تخسى يا كوبان ، ما انتَ ولف لي

ولفي شاري الموت ، لابس عسكري

 

أغنية انطبعت في وجدان الأردنيين منذ العام 1971 وحتى اليوم وستظل خالدة للأبد، ولكن قليلون الذين يعرفون كيف صُنعِت هذه التحفة الفنية المسموعة، ونقرأ في تفاصيلها وكواليسها عن الأسطورة الأردنية وصفي التل، عن اهتمامه بصناعة الحالة الوطنية من كل الجوانب وتدخله التقني المباشر في رسم ملامح هذه الحالة النادرة والتي هي بطبيعة الحال امتداد تاريخي غير مستغرب للصيغة التي اختارها الأردنيون منذ آلاف السنين لحضارتهم الموصوفة بالمِنعة والمتانة والرصانة.

 

هذه الأغنية الأيقونة كتب كلماتها الشهيد وصفي التل والخالد حابس باشا المجالي مع الشاعر الوطني حسني فريز، وبعد أن فرغوا من كتابتها في يوم أحدٍ (وكان هذا هو يوم عطلة موظفي القسم الموسيقي في الإذاعة الأردنية)، طلب وصفي أن يتم إستدعاء الموسيقار الأردني جميل العاص فوراً بناءً على تقدير الحاجة لأغنية تعبر عن الخطاب والرواية الوطنية الملحة بوقتها. وعندما لم يجده على التلفون الأرضي، أرسل دوّرية شرطة للبحث عنه وبالفعل وجدته الشرطة بعد ساعاتٍ من البحث على دوّار فراس العجلوني يأكل البوظة عند كشك لبيع المثلجات “البوظة”، وأخبروه بأنه مطلوب للحضور حالاً إلى دار رئاسة الوزارء ورفضت الشرطة طلبه بأن يلحقهم بسيّارته.

استقبله الشهيد التل على الباب وقال له ممازحاً “وينك يا فصيح؟ احنا بندور عليك وانت بتوكل بوظا؟”، وأدخله إلى المكتب وعرض عليه الكلمات، ثم أخبره بأنه خصص له مكتبًا فيه علبتي سجائر وسخان قهوة والمطلوب أن لا يخرج من المكتب إلا وقد لحّن هذه الكلمات.

 

وبالفعل دخل الموسيقار جميل العاص إلى الغرفة المخصصة، وأغلق وصفي التل الباب واحتفظ بالمفتاح في جيبه، وجلس الجميع منتظرين أن يخرج جميل باللحن، ويُقال أنه في ذلك اليوم قدّم مجموعة من الألحان وظل يكرر المحاولات بطلب من وصفي التل حتى خرج باللحن الذي نعرفه اليوم. الخطوة التالية، طلب الشهيد التل عازف مزمار مشهور من لبنان (محمود عزعوز) واستضافه في فندق الأردن لفترة اسبوع ليُجري البروفات والتمارين قبل تسجيل اللحن على آلة المزمار.

 

وفي يوم التسجيل وصل إلى استوديو الإذاعة الأردنية وصفي التل وحابس المجالي وصلاح أبو زيد ومجموعة من المختصين اللغويين من الجامعة الأردنية للإشراف على تسجيل الأغنية، وبالفعل تم تسجيلها بعد أن تعطل العمل لمدة يومين بسبب إشكالية حول كلمة (القنص) والحيرة بينها وبين تصريف آخر لها (القنيص) حتى استقر المختصون في النهاية على كلمة (القنص).

 

ثم كانت التحفة، وصدحت سلوى العاص بهذه الأغنية الوطنية.

 

هكذا يصنع الإرث، هكذا يرسم الأبطال حاضرهم، وينيرون الأمل في مستقبل الأجيال القادمة.
المراجع هي روايات شفوية متطابقة لشهادات من الدرجة الأولى والثانية. نترككم مع الأغنية:

تفاصيل تلحين وكتابة أغنية “تخسى يا كوبان”

تركت معركة الكرامة أثرًا وجدانيًا لايزال حتى يومنا الحالي وسيبقى مصدر ثقة الأمة الأردنية بجيشها الذي حقق هذا النصر بقيادته وحيدًا دون إسناد أو دعم لأن العدوان جاء مباغتًاـ خصوصًا وأن هذا النصر الساحق جاء بعد الهزيمة التي لحقت بالعرب تحت القيادة المصرية في حرب حزيران.

 

في الذكرى السنوية الأولى لهذا الانتصار وبهذه المناسبة غنّت السيّدة فيروز بصوتها أوبريت “القصة الكبيرة” من كلمات وألحان الأخوين رحباني وبتنسيق مباشر مع معالي الأستاذ صلاح أبو زيد وزير الإعلام آنذاكـ الذي سطر بطولة من نوع خاص في إصراره على أن يتم بث هذا الأوبريت في موعد المناسبة بالرغم من أن الحدود كانت مغلقة وليس من الممكن أن يتم نقل هذا التسجيل من لبنان للأردن في الموعد المطلوبـ فاتصل معالي أبو زيد بالأخوين رحباني وطلب أن تقوم الإذاعة اللبنانية وقبل أيام قليلة من ذكرى معركة الكرامة ببث الأوبريت وفي ساعة متفق عليها أن تكون قبل الفجر والناس نيامًاـ وأن يتم التقاط موجات البث اللبنانية من مرتفعات الشمال وتسجيل الأوبريت من البث المباشرـ وبالفعل تم تنفيذ هذه الخطة الإبداعية في الموعد من المحدد وحصلت الإذاعة الأردنية على الأوبريت وتم بثه في الوقت المُحدد في احتفالية السنوية الأولى لنصر الكرامةـ وصدح صوت السيّدة فيروز منشدًا للأمّة الأردنية الحبَّ والعزّةَ والنصرَ والكرامةـ وكان الإعلام الأردني بهذا قد سجّل نصرًا من نوع آخر.

 

تضمن مجموعة من الأغنيات الخالدة التي عكست معالجة الأخوين رحباني للحالة العربية وانتهاءً بالنصر الأردني الذي كُتِبَ هذا العمل لمناسبتهـ حيث ينتهي الأوبريت بأغنية “القصة الأخيرة” والتي صوّرت نهضة الأمّة الأردنية بصوت السيدة فيروز في أبهى صورها وأشكالها :

 

العامل الصغير يكتبُ كلّ يوم حرفاً من التاريخ قبل النوم

والولدُ الصغير في غرفة بالبيت يكتب أقمارًا تضيء البيت

والزارعون يكتبون السطر في التراب.. ويتركون إسمهم يسقط في التراب

وجيشنا يكتبُ تاريخًا لنا بالدّم بالرصاص بالحِراب

ويكتبُ الأردنّ بذهبِ الكرامة بالعزّ بالشهامة تاريخًا كبيرًا يكتبُه الأردن

ويُنشدُ الأردن أغنية بهية حسناء كالحرية أغنية قدسية يُنشدُها الأردن

وإنني نذرتُ يا بلادي .. صوتي لأجل الحق والجهادِ

لقصتنا من شرقنا جميلة … للحبِّ .. للعزّةِ .. للبطولة

 

 

المصدر : أرشيف الإعلامي ممدوح أبو الغنم

صلاح أبوزيد يضيف مكسب فني لمعركة الكرامة بالتعاون مع فيروز

تحدثنافرقة نبطية - رسمة في الجزئين السابقين من سلسلة مقالات (موسيقى الأردنيين الأنباط) عن دلالات استخدامات الموسيقى في حضارة الأردنيين الأنباط ودور المرأة في الحياة الموسيقية النبطية, ونتناول في هذا الجزء نوعية وطبيعة الآلات الموسيقية التي استطاع الباحثون تحديدها ومعرفتها من خلال الآثار المتبقية, وذلك يعني أنه من المرجح وجود آلات أخرى لم تصل إلينا بذاتها أو من خلال الرسومات والمنحوتات. عرف الأنباط الآلات الموسيقية التالية :

أولاً : القيثارة 

وهي من الآلات الوترية وتُسمّى بالفارسية “جنك” وبالإنجليزية “Harp”, ومن هذه الآلة التاريخية القديمة تطوّرت آلة “الهارب Harp” المعروفة بشكلها الحالي والتي هي اليوم جزء من آلات الأوركسترا السيمفوني, يرجع تاريخها إلى 3000 سنة قبل الميلاد وقد استخدمها السومريون والأكاديون والبابليون, كما استخدمت في حضارة وادي النيل بشكل واسع جدًا في مناسبات وفترات مختلفة.عرف عرب الحيرة القيثارة أيضًا وقد أشارت الدلائل الأثرية الى ممارسة العرب اللحيانيين العزف على آلة وترية وُجدت منقوشة على جبال العذيب, وهم الذين عاصروا الأنباط وانتهوا على أيديهم في نهاية القرن الأول قبل الميلاد.

وقد ظهرت القيثارة مع العازفات النبطيات بأشكال وأحجام مختلفة مما قد يعني أن الأنباط قاموا بتطوير هذه الآلة إلى عدة نماذج مختلفة لتتناسب مع استخداماتهم الموسيقية المتعددة, كما ظهرت هذه الآلة مع العديد من تماثيل الآلهة النبطية ومنهم هرمز الذي ظهرت خلف كتفه الأيسر والحال نفسه في تمثالي الآلهة تايكه وزحل الذي ظهرت القيثارة خلف أكتافاهم اليمنى.

ثانيًا : الناي 

وهي من آلات النفخ, والناي لفظة فارسية تقابلها بالعربية كلمة “شبابة أو القصابة”, وفي الإنجليزية “Flute” , وقد استخدمت كلمة مزمار في الكتابات والمصادر التاريخية أحياناً للإشارة إلى الناي.

والناي على نوعين : منفرد ومزدوج, وقد استخدم كلا النوعين عند الأنباط، فظهر الناي المزدوج مع الرجل في منحوتة إمرأتين ورجل, أما الناي المنفرد فقد ظهر مع الإله بان Pan في الرسومات الجدارية النبطية، ويبدو أن إله الموسيقى بان Pan لعب دورًا في ممالك عربية أخرى فقد ظهر في الحضر منحوتة بارزة وهو ينفخ في مزمار يتألّف من تسع أنابيب, ويشير هذا إلى السطوة الثقافية والفنية لمملكة الأردنيين الأنباط على الممالك والحضارات المجاورة, ولايزال الناي بنوعيه المنفرد والمزدوج موجود في الأردن ومستخدم بكثرة في الموسيقى التراثية والشعبية المعاصرة ويُعرف الآن بأسماء أخرى مثل “الشبابة والمجوز”.

ثالثاً : الخرخاشة 

وهي من الآلات الإيقاعية التي تُصدر الأصوات الإيقاعية بضربها أو جعل أجزائها تتصادم ببعضها البعض، ومثّلت هذه الآلة جزءً من المرافقات الموسيقية في الفرق النبطية.

من خلال طبيعة الآلات الموسيقية التي تم اكتشافها لدى الأنباط يُعتقد ما يلي :

1 – تكوّنت الموسيقى النبطية من عناصر موسيقية مكتملة كما نعرفها اليوم, وهي اللحن والهارموني والإيقاع.

2 – اهتم الأنباط بالإرث الموسيقي للشعوب الأخرى التي خاضوا معارك ضدها ولم تكن حروبهم همجية, فلقد أخذ الأنباط آلة القيثارة عن عرب الحيرة الذين أنهى الأنباط وجودهم ولكنهم استفادوا من تراثهم الموسيقي والثقافي.

3 – كان الأنباط منفتحين على الحضارات والثقافات الأخرى المجاورة لهم.

4 – كان لدى الأنباط نماذج حقيقية متنوعة لكل آلة موسيقية, مما قد يُرجّح احتمالية أنهم طوّروا بعض هذه الآلات الموسيقية, والتطوير في الآلة الموسيقية يعني بالضورة وبدون شك أن هناك منهجية علمية اتبعوها في ذلك, ويعني ذلك أيضًا بالتوازي وبالضرورة وجود حركة تأليف موسيقية اضطرت ولجأت إلى تطوير آلة موسيقية بهدف تأدية لحن موسيقي لا يمكن للآلة أن تؤديها بشكلها التي هي عليه.

المصدر :

الموسيقى عند العرب الأنباط – د.إياد المصري, د.مهدي عبدالعزيز

موسيقى الأردنيين الأنباط – الجزء الثالث

12833218_1563668723944705_142443420_n

من أكثر شخصيات التاريخ الأردني الحديث تميّزًا وغموضًا في نفس الوقت .. إنه عقيل أبو الشعر؛ الأديب الروائي والفيلسوف .. والمؤلف الموسيقي أيضًا! قاوم الاحتلال  العثماني بالفن الراقي وانحاز لحريات الشعوب التي سلبها هذا الاحتلال من خلال أدبه وموسيقاه، وحقق نجاحًا وتميّزًا في أوروبا وأمريكا اللاتينية.

ولادته ونشأته والظروف السائدة في منطقة الحصن :

وُلد عقيل سليمان أبو الشَّعْر النمري، الذي وقَّع عدداً من كتبه في بلاد المهجر باسم “أشيل نمر”، سنة 1890 على وجه التقريب في الحصن/ إربد، وكانت الحصن في حينها قد تحولت من قرية إلى بلدة كبيرة ، تجتذب السكان من المناطق المجاورة ، بل من الدول المجاورة حتى، لا سيما من جبل لبنان ودمشق وماردين والناصرة وحوران ، وفقاً للسجلات العثمانية ، حيث يوضح سجل الأملاك  أن عدد الدور في الحصن بلغ 271 داراً وأن عدد الغرف المفردة بلغ 78 “أوضة” بحسب التعبير العثماني بعدد سكان بلغ أكثر من 2000 نسمة عام 1885 وفقا لتقديرات راعي طائفة اللاتين ، في حين قدر الأب “إليكس مالون” عدد السكان بأكثر من 2500 نسمة عام 1905 ، ووصل العدد لأكثر من 4000 نسمة  عام 1913 ، وتميز المجتمع في الحصن بتنوعه الديموغرافي والانفتاح على الثقافات الأخرى وروح التعددية السائدة فيه ، ويستدل على ذلك من سجلات مدرسة دير اللاتين في عام 1885 التي تذكر أصول 110 طالباً وطالبة من منتسبيها ،، وأبان تلك الفترة من الاحتلال العثماني وغياب الخدمات وتعمد التجهيل ، عمد الأهالي في الأردن إلى انشاء الكتاتيب والمدارس الأهلية وفق منظومة العون الاجتماعي ، وهو الأمر ذاته في الحصن التي كانت تضم مدرستين ، واحدة أرتذوكسية ، وأخرى للبروتستانت وهذا يؤكد انفتاح اهل الحصن كسائر الأردنيين على التعليم وايمانهم بأنه وسيلة التحرر من نير الاحتلال وجهله ، وهو ما أوضحناه في بحثنا الخاص عن  نهضة التعليم.

وازدهرت الحركة التجارية في الحصن بشكل يتفوق حتى على اربد مركز لواء عجلون في ذلك الوقت ، فقد احتوت وفقا للسجل المالي : على 75 دكاناً موزعة على عدة أحياء سكنية تسمى حارات ، أهمها : الشرقية، والغربية، والشمالية ، والقبلية (الجنوبية باللهجة المحلية) ، ووسط البلد والسوق القبلي والسوق “الوسطاني” وشارع كنيسة الروم واللاتين ، وجوار البركة ، نسبة إلى البركة الرومانية التاريخية في البلدة، ووصف الأب “إليكس مالون” بلدة الحصن التي زارها عام 1905 ، في مقالته المنشورة بمجلة المشرق قائلاً : “إن الأهالي في الحصن ازدادوا خلال ثماني سنوات بما مقداره ألف نسمة وأنهم يشيدون البيوت الرحبة ويفتحون الدكاكين وأن التجار يأتون لها من دمشق وأن مدارسها على قدم النجاح”.

ومن الواضح للزائر للحصن أن الأهالي في الحصن سكنوا متجاورين في حارات الحصن بعيدا عن أي تقسيمات دينية أو مذهبية ، فالمسيحي بجوار المسلم ، والمسيحي من طائفة معينة بجواره مسلم ومسيحي من طائفة أخرى ، وكانت البركة الرومانية من  أهم معالم البلدة التي تجمع الأهالي لسقاية المواشي ، بينما قام السكان بحفر آبار في بيوتهم يسمى الواحد منها “حاووز” لتخزين الامطار واستخدامها كمياه للشرب ، وما تزال  معالم بيوت تلك الفترة واضحة وماثلة حتى الآن.

عائلة عقيل وأسرته:

تعود عائلة أبو الشعر في نسبها إلى قبيلة الغساسنة الأردنية التاريخية ، والتي كانت أراضيها ومناطق نفوذها تصل لبصرى ومشارف دمشق فيما يعرف بحوران الأردنية والتي تشتمل على أجزاء من مناطق جنوب الجمهورية السورية حالياً ، ووالد عقيل هو سليمان عبد الله عيسى النمر ، وتذكر الرواية الشعبية أن نمر الجد كان جريئ القلب وأنه قتل نمراً في الأغوار وسلخه ولبس جلده ، فسمي بالنمر وعرف أعقابه بالنمورة ، ويعرفون اليوم بـ “النمري”، أما ابنه عيسى فكان ينزل للسباحة في البركة الرومانية التاريخية ليغسل شعر رأسه، وكان له شعر طويل كعادة فرسان العشائر الأردنية فسماه الناس : “أبو الشعر” وعرف فيه اعقابه، وقد استخدم عقيل الكنية المعروفة آنذاك وهي “النمر” وليس “النمري” كما يشاع استخدامه حالياً.

تزوج والد عقيل من امرأة حورانية من احدى قرى سهل حوران ، وأنجب منها بنات ولم ينجب ذكوراً، وكان ملّاكاً وصاحب ثروة ، فعملت الزوجة الحورانية على تزويج زوجها من امرأة تهبه الذكور من الأبناء ، وهذا ما حدث فقد أنجبت الزوجة الجديدة 4 من الأبناء الذكور وابنة انثى ، وكان عقيل أصغر الأبناء ، وقد عمّرت والدته حتى تجاوزت المائة عام ، وبقيت تسأل في آخر أيامها عن ابنها الذي هاجر ولم يعد ، وظلت تبكيه  حتى أيامها الأخيرة وفقاً لروايات احفادها.

ومن أحفاد والد عقيل ، رجالات لهم حضورهم في تاريخ الأردن السياسي والثقافي ، فحفيده المحامي نجيب أبو الشعر اول عضو في المجلس التشريعي الأردني الأول عام 1929 ، وهو المعارض المعروف للمعاهدة البريطانية ، وكان محامي المقر العالي للأمير عبد الله ، ومحامي مجلس بلدية الخليل ، وقنصلاً فخرياً للأردن في مصر ، وأخيراً عضو في مجلس الأعيان الأردني قبل اغتياله الفاجع.

أما الحفيد الثاني فهو المحامي والاعلامي أمين أبو الشعر ، عضو أول مجلس نيابي أردني ومدير المطبوعات والنشر ومدير الاذاعة الأردنية ومؤسس صحيفة الرأي ، ومؤسس مطبعة الجمعية الملكية.

54739a1424bad989ba8ee6e629cf87505afffd93

عقيل قبل الهجرة :

هنالك العديد من المراحل التي تقسم حياة “عقيل” خلال رحلة البحث عنه واستعادة ارثه والتي قطعت فيها الباحثة والمؤرخة الدكتورة هند أبو الشعر ، شوطاً طويلاً إلى جانب عدد من النخب والقامات الأكاديمية  أمثال الدكتور عدنان كاظم والدكتور وائل الربضي ، الذين استكملوا ما بدأه الكاتب الأردني الكبير يعقوب العودات المعروف بالبدوي الملثم ، ولعل صعوبة كل مرحلة أكثر من غيرها من خلال غياب التوثيقات  والمراجع وعدم توفر الوثائق ، مما استدعى الاعتماد على الرواية الشفوية من معارف عقيل وعائلته ، خصوصاً فيما يتعلق بفترة ما قبل ولادته ، فتذكر الدكتورة هند أنها لم تتمكن من الحصول على أي توثيق لفترة ولادة عقيل ، رغم محاولتها الحصول عليها وزيارة الأرشيف العثماني في اسطنبول، والبحث في السجل الكنسي للعماد ، لكن الواضح أن العائلة أجرت طقس العماد لأبنائها في الكنيسة الأرثذوكسية ، والسجلات غير متوفرة وربما تكون مفقودة ، ومما لا شك فيه أن عقيل قد درس في مدرسة دير اللاتين التي تم تأسيسها عام 1885 ، وتستند أبو الشعر في هذا إلى قيام الأب المرحوم نعوم كرادشة باطلاعها على سجل المدرسة منذ العام 1885 وتصويرها لبعض صفحاته، إلى جانب العلاقة المتينة بين شقيق عقيل “سليم” والأب هولندي الجنسية ” أدريانوس سمتس” ، الذي بقي في الحصن كاهناً خلال الفترة (1900-1910) وهو الذي جمع التبرعات لبناء كنيسة اللاتين الحالية ، ونشر إعلانات في صحافة الغرب للحصول على التبرعات ، واستقدم مواطنه الرسام “بيتر جيرتس” الذي أقام في الحصن ست سنوات ، ويبدو أن الأب سمتس هو الذي أرسل الطالب النبيه “عقيل” إلى القدس أملاً في أن يدخل سلك الكهنوت، وهذا يعني أن عقيل كان أحد طلبة مدرسة دير اللاتين حكماً ، لأنه أرسل للدراسة في القدس مبعوثاً منها.

تعليمه في القدس :

تبين مصادر المرحلة أن العلاقة بين القدس وأبناء الطوائف المسيحية الأردنية كانت قوية ، خصوصاً بين أهالي الحصن والسلط ومادبا والفحيص والرميمين ، ويؤكد على ذلك أن أهالي السلط والفحيص كانوا يعدون سوق القدس سوقاً يومية لهم ولبضائعهم التي كانوا ينتجونها ويبيعونها في دكاكين القدس ، وفي عام 1918 هاجر الكثير من أهالي السلط والفحيص إلى القدس وقضوا فيها عاماً  حتى نهاية الحرب العالمية الاولى نتيجة القصف المتبادل على المدينة بين العثمانيين والبريطانيين خاصة أن السلط كانت أحد أهم مسارح الاحداث فيها تزامناً مع الثورة العربية الكبرى ، فيما يعرف بـ “سنة الفلّة”.

كما تعتبر القدس المحطة الأولى للمهاجر من الأردن للجانب الآخر من البحر المتوسط، في طريقه إلى أوروبا والأمريكيتين، وهو المبرر المعقول لمسيرة عقيل التي انتقل فيها من الحصن إلى القدس ، وبذلك شكلت المناطق الفلسطينية مناطق عبور لقوافل العقول الأردنية التي هاجرت في تلك الفترة بحثاً عن الأمل وهروبا من الصلف و التسلط العثماني، فمنهم من بنى نفسه وعاد ليساهم في بناء الدولة الأردنية الحديثة ، أمثال “محمد بطاح المحيسن” ومنهم من أسس مجتمعات وحقق نجاحات يحق للأردنيين الافتخار بها .

تعلم عقيل العزف على الكمان وكان تعليم الموسيقى معروفاً في المدارس آنذاك ، خصوصا في مدارس الطوائف لأغراض دينية فالطقس الكنسي يقوم على العزف المصاحب للصلوات باستخدام آلة الاورغ، وهو ما أملك عقيل حسًا فنيًا وأدبيًا مرهفًا، وهذا ما يفسر براعة عقيل في الجانب الموسيقي ، واتجاهه لتأليف المقطوعات الموسيقية وتعليم الموسيقى في غربته ودار هجرته.

السفر الاول لأوروبا –  الابتعاث للدراسة في ايطاليا :

كان هناك العديد من الزيارات القصيرة التي قام بها عقيل لعائلته أثناء فترة دراسته في القدس، قبل أن يبتعثه دير الفرنسيسكان لدراسة اللاهوت والفلسفة والموسيقى في ايطاليا، وهو إجراء متبع في الكنيسة لتأهيل الكهنة ، وليس معروفاً على وجه التحديد الجامعة التي درس فيها وتخرج منها، إلاّ أنه من المرجح أن يكون ذلك في روما ، وعلى وجه التحديد “كلية دي لاتان دي روما” التي يدرس فيها كهنة روما ، والتي وردت الإشارة لها أكثر من مرة في رواية الانتقام التي كتبها عقيل، ومنها حصل على شهادة الدكتوراه في اللاهوت والفلسفة والموسيقى في العقد الأول من القرن العشرين. واستطاع أن يشق طريقه الموسيقي بنجاح وتميّز في أوروبا التي كانت تضج آنذاك بالتيارات والتجارب الفنية الناضجة والمتنوعة وذاع صيت المقطوعات الموسيقية التي كتبها أبو الشعر بإحساس شرقي نابع من بيئته الأردنية ووضعها في قالب وأسلوب غربي ليتمكن الجمهور الأوروبي من فهمها، وليضع النكهة الموسيقية الشرقية في القالب العالمي فكانت من أوائل تجارب التلاقح الشرقي الغربي موسيقياً.

السفر الثاني لأوروبا – الهروب والهجرة :

بعد عودة عقيل وبداية ازدهار حياته الأدبية كان واضحاً عمق الثقافة والإطلاع والوعي بقضايا المنطقة ومعاناة شعوبها تحت الاحتلال العثماني وهي المرحلة التي كان نتاجها نشره لروايته “الفتاة الأرمنية في قصر يلدز” والتي تمت ملاحقته على اثرها، وتم تهريبه  خوفاً عليه من العثمانيين وذلك قبل بداية الحرب العالمية الأولى ، لتبدأ المرحلة الموثقة والتي كانت بإقامة عقيل في باريس تزامناً مع بداية الحرب ، وهي تلك الفترة التي قرر فيها أن يترك الكهنوت ، ومن المؤكد أنه لم يتمكن من العودة إلى مسقط رأسه وأهله ، وأنه بدأ حياته العملية والفكرية في باريس ، كما كان عضواً في جمعية “من أجل فلسطين” التي كانت في شارع “ستراسبورغ” شارع الصحافة في باريس ، وهو العنوان الذي كانت تحمله بطاقاته البريدية ، كما ان الغلاف الداخلي لروايته “القدس حرة” تضمن اشارة إلى هذه الجمعية ، وهو ما يعزز ما وصلنا عن نشاطه السياسي مع أحرار العرب في باريس، إلى جانب حضوره مؤتمر الصُّلح في “فرساي” بفرنسا (شباط 1919)، والتقى خلاله بالأمير فيصل بن الحسين والوفد العربي المرافق له وعندما عاد الأمير فيصل إلى دمشق استدعى شقيقه الأكبر سليم من الحصن إلى دمشق واهداه عباءة واسعة وساعة جيب فضية تكريماًً لشقيقه عقيل ، وشارك بالعزف أمام الرئيس الأميركي حينئذ “ودرو ويلسون” ، وقد وُجِد بالبحث عن عقيل ما تم ذكره في الموقع الالكتروني لمؤسسة ثقافية في جمهورية الدومينيكان تعرف يإسم مؤسسة بوش خلال مؤتمر في سانتو دومينغو للمهاجرين إلى الجمهورية من أصول عربية ، حيث كرّم صاحب المؤسسة عقيل وأهدى الورقة إلى ذكراه والتي جاء فيها : ليس لأنه كاتب، كتب وعلّم في الدومينيكان ، وليس لأنه صديق ، بل لأنه وعند حضوره لمؤتمر فرساي بباريس عام 1919م وقف  ونادى على الرئيس ولسون بصوت جهوري ، وطالبه بتحرير جمهورية الدومينيكان ، وكانت الجيوش الأمريكية احتلت الجمهورية عام 1916، وقد وصف بوش – مؤسس هذه المؤسسة الدومنيكية – عقيل بأنه (شاب طويل القامة وممتلىء ونبرة صوته مرتفعة).

وتؤكد إحدى البطاقات البريدية القليلة التي ارسلها عقيل إلى أمه وشقيقه الأكبر سليم أنه نجح أثناء الحرب العالمية الأولى في نشر كتاب “ضد الأتراك” وعن نيته زيارة الحصن لكنه لم يتمكن من ذلك ، وقد أشار البدوي المثلم في ترجمته لسيرة عقيل إلى مقطع من هذا الكتاب وعنوانه “العرب تحت النير التركي”، وفيه يشبه عقيل العرب بحقل سنابل، كلما نبتت سنبلة حصدها منجل السلطة العثمانية ، ولم يتطرق البدوي الملثم لتفاصيل الكتاب واللغة التي كتب بها ، ويرجح أن يكون البدوي الملثم قد قرأ الكتاب في مكتبة نجيب أبو الشعر التي كان يحتفظ فيها بنسخة من كتاب عقيل ، قبل أن يفقدها ويفقد بيته بالقدس ويعود إلى عمان عام 1948، وهذا ما أكدته زوجة البدوي الملثم ، السيدة نجلاء ابنة بولص شحادة “صاحب صحيفة مرآة الشرق” في اتصالات دورية متبادلة مع الدكتورة هند أبو الشعر.

4bbef1d5efe07d259ccad845da581c5524568116
رسالة الراحل عقيل أبو الشعر إلى والدته من فرنسا يطمئنها على أحواله و نجاحه في نشر كتابه الجديد ضد الأتراك – من مجموعة د. هند أبو الشعر

 

هناك بعض الدلائل على قيام عقيل بزيارة المنطقة خلال الحرب العالمية الاولى ، حيث كان يعمل صحفياً مراسلاً لصحف غربية ، وهو ما وثقه في روايته “القدس حرة” ، ويؤكد ذلك مفكرة لشقيقه الأكبر “سليم” تعود لعام 1913 وقد سجل فيها ملحوظات متتابعة لم يذكر تاريخها ، يشير فيها إلى دهشته وهو ينزل في “لوكانده الشرق” في القدس عندما وجد شقيقه “عقيل” وقد وصل إلى القدس ونزل فيها ، وقد حاول سليم استغلال عودة شقيقه لتزويجه من إحدى “بنات العرب” فوافقه عقيل وعاد سليم إلى الحصن للبحث عن عروس مناسبة ، لكن عقيل سافر دون أن يتزوج ، ووفقاً للبدوي الملثم فقد استقر عقيل لفترة طويلة في مرسيليا وكان قنصلاً لجمهورية الدومنيكان ، وتزوج فيها من كونتيسة فرنسية، وهذا يضع علامة استفهام كبيرة حول السبب الذي منع عقيل من زيارة الحصن ، وإلى دفع شقيقه للذهاب إليها وحده ليبحث له عن عروس في بداية الأمر، ويؤكد ذلك ما رواه  “غازي” ابن شقيق عقيل ، الذي أكد انه وهو ابن أحد عشر عاماً ذهب مع جدته إلى حيفا لرؤية عقيل ، بعد رسالة يبدي فيها رغبته لقاءها قبل سفره ، وأنه ينتظرها في الميناء ، فسافرت الجدة وحفيدها لرؤية ابنها ، وبدأت الرحلة من الحصن إلى درعا ثم إلى حيفا ، حيث ستبحر سفينة الهجرة الأبدية ، فسهروا تلك الليلة وكانت الليلة الأخيرة مع عقيل وتناولوا طعام العشاء وكان عقيل يطعم أمه بيديه ، ويبدو أنه خطط للسفر بغير علمها ، ورفض أن يأخذ النقود الذهبية التي أحضرتها له ، وفي الصباح سلم النادل في غرفة الطعام رسالة وداع كتبها عقيل لأمه ومعها حزمة نقود، وكان في حينها يركب الباخرة التي انطلقت في طريقه لهجرة أدبية دون عودة ، وبقيت الأم منذ ذلك الحين تنتظر عودة المهاجر الغائب !

ويرجح أن هذا اللقاء حدث في عام 1912 ، لأن غازي من مواليد 1900 ، وقد وصف غازي عمه عقيل بأنه كان حضارياً ورقيقاً وعاطفياً ، ومعه آلة كمان في بيت جلدي ، ويبدو أن عدم ذهاب عقيل إلى الحصن يعود لأسباب ملاحقته من العثمانيين بسبب نشر روايته “الفتاة الأرمنية في قصر يلدز” في ذلك العام، وهي الرواية التي تدل على شعور عقيل وانسانيته التي تجاوزت جغرافية منطقته، فيصور المجازر والظلم العثماني الذي لحق بشعوب المنطقة والعالم في ذلك الوقت.

استعادة إرث عقيل :

بذل المؤرخون والأكاديميون الذين اهتموا بسيرة عقيل وإرثه جهداً عظيما، لا يسعنا إلا الثناء عليه واستعراضه ، فإلى جانب الدكتورة هند أبو الشعر المؤرخة والمختصة بالبحث في التاريخ ، نلاحظ أن الموضوع تجاوز حدود عائلة عقيل وأردنيته ، ليشارك في مسيرة البحث عنه الأكاديمي العراقي الدكتور عدنان كاظم الذي تولى ترجمة عدد من روايات عقيل وعلّق عليها، وكذلك فعل الدكتور وائل الربضي ، وقد نجحت الجهود في العثور على جزء من إرث عقيل لتضاف إلى السجل الطويل  من اساهامات الأردنيين الأدبية في الإرث الانساني العالمي، ومن ضمن إرث عقيل عدد  من المقطوعات الموسيقية ، والروايات والكتب نستعرض أبرزها :

الأعمال الأدبية :

ت المؤلَّف النوع اللغة سنة النشر مكان النشر نبذة
1. العرب تحت النير التركي كتاب الفرنسية 1917 باريس كتاب ضخم من 3 مجلدات وصفه عقيل في إحدى برقياته عام 1919 بأنه نشره في “زمن الحرب ضد الاتراك” ويستعرض فيه معاناة العرب تحت الحكم التركي ، ويدل على وعي المثقفين العرب والحركة الثقافية للتحرر التي سبقت الحركة الثورية المسلحة وتزامنت معها.
2. أساطير/حكايات نهر الأردن مجموعة شعرية غير معروف غير معروف مجموعة شعرية تدل على البعد العاطفي لعقيل واشتياقه للأردن ووطنه الذي لم يستطع العودة له
3. الفتاة الأرمنية في قصر يلدز رواية العربية 1912 غير معروف رواية تصور معاناة شعوب المنطقة تحت الاحتلال العثماني والمجازر والإبادات العرقية التي تعرضوا لها
4. القدس حرة ، نهلة غصن الزيتون

 

(ترجمها عدنان كاظم إلى العربية، وأصدرتها وزارة الثقافة، عمّان، 2012)

رواية الاسبانية 1921 باريس تستعرض الرواية موضوع الهجرة الصهيونية ومحاولات تهويد القدس  ، حيث يصل الصحفي “حربا الأردني” الى القدس مندوباً عن صحيفتين غربيتين لتغطية وصول أربعة عشر سفينة محملة بالمهاجرين الى ميناء يافا ، ويذهب من القدس إلى يافا ويصف طوربيدات الانجليز التي تحميهم وتتبعهم وهم ينتقلون من يافا الى القدس ، ويحتلون المقاعد والفنادق ويزاحمون الأهالي.
5. إرادة الله

 

(ترجمها عدنان كاظم إلى اللغة العربية، وأصدرتها وزارة الثقافة، عمّان، 2013)

رواية الإسبانية 1917 سانتو دومينغو وصف عقيل روايته هذه بأنها رواية تاريخية ، وأضاف على وصفه توضيحاً يقول “فظائع الاستبداد التركي في فلسطين ، ويستوقفنا الإهداء الذي قدمه للرواية بقوله : (إلى شباب بلدي المبعثرين في الأمريكيتين تحية أخوية) وهو إهداء يحمل روح عقيل وواقع هجرة شباب المنطقة الذين بعثرهم التجنيد العثماني الإجباري “السفربرلك” ، ويكشف الاهداء عن عاطفة الرجل تجاه الوطن والأهل ويبدو من خلاله تفتح وعي الرجل وعمق ثقافته وجرأته على المسكوت عنه ، ونقده الذكي الساخر بلا مواربه.
6. الإنتقام

 

(ترجمها وائل الربضي إلى اللغة العربية، وأصدرتها وزارة الثقافة، عمّان، 2013)

رواية الفرنسية 1935 مرسيليا كتب الى جانب عنوانها عنوان مصغر هو : “مأخوذة عن يوميات مهاجر فرنسي الى سان دومانج” ، وهي منشورة في مرسيليا بفرنسا ، حيث كان عقيل قنصلاً لجمهورية الدومينيكان ، ومرسيليا هي محطة المهاجرين العرب الى الامريكيتين ، وقد أهدى عقيل هذه الرواية لرئيس جمهورية الدومينيكان ، ويبدو أنها تمثل السيرة الذاتية لعقيل نفسه ، وهو بالتأكيد السيد “بيرنار” الذي هاجر من فرنسا الى الدومينيكان ، وهي رواية للنخبة وأبطالها من النخبة السياسية والقيادات الدينية والفكرية في الجمهورية، وفيها من العمق في الطرح والتعبير أكثر مما نتصور لرواية كتبت في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين.
7. المفتونات رواية 1917
8. نجا رواية
9. ظل وقيود رواية
10. حواري وساتير رواية
11. ماركوتا رواية

a44c72fe45d49e457246c690756b9c3fe6ddad2e

19212896_1178096685668791_1872424763_o

19369064_1178096739002119_1391048415_o

الهجرة الى الدومينيكان

هاجر عقيل إلى جمهورية الدومنيكان، وتُورد المصادر المتوفرة أنه عُيّن رئيساً لبلدية العاصمة “سانتو دومينغو”، ثم قنصلاً للدومنيكان في مرسيليا بفرنسا مرتين، إحداهما سنة 1934. وتولّى أيضاً منصب وزير خارجية الدومنيكان.

يُشار إلى أن عقيل شخصية حضارية وثقافية وعاطفية وكان يتحدث ويتقن العديد من اللغات، حيث أتقن ثماني لغات حية هي: اللاتينية، والفرنسية، والإسبانية، والإيطالية، والتركية، والروسية، والإنجليزية، واليونانية. وعُثر على مقدمة وضعها باللغة الإيطالية للرواية المشهورة “الحياة حلوة” (La vitaè dolce)، ووُصِف أيضا بانفتاحه على الحريات ورفضه لكل أشكال الاحتلال ولاسيما الاحتلال  العثماني الذي كان يُطبق بفكّيه على أي منبر تنوير في الشرق، فلقد ودّع عقيل أمه مهاجرًا لأنه لم يستطع الذهاب إلى بلدته الحصن لأسباب أمنية بعد نشره لروايته “الفتاة الأرمنية في قصر يلدز”، التي لم تكن لتعجب السلطات العثمانية!.

راجت أعماله الأدبية في أوروبا وأميركا اللاتينية، ومُنعت من دخول مناطق سيطرة الاحتلال العثماني التي لاحقته كما أشرنا بعد صدور روايته الأولى “الفتاة الأرمنية بقصر يلدز” في باريس (1912)، حيث تحدّثَ فيها عن اضطهاد العثمانيين لأهله الأردنيين وأشقائهم  من شعوب المنطقة ، ويتضمن الغلاف المتوافر لهذه الرواية عنوانها باللغة العربية، مما قد يشير إلى أنها مكتوبة بالعربية، وبذلك تُسجَّل لهذا الأديب الأردني الريادة في كتابة الروايات عربياً.

وللأسف فقد انقطعت أخباره بحسب الروايات العائلية في أواخر أربعينينات القرن العشرين، ولم يُعرَف تاريخ وفاته أو مكانها، ولم يصلنا أي شيء من مقطوعاته الموسيقية، وتسعى مؤسسة إرث الأردن بالبحث أملاً في الحصول على أي وثيقة تتعلق بمؤلفاته الموسيقية تحديدا، إيمانًا بما تمثّله هذه التجربة الأردنية العالمية في الموسيقى من رصيدٍ كبير للإرث الموسيقي الأردني والإثراء الانساني بشكل عام.


المراجع :

  • أوراق الندوة التي نظمها مركز “الرأي” للدراسات بعنوان: “عقيل أبو الشعر والتأصيل لفن الرواية”، وشارك فيها: هند أبو الشعر، ومنتهى الحراحشة، ووائل الربضي، وعدنان كاظم وجعفر العقيلي، عمّان، 6/4/2013.
  • عقيل أبو الشعر.. المهاجر إذ يعود ، د. هند أبو الشعر، الرأي ، 2013.
  • موقع وزارة الثقافة الأردنية
  • مقدمة وملاحظات المترجم د.عدنان كاظم ، رواية إرادة الله
  • مقدمة وملاحظات المترجم د.عدنان كاظم ، رواية القدس حرة
  • تقديم د. هند أبو الشعر ، رواية إرادة الله
  • تقديم د.هند أبو الشعر ، رواية القدس حرة
  • وأخيراً عاد المهاجر إلى أرض الوطن ، د.هند أبو الشعر

عقيل أبو الشعر النمري

فرقة موسيقية نبطيةاعتاد الناس على النظر إلى الحضارات القديمة على أنها أقل تقدّمًا منّا في كلّ شيء، وفي الحقيقة أن حضارة أجدادنا الأنباط تقدّمت على الكثير من الحضارات التي
سبقتها وتلتها وعلى الكثير من التجمعات البشرية الموجودة في وقتنا الحالي، وإحدى أهم ركائز التقدّم المجتمعي هو ما يُنادى به اليوم بإسم “المساواة بين الرجل والمرأة”، وعلى ما يبدو أن أجدادنا الأنباط لم يتطرقوا للمطالبة بشيءٍ كهذا لأنه كان جزءً من حياتهم الاعتيادية، المستقرّة والمتوازنة.

من الجدير أن نتناول في يوم المرأة العالمي للعام 2016 واحدًا من أبهى جوانب إرثنا الموسيقي وهو دور المرأة النبطية في الموسيقى قبل أكثر من 2016 عام!

عثر الباحثون على منحوتة أثرية في البتراء تظهر فيها الفرقة الموسيقية والمكوّنة من إمرأتين ورجل، ويقودنا هذا الاكتشاف إلى استنتاجين في غاية الأهمية :

أولاً : كانت المرأة تمارس الموسيقى بإحترافية جنبًا إلى جنب من الرجل، وتلعب دورًا تقنيًا في صناعة الموسيقى وليس دورًا ترفيهيًا أو شهوانيًا، وإنما تجلس إلى جانب الرجل لتأدية القطعة الموسيقية بنفس درجة الكفاءة وأهمية المشاركة.

ثانيًا : كانت عزف الموسيقى لدى الأنباط فرديًا (Solo) وجماعيًّا (Tutti) بحسب ما يتناسب مع نوعية المناسبة، وهذا يُرجِّح بنسبة كبيرة ظهور العازفات النبطيات في أداء منفرد Solo وهذا يدل على إتقانهن واحترافيتهن في الموسيقى.

ثالثاً : تمتَّع الموسيقيون الأنباط بمكانة مرموقة وذات أهمية في المجتمع، وأول دليل على هذا هو عمل التماثيل لهم، فالتماثيل عادةً تُصنع للآلهة والحكّام وعلية القوم، بل والمثير للإهتمام أن هذه التماثيل صُنِعت من الفخار بأحجام صغيرة نسبيًا وهو ما يشير إلى سهولة اقتنائها من قبل عامة الناس الأمر الذي يدل على اهتمام العامة بالموسيقى وأهمية الموسيقيين ومكانتهم الدينية الرفيعة أو حتى قدسيتهم بين الناس.

نستنتج مما سبق أن أجدادنا الأنباط كانوا من الرّقي ما يكفي لأن تكون المرأة شريكة للرجل حتى في صناعة الموسيقى الدينية والدنيوية، لا تقل أهمية مشاركتها عن مشاركة الرجل بشيء، وتظهر المرأة إلى جانب الرجل بنفس الدور الوظيفي والأدائي بعيدًا عن الابتذال والمجون!!

وحتى يومنا الحالي حافظ الأردنيون على دور المرأة في الموسيقى برصانة و وقار، فالمرأة الأردنية تتعلّم وتُعلِّم الموسيقى في المدارس والجامعات، وتشارك مع الأوركسترا كعازفة لمختلف الآلات أو كمغنية منفردة في كافة أشكال الغناء الغربي والشرقي، بل ومؤخرًا اقتحمت المرأة الأردنية مجال التأليف الموسيقي وقيادة الجوقات والفرق الموسيقية وأثبتن مهارة عالية في كل المجالات المذكورة سابقًا.


المراجع :

الموسيقى عند العرب الأنباط – د.إياد المصري، د.مهدي عبدالعزيز، معهد الملكة رانيا للسياحة والتراث ، الجامعة الهاشمية.

تماثيل الآلهة النبطية سماتها وخصائها – د.إياد المصري، رسالة دكتوراة غير منشورة، جامعة بغداد.

المرأة النبطية الأردنية ، موسيقيّةٌ أيضًا

12767383_1556431831335061_1873115167_n

لا يزال الأردنيون الأنباط يدهشوننا بآثارٍ حفظت ملامح حضارتهم التي عاشوها قبل أكثر من ألفي عام. كما في اللوحة النبطية المُرفقة التي يظهر فيها طفل مجنَّح يعزف على آلة الفلوت (أو الناي القديم)، وغيرها من الآثار الأخرى.

اهتم أجدادنا الأنباط بالموسيقى واستخدموها في مناسبات مختلفة، وترجمت هذه الاستخدامات العديد من أفكار ومعتقدات وملامح الرفاهية الفكرية والاقتصادية لديهم مثل:

•الطقوس الدينية : ويمثّل هذا الاستخدام اهتمام الأنباط بالأبعاد الروحانية للموسيقى حيث وجد الأنباط قبل استخدام الديانات السماوية بالعبادات أن الموسيقة محفز التناجي الروحاني.

•الطقوس الجنائزية : وهذا يعكس اهتمام الأنباط بفكرة الخلود، وهو تأثير فرعوني، مما يؤكد انفتاح الأنباط على الحضارات الأخرى ليس فقط إقتصاديًا ومعماريًا وفنياً  بل أيضًا في الجوانب الفلسفية. وتعتبر الموسيقى المصاحبة للجنائز من أرقى وأسمى مظاهر التعبير عن الحزن واضفاء الاحساس الجمعي على أهل الفقيد بأن مشاعرهم عامة.

•الاحتفال بالأعياد ومواسم المناخ والحصاد: أضفى استخدام الموسيقى في هذه المناسبات طابعًا قوميًا للإحتفال بالأعياد والمواسم لدى الأنباط، مثل الاحتفال الذي كان يُقام في 25 كانون الثاني في عيد الحج للإله ذو الشرى. ويعكس هذا الجانب الرفاه والاستقرار الفكري للأنباط الذين استطاعوا أن يوجدوا صيغة مستركة بين المعتقدات الدينية والهُوية الثقافية للمجتمع مقدرين دور وأهمية الفنون ولاسيما الموسيقى في هذا المجال.

•الاحتفالات الوطنية والاحتفالات المتعلقة بالبلاط الملكي: إهتم الملوك الأنباط بالموسيقى وجعلوا منها جزءًا أساسيًا في المأدبات الرسمية ومناسبات التنصيب وميلاد الأمراء، ورافقت الموسيقى مواكب ملوك الأنباط, وهذا ثراء الأنماط الموسيقية وتنوّعها لدى الأنباط وإدراكهم لأهمية البروتوكولات الرسمية ودورها في تقديم الدولة بأبهى صورها.

•خلال الحرب وبعد تحقيق النصر : دلّت النصوص على أن الأنباط أقاموا عيدًا لتخليد ذكرى معركة أكتوم التي حدثت سنة 31 قبل الميلاد والتي انتصر فيها الأنباط على أسطول كليوبترا، وخصصوا هذا الحفل الذي تخللله الموسيقى الرسمية أيضًا لتكريم المواطنين المخلصين وتتويج المنتصرين، وعاد هذا التقليد للأردن حالياً، حيث يُقام سنويًا في عيد الاستقلال حفلاً يُكرَّم من خلاله نخبة من أبناء الوطن المتميزين.

•احتفالات الزواج : استخدم الأنباط الموسيقى في إعلان الزواج.

وكنتيجة؛ يرى الخبراء أن هذا التنوع في استخدامات الموسيقى لدى الأنباط يعني بالضرورة وجود أنماط وأشكال مختلفة من الموسيقى حتى تتناسب مع طبيعة كل استخدام وكل مناسبة, وهذا الرفاه الفني لا يمكن أن يوجد إلا في مجتمع مستقر ومتماسك وقادر على تحقيق هذا التقدم الفني والثقافي المميز والأنباط أكثر من ذلك حيث ساهموا بالمسيرة الانسانية ككل.

وسنتحدث في سلسلة منشورات قادمة عن جوانب أخرى للموسيقى لدى الأنباط…


المصدر : الموسيقى عند العرب الأنباط – د.إياد المصري, د.مهدي عبدالعزيز

الصورة : لوحة نبطية تم اكتشافها ورممها خبراء بريطانيون قبل سنوات في البتراء ويظهر فيها طفل مجنَّح يعزف على آلة الفلوت – صحيفة الغارديان البريطانية.

موسيقى الأردنيين الأنباط-الجزء الأول

Scroll to top