تاريخ صناعة السكر في الأردن

مقدمة تاريخية
تعود معرفة الانسان بقصب السكر لفترة مبكرة تقدر بحوالي ثلاثة الآف سنة قبل الميلاد، حيث استقدم من الهند وانتقلت زراعته إلى بلاد الشرق الأوسط ومن الشرق انتقلت زراعته إلى بلاد الغرب ولقد ذكرت المصادر العربية انتشار قصب السكر في بلاد الهند، ومما قاله القلقشندي ” قصب السكر كثير للغاية في بلاد الهند ومنه نوع أسود صلب المعجم وهو أجود للامتصاص لا الاعتصار، ولا يوجد في غيرها ويعمل من بقية انواعه السكر الكثير..”
ولقد وجد قصب السكر في مختلف بلدان الشرق الأوسط ومنها خوزستان وفي العراق حيث كان يزرع حول البصرة وفي سنجار كما وجد ايضا في اقاليم أخرى من العراق حيث يذكر القلقشندي وفرته في دجلة الأهواز.
أما ذكر السكر في المصادر القديمة فيعود إلى الفترة الهيلينية فقد أشارت إلى القصب الذي ينتج عسلا بدون تدخل أو مساعدة من النحل، بينما قام بعض العلماء بوصف سائل السكر في المعالجات الطبية كما ذكر قصب السكر في المصادر العربية إذ عرف العرب زراعته وصناعته، حيث استخدموه في صناعة الأدوية والعقاقير الطبية، إذ ورد في مخطوطة كتبت في زمن الفاطميين في كتاب ” المرشد إلى جواهر الأغذية وقوى المفردات في الأدوية” عن أهمية السكر في العلاجات الطبية .
وفي أوروبا عرف قصب السكر قديما ولكنه لم يستخدم كثيرا في  البلاد الأوروبية إلا في القرن الثاني عشر الميلادي وما بعده، ويعتبر العرب أول من استعمل السكر في الأدوية وأول من علم الأوروبيين صناعته باتخاذه من القصب، ومن المعروف أن زراعة قصب السكر وصناعته انتقلت إلى أوروبا قبل القرن الثالث عشر ميلادي، فلم تكن أوروبا قبيل هذا التاريخ تعرف زراعة القصب وصناعة السكر، وتؤكد المصادر اللاتينية أنّ أهالي هذه المنطقة كانوا أكثر تقدما من أوروبا في استخدام الطاقة المائية في الصناعة، وبلغت زراعة القصب وصناعة السكر في أوجها في العصريين الأيوبي والمملوكي، فأقيمت معاصر السكر أو طواحين السكر على سواحل البحر الأبيض المتوسط المشرقية.
أما صناعة السكر في الفترة المملوكية فكان حصيلة تطور ناتج عن اهتمام الفاطميين والأيوبيين بها، وفي الفترة المملوكية أصبح السكر من أهم الموارد التي دعمت الإقتصاد المملوكي وتشير المصادر إلى أن أرض غور الأردن الممتد من بحيرة طبرية وحتى البحر الميت كانت مهمة جدا في زراعة قصب السكر وإنتاجه وتصديره وهي البداية الحقيقة لإنتاج السكر المصنوع من قصب السكر والذي أخذ إسم مونتريال لاحقاً.

جغرافية منطقة غور الأردن
إن كلمة الغور تسمية محلية لوادي الأردن الأدنى ويعني الأرض الهابطة والمنخفضة التي تمتد من بحيرة طبرية وحتى البحر الميت.
أما فيما يرتبط بزراعة قصب السكر، فقد جرت في منطقة غور الأردن على نطاق واسع، ومن الجدير بالذكر أن العديد من الجغرافيين القدامى أتوا على ذكر هذه المنطقة  ووصف تضاريسها وأنهارها ومزروعاتها ومما جاء عن الجغرافيين بهذا الصدد ما يلي:
ذكر نهر الأردن باسم الشريعة أو نهر الغور الذي ينبع من بحيرة بانياس ثم يخرج من البحيرة المذكورة ليصب في طبريا، ثم ينحدر جنوبا إلى أن ينتهي في بحيرة زغر المعروفة بالبحر الميت، وينضم إليه في منخفض الغور بعد خروجه من طبرية إلى نهر اليرموك، ونهر الزرقاء من الشرق ونهر الجالود، ووادي الفارعة والمالح من الغرب.
أما منخفض الغور فقد كان من المناطق المميزة بطبيعتها التي لائمت الإنسان عبر العصور المختلفة لخصوبة ارضها ووفرة مياهها واصبحت منطقة زراعية منفردة اشتهرت بزراعات متعددة ومتنوعة كقصب السكر، والموز، والنخيل، والبلسان، الحلفاء، والارز.

المسوحات الأثرية
جاءت المعلومات عن منطقة غور الأردن من خلال المسوحات والحفريات الأثرية التي قام بها عدد من المهتمين بتاريخ المنطقة وآثارها، والتي تعود إلى عام 1887م عندما زار المنطقة  العالم الألماني (Schumacher) وقام بتوثيق عدد من المعالم الأثرية مع إعطاء معلومات عنها، ومن بين المواقع التي قام بزيارتها طبقة فحل موثقا ذلك برسم خارطة توضح المعالم الطبوغرافية والمعالم الأثرية وقد أشار (Schumacher) إلى وجود معصرتين قام بتوثيقهما على الخارطة واكتفى بوصف المعصرة الموجودة في الجهة الغربية والتي تعمل بواسطة المياه التي تأتيها من نبع إلى الجنوب لتصب بعد مرورها عبر قناة مبنية من حجارة إلى وادي الجرم، وقد نسبها شوماخر إلى ما أسماه بالفترة المحمدية مشيرا بذلك إلى الفترة الإسلامية دونما تحديد لتاريخها ووظيفتها.
وقد ذكر معصرة موجودة على الجهة الشمالية من وادي زقلاب، وواحدة وجدت في بلدة وقاص كما أشار إلى معصرة على وادي العرب مشابهة لتلك التي وجدت في طبقة فحل لكنه اكتفى بذكره لهذه المعاصر دونما تحديد لتاريخها ووظيفتها.
وجاء بعده الأمريكي (Albright) في بداية العشرينات حيث قام بمسح اثري في منطقة وادي الأردن مركزا على المواقع التي تعود إلى العصر البرونزي والذي لم يشير إلى اي مواقع بها معاصر.
في حين أن تلميذه (glueck) قام بأكبر عملية مسح للأردن بين عامي 1938-1947 ركز خلاله على مواقع العصر الحديدي، وأشار جلوك إلى وجود مجموعة من المعاصر التي تدار بواسطة المياه في كل من: الساسية، تل الطاحون، ووجود أكثر من معصرة في تل أبو القوس.
وفي منتصف السبعينات قامت دائرة الأثار الأردنية بالاشتراك مع الجامعة الأردنية والمركز الأمريكي للأبحاث الشرقية بعمليات مسح اثري في المنطقة الممتدة من نهر اليرموك شمالا وحتى الزاوية الشمالية الشرقية للبحر الميت، بهدف إعادة النظر في تاريخ المواقع السابقة وتوثيق مواقع جديدة، وقد تم توثيق 224 موقعا خلال موسميين متتاليين في عامي 1975-1976، ويعتبر هذا المسح أول محاولة تناولت الفترات الإسلامية بقدر من التفصيل في المنطقة التي شملها المسح الأثري، وكان من بين نتائج هذا المسح رصد العديد من المنشأت التي يعتقد أنها معاصر للسكر أو ذات علاقة بها، وذلك من خلال البقايا المعمارية التي وجدت في 13 موقعا على طول وادي الأردن هي (تل السكر، الراسية الجنوبية، تل أبو البسة، خربة المرقعة، خربة سليخات، كريمة الجنوبية، تل أبو القوس، ضرار، زمالية، العارضية، سبيرة، تل الطاحون، مصليحي)
إضافة إلى ذلك فقد تم العثور على أواني فخارية أطلق عليها أواني السكر والتي استخدمت لغايات التصنيع في عدد من المواقع منها (دير علا، تل قعدان، تل الطاحونة، أبو عبيدة، تل الشونة الشمالي).

خارطة توضح مواقع معاصر السكر في منطقة غور الأردن

كما نلاحظ أن الخارطة تقف عند وادي الموجب، هذا لأن صورة المعاصر في العصر المملوكي- الأيوبي وفي ذلك الوقت كانت الفرنجة محتلة للمنطقة ما بعد وادي الموجب.

الحفريات الأثرية على مصانع السكر في الأردن
وجدت العديد من الحفريات الأثرية في عدد من المواقع التي أمدتنا بمعلومات جيدة عن هذه الصناعة، ولكنها لم تركز على الكشف عن معاصر السكر فقط، وإنما تمثلت في العثور على آواني فخارية استخدمت لغايات تصنيع السكر، حيث وجدت في كل من طبقة فحل، تل أبو قعدان، وتل أبو صربوط.


طبقة فحل
يقع هذا الموقع على قمة جبل أثري يشرف على وادي الجرم، تقع في لواء الأغوار الشمالية التابع لمحافظة إربد شمال المملكة.، ولقد حظيت طبقة فحل بنصيب وافر من الحفريات المنظمة حيث تقوم بعثة أثرية من جامعتي سدني الأسترالية ووستر الأمريكية بالتنقيب في هذا الموقع منذ سنوات، حيث أظهرت الحفريات استمرار الاستيطان منذ العصور الحجرية وحتى الفترات الاسلامية ( الأموية، العباسية، الفاطمية، الايوبية-المملوكية)، وأرجع هنسي أهمية موقع طبقة فحل في الفترة الأموية، إلى أنها كانت تمثل موقعا عسكريا أمويا يتبع جند الأردن، وذلك لقلة البيوت السكنية ذات النشاطات الزراعية، وفي موسم حفريات 1981 عثر بالموقع على مسجد يعود للفترة المملوكية، وكانت المنطقة خلال “الفترة الإسلامية” من أهم المراكز لتصنيع السكر حيث وجدت الآنية التي استخدمت لأغراض التصنيع وذلك أثناء عمليات التجريف في وسط التل وأصبحت القرية الزراعية قائمة في وسط التل في الفترة المملوكية، حيث كان يتم تزويد المنطقة بقصب السكر من المناطق الزراعية المجاورة في وادي الأردن، ولقد دلت الحفريات الأخيرة في وسط التل وهي منطقة المسجد على وجود قرية مملوكية مبكرة معتمدين في تأريخها على قطع نقدية، اضافة إلى وجود اعداد كبيرة من آواني السكر والتي لم تتم دراستها بعد.
طبقة فحل ءئتاؤعهئ

قناه المياه في طبقة فحل مخطط افقي لطاحونة طبقة فحل

تل أبو قعدان
وفي منطقة الأغوار الوسطى تم العثور على مقابرللمسلمين في تل دير علا، الأمر الذي دعا الى العمل في موقع تل أبو قعدان الذي يقع شمالي دير علا، وقد قام franken  ومحمد جمره عام 1967 بعمل مجس بهدف معرفة تاريخ تقريبي لهذه المقابر التي عثر فيها على قطع فخارية تعود الى الفترات الاسلامية من بينها آواني السكر كما عثر على هذه الآواني اثناء العمل في تل ابو قعدان حيث قام بدراستها franken  و kalsbeek  وركزا في دراستهما على صناعة الفخار وتشكيله، ودون إعطاء تأريخ محدد لهذه القطع واكتفوا بذكر “الفترة الوسيطة”.

تل أبو صربوط
أما حفريات موقع تل أبو صربوط الواقعة إلى الغرب من دير علا، فقد أظهرت نتائجها الاستيطان البشري من الفترة البيزنطية وحتى الأموية، ووجدت هناك فجوة في الاستيطان في الفترة العباسية، وكثافة استيطان في الفترة الأيوبية-المملوكية، وقد تم العثور على كميات كبيرة من الفخار الذي يعود لتلك الفترة بأشكالها وخاماتها المختلفة، ومن ضمنها أن السكر التي وجدت بكميات كبيرة.
وفي موسم حفريات 1990 تم العثور على كسر فخارية بكميات كبيرة من بينها عدد لا بأس به من الأواني التي استخدمت في صناعة السكر، وقد تم العثور على خمس أواني بالإضافة إلى اثنتين عثر عليهما سابقا.

تل السكر
يقع هذا التل على مرتفع طبيعي شمال المشارع، حيث ذكر في المسوحات السابقة التي قام بها جلوك 1924 وقد إكتفى بذكر مصطلح (mediaval period) لتاريخها، بينما أرخها المحيسن 1986 إلى الفترات الاموية، الأيوبية -المملوكية وذلك اعتمادا على البقايا الفخارية التي وجدت وخاصة آواني السكر.
يضم الموقع معصرتين للسكر الأولى في الجهة الشمالية والثانية في الجهة الشمالية الشرقية، وتتكون المعصرة الأولى والتي كانت تدار بواسطة شلال ماء منحدر من طبقة فحل نابع من وادي الجرم من بناء واسع مقوس على ارتفاع يقارب 2 م مبني من الحجارة بشكل جيد لحجر العصر الدائري الشكل وفيها ثقب على جانبه لينزل السائل وآخر في الوسط لتحريك الدولاب.
أما بقايا مجرى المياه فقد وجدت داخل البناء المقوس من زاويته الشرقية، إضافة إلى وجود الترسبات الكلسية المتكونة على الجدار الشرقي الملازم لمجرى المياه، الامر الذي يدل على مرور المياه من هذا الاتجاه.

 رسم توضيحي لآلية عمل مصانع السكر

البناء المقوس والقناة

كريمة الجنوبية
تقع مدينة كريمة على الشارع الرئيسي الممتد عبر الضفة الشرقية لوادي الأردن، وتبعد حوالي 3كم شمالي مقام الصحابي أبي عبيدة، ويقع وادي كفرنجة إلى الشمال من منطقة كريمة الجنوبية، تظهر الجبال في الشرق مع حقول منبسطة في الغرب وتغذي المنطقة مياه وادي كفرنجة بواسطة قنوات إلى الجهة الشمالية.
توجد في الموقع قناة محمولة على قناطر في الجهة الشمالية الشرقية ويقع جزء منه على وادي كفرنجة ويتكون من بناء حجري مع أقواس إضافة إلى معصرة في الجهة الشمالية مبنية بحجارة تظهر مشذبة في أسفلها مع حجارة مشذبة وقد رممت فيما بعد بالإسمنت في محاولة لإصلاح ما تهدم أو بناء ما هو ضروري من خدمات حديثة فشوه البناء الإسمنتي العشوائي طابع البناء وطمس معالمها ولم يبق واضحا منها سوى قنوات المياه والتي تستمر حتى الشرق على الجهة الجنوبية من وادي كفرنجة ولكن اثارها غير واضحة بسبب البناء الحديث في المنطقة والذي غطى على معظم اثارها لذلك كان من الصعب تتبعها لمعرفة طولها.

ضرار
تقع قرية ضرار إلى الجهة الشمالية من دير علا وتبعد 1 كم للجهة الشرقية من الشارع الرئيسي، ويوجد في وسط القرية مقام الصحابي ضرار بن الأزور، حيث نسبت إليه، وقد ذكرت الموقع لأول مرة أثناء المسح الأثري الذي قام به إبراهيم وسور وياسين عام 1976 حيث تم تأريخه إلى الفترة الأيوبية- المملوكية.
وقد وجدت في وسط القرية معصرة قديمة تدار بواسطة شلال من الماء وسط البلد يأتيها من سفح الجبل، ولم يبق من أثرها سوى قناة المياه التي بنيت بشكل منحني من الحجارة الجيرية بطول حوالي 45م لتصب المياه المتدفقة عبر قناة داخلية إلى بناء واسع مقوس غير واضح المعالم بسبب ردمه وإختفاء الكثير من اثاره وذلك أثناء القيام بعمليات فتح الطريق في المنطقة والتي أضاعت الكثير من المعالم وخاصة المعاصر حيث ذكر أهل القرية وجود ثلاث معاصر في الموقع لم يبق منها سوى معصرة واحدة مع بعض الاثار الباقية التي من المعتقد أنها تعود الى بقايا مصنع، وقد استمر استخدامها حتى سنة 1967م، لكن كمطحنة للقمح.

المخطط الأفقي لمعصرة ضرار

الراسية الجنوبية
تل يقع إلى الشمال من المشارع، يبعد حوالي 200م شرق الشارع الرئيسي، يحتوي على أراضي زراعية ومناطق صخرية، ضم الموقع معصرة اسفل تل الغربي حيث وجدت حجارة طحن كبيرة تحت البناء المقوس، وتأتيها الماء من عين في طبقة فحل في الجهة الغربية للموقع، تم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

الساسية
تل على الجانب الجنوبي من وادي العرب، جنوب غرب تل الشونة الشمالية، يحتوي على أراضي مزروعة عند القمة، ويحيط بالتل مجموعة من البيوت وتأتيها المياه من وادي العرب.
اما الأبنية القديمة فتحتوي على جدار يظهر عند الجزء الشرقي من التل ومن المحتمل أنه كان جزء من معصره وذلك من خلال بقايا القناة الموصلة من وادي العرب، تم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

تل أبو البسه
تل على مرتفع طبيعي، شرق المنشية بحوالي 2 كم، وقد احتوى الموقع على عدد من الجدران الحجرية، إضافة إلى وجود معصره في أعلى الجزء الجنوبي من المنحدر، من المحتمل انها استعملت للسكر، إضافة إلى جدران حجرية من المحتمل أنها تعود لقناة المياه حيث يأتيها الماء من وادي العرب في الشمال، ووجد بناء مقوس فوقه معصرة بازلتية مثقوبة من الوسط، وهي تشبه في نظامها تلك التي وجدت في الرأسية الجنوبية، تم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

خربة المرقعة
تل على مرتفع طبيعي، شمال شرق الاسماعيلية بحوالي 1كم، احتوى الموقع على معصرة تأتيها المياه من وادي ابو سعيد في الجنوب، ومن المحتمل أنها استعملت لعصر قصب السكر أو طحن الحبوب.
ولقد وجد في الموقع بناء من الحجارة في الجهة الجنوبية بجانب قناة المياه التي ما زالت بعض اثاره ظاهرة ولكن وظيفة هذا البناء غير واضحة  وتم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

خربة سليخات
يقع وادي سليخات في الجهة الشمالية من الموقع وتبعد عن الطريق الرئيسي حوالي 4 كم، وقد احتوى الموقع على عدد من المعاصر السكر تظهر منها اثنتان في الجهة الشمالية والغربية واخرى في الجهة الجنوبية الشرقية حيث تصلهم المياه من وادي سليخات ، تم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

تل أبو القوس
تل مرتفع طبيعي، على الجانب الشمالي من وادي راجب ويبعد 5, كم عن الشارع الرئيسي، يحتوي الموقع على عدد من معاصر السكر، معصرتين على حافة وادي راجب من جهته الغربية، ومعصرة في الجهة الشمالية، ومعصرة في الجهة الجنوبية، تم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

 إنتاج السكر في الأردن عبر العصور
توالت على الأردن الكثير من العصور كان أهمها في تأريخ انتاج السكر عصر احتلال الفرنجة للمنطقة وفي العصرين الأيوبي والمملوكي وغيرهم، وقد اشتهرت المنطقة بزراعة قصب السكر الذي تقوم عليه صناعة السكرعندما سيطر الفرنج على المنطقة ووجهوا عنايتهم بهذه الصناعة التي ازدهرت بوجه خاص في منطقة غور الصافي قرب الكرك  ومنطقة الأغوار الأردنية التي تمتد من جنوبي بحيرة طبرية حتى البحر الميت وما يقع منها في جنوبه قرب الكرك فهي أيضا من المناطق الزراعية المشهود لها بالخصب ووفرة التلال واشتهرت بزراعات عديدة متنوعة كقصب السكر، الموز والنخيل وشجر النيل ، وتمكنوا من إنتاج صنف جيد اشتهر بنعومته وبياضه سمي بسكر ” مونتريال” أو سكر ” الكرك والشوبك”، إذ يعتقد المؤرخون أن “سكر مونتريال” هو أول علامة تجارية شهدها العالم أو على الأقل من أوائل العلامات التجارية تاريخياً.
“سكر مونتريال” كان اسم السكر الذي أنتج من الشوبك ابتداءً من القرن الأول ميلادي بعد أن التقت شبكة الرومان للإمداد العسكري من أوروبا مع العقل التجاري للأردنيين الأنباط وأراضيهم الخصبة في الشوبك أو مونتريال. ولاهتمام الفرنجة بالسكر قاموا بنقل زراعته وصناعته إلى أوروبا، إذ نقله الامبراطور فردريك الثاني في حملة الفرنج السادسة وحمل معه صُنّاعاً من الأردن وأنزلهم في جزيرة صقلية.
وفي فترة الحكم الأيوبي والمملوكي زاد الإهتمام بزراعة قصب السكر إلى حد أن معظم منطقة الأغوار أصبحت اقطاعات خاصة بالأمراء والسلاطين.
وبلغت زراعة قصب السكر وتصنيعه في الأردن أوجها في عصر دولة المماليك فأقيمت لذلك معاصر السكر ومطابخه في جميع أنحاء النور ويقصد بالنور المكان الذي كان يحتفظ به السلاطين بالسكر، وأصبحت أملاك سلطانية خاصة وصار السلطان يعين لهذه المطابخ ( شادا ) خاصا وهو إسم يطلق على حارس السكر المحفوظ للسلاطين، ويجمع ما يتحصل منها من نقود وأعمال وسكر، وقد أسفرت الأبحاث الأثرية التي أجريت مؤخراً عن كشف مئات المعاصر و أعداد هائلة من الأواني الفخارية التي كانت تستعمل لتجفيف عصير القصب.
وبلغ اهتمام السلاطين بالأغوار الأردنية إلى الحد الذي جعلهم يخصصون لها نائبا سموه في كثير من الأحيان (استدار الأغوار) وهو مصطلح فارسي مركب  ويعني استدار الشخص المسؤول عن قبض المال للإنفاق على مطابخ السلطان أو النائب، ولم يكتف السلاطين بذلك، بل جعلوا مطابخ السكر في القصير (الشونة الشمالية) وبقية الأغوار تحت الإشراف المباشر لنائب دمشق، فكان يخرج بنفسه في فترة قطع  القصب وعصره فيمكث هناك حتى يتم عصر القصب، وكانت فترة إقامته تطول أو تقصر بحسب الموسم، حتى أنه  سنة 1377م أقام مدة شهرين وسبعة عشر يوماَ، أما في سنة 1398م فقد مكث هناك ما يقارب من خمسة أشهر في عمل السكر، وكان قصب السكر في هذا العام كثيراً جداً يتجاوز الحد، كمان أن الفلاح الأردني تأثر في زراعة أرضه كبقية بلاد المنطقة بالنظام الروماني فانتهج في ذلك نظام فلاحة الحقلين، بمعنى أنه يعمد إلى إراحة حقل في الوقت الذي يزرع فيه الحقل الثاني ثم يبدل الحقلين في السنة التالية تجنباً لإجهاد الأرض وتحسيناُ للإنتاج، واستعمل الفلاح الأردني في العصر المملوكي في فلاحته الطرق التقليدية القديمة، فكان يحرث الأرض بآلة مخصصة لذلك تسمى السكة في رأسها حديدة تسمى النصل وهو الذي يشق به التربة ويحرث الأرض وكانت هذه الآلة تنصب على رقبة ثورين يحرثان الأرض يسميان (الفدان).
استأثرت صناعة السكر في شرقي الأردن بإهتمام السلاطين في العصر المملوكي، بسبب جودته ونقائه، ومن هناك لقي طريقه إلى الأسواق الأوروبية، وتشير الوثائق الأوروبية إلى وجود سكر الكرك والشوبك في أسواق فلورنسا بين السلع الشرقية المعروضة في أسواقها بين عامي 1310 إلى 1340 م.
ولما كان السكر من السلع الهامة المطلوبة فقد احتكر سلاطين المماليك تجارته، وأصبح السكر الأردني حكراً على السلطان، يتحكم في أسعاره وتسويقه وكان ذلك يثير مشاعر السخط والتذمر لدى الدول المجاورة بسبب ارتفاع أسعار السكر، فقد رفع سعره من 14 إلى 28 درهما للرطل الواحد ثم زيد إلى 30 ونتيجة لاحتجاج أهال المدن والعواصم المجاورة انفصل الحال فيه عن بيع الرطل بستة عشر درهما وانخفضت كلفته إلى ما يعادل نسبة 50%.
كما أن زراعة قصب السكر انتقلت من مدينة الشوبك إلى مصر، عن طريق اصطحاب الملك الظاهر برقوق للعمال الأردنيين والمزارعين المهرة في زراعة قصب السكر وصناعة السكر من أهالي الشوبك وذلك بعد إعادته إلى حكمه في مصر، حيث أبعد لسنوات في الشوبك، وكانت مصانع تكرير السكر في مصر تعتمد على خبرات أبناء الشوبك.

إضافة إلى أن هؤلاء العمال الوافدين المهرة استطونوا بلدة في منطقة بالقرب من مدينة الزقازيق المصرية وأطلقوا عليها اسم بلدتهم الأصلية (الشوبك) ، ولغاية أيامنا هذه تقطن في البلدة عائلة كبيرة يطلق عليها اسم عائلة الشوبكي.

آليه عمل معاصر السكر في ضوء التنقيبات الأثريَّة

يعتمد مبدأ عمل مصانع السكرعلى المياه التي تحرك الدواليب الأفقيَّة أو العموديَّة لتشغيل حجر الطاحون أو العصر المثبت بها، إما بشكل مباشر أو عن طريق المسننات، وهذا تحدده قوة دفع المياه وسرعتها؛ فحجر الطحن أو العصر يحركه دولاب مياه مصنوع من الخشب الصلب والحديد الذي تحركه بدوره المياه التي تصله بثلاث طرق:
1. الماء المتدفق من فوهة قناة أفقيَّة مرتفعة يختلف ارتفاعها باختلاف مستوى منسوب المياه الذي يأتيها من النبع أو الوادي. وتقع قوة المياه المتدفقة مباشرة على حجر الطحن أو العصر، ويتناسب ارتفاع منسوب المياه تناسبًا طرديًا مع قوة دفع المياه.
2.  المياه المتدفقة من مرتفع ليمر عبر قناة معلقة لتنزل من فوهة القناة مباشرة فوق دولاب المياه المثبت بشكل عمودي.
3. المياه الجارية بقوة عالية في النهر أو الوادي من أسفل دولاب المياه المثبت بشكل عمود
أما قوة المياه المتدفقة في الحالة الثانية أو الثالثة فهي قوة غير مباشرة،حيث تحرك المياه الدولاب العمودي الذي يحرك بدوره حجر العصر عن طريق الدواليب المسننة، وتعتمد سرعة حجر العصر على كميَّة المياه وقوة دفعها وسرعتها، وعلى دواليب المياه ونوعها، ووزن حجر العصر،وحجر العصر حجر دائري من البازلت أو الصخر المنحوت، مثبت إما بشكل أفقي حيث يوضع الحجران فوق بعضهما بعضًا وبحيث يبقى الحجر الأسفل ثابتًا بينما يتحرك الحجر العلوي، وتدخل أعواد القصب فيما بين الحجرين، ويتفاوت مقدار الضغط الذي تتعرض له الأعواد تبعًا لتفاوت درجة اقتراب هذين الحجرين من بعضهما بعضًا. وفي بعض الأحيان، يوضع الحجر العلوي بشكل عمودي، بحيث يكون الحجر السفلي أفقيًا وثابتًا بينما يتحرك الحجر العلوي الذي يكون في وضع عمودي. وفي كثير من الأحيان يوضع حجران عموديان بدلاً من حجر واحد.
ويُستقبل العصير الناتج من هذه العمليَّة في أوعية مخصصة له .ثم ينقل بإحدى الطريقتين اللتين سبق ذكرهما إلى قسم آخرمن أقسام المصنع، حيث يطبخ ويغلى ليصب في النهاية في قوالب مخروطيَّة ليصبح على شكل أقماع السكر.

قوة دفع المياه لتحريك حجر المعصرة

حجر المعصرة الأولى

حجر العصر التابع للمعصرة الثانية

الأواني الفخارية المستخدمة في صناعة السكر ودراستها
1.
شكل الجرة الذي يتصف بأنه واسع في أسفله وضيق في أعلاه، ذو جدران سميكة وعجينة خشنة، لا يحتوي على عراوي وتم تشكيله بواسطة الدولاب واستخدام الايدي للضغط على سطحي الإناء الخارجي والداخلي، اذ كان وظيفة هذا الإناء سكب عصير القصب في مراحله النهائية.

أنية فخارية على شكل جرة1

2. الشكل المخروطي الذي يتسع في أعلاه ويضيق في أسفله، وهو يشبه المخروط وينتهي في الأسفل بقاعده مستديرة مثقوبة، جدرانه سميكة ذو طينة خشنة سطحه الخارجي خشن والداخلي أملس، كما لوحظ وجود زخرفة تحت الحافة ولكن زخرفة هذا النوع لم تكن شائعة  ويعتقد أن وظيفة هذا النوع كانت لتجميد ما يتبقى من عصير القصب ولم يكن هذا النوع ليعمر بسبب تعرضه للكسر أثناء استخلاص السكر المتجمد بداخله.

أنية فخارية على شكل مخروط

3. شكل الجرس الذي وجد في تل السكر، كريمة، ضرار تتصف بالعجينة الخشنة وجيدة الحرق، وتحتوي على شوائب بحجم متوسط من البازلت والحجر الجيري ومنها ما صنع بها شوائب دقيقة بيضاء وصوانية ومنها ما يحتوي على شوائب كبيرة كلسية ، وعليها بطانة من الخارج والداخل، ووجد أيضا بعضها يظهر عليها أثار تحزيز خفيف من الخارج.

كما تم العثور في مخيم الكرامة في  دير علا على كميات كبيرة من الكسر الفخارية التي تعود إلى أواني السكر غير أن اعمال التجريف الحديثة اضاعت الكثير من آثارها.
لم يتمكن الباحثون من إعطاء تاريخ محدد لآواني السكر نظرا لتنوع أشكالها والتطور الذي حصل على تفاصيلها ووجود هذه الأنواع في كافة الطبقات في الموقع.
أما عن الفخار في طبقة فحل الذي عثر عليه في مرحلة مبكرة، فقد اشتملت على عدد من آواني السكر التي اتصفت بجدران سميكة وقاعدة مضغوطة إلى الداخل، ونوع آخر اتصف بقاعدة مثقوبة، اما الفخار الذي تم العثور عليه حديثاً، فلقد تم العثور عليه في منطقة المسجد في المنطقة الوسطى من التل، والتي يتم تصنيفها إلى نوعين: إناء، وعاء.
واشتمل فخار موقع حسبان على كسرة واحدة تعود إلى آنية من آواني السكر.

السكر الأردني والعلاقات التجارية الخارجية
 ارتبط الأردن بعلاقات تجارية وثيقة بكل من مصر، سوريا، فلسطين والحجاز وارتبطت أيضا بعلاقات تجارية مع بغداد ففي القرن السابع الهجري، ونستدل من ذلك على أن عمان كانت في الفترة الأيوبية مركزا تجاريا هاما.
كذلك كانت للأردن صلاتها التجارية عبر البحر الأحمر مع الجنوب الغربي والهند والصين، فقد ذكرت المصادر عن وجود (دار الطعم) في مدينة عجلون أعدت للتجار الأجانب وهذه الدار يوجد شبيه لها في مدينة دمشق وتؤدي نفس عمل الوكالة بالديار المصرية، وتجمع في وظيفتها بين إيواء التجار الأجانب وخزن سلعهم، وتشير بعض الوثائق الأوروبية إلى وجود السكرالكركي والشوبكي التي اشتهرت به المنطقة في أسواق فلورنسا  بين عامي 1310م إلى 1340م.
وكذلك نصت المعاهدة  التجارية التي عقدها السلطان العباسي الملك  المؤيد سيف الدين شيخ مع البندقية على أن يتقيد بنصوصها كل من: نائب الإسكندرية والكرك وصفد وحماة وطرابلس، فأصدر أمره بذلك سنة 1412م  بما تخص التجارة الخارجية وتعتبر  هذه المعاهدة من الوثائق المهمة حول آلية تصدير السكر المصنع في المعاصر التي تم ذكرها سابقاَ.
وهذا دليل أن المدن الأردنية كانت لها علاقات تجارية مع البندقية قبل إبرام هذه المعاهدة إذ عُرف أهل الشوبك بنشاطهم التجاري في صناعة السكر والتكسب عن طريق التجارة مع المدن الأوروبية، والإ لما صدر لهم هذا الأمر السلطاني وذات الأمر يتكرر في فترة قيام السلطان المملوكي الملك الناصر محمد بن قلاوون بالثورة بالكرك في سلطنته الثالثة، وخروجه منها للسيطرة على دمشق.
ولم تقتصر مكاسب هذه المنطقة موضوع الدراسة من هذه الحركة التجارية النشطة عبر مردودها على مجرد الربح المادي العائد على أهلها بل كانت تتابع هذه القوافل والتجارية العابرة مجالا خصبا لالتقاء حضاري وثقافي فالطرق التجارية تعتبر طرقا حيوية لنقل الحضارة والثقافة بين الشعوب، فعن طريقها تنتقل الأخبار وما يستجد من مذاهب و آراء وكانت الأسواق التي تحط فيها عبر الأردن ميدانا لتبادل الفكر والمعرفة.

المراجع

  1. ربى أحمد أبو دلو(1991). معاصر السكر في غور الأردن في القرنين الثاني عشر و الرابع عشر الميلاديين في ضو المصادر التاريخية و المكتشفات الأثرية. رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.
  2. الهباهبة، طه(2000)، الشوبك: التاريخ والوجدان الشعبي،(ط2)، عمان: دار الينابيع للنشر والتوزيع.
  3. تاريخ منطقة شرقي الأردن في عصر دولة المماليك الأولى / إعداد يوسف حسن سلامة درويش غوانمة ؛ إشراف السيد عبد العزيز سالم، أحمد مختار العبادي.

Scroll to top