كيف دخل المسلمون الأردن؟

– العنوان الرئيسي يحتاج إعادة صياغة أو تطوير

مقدمة

نستكمل في هذا البحث من سلسلة الأردنيون عبر التاريخ فصلا مهما من تاريخ الأردن وهو المرحلة التي أعقبت انهيار المملكة الأردنية الغسانية وانتصار المسلمين في معركة اليرموك. في هذا البحث سنستعرض كيف دخلت الجيوش الإسلامية الأردن وكيف عقدت معاهدات صلح وسلام مع القبائل الأردنية المسيحية.

المملكة الأردنية الغسانية

أسست المملكة الأردنية الغسانية في بداية القرن الثالث وانتهت في القرن السابع مستمرة بحكم الأردن وسوريا ,وفلسطين وأجزاء من السعودية لمدة أربعة قرون امتازت بالرخاء والأمان والحرية الدينية. منطلقين من حوران الأردنية ومن ثم مستقرة في البلقاء ، دشن الأردنيون الغساسنة حضارة متميزة، وقد عرفت عنهم الحنكة السياسية واستغلال موقعهم الاستراتيجي لخلق جو تجاري حيوي على طول الطرق التجارية الأردنية.

العلاقات الغسانية البيزنطية

لقد لعبت العلاقات السياسية بين البيزنطيين والأردنيين الغساسنة دورا رئيسا في تشكيل المشهد العام في الأردن منذ القرن الأول الميلادي وحتى القرن السابع، فحتى منتصف القرن السادس كانت العلاقات علاقات تحالف قوية سواء من ناحية سياسية عسكرية ضد الفرس والمناذرة ومن ناحية تجارية حيث كان الأردنيون الغساسنة مسؤولين عن حماية القوافل وخطوط التجارة الواصلة بين حضارات العالم القديم.

منمنة (صورة تخيلية) تصور الملك الغساني الحارث وهو في خيمته

عقد الملك الأردني الغساني الحارث بن جبلة علاقات قوية من الإمبراطور البيزنطي جوستنيان وزوجته ثيودورا وانعكس هذا على الحرية الدينية بعد زمن طويل من الاضطهاد الديني الذي مارسته الإمبراطورية ضد المخالفين لها بالمذهب.

فسيفساء للإمبراطور جوستنيان وزوجته ثيودورا

المنذر بن الحارث (569-581) والبيزنطيين

كان  أبو كرب المنذر بن الحارث كوالده قائدا عسكريا محنكا إلا أن علاقاته مع البيزنطيين لم تكن دوما موفقة فقد كتب الإمبراطور جوستيان رسالة في عزله وانفصل حكمه ثلاثة سنوات وانقطعت العلاقات بينه وبين البيزنطيين.  ولكن البيزنطيين تراجعوا عن موقفهم عندما أدركوا استحاله الدفاع عن حدودهم ضد الهجمات الفارسية والمناذرية دونه، وقد وجدوا أنفسهم مضطرين لاسترضاء المنذر الغساني بأي ثمن (نولدكه: 1933) . وبالفعل استطاع هزيمة المناذرة بعدما عقد البيزنطيون معه صلحا في الرصافة عند قبر القديس سرجيوس.

وفي عام 580 وصل المنذر بن الحارث إلى القسطنطينية وكان رأسه مزينا بالتاج المهدى إليه من الإمبراطور البيزنطي تيباريوس وهو أمر لم يحصل للملوك الأردنيين الغساسنة من قبله حيث كانوا جميعا يلبسون الإكليل فقط (شهيد: 1995)

رغم العلاقات الحسنة التي نشأها المنذر مع تيبريوس إلا أنها ضعفت عقب واقعة شهيرة. فعندما تقدمت القوات الغسانية والقوات البيزنطية لمحاربة الفرس وجدوا جسر نهر الفرات مقطوعا فاتهمه البيزنطيون بالخيانة والتآمر مع الفرس. طلب بعدها البيزنطيون الصلح فقعدوا معاهدة صلح عند قبر القديس سرجيوس في الرصافة في العراق. لم يدم هذا الحال كثيرا،  فقد حاول المنذر الغساني إعادة توطيد العلاقات بشن حرب أخرى على المناذرة اتهمه البيزنطيون بتحدي الإمبراطورية والكنيسة.

عملة ذهبية للإمبراطور تيبريوس

وفي أثناء حضور المنذر الغساني لافتتاح كنيسة جديدة، اعتقله البيزنطيون ونقلوه إلى القسطنطينية ومن ثم نفي إلى جزيرة صقلية هو وعائلته وكان قد حكم 13 سنة تقريبا.

النعمان بن المنذر والبيزنطيين

غضب أبناء المنذر، الملك الذي تم نفيه، وقادوا تحت حكم ابنه الأكبر النعمان حربا ضد الحامية البيزنطية في بصرى وغنموا منها غنائم عظيمة واضطروا الحامية لأن تتخلى عن ذخائرها الحربية وقد كانت ثاني أكبر حامية عسكرية بعد حامية دمشق (نولدكه: 1933) وليس من المعروف كم بقيت المملكة على هذا الحال إلا أنه يرجح أن الأمور بقيت هكذا لوقت طويل. في النهاية، خطط البيزنطيون لحيلة أوقعت النعمان، فقد طلبوا منه القدوم إلى العاصمة أنطاكية للصلح ومن ثم قبضوا عليه وحبسوه ونفوه إلى صقلية عند والده.

بعد سجن المنذر والنعمان دعت الحاجة للاجتماع تحت راية قائد أردني غساني جديد وكان الحارث الأصغر بن الحارث بن جبلة وأخ المنذر بن الحارث هو القائد الجديد. وعقبه عدة ملوك  آخرين ولكن كان حكمهم أكثر محلية ولم تتوافر المعلومات الكثيرة عن حقبتهم، سوى ما سجله المؤرخ الألماني نولدكه عبر استخلاصه أسماء الملوك اللاحقين من الشعر العربي القديم وقد وجد عبر تحقيقه التاريخي ستة أسماء لملوك أردنيين غساسنة: الحارث الأصغر بن الحارث الأكبر، الحارث الأعرج بن الحارث الأصغر، أبو حجر النعمان: حكم 583- 614 م. ، عمرو، حجر بن النعمان، جبلة بن الأيهم،  حكم سنة 635م.

جبلة بن الأيهم

من المتفق عليه أن جبلة بن الأيهم هو آخر حاكم أردني غساني فعلي انتهى حكمه بفعل هزيمته أمام جيش خالد بن الوليد في معركة اليرموك عام 363 وقد رحل للقسطنطينية ومات هناك. ولكن من المهم الإشارة إلى أنه أعلن إسلامه في زمن الرسول عبر المراسلات التي أجراها معه وقد ظل مسلما حتى عهد عمر بن الخطاب. وقد ذكر هذا الأمر ذكرا دون حفظ نص المعاهدات فيقول المقريزي في كتابه إمتاع الأسماع: “وقال: أسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل مسلما إلى زمن عمر فتنصر[1] وبإسلام جبلة بن الأيهم، القائد الأردني الغساني يمكننا أن نستنتج أن عموم مدن الأردن كانت موالية للمسلمين لا للبيزنطيين في الوقت الذي حصلت فيه معركة اليرموك وأنهت الوجود البيزنطي تماما من الأردن.

وفيما يلي من فصول هذا البحث سنستعرض بشيء من التفصيل الخط الزمني للمعارك وللمعاهدات التي أجرتها المدن والقبائل الأردنية مع المسلمين.

أفكار مهمّة وضرورية

ماذا عن عنوان يسرد بشكل موجز طبيعة علاقات القبائل الأردنية مع الغساسنة ؟

– تأصيل فكرة التحالف السياسي الأردني مع المسلمين بدلا من الاكتفاء بالإشارة إلى اعتناقهم الاسلام

– الإشارة إلى دوافع هذا التحالف وأسبابه ( لماذا تخلت القبائل الأردنية تدريجيا عن علاقتها بالعرش الغساني)

أولا: دومة الجندل (5 هجري- 226 ميلادي)

تقع دومة الجندل على امتداد وادي السرحان الأردني وهي إحدى المراكز التجارية المهمة التي أنشأتها القبائل الأردنية على طول خط التجارة الجديد الذي كان الأردنيون الغساسنة مسؤولين عن حمايته.

خريطة توضح طريق وادي السرحان الأردني وهو طريق تجاري استحدثه الأردنيون الغساسنة وكانوا مسؤولين عن حمايته. المصدر Shahid. E (2009) Bazantinum and Arab in the sixth century

سكنت في الدومة قبيلة بني كلب من قضاعة والتي ينحدر منها أبناء عشيرة الكلوب الأردنية اليوم. أنشأت القبيلة حلفا قويا مع الأردنيين الغساسنة وكانت القبيلة خليطا من المسيحية واليهودية والوثنية. بعث الرسول محمد أول سرية نحو دومة الجندل في العام الخامس للهجرة (625 م) ولكنه وجدها خالية من سكانها. وتخبرنا المصادر بأن أهالي دومة الجندل كانوا يغيرون على القوافل التجارية وهذا يدلل على أن العلاقات القوية التي أنشئت مع الأردنيين الغساسنة بدأت تضعف وتتوتر.

في العام السادس هجري (626 م) عقد المسلمون صلحا مع قبيلة بني كلب في دومة الجندل واعتنق بعضهم الإسلام وعلى رأسهم رئيسهم أكيدر بن عبد الملك الكندي الذي عاد واعتنق المسيحية فيما بعد. ولكن الصراع تجدد بعد عدة سنوات. فعام 12 هجري 633 ميلادي، بعث أبو بكر الصديق بجيش لإعادة القبائل الأردنية المسيحية تحت نفوذه، وكانت قد عاودت تلك القبائل علاقتها مع الأردنيين الغساسنة والبيزنطيين. وجد جيش عياض بن الغنم دومة الجندل محصنة جدا فبعث لخالد بن الوليد الذي كانت جيوشه تتجه نحو العراق فسانده. وبعد حصار طويل وصمود كبير من جانب الحصن في الدومة، وانضمام قوات من الأردنيين الغساسنة لمساندة قبيلة كلب، هزمت قبيلة كلب وتم الاستيلاء على مدينة دومة الجندل. وقد مهد هذا الطريق أمام جيش خالد بن الوليد ليشق طريقه إلى وادي اليرموك بعد عدة أعوام ليمر من الصحراء الأردنية (المفرق) وصولا إلى موقع معركة اليرموك.

ثانيا: مؤتة  (8 هجري – 329 ميلادي)

بقايا لآثار بنيت على أرض معركة مؤتة

استمر الرسول محمد بإرسال الرسل إلى ملوك الأردنيين الغساسنة. فأرسل الحارث بن عمير الأزدي للحارث بن جبلة الملقب بابن أبي شمر أو “عظيم بصرى”  وقد اعترض الرسول شرحبيل بن عمرو الغساني قتله (خطاب: 1996). إضافة إلى قتل الحارث بن عمير، فقد بدأت القبائل الأردنية المسيحية باعتناق الإسلام، وكان من بينهم فروة بن عمرو الجذامي (ضرورة الإشارة إلى موقع هذا الرجل اجتماعيا وسياسيا، الأمير والحاكم المحلي وشيخ القبيلة ) [2]، من قبيلة جذام القبيلة الأم للعديد من القبائل الأردنية اليوم والتي تمركزت في معان. اعتنق فروة الجذامي الإسلام وبعث للرسول كتابا يعلن فيه إسلامه فأسره البيزنطيون وقتلوه ( 1. ما هو أثر الاغتيال أو الإعدام على قبيلته ومنطقته؟، 2. صورة ضريحه أو موقع اعدامه ؟  ) . ويدلنا هذا الحدث بالذات على اعتناق أكبر القبائل الأردنية للإسلام الأمر الذي سينعكس لاحقا على موازين القوى ضد البيزنطيين والغساسنة.

صورة لضريح فروة بن عمرو الجذامي قرب مدينة الطفيلة مطل على حمامات عفرا من الجهة الشرقية.

وقد أدت هذه الأحداث إلى تجهيز المسلمين جيشا ( لماذا جهزوا جيشا ؟ وبأي معنى كان هذا التجهيز ؟ الفزعة والنصرة وأيضا التوسع السياسي) ودخول حدود المملكة الأردنية الغسانية ليصلوا إلى مؤتة جنوب الأردن. وبعد صدام الجيشين والخسارة الكبيرة التي تجشمها جيش المسلمين عبر مقتل ثلاثة قادة وانسحاب القوات. تذكر المصادر انسحاب البيزنطيين وهروبهم وبقاء تحالف القبائل الأردنية في مواجهة جيش المسلمين (المباركفوري: 2007)

 ثالثا: تبوك (9 هجري – 630 ميلادي )

بعد عام من هزيمة معركة مؤتة، قرر قيصر معاودة المهاجمة وقد جهز جيشا  وجمع قبائل من لخم وغسان وجذام ( هذه القبائل كان لديها حكم ذاتي كما قرأنا في الأبحاث السابقة، في السردية الوطنية يجب إظهارها بشكل الحليف لا بمظهر التابع بالإضافة إلى أردنتها جميعا فنقول قبائل كذا وكذا الأردنية ) [3] وعسكر عند تبوك آخر حدود المملكة الأردنية الغسانية. لم تكن أوضاع جيش المسلمين يسيرة، فقد عانوا من القحط والحر إضافة الخوف من جيش البيزنطيين شديد الضخامة.(المباركفوري: 2007)

فتذكر مصادر التاريخ الإسلامي تخوفا كبيرا من الملك “الغساني” ( ما علاقة النص التالي بمعركة تبوك  ؟، وما سبب هذا التخوف أصلا ؟ يجب التمهيد للأمر ). ويورد في هذا الصدد خبرا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:” ‏ وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت آتية أنا بالخبر ـ وكانا يسكنان في عوالى المدينة، يتناوبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ـ ونحن نتخوف ملكاً من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاري يدق الباب، فقال‏:‏ افتح، افتح، فقلت‏:‏ جاء الغساني‏؟‏ فقال‏:‏ بل أشد من ذلك، اعتزل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أزواجه‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

وفي لفظ آخر ـ أنه قال ـ‏:‏ وكنا تحدثنا أن آل غسان تنعل النعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نَوْبَتِهِ، فرجع عشاء، فضرب بابي ضرباً شديداً وقال‏:‏ أنائم هو‏؟‏ ففزعت، فخرجت إليه، وقال‏:‏ حدث أمر عظيم‏.‏ فقلت‏:‏ ما هو‏؟‏ أجاءت غسان‏؟‏ قال‏:‏ لا بل أعظم منه وأطول، طلق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نساءه‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.”[4]

ومن دلائل تزعزع الجانب البيزنطي وفقدان الثقة بين القبائل الأردنية المسيحية وبين الغساسنة والبيزنطيين ما تناقلته المصادر عن مساعدة الأنباط (الأردنيين الأنباط ) للمسلمين عبر نقل الأخبار عبر رحلات التجارة الآتية من الأردن والمارة بالمدينة ومكة.” إذ بلغهم من الأنباط الذين قدموا بالزيت من الشام إلى المدينة أن هرقل قد هيأ جيشاً عرمرما قوامه أربعون ألف مقاتل، وأعطي قيادته لعظيم من عظماء الروم، وأنه أجلب معهم قبائل لَخْمٍ وجُذَامٍ وغيرهما من متنصرة العرب، وأن مقدمتهم بلغت إلى البلقاء، وبذلك تمثل أمام المسلمين خطر كبير‏” [5]

 وفي كل الأحوال، تظهر هذه الأخبار استمالة المسلمين للأردنيين من القبائل البدوية والحواضر كمعان (جذام) والأردنيين الأنباط الذين استمروا كثقافة فاعلة أثناء الحكم الأردني الغساني للأردن.

ورغم عدم حدوث أي صدام عسكري بين الجيشين إلا أن البيزنطيين هربوا مجددا مزعزعين الثقة بين القبائل الأردنية وبين الحكم الغساني. فقد كانت جيوش القبائل الأردنية وحدها أمام جيش المسلمين وقد أدركت أن وعود البيزنطيين بالأمان والصد كانت غير صادقة. ولذلك استمرارا في الحكم الذاتي والاستقلالية التي كانت تدير هذه القبائل والمدن الأردنية نفسها وفقا لها، توقفت عن مساندة البيزنطيين وبحنكة شديدة استغلت الاضطراب وبدأت بعقد اتفاقيات مع المسلمين وقد عرفت لاحقا بمراسلات تبوك.

معاهدات المسلمين مع القبائل الأردنية المسيحية 

بعد معركتين خاسرتين في عامين على التوالي، أردك المسلمون ضرورة الاعتراف بقوة القبائل الأردنية وضرورة استرضاء ( التحالف هو لفظ سياسي أوضح وأوجه هنا ) هذه القبائل عبر عقد معاهدات سلام وأمان على الحرية الدينية ولو بمقابل مادي بسيط ورمزي سمي الجزية وكانت الجزية قديما تعتبر علامة انضواء تحت كيان سياسي ( ما الذي يوفره هذا الكيان السياسي لدافعي الجزية ؟ ، يجب توضيح الفكرة ليكتمل المعنى ) لا ضريبة اقتصادية بمعناها الفعلي (الشجاع: 1999). في هذا الفصل سنستعرض المعاهدات التي أبرمتها القبائل الأردنية مع المسلمين خلال الست سنوات التي أعقبت معركة تبوك والتي انتهت بمعركة اليرموك.

خريطة متصوّرة توضح أهم المكونات السكانية للأردن إبان عهد الأردنيين الغساسنة

معاهدات قبيلة جذام الأردنية

لقد أسلفنا الحديث عن فروة بن عمرو الجذامي – ذات الملاحظة السابقة – الذي كان مقتله على يد البيزنطيين  سببا من أسباب معركة مؤتة. أعلن الجذامي إسلامه وبعث للرسول محمد (خطاب: 1996). وجذام إحدى أكبر القبائل الأردنية[6] وهي أم لكثير من القبائل الأردنية اليوم وتمركزت في معان وامتدت حتى البلقاء وكانت تحت ولاية فروة بن عمرو الجذامي الذي كان بدوره واليا للبيزنطيين (الشراكة بدلا من التبعية، تأصيل فكرة الحكم الذاتي ). إن إسلام ( تأصيل فكرة التحالف السياسي بدلا من الاعتناق المذهبي فقط ) فكرة أكبر عشيرة أردنية أثار رعب البيزنطيين ( لماذا ؟) وقد خافوا انقلاب القبائل الأردنية الأخرى عليهم ومناصرتهم للمسلمين ولذلك طلبوا فروة الجذامي وقطعوا رأسه وصلبوه.

الشاهد على ضريح فروة بن عمرو الجذامي يروي قصته

وتكر المصادر تاريخ المعاهدة التي جرت بين جذام الأردنية والرسول ( ع ) في شهر نيسان 528 تحديدا. وتذكر الروايات الإسلامية كذلك نص المعاهدة “فقد جاء رفاعة ابن زيد بن عمير بن سعيد الجذامي على رسول الله في الهدنة قبل خيبر  وأهدى له عبدا وأسلم ، فكتب رسول الله له كتابا: هذا كتاب محمد إلى رفاعة بن زيد إلى قومه من دخل يدعوهم إلى الله، فمن قبل ففي حزب الله، ومن أبى فله أمان شهرين. فأجاب قومه، فأسلموا” (النعيم: 1997)

 معاهدات الأردنيين الغساسنة 

( تأصيل فكرة التحالف السياسي بدلا من الاعتناق المذهبي فقط )

أما قبيلة غسان وبطونها التي لا تزال الكثر من العشائر الأردنية تنسب لهم ( لها ) – أو يرجّح انتسابها لها – كالجوابرة والحداد  والبشارات وغيرهم ( الغساسنة في الكرك مثل المبيضين والضمور والكركي)[7]؛ فقد عقدت كذلك معاهدة مع الرسول وقد أسلم بعضهم. فيذكر ابن سعد بأن هنالك وفدا من ثلاثة أشخاص قدموا في رمضان سنة عشرة للهجرة، “وأسلموا وصدقوا وقدموا على قومهم فلم يستجيبوا لهم” (النعيم: 1997)  وفي الوثائق أيضا وثيقة معاهدة بين الرسول وبين قبيلة ثعلبة[8] من غسان:” هذا كتاب محمد لصيفي بن عامر على بني ثعلبة، من  أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأعطى خمس المغنم وسهم الرسول والصفي فهو آمن بأمان الله[9]

المعاهدات مع طيء وعذرة

( تأصيل فكرة التحالف السياسي بدلا من الاعتناق المذهبي فقط )

من ضمن المعاهدات التي حصلت بين القبائل المسيحية والمسلمين كانت بين قبيلتين مهمتين. الأولى عذرة، التي سكنت وادي القرى على الحدود الجنوبية للملكة الأردنية الغسانية ( هل عذرة قبيلة أردنية ؟ إذا لا، فما مبرّر ذكرهم ؟). وكان العذريون أو جزء كبير منهم قد اعتنق الإسلام. وقد جاء نفر منهم للرسول “قدم في صفر سنة تسع،  وكان يتكون من اثني عشرة رجلا، أعلنوا إسلامهم“(النعيم: 1997) ويذكر ابن سعد في كتابه الطبقات وابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة أن العذريين بعثوا للرسول بصدقاتهم وزكاتهم.

أما عن قبيلة طيء، إحدى القبائل – الأردنية – التي سكنت الأردن – مصطلح يتناقض والسرديّة الوطنية، انتشرت، امتد نفوذها  – خصوصا على طول وادي السرحان، ولها بطون كثيرة وعشائر متفرعة عنها إلى يومنا الحاضر[10]، فيؤرخ ابن سعد في كتابه الطبقات إسلام خمسة عشرة رجلا من القبيلة على رأسهم زيد الخيل ابن المهلهل.[11]

وفي وثائق المعاهدات بين قبيلة طيء والرسول ( ع ) ، نجد كتابين مهمين للطائيين كتبها الرسول:

هذا كتاب محمد لبني معاوية بن جرول الطائيين لمن أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من المغانم الخمس خمس وسهم النبي وفارق المشركين[12]” (النعيم: 1997)

وفي الكتاب الثاني:” هذا كتاب محمد رسول الله لعامر بن الأسود بن عامر بن موين الطائي، أن له ولقومه من طيء ما أسلموا عليه من بلادهم ومياههم ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة  وفارقوا المشركين” وكتب مثل هذا لبني معن ولبني جوين من طيء ولجابر بن ظالم بن حارثة الطائي، ولوليد بن جابر بن حارثة الطائي، ولأنس بن حصن الطائي. (النعيم: 1997)

المعاهدات مع أيلة

تقع منطقة أيلة على الحدود الجنوبية للمملكة الأردنية الغسانية وتعرف بقرية أم الرشراش ( ماذا عن العقبة ؟ ).  وقد جاء ملك أيلة الذي يدعى يحنة (يوحنا) بن رؤبة وعقد صلحا مع الرسول  ( ع ) وكان من بنوده الأمان في البر والبحر‏:‏ ‏(‏بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذه أمنة من اللّه ومحمد النبي رسول اللّه ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة، سفنهم وسياراتهم في البر والبحر لهم ذمة اللّه وذمة محمد النبي، ومن كان معه من أهل الشام وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثاً، فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب لمن أخذه من الناس، وأنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه، ولا طريقاً يريدونه من بر أو بحر‏)‏‏‏[13]

المعاهدات مع أذرح والجرباء ( النبطية )  

صورة جوية لأذرح

أَذْرُح قرية أردنية نبطية  ومنطقة جغرافية ضمن قضاء أذرح، في محافظة معان جنوب العاصمة عمّان. أما الجرباء فهي مدينة أخرى على بعد عدة كيلومترات منها. تسكن القبائل الأردنية خصوصا بعض بطون عشيرتي الحويطات وبني عطية ذوات الأصل النبطي [14] في أذرح والجرباء منذ مئات السنين. وقد تم تأريخ المعاهدة التي عقدتها القبائل الأردنية المسيحية مع الرسول مقابل جزية رمزية وحرية دينية ودخول في دائرة  النفوذ الإسلامي ( تأصيل فكرة التحالف السياسي بدلا من التبعية ) .

بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب محمد النبي لأهل أذرح. إنهم آمنون بأمان الله ومحمد. وإن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة. والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان للمسلمين ومن لجأ إليهم من المسلمين من المخافة والتعزير إذا خشوا على المسلمين وهم آمنون حتى يحدث لهم محمد قبل خروجه

أما نص معاهدة أهل الجرباء: ”  هذا كتاب محمد النبي لأهل جرباء. إنهم آمنون بأمان الله ومحمد. وإن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة. والله كفيل[15]

المعاهدات مع  نجران

نجران مدينة جنوب شبه الجزيرة العربية وكانت على علاقة قوية للغاية مع الأردنيين الغساسنة طوال فترة حكمهم إلا أن أهلها ارتأوا عقد معاهدة مع المسلمين ( لماذا ؟ ، تأصيل فكرة التخلي عن العلاقة مع العرش الغساني كما فعلت القبائل الأردنية تماما) تضمن لهم الأمان الديني وقد جاء في نصها، في كتاب طبقات ابن سعد:

“ولنجران وحاشيتهم جوار الله، وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم، وملتهم، وأرضهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وبيعهم، وصلواتهم لا يغيروا أسقفًا عن أسقفيته، ولا راهبًا عن رهبانيته، ولا واقفًا عن وقفانيته، وكل ما تحت أيديهم من قليل، أو كثير وليس ربا، ولا دم جاهلية، ومن سأل منهم حقًّا فبينهم النصف غير ظالمين، ولا مظلومين لنجران، ومن أكل ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة، ولا يؤاخذ أحد منهم بظلم آخر، وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله، وذمة النبي أبدًا حتى يأتي الله بأمره إن نصحوا، وأصلحوا فيما عليهم، غير مثقلين بظلم، شهد أبو سفيان بن حرب، وغيلان ابن عمرو، ومالك بن عوف النصري، والأقرع بن حابس، والمستورد بن عمرو أخو بلي، والمغيرة بن شعبة، وعامر مولى أبي بكر.[16]

رابعا : معركة اليرموك ( 15 هجري- 336 ميلادي)

 

صورة لحوض نهر اليرموك في الأردن

لقد رأينا كيف مهّدت المعاهدات الطريق أمام المسلمين لهزيمة الوجود البيزنطي. حصلت معركة اليرموك في العام 15 هجري بحسب المصادر الإسلامية و16 بحسب المصادر السريانية (خلف:2016).  وكانت قد  تحركت جيوش المسلمين التي كانت في العراق تحارب الفرس الساسانيين وفي فلسطين وفي حمص إلى حوض اليرموك لملاقاة البيزنطيين.  بعث أبو بكر الصديق بقوات مساندة لقيادة خالد بن الوليد مرت بالأراضي الأردنية التي كانت قد وقّعت معاهدات سلام أو اعتنقت الدين الإسلامي. وكما ذكرنا آنفا، مهّدت  معاهدة  دومة الجندل جنوب وادي السرحان الأردني الطريق أمام جيش خالد بن الوليد لمساندة جيوش المسلمين الأخرى.

أردنة المعركة في سياق السّرد
كان الجيش البيزنطي يتألف من البيزنطيين والغساسنة من الذين لم يعقدوا معاهدة مع المسلمين. وقد انحاز جبلة بن الأيهم إلى صفوف البيزنطيين وحارب معهم ضد المسلمين ( هل قاتل المسلمون وحدهم ؟ أين ذكر جذام ؟ ). ورغم هزيمة الغساسنة في معركة مرج راهط في الطريق الواصل بين دمشق ومدينة عدرا ( إلى الشمال من دمشق) عام 13 هجري، إلا أنهم أعادوا جمع بعض القوات.

استمرت المعركة ستة أيام من الكر والفر في سهول حوران الأردنية وكان فرق العدد بين جيش المسلمين (حوالي 36 ألفا) والبيزنطيين (200 ألفا) واضحا وكبيرا (الشجاع:1999)، فاستعان خالد بن الوليد بالسهول والوديان المحيطة بنهر اليرموك لتنفيذ هجماته، كما استعان بماء نهر اليرموك في الهجمات ليغرق عددا هائلا من البيزنطيين. وتم إعطاء الأوامر لإعادة الجزية والزكاة  إلى أهلها من القبائل الأردنية المسيحية وقد لعب ذلك دورا مهما بلا شك في تقوية علاقة القبائل الأردنية مع المسلمين. إن إدراك المسلمين لضرورة إبقاء القبائل الأردنية المسيحية والمسلمة على حد سواء في صفهم ساهم في النصر الذي أحدثته الجيوش الإسلامية بقيادة خالد بن الوليد.

شعار المملكة الغسانية وفي المنتصف أيقونة القديس الشهيد سركيس

 كانت معركة اليرموك على قدر عال من الأهمية فبعدها تغيرت خريطة المشرق وانتهى وجود مملكة الغساسنة الأردنيين ككيان سياسي وفتحت صفحة جديدة من تاريخ الأردن. سميت الأردن فيما بعد “جند الأردن”  وضم الجند أجزاء واسعة من سورية وفلسطين. ويقول الحموي صاحب كتاب معجم البلدان “وأما الجند فيجيء في قولهم: جند قنسرين، وجند فلسطين، وجند حمص، وجند دمشق، وجند الأردن” وقسم جند الأردن إلى ثلاثة عشرة كورة: طبرية والسامرة وبيسان وفحل وجرش وبيت راس وجدارا، كورة الجبال (الطفيلة) وكانت غرندل مركزه وكورة الشراة ومركزه أذرح، وكورة مآب (مؤاب) ومركزها مآب (الكرك) وأحياناً زغر (غور الصافي) وأخيراً كورة البلقاء التي كان مركزها عمان.

 

الخاتمة

 تتبعنا في هذا البحث الخط الزمني لدخول المسلمين للأردن. فعبر المعاهدات والسلم التي عقدها المسلمون مع القبائل الأردنية من عهد الرسل وحتى عهد الخلفاء الراشدين، دخل المسلمون الأردن. ورغم انسجام القبائل الأردنية مع الحكم الأردني الغساني لأكثر من أربعة قرون إلا أنها سارعت في سحب الثقة من القيادة الغسانية حالما وجدتها منحازة للصالح البيزنطي أكثر من الصالح العام للقبائل الأردنية نفسها. فالنفس الأردنية أبية والاستقلال فيها مترسخ، والرد أمام المعتدي يأتي دوما قاطعا وحادا كحد سيوف الثوار والفرسان من العشائر الأردنية.

المراجع

  • العويدي العبادي، أحمد، تاريخ الأردن وعشائره في العصور القديمة والوسيطة من 3400 قبل الميلاد- 1910م، ط1، (2014) دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، الأردن: عمان
  • آبادي الهندي، محمد الحيدر، مجمعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، ط6، دار النفائس، لبنان: بيروت
  • النعيم، عبد الله محمد، الاستشراق في السيرة النبوية (1997)، ط1، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سلسلة الرسائل الجامعية المنشورة.
  • عجلون في صدر الإسلام والدولة الأموية، د.محمد حسين محاسنة، موقع وزارة الثقافة- التراث الثقافي غير المادي.
  • خلف، تيسير (2016) القراءة السريانية للفتوحات الإسلامية، ط1، دار التكوين، سورية: دمشق.
  • المباركفوري، صفي الدين (2007) الرحيق المختوم، بحث في السيرة النبوية، منشورات وزارة الشؤون الإسلامية، قطر: الدوحة
  • خطاب، محمود شيت، سفراء الرسول (1996) دار الأندلس الخضراء، المملكة العربية السعودية
  • الشجاع، عبد الرحمن عبد الواحد، تاريخ صدر الإسلام، رؤية جديدة لدراسة عصري النبوة والخلافة الراشدة (1999) ط8، الإحسان نت. اليمن: صنعاء
  • علي، جاسم، معاهدات الصلح التي عقدها الرسول مع النصارى، دراسة منشورة، جامعة بغداد، كلية التربية للبنات، قسم التاريخ، مز 24، (2) 2013
  • نولدكه (1933)، أمراء غسان من آل جفنة، المطبعة الكاثوليكية، بيروت: لبنان
  • Shahid, I. Byzantine and Arabs in the sixth century, Political and Military music (1995), VOL1, P1, Dumbarton Oaks, Harvard University.

[1] المصدر: إمتاع الأسماع للمقريزي. ص 1024

[2] يذكر ابن سعد في طبقاته : فروة بن عمرو الجذامي أحد بني نفاثة بعث إلى رسول الله بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء وكان عاملا للروم على ما يليلهم من العرب وكان منزله في معان وما حولها من أرض الشام. فلما بلغ الروم إسلامه طلبوه قم حبسوه وضربوا عنقه وصلبوه.” م1، ص355

[3] الرحيق المختوم. الفصل 12، معركة تبوك.

[4] المصدر السابق نفسه.

[5] المصدر السابق نفسه.

[6] تاريخ الأردن وعشائره للدكتور أحمد عويدي العبادي ص900

[7] تاريخ الأردن وعشائره للدكتور أحمد عويدي العبادي ص963

[8] يعتقد بأن ثعلبة وجفنة أولاد عمومة ومنهما جاء نسل الأردنيين الغساسنة وقد سموا آل جفنة وآل ثعلبة.

[9] مجموعة الوثائق السياسية، حيدر آبادي ص 426

[10] تاريخ الأردن وعشائره للدكتور أحمد عويدي العبادي، ص976-989

[11] ابن سعد، الطبقات، م1 ص 321

[12] للمزيد انظر: الحيدر آبادي، مجموعة الوثائق السياسية، ص 170-171

[13] ابن هشام: السيرة النبوية 2/525، 526، وابن سيد الناس: عيون الأثر 2/258، وابن القيم: زاد المعاد 3/466.

[14] تاريخ الأردن وعشائره/ الدكتور أحمد عويدي العبادي، ص994-937

[15] تجد نص المعاهدتين في كتاب مجموعة الوثائق السياسية لحيدر آبادي ص 416/  إمتاع الأسماع للمقريزي ج1 ص 468-469

[16] نص المعاهدة كاملة  في كتاب مجموعة الوثائق السياسية لحيدر آبادي ص 467 ( لماذا لا نورد صور عن نصوص المعاهدة إذا كان هناك صورة نص قديم وتاريخي ؟ لا يوجد صورة فقط جمع تاريخي )

Scroll to top