الحرية لتطوير منهاج دراسي خاص بها. كانت مهمتها الأولى أن تبقي أقلام طلابها مشحوذة، ، فقد كانت مصممة على تعليم كل طفل يدخل صفها الكتابة ومن ثم القراءة. لامتلاكها شخصية محببة، استطاعت إنشاء صفوف دراسية للكبار لمحو أمية الرجال وأمهاتهم. لقد أشعلت الرغبة في نفوس كل من في القرية للتعلم بالرغم من ازدياد الوضع السياسي سوءا.. كانت قدرتها الأخاذة على رفع ثقة الأطفال أو الكبار هي هبتها الإلهية، لأنها كانت مؤمنة بأن مستقبلهم قد يغير العالم. بحلول عام 1912 كانت حاملا بطفلها الثاني “متري” ولولعها الشديد بالتدريس أنجبته على أرض الغرفة الصفية محاطا باحتفاء وحماس الجميع.

قلعة الكرك إبان ثورة الكرك عام 1910

استمرت عائلتها بالازدياد فأنجبت عام 1919 ابنها نيكولا وعام 1929 ابنتها سعاد وعام 1931 ابنها الأخير نزيه. وبين أطفالها الذين بقوا على قيد الحياة، عانت حسرات ومآسي كثيرة في خسرانها لبناتها الأربعة لإصابتهن بالحصبة. وعندما مات زوجها فجأة عام 1934 كان ابنها الثاني متري يدرس الطب في دمشق. لقد أحس بشعور سيء ولكنه لم يكن يقدر على العودة للمنزل. أعطاه أساتذته  مالا ليعود في الحافلة للمنزل ليصل بيته قبل أن تمتلك أمه الفرصة لتبعث له رسالة تخبره فيها بوفاة والده. هكذا كان الرباط بينهم قويا.  أما ابنها البكر جريس، فقد كان موهوبا في الرياضيات وكان  يدرس سنته الثانية في العلوم والرياضيات في القدس، ولكنه ترك دراسته وعاد ليدرّس في مادبا ويرعى إخوته وأمه.

أبناء قمرة الذكور

لقد كان وقتا صعبا عليهم جميعا. راتب المعلمة بالكاد يكفي ليسدوا رمقهم. كانت قمرة مدبرة بحق، فلم يشعر أبناؤها بالفقر الذي لحقهم فجأة. استمرت في منحهم حياة سعيدة وثرية وظلت عيونها ترعاهم. عام 1942 أخذ جريس العائلة شمالا لمدينة السلط وعين مدرسا في مدرسة السلط الثانوية للبنين كمعلم علوم، أما قمرة فقررت التقاعد عن التعليم- على الأقل في الصفوف. بقي منزلها مفتوحا للعائلة والأصدقاء متى ما دعت الحاجة، مستمرة في نهج الكرم الذي ورثته عن آبائها. كانت زيارتهم لها لا تنس أبدا، فقد زينت تلك الزيارات قدرتها على حكاية القصص المستوحاة من التاريخ ومن كتابها المفضل”الإنجيل” وظلت تلك الجمعات العائلية التي تروي فيها القصص تقليدا متبعا حتى حفيدها العاشر.

وبرغم صعوبة الأمر، استمرت قمرة بالسفر للقرى والمدن الفلسطينية غرب نهر الأردن. وفي إحدى زياراتها إلى يافا مع ابنها جريس، ارتدت قمرة الزي الكركي التقليدي وقررت أن تجلس أمام البحر وأن تطالع الصحيفة. أثار تصرفها الحماس في قلوب أهالي البلدة وأطفالهم الذين اجتمعوا ليشاهدوا البدوية التي تقرأ!

جلسة قمرة المفضلة للقراءة

كانت تلك قصة لطالما روتها قمرة وعيونها تلمع حماسة في اجتماعات العائلة في الأردن.

ولغياب الجامعات والمعاهد العليا في الأردن حتى افتتحت الجامعة الأرنية عام 1962، كان الأردنيون يرسلون أبناءهم لتحصيل العلم في القاهرة والقدس وبيروت ودمشق. وكذلك كان الحال عند أبناء قمرة. تبع نيكولا خطى أخيه الأكبر وقصد دمشق لدراسة القانون ومن ثم سافر إلى الولايات المتحدة وأنهى الدكتوراة في جامعة كاليفورنيا في القانون الدولي. ورغم العرض الذي تلقاه من الحكومة فور تحصيله لدرجته العلمية ورسالة والدته قمرة التي كتبت فيها “لا يمكنني أن أكون أنانية وأطالبك بالعودة ولكن عائلتك والوطن يريدانك أن تتعلم كل ما يمكنك تعلمه في أمريكا وتعود إلى الوطن. تذكر، إنك لا تعيش لنفسك فقط” لم يعد نيكولا من الولايات المتحدة أبدا، وظل أعزبا حتى وافته المنية عام 1988.

أرسلت قمرة ابنتها سعاد لتتم تعليمها في مدرسة الفرندز للبنات في رام الله وكان ذلك بعد وقت قصير من إعلان الكيان الصهيوني لقيام إسرائيل في عام 1948 فيما عرف “بالنكبة” في 14 أيار عام 1948 وخوفا على سلامة ابنتها كتبت قمرة:

ابنتي الحبيبة سعاد،

أمنحك بركاتي وقبلاتي وأمنياتي لك بالسعادة طيلة أيام حياتك. إني أصلي للرب بأن يبقيك بخير وأن تتذكري دوما أن لك أما تحبك. عزيزتي سعاد، كوني طيبة مع الجميع، وكوني صامتة ومطيعة تحت ناظري الرب، ليبقيك الرب في حمايته وحفظه ورعايته بحضوره الدائم في حياتك. أمك.”

قمرة مع ابنتها سعاد في زفافها وليلي وصيفة الشرف ، التي تزوجت متري بعد سنة

عام 1951 عادت سعاد مع شهادة “معلمة” وكان على العائلة أن ترحل مجددا بسبب تعيين جريس في دائرة ضريبة الدخل في العاصمة عمان. استأجرت العائلة بيتا من أربعة غرف في جبل الحسين وكانت وقتها منطقة حديثة يسكنها اللاجئون الفلسطينيون. عاملهم السكان  بمحبة كما لو كانوا جيرانهم منذ زمن طويل. عاشوا سويا وتزوج متري من ليلي شعبان عام 1957 واحتفت الصحافة المحلية بهذا الزواج وأسمته “زواج الموسم”.

وكان متري يعمل في الخدمات العسكرية كطبيب جراح للوجه والفكين، أخذ على عاتقه جعل عائلة قمرة أكبر  بأحفادها، بينما أخذت قمرة مسؤولية الطبخ ورعاية الأطفال “لتبقي يدي كنتها جميلتين” وخلال ذلك الوقت كانت قد علمت ليلي كل ما يتعلق بالمطبخ الكركي وكان المنسف على رأس هذه القائمة. يحمل كل أحفادها ذكريات حميمة عن الجلوس عند قدميها والاستماع لقصصها المستوحاة من الكتاب المقدس. وقد استخدمت القصص لتحاول التخفيف من صرامة الأسلوب العسكري الذي كان متري يتبعه في المنزل.

وتستذكر ابنتها سعاد أنها في كل مرة تزور عشيرة الحمود “يرحب بي الناس ويتذكرون أمي المعلمة” في كل مرة أذهب هناك، يقبلون يدي كدلالة على الاحترام” وكنت أرفض ذلك ولكنهم يقولون “نحن لا نقبل يدك ولكن يد المرحومة “يما قمرة” التي علمتنا كيف نقرأ ونكتب”

على فراش الموت، كتبت قمرة لحفيدتها منار التي تحمل الدكتوراة في التمريض وإدارة المستشفيات:

حبيبتي منار، اتخذي من هذا الاسم شعارا لك، منارة من ضياء تسطعين في المنزل وخارجه من أجلك ومن أجل إخوتك. وليحفظك الرب لوالديك ويباركك بحياة طويلة سعيدة. وليجعل التوفيق والنجاح رفيقك في حياتك وحياة إخوتك وعائلتك.

ليبارككم الرب جميعا. جدتك، أم جريس

قمرة مع حفيدتها منار

بالنسبة لأبناء متري بالتحديد (ديما، زينة، يزن، لينا وحفيدها المفضل يوسف) كانت قمرة أما وجدة حمتهم في أحضانها الدافئة والحميمة. لقد ظلت قمرة معلمة وملهمة لكل أحفادها حتى آخر يوم في حياتها عام 1971. وظلت ذكراها إلى اليوم كما كانت قبل أربعين سنة. لقد تلقت عائلتها العزاء من كل الناس الآتين من الكرك والحمود والسلط يوميا لأربعين يوما ليؤدوا احترامهم الأخير “للمعلمة”. وفي فترة الحداد ظلت ليلي وفريق من المتطوعين منشغلين بإعداد القهوة والشاي والمنسف يوميا. كانت تجربة جعلت العائلة بأكملها تدرك عمق الأثر الذي تركته قمرة وراءها.

صورة عائلية في احتفال تعميد زيد في سوريا

كان رفض قمرة لأن ترتدي أي شيء سوى لباسها التقليدي الأردني حتى اليوم الذي وافتها المنية يدلل على مدى  افتخاها بإرثها الثقافي الوطني وعلى عمق الرباط الذي يربطها مع والدها. لقد تحدت الحياة دون تقاعس أو أفكار جندرية مسبقة. كان دورها المحوري في كنيسة الروم الأرثوذكس إضافة لدور والدها، في عمان والكرك سببا في حصولهما على المقاعد في الصف الأول في صحن الكنيسة، المقاعد التي لم يجرؤ أحد على استخدامها سوى الأحفاد. كانت قمرة تواظب على الذهاب للكنيسة كل أحد ولم تفتها صلاة قط حتى لو كانت تثلج. “لن يكسر الرب قدمي لأني ذاهبة للكنيسة” كانت ترد بهذه الجملة دوما على عائلتها القلقة حيال خروجها للكنيسة في جو سيء. أما أمنيتها قبل أن تفارق الحياة فهي أن تحمل للقبر بأيدي أبناء عائلتها القسوس في رغبة توضح لنا مقدار الاحترام والحب الذي تكنه لوالدها. وفي الثاني من تشرين الأول عام 1971 تحققت أمنيتها. ومع كل الحزن والأسى والافتقاد الذي أحاطها يوم وفاتها من القريب والبعيد ومن كهنة الكنيسة لا عجب أن يشعر قريبها السيد زيد القسوس “بأن قمرة كانت في طريقها للقداسة”

جميع حقوق الترجمة محفوظة للمؤلفة جاكي صوالحة.

المصدر:  Voices, The pioneering spirit of women in Jordan,2011, National Press, Amman

[1] الحركة المسكونية هي عبارة عن مبادرة قام بها عدد من اللاهوتيين الارثوذكسيين وغيرهم من اللاهوتين من طوائف أخرى. هدفها كان العمل على تقريب العالم المسيحي من بعضه، وفتح باب التبادل الفكري والنقاش اللاهوتي بين الطوائف المسيحية. وبذلك تقريب الفكر وكسر الحواجز التاريخية الموجودة بين الطوائف. (المترجمة)

البدوية التي تقرأ! سيرة حياة قمرة القسوس شرايحة 1889-1971

إيمانا من إرث الأردن بأحقية وملكية الجميع للإرث الوطني وسعينا المتواصل لتحقيق هذه الرؤية نقدم لكم ترجمة تتناول الوضع الراهن الذي يعاني منه ذوي الاحتياجات الخاصة فيما يتعلق بممارسة حقهم الأصيل بالتمتع بالإرث الوطني.

معظم المواقع الأثرية في الأردن غير مهيأة لدخول الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة ويؤكد الناشطون أن تسهيل الوصول إلى المواقع الأثرية طلب يلحون عليه باستمرار.

تقول هالة أبو محفوظ، وهي طالبة تعاني من إعاقة جسدية، أنها شخص مستقل ولها الحق في دخول المواقع الأثرية والسياحية دون أن تحتاج من يحملها. وتضيف محفوظ الناشطة في حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة “إننا محرومون من زيارة الأماكن التاريخية كالقلاع والمدرجات بسبب نقص الخدمات والبنية التحتية”

هديل أبو صوفة، سيدة تستخدم الكرسي المدولب، توافق على ما قالته الناشطة هالة أبو محفوظ مشيرة إلى أن تلك المواقع الأثرية لا تحوي أي أماكن تخدم الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة وهي غير مجهزة بمنحدرات (لتسهيل تنقل مستخدمي الكرسي المدولب) بالرغم من أن الطرق في المواقع الأثرية غالبا ما تكون صخرية ويصعب المشي عليها.

دارين ديريه مؤسسة مبادرة مسار التي تهدف لتشجيع إنشاء بنية تحتية سياحية تخدم ذوي الاحتياجات الخاصة في الأردن، تؤكد أن المؤسسة قد نظمت ثمان رحلات في الأردن لأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة  وقد واجهوا خلالها الكثير من المصاعب كالحصول على التصاريح اللازمة لدخولهم مكانا كالبتراء في سيارة أو عربة.

“تقول السيدة دارين بأن جودة الطرق والتصاريح ليسا المعيقات الوحيدة، فوسيلة التنقل والأفراد غير المدربين على التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة هما أيضا من المصاعب التي يواجهونها.  “خلال الثماني رحلات التي قمنا بها في الأردن، زيارتي مادبا ومحمية الأزرق كانتا أفضل من غيرهما ولكننا واجهنا بعض المصاعب رغم ذلك”

سند أبو عساف، شريك مؤسس في مبادرة كومستير التي تهدف لخدمة الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة في الحياة العامة وعبر التطوع، يؤكد على أن الاستمتاع بالسهرات والليالي الموسيقية والمهرجانات في مدرجات جرش وعمان صعب للغاية بالنسبة للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة.

جلبت مبادرة كومستير المنحدرات لتسهل عملية دخول مستعملي الكرسي المدولب إلى المدرج الروماني ولكنها صودرت من قبل إدارة المكان بعد مهرجان موسيقى البلد الشهر الماضي بحجة معاينتها من قبل مهندسين. ويؤكد السيد أبو عساف بأن هدف مبادرة كومستير هو لفت انتباه وزارة السياحة والآثار إلى ضرورة هذه المسألة.

 صرح الأمين العام لوزارة السياحة السيد عيسى قموه بافتقار المواقع الأثرية لخدمات ذوي الاحتياجات الخاصة مضيفا أن  الوزارة مؤمنة بحق هذه الفئة بزيارة الأماكن التاريخية والسياحية وأن هذه المسألة تحتاج عناية أكبر.  وأشار بدوره إلى أنه ليست كل المواقع مهيأة لاستقبال الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة.

 ويقول السيد قموه “كدولة عضو في المعهد الدولي للسياحة (في سلوفينيا) إننا ملزمون بجملة قواعد وأخلاقيات وقعنا عليها نحن ودول أخرى وهذا يتضمن حق الجميع بالسياحة وهذا يتضمن بكل تأكيد الفئات ذات الدخل المحدود والأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة”

 وبكل العطاءات والمشاريع التجديدة التي عملت عليها الوزارة منذ 2010 كان تأمين البنية التحتية التي تخدم ذوي الاحتياجات الخاصة موضع تركيز كبير. وهذا يتضمن مشروع تطوير وسط البلد الذي كلف 170 مليون دولار.

أكد السيد قموه أن فريق وزارة السياحة وشرطة السياحة على جاهزية عالية لمساعدة ذوي الإعاقة عند حضور الاحتفالات والمهرجانات.

 ويختم السيد أبو عساف “إن الناس يرون الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة كأشخاص يحتاجون مساعدة ولكننا نؤمن بأنه لو كانت تلك المواقع الأثرية مجهزة ببنية تحتية تخدمهم سيكون  ذوو الاحتياجات الخاصة الطرف الذي يساعد الآخرين لا الذي يحتاج مساعدة”

المصدر:

مقال منشور على صحيفة جوردان تايمز http://www.jordantimes.com/news/local/most-archaeological-sites-jordan-inaccessible-people-disabilities%E2%80%99

معظم المواقع الأثرية الأردنية غير مهيأة لدخول ذوي الإعاقة

الحياة العائلية

يعيش الرجال والنساء مع عائلاتهم حتى يتزوجوا. وبعد الزواج، يكون للرجل بيت الشعر الخاص به وبعائلته ويعيش فيه مع زوجته وأطفاله. في بعض الحالات كأن تكون الزوجة غير قادرة على الإنجاب، يتزوج الرجل مرة أخرى ويكون له بذلك أكثر من زوجة. كما يعتمد الزواج بأكثر من امرأة على الحالة المادية للرجل. لا يزال تعدد الزوجات ممكنا اليوم ولكنه غير شائع.

في هذا الفصل سنناقش عدة محاور في الحياة العائلية البدوية كعادات الزواج ومراحل اختيار العروس وتجهيزات العروس للزواج ووصف احتفالات الزواج والإنجاب وتربية الأطفال وحتى قصص ما قبل النوم.

المرأة والزواج

عامة، كانت الزيجات ولا زالت تتم بين أولاد العمومة مع تفضيل أولاد العمومة من جهة الأب ونادرا ما كان  يتزوج رجل وامرأة من قبائل مختلفة. ونادرا أيضا ما رغب الشاب بالزواج من ابنة عمه ورفضت هي ذلك. في هذه الحالة، يذهب الشاب لعائلتها ويخبرهم بنيته للزواج منها. ومن ثم يلاحقها مثلا عندما تذهب لجلب المياه وبعدها يحاول قص خصلة من شعرها. وإن نجح في ذلك، يعلم جميع من في القبيلة وتجبر الفتاة على منحه موافقتها للزواج منه. تسمى هذه العادة “يصيحاها؟” (وحرفيا تعني: اجعلها تصرخ)

تتبع أغلب الزيجات في المجتمع البدوي لنمط خاص. تذهب مجموعة من الرجال تسمى “الجاهة” لوالد العروس ليحصلوا على موافقته لزواج العريس من ابنته. إن كان والدها متوفى فأخوها الأكبر من سيقرر منحهم الموافقة أو الرفض. وبعد الموافقة، تبدأ ترتيبات الزفاف. يحدد ميعاد معين ومقدار المهر. كان المهر في السابق بسيطا جدا فربما يكون قطيع خراف أو ماعز ونادرا ما يكون جمالا. أحيانا يكون مالا كدينار ذهبي واحد. لقد ظلت عادة المهر سائدة حتى يومنا هذا ولكن مقداره يختلف بحسب الحالة المادية لعائلة العريس.

صندوق العروس

في خضم التحضيرات للزفاف، تحضر المرأة البدوية الغنية صندوقا معدنيا أو خشبيا تضع فيه ممتلكاتها الثمينة بشكل مشابه لصندوق الزواج Hope chest  في أوروبا والولايات المتحدة. أما المرأة البدوية الأفقر حالا فكانت تصنع يدويا حقيبة ملونة تسمى “مذهبة”. وتأخذ العروس صندوقها أو حقيبتها معها إلى بيتها الجديد. يحوي الصندوق عدة أشياء خصوصا الأشياء التالية: فستانان وقميصان وكانت ألوان القمصان المفضلة هي الأحمر والوردي والأزرق وكانت النساء ترتدي القميص تحت الفستان. كما يحوي الصندوق على زوج من الأحذية الجلدية إضافة لمعطف يسمى “الدامر” والذي قد يأتي باللون الأحمر أو الأزرق أو الأسود. وتجلب العروس في صندوقها قارورة من الكحل ومرطب معطر يدوي الصنع يسمى “معشق” وعطرا ومرآة ومشط وبعض الحلي وأغطية الرأس التي تسمى “معصب والرفيفة” هنالك ثلاثة أنواع لأغطية الرأس التي كانت ترتديها النساء البدويات الأردنيات: 1- وشاح على الرأس للفتيات اللواتي لم يتزوجن بعد. ويسمي البدو الفتاة التي تلبس هذا الوشاح “عقادة aqada ”  الشنبار وهو شال أحمر داخلي مع 15 أو 10 قطع فضية مربوطة فيه بحسب الحالة المادية للفتاة. 3- المعصب وتلبسه عادة المرأة الشابة التي تجاوزت العشرين ويتكون  المعصب من طبقتين المعصب وهو الطبقة الخارجية  والملفي؟ وهو الطبقة الداخلية. وأخيرا، يمكن للمرأة البدوية أن تضيف لصندوقها أو حقيبتها بعض المأكولات الخفيفة أو حتى المكسرات. بالإضافة إلى الصندوق أو الحقيبة قد تأخذ العروس بعض الأثاث المسمى “الوهد” الذي يتكون من “فرشة” وأغطية ” اللحاف” المصنوع من صوف الخراف.

يأخذ الزفاف في الماضي مدة من الزمن تتراوح بين ثلاثة أيام وتسعة أيام متضمنا عدة احتفالات. ولكن الحدث الأهم في الزفاف هو الزفة أي القيام بأخذ العروس من بيت عائلتها إلى بيت زوجها. وتقام عدة احتفالات في الأيام ما قبل الزفة كليلة الحناء والتي تقام قبل الزفة بيوم حيث تجتمع العروس وصديقاتها ويزيّن أياديهن برسوم الحنا بينما تغني صديقاتها الأغاني.

وفي الحقيقة، كانت حفلات الزفاف ولا زالت إحدى أهم السياقات التي ترد فيها أنماط متعددة من الأغاني والرقصات. فيقوم الرجال بتأدية رقصاتهم وأغانيهم خارجا بينما تقوم النساء بها في الداخل بعيدا عن الرجال. تشكل أغاني الزفاف قسما كبيرا من مجمل أغاني النساء البدويات والتي تتضمن أغاني الفواريد (مفردها فاردة) وهي الأغاني التي تغنى في الزفة. والفواريد أغاني (تجاوبية) بمعنى أن كل مرأة تغنى مقطعها الخاص وترد عليها المرأة الأخرى بمقطع آخر وبهذا تغني النساء بالتناوب.

النساء البدويات والأطفال

بسبب نمط المعيشة الترحالي، كانت الصحة الجسدية للمرأة البدوية جيدة للحد الذي لا تضطر فيه لطلب المساعدة عندما يواتيها المخاض. فتذهب لمكان بعيد عن خيمتها وتنجب طفلها بنفسها. وكانت تتولى عملية الإنجاب بتمكن وتقطع الحبل السري لطفلها بحجر. وفي بعض الحالات إن تعسرت عملية الإنجاب كانت المرأة البدوية تطلب المساعدة من ممرضة تدعى “الداية” في تلك الأيام، قامت الداية بدور الطبيبة النسائية.

كان إنجاب الطفل مدعاة للاحتفال، فتذبح العائلة خروفا أو جملا بحسب حالتهم المادية. يختار الأب اسم الطفل ويكون الاختيار تبعا للظروف. فعلى سبيل المثال، إن كان لدى العائلة ضيف قد يمنح الأب اسم الضيف لطفله كدلالة على الاحترام والكرم. وبعض الأسماء تمنح للأطفال بحسب الظروف الجوية السائدة وقت ولادتهم. فمثلا قد يسمي الأب مولودته “ثلجية” أو مولوده “ثليج” إن ولدا في أوقات الثلج. وإن كان الموسم جافا فقد يسمى الطفل “عطش” والفتاة “عطشة”. قد تسمى الفتيات على اسم امرأة جميلة تعيش في ذات الفترة وقد يسمى الأولاد الذكور على اسم شخص مات في نفس السنة لتذكره.

وتتم عملية ختان الذكور في أي وقت بين سن الشهر والعشر سنوات بحسب ظروف عدة كتوافر شخص يعرف كيف يختن الذكور. يسمى الختان “الطهور” ويعقد البدو احتفالا كبيرا بأغان خاصة.

 تقدم العائلة في حفل الطهور حلويات خاصة وغن كانت حالتهم المادية تسمح فإنهم يذبحون شاة. كما يزينون خيمتهم ليعلنوا للناس عن هذا الاحتفال.

كانت المرأة البدوية حريصة على غذائها لتضمن أن ترضع طفلها أو طفلتها رضاعة صحية ومغذية. وإن كانت حالة الأم الصحية سيئة ولم تقو على إرضاع الطفل قد تتطوع امرأة أخرى لإرضاعه. وهذا التصرف مظهر آخر من مظاهر التعاون والعمل الجماعي الذي ميز الحياة البدوية. وعندما يحبن وقت الفطام، تضع الأم “راحة” وهي نوع الحلويات وتربطها في طرف غطاء الرأس. وبهذه الطريق يظل الطفل يمص الراحة وينسى الرضاعة.

كانت الأم البدوية حريصة أشد الحرص على تحضير الغذاء المناسب لأطفالها وعلى إبقائهم دافئين شتاء والعناية بهم وقت مرضهم. كما كانت تغني لهم التهويدات (أغان تغنى للأطفال وقت النوم) كما كانت الأم البدوية المصدر الذي يتعلم منه الأطفال تقاليد وعادات وثقافة البدو.

المصدر:

Aloun, G., Hood, K., The Bedouin beauty of my grandmother (2017) the Hashemite fund for development of Jordan Badia and Ministry of culture p18-24

الحياة العائلية عند بدو الأردن

Scroll to top