المسار التاسع لمعارك التحرير – رم
خط المسير الجغرافي لقوات الثورة : القويرة – رم – الديسة والطويسة – منيشير

220JPG

246JPG
مجموعة من ضباط و مقاتلي قوات الثورة في معسكر القويرة

تمهيد :

 لم تجر في هذا المسار عمليات عسكرية كبيرة أو نشاطات معينة باستثناء ما جرى في القويرة (معسكر الاردن ) ولكن كانت هذه الطريق على درجة من الأهمية لأنها شهدت حركة قوات الثورة العسكرية ، خاصة وأن منطقة رم قد استخدمت في  فترة من من الفترات كمعسكر للجيش العربي وذكر اسم جبل الخزعلي كمكان لهذا المعسكر .
وجبل الخزعلي هو في أول مدخل وادي رم بعد مخفر البادية وهو يبعد حوالي 4 كيلومتر ويظهر كجبل منفرد صخري ولكنه ذو قيمية تاريخية فلا زالت  النقوش النبطية القديمة تظهر في السيق القصير والذي يصعد الى قلب جبل الخزعلي وقد شهد جبل الخزعلي تخييم قوات الثورة العربية فيها .

rum
فرسان العشائر الأردنية و مقاتلي الثورة يجتازون جبال رم

 

فيلم الأكاذيب

ومنطقة جيل الخزعلي والتلة الصغيرة المقابلة له شهدت تصوير فيلم ( لورنس العرب) في أوائل الستينات من القرن الماضي، هذا الفيلم غير الموضوعي في طرحه وتناوله للثورة العربية الكبرى، خاصة وأن الموضوع الأساسي هو لإظهار دور لورنس كبطل فردي وقائد أوحد للثورة العربية، وأغفل دور مقاتلي الثورة و فرسان العشائر الأردنية الحقيقي ، بل وظهر مقاتلو الثورة كأشخاص يقاتلون من أجل أهداف محدودة ولم تظهر في الفيلم فكرة التحرر من الاحتلال العثماني و الاستقلال من عباءة الدولة التركية.
13140531_10154029248950211_1533711072_n

 جاء فيلم لورنس الذي تم تصوير معظم أحداثه في منطقة رم وجبل الخزعلي وصحراء الأردن حول خط سكة الحديد والعقبة ، ليعطي صورة مناقضة لا تتفق مع واقع أهداف الثورة ولا مع صورة قادتها و أبطالها من فرسان العشائر الأردنية .

اتجاه المسار

يبدأ هذا المسار من القويرة ويسير باتجاه الجنوب الشرقي نحو منطقة ” قاع أم سلب” وقد استخدم هذا القاع كمطار خلال الحرب العالمية الثانية واستخدم الى فترة قريبة كمطار لتدريب الطيارين المقاتلين في سلاح الجو الملكي الأردني. وبعد قاع أم سلب يكون الدخول الى وادي رم وتتشعب الطريق عند مدخله لتتجه شرقا نحو الديسه والطويسه ومنيشير ، والطريق الاخر الذي يتجه نحو الجنوب الشرقي إلى رم .

103JPG
مجموعة من رجال قبيلة بني عطية يقومون بتحميل المؤن لقوات الثورة في العقبة استعدادا لنقلها لمعسكرات الثورة

 

أهمية المسار

تأتي أهمية هذا المسار من أن منطقة الديسة والطويسة غنيّة بالمياه، وتوفر أجواءا ممتازة لاستخدامها كموقع عسكري وبعدها الوصول الى المنيشير ومن ثم يمكن النفاذ الى طريق معان – المدورة الاستراتيجية والالتقاء مع خط سكة الحديد .

و يذكر أن منطقة الديسة هي منطقة تخييم ، ويوجد في صخورها نحت حديث لا يزيد عمره عن ثلاثين سنة من الآن وهو للملك عبدالله بن الحسين بالعمامة وبجانبه لورنس وهو يرتدي الحطة البيضاء، رغم أن الملك عبدالله لم يلتقي في لورنس في هذه المنطقة أبدا و رأيه في لورنس معروف والزائرون يصلون الى هذا الرسم الذي اصبح معلما من معالم المنطقة.

naht

المراجع :

  • الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر، 2011  .
  • الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  • التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .

المسار التاسع لمعارك التحرير – رم

علي خلقي الشرايري

alikholqi

هو زعيم أردني من حوران الأردنية، و صاحب بصمة واضحة في تاريخ الأردن و المنطقة ، كان قائداً عسكرياً في الجيش التركي ووصل لرتبة قائم مقام عسكري، ثم اميرالو (أمير لواء). كما تقلد منصب حاكم عسكري في مكة قبل الثورة العربية. وشارك في معارك بأماكن مختلفة في العالم مع الجيش التركي مثل القوقاز وتركستان ضد الجيش الروسي، وفي ليبيا ضد الجيش الايطالي. وفي الثورة العربية انحاز مع شعبه و بلده و نضالهم ضد الاحتلال العثماني بعدما انكشفت له خديعة العثمانيين وتقلد منصب وزير في عهد الهاشميين.

نشأته و حياته

ولد علي خلقي الشرايري سنة 1878  في مدينة إربد بمغارة تعود ملكيتها إلى جده علي بن سليم، وسمي علي تيمنا بجده، لم يعش الطفل علي طفولة رغيدة كالتي يعيشها أطفال المدن، بل عاش طفولة اتسمت بشقاء الفلاحين في تلك الفترة. حيث شارك والده بالأعمال الزراعية وفلاحة الارض، يقول اللواء علي خلقي في مذكراته : “وعند بلوغي سن السابعة من عمري شاركت والدي بالأعمال الزراعية إلى أن سئمت هذه الحياة”.  إذ كان يرغب علي بالتوجه إلى التعليم فأصر منذ الصغر على والده بأن يدخله المدرسة،  وأتم تعليمه الابتدائي بامتياز،  وهو الوحيد الذي اتم تعليمه بهذه الرتبة من بين أقرأنه . مما دفعه إلى طلب المزيد لكن والده رفض . فحاول مرارا ، ولكنه لم يفلح بإقناع والده ، لكن رغبته العارمة بالتعلم كانت أقوى من هذا الرفض فما كان منه إلا أن أخذ بغلة والده التي تسمى “زرزورية ” وذهب بها إلى درعا وباعها ب 50 مجيدي وأكمل إلى دمشق والتحق بالمدرسة الرشيدية وتخرج منها سنة 1892 .

مثلما كان في المدرسة بإربد صلب العزيمة و قوي الشخصية  فقد عزز عصاميته بالنجاح والتفوق بدمشق، حيث فرض احترامه على معلميه وزملاءه. ليعود إلى إربد  شاباً ذو شخصية قوية وعلمية وصاحب عزيمة وإرادة ولديه طموح في الحياة ويحمل شهادة بمرتبة الشرف .

بعد فترة قصيرة عَرَضَ على والده فكرة السفر إلى استانبول لكي يلتحق بالمدارس العسكرية ، فلم يعارض والده بل بارك تلك الخطوة بعدما حمله ابنه بأكاليل الفخر بنجاحه، فسافر إليها عام 1895. وصار له ما أراد حيث قُبِلَ بكلية الأستانة الحربية بدون صعوبات أو عوائق، فالشهادة التي يحملها كانت بتقدير امتياز ، كما أن مواصفات شخصيته وبنيته الجسدية أهلته لذلك.

حياته العسكرية

تخرج علي خلقي الشرايري برتبة ملازم ثاني سنة 1902، ثم التحق بكلية المدفعية وتخرج منها برتبة ملازم أول عام 1904، وبعدها التحق بكلية القانون وتخرج منها برتبة رئيس عام 1905، وقد برز كضابط ملتزم بالأخلاق العسكرية إلى درجة التقيد الصارم بالتعليمات، واعتُبِرَ خيرَ من يُطبق عملية الضبط والربط بمستواها العسكري الكامل، حتى ذاع صيته وسمعته وتفوقه بعمله و وصل مسامع قائد الجيش التركي الفريق شكري باشا ، الذي رغب بالتعرف عليه شخصياً، وأُعجب به بعد أول لقاء، فعزز علاقته به، حتى أنه زوجه ابنته حورية، وأنجب منها اربعه ابناء.

وفي تشرين الثاني سنه 1905 نقل من استانبول إلى الفرقة 51 المتواجدة في قلاع الدردنيل والقوقاز والتي كانت تحارب الجيش الروسي، وعين قائد للسرية السابعة المدفعية. وأثبت علي خلقي مقدرة فائقة في فنون الحرب والقتال، وكان لها الدور الكبير في تحقيق انتصارات على الجيش الروسي، ونتيجة لذلك منحته قيادة الأركان التركية وسام الشجاعة من المرتبة الأولى، ورفعته إلى رتبة رئيس أول،
وفي عام 1906 نقل من السرية السابعة إلى قيادة المدفعية في الفرقة 51 ومن ثم نقل إلى قيادة الفرقة 14 المتمركزة في لبنان وسورية . وحاله حال الكثير من الضباط الأردنيين و العرب العاملين بالجيش التركي وما نالهم من أوامر السفربرلك في جبهات الاحتلال العثماني دون إرادة منهم صدرت الأوامر بنقله إلى اليمن لإخماد الثورة التي أعلنها الإمام يحيى ضد السلطات العثمانية، والتي استنزفت قوة الجيش التركي بحيث ظهرت عدم قدرة الجيش التركي على إخماد الثورة، وفي أول فرصة للقائد علي خلقي توصل إلى اتفاق مع الإمام يحيى منحه بموجبها سلطات جوهرية أقرب إلى اللامركزية .

ومن اليمن انتقل إلى ليبيا في بداية 1911 للمشاركة بالحرب الدائرة هنالك ضد الجيوش الإيطالية، وكان برفقته صديقه القائد عزيز علي المصري والقائد نجيب سعد البطاينة الذي استشهد في ليبيا عام 1912،
كل ذلك وهو يترافق في ذهن القائد علي خلقي الشرايري أحوال البلاد العربية من سوء معاملة واضطهاد عثماني، إلّا أنه القائد الذي كان ملتزمًا بشرف العسكرية والمطبق لها، وكانت أفكاره تتصارع في دواخله فمن جهة سياسات الباب العالي ومن جهة أخرى الأطماع الأوروبية الإنجليزية والفرنسية في البلاد العربية.
بعدها نُقِلَ إلى الفرقة 17 التي كانت تضم في معظمها من الضباط العرب والعسكر وهي سياسة اتبعتها السلطات العثمانية في محاوله لها لإبعاد هؤلاء الضباط الذين لديهم حس عالي وثقافة متنورة واهتمام صادق بالمشاعر العربية نتيجة سياسات التتريك والاضطهاد و الرغبة بالتحرر من براثن الأتراك .

فتم نقلهم جميعا إلى الحرب في قناة السويس مع الإنجليز عام 1914 وإنتهت الحملة بالهزيمة وفرار الضباط الأتراك من المعركة وبقاء الضباط العرب في المواجهة مع القوات الإنجليزية، واستطاع القائد علي خلقي الشرايري من سحب قوات الفرقة 17 مع باقي ضباطه بطريقة استراتيجية لتخفيف الخسائر وحماية أرواح الضباط العرب .

عاد علي خلقي إلى استانبول لقضاء فترة إجازة، وفي تلك السنة التقى مع الأمير فيصل وتباحثا معاً في احوال الولايات العربية في ظل بدايات الحرب العالمية الأولى وما ساءها من أحوال، وقد تكاشف علي خلقي والأمير فيصل في شؤون وأسرار الجمعيات العربية العاملة وحينها ارتاح الأمير بعد أن علم أن علي خلقي الشرايري عضو في جمعية العهد والتي معظم افرادها من الضباط و الثوار العرب .

أُرسلَ علي خلقي مرغما إلى العراق مع الجيش التركي لمحاربة الإنجليز، في معركة كوت العمارة فاستبسل في معاركها وأظهر شجاعته المتفانية إلى أن أُسِرَ من قبل الإنجليز وأرسِلَ إلى المعتقل في الهند، وعندما علم الإنجليز بهويته الحورانية الأردنية ولِمَا يتمتع به من رتبة عسكرية عالية حاولوا أن يستميلوه إلى جانبهم، وعرضوا عليه رتبة أعلى، فخدعهم وأظهر قبوله، ومن ثم هرب منهم والتحق بالجيش التركي مرة اخرى ذلك أنه كان يرفض اشكال الاستعمار و أوجهها و كانت مبادؤه لا ترضى له التفلت من الالتزام و الانضباط العسكري، فكسب عداوة الإنجليز، مما أثر على علاقاته مع الشريف حسين بسبب وشايتهم عليه واتهام الانجليز له بأنه معاد للثورة فيما بعد عندما نُقِلَ إلى مكة المكرمة عام 1916 حاكما عسكري قبل إعلان الثورة .


علي خلقي والثورة العربية

كان تنفيذ حكم الإعدام بحق الأحرار العرب في دمشق الحافز للشريف حسين بن علي لبدء العمل بالاستعجال لاستكمال استعداداته لإعلان الثورة، وبخاصة عندما علم أن هنالك قوات عثمانية على وشك الزحف إلى الحجاز مع بعثة ألمانية بقيادة البارون  ” اوثمار فون ستوتزجن “،  وكانت هذه المعلومات قد قدمها له القائد علي خلقي الشرايري الذي كان حاكما عسكريا في مكة حينها، بعد أن توطدت العلاقات بينه وبين الشريف حسين خاصة بعد ما سمعه عن القائد علي خلقي من ابنه الأمير فيصل من انتسابه المبكر لجمعية العهد والمنتسب إليها أيضاً الأمير فيصل، فطلب منه الشريف حسين بعد إعلان الثورة أن يذهب إلى الهند ويجند الضباط العرب المأسورين عند الإنجليز، حيث أن القائد كان له صيته على مستوى الضباط العرب. واستطاع القائد علي خلقي أن يجند الضباط وأن يجمعهم على كلمة واحد وهي الاستقلال من الحكم العثماني وأن يلتفوا خلف الشريف حسين بن علي، فعاد بهم من الهند ودربهم على الأسلحة البريطانية، والتحقوا بالأمير فيصل في أوائل تشرين الثاني سنة 1918 في العقبة ليقودهم علي خلقي و ينفذ عددا من العمليات العسكرية ضد الاحتلال العثماني على الأرض الأردنية الي أحبها و أخلص لها.

يروي علي خلقي في مذكراته” وفي تشرين الاول عام 1918 ذهبت الى الهند وعملت دعاية حسنة للثورة العربية الكبرى وجمعت عددا كبيرا من الضباط والجنود من المعسكرات منهم الرئيس نوري السعيد والرئيس بهاء الدين نوري من العراق والملازم أول شكري القوتلي والملازم ثاني احمد مريود والملازم أول الامير محمود الفاعور من سوريا ومن فلسطين الرئيس صبحي الخضراء والرئيس عارف العارف وملازم ثاني امين الحسيني ومن الاردن الملازم ثاني أحمد صدقي الجندي والملازم اول طارق الجندي والملازم ثاني عبدالرحمن الجمل والملازم أول محمد علي العجلوني والملازم ناصر الفواز والملازم ثاني احمد التل”ابو مصعب” وغيرهم، ووصل العدد الى 800 ضابط وجندي وقمت بتدريبهم على الأسلحة البريطانية وبعد انتهاء التدريب لأول كتيبة عربية سافرنا بالباخرة إلى مصر ثم إلى العقبة والتحقنا بالأمير فيصل الذي كان في استقبالنا في أوائل تشرين الثاني”.

إن الشعور الذي لازم علي خلقي ومن معه من الضباط والجنود لا يمكن وصفه كما عبر عنه في مذكراته لأنها المرة الأولى التي يحاربون بها ضد الجيوش التركية ويعملون بإمرة شريف العرب لا بإمرة القادة الاتراك وأنهم من تلك اللحظة جنود الثورة العربية ونواة جيشها النظامي المدرب. وانضموا الى جيش الثورة واستقبلهم الأمير فيصل شخصيا وعانق علي خلقي ورفاقه الضباط بحرارة القائد ورحب بهم وألقى كلمة حماسية عبر فيها عن اعتزازه بالفرسان العرب الجدد الذين سيرفدون الثورة بقوة جاءت في وقتها.

علي خلقي في العهد الفيصلي

رافق اللواء علي خلقي الأمير فيصل بعد إعلان الاستقلال والبدء بحكومة عربية إلى مؤتمر باريس،  إذ كان المرافق الشخصي له، ومعاونا له بشؤون المفاوضات. وبعدها عند عودتهم إلى سوريا عين حاكما عسكرياً في الكرك، ثم نقل إلى منطقه القنيطرة حاكما عليها، لاحقا بعد أن أنزل الفرنسيين جيوشهم على الساحل السوري، وانسحاب القوات البريطانية من سوريا، واعتقال ياسين الهاشمي الذي عجل بإعلان الثورة من القنيطرة بقيادة علي خلقي الشرايري، فأخذ يوزع الجنود إلى مجموعات ويعين الضباط لمواجهة الفرنسيين وقد التحق به القائد محمد علي العجلوني ومحمود أبو راس وأحمد التل ومعهم 30 فارسا من ناحيه إربد وبني عبيد،  ومن الكورة 35 فارساً ومن الوسطية ايضا 30 فارساً، ومن ناحية السرو والكفارات 40 فارساً، و120 فارساً من عشائر العدوان والصخور. وقد قام الشيخ فواز البركات بجمع الأموال وتحشيد الإمكانيات لهذه الثورة، إلا أنه لم يكتب النجاح لها بسبب عدم مؤازرة المناطق السورية لها، وقله العدة والعدد، فأصدر الأمر باعتقال علي خلقي من قبل الفرنسيين. وبعد وصول التوتر إلى ذروته بين الملك فيصل والفرنسيين، وأصبح واضحاً أن الأمور تسير في اتجاه الحرب، وقعت معركة ميسلون، فخرج على أثرها الملك فيصل من دمشق ومعه علي خلقي الذي أوصله إلى ميناء حيفاء ، واستأذن منه العودة إلى إربد مسقط رأسه.

 

علي خلقي و الحكومات المحلية

قام علي منذ وصوله إلى إربد بجمع زعمائها و وجهاء العشائر، من أجل تشكيل حكومة وطنية للاحتفاظ بطابع الأردن الوطني، وخطب فيهم بأنه لا يسعى إلى جاه أو ثروة،  ولا انتماء إلى طبقة تؤهله للزعامة، فوضعهم في صورة الاحداث في المنطقة وما آلت اليه الأمور، وبين لهم معنى الانتداب الفرنسي والبريطاني. فعين رئيسا لحكومة إربد، ومن ثم قرأ عليهم رسالة المندوب السامي البريطاني المتضمنة دعوة زعماء شمال الأردن لحضور لقاء السلط ومناقشتها وتحديد ما إذا أرادوا المشاركة فيه أم لا، فأجمع الحضور على أن لا يشاركوا وأنهم يريدون أن يكون المؤتمر في قرية ام قيس كونها تقع في منتصف الطريق ولأن لواء الشمال يضم حوران ولواء القنيطرة وعدد سكانه كبير ويحتاج مؤتمرا خاصا .

وكانت مطالب المجتمعين في مؤتمر أم قيس كالتالي :

نقبل أن تُشَكّل الآن حكومة وطنية مستقلة مركبة من لوائي الكرك والسلط وقضائي عجلون وجرش ، ونطالب الحكومة البريطانية بضم لواء حوران وقضاء القنيطرة إلى هذه الحكومة كونها أراض أردنية باعتبارهم و عشائرها واحدة تحت الشروط الآتية :

  • أن يكون لهذه الحكومة أمير عربي .
  • أن يكون لهذه الحكومة مجلس عام لوحدة البلاد، وسن القوانين، وإدارة الشؤون الداخلية وتنظيم الميزانية.
  • أن تمنع الهجرة الصهيونية بتاتاً إلى داخل هذه الحكومة .
  • أن تمنع بيع الأراضي لليهود .
  • أن يكون لهذه الحكومة جيش وطني لأجل حفظ النظام وتقرير الأمن .
  • حرية التجارة بين هذه الحكومة وما جاورتها من حكومات واعطاؤها حقوق وإرادات الجمارك .
OMQAIS
صورة لوثيقة مؤتمر أم قيس

وبعد هذا المؤتمر باشرت حكومة إربد العمل بجد وإخلاص، وبدأت بتشكيل نواة لجيش وطني، وقوات أمن وتنظيم شؤون الإدارة وفق أحدث الأساليب والطرق الديموقراطية وهي من خلال الانتخاب، وجرت الانتخابات لأول مرة بانتخاب مجلس تشريعي وبالاقتراع السري وفاز ناجي العزام وحسن عبدالوالي عن ناحية الوسطية، وسعد العلي وقاسم غرايبة ونجيب فركوح عن ناحية بني جهمة، وتركي كايد العبيدات وحسن علي طوالبة عن ناحية الكفارات،  وسليمان السودي وفالح السمرين عن ناحية السرو، ومحمود الفنيش النصيرات وسالم الهنداوي وايوب ابراهيم عن ناحية بني عبيد، وبسبب الانشقاق الذي اشعله الانتداب البريطاني في الكورة لم تجر فيها انتخابات ولم يحضر عنها مندوب على أمل أن يتواصل علي خلقي مع كليب الشريدة . فكانت هذه حجة للإنجليز بعدم تنفيذ مطالب المؤتمر، لأنهم بالأصل أرادوا الفراغ الإداري والسياسي وعملوا على بث التفرقة المناطقية والجهوية.

كان علي خلقي يسعى لإيجاد رابطة وطنية تشمل كل الأراضي الأردنية فأخذ على عاتقه أن يرسل إلى كل من الحكومات المحلية في السلط والكرك رسالة قال فيها : “أوافي حضرتكم طي كتابي هذا بصورة عن المعاهدات التي جرت بين أهالي قضاء عجلون والمعتمد البريطاني سمرست في شأن حكومة شرقي الأردن، فأرجوكم تبليغها لأهالي الكرك والتفضل بإعلامي  بآراء الشعب هنالك كي نكون على بصيرة ونسعى لإيجاد رابطة مدنية لذلك العش الصغير “.  وكذلك أرسل إلى السلط وجرش وباقي المناطق الأردنية، إلّا أنه لم يتم الاستجابة بسبب التدخلات البريطانية المتكررة و الرافضة لتوحيد الحكومات الأردنية في حكومة واحدة. خاصة أن ذلك لا يصب في مصلحتها . ومع اشتداد ثورة حوران التي كانت حكومة إربد والرمثا من أبرز الداعمين لها في مقاومتها ضد الفرنسيين، واستنجاد الأهالي بالشريف الحسين بن علي، اختار ابنه الأمير عبدالله ليقوم بنجدة الأهالي ومقاتلة الفرنسيين، لأن البلاد كانت في حالة هياج وعصيان، فخشي الفرنسيون لمعرفتهم بنوايا الشريف الحسين، فقاموا بالاستعجال لإخماد ثورة حوران. وعملوا مع حلفائهم الإنجليز في محاولة إعاقة تقدم الأمير عبدالله إلى سوريا . وعند وصول الأمير عبدالله إلى الأردن، ونجاحه في استقطاب الزعامات الأردنية، أرسل الأمير عبدالله إلى علي خلقي الشرايري  للتجهيز لقتال الفرنسين ، فأبلغه بأنه قادر على تجهيز ثلاثة آلاف جندي نظامي إذا توفر المال والسلاح . ولصعوبة ذلك وضغط الإنجليز على الأمير عبدالله بعدم قدرته على محاربة الفرنسيين و عدم السماح له بالوصول الى سوريا. ولظهور الحاجة إلى توحيد الحكومات المحلية في حكومة مركزية واحدة مع مبايعة العشائر الأردنية للأمير عبدالله أميرا على البلاد بدأت أول مشاركة وزارية لعلي خلقي الشرايري في عهد الأمير عبدالله في عام 1921 .

علي خلقي وزيراً

عين اللواء علي خلقي مشاور الأمن والانضباط وعضو في مجلس المشاورين، فعقد عزمه على تعضيد الجيش الأردني، وتقويته وتنميته وتزويده بالأسلحة، وأصبح  منذ 11  نيسان 1921 مرجع قوى الأمن الأربع: قوة الدرك الثابتة ، وكتيبة الدرك الاحتياطي ، والكتيبة النظامية ، وقوة الهجانة.
وكانت عنده رغبة قوية في إخراج القوة العسكرية البريطانية، ومن هنا كان دائم التصادم مع الجنرال البريطاني فريدرك بيك كونه كان يتمتع بلقب مفتش الدرك العام. ولكن بسبب الظروف الاقتصادية في بداية عهد الامارة لم يستطع ذلك ، بل زادت سيطرة البريطانيين وأصبحوا أكثر سيطرة على نواحي الأمن والأمور العسكرية، إضافة إلى رغبة الإنجليز في استبعاد علي خلقي لتسهل لهم إدارة الشؤون العسكرية في البلاد . وبقي في منصبه هذا حتى 23 حزيران 1921 مع استقالة الحكومة على إثر احداث الكورة .

من الحياة العسكرية إلى المدنية

كانت نقله نوعية للوزير الجديد علي خلقي الشرايري الذي تولى وزارة المعارف في حكومة حسن ابو الهدى، اذ من قائد عسكري قاتل على اكثر من جبهة وشارك في معارك كثيرة في مواجهة اشكال الاحتلال و الاستعمار، إلّا أنه اثبت أنه رجل قادر على أن يتولى كل المناصب، وحقق إنجازات كثيرة وكبيرة ووضع حجر الأساس للمدن السلطانية  في السلط، وأسس أول مجمع علمي في الأردن برئاسة سعيد الكرمي . وكانت له فكرة إنشاء جامعة منذ بدايات تأسيس حكومة إربد.  الا أن ضعف تلك الحكومة من الناحية المادية وتشرذمها من الناحية الإدارية لم يمكنه من انجاز ما أراد، الا أنه استملك أرضاً في حوض الحميرة حسب ما أورد مقال محمود ابو غنيمة في مجلة العروبة عام 1958، وما أن وصلت الفكرة إلى جلالة الملك حسين حتى امر بإنشاء أول جامعة اردنية .  وأنتدب علي خلقي ليمثل إمارة شرق الأردن في مؤتمر الكويت لحل الخلافات في فترة الغزو الوهابي على الأردن عام 1924.

خطوات نحو الاستقلال النهائي

إن مقولة علي خلقي : ” إن هموم البلاد أكبر بكثير من همومنا الشخصية “ تدل على تفانيه وحرصه على تحقيق الاستقلال من الإنجليز،  إذ بعد أن استبعد من الوزارة، دأب علي خلقي في العمل ضد الإنجليز، فبدأ بعقد الاجتماعات والتحريض ضدهم وخصوصا ضد سيطرة سلطات الانتداب على الحكومات والتحكم في موازنة الدولة، وتخفيض قوة الجيش، و توسيد المناصب الإدارية بالدولة لمنتفين ومستغلين من خارج ابناء الأردن من أؤلئك الهاربين من مواجهة الاحتلال في بلادهم ، وزادت خططه من حدة الاحتجاجات عام 1928 ورفع عريضة إلى عصبة الامم احتجاجاً على ممارسات سلطات الانتداب قال فيها : “ان الغاية من الانتداب هي تعليم الشعوب العاجزة وإرشادها إلى الطريق التي توصل إلى الاستقلال، مع تبادل المنافع بين الطرفين، ولا تحصل هذه الغاية إلّا بعد أن يتولى الشعب إدارة شؤونه مباشرة ويمارسها مستعينا بالدولة المشرفة على أعماله فيصلح ما يقع منه من أخطاء . فلا ثمرة من الإشراف والانتداب اذا سلبت الحكومة المنتدبة إدارة جميع أمور الشعب الضعيف وأخذت تديرها مباشرة”.  وتوج عمله مع الوطنيين الأردنيين بعقد المؤتمر الوطني الأول الذي تمخض عنه بعدها بتأسيس أول مجلس تشريعي في الأردن .

أخذ علي خلقي عهدا على نفسه على ألا يعمل في حكومة الانتداب ، وحاول الأمير عبدالله أكثر من مرة في زياراته إلى القائد علي خلقي استمالته من جديد و بيان أهمية وجوده في مصانع القرار و عن قرب حتى تنجح الرؤية الوطنية في التخلص من الانتداب ، إلى أن وافق أن يكون كبير المرافقين عام 1930 فعمل مع الأمير عدة شهور .

سجن علي خلقي على إثر اتهامه من قبل الإنجليز في تفجير خط أنابيب البترول، ورغم ظهور براءته الا أنه رفض الخروج من السجن وتقديم اعتذار للحكومة البريطانية، وبسبب طول فترة الاعتقال ومحاوله الصاق التهمة به   ارسل الأمير عبدالله له عبدالله كليب الشريدة في محاولة لاقناعه للرجوع عن موقفه إلى أن صدر الأمر بالإفراج عنه بدون أن يقدم اعتذاره  للحكومة البريطانية بعد وساطة الأمير عبدالله . استقر بعد ذلك في مسقط رأسه إربد وقرر اعتزال السياسة  والحرب. وقد حاول الكثيرون من اصدقائه  ثنيه للرجوع عن قراره وذلك بتأسيس حزب سياسي يقوده بنفسه الا أنه رفض، ورفض الاشتراك  في الانتخابات و حتى مع زيارات الأمير عبدالله له في محاوله ارجاعه إلى سلك الدولة مرة أخرى فرفض ايضا. وعرضت عليه وزارة الدفاع بعد ذلك فاعتذر . حتى أنه عرضت عليه استلام رئاسة الحكومة الاتحادية ( الأردنية – العراقية ) فاعتذر ايضا وبقي يراقب الأحداث من بعيد .

” وها أنا أحرث وأدرس الزيتون ، لأكل زيت بلادي ، وإن أفخر وسام تقلدته هو وسام شجرة الزيتون التي زرعتها ” .  كانت هذه الجملة التي كتبها اللواء علي خلقي الشرايري عام 1959 في مذكراته تعبيرا عن موقفه النهائي . توفي بعدها في 25 /6 / 1960 في إربد .

JANAZEH
مجموعة صور من جنازة القائد علي خلقي الشرايري أثناء رفعها على الأكتاف ووضعها على المدفع للسير بها إلى المقبرة – مصدر الصورة : صفحة التاريخ الأردني

المراجع

  1. مشاهير في التاريخ الأردني، سيرة أمير اللواء علي خلقي الشرايري ، محمود عبيدات ،عمان ، 1993.
  2. أوراق منسية ” علي خلقي الشرايري” ، صحيفة الدستور الأردنية، 4 حزيران 2012.

أمير اللواء علي خلقي الشرايري

المسار الثامن لمعارك التحرير – غور المزرعة

10.indd 

تاريخ التنفيذ :   28  كانون الثاني 1918

 خط المسير الجغرافي لقوات الثورة : الطفيلة – مؤتة – غور المزرعة

تمهيد

     بعد اتمام تحرير الطفيلة فى في 15 كانون الثاني 1918 م  وبعد النصر الكبير الذي تحقق فى 25 كانون الثاني من عام  1918 م، قررت قيادة الثورة العربية الكبرى على الأرض الأردنية  الاندفاع نحو الشمال لتأمين خط المرتفعات من الطفيلة وحتى وادي الحسا ثم جبال مؤاب، وان يكون الهدف في هذه المرحلة هو ميناء غور المزرعة المحتل من قبل القوات التركية و الذي تتواجد فيه مفرزة تركية وقوارب إمداد تنقل المعدات والتموين إلى شمال البحر الميت ومن هناك لتنتقل إلى الجبهة العسكرية التركية في وسط وشمال فلسطين .

139
قوات الثورة العربية الكبرى على إحدى مرتفعات الطفيلة أثناء عمليات تطهيرها من الاحتلال التركي و تظهر الدخان المتصاعد من البيوت جراء قصف المدفعية التركي و النمساوي

طريق تقدم قوات الثورة

تقدمت قوات الثورة و مقاتليها بقيادة الشريف عبدالله بن حمزة الفعر وانطلقت من الطفيلة يوم 26/1/1918 م  ولم تصادف في طريقها أية اعاقات عسكرية كبيرة سوى اشتباك بالرشاشات جرى فى سهل مؤته بالكرك، وهو الاشتباك الوحيد الذى يسجل خلال عمليات الثورة العربية الكبرى فى منطقة الكرك .

 خطوط عمل الثورة العربية الكبرى بعد معركة الطفيلة 25/1/1918 م
    

     ان القارئ لعمليات الثورة العربية الكبرى يجد انها عمليات تحرير ومسك الارض والسير فى خطوط متماسكة تضمن التنسيق المتواصل والإسناد المتبادل بين قوات الثورة ، لذلك فعند قراءة خريطة التحرك لمقاتلي الثورة ، انطلاقا من جنوب الأردن نجد هذا التحرك يسير فى الخطوط التالية التى تتجه جميعا شمالا :

أ . الخط الشرقي الذي ينطلق من جنوب معان باتجاه الجفر ثم باير فالأزرق والذي انتهى بتحرير قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية لكافة الأراضي الأردنية من الاحتلال العثماني.

ب . الخط الاوسط الشرقي : والذي يبدأ من أبي اللسن فمعان فالجردونة ثم إلى عنيزة وجرف الدراويش والحسا وهو خط يركز على التأثير على مواصلات الأتراك و خط سكة الحديد العثماني المستخدم لنقل الجنود و أسرى العشائر الأردنية و الخشب الذي تم تقطيعه من أشجار الشوبك ووادي موسى و المؤن التي تم نهبها من المدن الأردنية .

 ج . الخط الاوسط الغربي : وهو الذي يبدا من المريغة ثم دلاغة فالراجف إلى الطيبة ثم إلى وادي موسى فالطفيلة وشهد هذا الخط معارك حاسمة وقوية جدا خاصة وان هذا الخط يمسك اكتاف وادي عربة الشرقية .

د . الخط الغربي وهو الذي يبدأ من العقبة عبر وادي عربة فإلى غور الصافي ثم غور المزرعة وصولا إلى اريحا وهو خط حيوي لالتقائه المباشر مع خطوط تحرك قوات الحلفاء في فلسطين وهو يمثل منطقة الغلق في الجنوب والذي يبدأ من تحرير العقبة و الذي تم في 6 تموز 1917م لتكتمل حلقة الغلق هذه في 28/1/1918 م بتحرير غور المزرعة .

أهداف عملية غور المزرعة

9.indd
خنادق جيش الاحتلال التركي في ميناء البحر الميت عام 1918

لقد مثلت عملية غور المزرعة بعدا جديدا في تطوير نمط العمليات العسكرية لقوات الثورة وقد أظهرت هذه العملية :

أ . بُعد الرؤيا في في وضع الخطط العسكرية لتشمل ساحة العمليات بأكملها وبجميع اطرافها .

ب . قدرة فرسان العشائر الأردنية و قوات الثورة على استثمار النجاح حتى النهاية ، فقد كانت عملية غور المزرعة بعد ( ٣ ) ايام فقط  من هزيمة الجيش التركى فى الطفيلة و اندحاره عنها مكسورا ، فجاءت هذه العملية لكسب الوقت واستغلال الاندفاع القتالي لمقاتلي الثورة بعد النصر.

ج . التصميم على تحقيق الأهداف الموضوعة لتحرير الأرض الأردنية والسيطرة عليها تمهيدا لانشاء كيان سياسي مستقل عن الاحتلال العثماني ودولة الخلافة المزعومة .

 أهمية ميناء غور المزرعة

10.indd
سفن شراعية و قوارب في الميناء على شاطئ البحر الميت عام 1922

تأتي أهمية هذا الميناء من كونه يؤدي المهام الوظيفية التالية وهي :

أ . نقل المؤن والذخيرة من العقبة عبر وادي عربة إلى ميناء غور المزرعة ومن ثم نقلها بالسفن عبر البحر الميت إلى المنطقة الشمالية و المدن الفلسطينية لتوصيل هذه الإمدادات للقوات التركية المحتلة في نابلس واريحا والقدس وكذلك استقبال الإمدادات التي تصل عبر موانئ البحر المتوسط إلى شمال البحر الميت ثم إليه لتوزيعها وايصالها للقوات المرابطة في نابلس واريحا والقدس وكذلك استقبال الإمدادات التي تصل عبر موانئ البحر الأبيض المتوسط إلى شمال البحر الميت ثم اليه لتوزيعها وايصالها للقوات التركية المحتلة في الكرك وجنوبا حتى العقبة عبر طرق وادي عربة المؤدية إلى الطفيلة وهذه الطرق لا زالت موجودة لغاية الان .

ب . استخدامها كمنطقة عسكرية تتألف من حامية عسكرية تتكون من حوالي (60 جنديا تركيا) كقوة استخبارية لجمع المعلومات ، وكقوة يمكنها اخراج الدوريات لمراقبة طريق غور الذراع — الكرك من منطقة الأغوار ، والحامية التركية المحتلة كانت تتمركز في الحصن العسكري الذي يرتفع فوق تل يبعد حوالي 1500 متر عن الشاطئ لجهة الجنوب .

حجم الميناء

أما عن حجم الميناء ولدى زيارته واستطلاع المنطقة حسب ما يؤكد المؤرخ الدكتور بكر خازر المجالي فانه لم يعثر على أثر لأرصفة  التحميل والتنزيل وذلك متوقع خاصة و انه على  مدى 80 عاما تقريبا تراجع ساحل البحر الميت لأكثر من ٢ كلم في رأس البحر الجنوبي في منطقة نهاية اللسان، حتى أصبح موازيا لطرفه الجنوبي كل ذلك بفعل عوامل طبيعية أولا وبفعل التجفيف لغايات استخراج المعادن خاصة وان اسرائيل تستغل بالبحر الميت منذ الستينات، لانتاج البوتاس والأملاح الأخرى في مصنعها على الرأس الجنوبي قبالة المصنع الأردني الذي بدأ  انتاجه الفعلي في مطلع الثمانينات ويبدو ان حجم هذا الميناء هو من النوع الصغير، بدليل سعته لعدد من الزوارق، حيث ذكر الأمير زيد في مذكراته وضمن رسالة منه إلى الأمير فيصل ما يلي : ” وأغرق فيه 6 سفن شراعية “، ويبدو انها كانت كميناء على بحر داخلي يتميز بمحدودية المد و الجزر وانخفاض ارتفاع امواجه وسكون مائه وضحالة الماء في شواطئه  التي انحسرت أيضا لما يزيد عن  100 متر .

موقع الميناء و شكله

          و من دراسة المؤرخ الدكتور بكر المجالي لخرائط المنطقة و المعلومات حولها ومن بقايا السفن التركية فى المنطقة فقد تحدد موقع الميناء في الطرف الشرقي لمنطقة اللسان هذه التي تمتد لمسافة 1 كلم عرض من الشرق ولمنطقة اللسان المرتفعة وهي عريضة فعلا، تتوفر لديها الحماية الطبيعية من المرتفعات الحادة المحيطة بها من جهة الشرق وتستند على منطقة سهلية يعلوها فى الوسط أكمه، حيث هي الرصيف المحتمل للتنزيل والتحميل والذي استخدمته شركة البوتاس كميناء لانزال القوارب لغايات التجارب العلمية بالدرجة الاولى ونفس المنطقة هى الان كمنتزه تديره شركة البوتاس .

         وكان الحصن التركي أو المركز العسكري التركي يقع لجهة الشمال بحوالي 1500 متر وهو بمثابة خط دفاع أول عن منطقة الميناء، وهذا الحصن متهدم حاليا واستخدم حتى فترة قريبة كمركز أمني للأمن العام الأردني  .

13518273_907583476053448_1137348716_o
أحدث الصور الملتقطة للمركز العسكري التركي ” الحصن “، وتظهر تهدم اسوار الحصن و الرميات على جداره

          ويربض هذا الموقع فوق ربوة ترتفع حوالي 60  مترا عن الأرض المحيطة بها ويؤمن المراقبة البعيدة لمنطقة اللسان ولمسافة بعيدة لجهة الجنوب والغرب وتبلغ مساحة هذا الحصن حوالي 600 متر مربع فهو بطول 30 متر تقريبا ” شرق غرب” ، و 20 مترعرض ” جنوب شمال” وهو بناء من طابقين وتكثر في  الجدارالقائم حاليا في جهته الشمالية فتحات الرمي.

13499580_907583469386782_278658281_o
صورة للربوة التي يربض عليها الحصن التركي من بعيد

واختيار هذا الموقع جاء ليحقق أكثر من غاية عسكرية للقوات التركية المحتلة كالسيطرة على الأرض المحيطة وتوفر ميادين الرمي لجميع الجهات والمراقبة الجيدة وحماية الميناء في الشمال منه .

13509847_907583489386780_1110601146_o
صورة لجدار المركز العسكري التركي و تظهر فيه آثار التهدم و الرميات

بقايا الميناء

أما بقايا الميناء الذي استخدمته القوات التركية المحتلة فقد كانت عند زيارته من قبل المؤرخ المجالي فى3/2/1994    18/12/2001 ومن ثم من قبل فريق الفرس الشقراء هي كالتالي :
أ . بقايا حطام زورق من النوع المتوسط الذي يستخدم البخار حيث ان الحجرة البخارية لا زالت ظاهرة في الحطام .

ب . هيكل شاصي السفينة  يقع إلى الشرق قليلا من حطام السفينة السابقة وقد ظهر هذا الهيكل بين الأشجار الكثيفة الصنوبرية التي نبتت في داخل الهيكل بحيث أصبح من الضروري تقطع هذه الاشجار واجتنانها قبل تحريك الهيكل  من مكانه .

ج . الرصيف المرتفع عن سطح البحر بحوالي ٥ متر وهذا بالقياس الحالي وقتها وهو أقل من هذا الارتفاع اذا ما اعتبرنا الانحسار للمياه وانخفاض الارتفاع فيه .

د .  بقايا جنزير لربط السفن وتأمينها ، مثبت على بكرة يدوية يعتريها الصدأ  الشديد  وتركب المجموعة كاملة على قاعدة  حديدية مثبتة في الارض .

 التخطيط للهجوم على ميناء غور المزرعة

  كان التفكير فى تحرير غور المزرعة سابقا للعملية العسكرية  فى الطفيلة في 25/1/1918 م   فقد ظهر في أوراق  الأمير زيد من مذكراته رسالة وجهها الأمير زيد  نفسه إلى الأمير فيصل بتاريخ 22/1/1918 م  يشرح فيها خطط العمليات المقبلة ،  وعن غور المزرعة فهو يقول : ” أما الشريف عبدالله بن حمزة فأملي ان ينزل إلى غور المزرعة في هذين اليومين ويقطع المواصلات التركية للكرك مع أريحا عن طريق بحر لوط “، لذا فان خطة احتلال غور المزرعة هي من وضع وتفكير الأمير زيد بن الحسين، أما قائد العملية فقد كان الشريف عبدالله بن حمزة الفعر، ولقد كان التخطيط فى الطفيلة حيث كانت هي مركز القيادة لقوات الأمير زيد بعد الدخول إليها في 15/1/1918 م  حيث تحركت القوات في جميع الاتجاهات لتأمين المنطقة عسكريا ومراقبتها فكانت مفرزة الشريف مستور في وادي الحسا وكانت تلك القوات التي ذهبت للاتصال  مع قبائل الكرك والتي تمكنت من الاستيلاء على رشاش في عملية قرب سهل مؤته وكان التجهيز لعملية غور المزرعة من ضمن العمليات لإكمال تحرير المنطقة  فى القاطع الاوسط والغربي .

فقد عين الشريف عبدالله بن حمزة ليقود هذه العملية وليقوم بالاتصال مع عشائر المنطقة وعشائر شمال الكرك تحديدا لنشر رسالة الثورة، وليواصل تقدمه شمالا  ليكمل المهمة وليحقق الاتصال والتماسك المباشر مع قوات الحلفاء في تلك المنطقة .

    وقد نفذ الشريف عبدالله عمليته هذه بقوة تألفت من سبعين فارسا من العشائر الأردنية، أما حجم القوة فكما تشير المراجع  ومنها مصطفى طلاس في كتابه  الثورة العربية الكبرى ص 242 وسليمان الموسى ومنيب الماضي في تاريخ الأردن بين الماضي والحاضر ص 52 .

مكان انطلاق الحملة على غورالمرزعة

10.indd
مجموعة من الجبال المحيطة بالبحر الميت 1918

يقول مصطفى طلاس في كتابه ص 242 يذكر ما نصه : ( أسند الأمير زيد هذه المهمة إلى عبدالله الفعر الذي اختار لمساعدته في تحقيق الهدف حوالي سبعين فارسا وسار على رأسهم قاطعا الطريق الوعرة بين جبال مؤاب والساحل …)،  أما سليمان الموسى في كتابة تاريخ الاردن بين الماضي والحاضر ص 52 يذكر ما نصه (.. اذ ان الأمير زيد أرسل الشريف عبدالله بن حمزة الفعر  الذي كان يخيم في وادي عربة جنوبي البحر الميت يبلغه انباء الانتصار الذي أحرز في الطفيلة، و يطلب اليه ان يهاجم زوارق الأتراك ومراكبهم في في البحر الميت وكانوا يستعملونها لنقل الحبوب التي يجلبونها من الكرك إلى قواربهم المرابطة عند نهر الاردن ) .

وفي رسالة الأمير زيد إلى الأمير فيصل المؤرخة في 23/1/1918  يذكر فيها (. . اما عبدالله بن حمزة  فاملي ان ينزل إلى غور المزرعة في هذين اليومين ويقطع مواصلات الكرك مع اريحا…..)  وهنا نستنتج من الرسالة ان القوات ستقوم بعمليات نزول من مناطق مرتفعة إلا اذا كان القصد النزول من من قاعدته في وادي عربة إلى منطقة غور المزرعة باعتبارها اخفض من وادي عربة ذاته ….

     أما صبحي العمري والذي كان موجودا في في الطفيلة خلال فترة الهجوم فهو يقول في  مذكراته  ص 183 : (وصلتنا الاخبار ان الشريف عبدالله بن حمزة القعر قد هاجم الشونة التي في غور المزرعة غربي الكرك على شاطئ البحر الميت وهو مركز الجيش التركي، و فيه بعض القوارب والبحارة ينقلون بواسطتها الأرزاق والمهمات بين المدن الأردنية الجنوبية و اريحا و المراكز الاخرى….).

    والهدف من ايراد هذ الروايات المختلفة لتصل إلى حقيقة الموقع الذي نستطيع ان نؤكد انه وادي عربه وعودة إلى تحرير العقبة  فقد تحركت  بتلك الفترة قوات وقادة من شيوخ العشائر الأردنية و ضباط الثورة إلى منطقة وادي عربة مهمتها الاتصال مع العشائر هناك ، وتأمين خطوط الاتصال  مع قوات الحلفاء، خاصة و ان العديد من قوافل الإمداد كانت تأتي عبر وادي عربة  لقوات الثورة وهي تقاتل حول معان في تلك الفترة .

 تنفيذ الهجوم

         تجمع المراجع جميعها تقريبا على نفس سيناريو الهجوم على غورالمزرعة وقد ساعد في نجاح عملية التحرير وحسم المعركة بسرعة تحقيق عنصر المفاجأة فلم يكن الأتراك ليتوقعوا  وصول أي من  قوات الثورة إليهم مطلقا، وحقق النجاح أيضا اسلوب هجوم قوات الثورة بواسطة فرسان العشائر الأردنية الذي لأحدث الصدمة نتيجة لحركة الخيالة بسرعة في جميع الاتجاهات في نفس الموقع وهذا ما أربك العدو التركي العثماني وأفقده التركيز والقدرة على التعامل مع المهاجمين، وكان توقيت الهجوم أيضا ً مهما ً في تحقيق النصر الحاسم وتأكيد عامل المفاجأة والصدمة وهو في فترة الفجر والجنود الأتراك فى حالة استراحة.

كيف بوغت البحّارة الأتراك

نورد هنا ما كتبه مصطفى طلاس ص 242  عن هذا الهجوم بقوله : ( . . يصل مع التباشير الأولى للفجر إلى مقربة من المركز التركي ، وعلى المعسكر الشمالي من الميناء كانت ترسو الزوارق التجارية والشراعية التابعة للأتراك وبالقرب منها بحارتها النائمون على الشاطئ في أكواخ من القصب غير عابئين بشيء، وبدون ان يضعوا أية حراسة قتالية على انفسهم او على عتادهم ، لم يكن هؤلاء البحارة الأتراك ، مستعدين لأية معركة برية فكيف بها تأتيهم على يد فرسان راكبين، لذلك ما كاد هؤلاء البحارة يفتحون عيونهم ليعرفوا ما الخبر حتى رأوا فرسان الثورة يطوقونهم ويدمرون أكواخهم ويستولون على ما في مخازنهم من مؤن وعتاد حربي ثم قفز الفرسان عن خيولهم ثم إلى الزوارق الراسية فثقبوها وأغرقوها واستسلم الأتراك دون أية مقاومة تذكر . . . ) .

9.indd
صورة تذكارية للجنرال التركي المحتل جمال باشا أمام شواطئ البحر الميت عام 1915

      ولعل رسالة الأمير زيد إلى الأمير فيصل المؤرخة في 30/1/1918 م  الصادرة من الطفيلة تعطي أبلغ تعبير حول هذه المعركة حيث يستهلها الأمير زيد (ابشركم ان مفرزة بحر لوط  بقيادة الشريف عبدالله بن حمزة الفعر هاجمت مركز المزرعة وأسرت اثنين وخمسين عسكريا ً تركيا وضابطين واستولت على جميع الذخائر وأغرقت ست سفن شراعية تركية ….) .


النتائج

كان النصر في غور المزرعة على درجة من الأهمية لقوات الثورة، و فيه أكملت قوات الثورة غلق منطقة الجنوب حتى العقبة أمام القوات التركية المحتلة، وأمنت الاتصال مع قوات الحلفاء للسير معا باتجاه الشمال وجاءت هذه المعركة وفقا لخطط قيادة جيش الثورة وهذا اورده نصا مصطفى طلاس ص 242 في كتابه الثورة العربية الكبرى بقوله :  (…وهكذا تم في 28/1/1918 تعطيل حركة النقل التركية عبر البحر الميت قبل اسبوعين من التاريخ الذي حددته قيادة جيش الثورة …)

 وهذا ما يعطي وقتا أفضل للتخطيط للعمليات القادمة، وقد كانت النتائج كما يلي :

أ . كاتبت- أي راسلوه و أعلنوا دعمهم للثورة- عشائر غور الصافي الشريف عبدالله بن حمزة  وهذا ما ورد في رسالة الأمير زيد إلى الأمير فيصل 27/1/1918 الصادرة في الطفيلة حيث يقول “اهل غور كتبوا معه…” .

ب . أوجدت هذه العملية هياجا لدى أهل الكرك مطالبين  بسرعة وصول قوات الثورة اليهم ، وهذا ما ورد نصا في رسالة الأمير زيد إلى الأمير فيصل المؤرخة في 30/1/1918 الصادرة من الطفيلة (الكرك في هياج عظيم….) .

ج . حرمان الاحتلال التركي من مصدر تموين لقواته في الكرك وفي الطفيلة وغيرها وقطع طرق الاتصال بين شمال البحر الميت وجنوبه .

د . أسر ما لا يقل عن 60 جنديا ً وضابط تركي وسوقهم إلى العقبة .

هـ . الاستيلاء على مواد تموينية سترسل للقوات التركية المحتلة في معان ، فقد جاء ذكر كميتها فى كتاب سليمان الموسى تاريخ الأردن بين الماضي والحاضر ص 52 بأنها عشرة أطنان من الحبوب .

و . تدمير 6 قوارب تركية على اللأقل تجارية وشراعية .

ز . الاستيلاء على الحصن التركي وتدمير بعض أجزائه في حينها .

     تلك كانت عملية غور المزرعة وهي العملية الأولى والفريدة التي هاجم بها مقاتلو الثورة القوارب والسفن التركية ودمروها واستولوا على مواد تموينية من قوات خفر السواحل التركية لأن كل الهجمات الأخرى كانت ضد قوات  متمركزة أو تتحرك على طول خط سكة الحديد أو حولها.

المراجع :

  • الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر، 2011  .
  • الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  • التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  • المعارك الأولى : الطريق إلى دمشق، صبحي العمري،أوراق الثورة العربية؛ رياض الريس للكتب والنشر، لندن، بريطانيا ؛ ليماسول، قبرص ، 1991،  ط. 1.
  • المراسلات التاريخية 1914-1918 : الثورة العربية الكبرى. المجلد الأول / أعدها وحققها وكتب حواشيها وترجم بعضها سليمان الموسى، 1973.

المسار الثامن لمعارك التحرير- غور المزرعة

كذبة لورانس

تمهيد

مع اتساع رقعة أحداث الثورة العربية الكبرى بما يتوافق مع حجم الطموح والآمال العربية التي رأت في هذه  الحركة فرصة للخلاص من الويلات التي عانت منها المنطقة لقرون طويلة تحت الاحتلال العثماني، فبرزت الحاجة لضرورة فتح العقبة وتطهيرها لما لها من مركز استراتيجي بالغ الأهمية في سير الأحداث حيث كانت تعتبر مفتاح التوسع شمالا لتطهير بقية المناطق، والى جانب ما تقدم، كانت العقبة من أهم المواقع المطلة على البحر الأحمر والتي استعملها الترك والألمان والنمساويين لزراعة الألغام في مياهها وبرزت المخاوف لدى الحلفاء من استعمالها من قبل الألمان كقاعدة للغواصات الحربية في إطار التنافس على المواقع الإستراتيجية في خضم اشتعال الحرب العالمية الأولى بغية التحكم بموازين القوى، ونذكر هنا محاولة الأسطول البريطاني الحد من الدور التركي في العقبة، حيث ضربت مدافعه القوات التركية مرتين، وفي المرة الثانية بتاريخ 20 نيسان 1917 تكبدت الحامية العثمانية الموجودة في العقبة خسائر جمة وذلك نتيجة الاشتباك مع مفرزة بريطانية نزلت للساحل، مما دفع أفراد الحامية للاحتماء بالتلال المطلة على العقبة وإنشاء استحكاماتهم فيها ، مما لم يتح المجال للبريطانيين بالبقاء هناك طويلاً او التقدم نحو التلال الوعرة.

إلا أن الكثير من المصادر تؤكد عدم رغبة قوات الحلفاء في ذلك الوقت بان يكون تحرير العقبة على أيدي عربية أو رغبتهم الحقيقية بإنهاء الوجود العثماني في مناطق جنوب الأردن، لان ذلك سيبعثر مخططاتهم ، وخصوصا فيما يتعلق باتفاقية سايكس بيكو التي لم تكن قد كشفت بعد ، ومن ذلك نستنتج أن المهمة المطلوبة التي كان يريدها الحلفاء لقوات الثورة هي فقط إثارة الشغب والعمليات المحدودة والغير حاسمة للإبقاء على انشغال العثمانيين بمحاربتها وملاحقة القائمين عليها ، لضمان تواجدهم في المناطق وعدم انسحابهم وحشد قواتهم في المناطق الشمالية التي كان الحلفاء يخططون لاحتلالها ، وهو ما لم يكن أبداً سيلبي طموح وأهداف ثورة أحرار العرب و فرسان العشائر الأردنية و شيوخها كافة و الذين قاموا رفضا لظلم الاحتلال العثماني لا لاستبداله ، مما جعل إيمانهم بقضيتهم دافعاً لتنظيم أنفسهم ووضع الخطط العسكرية وتوجيه الضربات للعثمانيين بشكل فاق توقعات الحلفاء وأثار قلقهم.

التخطيط والإعداد لحملة تطهير العقبة ولورانس يرجو السماح له بمرافقة الحملة

وكان البحث في السيطرة على العقبة وتطهيرها من أولويات الأمير فيصل  لدفع الثورة شمالاً وهو ما يؤكده نسيب البكري الذي عاصر تلك الإحداث وكان من أول العاملين على أعداد الثورة ومن المقربين للأمير فيصل ، حيث يذكر البكري ان الأمير فيصل كان يتحين الفرصة المناسبة لرفع الثورة في مناطق الأردن وسوريا وظل على اتصال مع عودة أبو تايه و نوري الشعلان وشيوخ العشائر الأردنية في  مدن جنوب الأردن وزعماء المناطق الشمالية من مدنيين وعسكريين، لذلك كان قدوم عودة أبو تايه الفارس المشهور بجرأته وزعامته العنصر الفعّال الذي ينتظره فيصل، حيث رحب عودة  ترحيباً بالغاً بفكرة رفع علم الثورة في معان والعقبة، وبناء على ذلك تم انتداب الشريف ناصر لقيادة هذه المهمة كما تم انتداب نسيب البكري رسولاً لزعماء جبل الدروز لتهيئة أفكارهم وإقناعهم بقضية الثورة، وهكذا جرى بحث الشروع في الحملة للتوسع شمالاً والقيام بها دون أن تبدو ضرورة مرافقة لورانس لها، ولكن لورانس مدفوعاً بحب المغامرة وربما ما هو أكثر من ذلك ، رجا الأمير فيصل كثيرا ان يأذن له بمرافقة الحملة قائلاً أنه يستطيع المساهمة في زرع الألغام وتفجيرها ، فتمت الموافقة على ذهابه بهذا المفهوم لا أكثر.

الوصول لجنوب الأردن ، تسجيل وتسليح المتطوعين والتخطيط للعمليات

انطلق الشريف ناصر يرافقه عودة أبو تايه ونسيب البكري والقائد زكي الدروبي و35 متطوعاً من عشيرة العقيلات ، ومعهم لورانس، وأخذ الشريف معه عدداً من البنادق وكمية من العتاد وأصابع الديناميت ، واتجهت الحملة الصغيرة شمالاً وسط الصحراء الموحشة القاحلة ، ونفذ رجالها عددا من المهمات التي تمثلت بنسف قضبان السكة الحديدة وقطعوا خطوط الهاتف، قبل وصولهم لمنطقة العيساوية في ضيافة عشائر الحويطات ومنها بدأت مرحلة الحشد والتجهيز وتسجيل المتطوعين والفرسان وتسليحهم ونذكر منهم أيضا فرسان الرولة الأشاوس، حيث أخذ البدو يتوافدون لإعلان انضمامهم للثورة.

وتمكن الشريف ناصر وعودة أبو تايه من تجنيد أكثر من 500 متطوع وانطلقوا بهم لمنطقة باير، ولما كان له من الحنكة والدهاء ، قرر عودة أن يخدع الترك حول اتجاه الحركة المقبل ، فأرسل ابن أخيه زعل على رأس مئة من الفرسان شمالاً ورافقهم لورانس لوضع المتفجرات بصفته متخصصا بتركيب المتفجرات في المواقع التي يحددها له قادة الثورة ، فنفذوا عددا من عمليات نسف للعبارات ونزع للقضبان الحديدية.

329JPG
الشريف ناصر و الشيخ عودة أبو تايه في مضارب الحويطات  أثناء حشد المتطوعين من العشائر الأردنية

بداية معارك تحرير العقبة 

انطلقت الحملة من باير باتجاه الجفر وفي أثناء الليل بلغتهم أنباء وصول كتيبة تركية إلى موقع أبو اللسن بقيادة الأميرالاي نيازي بك ، فانطلقوا طوال الليل ووزعوا أنفسهم على التلال المحيطة بالموقع وانضمت لهم هناك بعض عشائر الحويطات ، فأحاطوا بالموقع من جميع الجهات وبدأ العرب بإطلاق النار وقام بعض الخيالة بقطع خطوط الهاتف الموصلة الى معان لعزل الكتيبة عن قيادتها.

واستمر تبادل إطلاق النار طيلة صباح يوم 2 تموز ، واستعمل الأتراك مدفعاً جبلياً كان معهم ولكن قذائفه كانت تقع على الصخور وراء ظهر العرب / والواقع أن الترك أساءوا اختيار موقعهم عند عين الماء في واد منخفض  تحيط به التلال، وعند العصر شن عودة هجوما من ناحيتين على مراكز الترك يرافقه خمسون من الخيالة من جانب ويقابلهم أربعمائة من الهجانة من الجانب المقابل ، وارتبكت فوف الترك أمام هذه الهجمة الخاطفة وحاولوا الفرار دون جدوى  من ذلك وانتهت المعركة بمقتل 300 من الترك وسقوط 160 أسيرا في أيدي العرب من بينهم قائد الكتيبة نيازي، بينما استشهد اثنان من أبطالنا المقاتلين العرب الأشاوس، الذين ضحوا بدمائهم من اجل حرية أمتهم.

233JPG
عربة يقودها مقاتلو الثورة محملة بمدفع و أسلحة في طريقها لأبو اللسن

لورانس في ام اللسن ، دور بطولي ويتحارب مع ناقته !

عندما قرر لورانس أن يمثل الدور البطولي خلال معركة أم اللسن؟ ماذا حدث ؟

 لقد اعترف في كتابه أنه ساق ناقته نحو القتال وأخذ يطلق النار من مسدسه فأصابت إحدى طلقاته ناقته، وكانت هذه الإصابة الوحيدة التي حققها خلال المعركة، فخرت على الأرض وسقط هو مغمى عليه ولم يصحُ إلا بعد انتهاء المعركة لكتابة وتأليف الأحلام والأكاذيب التي شاهدها أثناء نومه، ثم تسليمها لقيادته في تقارير مليئة بالأكاذيب، بينما لم يُصب الفارس الشيخ عودة أبو تايه بأذى رغم أن فرسه قتلت تحته بإجماع المراجع و الروايات الشفوية و إحداها رواية لورنس نفسه.

 

قوات الثورة والعشائر تحرر العقبة

313JPG
مجموعة من فرسان ومقاتلي الثورة تشن هجوما على حامية تركية في إحدى تلال العقبة

واصلت الحملة تقدمها وأرسل العرب عدة رسائل لشيوخ الحويطات في المناطق القريبة من الساحل طلبا لمساندتهم، وكذلك رسائل من نوع لقادة الحاميات التركية في القويرة وكثارة وخضرا وهي المراكز التركية الثلاث المشرفة على العقبة طالبين منهم الاستسلام ، فانضمت العشائر ، واستسلمت حامية القويرة بعد محاصرتها ، وتلتها حامية كثارة التي رفضت في البداية قبل أن ترغم على الاستسلام بعد انهيار مقاومتها ، فسارت الحملة في وادي اليتم ليكتشف العرب أن الأتراك اخلوا جميع مخافره وتجمعوا في موقع خضرا وهو موقع منيع محصن يتحكم في ثغر العقبة ويدافع عنه أكثر من 300 جندي وضابط ، ولما وصل العرب للموقع كانت أعدادهم قد تضاعفت وهبت جميع عشائر المنطقة لمساعدتهم خصوصا عشيرة الدمانية استجابة للرسائل التي وصلتهم ، فعرضوا على الترك المتحصنين في الموقع الاستسلام فرفضوه  بداية ثم أعادوا تقييم موقفهم ، نتيجة عدم كفاية المؤن ، وانصاعوا لمطالب القوات العربية ورفعوا رايات الاستسلام.

298JPG
قوات الثورة في مسيرة عسكرية بقيادة حملة الرايات في العقبة بعد تطهيرها من الاحتلال العثماني

وبلغ مجموع أسرى الاحتلال العثماني خلال هذه المعارك   ما مجموعه 780 أسيراً ، 745 جندياً و 35 ضابط احدهم برتبة أميرالاي ، ومن بين هؤلاء ضباط وجنود وخبراء ألمان ونمساويين كانوا يقدمون المساعدة للاحتلال العثماني ، وجاء في رسالة الشريف ناصر بتاريخ 6 تموز 1917 ، أن أبناء العرب من الأسرى يودون الانضمام لقوات الثورة.

 وأقام الشريف ناصر في العقبة بعد تحريرها بينما عاد عودة إلى القويرة  ليتخذ منها ومن أبو اللسن والمريغة وعين وهيدة ودلاغة مراكزاً له، للوقوف في وجه الأتراك إذا حاولوا استعادة تلك المواقع ،بينما مضى لورانس في نفس اليوم (6 تموز) مع ثمانية من الحويطات للاتصال بالجيش البريطاني المرابط عند قناة السويس، وتسليم تقاريره واستلام مخصصاته.

وحالما دخل الشريف ناصر و عودة أبو تايه إلى العقبة مكللين بالانتصار، بادر الشريف ناصر بالكتابة إلى الأمير فيصل وأرسل رسالته مع عدد من هجانة قوات العشائر الأردنية إلى معسكر الأمير فيصل قرب الحدود الأردنية الحجازية، ومن هناك أرسل الأمير فيصل بن الحسين رسالة إلى أبيه الشريف الحسين بن علي قال فيها ” إن جيوشكم المنصورة استولت على العقبة و أخذت جميع حاميات درب العقبة و معان  ، وتكريما لقادة الثورة على هذا الانتصار أهدى الحسين سيفين إلى كل من الشريف ناصر بن علي والشيخ عودة أبو تايه  نظير بسالتهم وإخلاصهم وشجاعتهم في العمليات العسكرية لتطهير العقبة من الاحتلال التركي.

ملخص خسائر المسار الاول

لورانس يسرق انتصار وفتح العقبة وينسبه لنفسه

بعد وصول لورانس لمركز القيادة في الجيش البريطاني ، نكتشف هول التزييف والفرق بين الحقيقة والخيال في تقريره السري الذي قدمه الى الجنرال كلايتون بتاريخ 10 تموز 1917 والذي يصفه الكاتب المؤرخ سليمان الموسى في كتابه لورانس والعرب بأنه “يتضمن مجموعة من الاختلافات لا يعتقد أن تقريراً رسمياً آخر في تاريخ الحروب يجاريه فيها” ، حيث يستطيع أي قارئ ان يكتشف جانبا كبيراً من هذه الأكاذيب والتناقض ، إذا ما قارن بين ما كتبه لورانس في التقرير وبين ما كتبه هو نفسه في (النشرة العربية) وفي كتابه (أعمدة الحكمة السبعة).

 

رحلة افتراضية وبطولات وهمية وتناقضات ، لورانس يكذّب نفسه

يتحدث لورانس في تقريره عن رحلة افتراضية يزعم انه قام بها لتدمر ودمشق ثم الأزرق  ثم العودة للنبك موقع تجمع الشريف ناصر والحملة، ثم انطلاقه إلى زيزياء ووادي اليرموك وأم قيس ثم المفرق والزرقاء وما قام به من بطولات واجتماعات ومباحثات مع شيوخ عشائر ضلت موالية للترك حتى الأيام الأخيرة من الثورة نتيجة انخداعها بشعارات التجارة بالدين أو إجبارها من قبل العثمانيين واستخدام أبناءها كرهائن ودروع بشرية، حيث يدعي في تقريره التحالف مع هذه العشائر والتخطيط للمعارك وإدارتها.

ومن الجدير بالذكر هنا أن لورانس يورد في تقريره أن رحلته (المزعومة) إلى تدمر ودمشق حدثت قبل ذهاب رسول الأمير فيصل نسيب البكري إلى جبل الدروز لمخاطبة زعمائها بشأن انضمامهم للثورة وانه أعطاه “التعليمات” يوم 18 حزيران ، بينما نراه يناقض ويكذب نفسه في كتابه أعمدة الحكمة السبعة ويقول أن تلك الرحلة حدثت بعد ذهاب نسيب ولا يذكر تفاصيل عنها، وهو الادعاء الذي ينفيه نسيب البكري بشدة حيث أكد في رسائله للكاتب والمؤرخ الأردني سليمان الموسى أن لورانس بقي معهم في وادي السرحان حتى اليوم الذي تحرك فيه البكري لجبل الدروز وتحرك الشريف ناصر وعودة إلى منطقة باير، وأكد ذلك كل من عيد بن قاسم ومحمد أبو تايه وآخرون.

 لورانس جسور

 وفي ذات التقرير يدعي لورانس انه بلغ ومن معه من المقاتلين البدو أم قيس وخط السكة في وادي اليرموك بينما يقول في كتابه أعمدة الحكمة انه بلغ منطقة منيفه فقط (عند الكيلومتر 173) على مشارف المفرق، وهو الادعاء الذي يفنده أيضاً واقع الأمور ويدخله في حكم الاستحالة نظراً لطبيعة منطقة أم قيس وما حولها من نواحي اربد المأهولة بالسكان الذين كانت علاقتهم متوترة مع البدو في ذلك الوقت نتيجة ما زرعه العثمانيين من فتن بين البدو والحضر.

 

نسيب البكري يفضح أكاذيب لورانس

ويقول نسيب البكري المجاهد السوري الذي عايش أحداث الثورة ومراحلها كاملة وأكمل بعد  ذلك مقاومته للاحتلال الفرنسي لسوريا وقد كان كما ذكرنا من الموجودين مع الحملة منذ انطلاقتها ، حيث انتدبه الأمير فيصل رسولاً له لجبل الدروز : “أما زعم لورانس بأنه ذهب متخفياً إلى دمشق وبعلبك وتدمر فأستغربه جداً لأنه يبعد كل البعد عن الحقيقة ، وأنا واثق من أن لورانس لم يفارقنا يوماً واحداً ولم ينفصل أحدنا عن الآخر ، إلا بعد أن ذهب هو مع عودة وناصر نحو العقبة وذهبت أنا لجبل الدروز، كما أن مزاعم لورانس الغريبة عن قيادته للثورة، تدل على جهل تام بالحركات العربية الرامية إلى الاستقلال منذ سنة 1908 ، وعلى تجاهل للضحايا والشهداء  الذين قدمت منهم الأمة العربية المئات والآلاف “.

لورانس عقدة الطول

محاولات لورانس إيقاع الفتنة بين صفوف الثوار

يضيف نسيب البكري : “ولا بد لي من القول أن لورانس كان يميل إلى تفريق الصفوف، وقد حاول تحريض عودة وناصر على أن يأخذا مني السبعة آلاف جنيه التي خصصها الأمير فيصل للإنفاق والتسليح في سوريا وجبل الدروز، لكنهما كانا يملكان من الفطنة ما يكفي لاكتشاف اللعبة وقلبوا السحر على الساحر، حيث اعلمني الشريف ناصر ان لورانس  قام بتحريضهما لأنه لم يكن ارغب ان اذهب إلى جبل الدروز، وقال لي الشريف ناصر انه حسماً للخلاف وضمانا من أي ألاعيب قد يقترفها لورنس سوف يقول بأنني سلمته المبلغ وهكذا كان، وأظن أن لورانس بقي إلى حين وفاته يعتقد أنني سلمت المال بينما لم أسلم منه ليرة واحدة”. ، وهو الأمر الذي يعترف به لورانس في كتابه، حيث يقول بأنه لجأ إلى الدس والتفريق بين نسيب البكري من جهة وبين الشريف ناصر والشيخ عودة أبو تايه من جهة أخرى، كما زعم أن نسيب عرض عليه القيام بحركة في سوريا تحت زعامته -نسيب- على أن تكون منفصلة عن الثورة العربية الكبرى التي يقودها الشريف الحسين، وأنه وعد نسيب بمساعدته إذا نجح في ذلك، ولا حاجة للقول أن نسيب البكري نفى هذا الزعم لأنه وإخوانه كانوا من أشد أنصار الشريف حسين ابان الثورة، وما قبلها حتى، وذلك حين استضاف الشريف فيصل بن الحسين في داره بدمشق عند مروره بها قادما من اسطنبول سنة 1916 وفي داره أقسم الشريف يمين الإخلاص لجمعية الفتاة ، ومن بيت البكري انطلقت صرخة الشريف فيصل الشهيرة : “طاب الموت يا عرب”، ومنه أيضاً أبرق برقية جاء فيها “أرسلوا الفرس الشقراء”، وهذا كان مصطلحاً سرياً يعني بدء إعلان الثورة العربية الكبرى وإطلاق الرصاصة الأولى، وذلك بعد إعدام جمال باشا للقافلة الثانية من أحرار العرب يوم 6 أيار 1916م، رغم توسط الأمير فيصل لدى جمال باشا، مقرونة بوساطة الشريف الحسين نفسه، فقد أقدمت السلطات التركية على إعدام مجموعتين من الأحرار العرب في كل من ساحة المرجة في دمشق وساحة الشهداء في بيروت.

لورنس يتهم بني صخر هذه المرة !

وفي مثال آخر على محاولة لورانس ومساعيه الحثيثة لإيقاع الفتنه وخلط الأوراق ومناقضة نفسه، نجد لورانس يتحدث في كتابه أعمدة الحكمة (ص532)، عن زيارته في طريق عودته لمنطقة زيزياء ولمضارب بني صخر وقضاء ليلة في ضيافة الشيخ فواز الفايز، بينما يذكر في تقريره أن زيارة زيزياء كانت في طريق الذهاب وليس العودة وانه مر بها وانطلق مباشرة إلى أم قيس،  ولكن هنا يضيف لورانس كذبة وافتراء من نوع آخر لشق الصفوف بين الثوار ، حيث يتهم فواز الفايز وبعض من رفاقه بمحاولتهم تسليمه للترك، وهو الأمر الذي يستحيل تصديقه، وعن هذا يقول الشيخ مثقال الفايز شيخ مشايخ بني صخر وشقيق فواز : “أنه لا يشك في اختلاق لورنس للقصة لأن تقاليد البدو لا تبيح لصاحب البيت أن يسلم ضيفه أبدا و مهما كانت الظروف، كما أن الشيخ فواز كان عضواً في جمعية العربية الفتاة المعروفة بموقفها الرافض للاحتلال العثماني”.

لورانس يقترب . . أنصاف حقائق ونصف اعتراف

والحقيقة أن لورانس اقترب ذات يوم إلى الاعتراف بأن قصة رحلته هذه كانت محض اختلاق، ونستند في ذلك إلى ملاحظات كتبها إلى مؤرخ سيرة حياته روبرت جريفز بتاريخ 22 تموز 1927 ، فقد ذكر أن ما تضمنه تقريره لقيادته كان جزءاً من الحقيقة ، وانه لا يريد لأحد أن يتمكن من  التحقق من صحة القصة، وطلب منه كتابة تفاصيل يعترف هو بعدم واقعيتها وتجنب ذكر تفاصيل أخرى حقيقية ، كما طلب من جريفز أن يذكر أن لورنس زوده بأقوال متناقضة، أو مضللة “وهذه أفضل طريقة لإخفاء ما حدث، إذ صح أن شيئاً ما قد حدث فعلاً”.

مشاهد محذوفة من كتاب لورانس ، ووثائق لم يستطع تعديلها

يتضح للباحث بكل سهولة هنا أن لورانس في كتابه “أعمدة الحكمة السبع” أسقط زعمه بلوغ أم قيس ونهر اليرموك وزيزياء ، كما أسقط الزعم بقيادته لمعارك تحرير الشوبك ووادي موسى والطفيلة التي لم تحدث، وحذفت من الكتاب لأن كل هذه المزاعم لم تكن صحيحة، وكان هو يعرف ذلك، فاضطر إلى إسقاطها خشية الفضيحة واكتشاف أكاذيبه، ولكن التقرير الذي قدمه لقيادته لم يكن لديه الصلاحية على حذفه أو تعديله فبقي على حاله ولم يستطع ان يسقط منه شيئاً، وهو ما ساعدنا في الكشف عن هذه الأكاذيب.

كما نلاحظ من كتابات لورانس المنشورة في النشرة العربية، والتي كتبها مباشرة بعد فتح العقبة، أنه لم يزعم أبداً أنه كان قائداً للحملة التي حررت العقبة أو انه اقترح القيام بها أصلاً، وقد كرر أكثر من مرة قوله أن الشريف ناصر كان يقود الحملة وأن عودة أبو تايه كان هو القائد الفعلي للمقاتلين، وتجدر الإشارة هنا أن الجريدة الرسمية لشرقي الأردن أبّنت عودة أبو تايه عند وفاته سنة 1924 ، فوصفته بأنه فاتح العقبة.

ندرة الوثائق وغياب الرواية العربية أتاح المجال لكتاب الخيال

يقول الكاتب سليمان الموسى في كتابه لورانس والعرب : “لا يستطيع أي عربي أن يصدق أن ضابطاً أجنبياً يستطيع أن يتولى حملة كهذه الحملة ، ولكن العجيب أن لورانس ادعى هذا الفضل لنفسه فيما بعد، ووجد كتاباً عديدين من أبناء بلده يتقبلون هذا الادعاء بروح الثقة الكاملة ويروّجون له ويجرّون معهم قراءهم الكثيرين والرأي العام في بلادهم، ومن حسن حظ لورانس أن القادة العرب في جيش الثورة ، لم يكتبوا مذكرات مفصلة عن أحداث الثورة وعن دور الضباط الأجانب فيها، وقد يكون لهم العذر، وان كنت لا أجد عذراً مقبولاً، فالثورة العربية كانت أعظم حدث في تاريخ العرب منذ بضعة قرون، وكان لا بد أن تتوافر المعلومات عنها للأجيال اللاحقة، ولا بد أن وثائق مهمة ذات قيمة تاريخية كبيرة ضاعت نتيجة لانتهاء الدولة الهاشمية في الحجاز وإخلاء مكة على عجل عام 1924م.

 

ضياع أوراق الثورة في الحجاز مع نهاية الدولة الهاشمية هناك

يذكر حافظ وهبة في مقدمة كتابه (جزيرة العرب في القرن العشرين) أن أكداساً من الورق لفتت نظره مهملة في فناء دار الإمارة بمكة، وأنه عندما بحث فيها وجد السجلات الإدارية للحكومة الهاشمية، وكثيراً من الأوراق السياسية الهامة التي لها علاقة بالثورة العربية والحركة العربية في أطوارها المختلفة، ولو بقيت هذه الأوراق أو وجدت من يحتفظ بها ويرتبها ، لأستطاع المؤرخون أن يجدوا فيها مادة كافية لوزن الأمور وتقييمها ، ووضع الحقائق من الجانب العربي مقابل المعلومات المتوافرة في الجانب الآخر والرواية المقدمة من جانب واحد.

المراجع :

  1. لورنس وجهه نظر عربية ، سليمان الموسى، دار ورد للنشر و التوزيع ، الطبعة الثالثة

كذبة لورنس – الجزء الرابع

المسار السابع لمعارك التحرير : أحفاد الأنباط في مواجهة الاحتلال التركي

خط المسير الجغرافي لقوات الثورة : معسكر الأردن (القويرة) – أبو اللسن – وادي موسى

13479221_10154134482700211_754917576_n
مقام النبي هارون على أعلى قمة جبل النبي هارون في وادي موسى عام 1900

مقدمة

وادي موسى منطقة جبلية الى الغرب من معان بحوالي 42 كم تقع ضمن سلسلة جبال الشراة، وأعلى مرتفعاته في المنطقة جبل النبي هارون الذي يقوم عليه مقام النبي هارون عليه السلام وارتفاعه 1257 م ومنطقة الوادي الغربية صخرية صعبة المسالك تنحدر بالتدريح اتجاه وادي عربة، أما منطقة الوادي الشرقية فهي تتخفض أيضا بالتدريج لتصبح جزءا من السهول الواسعة شمال معان، أما في الجنوب والشمال فتتشكل امتدادا لسلسلة جبال الشراه، ووادي موسى هو المدخل الى المنطقة، وفي بدايته عين موسى ويظهر للمرء أن المنطقة بعد الانتهاء من وادي موسى إنما هي صخور محددة جرداء ولا يعلم أنها تخفي تحفة تاريخية ونحت معماري، وحضارة كانت زاهرة تدل على عظمة اصحابها من أجدادنا الأنباط.

 كانت وادي موسى تشكل مسارا هاما من مسارات الثورة العربية الكبرى ودور المنطقة في الأحداث خاصة للأهمية التي اكتسبتها بسبب موقعها، فقد خصص الأمير فيصل بن الحسين حملة عسكرية بقيادة مولود مخلص للتعامل مع منطقة وادي موسى و تحريرها من الاحتلال العثماني بدعم و اسناد من عشائر المنطقة من أحفاد الأنباط وورثة حضارتهم، وكانت الأهداف الرئيسية من خلف الهجوم على الحامية التركية في وادي موسى هي:

  1. احكام الحصار على الحامية العسكرية التركية المتحصنة في معان .
  2. حرمان العدو العثماني من مصدرالأخشاب والخضروات والفواكه و صنوف المؤن ومصادر المياه التي تشتهر بها المنطقة .
  3. السيطرة على المنطقة يسهل التي العمليات المقبلة للانتقال الى الشوبك و تحريرها من براثن الاحتلال العثماني.
  4. تأسيس اتصال عبر وادي عربة مع قوات الحلفاء لتي تتحرك عسكريا في فلسطين.
  5.  الاتصال بالعشائر الأردنية الساكنة في المنطقة لإمداد قوات الثورة بالمقاتلين، فقد كان يسكن وادي موسى والطيبة والراجف عشائر اللياثنة و غيرهم من العشائر الأردنية التي اسهمت في عمليات الثورة بشكل فاعل.
mwlood
معسكر القائد مولود مخلص في وادي موسى، و يظهر بالصورة عدد من فرسان عشيرة اللياثنة

الخطة العسكرية المتعلقة  بوادي موسى :

وضعت خطة العمليات العسكرية لحركة جيوش الثورة في القويرة ( معسكر الأردن ) واستهدفت الخطة السيطرة وتحرير الأراضي الأردنية انطلاقا من القويرة باتجاه الشوبك ووادي موسى والطفيلة وذلك بقيادة الشريف مستور والشريف عبدالمعين و القائد العسكري مولود مخلص ، والشريف ناصر و بدعم و اسناد من عشائر الحويطات و بني صخر و شيوخها و فرسانها و عشائر المناطق المراد تحريرها، وعُيّن الأمير زيد بن الحسين قائدا عاما لهذه الارتال وقاد الامير زيد ومعه جعفر العسكري قوة عسكرية اتجهت من أبو اللسن باتجاه الطفيلة مرورا بالشوبك ووادي موسى، واعتبرت هذه القوة كاحتياط عام للأرتال الثلاثة التي تحركت حينها بناء على الخطط العسكرية في المنطقة و التي تعتبر على درجة من الأهمية لموقعها وخصبها وكثافة السكان النسبية فيها في تلك الفترة وقد كانت جبهة عمليات جيش الثورة تمتد من العقبة إلى القويرة ، ثم دلاغة مرورا بمناطق وهيدة وسهل الفقي وصولا الى وادي موسى ، وهذا الامتداد يحدد جبهة العمليات من الجهة الغربية.

233JPG
عربة محملة بمدفع و أسلحة في طريقها من أبو اللسن إلى وادي موسى

 

أهمية هذا الامتداد :

  • يفصل بين جبهة العمليات في الأردن وجبهة العمليات في فلسطين .
  •  يمنع اتصال قوات الاحتلال التركي ببعضها في الشرق والغرب .
  • يحرم قوات الاحتلال التركي من مصادر المياه والاخشاب التي يتم الحصول عليها عبر تقطيع الثروة الحرجية من الاشجار المعمرة في الشوبك ووادي موسى من أجل استخدامها للقطار العثماني و تشغيله إضافة إلى منعهم من الاستيلاء على الثروات الطبيعية كملح البارود والمواد التموينية التي كان يتم نهبها من أهل المنطقة مثل السكر و الحنطة و الشعير .
  • كثافة السكان في هذا الامتداد كبيرة نسبياً اذا ما قورنت بالخط الآخر الموازي على امتداد خط سكة الحديد في الشرق ،مما يتطلب حمايتهم من القصف التركي الألماني أو استخدامهم كدروع بشرية كما حصل في معان.
  • يتيح لقوات الثورة الاتصال مع القوات بوادي عربة التي كان فرسان العشائر الأردنية يعرفون مسالكها جيدا  وبالتالي يضمنون استمرارية التنسيق بين الطرفين والإمداد بالمقاتلين و الذخيرة.

 

معارك وادي موسى

شهدت وادي موسى أكثر من عملية عسكرية ، وكانت قوات الثورة التي وصلت الى وادي موسى تتشكل من :

  1. 300 جندي و مقاتل بين هجان و فارس .
  2. مدفعين جبليين .
  3. 4 رشاشات .

      إضافة إلى عدد كبير من المتطوعين من مقاتلي العشائر الأردنية  الذين ساهموا فى أعمال الدوريات والحراسة، كان توقيت المعارك في شهر تشرين الأول 1917 م وكان البرد قارصاً جداً والجنود يعيشون حياة بائسة في تلك الظروف القاسية، حيث لا يملك الجندي منهم سوى بطانية واحدة تحميه من شدة البرد …

مستند رسمي تركي حول معركة وادي موسى

      نقلا عن المصادر التركية الرسمية : ( معركة بالسلاح الابيض يستبسل فيها العرب ضدّ الأتراك )

ما هو مذكور أعلاه هو عنوان لواحد من المستندات التي نشرت في صحيفة الحرب العظمى التي كانت تصدر خلال الحرب العالمية الاولى وبعدها وتوثق الاحداث من وجهات النظر المختلفة، وفيها توثيق لمعارك وادي موسى التي يصفها التقرير بأنها من المعارك الخطيرة، و يتضح في هذه الوثيقة بعض المعارك الخطيرة التى وقعت بين العرب والمحتلين الاتراك أثناء الحرب نقلا عن المصادر التركية وما فيها من وصف مفصل ، كما أنها تعد في الواقع من المستندات الرسمية للحرب .

   وتاليا ً نص التقرير كما جاء من المصدر  :

       ” معارك وادي موسى

         على اثر سفر القوات التركية الى القدس، أمر محمد جمال باشا بالجلاء عن الخطوط الألمانية لعدم وجود قوة كافية للدفاع فأخلينا الكويرة (القويرة) وعين بسطة، وانشأنا خط دفاع في جبل سمنه وأقمنا المشاه في مرتفعات معان الغربية وفي محطتها وذلك لتدبير الدفاع عن جنوبها وشمالها وأسرعنا بحفر الخنادق ونشط الجيش العربي في هذا الفترة فسيطر على وادي موسى، فرأى محمد باشا ان يسترد وادي موسى لأهميته العسكرية، فطلب بعض النجدات فوصله الاء الشراكسة بقيادة ميرزا بك من تبوك، كما أرسلوا مفرزة من المشاة وقبل وصولها زحفت جنودنا من معان بقيادة (شولاق كمال بك) رئيس أركان حرب محمد جمال باشا، ثم التحق بنفسه وبدأ جنديا ً باحتلال الجبل المطل على وادي موسى، ونصب فيه مدفعية فبادرت القوات العربية بإطلاق النار وبقيت متحصنة في أماكن جبلية قريبة من مراكزنا لتمهد لهجوم المشاة وتولى ميرزا بك قيادة الجناح الأيمن للترك وكان الأمير زيد يقود قوات الثورة واشتركت الطيارات التركية في هذا الهجوم وكانت تحوم فوق العرب أثناء القتال وتلقي عليهم قذائفها من ارتفاع 300 متر فقط وحمل الترك على العرب حملة صارمة ، واستمروا في ضربهم بالمدافع ساعتين فقابلهم هؤلاء بنيران حامية حينما بدأوا يصعدون الجبل ، وردوهم على أعقابهم فاستأنفوا الهجوم عند الظهر ولكنهم فشلوا أيضاً .”

نفير عام في القيادة التركية

 و يكمل التقرير ما نصه: ” تلقى جمال باشا ورحى القتال تدور في وادي موسى برقية من (بصرى باشا) يطلب فيها نجدات سريعة لسقوط محطتين بأيدي قوات الثورة، وكانوا يهددون تبوك كما بلغ أن مقاتلي الثورة المرابطين حول معان يشددون الخناق عليها ويهاجمون جنوبها، فشعر بحرج الموقف سيما وقد كان بعيداً عن مركز الرئاسة فقرر أن يستعد لمعركة حاسمة يتولى بنفسه تنظيمها وإدارتها.

 وافتتحت المدفعية التركية الحملة الثالثة بنيران حامية كانت تصب صبا على مراكز العرب حتى أنها اصبحت رمادا ً وأطلالاً واصدر الباشا على الأثر أمره بالهجوم، وأراد أن ينزل بنفسه إلى الميدان ويتقدم الصفوف فمنعه رئيس أركان الحرب الذي تولى إدارة الهجوم، وقد اشترك فيه أكثر ضباط المقر العام وجنده ومشى الترك الى الجبل تحت حماية المدفعية، وكانت تسرف في إطلاق القنابل يتقدمهم كمال بك ممتشقا ًحسامه يضرم في صدورهم نيران الحماسة، فصمدت قوات الثورة لهم ونازلتهم منازلة الأبطال، وقد أظهرت قوات الثورة في هذا اليوم من البسالة والبطولة ما يحير العقول وبدأت المجزرة الكبرى حينما بلغ الترك خنادق قوات الثورة فثبتوا فيها رغم قلة عددهم ودار القتال بالسلاح الأبيض، وجرح كمال بك هنا للمرة الرابعة عشرة كما جرح (زكاني بك باور محمد جمال باشا ) وسقط على بعد خمسة أمتار من مواقع قوات الثورة الذين ارتدوا بعد استبسال عظيم ، فدخلنا الوادي بعد أن خسرنا نحو مئتي قتيل وجريح ولم تكد نستقر فيه حتى صدر الأمر لنا بالانسحاب فاخليناها – أي وادي موسى – بعد ساعتين فقط لتحرج الحالة في جنوب معان وتبوك ، فاتجه الجند نحو معان تاركين مقر القائد وبطارية المدافع وراءهم، وكانوا ينتظرون حركته ليسيروا معه وقد وقع رجال المقر في حيرة وكادوا يسقطون في ايدي قوات الثورة الذين كانوا يحيطون بالمكان من جهاته الثلاثة لولا مداهمة الليل ، وقد استولت قوات الثورة على مستشفى الجرحى الترك لأننا عجزنا عن انقاذه اثناء انسحابنا ” .

13460758_10154919181693066_1439367497_o
منظر عام لمدينة وادي موسى ومنازلها و عيون الماء و الأشجار فيها عام 1917

تحليل عام للتقرير التركي

       نلاحظ من هذا التقرير شدة المعركة وضراوتها من خلال الحشد التركي وشنّ المدفعية التركية لحملات ثلاث على مقاتلي الثورة، ومن خلال الخسائر الكبيرة نسبيا ً قياسا ً مع الأسلحة والذخائر المستخدمة في ذلك الوقت، فالتقرير التركي يعترف بمائتين بين جريح وقتيل وتقارير الثورة تفيد بوجود أكثر من هذا العدد الذي يصل الى 400 بين جريح وقتيل ونستطيع ان نستنتج ثلاث عمليات عسكرية تمت في ذلك اليوم وهي :

  • الهجوم الأول على مواقع قوات الثورة يسنده قصف مدفعي و قد فشل فشلا ذريعا.
  • الهجوم الثاني الذي ابتدأ بقصف مدفعي لمدة ساعتين ولم يحقق أي شيء أيضا.
  • الدخول الى وادي موسى ومحاولة اقتحامها لكن صدر الأمر بالإنسحاب بعد ساعتين من دخول الوادي وخلفوا وراءهم مدفعية ومركز القيادة والمستشفى التركي بعد أن جروا أذيال الخيبة .

    فى المرحلة الثالثة من القتال كانت المجزرة الكبرى، وكان القتال فى السلاح الأبيض وهذه هي المعركة الوحيدة فوق الأرض الاردنية التي يجري فيها قتال في السلاح الابيض ، ويعترف التقرير التركي بأن قوات الثورة على قلتها قد صمدت وثبتت واستطاع أحد فرسان العشائر الأردنية من بني ليث أحفاد الأنباط  جرح القائد التركي ( كمال بك ) .

دور عشائر وادي موسى 

 أشارت مذكرات الأمير زيد بن الحسين قائد المعركة إلى دور عشائر وادي موسى من عرب اللياثنة – بني ليث – وعشيرة المناعين المجاورة لهم حينها ، فقد أورد فى رسالة له الى الأمير فيصل مؤرخة في 29 / 5 / 1918 أن اللياثنة والمناعين نزلوا بأربعة بيوت – يقصد أربعة بيوت من المقاتلين و المتطوعين من فرسانها – وسينزل أيضا الشوابكة والنعيمات، وذكر فى نص الرسالة أيضا ان اللياثنة يريدون أحد الاشراف لقيادتهم في معاركهم ضد الاحتلال العثماني وانهم دفعوا بكل دوابهم (البغال ) لخدمة المعركة، وقد أوضحت بعض المصادر استعداد عرب اللياثنة التام للإنضمام للثورة العربية الكبرى، والقتال في صفوف قواتها وهم ينتظرون الفرصة السانحة للتخلص من تحكم المستبد التركي بهم، كما تحدث مولود مخلص في كتابه ( بطل معارك وادي موسى ) عن دور اللياثنه وعشائر وادي موسى المشرّف في تنفيذ عمليات الثورة العربية الكبرى، ووصفهم بأنهم لا يهابون الموت .

13480124_10154135650715211_1888246831_n
عدد من مقاتلي جيش الثورة في ساحة المذبح ” النبطي ” – البتراء يراقبون تحركات الجيش العثماني و انسحابه

أما البطل محمد علي العجلوني فيشير في مذكراته أنه سمع عندما نزل على قرية الشوبك همس أحد الأشخاص في المجلس بأن مولود مخلص أحد قادة ارتال الثورة  نزل مع الشريف معين بوادي موسى وان أهالي قرية وادي موسى انحازوا إليهما تمام كما أن الاتراك يسوقون الجنود بالقطارات الى معان وأنهم يحتشدون على الجبال بين وادي موسى وأراضي الشوبك، وقد رأى العجلوني ورفيقه في السفر الطائرات الألمانية وهي تقصف معسكر القائد مولود مخلص في وادي موسى وكان هذا اليوم الثاني والثلاثين من رحلته وهو بداية قصة العجلوني مع الثورة العربية الكبرى.

وتضيف مذكرات العجلوني عن معركة وادي موسى الثانية أن هجوما تركيا كبيرا شنته فصائل تركية على وادي موسى حيث حامية القائد مولود مخلص، تشكلت الفصائل من طابورين من البغالة وطابورين من المشاة ومدفعية الميدان ومعهم متطوعة من شراكسة عمان بزعامة ميرزا بيك ومعهم متصرف الكرك مع خيالة الجندرمة فانسحب مقاتلو الثورة الى وادي سلع البتراء – يقصد السيق- حتى المساء وساند فرسان عشائر وادي موسى قوات الثورة وكروا على الأتراك وتولت عشيرة اللياثنة – بني ليث – مطاردتهم مع خيالة العشائر الأردنية من وادي موسى فانهزم المهاجمون وتركوا وراءهم الذخائر ومدافع الرشاش.

المصادر :

  • الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر، 2011  .
  • الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  • التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  • المراسلات التاريخية 1914-1918 : الثورة العربية الكبرى. المجلد الأول / أعدها وحققها وكتب حواشيها وترجم بعضها سليمان الموسى، 1973.
  • ذكرياتي عن الثورة العربية الكبرى، محمد علي العجلوني، مكتبة الحرية ،عمّان ، 1956.

المسار السابع لمعارك التحرير- معارك وادي موسى

Scroll to top