المقدمة

يلمع اسم جرش عندما نذكر التاريخ الأردني العريق لكونها تحتضن مدينة أثرية كاملة يمكن للمرء أن يتجول فيها ويرى أسواقها ومدرجاتها وحماماتها، ولكن الآثار والحجارة لا تخبر قصة مدينة جراسا الأردنية، هذه القصة التي تسلب الألباب، وتجعل المرء يتوق لذلك الوقت التي كانت جراسا مدينة الحضارة الأولى في المشرق.

الموقع والطبوغرافية

تقع جراسا (جرش)  شمال المملكة الأردنية وتبعد عن فيلادلفيا (عمان)  45 كلم وهي على ارتفاع  650 م عن سطح البحر. وهي جغرافيا تقع بين سهول حوران الأردنية وبين جبال البلقاء وتحيط بها غابات عجلون الكثيفة غربا وشمالا. أما المدينة الأثرية جراسا فهي تقع في واد بين جبال جلعاد الأردنية على هضبة منخفضة. (عقيلي: 1973) يشق الوادي محافظة جرش من الشمال إلى الجنوب ويقسمها إلى قسمين شرقي وغربي وتقع أغلب المدينة الأثرية غرب هذا الجدول.

 مصادر المياه في المدينة على سيل جرش  الذي كان يسمى “نهر الذهب” وعيون الماء الطبيعية كعين البركتين (2 كلم شمال جراسا) وعين القيروان التي يشرب منها أهالي المدينة،(عقيلي: 1973)  إلا أن الأردنيين عبر العصور قاموا بتطوير نظم مائية وآبار وقنوات تساعدهم على تخطي حالات الجفاف.

تمتد في جراسا غابات كثيفة وبساتين وكروم للعنب والزيتون وصفها الرحالة والمستشرقون في كتبهم. وقد ساعدت هذه العوامل الطبيعية على ازدهار مدينة جرش عبر العصور.

اكتشاف جراسا

 بدأ توثيق آثار جرش من بدايات القرن التاسع عشر 1806 حين قام الرحالة الألماني سيتزن بزيارة الأردن واستكشاف المدن الأثرية التي غلفها النسيان لقرون. تبعه الرحالة والمستكشف السويسري “بيركهارت” عام 1812 ومن ثم المستكشف الإنجليزي بكنجهام عام 1825. أما أشهر المستكشفين فكان  الألماني شوماخر الذي تردد على جرش مرات عدة مسجلا آثارها وتعد ملاحظاته وبحوثه مؤسسة البحث الآثاري في مدينة جراسا. وكان للباحث والمستكشف بوختشين فضل كبير في تسجيل وتحليل النقوش والكتابات  الأثرية أيضا. (عقيلي: 1973)

قامت فيما بعد دائرة الآثار بعدة حملات للتنقيب والصيانة والترميم حتى انكشف تاريخ جراسا الثري.

المستكشف الألماني غوتليب شوماخر

التسميات والألقاب

سميت جرش بعدة أسماء وألقاب عبر التاريخ. وقد ذكرها ياقوت الحموي في مصنفه “معجم البلدان” : ( كانت جرش في الماضي عظيمة وحصينة ولكنها اليوم مهدمة تماما.. وهي تعرف اليوم بحمى جرش أو قلعة جرش) وهنالك عدة افتراضات لأصل اسم جرش فبعضهم يعيدها للجرجاشيين وهم قبائل حيثية[1]. ويقول بعض الباحثين بأن الكلمة ذات أصل آرامي يمكن أن تعني “الطحن” وأنها في الآرامية “جرشون”. بينما يفترض باحثون آخرون بعودتها إلى أصل كنعاني بمعنى “الغرس والغراس”  وأما الرأي الأشهر فهو أن أصل جرش كلمة يونانية (جراسا)  جرى تعريبها وقد أطلق السلوقيون اسم جراسا على المدينة عندما انضمت لولايتهم عام 200 ق.م. (شهاب: 1989)

دعيت جرش بعدة ألقاب أهمها “أنطاكية على نهر الذهب” أنطاكية نسبة إلى الإمبراطور أنطونيوس ونهر الذهب المقصود هو سيل جرش. (شهاب: 1989)

مطل على نهر الذهب في جرش

جراسا عبر التاريخ

إن جرش مدينة لا يمكن اختزال تاريخها، فعندما ظن الباحثون بأنهم اكتشفوا كل ما يمكن اكتشافه عن المدينة ظهرت أمامهم المزيد من المكتشفات التي أرجعت تاريخ المدينة 7500 سنة قبل الميلاد.

اكتشف الباحثون عدة قرى زراعية مثل قرية تل أبو الصوان وهي من القرى الزراعية الكبيرة في المنطقة وتعود ل 7500 ق.م. كما اكتشفت كهوف تعود للعصر البرونزي 2500 سنة ق.م. شمال شرق المدينة؛ وبقايا خربة تعود لأواخر العصر الحجري القديم وأوائل العصر الحجري الحديث 4000 سنة ق.م. واكتشفت قرية أخرى تقع شمال وادي جرش وتعود للعصر الحديدي 1000 سنة ق.م.

كانت جرش مطمعا للحضارات القديمة فاحتلها الآشوريون عام 745 ق.م. في عهد الملك تجلات بلاسر ومن ثم خضعت للحكم المصري في عهد بسامتيك الثاني عام 590 ق.م ولكن البابليين سرعان ما شنوا حربا على السلالة المصرية وسيطروا على جرش بقيادة نبوخذ نصر عام 586 ق.م.

وبعد انهيار المملكة البابلية على يد الملك الفارسي قورش عام 539 ق.م. انضوت جرش تحت لواء إربد في الحكم الفارسي الذي لم ينتهِ إلا باجتياح الإمبراطور الاسكندر المقدوني عام 333 ق.م. للمشرق وإنهاء الوجود الفارسي فيه. ومن هنا بدأت حكاية جراسا كمدينة لامعة في الحقبة الكلاسيكية (الهلنستية والرومانية والبيزنطية).

عثر على نقش يعود لعهد الإمبراطور كومودوس تؤكد وجود استيطان مقدوني لكبار القادة والجنود في التلة الشرقية للساحة البيضاوية في المدينة الأثرية. بعد وفاة الإسكندر المقدوني قسمت البلاد التي كانت تحت ولايته بين السلوقيين والبطالمة.[2] وكانت جراسا وفيلادلفيا إحدى أهم المدن التي اهتم البطالمة بها خصوصا في عهد بطليموس فيلادلفيوس (285-246 ق.م) الذي منح فيلادلفيا اسمه الدال على الحب الأخوي وجعل من جراسا مدينة  مهمة.

عملة ذهبية وجدت في فيلادلفا منقوش عليها وجه بطليموس فيلادلفيوس

ولكن حكم البطالمة لم يدم كثيرا فعام 200 ق.م. قام السلوقيون بأخذها من يد البطالمة وأطلقوا عليها لقب جراسا، حتى عام 86 ق.م قام الكسندر جننيوس الملك الحشموني اليهودي بعدما انتصر على الجلعاديين والمؤابيين بمهاجمة القبائل الأردنية التي تسكن البادية الشمالية الشرقية وكان شيخها يدعى “عباد” انهزم الملك أمامه في المعركة التي دارت رحاها على ضفاف نهر اليرموك ولكنه عاد وحشد جيشا كبيرا واحتل جراسا وأمر بتدميرها كما فعل مع بيلا (طبقة فحل) لعدم خضوع أهلها للزي الرسمي اليهودي أو الدين اليهودي. (شهاب: 1989) وقبل أن يموت ألكسندر كان قد بنى قلعة ماخيروس (مكاور) التي بجوار مادبا ليمنع امتداد النفوذ الأردني النبطي من أن يصل شمال الأردن. وكان غزو المملكة الحشمونية اليهودية دمارا على الأردنيين في مدن الديكابولس فكما أسلفنا دمرت المدن وفقدت استقلالها (شهاب: 1989)

صورة للملك الحشموني ألكسندر جننيوس الذي دمر أبيلا وجراسا عام 80 قبل الميلاد لعدم خضوعها له.

جراسا كجوهرة الديكابولس

ابتكرت الحضارة الهلنستية فكرة المدن – الدول الحرة، حيث يكون لكل مدينة استقلالها وحكمها الذاتي وارتباطها التجاري مع غيرها من المدن. في عام 46 ق.م. قام الإمبراطور الروماني بومبي بإعادة تدشين هذا الحلف والتي كانت ثمان منها أردنية ثابتة. وكان الغرض الرئيسي من الحلف هو غرض عسكري دفاعي. وقد جاء ذكر هذه المدن في كتاب “التاريخ الطبيعي” الذي أنجزه المؤرخ الروماني بيليني عام 77 ميلادي.

تعني “ديكا” العشر أما بوليس  فتعني “المدن” ومجتمعة تعني مجتمعة “مدن الحلف العشرة”. ضمت المدن العشر في البداية (جراسا (جرش) ، فيلادلفيا (عمان)، جدارا (أم قيس)، كانثا (أم الجمال)، هيبوس (الحصن)، دايون (ايدون)، بيلا (طبقة فحل)، سكيثوبوليس (بيسان)، أبيلا (حرثا)، دمشق، وبوسطرا (بصرى))  وكما نرى ثمان منها أردنية ثابتة، لاحقا انضمت مدن أخرى كجادورا (السلط) وبيت راس وقد طالت قائمة المدن العشرة لتصل إلى ثماني عشرة مدينة كانت أغلبها على أرض الأردن.

خريطة توضح مدن الديكابولس الأكثر شهرة ثمان منها أردنية

كانت جراسا إحدى أهم مدن الديكابولس الرئيسة وقد تعرضت لحملات الغزو مرارا، ولكونها في قلب خريطة مدن الديكابولس فقد ازدهرت التجارة فيها وشهدت تطورا كبيرا على مستوى العلم والدين وهذا ما سنناقشه في الفصلين التاليين من هذا البحث.

الريادة في العلم والهندسة

بدأ تأسيس جراسا كمدينة ديكابولس في القرن الأول ما قبل الميلاد وتابعت ازدهارها في العلم والمعمار والدين لتصل فيه إلى مراتب رفيعة في القرنين الثاني والثالث الميلادي. ومن أهم أعلام مدينة جراسا في تلك الفترة العالم والرياضياتي “نيكوماخوس الجيراسي Nicomachus of Gerasa) Νικόμαχος)” الذي ولد في جراسا في منتصف القرن الثاني الميلادي.

يذكر الدكتور يوسف رشيد زريقات مدير مركز دراسات العهد القديم في بحثه في تاريخ جرش القديم عن نيكوماخوس الجيراسي:

“كانت كتبه مؤثرة بشكل واسع في علماء الرياضيات اللاحقين أمثال إيمابلوخوس [3]Iamblichus والعالميين اسكليبيوس Asclepius وفيليبينوس [4]Philoponus ويعد الخطيب والأديب والفنان لوسيان [5]Lucian أحد المعجبين به الذين استخدموا اسمه كأحد شخصياتهم في خطاباته الشهيرة في روما وأشاروا إليه بوضوح كأحد مشاهير الرياضيات في عصره بقوله: “إنك تحسب الأرقام مثلما يحسب نيكوماخوس” [6]

كان نيكوماخوس الجيراسي سباقا لكثير من العلماء اليونان والرومان أمثال نيمنيوس Numenius [7]وإدوراس Eudorus[8] وهما من علماء نظرية فيثاغورس الذين لم يكتبوا مصنفات علمية مكتملة؛ كتب نيكوماخوس الجراسي أربعة مصنفات علمية ظل منهما اثنان موجودان حتى اليوم.

كتابه الأول “مقدمة في علم الرياضيات” وقد شرح فيه النظرية الفيثاغورية وأهميتها في عالم الرياضيات والعلوم. ترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية لوسيوس أبوليوس [9]Lucius Apuleius

وفقدت ترجمته فقام العالم أنسيوس Ancius بإعادة ترجمته في القرن الخامس ميلادي وتم اعتماده كمنهج تدريسي حتى عصر النهضة الأوروبية أي لأكثر من ألف عام. احتوى الكتاب على بعد فلسفي مهم، فقد عد نيكوماخوس الجيراسي علم الرياضيات الفاصل بين البعد الروحي والبعد العقلاني للعالم. احتوى الكتاب على أسس نظرية الأرقام الأولية وأبكر جداول الضرب المكتوبة بالعربية. وكان كتابه هذا أحد أهم الكتب التي جرت ترجمتها إلى العربية مرات عديدة في العصور الإسلامية الوسيطة.

لنيكوماخوس الجراسي كتاب آخر بعنوان “كتيب الأصوات” وشرح فيه نظرية الأصوات عند فيثاغورس ونظريات الموسيقى عند أرسطو. وقد اعتمد على صدفة مع عدد من المطارق الحديدية في دراسته وتأليفه لهذا الكتاب.

وله كتاب آخر تحت عنوان “مقدمة في الرياضيات” ويدور حول الخصائص الروحية للأرقام ولم يتبق منه للأسف سوى بضعة رسائل. وهناك كتاب “حياة فيثاغورس” الذي لم يصلنا سوى ذكره من الكتب الأخرى التي اعتمدته كمرجع عن حياة فيثاغورس.

الدين في جراسا

إن تتبع الدين ومظاهر الدين أحد أهم الوسائل التي تقيس حضارة وثقافة أي شعب. ويشكل الدين ركيزة أساسية في المجتمع الأردني في جراسا في عهد الديكابولس، فقد كانت مركزا دينيا في المرحلتين الأساسيتين اللاتي مرت فيهما: الوثنية والمسيحية.

مرحلة الوثنية

تمتد المرحلة الوثنية من عصور ما قبل التاريخ وصولا إلى القرن الأول الميلادي.  حيث يقول (ك. كوندر) بأن عبادة الحجارة والرجوم الصخرية كانت العبادة الأكثر شيوعا في جراسا في عصور ما قبل التاريخ والعصور الحجرية الأولى. وقد اعتمد كوندر على وجود الكثير من الرجوم الحجرية في جراسا وفي سوف وكفر خل وغيرها من القرى المجاورة (شهاب: 1989)

أما في العصور الكلاسيكية، كانت الوثنية في جراسا خليطا من الآلهة اليونانية (آلهة الأولمب) والآلهة الرومانية بسبب تعاقب الحضارتين عليها. فشاعت عبادة جوبيتر إله السماء وميركوري إله التجارة والسفر ونبتون إله البحر وفينوس آلهة الحب والجمال وباخوس إله الخمر وهم من الآلهة الرومانية وعبدت أرتميس الآلهة اليونانية الأهم على الإطلاق فهي ابنة زيوس كبير آلهة الأولمب وراعية الأطفال وسيدة الصيد والبرية وقد بني لها في جراسا معبد فريد من نوعه.

في الفترة المتأخرة من حكم الإمبراطورية شاعت عبادة الأباطرة الرومان فبني هيكل هرقل في جبل القلعة في فيلادلفيا (عمان). ورغم ظهور المملكة اليهودية الحشمونية واليهودية المكابية في المشرق إلا أن مدن الديكابولس الأردنية لم تَمِل إلى اليهودية، وكانت مدنهم تميل دوما للطابع الهلنستي والروماني في الدين ومختلف مظاهر الحضارة. وتذكر  المصادر التاريخية محاولات الملك الحشموني اليهودي الكسندر  السيطرة بالقوة على مدن الديكابولس الأردنية وفرض الهوية اليهودية بالزي والدين ولكن محاولاته لم تنجح فعمل على تدمير المدن في الفترة الممتدة بين 80-84 ق.م. حتى جاء الإمبراطور بومبي عام 64 ق.م وأعاد إحياء وإعمار مدن الديكابولس مخلصا إياها من اضطهاد الحشمونيين.

مرحلة المسيحية

مع بزوغ المسيحية من المشرق، بدأت مدن الديكابولس الأردنية باعتناقها منذ القرن الأول الميلادي تدريجيا حتى أصبحت مدنا مسيحية بشكل كامل. ويذكر الكتاب المقدس المدن العشرة عدة مرات ففي إنجيل متى 4:25 (تبعته جموع كثيرة من الجليل والعشر مدن وأورشاليم واليهودية وعبر الأردن[10]) وفي الكتاب المقدس قصص كثيرة عن جولات المسيح ومعجزاته في مدن الديكابولس كمعجزة إدخال الأرواح الشريرة في أجساد الخنازير ومعجزة شفاء المجنون وغيرها.

ترافق انتشار المسيحية مع صعود نجم الأردنيين الغساسنة الذين شكلوا حكومة مركزية تجمع مدن الديكابولس الأردنية الحرة تحت ظل حكومة مركزية تتكفل بحفظ طرق التجارة والتنقل وتحمي الأردنيين المسيحيين من اضطهاد الإمبراطورية الرومانية وقد اعتنق الغساسنة المسيحية بإخلاص وكانوا من أشد المدافعين عنها فيما تلا من القرون.

مع انتشار المسيحية واعتناق المزيد لها، بدأت الإمبراطورية الرومانية بتطبيق سياسة الاضطهاد الديني على كل معتنقي الديانة الجديدة. وقد قدمت الأردن آلاف الشهداء الذين حاربوا من أجل حرية العقيدة وما زال ذكرهم خالدا حتى الآن مثل  القديس جراسيموس الأردني والقديسان زينون وزيناس والقديس إليان العماني والقديسان قزمان ودميان الذين بنيت لهما كنيسة كبيرة في جرش. وقد وجد ما يدعم صمود الأردنيين المسيحيين في جراسا مثل وجود عدد من الرسوم على الفخار كرسم السمك الذي يعد رمزا وضعه المسيحيون الأوائل ليعني “المسيح ابن الله” وقد وجد في مدفن في جراسا  سراج فخاري يحمل هذا الرمز ويعد سراجا متفردا لم يكتشف الباحثون مثله حتى الآن. (شهاب: 1989)

القديس جراسيموس الأردني
(القديسان زينون وزيناس، من رسم جداري في كنيسة الراعي الصالح في مركز سيدة السلام، عمان، الأردن)

واستمر الحال على ما هو عليه حتى عام منتصف القرن الرابع ميلادي حيث أمر الإمبراطور قسطنطين باعتماد الدين المسيحي دينا رسميا للإمبراطورية البيزنطية. [11]كان للأردنيين الغساسنة دور كبير في حفظ أمان  مدن الديكابولس الأردنية عبر استغلال العلاقات السياسية التي ربطتهم مع الأباطرة الرومان أمثال الإمبراطور جوستنيان والإمبراطورة ثيودورا في القرن الخامس الميلادي الذي شهد أقصى حالات الرخاء والأمان في جراسا وسائر مدن الديكابولس الأردنية.

الإمبراطور الروماني جستنيان الذي أعجب بقوة المرأة الغسانية فسمى ابنة أخيه أرابيا

ازدهرت في عهد الأردنيين الغساسنة عمارة الكنائس والأديرة وتم تحويل العديد من المعابد الوثنية في المدينة إلى كنائس فمعبد باخوس- ديونيسيوس  إله الخمر  تحول في القرن الرابع الميلادي  ليكون أول كاتدرائية في المدينة ومن أقدم الكنائس في الأردن. وقد بنيت العديد من الكنائس فيما بعد، ويمكننا من النصوص التاريخية معرفة أن مطران جراسا أكسرسيوس والمطران بلاكوس  قد مثلا الأردنيين المسيحيين في جراسا في المجامع الدينية المسكونية[12] التي عقدت في القرن الرابع والخامس الميلادي.

 وسنناقش في الجزء الثاني من بحث جراسا العمران والكنائس الكثيرة التي بنيت تكريما لذكرى القديسين والكهنة والشهداء.

الخاتمة

تعرضت جراسا للعديد من حملات الغزو فعام 300 ميلاي غزاها الساسانيون ولكن الإمبراطور ديوكليسيان حرك جيشا وحررها وأعاد إعمارها. وعام 614 ميلادي، غزاها الفرس ودمروها ولكن أعيد إعمارها، كما تعرضت لزلزال في منتصف القرن الثامن. ورغم ذلك أثبتت جراسا جوهرة الديكابوليس الأردنية حبها وتمسكها بالحياة فهي لا زالت إلى اليوم ماثلة أمامنا بحضارتها العريقة.

المراجع

  • شهاب، أسامة (1989) جرش تاريخها وحضاراتها. دار البشير للنشر: عمان، الأردن
  • العقيلي، رشيد (1973) المسارح في مدينة جرش الأثرية، منشورات دائرة الثقافة والفنون الأردنية: عمان، الأردن
  • جراسا والديكابولس، موسوعة التراث غير المادي، موقع وزارة الثقافة الأردنية
  • الجغرافيا التاريخية لمدينة جرش، ، موسوعة التراث غير المادي، موقع وزارة الثقافة الأردنية
  • موسوعة جرش المعرفية، إصدارات بلدية جرش
  • الموقع الجغرافي لمدينة جرش موسوعة التراث غير المادي، موقع وزارة الثقافة الأردنية
  • جرش في عصور ما قبل التاريخ، موسوعة التراث غير المادي، موقع وزارة الثقافة الأردنية
  • في القافلة المنسية، تاريخ وأعلام الأردن، نيكوماخوس الجراسي، صحيفة البنك الاستثماري
  • نيكماخوس الجراسي عالم الرياضات والفيلسوف الجرشي الذي أشغل العالم القديم بعلمه وفلسفته، (2015) مقال منشور على موقع زاد الأردن

[1] الحيثيون شعوب هندو أوروبية سكنت المشرق 3000 عام قبل الميلاد في نفس فترة الحضارة السومرية. للمزيد انظر https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D9%8A%D8%AB%D9%8A%D9%88%D9%86

[2] البطالمة هم عائله من أصل مقدونى نزحت على مصر بعد وفاة الإسكندر الأكبر سنة 323 ق. م ، حيث تولى أحد قادة جيش الإسكندر الأكبر وهو “بطليموس” حكم مصر للمزيد انظر https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%B7%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A9

[3] فيلسوف وعالم من مواليد قنسرين في سوريا ولد في منتصف القرن الثالث للمزيد انظر https://en.wikipedia.org/wiki/Iamblichus

[4] من علماء القرن السادس الميلادي للمزيد انظر https://en.wikipedia.org/wiki/Asclepius_of_Tralles

[5] كاتب وفنان اشتهر بالخطابة وهو من مواليد القرن الثاني الميلادي. للمزيد انظر https://en.wikipedia.org/wiki/Lucian

[6] نشر هذا النص في موسوعة جرش المعرفية – وزارة الثقافة. في صحيفة عمون الإلكترونية https://www.ammonnews.net/article/435824 وفي صحيفة زاد الأردن http://www.jordanzad.com/index.php?page=article&id=221469

[7] فيلسوف إغريقي عاش في سوريا في القرن الثاني الميلادي. للمزيد انظر https://en.wikipedia.org/wiki/Numenius_of_Apamea

[8] عالم يوناني عاش في الإسكندرية ودرس نظرية فيثاغورس وكان مهتما بفلسفة أفلاطون https://en.wikipedia.org/wiki/Eudorus_of_Alexandria

[9] كاتب وشاعر ومترجم وفيلسوف أفلاطوني ولد في منتصف القرن الثاني للمزيد انظر https://en.wikipedia.org/wiki/Apuleius

[10] يشار دوما في الكتاب المقدس لأرض الأردن بـ (عبر الأردن) أي ما وراء نهر الأردن

[11] يعد عام 324 ميلادي عاما فارقا حيث تم نقل عاصمة الإمبراطورية الرومانية من نيقوميديا إلى بيزنطة (القسطنطينية) وتم اعتماد المسيحية كدين رسمي للإمبراطورية، وبهذا تكون الإمبراطورية الرومانية قد انتقلت من المرحلة الرومانية إلى البيزنطية أو ما يسمى الإمبراطورية الرومانية الشرقية. للمزيد انظر https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B2%D9%86%D8%B7%D9%8A%D8%A9

[12] هي  سبع مجامع دينية مسيحية هدفت لإقرار العقيدة المسيحية وأدت لانفصال الكنيسة السريانية والأرثوذكسية المشرقية عن الكاثوليكية البيزنطية.  للمزيد انظر https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%83%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A8%D8%B9%D8%A9

مدن الديكابولس الأردنية : جراسا جوهرة الديكابولس الأردنية- الجزء الأول

مقدمة

أبيلا (حرثا)، المدينة التي أضاء زيتها قناديل روما، إحدى مدن الديكابولس الأردنية الثمانية وواحدة من أهم المراكز التجارية والزراعية في العالم القديم. في هذا البحث من سلسلة مدن الديكابولس سنسلط الضوء على مدينة أبيلا في الحقبة الكلاسيكية ونناقش جوانب تطورها وازدهارها في زمن الأردنيين الغساسنة الذي اعتنوا أيما اعتناء بمدن الديكابولس الأردنية.

الموقع والطبوغرافيا

تقع أبيلا شمال الأردن على الحدود الأردنية السورية، وتتبع إداريا لبلدية الكفارات، لواء بني كنانة. تبعد  18 كيلو عن مدينة إربد. يحد المدينة من الشمال نهر اليرموك (5 كلم) وهو أحد أهم مصادر المياه بالنسبة لها. ترتفع أبيلا 440 متر عن سطح البحر. تتألف المدينة من ثلاثة مناطق وهي أم العمد وتل أبيلا، ووادي أبيلا (القويلبة). (Khries: 2010) فهي متنوعة التضاريس ما بين السهل المنبسط والتل الخفيف والوادي، مما أكسبها مزيدا من الأفضلية في الزراعة والحصاد المائي.

إطلالة على وادي أبيلا وتل أبيلا حيث تنتشر أشجار الزيتون المعمرة

التسمية

أبيلا هو الاسم الروماني لمدينة حرثا وقد جرى استخدامه بالعربية على حاله دون تغيير. أما الاسم أبيلا فهو تحوير للاسم العبري (تل أبيل /هابيل) والذي يعني التدفق الدائم أو مجرى المياه أو القناة المائية وهذا يوافق الطبيعة الطبوغرافية لأبيلا التي تمتلك مصدر مياهها الطبيعي والمتجدد: عين القويلبة؛ والتي يأتي اسمها من الكلمة العربية “القليب” وتعني البئر و”قويلب” تصغير البئر.  ولهذا يرجح  المستكشف جلوك أن تكون مدينة أبيلا هي موطن نبوءة النبي إيليا المذكور في العهد القديم وذلك لأنها تطابق المواصفات المذكورة في العهد. وربما يمنحنا هذا تصورا عن المكانة التي حظيت بها هذه المدينة في العصور السالفة. [1]

أما الاسم الحالي (حرثا) فهناك نظريتان الأولى أنه عربي من الجذر (حرث) ويعني قلب التربة لتجهيزها للزراعة وهو يناسب طبيعة المدينة وما اشتهرت به من إنتاج زراعي وفير.[2] وترجح نظرية أخرى أنه اسم سرياني يعني “ديار الحارث” والحارث هو أشهر ملوك الأردنيين الغساسنة.

أبيلا عبر التاريخ

كانت المدينة مأهولة بالسكان منذ العصر الحجري القديم (2 مليون سنة-12 ألف سنة ق.م) بتعداد سكان بسيط حتى العصر النحاسي (3300- 4250 ق.م.) بعدها بدأ التعداد السكاني بالزيادة في العصور البرونزية والحديدية ولكنه عاد للانخفاض. أما لاحقا فتشير المصادر التاريخية والنقوش أن عدد سكان أبيلا كان كبيرا جدا في العصور البيزنطية وهذا يوافق مكانة المدينة التجارية والصناعية في العهد الغساني. (Khries: 2010) ظلت أبيلا مأهولة وبكثافة عالية حتى في العصور الإسلامية، خصوصا الأموية والعباسية ولكنها هجرت تماما في العصر الفاطمي والأيوبي والمملوكي، وجاء الاحتلال العثماني فظلت مهجورة أيضا نتيجة لسياسات الاحتلال الغاشمة، في فترات لاحقة صار أغلب سكانها من البدو الأردنيين، أما في الوقت الحاضر فهي قرية صغيرة.

كان أول من اكتشف مدينة أبيلا الأثرية هو المكتشف الألماني سيتزن وهو مكتشف مدينة جراسا (جرش) أيضا. في الخامس والعشرين من شباط عام 1806 وصل سيتزن إلى تل أبيل (تل أبيلا) وكانت المدينة في حالة دمار كبيرة.  تعاقبت حملات الاستكشاف والتنقيب عن الآثار في أبيلا، فعام 1879 زار المدينة المستشكف ميرل وكتب عنها في كتابه “شرق الأردن”، وعام 1888 زارها المستكشف شوماخر ووثقها في مقالاته العلمية. في القرن العشرين بدأت دائرة الآثار تنقيباتها عام 1959، ومن ثم بدأت حملات التنقيبات من الجامعات العالمية كجامعة  لويس الأمريكية. ظلت الحملات التنقيبية تتوالى حتى عام 2004 وأسفر عنها اكتشاف المدينة الأثرية بأكملها. (Khries: 2010)

حلف الديكابولس

انطلقت فكرة الديكابولس في الحقبة الهلنستية لغايات تنظيمية سياسية، ومن ثم اكتسبت أهمية عسكرية عام 64 ق.م.  عندما اتخذها الإمبراطور الروماني بومبي كحصن دفاعية في المشرق. تعني “ديكا” العشر أما بوليس  فتعني “المدن” ومجتمعة تعني مدن الحلف العشرة. ضمت المدن العشر في البداية (جراسا (جرش) ، فيلادلفيا (عمان)، جدارا (أم قيس)، كانثا (أم الجمال)، هيبوس (الحصن)، دايون (ايدون)، بيلا (طبقة فحل)، سكيثوبوليس (بيسان)، أبيلا (حرثا)، دمشق، وبوسطرا (بصرى))  وكما نرى ثمان منها أردنية ثابتة، لاحقا انضمت مدن أخرى كجادورا (السلط) وبيت راس.

خريطة توضح مدن الديكابولس الأكثر شهرة ثمان منها أردنية

في زمن الأردنيين الغساسنة، تدعمت فكرة المدن العشرة ذات الاستقلال والحكم الذاتي بينما كان الغساسنة يشكلون حكومة مركزية بين تلك المدن. لاقت هذه المدن اهتماما بالغا من قبل الأردنيين الغساسنة، فأصبحت مراكز تجارية على طول خطوط القوافل في الطرق التجارية القديمة وتلك الطرق التي استحدثوها هم بذكائهم وحنكتهم.

الزراعة في أبيلا

 أجريت الكثير من الاختبارات على تربة أبيلا، ولم تظهر النتائج تغيرا في المناخ. أما العينات النباتية فقد اشتملت بشكل أساسي على الزيتون والقمح والدخن والعنب والعدس والكزبرة (Mare: 1984).

 علميا، تصنف تربة حوض اليرموك بأنها من نوع “تيرا روسّا Terra Rossa” وتتصف بالكتلة الكبيرة والقدرة الاستيعابية العالية للماء مما يسمح لها بأن تكون شديدة الخصوبة حتى في فترات جفاف الصيف. غالبا ما تكون تربة تيرا روسا خصبة بالرغم من فقر المصادر المعدنية ويصنفها الباحث (fisher: 1971) والباحث (Bender: 1974) بأنها التربة الأكثر ملائمة لزراعة الزيتون والمحاصيل. وهي كما لاحظ الباحثون، التربة الأكثر تواجدا في أراضي مدن الديكابولس. أما النوع الثاني من التربة فهي تربة “رندزينا Rendzina” وهي تربة جافة خفيفة أقرب للون الأصفر ولها قدرة استيعابية عالية للماء وخصوبة ممتازة وغالبا ما يفضلها المزارعون الأردنيون لكونها هشة وخفيفة للحراثة. (Orni and Efrat:1973)

وتوافرت مصادر الماء بشكل طبيعي ومتجدد وكان أهمها عين القويلبة التي تقع على بعد حوالي كيلومتر واحد إلى الجنوب من الموقع الأثري للمدينة. ويتدفق تيارها إلى الشمال ثم يتحول إلى الشمال الغربي قليلاً، ويصب في نهر اليرموك وفي النهاية إلى نهر الأردن. [3] إضافة لاستخدام الوادي كسد طبيعي لأغراض الحصاد المائي.

خريطة تقسم المواقع الأثرية في أبيلا ويظهر فيها التل والوادي (khries: 2010)

ساهمت كل هذه العوامل الطبيعية إضافة لذكاء وحنكة الأردنيين الغساسنة في التجارة إلى جعل مدن الديكابولس عامة ومدينة أبيلا خاصة مركزا تجاريا وزراعيا مهما في المنطقة لدرجة أنها سميت “قنديل روما”. بحسب المصادر التاريخية، كانت أبيلا مركزا لصناعة زيت الزيتون وتجارته، فلم تكن فقط تشتهر بجودة زيتها إلا أنها كانت مركزا تبعث إليه المدن إنتاجها من الزيت ليتم تصديره إلى روما. [4]

ظلت أبيلا تشتهر بكونها من يضيء زيتها روما حتى وقتنا الحاضر حيث تساهم بشكل كبير في مجمل إنتاجية لواء بني كنانة في إربد والذي بلغ 19 ألف طن في عام 2015. وقد أوردها عدد من المؤرخين في كتبهم فيقول المؤرخ العربي ابن خرداذبة: ( من كور الأردن طبرية… كورة آبل الزيت)

وذكرها أيضا الحازمي فقال (ناحية من كور الأردن ، ويذكر ياقوت الحموي في كتابه ( معجم البلدان) أن “آبل الزيت هي القويلبة / حرثا التي تقع بالأردن على مشارف طبريا”، ويذكر المؤرِّخ مصطفى مراد الدبَّـاغ أنها تقع في لواء إربد بالأردن واطلق عليها اسم (آبل الزيت) لجودة الزيت الذي تنتجه كروم أشجار الزيتون التي تـُغطي أراضيها. [5]

آثار أبيلا

بنيت أبيلا على غرار مدن الديكابولس الأردنية الأخرى أمثال فيلادلفيا (عمان) وجراسا (جرش) فهي تتكون من شارعين رئيسيين (كاردو وديكيمانوس) ومدرجات وساحة عامة وأضرحة وكنائس.  إضافة لثلاث قنوات للماء تغذي المدينة ويسمى هذا الطراز المعمار “هيبودامي”. أما المسح الذي أجراه الباحثون على النظام الهيدروليكي والجوفي فقد كان صادما حيث أن النظام المائي للمدينة بالغ في التعقيد والسعة. [6] وللأسف فقد دمر زلزال 749 م. الكثير من معالم المدينة ومبانيها.

مخطط عام لأبيلا يظهر فيها الشارعان الرئيسان (Khries: 2010)

الكنائس

أزالت التنقيبات اللثام عن أكثر من كنيسة أربعة منها تندرج تحت نمط البازيليكا المعماري وهو طراز معماري خاص بكنائس تلك الحقبة يتميز ببناء مستطيل.

كنيسة أم العمد: اكتشفت كنيسة أم العمد في منطقة أم العمد في أبيلا وقد بنيت في القرن السادس ميلادي، وهي كنيسة على طراز البازليكا بأبعاد 20×34 متر، وفيها ثلاثة ممرات، وهي محاطة بالأعمدة الكورنثية (المبنية على الطراز الروماني) تشبه كنيسة أم العمد كنيستي القيامة والمهد في فلسطين. حيث تتكون من صالة وسطى بعرض 10 متر ويفصل صفان في كل منهما 12 صف، أما الهيكل فهو من ثلاثة محاريب نصف دائرية متجاورة. وللكنيسة ثلاثة أبواب وشرفة  تشير بعض الدلائل أن الكنيسة كانت من طابقين. وفي الكنيسة أرضية فسيفسائية بديعة ذات أشكال هندسية ويرجح أن الجدار الشرقي كان مزدانا بالفسيفساء أيضا. (قاقيش: 2007)

كنيسة التلة: وهي كنيسة مستطيلة تتكون من صالة وسطى وجناحين ولها ثلاثة محاريب، بنيت الكنيسة  من الحجرين الكلسي والبازلتي. وقد كان البناء مسقوفا بدلالة آلاف قطع القرميد التي وجدت على الأرض. وقد عثر على بقايا بناء قديم قد يكون معبدا رومانيا. رصفت الأرضية بحجارة بازلتية سوداء وكلسية بيضاء قصت بشكل هندسي، يرجح بناء الكنيسة في القرن السادس ميلادي (قاقيش: 2007)

عينة من فسيفساء أبيلا المكتشف بالكنائس (Khries:2010)

كنيسة المجمع المدني: الكنيسة مستطيلة بأبعاد 30.50×17.20 متر ولها جناحان شمالي وجنوبي ويقسمها من الداخل صفان من الأعمدة. الكنيسة كبيرة وبها عدة مرفقات كثلاثة محاريب ومدخل مهيب وأدراج وغرف وحمام ومدافن أضيفت في القرنين السادس والسابع الميلادي. وما يميزها وجود كرسي الأسقف بارتفاع 1.40 متر، كما وجدت فيها منحوتات عديدة وزخارف كالصليب وزهرة التوليب والأكباش وصولا إلى فسيفساء زجاجية وعدد وافر من المسكوكات والفخاريات. (قاقيش: 2007)

الكنيسة الغربية:  قياسات البناء 32.40×19.80 متر والكنيسة مستطيلة فيها جناحين شمالي وجنوبي، عثر فيها على قرميد دلالة على كونها مسقوفة كما عثرت التنقيبات على فسيفساء زجاجية تصور الحيوانات والنباتات وجدران مكسوة بطبقتين من الجص ويرجح بناؤها في القرن الخامس أو السادس ميلادي. (قاقيش: 2007)

الكنيسة الشرقية: تتراوح أبعاد بناء الكنيسة 15.60×14.90 متر وفيها صالة وسطى وجناحين كالكنائس السابقة. ولها باحة واسعة وبركة سداسية الشكل. الحجارة التي بنيت منها الكنيسة متقنة الصنع ومشذبة بشكل جيد، كما أن الجدران متقنة ومغطاة بالجص. الأرضيات مكسوة بالرخام. كما عثر على كرسي للأسقف يعلو عدة درجات. كما عثر على بقايا لمنبر الأسقف إضافة لفسيفساء زجاجية، يرجح أن الكنيسة قد بنيت نهايات القرن الخامس الميلادي. (قاقيش: 2007)

كنيسة الوادي وتظهر الأعمدة الكورنثية (Khries: 2010)

كنيسة (المنطقة DD): تقع الكنيسة في الوادي على الجهة الجنوبية من تل أبيلا، وهي مستطيلة بثلاثة محاريب وتشبه في تخطيطها الكنائس السابقة، من المرجح أن حجارتها استخدمت في بناء كنيسة أخرى وأفضل ما وجد فيها هو المصابيح الزجاجية التي كانت تعلق لإضاءة الكنيسة. (قاقيش: 2007)

سبيل الحوريات

اكتشفت بقايا سبيل حوريات في أبيلا، وسبيل الحوريات هو مزيج بين الجمنازيوم (القاعة الرياضية) والحمام الساخن ويستخدم لأغراض الترفيه والاستجمام وهو مبنى متواجد في تخطيط أغلب مدن الديكابولس الأردنية. لسبيل الحوريات في أبيلا حوض مائي أسفله يستخدم للتخزين وهو متصل بقناة مائية يعتقد العلماء بأنها متصلة بقناة أخرى رئيسة. (Khries: 2010)

إحدى القنوات المائية التي تتصل بسبيل الحوريات (Khries: 2010)

المدافن

بسبب تعاقب الحضارات على أبيلا، وجدت العديد من المدافن التي تعود لحقب مختلفة، ولكن أهمها تلك التي تعود للحقب الكلاسيكية خصوصا الرومانية والبيزنطية. اكتشفت أكثر من 25 مقبرة تعود لتلك الفترة، وكلها تتبع ذات الطراز “الفريكسو” أو التصوير الجصي الذي يستخدم فيها الجص لتشكيل زخارف ورسوم. تتباين الزخارف والرسوم بين التصويرات البشرية والحيوانية والنباتية والأشكال الهندسية. (Khries: 2010)

الخاتمة

استعرضنا في هذا البحث أبيلا، مدينة الديكابولس المميزة التي تشتهر إلى الآن بزيتها عالي الجودة. كان للمدينة تاريخ طويل من الاستيطان البشري منذ العصور الحجرية وحتى يومنا هذا. تخبرنا آثار مدينة أبيلا أنها كانت مدينة عظيمة الشأن رغم الزلزال الذي دمر معالمها ورغم الهجران التي عانت منها لقرون.

المراجع العربية

المراجع الأجنبية

  • Luke. B. (2008), soils and land in the Decapolis region-
  • Shahid, I. (2009) Social History Vol2, Part 2 Dumbarton Oaks, Harvard University. –
  • Jhon Brown University, Abila Archeological Project –
  • Khries, N. (2010) Geoenviromnetal Evaluation in Abila Archeological site (Um Al Amad basilica) master Thiess in Applied and environmental geology, Aristotle University.

[1] المصدر السابق نفسه.

[2] انظر  معجم المعاني https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%AD%D8%B1%D8%AB%D8%A7/

[3] المصدر: مشروع تنقيبات جامعة جون براون الأثرية في أبيلا، للمزيد انظر Jhon Brown University, Abila Archeological Project

[4] للمزيد راجع بحث قنديل روما على موقع إرث الأردن http://jordanheritage.jo/1725-2/

[5] المصدر السابق نفسه.

[6] المصدر السابق نفسه.

مدن الديكابولس الأردنية : أبيلا المدينة التي أضاء زيتها قناديل روما

مقدمة

تعتبرُ الجوفية من الألوان الغنائية التي لاقت انتشارًا في مختلف مناطق الأردن، من شماله لجنوبه، وهي من الألحان النشطة وذات الطابع الذكوريّ، ويرافقُ أداءها رقصة خاصّة تُعرَفُ بنفس الاسم دون مرافقة الآلات الموسيقيّة الشعبيّة، وبالرغم من الإشارة إلى الجوفيّة أحيانًا على أنّها من ألوان الغناء البدويّ، إلا أن واقع انتشارها يؤكد انتشارها أيضا في مجتمعات ريفيّة ومدنيّة.

التسمية

تشير المراجع والأبحاث إلى أن تسمية الجوفيّة ترتبط بمنطقة الجوف الواقعة الى الجنوب من الأردن، وهي من المناطق التي كانت تعتبر سكنًا شتويًا – أراضي التشريق – للكثير من القبائل الأردنيّة لفترات طويلة، ومن الجوف إلى كافة مناطق الأردن مرورًا بالأقاليم الوسطى وصولاً للمناطق الشماليّة، انتشرت الجوفيّة لاسيّما في القرن العشرين حيث ساهمت قوات الثورة العربية الكبرى والتي كانت خطوط سيرها تنطلق من الجنوب نحو الشمال، بنقل الكثير من الجوفيّات ونشرها بين الناس، خصوصًا وأن الجوفيّة من الألوان الغنائية الاكثر حماسيّة والأقرب لأجواء الحروب والمعارك.

الرقصة

تؤدّى الجوفيّة مع رقصتها الخاصة والتي صفتها أن تتقابل مجموعتان من الرجال تفصل بينهما مسافة معقولة تسمح لكل مجموعة أن يخرج منها رجلٌ حاملٌ للسيف أو العصا يمارسان الاستعراض الحربيّ في التقاء وانفصال متكرر بين الراقصين، وتبدأ المجموعتان بالغناء وترديد أبيات الشعر الغنائيّة الخاصة بالجوفيّة والسير بخطىً متزنة ضمن حلقة دائريّة يستمر فيها الدوران حتى نهاية الأغنية. وتتميّز رقصة الجوفية بالحركات الأدائية التي إذا ما أمعنّا في تحليلها نجدها تجمع بين الرقص الريفي “الدبكات” والرقص البدوي “السحجة” في آنٍ معًا وتشكّل مزيجًا بينهما بصورة لا تدع مجال للشك أن ذلك ساهم أكثر بانتشارها في مختلف المجتمعات.

ويجدر التسؤل هنا؛ أيهما نشأ قبل الآخر؟ الغناء أم الرقص؟ وهو ما يقود المتأمّل بتسمية هذا الفن إلى استنتاج ضمنيّ مفاده أن الرقصة هي التي نشأت في الأساس وأعطيت اسم “الجوفيّة”، والتصق بأدائها مجموعة من الألحان التي تناسبت مع إيقاع الرقصة، ولو كان الاسم مرتبط بالغناء أكثر من الرقصة لكان اسمه “جوفيّ”، كالهجيني والشروقي.

السمات الفنية والأدائيّة

لحنيًا : تتنوّع وتتعدّد ألحان الجوفيّات المنتشرة في الأردن والجوار، ولكنها جميعًا تتميّز بالقوّة والسياقات اللحنيّة التي تعبّر عن حالةٍ احتفاليّة طاغية، وهذا ما يجعلها في وقتنا الحاضر الرقصة الأكثر شهرةً بين طلبة الجامعات الأردنيّة في حالات الاحتفال التي تعقب التخرّج والفوز في الانتخابات الطلابية. وتؤدّى الألحان بالتكرار والترديد ما يجعلها أقرب إلى الهتاف الملحّن.

إيقاعيًا : بالرغم من عدم استخدام أي آلات موسيقية أثناء أدائها، إلا أن الجوفيات تعتبرُ من الأغاني الموزونة إيقاعيًا بعكس بعض ألحان الهجيني وجرّات الربابة التي تكون غير موزونة وأقرب إلى الموّال، ويكون الإيقاع الذي يرافقها صادر عن ضربات أقدام الراقصين، وهذا مثال واضح على الممارسات الإيقاعيّة التي سبق وأن قدمناها في بحثٍ سابق – بحث الممارسات الإيقاعيّة في الأردن – ، والتي تُستخدمُ فيها أساليب غير موسيقيّة لإصدار أصوات إيقاعيّة توضّح الوزن الموسيقي للغناء وتضبطه.

شعريًا : ككل الألوان الغنائيّة الأردنيّة، تتنوّع المواضيع والأشعار والأوزان الشعريّة تبعًا للمناسبة، وقد أبدى الإنسان الأردني عبر التاريخ سلوكًا فطريًا قلّ نظيره؛ وهو تطويع الأوزان الشعريّة والألحان بحسب المناسبة والوقت المعاصر، وهذا ما انعكس على الجوفيات تنوّعًا في المواضيع التي تتناولها أشعارها الغنائيّة. ومن خلال تحليل نماذج مختلفة من الجوفيات الشهيرة نجد في مفرداتها تنوّعاً يعكس انتشارها في مختلف المجتمعات البدوية والريفية والمدنية في الأردن، مع الأخذ بعين الاعتبار التداخل الكبير بين الأنماط الاجتماعيّة الثلاثة في الأردن. فتارة نجد تشبيهات مأخوذة من بساتين الرمّان والمشمش والتفّاح، وتارة نجد مفردات غزليّة تُبرز جماليّات اللباس البدوي.

نماذج

من الجوفيات الغزليّة التي انتشرت واشتهرت في الأردن، جاءت على شكل حوارٍ بين عاشقين، فتقول الفتاة :

يا نجم يلي بالسما واسمك سهيل .. بالله وان شفت الولف دلّه عليّا

قلّه المفتاح بطاقة البيت .. وان ما لقى المفتاح ينده عليّا

فيجيب الشاب :

ظلّيت أنادي وأطرق الباب بالسيف .. عيّوا يا باب هلك لا يفتحولي

وتسألني من هو اللي بالباب قلت ضيف .. ضيف يريد القرب لو تسمحولي

فتجيبه الفتاة :

يا من يقول لهلي عندنا ضيف .. ضيف يدوّر كحيلات العين

والله لافتح للواقف ورا الباب .. والله ولافتحو لو هلي قطّعوني

وبعد هذا الحوار يقوم الشاب بوصفها لصديقه قائلاً المقاطع الغنائية التالية الشهيرة :

وعيونها يا خوي وتقول تفّاح .. تفاحة على أمها مستوية

وعيونها يا خوي وتقول فنجان .. فنجان من القهاوي ممتليّة

ونهودها يا خوي وتقول رمّان .. رمّانة على أمها مستويّة

وقرونها يا خوي وتقول حنشان .. بأرض الفلا كن هاشن عليّا

كحل الغوا يا طير مسحون بالهاون .. مازون بالميزان ربع الوقيّة

ومن الجوفيات ذات الطابع الحواري ما جاء فيها نصيحة المجتمع للفتاة العزباء :

يا طايحة تغسّلي في اقصيبة الغليون .. لا تأمنّي للعزب ترى العزب مجنون

يا طايحة تغسّلي في اقصيبة المشمش .. لا تأمّني للعزب ترى العزب يكمش

فيعاتب الشاب الفتاة قبل أن تلقي بالها للنصيحة قائلاً :

والله لعاتبك ما انا عليك جاحد .. قلبي وقلبك سوا مفتاحهن واحد

يامن لقى محرمة بالسوق مرمية .. شريتها بأربعة وبرطيلها ميّة

فتصرفه الفتاة قائلة :

يا قويعدٍ ع الرّجم هيلك ينادونك .. قلبي يحبّك واهلي ما يريدونك

وش جيّب العبد يرقد بمنام سيده .. يستاهل الذبح وفوق الذبح قطع ايده

يا قويعدٍ ع الرجم تحتك نهر يجري .. انت سبب علّتي والناس ما تدري

ومن الجوفيات الغزلية ما جاء على لسان العسكريّ الأردني مخاطبًا صديقه ويبث له شكواه من الحب :

راكبٍ اللي كنّها رف القطاة .. شالت العدّات والعدّة قويّة

يابو فلان يا زبون الملزماة .. من يقولن للخوي خلّي خويّه؟

قاعدن بالدار لشوف البنات .. ما ركبت مدرّعة بأول سريّة

وان كان خِلّي صدّني يا كثر البنات .. مير عذر القلب والعلّة خفيّة

ومن الجوفيات التي يُعتقد انها قيلت في أواسط القرن الماضي، يتغزّل بها الشاعر في محبوبته التي من مدينة الفدين (المفرق لاحقًا) :

عيني ظبية ربّعت بأرض الفدين .. قادت الغزلان والرّيم تلتها

لي عشير ساكنٍ بأرض الفدين .. يا هنوه من هو ع الخيل طلبها

لي وصفة بعشيري شامتين .. ترفع العصبة والقذلة طرّفتها

ومن الجوفيات ما هو في مدح نسب وأصل الفتاة :

والشق اللي انبنى رنّت فناجيلو .. شيخٍ بلا عزوته قلّت مراجيلو

يا بنت شيخ العرب يا ام العبا الزرقا .. وأبوكِ شيخ العرب حاكم على البلقا

يا بنت شيخ العرب يا واردة الميّة .. وأبوكِ شيخ العرب حاكم على ميّة

ومن الجوفيات الحديثة التي يُلاحظ في مفرداتها تغيّر الوزن الشعري ودخول مفردات وتسميات لأزياء حديثة مثل “المكسي”، وفيها ما هو من الطرافة والفكاهة المعهودة عندما تتحدث الزوجة عن حماتها :

بالمكسي البنّي خشّي حارتنا بالمكسي البنّي

رايحة تجنّني أمك يا محمد رايحة تجنّني

بالمكسي الزيتي خشّي حارتنا بالمكسي الزيتي

خرّبتلي بيتي أمك يا محمد خرّبتلي بيتي

وهذا الوزن الشعري هو امتداد لجوفيّة قديمة تقول كلماتها :

ع الحجر برّا هيه يلّي قاعد ع الحجر برّا

والعيشة مرّة من بعد فراقك والعيشة مرّة

مشبوك بدبّوس طيرٍ بالسّما مشبوك بدبّوس

مبروك العروس يا بيّي “فلان” مبروك العروس

المراجع :

  • حجاب، نمر حسن، الأغنية الشعبيّة في عمّان، 2003، موسوعة عمّان التراثيّة (5)، منشورات أمانة عمّان الكبرى، عمّان، الأردن.
  • الزّعبي، أحمد شريف، الأغاني الشعبيّة الأردنيّة، 2015، وزارة الثقافة، عمّان، الأردن.

الجوفيّة

مقدمة

تعتبر الجفرا من الألوان الغنائية المنتشرة في الأردن وتحديدًا في شماله، ضمن انتشارها في المناطق المجاورة بصفة عامّة، وكغيرها من الأنماط الغنائية الشعبيّة فإن الأمثلة عليها كثيرة ومتنوّعة بما يعكس اختلاف وكثرة المواضيع والمناسبات والمزاجات الإنسانيّة التي يخضع لها الشعر الغنائي الشعبيّ.

التسمية

لتفسير اسم جفرا روايات متعددة تختلف من منطقة لأخرى، ولكن المصادر البحثيّة تشير إلى أن الجفرا هي الشاه الصغيرة “السْخَلَة،الصْخَلَة”، التي تمتاز بقامتها المشدودة وحركتها الرشيقة وسلوكها الوادع والودود، وتبدأ أغلب الجفراويات بالحديث عن الجفرا “السْخَلَة” كنوعٍ من تشبيه الحبيبة بصفاتها، وعليه؛ فإن مبدأ الجفرا من حيث الأساس هو الغزل والحب، وإن تنوّعت موضوعاتها لاحقًا أسوةً ببقيّة أنماط الغناء الشعبيّ.

السمات الأدائية

تؤدى الجفراويات، ككثيرٍ من أنماط الغناء الشعبيّ على رأسها الدلعونا، كأغانٍ مرافقة للرقصات، ويُعتبر إيقاع وروح الجفرا أقرب إلى الدبكات من الرقصات الأخرى، وعلى تنوّع ألحانها تتنوّع أنماط الدبكات التي ترافقها الجفرا بالغناء والعزف على إحدى الآلات النفخية المتوفّرة، كاليرغول أو المجوز.

تشترك معظم أبيات الجفرا في الوزن الموسيقي مع لحن “ع اليادي اليادي”، وهو ما يفسّر الكثير من تشابه الأبيات رغم اختلاف الألحان بين النمطين الغنائيين. ويتكون البناء الشعري للجفرا من بيتين رئيسيين، في كل بيت شطرتان – الصدر والعجز -، تنتهي الشطرات الثلاث الأولى بنفس القافية، فيما تختلف الأخيرة عن سابقاتها الثلاث، وهو ما يشبه إلى حدٍّ بعيدٍ الدلعونا والعتابا، ولتوضيح ذلك نورد المثال التالي :

جفرا وهيه يا الربع  وطلعت ع السطوحي .. والشعر على الكتف من الهوا يلوحي

أنا حلّفتك بالله وبسرّي لا تبوحي .. احنا اللي ربينا سوا بالحارة الغربيّة

وتشتهر الجفراويات بافتتاحيات معيّنة منها :

جفرا وهيه يا الربع :

جفرا وهيه يا الربع وتصيح دِلّوني .. غشيمة بنوم الحظن يا ناس دِلّوني

وان كان عليّي ذنب بالبير دَلّوني .. واقطعوا بيّا الحبل ما هو جزا ليّا

يا ريمتن :

يا ريمتن تحدرت من فوق الجبالِ .. والعين سودا كحلة من جرّ الميالي

ما اريد منه شغل بس يقعد قبالي .. بايدي لاجيبله الخبز واجيبله الميّة

يما مويل الهوا :

يُما مويل الهوا يُما مواليّي .. جسر الحديد انقطع من دوس رجليّي

مشوار مشيتو الصبح ومشيتو عصرية .. يا حباب لا ترحلوا ظلّوا حواليّي

فيما من الممكن أن تبدأ جفراويات أخرى بمطالع غير محددة، مثل :

من يوم غاب الولف تبدّلت أحوالي .. صار الربيع خريف يا طويل الليالي

تهيألي الشتا بالصيف مدري شو جرالي .. حتى طيور الفلا تترحّم عليّا

https://www.youtube.com/watch?v=4QH7ynTzo1Q

الجفرا في الأغاني الأردنية المعاصرة

اشتهرت في القرن العشرين حركة استعادة الألحان الشعبيّة وإعادة تقديمها في قوالب وموضوعات مختلفة، ضمن توازيع موسيقيّة حديثة بوجود الآلات الموسيقيّة والإشراف التقني من المختصين، وقاد هذه الحركة نخبة من رجالات الوطن على رأسهم الشهيد وصفي التل والمشير حابس المجالي، ومعهم لفيف من الشعراء والملحنين والمغنيين الروّاد الأوائل الذين التقت تطلعاتهم بالإرادة السياسيّة ووجهة نظر الدولة العميقة للفنون ودورها في شحذ الهمم وتكوين الهوية الوطنية الجامعة، فأبدعوا في انتاج العديد من الأعمال الإذاعية والتلفزيونية التي سافرت من استديوهات عمّان إلى أصقاع الدنيا على أنها التعريف الجمالي لكل ما هو أردني في القرن العشرين.

ومن الجيل الثاني الذين عاصروا هذه التجربة، الشاعر حبيب الزيودي، الذي وعندما أراد استذكار الشهيد وصفي التل في مطلع القرن الواحد والعشرين، كتب قصيدته الشهيرة التي جاءت على نمط الجفرا ولحنها المعروف، وهي :

رفّن رفوف الحجل رفٍّ ورا رفي .. خيلٍ أصايل لفن صفٍّ ورا صفّي

وأقول يا صويحبي يكفي عتب يكفي .. يا مهدّبات الهدب غنّن على وصفي

المراجع

  • الزعبي، احمد شريف، الأغاني الشعبيّة الأردنيّة، 2015، منشورات وزارة الثقافة، عمّان، الأردن.
  • حجاب، نمر حسن، الأغنية الشعبيّة في عمّان، 2003، موسوعة عمّان التراثية (5)، منشورات أمانة عمّان الكبرى، عمّان، الأردن.

قالب الجفرا الغنائي

مقدمة

اهتم الأردنيّون منذ فجر تاريخهم بالزراعة وطقوسها، فعلى أرضهم ظهر أول منجلٍ في التاريخ قبل عشرة آلاف سنة قبل الميلاد، وهو رمز الحصاد ومحاصيل الخير التي تجود بها الأرض، وفي البادية الشماليّة الشرقيّة عثر الباحثون على بقايا خبز قمح تعود لأربعة عشر ألف عام قبل الميلاد. وظلت التقاليد الزراعيّة وطقوسها تنتقل من جيل إلى جيل عبر أجيالٍ من الأردنيين الذين حافظوا على هذه التقاليد واهتمّوا بها اهتمامًا جعل لها حيّزًا في المرويات والأمثال والقصص الشعبيّة، بالإضافة إلى حيّزٍ فنيٍّ وجماليٍّ في إرثهم الموسيقي.

طقوس استجلاب المطر (الغيث)

تبدأ السنة الزراعيّة بانتظار موسم المطر، الذي يحيّي الأرض ويوفّر أهم العناصر للشروع بكامل مراحل الزراعة، وعليه؛ فإن طقس “أم الغيث” هو من أبرز الطقوس الإيمانيّة التي استنّها الأردنيّون لاستجلاب المطر والخير من السماء، و”أم الغيث” هي شخصية معنوية يؤمن الأردنيون بأنها ترمز للمطر والغيث، لذا فهم يغنّون لها طلبًا للمطر. وتختلف طقوس الغيث من منطقة لأخرى اختلافاتٍ طفيفةٍ، إلا أنها عامل مشترك بين جميع الأردنيين تاريخيًا. ويُقال لمن يغنّين لأم الغيث أو يقمن بطقوسها “الغيّاثات”، ومن جملة الأغاني التي تُقال لها :

يمّ الغيث غيثينا .. ملّي الجرة واسقينا

يمّ الغيث غيثينا .. خبز وزيت طعمينا

راعينا حسن الاقرع .. طول الليل وهو يزرع

يزرع قمحنا القصري .. تـ نملّي خوابينا

يمّ الغيث غيثينا .. بلّي شويشة راعينا

راعينا شرد عنّا .. وبدّو جدايل حنّا

يمّ الغيث يا حدرج .. تخلّي سيلها يدرج

يمّ الغيث غيثينا .. ومن ميّاتك اسقينا

يمّ الغيث غيثينا .. واسقي حلال راعينا

يمّ الغيث غيثينا .. بلّي زريع راعينا

راعينا أكل الجلّة .. وحسبها خبز ملّة

يمّ الغيث يا دايم .. بلّي زريعنا النايم

 بلّي زريع أبو جابر .. هاللّي ع الكرم دايم

يمّ الغيث غيثينا .. بلّي زريع راعينا

راعينا حسن الأقرع .. ما يشبع ولا يقنع

يا الله الغيث يا الله الغيث .. واحرقتنا شمس الصيف

يا الله الغيث يا ربّي .. تسقي زريعنا الغربي

يا الله مطر يا الله رشاش .. يا الله عرايس ببلاش

يا الله الغيث يا رحمن .. تسقي زريعنا العطشان

يا الله الغيث يا ربي .. خبز يقرقد في عبّي

شتّي وزيدي بيتنا حديدي .. عمنا عطالله ورزقنا على الله

أما طقوس أم الغيث، فهي أن تقوم نساء القرية بحمل عصاة عليها ثوب إمرأة، ويرفعونها ويطوفون فيها داخل الأزقة والأحياء، ويغنّون أغاني أم الغيث، وتكون صفة الطواف أن يبدأ موكب أم الغيث من الشرق إلى الغرب، ثم إلى الشمال، ثم إلى الجنوب، على أن ينتهي الطواف عند بيت رجلٍ كريمٍ أو “صاحب بخت”، استبشارًا بحظّه بأن يُستجاب لطلبهم، فيستقبلهن صاحب البيت بإطلاق البارود ترحيبًا بأم الغيث، ثم يذبح ذبيحة لها، وتقول المرويات الشفهية أنه ساعة “ما يفجّ الدم” من الذبيحة، تكون ساعة مباركة وفي أغلب الأحيان يهطل الشتاء ولفترات طويلة. وفي بعض الأحيان يقوم بطقوس أم الغيث مجموعة من الأطفال، يجمعون من كل البيوت مواد غذائيّة ويعطونها لصاحب البيت الذي تقع عنده أم الغيث بعد رميها عشوائيًا، فيقوم بعمل وليمة جماعية لكل الأهالي في بيته. وخلال جمع المواد الغذائية للوليمة يغني الأطفال لسيدات البيوت :

أم “فلان” يا أميرة .. يا لابسة التقصيرة

بحياة عيسى وموسى .. لا تبخلي علينا

كانت هذه الطقوس تقام في معظم البوادي والقرى والمدن الأردنية، وفي بعضها يُطاف بأم الغيث حتى تصل إلى مقام مبارك، كمقام الخضر في السلط أو ماحص أو الكرك (شفيع البوادي الأردنيّة) أو مقام أبي الدرداء في قرية سوم/إربد، فعلى سبيل المثال كانت النساء السلطيات يغنين :

يا الخظر جيتك زايرة .. وأنا بأموري حايرة

كل القرايا فلّحت .. وقريتنا ظلّت بايرة

مجموعة من نساء قرية السماكيّة في الكرك يقمن طقوس استسقاء شبيهة بطقوس أم الغيث عام 2014، المصدر : موقع أبونا

وفي بعض المناطق الشمالية كانت النساء تضع قطعة قماش على عود قصب، ويُسمّى “الشرشوح”، وتحمله إحداهن وتسير في مقدمة مجموعتين تقومان بترديد المغايثة على شكل حوار :

ياربنا يا ربنا واحنا صغار شو ذنبنا

طلبنا خبز من امنا ضربتنا على يدنا

ياربي تبل الشرشوح واحنا تحتك وين نروح؟

ويستمر الموكب بمسيره، وعند مروره بكل بيت فعلى أصحابه أن يرشوا على الشرشوح قليلاً من الماء، وينتهي الموكب في ساحة المسجد الذي يكون ممتلئًا بالعجائز اللاتي يطحنّ الرحى طحنًا وهميًا دون حبوب، ويستقبلن الموكب بالغناء لأم الغيث :

راحت أم الغيث تجيب رعود .. ما اجت وان الزرع طول القاعود

راحت أم الغيث تجيب امطار .. ما اجت وان الزرع طول الاشجار

وعندما تمطر يغنّي الأردنيون عمومًا :

نقّطت نقّطت .. عين الراعي دوّدت

والرّاعي بده عشب .. قاعد صافن ع الدرب

التنبؤات الجوية

طوّر الأردنيون عبر تاريخهم الحضاري الطويل والمتسلسل غير المنقطع، تجربتهم في معرفة أحوال الطقس والمناخ، والتنبؤ بالأوضاع الجوية وانعكاسها على الزراعة، من خلال عدة مؤشرات انتبهوا لها وحفظوها وراقبوها وتأكدوا من دقّتها، ولتسهيل نقل هذه المعارف الطبيعية والخبرات التي حصدها الانسان الاردني نتيجة احتكاكه وتفاعله مع الطبيعة على مدى آلاف السنوات بشكل مباشر، فقد حوّلها إلى أمثال وأغانٍ سهلة الحفظ والترديد.

كان الأردنيون يعرفون مسبقًا طبيعة الموسم المطري من مراقبة سلوك الطيور، ومن أقوالهم التي تلخّص حالات مختلفة :

  • بسنة الشنّير احفر البير : أي في السنة التي يظهر فيها طائر الشنّير، يمكن للشخص أن يحفر بيره استعدادًا لاستقبال موسمٍ مطريٍّ مبشّر.
  • بسنة الزرزور احرث البور : أي في السنة التي يظهر فيها طائر الزرزور، فإن الأرض البور يمكن حراثتها والاستفادة منها.
  • بسنة الحمام تغطّى ونام : أي في السنة التي يظهر فيها الحمام بكثرة، فإن المقولة الشعبية تنصح المزراع بأن لا يفارق فراشه، لأنه لا فائدة من الموسم.
  • بسنة القطا بيع الوطا : أي في السنة التي يظهر فيها طير القطا، يُنصح ببيع “الوطاة” أي الأرض، لعدم جدوى الزراعة فيها.

أغاني الحراثة

تعتبر الحراثة من المهن الشاقة، وهي تتم من خلال الاستعانة بالحيوانات، كثورين أو حمارين أو بغلٍ. ومن أغاني الحراثة ما يغنيه الحرّاث على بغله داعيًا إياه للحذر في الحراثة من الدخول في أراضي الجيران، من باب الأمانة، مع بعض الغزل الذي يحتل مساحته في غناء الأردنيين الشعبيّ، بصفة شبه دائمة، وهي من قالب الدلعونا :

أقطع بالحدّ وأقطع بالحدّي .. خطبت الحلوة وما حدا قدّي

بالله يا بنيّة تيجي لعندي .. سلطة بندورة وملح الليمونا

ومن أغاني الحراثين أيضًا :

كل الحراثين حلّت .. عيني على فدّانه

يا سكته من فضّة .. غزلان بثيران

**

قوّمني من سروة ليل .. من الصبح مع نجم سهيل

ويلي من الصقعة يا ويل .. يا ويلي من الحورة

مرّة أعبي ومرة أبذر .. وأبذر ورا البقرة

أغاني الحصاد

تعتبر الحصيدة ذروة النشاط الزراعي اجتماعيًا في الأردن، فهي اللحظة التي ينتظرها الناس منذ الشتاء، ويشارك فيها كل شخص مقتدر، وهي مرحلة شديدة القسوة، إذ تكون خلال فترات الحر، لذا فإن السلوك الإنساني في استخدام الأغاني للتخفيف من وطأة العمل، نجده في فترات الحصيدة في أوجه. ومن أغاني الحصادين الشهيرة ما قيل في المنجل، أداة الحصاد ورفيقه :

منجلي يا من جلاه .. رايح للصايغ جلاه

ما جلاه إلا بعلبة .. ريت هالعلبة عزاه

منجلي يابو الخراخش .. منجلي بالزرع طافش

أحصد وألوّي عليه .. وانده الجمّال ليه

منجلي بولاد رن .. ما بقي لك غير سن

من بعد الأربع سنون .. ما بقي لك غير سن

ومن أغاني الحصادين أيضًا :

زرع شيخة وما عليه .. وادمجه وألوي عليه

زرع شيخة ما يبات .. يا ولاد النايمات

يوم اسمعت الزغاريت .. كنت عيان وبريت

يا بنية يلي بالبيت .. شوفيني كنّي ذليت

جابوها واجت تنجرّ .. جابوها بشوب وحرّ

زرعنا للحلوة شكارة .. والرقم ثلاث صاعات

راح الطلال يطل .. لاقاهن قذل بنات

حصدناهن وغمرناهن .. سوّن ثلاث تلّات

درسناهن وذرّيناهن .. وعبّيناهن بشوالات

جبنا جمال الحوارنة .. مع جمال الحويطات

أولهن خش المدينة .. وتاليهن ع البيدر بات

**

تلولح بالمنجل ودوّر .. وارمي للزينات غمور

هات مروّة هات مروّة .. والعزيمة بدها قوّة

بدها ساعد بدها قوّة .. سبعك يل ما بيك مروّة

ومن الأغاني التي يغنيها الحصادون لمعاودة شحذ الهمم وتجديد النشاط بعد الدخول في حالة التعب والكسل :

لاحصد في أيديّ الثنتين .. من خوف الغلا والدّين

لاحصد في أيديّ العشرة .. من خوف أبيع البقرة

حنتوري يم الدربين .. يا خي خذلي مكاتيبي

وسلم سلم ع الغالي .. مع جيرة الجنايبي

يا شباب ارموا المطوح .. العنب والتين روّح

والشباب اللي تراهم .. وافتح القادم وراهم

ومن الحوارات الغنائية الجميلة والظريفة بين الحصادين وكبيرهم “المعلّم” :

الحصادين : يا معلّم لا تخاف .. حصيدة ع بو نظاف

المعلم : والنبي صلّوا عليه .. ألف صلى الله عليه

الحصادين : يا معلم حلّنا .. لـ انقيقب كلنا

المعلم : لن قيقبتوا كلكوا .. والعصاة بتلمّكوا

والعصاة عصاة لوز .. كل هواة بتحوز حوز

وفي الحوارية السابقة نجد روح الفكاهة والمزاح بين الحصادين والمسؤول عنهم، ما يشير إلى روح المساواة وإقصاء قيم العبودية والاستغلال، أو الطبقية التي تمنع صغار العمّال أن يمازحوا كبيرهم.

أغاني الرّجاد

تأتي عملية الرّجاد بعد الحصيدة فورًا، ويقوم بها الأطفال أو الشباب الصغار، وتشمل تحميل القش (المحصول) على ظهور الجمال بواسطة الشبكات، أو على ظهور البغال والحمير بواسطة القادم، ولا يقل الشقاء في هذه العملية عن غيرها من عمليات الحصاد والحراث، ومن أغاني الرّجاد :

وانت يا جمّالنا .. يا شيّال حمالنا

وانت يا جمّال وانت .. يلي عينك عين البنت

لا تخلّي غمورنا .. وانقلها لدورنا

وشاركنا بسرورنا .. قوم يا شوق البنات

أغاني الدراس

يقوم بعملية الدراس غالبًا من قام بالرجاد، وتشمل عملية الدراس دق غمور القمح التي تم جمعها وجرزها على شكل ربطات مضغوطة، يتم طحنها بواسطة أداة ثقيلة، حتى يتسنى لحبوب القمح الخروج من السنابل، ومن أغاني الدراسين :

هب الهوا يا ياسين .. يا عذاب الدراسين

يا عذابي انا معهم .. ما للقوم تطالعهم

تطالعهم وتباريهم .. وتشلّع طواقيهم

ويردد الدراسون أثناء عملية الدراس :

لا كاب الدور لموه .. لمه ما هو علي

لمه ع الشواعبية .. والشواعبية ثلاثة

واحد روح على الدار .. تاني قيل بالفية

ثالث قرصته حية .. قرصته حية ومات

وابكن عليه يا بنات .. ابحشوا له وغمقوا له

وبعده عيونه مبحلقات

وعندما يقوم الدراسين بعملية التذرية، وهي أن يقوم الشواعبي (الذي يستخدم الشاعوب)، بتذرية (نثر) الكوم المدروس عاليًا بواسطة الشاعوب، آخذًا بعين الاعتبار اتجاه الهواء، ومع تكرار نثر الكوم في الهواء ينفصل إلى كومين، حيث تترسب حبوب القمح في الأسفل بسبب وزنها الأثقل من وزن القش الفارغ الذي يحمله الهواء ليكوّن كوم آخر يتم استخدامه كتبن، ويقال عند عملية التذرية :

يا مذارية صفوا النية .. الواحد منكو يسوى مية

هب الهوا يا ذاري .. كيلة بلا مصاري

هب الهوا يا ذاري .. يا عذاب المكاري

هب الهوا يا ياسين .. يا عذاب الدرّاسين

المراجع

  • العمد، هاني، أغانينا الشعبيّة في الضفّة الشرقيّة من الأردن، 1968، دائرة الثقافة والفنون، وزارة الثقافة والإعلام، عمّان، الأردن.
  • الزعبي، أحمد شريف، الأغاني الشعبيّة الأردنيّة، 2015، وزارة الثقافة الأردنية، عمّان، الأردن.
  • مقابلات ميدانيّة مع السيّدة آمنة محمد مناور أبو الغنم أجراها فريق عمل إرث الأردن، 2017، عمّان، الأردن.

الطقوس الزراعيّة في الإرث الموسيقي الأردني

صورة لتل ذيبان الأثري عاصمة مملكة مؤاب الأردنية- جريدة الغد-محمد أبو غوش

مقدمة

على أطراف حفرة الانهدام، في منطقة شهدت الكثير من الكوارث الطبيعية، ولم ينقطع التواجد البشري فيها على مر القرون، شيَّد أجدادنا الأردنيون المؤابيون حضارتهم الضخمة، التي وصلنا أثرها شفوياً ومادياً، ورغم انعدام وجود مدينة أثرية متكاملة العناصر تعود لأجدادنا الأردنيين المؤابيين، وهو أمر طبيعي، ومع التقصير في الحفريات الأثرية إلا أننا من خلال هذا البحث سنحاول إلقاء الضوء على بعض الآثار التي وجدت والتي تعود إلى المملكة الأردنية المؤابية، وهي تنقسم إلى عدة أشكال، ليكون هذا البحث جزءاً من السلسلة البحثية التي تدرس الأردن في عهد ممالكه الثلاث (المملكة الأردنية الأدومية، المملكة الأردنية المؤابية، المملكة الأردنية العمونية).

الآثار العمرانية

جبل نبو
  • المنازل

وجد المنقبون الآثاريون العديد من أسوار المدن في مواقع مختلفة تعود للمملكة الأردنية المؤابية، ووجدوا داخل حدود هذه الأسوار بيوت ذات مخططات متشابهة، وهي في أغلبها منازل تتكون من ساحة داخلية محاطة بعدة غرف، بعضها مبني من الحجارة، وبعضها من الطين اللبن، واستخدمت مواد للقصارة مثل الشيد، كما وجدت مبنية مباشرة على الأرض وفي أحيان أخرى رصفت الأرضية بحجارة أو بالملاط، وانتشرت هذه البقايا الأثرية في عدة مواقع منها: (جبل نبو، أدر، بالوع، عراعر، الكرك، ذيبان، مادبا، خربة المدينة).

  • المعابد

عثرت الحفريات الأثرية في منطقة ذيبان (التي كانت عاصمة للمملكة الأردنية المؤابية لفترة طويلة) على بقايا مبنى ضخم، وجدت به بقايا مباخر، الأمر الذي يدل على كونه معبداً، ويرجح أنه المعبد الذي أمر ببنائه الملك الأردني المؤابي ميشع.

  • التحصينات

انتشرت التحصينات الأردنية المؤابية بشكل واسع داخل حدود المملكة، ولكنها تركزت بشكل قوي في المناطق الشرقية منها مثل موقع الثمد، حيث يبدو أن هذه التحصينات كانت قد بنيت في مواجهة القبائل البدوية القادمة من الصحراء إلى الشرق من المملكة الأردنية المؤابية، وتكونت هذه التحصينات من عدة أبراج تشكل قلعة بشكل عام، واستخدمت في بناء هذه القلاع الحجارة البازلتية السوداء الموجودة بكثرة في البادية الأردنية المؤابية، بينما صنعت البوابات من الحجارة الكلسية البيضاء، فيما عثر على عدد من تاجيات الأعمدة التي تعود إلى المملكة الأردنية المؤابية، ويُذكر أن الفرنجة استخدموا هذه التاجيات في بناء قلعة الكرك.

الفخار

وجدت بقايا فخار مؤابي في عدة مواقع منها: (الكرك، جبل نيبو، ذيبان، وغيرها)، وتنوعت الأواني الفخارية الأردنية المؤابية بين الزبادي العميقة ذات الأرجل الثلاثة، والأباريق الكبيرة والصغيرة، وكانت معظم هذه الأواني مزخرفة بأشرطة عريضة تفصل بينها مثلثات، كما وجدت قارورة غريبة الشكل تشبه الجزرة ويُعتقد أنها من التأثيرات الآشورية.

وبعيداً عن الأواني الفخارية فقد عثرت الحفريات الأثرية على دمىً فخارية تعود للملكة الأردنية المؤابية، وجاءت هذه الدمى على عدة أشكال.

  • دمى إلهة الخصوبة

كانت الدمى الفخارية التي تمثل إلهة الخصوبة الأردنية المؤابية (عشتر-كموش) تصنع على شكل إمرأة على صدرها شعار مقدس، ذات أذان كبيرة، و ذقن مدببة، بوجنات بارزة، وفم منفرج قليلاً، عيونها منفرجة  ومستديرة، مرتفعة الحواجب، ويتدلى من الرأس بعض خصل من الشعر، وانتشرت هذه الدمى في عدة مناطق داخل المملكة الأردنية المؤابية، مثل خربة موسى، وخربة المدينة، ووادي الثمد، وبالوعة.

  • دمى على شكل رجال

عثرت حفرية أثرية في خربة المدينة، أحد المواقع التي تعود للملكة الأردنية المؤابية بالقرب من الكرك على دمى فخارية على شكل رجل، ويعتقد أنها تمثل ملكاً أو إلهاً أردنياً مؤابياً، وقد وجد تشابه كبيرة بينها وبين تماثيل تعود لملوك أردنيين عمونيين وجدت في ربة عمون – عمان.

  • دمى على شكل حيوانات
تماثيل أردنية مؤابية

عثر على الكثير من الدمى الفخارية الأردنية المؤابية على شكل حيوانات، منها ما هو على شكل حصان، ومنها على شكل رأس كبش، كما وجدت دمية على شكل وعل مكسور القرون بعلامات لجام تنزل من قرونه المكسورة إلى رقبته.

المدافن

وجدت أغلب المدافن الأردنية المؤابية في منطقة ذيبان وجبل نبو، حيث كانت هذه المدافن محفورة بالصخر يتقدمها دكة، كما وجدت بعض المدافن بمداخل مقوية، يتقدمها درجات تصل إلى حجرة الدفن الرئيسية المقسمة لعدة حجر غير متناسقة، بالإضافة إلى ما يشبه المقاعد العامة، مع حجرة دفن كبيرة عامة تتوسط باقي الحجرات.

الآثار الكتابية

مسلة ميشع
Henri Sivonen from Helsinki, Finland – Mesha Stele
aka. the Moabite Stone (2007-05-19T14-10-19.jpg)
  • مسلة ميشع

مسلة ميشع هي حجر بازلتي أسود على شكل قوس، يبلغ ارتفاع المسلة 124 سم، وعرضها 71 سم، حيث خلّد الملك الأردني المؤابي ميشع انتصاراته وإنجازاته عبر 34 سطراً في إعادة بناء الدولة، وتعمير المدن، وإنشاء المعابد، وعملية الإصلاح الزراعي التي قادها عقب انتصاره على العبرانيين وطردهم من مملكته، ومطاردتهم والاستيلاء على جزء من أراضيهم، وقد استفاد الباحثون من هذه المسلّة في عدة حقول، منها دراسة الحالة السياسية والاجتماعية في المنطقة في تلك الفترة، ودراسة اللغة الأردنية المؤابية وتراكيبها بالإضافة للخط الأردني المؤابي.

  • مسلة الملك كموشيت

الملك كموشيت هو ملك أردني مؤابي، وهو والد الملك الأردني المؤابي ميشع، ولقد وجدت الحفريات الأثرية جزءًا من مسلة حجرية تعود له، تحمل أربعة سطور، في حين لم يتم العثور على باقي المسلة بعد.

  • قطع حجرية من ذيبان

وجد الباحثون في تل ذيبان قطعاً حجرية بازلتية متناثرة تحمل كتابات بالخط الأردني المؤابي، واعتقد الدارسون في بداية الأمر أن هذه القطع ما هي إلا شظايا من مسلة الملك الأردني المؤابي ميشع، إلا أن تحليل الكتابة أثبت عدم صحة هذه النظرية، وأن هذه القطع الحجرية تعود لنص مختلف تماماً يعود للقرن التاسع قبل الميلاد، واستطاعوا قراءة أول ستة حروف وهي (اسوح بنت كمش)، ويعتقد بأن هذه الحجارة جزء من نص يوثق الإنجازات المعمارية لبعض الملوك الأردنيين المؤابيين، وتعتبر هذه الحجارة بالإضافة إلى مسلة الملك الأردني المؤابي ميشع ومسلة والده كموشيت دليلاً على انتشار عادة توثيق الملوك الأردنيين المؤابيين لإنجازاتهم كتابياً على مسلات حجرية، ونأمل أن تجد الحفريات الأثرية القادمة المزيد من هذه الآثار الكتابية.

  1.           قير مؤاب (الكرك)
الكرك 1900 مدخل مدينة الكرك عبر نفق يؤدي الى القلعة وسورها الممتد حول المدينة وهو نفق يعتقد بأنه يعود لحقبة المملكة المؤابية الأردنية

بنى أجدادنا الأردنيون المؤابيون عاصمتهم الأولى قير مؤاب على حافة هضبة الكرك التي ترتفع عن سطح البحر 950م، في منطقة محصنة طبيعيا يصعب الوصول إليها، فيما أبدعوا بتحويل هذه المنطقة القاسية التضاريس، مدينة حضارية، ينعم أهلها بالرفاهية والأمان، حيث شق أجدادنا المؤابيون الصخور، وحفروا الأنفاق لجر المياه إلى المدينة، بعد أن قاموا بتحصين المدينة من الجنوب والجنوب الشرقي عن طريق حفر خندق ضخم يصعب اختراقه، وتقوم قلعة الكرك الآن على أنقاض هذه المدينة.

2. ذيبان (ديبون)

تقع ذيبان العاصمة الثانية للمملكة الأردنية المؤابية في محافظ مادبا شمال وادي الموجب وشرق البحر الميت، لا يوجد الكثير من الآثار الأردنية المؤابية في ذيبان، كونها كانت كثيفة السكان في مختلف العصور الأمر الذي طمس العديد من البقايا الآثارية الأردنية المؤابية، والجدير بالذكر أن مسلة الملك الأردني المؤابي ميشع وجدت في ذيبان.

3. الربة ( ربة مؤاب)

مدينة مؤابية عرفت عبر التاريخ بربة مؤاب، تقع جنوب لواء القصر في محافظة الكرك، وهي بلدة غنية بالآثار التي تعود لمختلف العصور، وتملك الربة أهمية دفاعية استراتيجية كونها تشرف على وادي الموجب والبحر الميت، كما يمر منها الطريق التجاري الملوكي، كما كانت الربة من أهم المدن الزراعية كونها تقع في سهل ممتد وخصب التربة.

4. خربة مدينة الراس

وهي خربة أثرية تقع على قمة معزولة من جميع الجهات جنوب غرب مدينة الكرك، وتعتبر حصنا من سلسلة حصون تحمي الهضبة المؤابية من الجهة الجنوبية الغربية.

5. مديبع 

عثر على بقايا حصن أردني مؤابي في هذا الموقع يشرف على منطقة محيا، ويعد من الحصون التي تحرس الحدود الشرقية للملكة الأردنية المؤابية.

6. المسناه

موقع اثري شمال شرق الربة، ويتميز هذا الموقع أنه استمر معمورا بنفس الطريقة من العصر الحديدي حتى العصر البيزنطي دون انقطاع.

7. خربة بالوعة

تقع خربة بالوعة شمالي محافظة الكرك، وتحتوي على قلعة أردنية مؤابية تحمي الطريق الملوكي المار بوادي الموجب (أرنون)، وعثر فيها على لوحة بالوعة الشهيرة.

8. قصر أبو الخرق

قصر أو قلعة مبنية من الحجارة في منطقة قاحلة على الحدود الشرقية للملكة الأردنية المؤابية، لحماية الحدود الشرقية للبلاد، كما عثر في محيطها على عدة آبار.

9. مادبا (ميدبا)

وهي مدينة مادبا الحالية، وهي أحد أهم المدن الأردنية المؤابية، حيث ورد ذكرها في مسلة ميشع، وقد تعرضت الآثار المؤابية فيها للتخريب منذ مُدد طويلة، إلا أنها ما زالت تحتفظ باسمها الأردني المؤابي، كما وجد فيها العديد من القبور التي تعود إلى عصر مملكة مؤاب الأردنية.

10. خربة التلساح (التلساه)

هي أحد أهم المناطق الزراعية منذ العصور البرونزية، وتقع إلى الجنوب الشرقي من الكرك، وقد وجد المنقبون في الحقول الزراعية الواسعة الممتدة حولها العديد من الكسر الفخارية العائدة إلى المملكة الأردنية المؤابية وتعتبر هذه المدينة من المدن التي لا تحتاج إلى تحصينات ضخمة كونها تقع في وسط البلاد بعيدا عن أي خطر خارجي.

المراجع

  1. كفافي ، د. زيدان عبد الكافي (2006 )، تاريخ الأردن و اثاره في العصور القديمة ( العصور البرونزية و الحديدية ) ، دار ورد ، عمان .
  2. A.H.Van Zyl، تعريب وإعداد، ياسين، د. خير نمر، (1990)، المؤابيون، الجامعة الأردنية عمان
  3. أبحاث إرث الأردن، الملك الأردني المؤابي ميشع
  4. أبحاث إرث الأردن، نشأة مملكة مؤاب الأردنية

المملكة الأردنية المؤابية – الآثار

رسم تصويري للملك الأردني النبطي الحارث الثالث

مقدمة

  نشأت المملكة الأردنية النبطية في القرن الرابع  قبل الميلاد حيث ذكرهم ديودورو الصقلي، ولكنهم بدأول التوطن في المنطقة منذ القرن السادس قبل الميلاد، ليفرضوا نفوذهم السياسي على المملكة الأردنية الأدومية، حيث لا يمكن الفصل بين الوجود النبطي والأدومي في نهايات عمر المملكة الأردنية الأدومية، واتخذ الأردنيون الأنباط من السلع (البتراء) عاصمة لهم سيطروا منها على قطاع واسع من المنطقة، وامتد نفوذهم من مركز وجودهم، وموئل نشأتهم ليشمل البلقاء، وحوران وشمالي الحجاز، كما فرضوا سيطرتهم على ميناء غزة، ولكن في سنوات نشأتهم الأولى كان تمركز الأردنيين الأنباط في البوادي الجنوبية وعلى حواف حفرة الانهدام من الجنوب الشرقي، في بيئة شبه جافة ذات مناسيب هطول مطري منخفض، إلى جانب شح في المسطحات المائية السطحية، الأمر الذي يعتبر منافياً للطابع العام لنشوء الحضارات، حيث كانت الحضارات القديمة بشكل عام تنشأ حول المسطحات المائية من بحيرات وأنهار وغيرها، إلا أن الأردنيين الأنباط استطاعوا بناء حضارتهم العظيمة رغم الظروف البيئية القاسية والتس استطاعوا التغلب عليها بحلول هندسية مبتكرة(احسان:1987).

تشير شواهد أثرية عديدة على وجود الزيتون وزراعته بالإضافة لكونه عنصراً غذائيا ذو أهمية في الحياة النبطية (السلامين:2016)، حيث سوف نقوم في هذا البحث بتوضيح هذه الشواهد، التي تتركز حول هندسة المياه التي وظفت في سبيل الزراعة، وطرق استصلاح الأراضي وزراعتها بالزيتون وغيره من المزروعات الرئيسية، كما سنقوم بشرح آلية عصر الزيتون وأبرز معاصر الزيتون النبطية المكتشفة.

الهندسة المائية النبطية والزيتون

2

استطاع الأردنيين الأنباط كما ذكر في المقدمة التغلب على الطابع البيئي الذي يميل إلى الجفاف في قلب دولتهم ومركزها في جنوب الأردن، حيث استطاعوا الحفاظ على عاصمتهم ومركزها في نفس المنطقة رغم توسعهم في مناطق ذات وفرة مائية، بسبب عبقريتهم في الهندسة المائية وايجاد الحلول الفعالة للتغلب على شح المياه، لا لتأمين حاجتهم الطبيعية من مياه فقط، بل توفير كميات مياه كافية للتوسع بالإنتاج الزراعي المكثف، والحفاظ على أمنهم المائي الذي كان أحد أهم أسباب صمودهم في وجه العديد من محاولات القضاء على نفوذهم واحتلال عاصمتهم على مدى عقود طويلة (المحيسن:2002).

  حافظ الأردنيون الأنباط على مركز دولتهم الذي نشأت منه ورفضوا نقل مركزها إلى المناطق التي توسعوا إليها، لذلك قام المهندسون بالأنباط بتطوير أنظمة حفظ ونقل للماء، وأنظمة ري أتاحت لهم الحفاظ على أمنهم المائي والغذائي في مواجهة أي محاولة لقطع الامداد عنهم (احسان:1987).

تنوعت النماذج التي استخدمها الأردنيون الأنباط لتخزين المياه حسب الموقع الجغرافي ومصادر المياه المتوافرة به، حيث اعتمدوا نموذج (قلاع المياه) وهي خزانات مائية ضخمة الحجم ذات قدرة استيعابية كبيرة تتجاوز الألف متر مكعب،  في محيط عاصمتهم البتراء، حيث شيدت هذه الخزانات على ارتفاع 1100 متر فوق سطح البحر، لترتفع عن حوض مياه البتراء، لتحقق انسياب طبيعي للمياه من الخزانات عبر القنوات (المحيسن:2002).

فيما استغل الأنباط مياه العيون التي تجري في فصل الشتاء ومدوا منها أقنية باتجاه خزانات متوسطة أو صغيرة الحجم، ليتم حفظ هذه المياه لاستخدامها في فصل الصيف حين تجف عيون المياه، بالإضافة للعديد من خزانات جمع مياه الأمطار مختلفة الأشكال والأحجام، ذات أنظمة تصفية للمياه من الشوائب والأتربة وغيرها.

ولم يكتفي الأنباط بالخزانات المبنية لحفظ المياه، بل برعوا أيضاً بحفر آبار لجمع مياه الأمطار في الصخور الكلسية لحفظ المياه ومنعها من التسرب في طبقات الأرض.

أما في مجال الوقاية وتوظيف الطبيعة فقد أنشأ الأنباط البرك المائية عند ملتقيات الأودية والسيول، بالإضافة لبنائهم المتقن للسدود المائية في المواقع المعرضة لخطر الفيضانات.

استطاع الأنباط عبر هذه التقنيات الخاصة بتجميع المياه الاستعادة عن مسطحات المياه الطبيعية التي نشأت حولها الحضارات القديمة، حيث وفرت لهم هذه التقنيات كميات مهولة من المياه التي طوروا لاستثمارها شبكة معقدة من القنوات التي توصل مياهها للتجمعات السكنية، وللوحدات الزراعية من حقول ومصاطب وغيرها.

تشير بعض الآراء المختصة بأن هذا النظام المائي المعقد سواءً بالتخزين أو بالنقل، وخصوصاً نظام قنوات المياه الزراعية، إلى أن الأنباط استثمروا المتاح لهم من الطبيع بأكثر الطرق كفاءة وفعالية، واذا ما نظرنا إلى المواقع في قلب المملكة النبطية نجدها مواقع عرف بها الزيتون منذ العصور الحجرية مثل وادي رم، ومرتفعات مؤاب وغيرها، ولكون زراعة الزيتون تعتبر زراعة بعلية بشكل رئيسي فإن استثمار الأراضي المرتفعة والوعرة بها أمر مؤكد، حيث تساعد أشجار الزيتون على تماسك التربة وعدم انجرافها، فيما تستطيع الأرضي الجبلية الوعرة والصخرية على حفظ كميات جيدة من مياه الأمطار داخلها مما يرفع من كمية محصول الزيتون وكرمة العنب التي زرعت بكثافة في هذه المناطق كما ترفع من جودة هذا المحصول  (المحيسن:2002).

زراعة الزيتون لدى الأنباط

لقد مارس الأنباط الزراعة بشكل مكثف، حيث لم يمارسوا الزراعة كوسيلة لسد احتياجاتهم الغذائية فقط، بل كانت منتجاتهم الزراعية عنصراً أساسيا في تجارتهم، لذلك قام الأنباط باعتماد نظم زراعية مختلفة، كل نظام يتناسب وطبيعة الأرض المزروعة، وكان يتم اختيار المحاصيل بناء على عدة عوامل، منها نوعية الأرض، توافر المياه، وغيرها من العوامل وصولاً لأعلى نسبة انتاج بأقل مدخلات انتاجية ممكنة.

ولا تقتصر أهمية الزراعة لدى الأنباط على دورها الاقتصادي من حيث الأمن الغذائي والتجارة بالمنتجات الزراعية، بل رسخت أهمية النشاط الزراعي في وجدان الأردنيين الأنباط عقدياً، حيث كرست المعابد، وقدمت القرابين النباتية، كما كان للآلهة النبطية ارتباطات بالزراعة ومواسهما مثل الإله بعل إله المطر والصواعق، والآلهة الأنثوية التي ترمز للخصب كاللات والعزى، كما ارتبطت الأعياد الدينية بمواسم البذار و الحصاد (احسان:1987).

Dushara
الإله ذو الشرى حاملا قطف العنب

نستطيع تتبع وجود الزيتون في المملكة النبطية عبر تتبعنا لمعاصر الزيتون، أو بقايا أشجار الزيتون وبذور الزيتون، حيث وجد آثار لمعصرة زيتون بالقرب من البتراء وثبت وجود مساحات من الأراضي زرعت بأشجار الزيتون في محيط البتراء(rawashdeh:2016)، كما انتشرت معاصر الزيتون النبطية في منطقة وادي موسى ومرتفعات الشراة، ووادي عربة، وهضبة مؤاب، وبطبيعة الحال فإن امتداد النفوذ النبطي حتى حوران المشهورة بزراعة الزيتون على مر التاريخ، يؤكد أن الزيتون وزيته منتجات نبطية أساسية، ويأتي زيت الزيتون إلى جانب زيت السمسم كأهم الزيوت المستخدمة عذائياً ولأغراض الإنارة لدى الأنباط.

زرع الزيتون إلى جانب كرمة العنب على المرتفعات الجبلية كما ذكرنا سابقاً، حيث وظف الأردنيون الأنباط، طبيعة شجر الزيتون الذي لا يحتاج إلى رعاية مستمرة على مدار العام كما لا يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، ويعتمد بشكل عام على مياه الأمطار في الموسم المطري، وقام الأنباط بتقسيم الأراضي الجبلية على شكل مصاطب، باستخدام الحجارة والسناسل الحجرية التي تستخدم حتى يومنا هذا، أولاً لسهولة تمهيد كل مصطبة على حدى وتنظيفها من الحجارة والأعشاب والضارة، تمهيداً لزراعتها، ثم لزيادة منسوب مياه الأمطار المحتجزة في التربة لتصل لها جذور الأشجار على مدار العام، تصبح كل مصطبة بمثابة قطعة أرض سهلية وبهذا تم التغلب على وعورة هذه الأراضي، على جانب آخر استغلت مساحات أراض صحراوية في زراعة أشجار الزيتون، خصوصا في وادي عربة حيث كان يتم ري هذه المساحات الزراعية من مياه الأمطار المخزنة، ولأن الزيتون لا يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، كان يستعاض عن فرق الهطولات المطرية بين المناطق الجلية والمناطق الصحروية، بالري بكميات بسيطة من المياه المخزنة من الأمطار، أو من مياه الينابيع (احسان:1987).

عصر الزيتون

                                       رسم توضيحي لآلية عصر الزيتون

تطورت آلية عصر الزيتون في الأردن منذ العصر الحديدي، في عصر الممالك الأردنية الثلاث (المملكة الأردنية العمونية، المملكة الأردنية الأدومية، المملكة الأردنية المؤابية)، حيث تم توظيف الخصائص البيئية للمنطقة بأنجع الطرق لضمان الحصول على أنقى مستوى ممكن من زيت الزيتون.

تبدأ عملية العصر عادة بجمع ثمار الزيتون المقطوفة وفصلها عن الأوراق والأغصان، ومن ثم يبدأ غسل الثمار تمهيداً لهرسها، وبعد ذلك يوضع الزيتون في حوض حجري كبير ُيصنع عادة من الحجر الصلب كالحجارة الجيرية، ويحتوي هذا الحوض على حجرين أسطوانيين للهرس متصلين ببعضهما البعض بواسطة عامود خشبي، حيث يساعد هذا العمود على تحريك الحجرين الأسطوانيين لعصر الزيتون الموجود في الحوض، ويتم هرس الزيتون، ومن ثم يتم وضع الزيتون المهروس داخل كيس، ويتم كبسه فوق مكبس وضع في أسفله حوض لتجميع الزيت الذي ينتج عن عملية الكبس (احسان:1987) .

أهم معاصر الزيتون النبطية

  • معصرة خربة النوافلة

بيّنت الحفريات التي أجرتها خيرية عمرو في خربة النوافلة في وادي موسى أن هذه المنطقة قد شهدت استيطاناً بشرياً مكثفاً خلال الفترة النبطية بدءاً من القرن الأول ق.م فصاعداً، إذ تم العثور على العديد من البقايا الأثرية هناك، وشملت بقايا منشآت مائية، وبقايا معصرة زيتون تعود للقرن الأول قبل الميلاد، إضافة إلى معصرة تعود للعصرين الأيوبي والمملوكي، ولكن بقايا المعصرة النبطية غير واضحة المعالم، ولم يتم نشر أية معلومات مفصلة عنها.

  • معصرة البد في وادي موسى
صورة لبقايا معصرة زيتون البد

البد في الإرث الأردني المحكي هو حجر هرس الزيتون، وقد َكشف مشروع الصرف الصحي الذي ُنفذ في وادي موسى عن بقايا معصرة نبطية تعود إلى نهاية القرن الأول الميلادي.
عثر عليها في منطقة البد في وسط وادي موسى، وبقايا هذه المعصرة معروضة حالياً أمام مركز زوار البتراء، وهي منحوتة من الحجر الجيري، والأجزاء المتبقية منها حوض هرس مزود ببروز دائري في وسطه، وبقايا حجارة هرس أسطوانية الشكل متساوية الأحجام، ووزنة حجرية واحدة غير منتظمة الشكل.

  • معصرة خربة الذريح الأولى

تقع هذه المعصرة في المنطقة السكنية جنوب معبد خربة الذريح في محافظة الطفيلة، وقد تم تأريخها إلى القرن الأول الميلادي، وتبلغ أبعادها 7 و 12م، يقع مدخلها في وسط الجدار الشرقي، وقد تم الكشف عن حجرة مستطيلة الشكل أبعادها 5 و 9 م جنوب مجمع الهرس حيث يبدو أنها كانت تستخدم للتخزين، وتتألف المعصرة من أحواض هرس، وحجارة هرس أسطوانية، ومكابس تتكون من مصطبة هرس وأوزان.

  • معصرة خربة الذريح الثانية

تقع هذه المعصرة جنوب قصر الدير خربة الذريح في محافظة الطفيلة، وقد تم تأريخها إلى القرنين الأول والثاني الميلاديين، وتبلغ أبعادها 13.60و8.60 م، ويقع مدخلها في وسط الجدار الغربي، وتتألف من حوض هرس دائري، ومكبس يتألف من منصة هرس وأوزان، إضافة إلى أحواض تجميع، وحوض غسيل.

  • معصرة وادي عربة
معصرة زيتون نبطية عثر عليها في وادي عربة

عثر على معصرة في وادي عربة في منطقة موا القديمة، حيث كشف عنها في القلعة، ومعظم اللقيات الأثرية التي وجدت مصاحبة لها تعود للفترة النبطية، وتحديداً للفترة ما بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي وبالإضافة إلى ذلك، عثر في منطقة بيضا على معالم صخرية دائرية يبدو أنها كانت مرتبطة باستخراج الزيت وعصر الزيتون، ولكن تأريخها غير محدد بشكلٍ دقيق، وربما استخدمت خلال فترات زمنية مختلفة.

الخاتمة

دار جدل واسع بين مجموعات من الباحثين والدارسين للحضارة الأردنية النبطية حول زيت الزيتون، حيث أن مجموعة من الباحثين رأوا أن الأنباط لم يستخدموا زيت الزيتون بشكل مكثف، ولم يقوموا بزراعته، إلا أن الحفريات الأثرية المتقدمة كشفت عن وجود معاصر زيتون نبطية موزعة على كامل امتداد الأراضي الخاضعة للنفوذ النبطي، كما أن مناطق النفوذ النبطية من جنوب الأردن حتى حوران تعتبر من أهم مناطق إنتاج الزيتون تاريخياً.

جميع الشواهد التي سقناها في البحث تؤكد على أهمية الزيتون في الحضارة الأردنية النبطية، وأن الأنباط استمروا في مسيرة إنتاج الزيتون وارثينها عن من سبقهم من الأردنيين، ليستمر الإسهام الأردني في مسيرة تطور الزيتون وانتاجه، من شجرة برية كانت تستخدم ثمارها لأغراض طقوسية تعبدية في العصور الحجرية الأولى، إلى أحد أهم عناصر المائدة حول العالم اليوم.

المراجع

  • السلامين، زياد، قراءات استهلاك وإنتاج الطعام والشراب في المملكة النبطية، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، المملكة السعودية،2016.
  • المحيسن ، زيدون ، هندسة المياه والري عند العرب الأنباط ، بيت الأنباط ، الطبعة الأولى ، 2002 ، (البتراء – الأردن).
  • عباس ، إحسان ،  تاريخ دولة الأنباط ،الطبعة الأولى ، 1987 ، (بيروت – لبنان)
  • المحيسن ، زيدون ، الحضارة النبطية ، وزارة الثقافة ، الطبعة الأولى ، 2009 ، (عمان – الأردن).
  • الحموري ، خالد ، مملكة الأنباط : دراسة في الأحوال الإجتماعية والإقتصادية ، الطبعة الأولى ، 2002 ، بيت الأنباط ، (البتراء – الأردن).

المراجع باللغة الإنجليزية

Rawshdeh saeb, published article, jordan times, Archaeologist highlights Nabataean heritage in agriculture, wine making, 2016

http://www.jordantimes.com/news/local/archaeologist-highlights-nabataean-heritage-agriculture-wine-making

الزيتون في المملكة الأردنية النبطية الجزء الأول- الإنتاج

اطلالة على مدينة الكرك – 1918

مقدمة

برع أجدادنا الأردنيون الأوائل منذ فجر التاريخ بإدارة علاقاتهم الخارجية على أحسن وجه، كيف لا وقد اعتمد نشاطهم الاقتصادي بشكل رئيس على التجارة منذ أن بدؤوا بإنتاج ما يفيض عن حاجتهم من سلع في مرحلة المدن الدول، واستمر الأمر كذلك مع نشأة الممالك الأردنية الثلاث (المملكة الأردنية الأدومية، المملكة الأردنية المؤابية، المملكة الأردنية العمونية)، وعلى سبر شقيقاتها سارت المملكة الأردنية المؤابية، تمارس فنون الدبلوماسية تارة، وتخوض الحروب تارة أخرى، بما تقتضيه مصالحهم السيادية، وما يحفظ كرامتهم الوطنية أيضاً، لينتزع أجدادنا الأردنيون المؤابيون مكانتهم العالية علو جبال مؤاب على سلم التاريخ والحضارة.

المملكة الأردنية المؤابية تنهض باحتواء الآخر

بدأ أجدادنا الأردنيون المؤابيون ببلورة حسهم الوطني في المرحلة الانتقالية بين عصر الدولة المدينة وعصر الممالك الأردنية الثلاث الرئيسية (المملكة الأردنية الأدومية، المملكة الأردنية المؤابية، المملكة الأردنية العمونية)، حيث بدأت القبائل الأردنية الرابضة على الحدود الشرقية لجبال مؤاب والتي كانت تجمعها علاقة وثيقة مع المدن الأردنية في ذلك الوقت بالتوغل في عمق جبال مؤاب وبمحاذاة ساحل البحر الميت الشرقي، لتنتقل من حالة البداوة إلى الفلاحة والتمدن، وهم الذين اكتسبوا خبرة حضارية من احتكاكهم بالقوافل التجارية التي كانوا يحمونها، وباحتكاكهم بأشقائهم سكان القرى والمدن الأردنية في ذلك الوقت، وحين بدأت هذه القبائل بالتأطر سياسياً واجهت سكان المنطقة آنذاك والذين يدعون في المصادر التاريخية بالإميين، ولكن العقلية السياسية التي كانت تسيطر على الزعامة السياسية لدى أجدادنا الأردنيين المؤابيين كانت عقلية الاحتواء والامتزاج الثقافي الحضاري، حيث أن زعيم الإميين في نهاية الأمر سلم السلطة للملك الأردني المؤابي في ذلك الوقت سلمياً، وتسلم الملك المؤابي سلطاته هذه وفق التقاليد الإمية كما تظهر لوحة بالوعة وهي لوحة مرسومة على حجر وجدت في منطقة خربة البالوعة شمال الكرك، وعليها رسم توضيحي لمراسم انتقال السلطة، لتخط هذه البداية تاريخ المملكة الأردنية المؤابية كاملاً، حيث استطاعوا دائماً التأثير بمحيطهم، كما استطاعوا الإفادة ممن يحتكون بهم عبر الجوار أو التجارة أو حتى الحروب.

حجر بالوعة – متحف الآثار الأردني في عمان، حقوق الملكية محفوظة لموقع www.researchgate.net

 

خربة بالوعة – حقوق الملكية محفوظة henkbos.com

المملكة الأردنية المؤابية والممالك الأمورية شمال الموجب

احتكت المملكة الأردنية المؤابية في بداية نشأتها بالممالك الأمورية شمال نهر الموجب (أرنون)، ووقعت صدامات بين الطرفين إلا أن أجدادنا الأردنيين المؤابيين استطاعوا تثبيت حدودهم إلى الشمال من نهر الموجب (أرنون)  إلى أن هزمت هذه الممالك على يد القبائل العبرانية.

وادي الموجب 1900 نهاية القرن التاسع عشر شمال الكرك وعرف بنهر ارنون وتم ذكره في مسلة ميشع الملك المؤابي الأردني قبل الميلاد

المملكة الأردنية المؤابية وشقيقاتها

جمعت الممالك الأردنية الثلاث (أدوم، عمون، مؤاب) علاقات متينة، حيث توحدت المصالح غالب الأحيان، بالإضافة إلى تقارب شعوب هذه الممالك والتداخل الجغرافي فيما بينها، إلا أن العلاقة بين المملكة الأردنية العمونية والمملكة الأردنية المؤابية كانت الأكثر تميزاً، حيث التداخل الجغرافي كبير جداً، وتقارب الشعبين مع التطابق في توقيت وظروف نشأة هذه الممالك. وتذكر المصادر التاريخية أن الأردنيين العمونيين والأردنيين المؤابيين هم أبناء عمومة، وكان الحلف القائم بين المملكتين حلفاً منعقداً بصفة دائمة، بينما كانت تنشب بعض الخلافات أحياناً وهي قليلة جداً على مر تاريخ هذه الممالك بين الأردنيين المؤابيين والأردنيين العمونيين من جهة، والأردنيين الأدوميين من جهة أخرى، ولكن هذه الممالك الأردنية الثلاث كانت دائماً في مواجهة ذات الأخطار الخارجية، كما أن المملكة الأردنية المؤابية كانت حلقة الوصل بين المملكة الأردنية العمونية من جهة، والمملكة الأردنية الأدومية من جهة، ولا شك أن من أهم الشواهد على هذه العلاقات المتينة هو استغلال الأردنيين الأدوميين لانتصار أشقائهم الأردنيين المؤابيين بقيادة الملك الأردني المؤابي ميشع على العبرانيين، وانقضاضهم بدورهم عليهم والسيطرة على مساحات واسعة من أراضيهم.

المملكة الأردنية المؤابية والعبرانيين

وادي الحسا الحد الجنوبي للمملكة الأردنية المؤابية-inthetravellab.com

مرّت العلاقات بين أجدادنا الأردنيين المؤابيين وبين العبرانيين بتذبذب واسع، ولكنها كانت عدائية منذ البداية وعلى الأغلب الأعم، حيث تذكر المصادر التاريخية أن المملكة الأردنية المؤابية رفضت كشقيقاتها أن تمر القبائل العبرانية بأراضيها عند قدومهم إلى المنطقة، منذ ذلك الوقت ضمرت القبائل العبرانية الكيد للمملكة الأردنية المؤابية، ولم يهتم أجدادنا الأردنيون المؤابيون بهذا الأمر لثقتهم بقوتهم العسكرية، إلا أن العبرانيين استطاعوا الانتصار على الأردنيين المؤابيين في مواقع، كما انهزموا أمامهم في مواقع أكثر، واتسمت انتصارات العبرانيين على أجدادنا الأردنيين المؤابيين باستخدامهم للغدر ونقض العهود والانقلاب على المواثيق والأعراف حيث اغتالوا الملك الأردني المؤابي عجلون عند يأسهم من الانتصار على جيوشه، كما خانوا الجَميل الذي قدمه الأردنيون المؤابيون والعمونيون للملك داوود حيث استضافوه وقاموا بحمايته ووالده ووالدته أثناء صراعه مع شاؤول إلا أنه لمّا ثبت له الأمر وانتصر على أعدائه الداخليين من القبائل العبرانية قام بالتنّكر للجميل ومهاجمة المملكتين الأردنية المؤابية والعمونية على حين غرة، واستمر هذا الصراع يشتد ويهدأ إلى أن جاء الملك الأردني ميشع وقام بانتصاره الساحق على العبرانيين حضارياً وعسكرياً.

المملكة الأردنية المؤابية والأشوريين

لم تختلف طبيعة العلاقة بين أجدادنا الأردنيين المؤابيين مع الأشوريين في جوهرها عن علاقة أشقائهم في المملكة الأردنية العمونية والمملكة الأردنية الأدومية، حيث أن الطريق التجاري الملوكي كان يمر بالممالك الأردنية الثلاث، وكانت المصلحة متبادلة بين الأردنيين من جهة وبين الأشوريين من جهة أخرى في الحفاظ على نمط من العلاقات الودية لتنشيط النشاط التجاري الضروري للطرفين، وقد ذُكر العديد من الملوك الأردنيين المؤابيين مثل سلمانو وكموشو نادبي وكموش اللات،  في السجلات والحوليات الأشورية، سواءً كحلفاء بالحروب أو بتقديم الهدايا للبلاط الآشوري، ولكن هذا لم يمنع أن يثور أجدادنا الأردنيون المؤابيون في وجه الأشوريين مع جيرانهم وأشقائهم إذا ما تمادى الآشوريون ومسوا كرامتهم الوطنية، ومن مظاهر التبادل الحضاري بين الأردنيين المؤابيين والآشوريين، تشابه طرق إنشاء المدافن بالإضافة إلى استخدام ذات النمط الإنشائي في بناء القلاع والتحصينات.

المراجع

  1. كفافي ، د. زيدان عبد الكافي) 2006 (، تاريخ الأردن و اثاره في العصور القديمة ( العصور البرونزية و الحديدية ) ، دار ورد ، عمان .
  2.  A.H.Van Zyl، تعريب وإعداد، ياسين د. خير نمر، (1990)، المؤابيون، الجامعة الأردنية عمان
  3. أبحاث إرث الأردن، نشأة مملكة مؤاب الأردنية
  4. أبحاث إرث الأردن، مدخل عام لنشأة الدولة الوطنية في الأردن القديم

.

المملكة الأردنية المؤابية- العلاقات الخارجية

Scroll to top