مقدّمة

تتبعنا في الأبحاث الماضية من حقل إرث الاستقلال كيف تجاوز الاحتلال العثماني الأردن من حساب سلاطينه في شؤون البناء والتنمية، واستمرار سياسته في الحكم بالوكالة التي اعتمدت على نهب خيرات البلاد وسرقة قمح حوران وتحطيم غابات السلط والشوبك والطفيلة ووادي موسى وفرض الضرائب الجائرة على الأردنيين وجلب أبنائهم للتجنيد الإجباري لخوض حروبهم التوسعية والقمعية للشعوب الثائرة وقد استمر انشغال المحتل العثماني المستمر بتوطيد عاصمته في الأناضول، ثم انشغل بتوسيع احتلاله للشعوب والدول، بينما تركت بلادنا مهملة من حكم غير شرعي، بل وافرغت من كل عناصر التطور ومسبباته، وجلبت أموالها وغيراتها وأيديها العاملة إلى العاصمة العثمانية لتطويرها على حساب الأردن والأردنيين.

والدارس لحقبة التحرر من المحتل العثماني والراصد للثورات الأردنية الصغرى يدرك كيف كانت الحكومة العثمانية تتصرف في حكم البلاد، إذ أناطت مسؤولية أمن المنطقة بشيوخ العشائر الأردنية ولم تستخدم حامياتها وسجونها إلا لقمع الثائرين من الأردنيين الأحرار، وجعلت لغة الترهيب والقمع والإبادة العرقية الممنهجة لغتها الأساسية في التعامل مع العشائر والقبائل إذ سيّرت الحملات العسكرية من جنودها المرتزقة واحدة تلو الأخرى وبلا هوادة أو انقطاع، بينما أشاعت في أحيان كثير سياسة “فرّق تسد” بين القبائل الأردنية، حتى لا تتوحد كتيار استقلالي تحرري من المحتل العثماني فتشكّل قوة خطيرة يصعب مواجهتها وهو ما كان في الثورة العربية الكبرى، واستمرارا لمسلسل الخسّة والغدر المعروف عن العثمانيين وسلاطينهم فقد استخدموا الحيل وأخذ الرهائن للضغط على العشائر الأردنية وفرسانها وشيوخها تارةً وتارات أخرى عبر الإعدام على المشانق والاغتيال بالسُّم وهو أشهر عاداتهم في التعامل مع شيوخ العشائر الأردنية كما فعلوا مع الشيخ البطل الشهيد قدر المجالي.

قبيلة الحويطات الأردنية والاحتلال العثماني ( علاقة متأزمة )

  لم تسجل ذاكرة الأردنيين وروايتهم الشفوية ولا حتى كتب المؤرخين والمستشرقين أدنى حد من العلاقة المعقولة بين العشائر الأردنية والمحتل العثماني، ليست هذه العلاقة بالطبع بمختلفة أو حاملة لأي تمايز عن تلك التي جمعت الاحتلال العثماني مع أي قبيلة أو عشيرة أوحاضرة من الحواضر الأردنية على حدّ سواء، ويمكن لنا أن نقرأ شكلها ومضمونها بلغة الأرقام للتدليل على حقيقتها، إذ شهدت الأراضي الأردنية منذ اللحظات الأولى لاحتلال العثمانيين للمنطقة عددا واسعا من الثورات يتجاوز الـ 53 ثورة صغرى مما تم تدوينه وتوثيقه، وقد استعرضنا عددا كبيرا منها في حقل الثورات الأردنية الصغرى، وفي ذات السياق وعلى ذات الحال لم تكن حال العلاقة بين قبيلة الحويطات الأردنية والمحتل العثماني بالأفضل على الاطلاق . إذ لم تشهد العلاقة أي زيارات رسمية أو شبه رسمية، ولم تذهب وفود من قبيلة الحويطات وشيوخها إلى الحكومة التركية في أي مناسبة اطلاقا . ما عدا تلك الوفود المشكلة لاستقبال قوافل الحج لرفادتها واستلام الأموال من أمراء الحج العثمانيين مقابل توفير خدمات الحماية والضيافة لقوافل الحج العثمانية.

ومن الواضح أن الاتصال الوحيد الذي يذكر ـ كما تقدم ـ هو في باب أخذ المستحقات المالية في موعدها، من باب أنه حق واجب على الحكومة العثمانية لهذه العشائر، بدليل أن العشائر الأردنية كانت تثور فورا إذا أحسّت بأي تلاعب من قبل الولاة العثمانيين في أمر هذه المستحقات إذ عادة ما كان أمراء الحج العثمانيين يسرقونها لجيوبهم ويسيّروا حملات القمع للعشائر الأردنية ليمتنعوا عن دفع حقوقها المالية.

وكانت قبيلة الحويطات الأردنية كما هو حال باقي القبائل والعشائر الأردنية تعتبر أرضها ملك ارادتها ولا تدين للمحتل العثماني بطاعة أو ولاء، كما لم تخضع للاحتلال العثماني، ورفضت على وجه الدوام الانصياع لرغبته بتجنيد أبنائها حتى لو كان الأمر بالإكراه والإجبار، بينما يتضح الموقف العام لقبيلة الحويطات الأردنية تجاه العثمانيين عندما أمدّت قوات الثورة العربية الكبرى بالمال والسلاح والرجال والأرواح وقدّمت فيالق من الفرسان والمحاربين والشهداء .

الشيوخ التسعة

وكما هو ديدن المحتل العثماني في الغدر والخسّة وحالما شعر بأن النفس التحرري الاستقلالي قد بدأ بالاشتعال بشكل متزايد، خطّط الوالي العثماني في دمشق لوأد الحركة في مكانها، وحبكت الخطة أن يقوم باستدعاء شيوخ الحويطات التسعة واعدامهم مرّة وحدة بعيدا عن أهلهم وقبيلتهم ومنعا لقيام ثورة سريعة ومباشرة ضد المحتّل العثماني تكلفه جميع حامياته العسكرية في المنطقة، ومن هنا أوهم الوالي العثماني في دمشق كبار شيوخ قبيلة الحويطات التسعة أنه يرغب في حضور شيوخ قبيلة الحويطات الأردنية لاستلام مستحقات القبيلة المالية، وقد رشّحت عشائر الحويطات كبارها لهذه المهمة كالعادة، وتحضّر شيوخ عشائر النجادات والجازي والتوايهه والزوايدة والمراعية والسليمانيين والعمران والسعيدين والرشايده لهذه المهمّة، ورغم التردّد الكبير من قبلهم وشعورهم بأن مكيدة ما يتم تدبيرها من المحتّل العثماني، إلا أن اخلاصهم للقبيلة وشعورهم بالمسؤولية تجاه تأمين رزق أبنائها في ظل انقطاع موارد التنمية الأخرى أجبرهم على الذهاب وتلبية رغبة المحتل العثماني، وما أن وصلوا مقر الوالي العثماني حتى أمر باعتقالهم جميعا وقطع رؤوسهم، في استمرار لمسلسل الظلم العثماني ولا انسانية ولاته وسلاطينه.

 وقد ظن المحتّل العثماني أنه بارتكابه لهذه المجزرة الرهيبة ورفضه تسليم جثامين الشيوخ التسعة لقبيلة الحويطات ، سيخيف شيوخهم وفرسانهم فلا يقومون بأي تمرد في المستقبل، لكن الجواب كان قادما لا محالة.

 

( الغدر ) درب المحتل العثماني

وفي مؤامرة عثمانية أخرى في القرن التاسع عشر، ولتأديب قبيلة الحويطات وقمع النفس الثوري المشتعل في صدور أبنائها ولتصاعد المطالب المنادية بالاستقلال وضرورة دفع المبالغ الواجب دفعها لقاء حماية قوافل الحج العثمانية خاصة بعد أن ازدادت حالات التلاعب بأمر الصرة من قبل الوالي العثماني في دمشق ورغبته الخاصة بتغيير طريق الحج عن مناطق القبائل الأردنية التي اعتمدت في رزقها على خدمة الحجاج وحمايتهم ، وفي ذات الوقت الذي فرض فيه المحتل العثماني ضريبة جديدة على المواشي.

ولقمع الثورة في مهدها احتجز الوالي العثماني ثلاثة شيوخ من قبيلة الحويطات الأردنية هم الشيخ سالم بن نجاد ومعه اثنين من شيوخ عشيرة المطالقة من قبيلة الحويطات وتم سجنهم لفترة طويلة بعد أن تم استدراجهم بالحيلة والخديعة. كان الشيخ سالم بن نجاد أكبرهم سنا، وقد دبر الشيخ البطل ابن نجاد خطة لتهريب كل من الشيخين الآخرين، بعد ان أقنعهما بأن يسيرا إلى قبيلة الحويطات والعشائر الأردنية الحليفة لها كقبيلة بني عطية في البادية الأردنية الجنوبية ليحرضوهم على الاستمرار في إعلان الثورة ضد الاحتلال العثماني، وقطع طريق امداد الجيش العثماني الذي يمر بالمنطقة، ومهاجمة كافة الحاميات والقلاع والسجون العثمانية فيها .

ومن ثم شهدت العلاقة بين قبيلة الحويطات والاحتلال العثماني العديد من المواجهات المباشرة والدامية، وخاصة بعد تأسيس لواء الكرك عام 1892. إذ تُظهر وثيقة من وثائق (ميرزا وصفي )[1] عام 1893م رفض قبيلة الحويطات عموما وعشيرة الجازي بقيادة الشيخ عرار بن جازي تحديدا دفع الرسوم الضريبية المفروضة على الأغنام و الأبل.

كتاب من متصرف معان إلى رفعت بكباشي البوليس ميرزا وصفي حول رفض قبيلة الحويطات دفع الضرائب بالعثمانية؛ حقوق النشر محفوظة لدى دائرة المكتبة الوطنية
كتاب من متصرف معان إلى رفعت بكباشي البوليس ميرزا وصفي حول رفض قبيلة الحويطات دفع الضرائب – منقولة للعربية؛ حقوق النشر محفوظة لدى دائرة المكتبة الوطنية

وفي عام 1894 وبعد امتداد سلطة الاحتلال العثماني نحو معان والمناطق التي يمتدّ فيها نفوذ وانتشار قبيلة الحويطات، رفض شيوخ عشيرة الحويطات وعلى رأسهم الشيخ عرار بن جازي أن يتنازلوا عن أي شكل من أشكال السيادة والحكم الذاتي للحكومة العثمانية وقام الشيخ عرار بن جازي – وكردٍّ مباشر وصريح على الرفض المطلق للاحتلال العثماني – بشن هجوم سريع ومباغت على القوة العسكرية العثمانية في معان، واستطاع فرسان عشيرة الحويطات قتل عددا من جنودها، قام الاحتلال العثماني بعدها على الفور بمطاردة الشيخ عرار بن جازي والقبض عليه بالخديعة وسجنه في سجن الكرك، وأفرج عنه بعد عامين بعد ضغط متواصل من شيوخ ووجهاء العشائر الأردنية وفرسان قبيلة الحويطات[2].

من اليمين : الشيخ البطل عرار بن جازي ( أبو حمد ) وأخيه الشيخ الفارس عبطان بن جازي (عبطان الخيل )، الصورة من مجموعة المستشرقة البريطانية جرتروود بيل في رحلتها الى منطقة البادية الاردنية ، عام 1868

قامت سلطة الاحتلال العثماني بمحاولة جديدة لإجبار قبيلة الحويطات على دفع ضرائب سنتين مقدما، وأرسلت سرية عسكرية لجمعها، فأبى الفارس البطل الشيخ عودة أبو تايه الدفع فقام جنديان عثمانيان برميه بالرصاص غدرا فلم يصيباه، فردّ عليهما بالمثل وقتلهما بينما فرّ باقي الجنود العثمانيين خوفا من ذات المصير[3].

ثورة الحويطات 1898

كانت حادثة أسر الشيخ سالم بن نجاد وأبناء عمومته من شيوخ المطالقة  قد ألهبت النّار في نفوس فرسان قبيلة الحويطات، وما أن وصل شيوخ عشيرة المطالقة إلى مضارب القبيلة بعد هروبهم من السجن بفضل الخطة المحكمة للشيخ ابن نجاد، سارع هؤلاء ببث دعوة الشيخ السجين إلى شيوخ القبيلة وحلفائها، واشتعل طلب الثأر في صدورهم ، فانطلقت الثورة عام 1898 حيث عمدت قبيلة الحويطات إلى الثورة ضد العثمانيين، وأعلنت نيتها الاستقلال المطلق عن الدولة العثمانية، نظرا لاستفحال حالة التهميش للمنطقة وغياب جهود التنمية والبناء وإدارة المنطقة بعقلية المزرعة عبر جمع الضرائب دون مردود أو مقابل ومن ثم امتناع الدولة العثمانية عن دفع حقوق القبيلة المالية لقاء حمايتها لقافلة الحج الشامي وتأمينها باحتياجاتها في الخانات والقلاع المتوزعة في مناطق انتشار ونفوذ الحويطات، بالإضافة لقيام الدولة العثمانية بمد خط سكة القطار العسكري العثماني والذي وجد أصلا لقمع ثورات الأردنيين وإحكام السيطرة والقبضة على المدن الأردنية ومن ثم جمع الضرائب وفرض التجنيد الاجباري بالسرعة التي يريدها الباب العالي وظهر الأثر الاقتصادي السلبي بشكل واضح وصارخ على مصالح قبيلة والعشائر الأردنية المقيمة قرب طرق الحج، والتي كانت تعتمد بالمطلق على الضرائب والأموال التي تجنيها لقاء حماية قافلة الحج الشامي[4]، في الأراضي الممتدة من معان إلى تبوك في ظل غياب أي مورد آخر للرزق مع تضخم حالة التهميش العثماني وحكم المنطقة بالوكالة.

أعلن فرسان الحويطات وشيوخهم الحرب على العثمانيين ورفعوا راية الاستقلال عن حكم المحتل العثماني، وقد هوجمت كافة الحاميات العثمانية بضراوة وشجاعة منقطعة النظير، وقطع طرق إمداد الجيش العثماني في الجنوب، ودبّ الرعب في صدور الجنود العثمانيين وقادتهم، فأرسلوا للوالي يطلبون النجدة، فأرسل الوالي العثماني في دمشق جيشا كبيرا لبث الرعب في قلوب الأردنيين، لكن قبيلة الحويطات وحلفائها من العشائر الأردنية لم تخش قوة الجيش العثماني، واستمرت في ثورتها بمواجهة الجيش العثماني الجرّار الذي هزم من قبل فرسان العشائر الأردنية على أعتاب البادية النبطية الأردنية التي قهرته لمرّات عدة.

و بعد فترة وجيزة اصطدمت عشيرة أبو تايه مع قوة عثمانية مكوّنة من عشرة فرسان بقيادة قائمة حامية الاحتلال العثماني في الكرك سليمان آغا، ولمّا حاولت القوة العسكريّة العثمانية أخذ الإبل المرافق لعدد من فرسان العشيرة، أسرع فارس شاب من عشيرة أبو تايه راكبا فرسه يتبعه فارسان من العشيرة وتوغلوا بين القوة العسكرية العثمانية وأفرغ بندقيته على القوة فوقع أحد الجنود العثمانيين صريعا، وامعانا في الرد على البطش العثماني ضرب الفارس الحويطي بأخمص بندقيته رأس قائد القوة العسكرية  العثمانية سليمان آغا فأسقطه من حصانه على الأرض وأخذه أسيرّا، وعلى إثر بطولة فرسان الحويطات فرّ جنود الحامية العثمانية إلى مدينة الكرك ليحتموا في قلعتها، ودون أن يستطيعوا سرقة أي رأس من إبل الحويطات، تاركين أحد الجنود العثمانيين غارقا في دمه، وقائدهم أسيرا، أخذت هذه القصة تنتشر بين فرسان العشائر الأردنية كالنار في الهشيم مشعلة الرّغبة بالخلاص من هذا المحتل.

وعندما شعر الوالي العثماني أن الأمور تخرج عن سيطرته بشكل متسارع على نحو لا يمكن معه استيعاب ثورة الحويطات ومع وصول الأخبار إليه بانتشار الثورة كالنار في الهشيم في صفوف العشائر الأردنية القريبة من الحويطات، وتحت الضغط الشديد أمر بالإفراج الفوري عن الشيخ سالم بن نجاد واضطر مجبرا للتخلي عن رغبته بإعدامه حتى لا تمتد الثورة أكثر، واستطاعت قبيلة الحويطات بإسناد من فرسان العشائر الأردنية أن تحصد النصر وتفرض شروطها على المحتل العثماني المنهزم أمام سنابك خيلها.

الحويطات وثورة الكرك 1910

تكررت محاولات قبيلة الحويطات الانفصال عن الدولة العثمانية منذ عام 1898 عبر ثورتها العارمة وصولا إلى مشاركة فرسانها بعد سنتين من ثورة الحويطات في ثورات الشوبك عامي 1900 و 1905، ومن ثم مشاركتهم بفعالية في ثورة الكرك ( الهيّة ) عام 1910.

و إبان ثورة الكرك عام 1910 شاركة قبيلة الحويطات مشاركة فاعلة في الهجوم على محطات سكة القطار العسكري العثماني والحاميات العثمانية في معان والشوبك وغيرها من المواقع وذلك نصرة لإخوانهم من عشائر الكرك ولتضييق الخناق على العثمانيين ومنعهم من إمداد الحامية العثمانية المهاجمة للكرك، إذ تورد جريدة المقتبس، تقريرا مفصلا للهجمات التي قام بها شيوخ الحويطات خلال هذه الثورة، حيث تورد كيف توّجه الفارس البطل عبد القادر بن صالح المجالي إلى قبيلة الحويطات في منطقة الجفر، وضافوه في مضاربهم مدة ثلاثة أيام حسب أعراف الضيافة عند العشائر الأردنية، ومن ثمّ اتّفق مع شيوخ عشيرة الحويطات على إعلان الثورة في الكرك وتم التخطيط عسكريا على دور العشائر الأردنية فيها ودور قبيلة الحويطات على وجه الخصوص، ولمّا انطلقت الثورة بقيادة الشيخ البطل قدر المجالي ووصل الخبر إلى الحويطات قاد الشيوخ الأبطال محمد بن دحيلان أبو تايه، وزعل بن مطلق أبو تايه، وعودة بن زعل أبو تايه هجوما واسعا على الحامية العسكرية العثمانية في معان، بينما هجم الشيخ البطل محمد بن عرار الجازي وعدد من فرسان عشيرة الجازي على مأموري معان ( مكاتب الإدارة العثمانية )، كما هاجموا محطة التلغراف العثماني في ضانا لقطع خطوط التواصل العسكري مع حامية الكرك، وباغتوا المحطة البحرية العثمانية في العقبة، في ذات الأثناء هجم الشيخ البطل حمد بن عرار الجازي وعدد من فرسان عشيرة الجازي على سكة القطار العسكري العثماني وعدد من محطاته، بينما هجم الشيخ البطل سحيمان الجازي وعدد من الفرسان، على مكتب جابي الضرائب العثماني ( كامل أفندي ) والسرية العسكرية العثمانية المرافقة له في الشوبك، بينما هاجم الفرسان عرسان بن ذياب ومفلح أبو ركيبة وعدد من فرسان الحويطات على عدة محطات للقطار العسكري العثماني وأحرقوها، وهاجم الفرسان جراد بن حرب العودات ونهار صباح العودات الحامية العسكرية العثمانية في الطفيلة.

الفرصة الحاسمة

شعرت قبائل الحويطات بشيوخها وفرسانها ونشمياتها بقرب فرصة الخلاص النهائي من المحتل العثماني لما تسامعوا بأنباء الثورة العربية الكبرى، فانضموا لصفوفها وقاد شيوخها وعقداء الخيل فيها الصفوف الأولى لقوات الثورة العربية الكبرى حتى تكللت الجهود بتحرير الأردن وتطهيره نهائيا من الاحتلال العثماني.

    

المراجع

  1. النجادات، نايف محمد، الحويطات ودورهم في الثورة العربية الكبرى، عمان، 1989م.
  2. بيك، فريدرك، تاريخ شرقي الأردن و قبائلها ، الأهلية للنشر والتوزيع، عمان ، 2004 .
  3. الشرعة، ابراهيم ، موقف القبائل البدوية من قافلة الحج الشامي و الخط الحديدي الحجازي ، الدارة ، العدد 4 ، 1426 هــ .
  4. دائرة المكتبة الوطنية،  الوثائق الخاصة، مجموعة ميرزا وصفي .

[1] مجموعة ميرزا وصفي، وثيقة رقم م و 1/21/1. تاريخ 8/10/1310 هــ

[2]  فريدرك بيك ، تاريخ شرقي الأردن و قبائلها ، ص 231.

[3] المرجع السابق،  ص 232.

[4] الشرعة ،ابراهيم ، موقف القبائل البدوية من قافلة الحج الشامي و الخط الحديدي الحجازي، ص :65-35.

ثورة الحويطات 1898

عانت الأردن طيلة عهد الاحتلال العثماني بغياب الدولة عن شؤون الحكم والتنمية والأمن، فتبدّل الولاة والحكام على المنطقة وانتقلت تبعية الأراضي والجباية فيها ، بتبدّل الحكام والولاة، فكلّما انتصر والٍ عثماني جديد على آخر ووافق على دفع الضرائب للباب العالي في الأستانة وجمعها من الأهالي بالنيابة عنه ، انتقلت كل الأراضي والنيمارات والمالكانات إلى عهدته بالضرورة في حقبة كان عنوانها الأبرز ( حقبة حكم المزرعة).

وفي الفترة التي توسع فيها  حاكم عكا العثماني ظاهر العمر (1685-1775) بإمارته ونفوذه ليسيطر على لواء عجلون وما حوله، أرسل ابنه أحمد ظاهر العمر (1728-1775) ليكون حاكما بالنيابة . وقد بدأ ببناء قلعة ومسجد في تبنة، انتهى منهما حوالي 1770؛ ثمّ انتقل إلى الحصن. وعلى تلها بدأ ببناء قلعة.

في تلك الفترة ومنذ حوالي 1760 كان واحدٌ من أبرز شيوخ الحصن هو الشيخ ابراهيم بن مصطفى نصير ( شيخ عشيرة  النصيرات) ، وقد ولد الشيخ ابراهيم حوالي العام 1720 وتزوج من عشيرة الهزايمة. وقد رُزق بالعديد من الأولاد، وبما أنه لم توجد إدارة مباشرة للاحتلال العثماني على الأراضي الأردنية وكانت شؤون الحكم تدار بالوكالة من قبل الولاة والجباة، فقد كان الشيخ هو كل شيء: القائد والقاضي والشرطي.

 

مشانقٌ محليّة

استهل الحاكم العثماني الجديد لمنطقة حوران أحمد بن ظاهر العمر تعيينه بالنيابة عن أبيه بنصب ثلاثة مشانق لتكون علامة على طابع الحكم القادم لأهالي حوران الأردنيين وذلك بعد أن انتهى من بناء الطابق الأول من القلعة، وبناء السور الخاص بها، والواضح أنه أراد تقصير المسافة على الثوّار والأحرار من فرسان العشائر الأردنية، فبدلا من إرسالهم إلى سجون المحتل في الأستانة ودمشق وإعدامهم بالمشانق هناك، قرّر أن يجعل العقاب محليا ومباشرا وسريعا توفيرا للجهد والوقت بإعدام الأردنيين وقمع ثوراتهم.

لدينا مشانق جديدة ، فلنجرّبها !

وليكرّس عهد الحكم الجديد بالسطوة والقتل طلب أحمد ظاهر العمر من الشيخ ابراهيم النصيرات جلب ثلاثة أطفال من أبناء العائلات المسيحية الأردنية من عشائر الحصن وذلك لتجربة المشانق عليهم. حاول الشيخ ثنيه عن الجريمة ففاوضه بتجربة المشانق على الخراف ومن ثم على فرسه شخصياً، لكن الحاكم أبى وتعنّت ثم توعد الشيخ ابراهيم إن لم يجلب له الأطفال المسيحيين لشنقهم سيقوم هو ويختار من أبناء العشائر المسيحية الأردنية في الحصن بشكل عشوائي.

 وعاد الشيخ ابراهيم النصيرات إلى بيته مهموما، فسألته زوجته عن الأمر، فأخبرها بما حدث، فما كان منها إلاّ أن قالت : ( بالله لا تتقلد خطية أحد تأخذه من حضن أمه وأبوه، وبكرة إذا جاء هذا الظالم فليأخذ أحد أبنائنا، ويعوضنا الله خيراً) فآثرت التضحية بأبنائها على أن تخون حق الجيرة والدم لتقدّم أبناءها بدلاً من أبناء أشقائهم المسيحيين.

وتنفيذا لوعدها قامت زوجة الشيخ ابراهيم النصيرات بإطعام أطفالها ومن ثم قامت بتغسيلهم وإلباسهم أجمل ثيابهم بينما حافظت على هدوئها حتى لا تخيفهم، وهي تعدُّ اللحظات التي تفصل أبناءها عن تدوين أسمائهم في سجل الشرف والفداء .

مشهد للصورة المتخيلة في ذهن النشمية زوجة الشيخ البطل ابراهيم النصيرات لأبنائها وهم معلقين على المشانق العثمانية – لوحة للفنانة هند الجرمي

وفي منتصف تلك الليلة من عام 1774 م ، إذ بباب الشيخ ابراهيم النصيرات يُقرع بشدة وعنف شديدين، وكان الوالي العثماني أحمد بن ظاهر العمر هو القارع طالبا من الشيخ أن يفتح له الباب، وعندما فتح الباب أخبره الشيخ أن الموعد لم يحن بعد وأن الأولاد سيكونوا حاضرين في الصباح للإعدام على المشانق، فإذ بالوالي العثماني المخلوع يحتضن الشيخ ابراهيم النصيرات قائلا: أنا دخيل عليك يا ابن نصير، أنا طنيب عليك يا ابن نصير. فسأله الشيخ بصدمة عمّا حدث؟، فقال أحمد بن ظاهر العمر : لقد أرسل الوالي العثماني أحمد الجزار رجالا ليقتلوني. وذلك بعد أن دبّت الصراعات بين الولاة العثمانيين في المنطقة وأصبح أحمد بن ظاهر العمر والجزّار خصوماً في صراعات السلطة وتم اعلانه ملاحقاً ومطلوباً.

حدث هذا الأمر عندما أثار توسع نفوذ الأمير ظاهر العمر حنق الباب العالي العثماني، ما دفعه إلى إعلان الحرب عليه وعزله وأبنائه عن مناطق ولايتهم وتوجيه جيش بقيادة الوالي العثماني أحمد باشا الجزّار للقضاء عليه .

حينها استجدى الوالي المخلوع أحمد بن ظاهر العمر الشيخ ابراهيم النصيرات بأن يوصله بأمان إلى الأمير الغزاوي في الغور، وللوهلة الأولى أراد الشيخ ابراهيم النصيرات أن يفتك بالحاكم عقابا له وثأرا لكرامة الأطفال، لكن زوجته صرخت منبهة أنه دخيل بعُرف الأردنيين وتقاليدهم، وأن تقديم أولادهم بدلاً عن خيانة جيرانهم لا يزيد أهميةً بالمنظومة القيمية الأردنية عن إجارة الدخيل ولو كان قد ذبح الأولاد فعلياً.

فاستجمع الشيخ ابراهيم النصيرات قواه وضبط أعصابه وقام بترحيله مع مجموعة من الحرس إلى الغور مع ورقة تحمل ختمه، وطلب أن يختمها الأمير الغزاوي بعد وصول (الدخيل)، وأخذ منه مفاتيح منزل تل الحصن التي كان الطابق الأول منها قد أنجز، والعمل قائم على الطابق الثاني، وأحسَّ العمال الذين جلبهم الحاكم العثماني معه بعد زمن باختفاء الحاكم، فهربوا دون أن يكتمل بناء الطابق الثاني .

الغدر والثأر

وحسب الرواية الشفوية وقبل هروب الوالي العثماني أحمد بن ظاهر العمر وانقلاب العثمانيين على أبيه بأيام قليلة كان قد دعى الشيخ موسى الحمد الخصاونة في قرية تُبنة الى الغداء وبنيته الغدر به بعد أن خشي من خطرِ زعامة الخصاونة على ناحية بني عبيد ومناوئتهم للعثمانيين. وعند قدومه قام بغدره وأمر بضرب عنقه على سدر الطعام داخل بيته وأخفى الأمر ليتم التمثيل بجثته باليوم التالي،إذ علَقَ رأسَه على باب قلعته في بلدة تُبنه في الكورة التي كان يتخذها مقراً له وسجنَ العديدَ من رجالاتها، ولا تزال المعمرات من عشيرة الخصاونة يهزجن عن الشهيد البطل الشيخ موسى الحمد الخصاونة بالقول ”  موسى الحمد يا مطلع الجردة ….حملها رحلين ورواقها فردة “.

وعندما علم فرسان عشيرة الخصاونة ما حصل بشيخهم الشهيد البطل موسى الحمد الخصاونة قاموا ومعهم جمع من باقي فرسان الحصن بالذهاب إلى منزل الحاكم فلم يجدوه، فكسروا المشانق وأخذوا جميع الأسلحة والذخيرة التي وجدوها ووزعوها بين الفرسان وأرسلوا الى شيخ الغزاوية أن هذا الوالي المخلوع مطلوب لهذه الفعلة الشائنة وأن تسليمه للقاضي العشائري أمر لا يمكن تجاوزه أو التنازل عنه.

وكُسِرت المشنقة

وقبل ساعات من انفاذ قوانين القضاء العشائري الأردني المتجذر في التاريخ، كان أحمد ظاهر العمر قد خرج من الغور الى فلسطين وقد خرج من دخالة الأمير الغزاوي بحكم التقاليد بعد أن غادر ديرته، حيث لحق به بعض فرسان عشيرة الخصاونة فقتلوه وجنوده في الطريق وأحضروا بعض متعلقاته الشخصية وعلقوها فوق بيته السابق بالحصن.

بينما تشير روايات أخرى أنه حين سقطَ حُكم ظاهر العمر في عكا بعد انقلاب والي دمشق عليه، ثار العجلونيون على ابنه أحمد الظاهر، وطاردوه حتى قرية «لوبية» غربي طبريا.

خاتمة

ليس هذا الحدث برمزيته وعظمته ببعيد عن مسيرة كفاح الأردنيين نحو الاستقلال من الاحتلال العثماني، ولا هو بمختلف أو طارئ على سيرة الأردنيين ووئامهم، ولأجل هؤلاء العظام من أمثال أجدادنا وجداتنا الشيخ ابراهيم النصيرات وزوجته تستحق هذه المسيرة الوطنية أن تخلّد وتبقى في ذاكرة الأردنيين لا كقصة عابرة بل كنقش متوهج في صدورهم .

المراجع :

  1. نصير، د.عبدالمجيد، ورقة بحثية منشورة عن عشيرة النصيرات .
  2. كرد علي، محمد، خطط الشام، دمشق، 1925.
  3. الزركلي، خير الدين، موسوعة الأعلام، 1980.

مشانق الحصن

تمهيد

بداية نوضح للقارئ والباحث المهتم في هذا الموضوع أننا عند الحديث عن ” ثورات الأردنيين الصغرى في حوران وجبل عجلون والكورة 1838 – 1840 ” فإن المقصود هو التسميات المعتمدة للتقسميات الإدارية في ذلك الوقت والتي قد تشمل في بعض الأحيان مناطق حالية بمسميات أخرى، وحيث تشمل هذه المسميات حالياً كافة المناطق الشمالية والغورية في الأردن بما في ذلك الرمثا واربد والحصن والكورة والطيبة والوسطية وعجلون وجرش والأغوار الشمالية وصولاً الى المناطق الشمالية والغربية من الزرقاء والمفرق، وتمتد أيضاً لتشمل مناطق حوران الأردنية تاريخياً الواقعة من درعا والسويداء والقنيطرة وغيرها من المناطق التي كانت ضمن حدود الممالك الأردنية النبطية تاريخياً  .

 

خارطة تبين حدود منطقة حوران التي كانت تاريخياً ضمن مملكة الأنباط الأردنيةخارطة تبين حدود منطقة حوران التي كانت تاريخياً ضمن مملكة الأنباط الأردنية

وكنا قد تناولنا في بحثنا السابق ثورة الكورة عام 1834، والتي تم قمعها كغيرها من الثورات المحلية التي عمّت الأردن والمناطق المجاورة في تلك الفترة، وأعدم على اثرها قائدها الشيخ رباع الثاني الشريدة في بلدة سوف، بعد استدراجه بالغدر والحيلة كما قصفت قلعة الكرك، وأعدم الشيخ البطل اسماعيل المجالي ( الشوفي )، وأحرِق أبناء الشيخ ابراهيم الضمور كعقوبة له ولأهل الكرك على حمايتهم للدخيل قاسم الأحمد، إلا أن ثورات شعوب المنطقة وسعيهم الدائم للحصول على حريتهم وحكمهم المحلي لم تهداً فاستمرت المناوشات والاشتباكات مع قوات ابراهيم باشا ( عثمانيي مصر)، المتواجدة في مناطق الأردن وسوريا وفلسطين ولبنان بعد تمرده على السلطان العثماني وحملته العسكرية المعروفة ضد الدولة العثمانية التي اوقفتها تهديدات بريطانيا وفرنسا بقصف قوات الوالي العثماني في مصر محمد علي باشا اذا لم تتوقف عن الزحف تجاه اسطنبول، وذلك دفاعاً  من تلك الدول العظمى عن الاحتلال العثماني التركي في حينه للمصالح التي كانت تجمعهم، حيث أرغمت فرنسا وبريطانيا الوالي العثماني في مصر محمد علي باشا على الجلاء عن الأناضول بعد أن وصلت قوات ابنه ابراهيم باشا الى قونية التركية وانتصرت على القوات العثمانية التركية فيها، وتقرر الاكتفاء بتنازل الباب العالي عن سوريا والأردن وفلسطين ولبنان لعثمانيي مصر، والتي اصبحت منذ حينه مناطق خاضعة لاحتلال قوات محمد علي باشا العثمانية المصرية بدلاً من قوات الاحتلال العثمانية التركية وذلك بموجب اتفاقية “كوتاهيه”، الموقعة في 4 مايو/أيار سنة 1833م ولغاية عام 1840 بعد اتفاقية لندن.

 وثيقة تؤكد إعدام اسماعيل الشوفي المجالي واغتيال الشيخ رباع الشريدة في سوف من قبل العثمانيين ومعهم شيوخ آخرين من منطقة جبل عجلونوثيقة تؤكد إعدام اسماعيل الشوفي المجالي واغتيال الشيخ رباع الشريدة في سوف من قبل عثمانيي مصر ومعهم شيوخ آخرين من منطقة جبل عجلون

أسباب حملة الوالي العثماني محمد علي باشا على المنطقة

تعود أحلام وطموحات الوالي العثماني على مصر محمد علي باشا ( أو كما يلقب بالتركية العثمانية: قوللى محمد على پاشا) في المنطقة إلى عام 1810، بعد وعود من السلطان العثماني “محمود خان الثاني” له بتوليته عليها كمكافئة على مساعدته للعثمانيين في حروبهم ضد الوهابيين في نجد، وما تلاها من مشاركة قوات الوالي العثماني في مصر محمد علي في محاولة قمع الثورة التحررية في اليونان والتي انتهت بتدخل الدول الاوروبية لمساعدة اليونانيين والضغط على العثمانيين الأتراك وعثمانيي مصر لمنح اليونانيين حريتهم واستقلالهم، وبعد ذلك شعر الوالي العثماني محمد علي بالخديعة، فما حصل عليه نظير خسائره الضخمة في اليونان من قبل أسياده العثمانيين الأتراك لم يكن أكثر من مجرد جزيرة كريت غير ذات الفائدة له ولحكمه في ذلك الوقت، مما أدى لقيامه بالتعاون مع الولاة العثمانيين الآخرين في عكا ولبنان بالانقلاب على العثمانيين الأتراك في اسطنبول واعلان سيطرتهم على دول المنطقة، وذلك يعود لعاملين أساسيين:

  1. سياسي يتمثل بجعل المنطقة حاجزاً يقي منطقة حكمه في مصر من الهجمات العثمانية التركية، ويقضي على محاولات شعوب المنطقة للاستفادة من مناخ النهضة والتحرر الذي كان في أوجه في ذلك الوقت بعد نجاح الثورة الفرنسية وعدة ثورات أخرى في العالم في تلك الفترة، كما أن بسط نفوذه على هذه البلاد سيُمكنه من تجنيد جيش عظيم من سكانها، فيزداد بذلك عدد أفراد جيشه .
  2. أما العامل الاقتصادي فيعود إلى إرادته استغلال موارد المنطقة والأردن على وجه الخصوص من الخشب والفحم الحجري والنحاس والحديد التي كانت تفتقر إليها مصر، فضلاً عن أهمية المنطقة الاقتصادية بسبب موقعها الجغرافي، وعلاقاتها التجارية بأواسط آسيا حيث تمر قوافل التجارة، إضافة لموقعها الهام على طريق الحج.

استمرار المعاناة وتكرار المأساة خلال فترة حكم محمد علي باشا

مما لا يمكن انكاره أن المنطقة شهدت تطوراً نسبياً في تلك الفترة في شتى المجالات الاقتصادية والتعليمية والإدارية، مقارنة بعصور الظلام التي عاشتها خلال الفترة العثمانية التركية السابقة، لكن في حقيقة الأمر فإن هذا لم يكن فقط بهدف إعطاء القبائل الأردنية وشعوب المنطقة حريتها وحقوقها، بل في إطار مراحل بناء الدولة وحشد المزيد من الموارد لحماية السلطة الجديدة وتوسعة نفوذها، ومحاولة ابراهيم باشا اجراء بعض الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة لاستمالة السكان الساخطين على المحتل العثماني التركي واسترضائهم، فقام بتقسيم المنطقة ادارياً أيضاً وجعل المتسلمين والمباشرين في كل منطقة مسؤولين عن النواحي الاقتصادية في كل مديرية، ولم تكن الغاية من هذا التقسيم تختلف كثيراً عن غاية العثمانيين الأتراك، فالاختلاف الذي حصل أن الضرائب في عهد الاحتلال العثماني التركي كانت تجبى عبر السكّان المحليين مع حالة من الفراغ السياسي والغياب التنموي الكامل من قبل سلطة الاحتلال العثماني مع توفر الحد الأدنى من السيادة المحلية التي أدارت شؤونها بذاتها في المدن الأردنية، بينما أصبحت في عهد عثمانيي مصر تجبى مباشرة من قبل المتسلمين والمباشرين بعد أن أعفى ” السرعسكر ” الشيوخ من القيام بذلك مع تواجد عسكري ضخم غير مؤلوف بالنسبة للأردنيين الذين اعتادوا على الحكم المحلي منذ أيام مدن الديكابوليس، وهو بالطبع ما جعل الأمور أكثر سوءا، فهؤلاء المتسلمين تفوقوا بالرشوة والتلاعب ، وتفاقم ظلم المتسلمين والحاميات العسكرية للفلاحين، من خلال مضاعفة الضرائب وإجبار الشباب والأطفال على الانضمام للجيش حتى وصل الأمر بالناس لقطع سباباتهم عمداً كوسيلة لإعفائهم من التجنيد الاجباري الذي لم يكن محصوراً، وهذا سرعان ما تسبب بسقوط القناع وتزايد حالة الغليان بعد انكشاف الحقيقة للقبائل الأردنية التي تأملت خيراً بأن يضع هذا الحكم الجديد حداً للظلم والاضطهاد والتهميش التنموي الذي عانوه من العثمانيين الأتراك وولاتهم، وهو ما أدى بالنتيجة الى شعور عام بالخيبة بعد اكتشافهم أن حكم الوالي العثماني في مصر محمد علي باشا لم يكن إلا الوجه الآخر للنهج العثماني التركي القاضي بفرض الضرائب القاسية ومصادرة المحاصيل والتجنيد الالزامي للشباب والاضطهاد والقمع مما قاد لقيام ثورات الكورة والكرك والسلط وحوران في عام 1834 والتي أخمدها ابراهيم باشا بمساعدة حليفه بشير الشهابي أمير لبنان، فأعدم قادتها وتم التنكيل بالمدن والقرى الثائرة في حينه.

والواضح البديهي هنا مما لا يتطلب المزيد من التفسير والايضاح أن انتقال الثورة من الشمال الأردني في حوران وصولا للوسط عبر عشائر البلقاء ومدنها ، والتحاق بني حميدة ، وعشائر الكرك والحويطات بالثورة يؤكد على الحالة الوطنية الأردنية الثورية الجامعة الرافضة لأشكال الاحتلال ، والمتضامنة كليا مع مكوناتها في الريف والبادية والحضر، في تأكيد آخر على تاريخية الأردن .

وبينما نقوم في هذا البحث باستعراض ثورات حوران والكورة وجبل عجلون، فسنقوم بتفصيل ثورات الكرك والسلط وقبيلة بني صخر والحويطات وباقي القبائل الأردنية في تلك الفترة في أبحاث منفصلة لاحقا ، عدا عن تلك المنشورة على موقع إرث الأردن سلفا.

 

ثورات حوران والكورة وجبل عجلون 1838-1840

ولم تتوقف المحاولات عند ذلك الحد، ففي ظل مناخ النهضة والتحرر السائد في تلك الفترة والتأثر العالمي بأفكار الثورة الفرنسية، لم يكن لدى شعوب المنطقة أي خيار سوى الاستمرار بما كانت تقوم به لعقود طويلة سبقت ذلك، من ثوراتها المحلية للتحرر من الحكم الخارجي والتخلص من الاحتلال بكل أشكاله، فلا احتلال أفضل من آخر مهما تبدلت الأعلام والأسماء، وقد تجددت الاحتجاجات والاضطرابات مرة أخرى بدءاً من عام 1838 ، نتيجة فرض ضريبة جديدة هي ضريبة ” الفردة ” على كل الذكور البالغين من العمر 14 سنة فما فوق ومقدارها (15-500 قرش)، إلإضافة للتجنيد الالزامي الذي كان يفرض على 10% من دافعي ضريبة ” الفردة ” والذي تم تطبيقه بطرق وأساليب وحشية، كما تم جمع كل أشكال السلاح من المدن والعشائر الأردنية كمحاولة لإجبارهم على دفع الضرائب والالتزام بالتجنيد الإجباري، وقد بدأت هذه الثورات في حوران الأردنية مع نهايات عام 1838 ثم اتسعت لتشمل الكورة والطيبة وجبل عجلون ووصلت حتى للبنان لتضرب مقر الأمير بشير الشهابي الذي ساعد محمد باشا في قمع ثورات عام 1834.

وقد كتب القنصل النمساوي في عكا في حينها “أنطوان كتفاكو” في حينه قائلاً : “يظهر أن ثورة حوران التي بدأت في رمضان، ليست على وشك الانتهاء، بل أنها قد اتخذت شكلاً أكثر خطورة، لأن كثير من دروز لبنان قد انضموا الى اخوانهم في اللجاة (حوران)، واستولوا على جملة قرى منها حاصبيا في محافظة النبطية أقصى الجنوب الشرقي في لبنان التي فرّ متسلمها“.

ويورد الكاتب والباحث أيمن الشريدة في كتابه “دراسات وثائقية لثورة جبل عجلون”، عدداً من الوثائق التي تمثل شكاوى شعبية من شيوخ وفلاحين من أغلب قرى منطقة جبل عجلون كالكورة وبني عبيد وما حولها والتي كانوا يرسلونها للسر عسكرابراهيم باشا كمحاولة لتجنب الاصطدام مع القوات العثمانية المصرية وجاء من ضمنها عبارة “لكم البلاد وليس لكم العباد” وعبروا فيها عن ظلم المتسلمين وبطشهم وعن سخط الناس ورغبتهم بالرحيل من أماكن استقرارهم هرباً من هذا الظلم، ولما لم تجد هذه الشكاوى تجاوباً يذكر، أخذت بوادر الشجب والمعارضة تظهر هنا وهناك وانتهت أخيرا بثورة عمّت جبل عجلون قاطبة والتي كانت تشمل ليس مدينة عجلون وحدها فحسب بل نواحي عجلون السبعة، وقد تزامنت هذه الثورة مع عدة ثورات في المناطق المجاورة، وقد استعملت بهذه الثورة أسلحة كثيرة عددا ونوعاً كما اتخذت الثورة الجبال الوعرة والغابات الكثيفة مركزاً لها.

وجرت في أثناء ذلك مصادمات كثيرة بين الجنود والثوار في العديد من المناطق الأردنية،  مما ادى لتخبط المتسلمين والقادة من عثمانيي مصر  خصوصاً مع تحركات عشائر الصقر والِغزاوية في الأغوار الشمالية،  مما دفع بالبكباشي ” محمد آغا الدلي ” إلى إرسال قواة ضخمة إلى هناك بدون تخطيط ولا تفكير وهو ما تمت محاسبته عليه لاحقاً  بأوامر من قبل ابراهيم باشا نفسه، فترك 150 جندي فقط في اربد لحماية قلعة السرايا فانتهز ثوّار الكورة والطيبة والوسطية الفرصة للهجوم على دار السرايا في اربد واغتنام محتوياتها وأسلحتها وخيولها ووثائقها، واشتبكوا مع الحامية الموجودة فيها طوال اليوم وسقط منهم 10 شهداء.

ونورد هنا الوثائق التي ارسلها وجهاء مناطق الكورة وبني عبيد وجبل عجلون لابراهيم باشا يبلغونه فيها عدم احتمال السكان لظلم المتسلّمين وتجاوزاتهم:

 

الوثيقة الأولى : اعتراض زعامات ووجهاء الكورة ونواحيها : نمر الأحمد (جديتا) ، محمد العيسى (كفرعوان) ، محمد البشارة (كفرابيل) ، أحمد الياسين (بيت ايدس) ، أحمد الصالح (الأشرفية – خان زينة سابقاً)، حسين (دير ابي سعيد)، حسن العثمان (عنبة)، عبد القادر (سموع)، ابراهيم الدخيل (جفين) ، سعيد الأحمد وأسعد الأحمد وعبد الرحمن الموسى وسلامة العبدالله (تبنة).


الوثيقة الثانية: اعتراض زعامات ووجهاء الكورة ونواحيها: موقعة من مصطفى الشريدة (حفيد رباع الشريدة الذي تم اغتياله في وقت سابق)، وصلاح عبد الرحمن، ودرغام العباس، وأحمد المصلح وبركات الأحمد.


الوثيقة الثالثة: اعتراض موقع باسم شيخ بني عبيد وفلاحي المنطقة.

فشل الحل العسكري وتكليف حكمدار حلب بإدارة الأزمة 

فشل الحكام المحليين وقواتهم في إدارة الأزمة واخماد الثورات وحصرها بسبب اتساع رقعة الاحتجاجات، لتشمل سهل حوران والرمثا  وبني عبيد والكورة بقراها الثلاث والعشرين وعجلون بنواحيها السبعة والأغوار الشمالية وناحية بني جهمة (وهي ناحية تاريخية تشمل مدينة اربد الحالية، وكفريوبا والبارحة وزبدا وكفرجايز وتقبل)، مما أدى بابراهيم باشا الى تكليف حكمدار حلب المدعو ” اسماعيل عاصم بك “، شعورأ منه بخطورة الوضع وبتأزم الموقف وخروج المنطقة عن السيطرة، وقام في رسالته المرسلة إلى الحكمدار بتكليفه بمهمتين أساسيتين: أولاً اخماد الثورات والاحتجاجات وثانياً محاسبة المتسلمين المفسدين لتهدئة الناس، ولجأ اسماعيل عاصم بك في ادارته للأزمة إلى االمهادنة بعد تأكده من فشل الحل العسكري خصوصاً بعد الاشتباك مع الثوار في وادي بيت يافا-الطيبة وسقوط قتيل من القوة الغازية و4 شهداء من الثوّار الأردنيين، فأعطى الأهالي الأمان على أرواحهم وأموالهم إن هم سلموا أسلحتهم مما اغتنموها من سرايا اربد، فاستجاب أهالي الطيبة نظرأ لسهولة اجتياح منطقتهم والطرق المؤدية لها في حال مقاومتهم، إلا أن اهالي الكورة اختاروا المقاومة ورفضوا تسليم اسلحتهم خشية تكرار الغدر الذي تعرضوا له في ثورتهم السابقة، مما دفعهم للتحصن في تبنة التي كانت مقر الاجتماعات والتحركات وبمثابة مركز لإدارة الثورة كونها محصنة بالتضاريس الجبلية الوعرة والمحاطة بالغابات والأحراج الكثيفة جداً في حينه.

وقد أرسل ثوار الكورة خطابا مكتوبا يرفضون فيه تسليم السلاح والخيل الذي اغتنموه حتى تحقيق مطالبهم المتمثلة باعفاء متسلّمي الكورة المتسلطين عليهم والذين وصفوهم بأنهم “لا يخافون الله ولا يرحمون مخاليقه”، وطالبوا بإطلاق سراح المعتقلين، معلنين اعتزامهم عدم الهدوء والسكينة في مناطقهم بالكورة وجبل عجلون حتى لو راحوا ذبحاً تحت سيف ابراهيم باشا نفسه.

حشد الحكمدار اسماعيل بك قوات ضخمة قوامها أربعة أعلام (كتائب) من الفرسان والمشاة، حيث بلغ عدد الفرسان في هذه الحملة أكثر من 900 خيلاً، وقاموا باقتحام تبنة بالقوة ونهب أموال أهلها ومواشيهم بعد أن لجأ الأهالي المقاومين إلى الغابات المحيطة بالقرية مستدرجين قوات اسماعيل بك لملاحقتهم داخل الأحراش، فلم يتمكن الفرسان من التوغل في الغابات واكتفت القوة الغازية بملاحقة الثوار من قوات المشاة، وجرت اشتباكات متفرقة بينهم سقط فيها قتلى وجرحى من القوة الغازية وارتقى أكثر من 20 شهيداً من أبناء المنطقة، وكتب اسماعيل بك أن قواته طاردت الثوار لخمس ساعات في الجبال والغابات ولكن بسبب الوعورة الشديدة للمنطقة لم يتمكنوا من إلقاء القبض عليهم لكنه عادوا بما وجدوه من مواشي قدرها : “ستمائة ثور ، وثلاثمائة ماعز وأشياء شتى”.

واستمرت الحملة بعد ذلك في طريقها إلى عجلون لإخضاع بركات الأحمد الفريحات وصلاح العبد الرحمن بالتعاون مع محمد خفتان بك آغاسي، واشتبك الثوار الأردنيون مع قوات عثمانيي مصر مستفيدين من الميزة الجغرافية التي توفرها جبال المنطقة وتضاريسها وغاباتها، ولكن سرعان ما اكتشفوا حجم حشد العدو وامكانياته، فانسحب الثوار من المنطقة ليجنبوا أهلها ما حدث في المناطق الآخرى، ودخلت القوة العسكرية الى كفرنجة وجمعوا أسلحتها واستمروا بالمسير جنوباً لملاحقة قبيلة بني صخر بعد وصول الأنباء أنها كانت تتمركز في منطقة بيادة التمر قرب عين الزرقاء والتي يتأكد من الوثائق والمراسلات العثمانية المصرية مشاركتها في الثورات والاشتباكات مع قوات عثمانيي مصر في ذلك الوقت، فهاجمت القوة العسكرية مضارب القبيلة التي كانت تستعد للرحيل وسقط في هذه الاشتباكات أكثر من 20 شهيداً من أبناء قبيلة بني صخر، ونهبت القوات الغازية أكثر من 400 رأس من الإبل وأكثر من 25 الف رأس من الغنم، وكانت هناك مخاوف لدى قادة الحملة العسكريين من الاستمرار في ضرب العشائر الأردنية لعدم إثارة المزيد من السخط ولمحاولة تهدئة الأمور، وهو ما تؤكده رسالة محمد شريف باشا حكمدار الشام إلى ابراهيم باشا بتاريخ 6 تشرين الثاني 1839 والتي يخبره بها بنهاية الثورة والسيطرة عليها، وقد سمّت الرسالة بعض القبائل الأردنية التي لم تقترب من القوات الغازية ولم تشتبك معها في حينه، ولكن الرسالة أكدت أنه اذا دعت الحاجة لضربها فالأمر منوط بأمر ابراهيم باشا نفسه نظراً لبعض المخاوف من تدخلها وانضمامها للثورة الأردنية العارمة.

الثورة  لم تنتهِ بل استمرت بأشكال أخرى

اضطر الشيخان بركات الأحمد الفريحات وصلاح العبد الرحمن اللذان تصفهما المراسلات العثمانية المصرية بـ “الشقيّان رئيسا الفساد” إلى الهرب مع مجموعة من الثوار، لحماية الأهالي وممتلكاتهم فيما تبقى من المناطق الثائرة وتجنيبها مصير ما لاقته منطقة تبنة، فقد كان النهج العسكري السائد في تلك الفترة تأديب المدن والقرى العاصية وجعلها عبرة لغيرها ، من خلال ممارسة أشد انواع التنكيل والقمع بالأهالي ونهب خيراتهم وثرواتهم ومحاصيلهم ومواشيهم، وبذلك يتم تجويعهم وافقارهم بزيادة على الضرائب المرتفعة التي كانوا بالكاد يستطيعون دفعها قبل الثورة، كما تم جمع الأسلحة المتبقية في الكورة وعجلون وبلغ عددها وفقاً للمراسلات العثمانية المصرية نحو 150 بندقية و22 زوجاً (44) من الغدارات (سلاح ناري يبلغ طوله حوالي 50 سم ما بين المسدس والبندقية)، واستمرت الأعمال ضد القوات العسكرية الغازية بعد ذلك من خلال عمليات متفرقة بدلاً من المواجهة الواحدة المباشرة التي كانت الغلبة فيها سابقاً للجيش النظامي المدجج والمجهز، حيث أشارت المراسلات إلى وجود  300 محارب في المزار الشمالي إلى جانب الشيوخ بركات وصلاح ولباد ، منهم 200 من حملة البنادق و100 من حملة النبابيت (سلاح محلي الصنع)، وجاء في الرسالة التي بعثها محمد شريف باشا حكمدار الشام طللباً للإمدادات وملاحظته لوجود ثوار من مناطق أخرى لجانب الثوار المتحصنين حول المزار الشمالي، ومنهم ثوار من “قبيلة بني حميدة القريبين من الكرك خلف الجبل” على حد وصفه، قبل أن يتبين لاحقاً في رسالة أخرى عدم التأكد النهائي من هذه المعلومات مما يرجح قيام الثوار المحليين بإشاعتها في نفوس عثمانيي مصر لإرهابهم وتخويفهم من حشد ( بني حميدة -قاهرة الأتراك ) والقبائل الأردنية وتحقيق المزيد من المكتسبات للسكان المحليين، أو أن بعض القادة العسكريين اختلقوها لتخويف قادتهم الأعلى رتباً والتأثير على الأوامر بمواصلة القتال، خصوصاً في ظل نقص الإمدادات بالمؤن والسلاح ووعورة المناطق مما تسبب بتمدد الحملة العسكرية جنوباً باتجاه الزرقاء والأزرق، وقد استغل ثوار العشائر الأردنية انشغال القوات الغازية بالسلب والنهب هناك بتنفيذ المزيد من العمليات ضد القوات الغازية مرغمينهم على التفاوض لمرات عديدة مع ممثلين عنهم، وفي الوقت ذاته لم تكتفِ القوات الغازية من ملاحقة قبيلة بني صخر بل أعادوا السطو على مواقع أخرى لهم ناهبين 12 ألف شاه و 200 بعير وحمل 200 بعير من الشعير والحنطة كانت مخزنة في قلعة الزرقاء بعد وشاية قام بها أحد جواسيس الغزاة في ذلك الوقت.

نص رسالة ابراهيم باشا الى حكمدار حلب يكلفه فيها بتزويد الجيش بالمؤن والسلاح و بانهاء الاحتجاجات في جبل عجلون ومعاقبة المتسلّمين المقصرين واصفاً اياهم بأبشع الأوصاف
نص رسالة ابراهيم باشا الى حكمدار حلب يكلفه فيها بتزويد الجيش بالمؤن والسلاح وفيها امر ضمني بالسطو والسلب  والنهب على المؤن، و بإنهاء الاحتجاجات في جبل عجلون ومعاقبة المتسلّمين المقصرين واصفاً إياهم بأقسى الأوصاف

نتائج الثورة

  • انتهت الثورة بعزل متسّلم جبل عجلون والخواجا موسى فارحي كاتب الحسابات ، وحبسه بأوامر من ابراهيم باشا، وهو المتسلّم الذي كانت العرائض الاحتجاجية التي كتبها وجهاء المناطق تشير لظلمه واضطهاده.
  • عزل متسّلم الكورة ، محمد آغا الشوربجي الذي طالب الوجهاء في رسالتهم لابراهيم باشا قبل الثورة بعزله.
  • خسرت قوات محمد علي باشا خلال سلسلة الثورات تلك أكثر من 10 آلاف مقاتل وهو عدد أكبر من العدد الذي تم جمعه من سكان المناطق في حملات التجنيد الإلزامي في ذلك الوقت.
  • أجبرت السلطة الحاكمة ممثلة بمحمد علي باشا، عبر ابنه ابراهيم باشا وقادته العسكريين على تغيير نهجها من النهج السلطوي إلى نهج المهادنة مع الأردنيين والتفاوض مع الثوار، إضافة لمحاولتها كسب ود بعض المناطق واسترضائها .
  • لجأت الإدارة إلى تسليم الحكم في المناطق الثائرة إلى الزعامات الأردنية المحلية بدلاً من المتسلمين التابعين لعثمانيي مصر من خلال اتباع أساليب ادارية جديدة تمثلت بالمجالس التمثيلية، وحققت هذه الزعامات نجاحات كبيرة في ضمان مصالح الأهالي، ومثال ذلك زعامة الشيخ يوسف الشريدة في تبنة، بعد أن كان يتم التعامل مع المناطق الواقعة تحت الاحتلال كمزارع لحصد الضرائب، ويتم بيعها للجباة مقابل منحهم نسبة من الربح بدل جمعهم لهذه الضرائب وحسب عدد سكانها.
  • انهاء نظام الالتزام والإقطاع الزراعي في المنطقة والعمل على تشجيع الزراعة، وتشجيع التعليم وفتح بعض المدارس.
  • ساهمت الثورات في إضعاف وإنهاك حكم الوالي العثماني المصري محمد علي باشا الذي انتهى في المنطقة بعد أقل من عام على نهاية هذه الثورات، حيث أن العثمانيين الأتراك ، كانوا يستعدون إبان الثورات لتلك المرحلة وفي انتظارها، حيث عادوا لاحتلال هذه الأراضي الأردنية تدريجياً من جديد بعد جلاء قوات محمد علي باشا العثمانية المصرية على اثر اتفاقية لندن التي وقعتها الدولة العثمانية التركية مع بريطانيا وروسيا والنمسا والتي دعمت جميعها الدولة العثمانية التركية ضد محاولات الوالي العثماني محمد علي إعلان الاستقلال في مصر.
  • أجبر العثمانيين الأتراك وفي المرحلة المقبلة من حكمهم واحتلالهم للمنطقة أن ينتبهوا أكثر لأهميتها وخطورة تركها بدون إدارة حقيقية، وذلك من خلال اتخاذ أساليب أكثر مراعاة لطبيعة وشخصية سكان المناطق الأردنية مقارنة مع غيرها من المناطق المحاذية التي كانت أكثر مطاوعة.
  • على المدى الطويل أدت الثورة لزيادة القدرة التنظيمية والتنسيقية بين الوجهاء وشيوخ العشائر الأردنية الرافضين لكل أشكال الحكم الخارجي واستناد هذه الزعامات على قوى عسكرية ورجال مسلحين ومدربين لحماية مصالح السكان، وهو ما ساعد خلال الفترة التالية التي تضمنت انتزاع حوالي 10 سنوات من حكم الزعامات المحلية خلال فترة ما بعد انسحاب قوات محمد علي باشا من 1840-1849 ثم برز أثر هذه الثورة على البيئة المحلية من خلال حركات التحرر الوطني من الاحتلال العثماني التي بدأت بالثورات الأردنية الصغرى ومنها هذه الثورة انتقالات للثورات الأردنية الوسطى والتي تكللت لاحقا بالنجاح في الثورة العربية الكبرى، ثم مقاومة الاستعمار البريطاني والفرنسي لاحقاً فاستضافة الأردنيين ودعمهم للثوار السوريين كالزعيم سلطان باشا الأطرش ورفاقه ضد الفرنسيين، وكذلك دعم وتسليح الثوار الفلسطينيين ضد الاحتلال الريطاني، كل هذه المواقف كان لها جذورها وما كانت لتتم بدون وجود قيادات وزعامات لها خلفية سياسية وتؤمن بالاستقلال وحرية الشعوب.

انسحاب جيش محمد علي باشا من المنطقة

بعد مؤتمر لندن واتفاق القوى العظمى على دعم العثمانيين الأتراك في الأستانة ضد الوالي العثماني في مصر محمد علي باشا في محاولاته لإعلان استقلال مصر، استسلم الأمير بشير الشهابي حليف محمد علي في لبنان، فأصدر محمد علي الأوامر لقواته بالانسحاب من المنطقة والعودة إلى حماية مركز الحكم في مصر، وكان الانسحاب على ثلاثة مراحل، كان آخرها انسحاب الفوج الأخير بقيادة ابراهيم باشا نفسه الذي وقف في الساحة العامة بدمشق مودعاً سكانها وأوصاهم بأن يلتزموا الهدوء وينتظروا الهدوء وأن لا يثوروا، وأضاف وهو يمتطي جواده ويهدد بأصبعه  “والا عدت من منتصف الطريق وحاربت العصاة”، وهكذا انسحبت قوات عثمانيي مصر بهدوء وسلام من سوريا بتاريخ 20 ديسمبر من عام 1840 عائدة إلى مصر، ولكن هذا الهدوء لم يكن حاضراً في طريق العودة التي تمر بالأردن، وبقي الأردنيين الذين لا ينسون ثأرهم رافضين لهذا الحكم الذي قتل آبائهم وأجدادهم وظلوا يقاومونه حتى أنفاسه الأخيرة، حيث يذكر الرحالة الانجليزي تراسترام أن جيوش محمد علي دمرت قرية زوبيا أثناء مرورها بالمنطقة وذلك بعد مواجهة أهالي القرية للجيش، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ عندما قرر الجيش المرور بقرب الكرك عند انسحابهم عبر غور الصافي باتجاه غزة انتهز الكركيون الفرصة للثأر من جيش ابراهيم باشا ووجهوا ابنهم جلحد الحباشنة كدليل للجيش فاستطاع أن يدمر غالبية الجيش المنسحب بذكائه ومعرفته الجيدة بأرضه وأرض أجداده إذ قام البطل جلحد الحباشنة بتسيير القوة المؤلفة من ثلاثة آلاف جندي وضابط مع الخيل والمدافع واللوازم الأخرى، في طريق أشد وعورة عن قصد ليتكفل أهل الكرك بمهمة دحرجة الحجارة من المرتفعات لتهشيم الجيش المنسحب عبر أرض لا يعرفها، ويغوص الفارين بأرض طينية، وقد وصل شاطئ البحر الميت حوالي ثلاثمئة جندي من الثلاثة آلاف جندي من جيش ابراهيم باشا.

وبذلك انتهت مرحلة وبدأت مرحلة جديدة في الأردن التي نعمت بنحو 10 سنوات من الحكم المحلي المستقل الذي أرسى ركائزه زعامات محلية كان لهم السبق في إدارة شؤون مناطقهم والحفاظ على مصالح سكانها عبر ثورات عظيمة خاضوها بمعاني الشرف والكرامة، ولتكون نهاية قوات عثمانيي مصر وحكمه على أيدي فرسان العشائر الأردنية، والمسمار الأول في نعش الاحتلال العثماني التركي.

 

المراجع :

  • عدنان فريد جراد ، الحكم المصري في سوريا (1831-1840) ص 119 – 120
  • أحمد صدقي علي شقيرات‎، تاريخ الإدارة العثمانية في شرق الأردن (1864 – 1918) ص 44 – 49
  • قسطنطين بازيلي ، سورية و فلسطين تحت الحكم العثماني كتاب تأريخي ص 258 – 259
  • أيمن الشريدة ، دراسات وثائقية لجبل عجلون والكورة من خلال المحفوظات الملكية المصرية ، الجامعة الأردنية 1995
  • فتوحات إبراهيم باشا في فلسطين ولبنان وسوريا نقلا عن تقارير أنطون كتافاكو قنصل النمسا في عكا وصيدا 1831-1841, عربها وعلق عليها الخوري بولس قرألي ، حريصا : مطبعة القديس بولس, 1937
  • ﻋﻠﻴﺎن اﻟﺠﺎﻟﻮدي، ﻗﻀﺎء ﻋﺠﻠﻮن. 1864-1918. الجامعة الأردنية 1994

ثورات الأردنيين في حوران وجبل عجلون والكورة 1838 – 1840

عند وصول الملك المؤسس عبدالله بن الحسين عام 1920 إلى معان بعد التفاف شيوخ العشائر الأردنية حوله ودعوته لقيادة حركة التحرر الوطني الأردنية، أصدر جريدة (الحق يعلو) في معان مكتوبة بخط اليد وتتكون من عامودين عريضين، وتحتوي مقالات متنوعة، وخاصة فيما يتعلق بالأوضاع السياسية وشؤون الحرب في ذلك الوقت بالإضافة إلى أخبار قصيرة عن أشخاص معروفين بنشاطاتهم الاجتماعية وتحركاتهم . وكان جلالة المغفور له الملك عبدالله يوزعها على جنوده من رجال الثورة العربية الكبرى الذين التفوا حوله، وذلك لتكون صحيفة جديدة تحمل أخبار الحرب معنونة بأنها عربية ثورية تصدر مرة كل أسبوع.

و خلال إقامة الأمير عبد الله بن الحسين في معان صدرت أربعة أعداد خلال شهر كانون الاول 1920 و كانون الثاني 1921 و شباط من العام نفسه، أما العدد الخامس فقد صدر في عمان بعد انتقال الأمير عبدالله إليها ثم توقفت عن الصدور وظهرت صحف جديدة مثل الشرق العربي، وتعتبر هذه الصحيفة أول صحيفة صدرت في الأردن، وعمل على تحريرها السيد محمد الأنسي، والسيد عبداللطيف شاكر .

e4ae1d2cdcfbf570cb66d75033e91102d912cf2a

أما جريدة الشرق العربي والتي عدّت الجريدة الأولى بعد تأسيس الإمارة الأردنية لتكون استمرارا وحاملة لإرث وفكر صحافة الثورة ومسيرة النهضة الأردنية، وكانت تقبل المقالات العلمية والفنية والادبية ، وذلك بموجب قانون تأسيس الجريدة الرسمية المؤرخ في 31/5/1923م رقم (148) والذي جاء في خمس مواد اهمها:

المادة (1): تؤسس جريدة رسمية في منطقة الشرق العربي باسم (جريدة الشرق العربي).

المادة (2): تدار هذه الجريدة من قبل مدير مرتبط بإدارة المالية ويُعيّن له مساعدون عند الاقتضاء.

المادة (3): تنشر هذه الجريدة أسبوعياً في الحال الحاضرة ويمكن اصدارها مرتين في الأسبوع.

وجاء في افتتاحية العدد الاول ( والقلم وما يسطرون، إن هذه إلاْ صحيفة نبدأ بنشرها في مطلع فجر جديد، وفي يوم هزت بشائر الاتحاد العربي القلوب متطلعين بنور الأمل إلى صاحب الجلالة الهاشمية (الحسين بن علي) منقذ العرب والساعي لتأسيس وحدتهم وجمع كلمتهم والنهوض بهم إلى مصاف الأمم الحية ).

وأشارت الصحيفة في افتتاحيتها على أنها ستقوم بمهمة نشر الإعلانات والأوامر والأنظمة التي ستقررها حكومة الإمارة الأردنية، وقد أفرد العدد الأول من جريدة الشرق العربي مساحة كبيرة منه لمراسيم استقلال الإمارة الأردنية والذي كان برعاية الملك المؤسس عبدالله بن الحسين طيب الله ثراه.

SAM3942

 وقد اتسمت ( الشرق العربي ) ببساطة المظهر والترتيب وكتبت مقالاتها وأخبارها بأسلوب رصين، فاتسمت بالأسلوب الراقي والجد والرزانة، وعلى الرغم من أنها جريدة رسمية إلاّ أن أعمدتها كانت حافلة بالمقالات التي تعالج القضايا الوطنية والقومية والإسلامية وحتى الإنسانية، فهي لم تكن مجرد جريدة محلية رسمية بل كان مجال اهتمامها يتعدى نطاق الأردن كما تعدى نطاق الإعلان عن الأنظمة والقوانين فقد تفاعلت مع القضايا القومية المطروحة بجرأة وكان على رأسها المشروع النهضوي الهاشمي وقدمت سجلا حافلا لنشاط الشريف الحسين بن علي قائد النهضة العربية أثناء زيارته إلى الأردن، وقد بينت لنا الجريدة من خلال أعدادها بشكل عام بدايات النهضة التعليمية والاقتصادية والزراعية والاجتماعية في إمارة شرقي الأردن والتي تمثلت بإنشاء المدارس والمعاهد وإقامة المشافي وتنظيم الأحوال العامة من خلال الارادات السنية التي استهدفت تحسين الأوضاع الإقتصادية والاجتماعية والصحية .

 وقد تولى إدارة الجريدة والكتابة بها السيد محمد الشريقي بالإضافة إلى عدد من الأدباء والمفكرين والشخصيات أمثال محمد طاهر الحسيني، محمود الكرمي، حنا القسوس، الدكتور ناجي الأصيل، محمد المحيسن، ومحمد نديم الملاح… وآخرون.

المراجع

محمد ربيع الخزاعلة ، الأوائل في تاريخ الأردن الحديث ، ص 119 ، 2003.

مدخل الى الاعلام العسكري نقلاً عن مجلة الاقصى العدد 773 مقالة للواء عبدالمجيد المهدي.

الرحلة الملوكية الهاشمية، محمد يونس العبادي ص29.

أميمة بشير شريم ، الصحافة الأردنية ، وعلاقاتها بقوانين المطبوعات والنشر (1920-1983) ، ص 23.

أول صحيفة أردنية

صورة للشيخ ارفيفان المجالي موشحا بالأوسمة

مقدمة

سجلُ حافل في البطولات قدّمه الشيخ البطل ارفيفان باشا المجالي ( اخو شاهة ) في مدارس البطولة والنضال الأردني، بطلُ ترك لأبناء وطنه إرث كبيرا في الشجاعة والفداء وتحولت سيرته إلى مدرسة عظيمة في قيم البطولة و الحكمة، مرعب العثمانيين بدهائه وذكائه ولم يتراجع عن مبادئه وقيمه ضد العدو المحتل حتى وزوجته تقبع في سجن المحتل في معان، لقد أتعب هذا الشيخ البطل المحتل العثماني وراوغه كثيرا منذ اللحظات الأولى لتخطيطه مع الشهيد البطل قدر المجالي لثورة الأردنيين الوسطى عام 1910( الهيّة )، ولم يكتف أخو شاهة بفعائله العظام في مسيرة وطنه؛ بل قدّم للأردن من نسله المكرّم فيلقا عسكريّا كاملا كان اسمه ( المشير البطل حابس ارفيفان المجالي ).

النشأة والأسرة

هو ارفيفان بن محمد بن عبدالقادر بن يوسف بن سليمان المجالي مواليد سنة 1862م في بلدة الربّة بالكرك، لم يحظَ الشيخ ارفيفان المجالي من التعليم شئ، اذ عاصر كأي أردني آخر في عهد حقبة المحتل العثماني الذي مارس الحكم بالوكالة ونفّذ سياسات تجهيل والافقار المتعمّد فلا مدارس ولا معاهد، لا تنمية ولا بناء، واقتصرت وظيفة الدولة على جمع الضرائب الجائرة،  كل هذا كي لا تقوم للأردنيين قائمة في مواجهتهم بعد مسلسل طويل العهد من الثورات الصغرى ضد العثمانيين مع دخول أول قدم تركية للبلاد ، وهكذا لم يكن لارفيفان الطفل والشاب، سوى أن يتعلم في مدرسة الحياة قيم الفروسية والإدارة والمشيخة على يدي والده والده الشيخ محمد المجالي.

كعادة الشيوخ في تلك الحقبة وفي مواجهة المرض والموت الذي يحصد أرواح الأطفال ، ومن ثم الحروب والغزوات التي كثيرا ما افتعلها العثماني أو ساهم بتأجيجها ومن ثم لبناء الأحلاف الاستراتيجية في مواجهة العثمانيين ولتعميق أواصر المودة والنسب مع باقي أبناء عمومتهم واشقائهم من شيوخ العشائر الأردنية الأخرى، لأجل ذلك كله كان على شيوخ العشائر الأردنية أن يحفظوا نسلهم وبيوتهم العامرة وأن يزيدوا من فرسان عشيرتهم عبر تعدّد  الزوجات، ولذلك تعدّدت زيجات الشيخ ارفيفان باشا المجالي من كريمات بنات كرام، فتزوّج من ( شمسيّة المجالي ) والتي انجبت له أول أولاده (معارك)، وتزوج لاحقا من ( نجمة عبد الغني البطوش ) وأنجب منها ابنه صالح، كما تزوج من ( نعمات ) والتي أنجبت له عاطف وعبدالله ونايفة وسميحة وبهيجة، وتزوج أيضا من النشمية الشيخة ( بندر فارس شلاش المجالي ) وأنجب منها حابس ودميثان وعصر وسليمان.

بندر
صورة النشمية بندر فارس شلاش المجالي

ارفيفان والهيّة

استطاع الراحل البطل ارفيفان باشا المجالي بدهائه وذكائه الفطري والمكتسب من جينات العشيرة الأردنية أن يستخدم حنكته السياسية والدبلوماسية ضد العدو العثماني أثناء ثورة الأردنيين الوسطى 1910( الهيّة )، فكانت أولى خططه في مواجهة المحتل العثماني عندما اتفق مع الشيخ قدر المجالي على تشتيت الإدارة العثمانية وبعثرة بصرها وتركيزها ، من أجل التخطيط للثورة بسرية مطلقة، ولذلك أصرّ حينها على ضرورة دخول الشهيد الشيخ البطل قدر المجالي كعضو في لجان تعداد الأنفس رغم رفض الشيخ قدر المجالي المكرر والصريح لما تقوم به هذه اللجان من تجاوزات كثيرة ضد أهالي الكرك.

قدر
الشيخ الفارس قدر المجالي ( زعيم ثورة الكرك ) يتوسط فرسان و أبناء عشيرته ابان الهيّة 1910

ولم يكتفِ بذلك فقد أرسل الشيخ ارفيفان المجالي؛ النائب الأردني في مجلس المبعوثان ( توفيق بك المجالي ) وذلك من أجل إبلاغ الباب العالي في الأستانة، بأن أهالي الكرك جميعهم مع الاجراءات التي تقوم بها الدولة العثمانية من احصاء الأنفس وفرض التجنيد الاجباري، وأن أهالي منطقة الكرك سيستمرون في حماية حامياتهم العسكرية وممتلكاتهم، وكان لا بد من هذا التمويه والخداع للعدو أملا في مماطلته وتأخير المواجهة المحتومة، من أجل التفرغ كليا للتخطيط للثورة تقمع جذور هذا المحتل من أراضٍ أردنية استنزفوها طويلاً.

15731587_1779935115591757_516900656_n
إعلان في إحدى الصحف العثمانية الناطقة بالعربية عن التلغراف الذي أرسله الشيخ ارفيفان عبر النائب توفيق المجالي

وتذكر قصص هذه الثورة أنه وفي احدى الاجتماعات التي كانت في صلب العمليات اللوجستية للتخطيط  من أجل الثورة صاح الشيخ البطل ارفيفان المجالي ومن أجل تحفيز وتشجيع فرسان العشائر الأردنية بقصيدة قال فيها:

الراس في طاري الكرك دوم مرفوع

هنيّال من غرسه… كان بثراها

يا آمن من الخوف وما ياصله جوع

يا شعلة الفرسان …. ما حدِّن طفاها

في اهلها نخوة وفي جودها سوع

وفي جوفها عزن عانق سماها

وتاريخها ثورة وفي مجدها سطوع

حتى نجوم الكون نجمك محاها

يا منبر التاريخ يا ندرة بالنوع

الله يحفظها دووم ويروي ظماها.

أعلنت الثورة وبدأت المعارك بين المحتل وفرسان العشائر الأردنية وبسبب قوة طوابير وعدة المحتل العثماني ونظرا لجرأته في القمع والتنكيل، فقد ألحقت بعشائر الكرك الخسائر الكبيرة ثمنا للتضحية والبطولة، فمنهم من ألقي القبض عليه وأعدم من أعلى قلعة الكرك عبر ربط الصخور في أعناقهم بالحبال ورميهم من على أسوارها، ومنهم من أرسلوا طوابيرا للأسر في سجون الخسة للمحتل بين دمشق والأستانة، ومنهم من استشهد في الثورة، فما كان من الشيخ ارفيفان المجالي كأحد قادة الثورة إلاّ الانسحاب من أرض المعركة والذهاب نحو مضارب العشائر الأردنية في الشوبك وكان معه زوجته بندر وشقيقاتها مشخص وشفق ومجموعة من النساء والفرسان.

طارد العثمانيون الشيخ ارفيفان ومن معه وحصلت معركة الملاحقة في الشوبك حيث تمكنت الجندرمة التركية من إلقاء القبض على النساء بعد قتل مرافقهم البطل صخر المجالي رميا بالرصاص بعد أن فتك بالكثير من جنودهم، وكانت من بين المعتقلات من النشميات زوجته بندر المجالي التي تنتظر مولودها القادم بفارغ الصبر حاملا اسم ( جميل ) وهو في بطنها كما اتفقت مع زوجها الشيخ ارفيفان المجالي، تحول هذا الوليد ( جميل ) المولود بعيدا عن ناظري أبيه وأهله في سجن المحتل العثماني ليصبح كونه وليد الحبس والمعتقل ( المشير البطل حابس المجالي )  رمز العسكرية الأردنية الفذّة وأحد رموزها الغر الميامين  .

لقراءة قصة بطولة النشميات بندر ومشخص المجالي أنقر هنا

 

14657713_10211330088908363_1777864017_n
مشهد ولادة المشير البطل حابس المجالي – والدته بندر المجالي محفوفة برعاية نشميات بني عطية والحويطات برفقة شقيقتها مشخص- لوحة للفنانة هند الجرمي .
حابس
المشير البطل حابس ارفيفان المجالي

استطاع الشيخ ارفيفان ان يتخلص من قبضة القوات العثمانية في تلك المعركة وبعد اصدار الحكم الفوري عليه بالإعدام على مشانق العثمانيين، اتجه الشيخ ارفيفان المجالي إلى المنطقة الواقعة بين جنوب الأردن وشمال الحجاز بعيدا عن ملاحقة العسكر العثماني التي أرادت رأسه، يرافقه أحد رجال عشيرته اسمه ( عبدالنبي محمود المجالي )، وفي منتصف الطريق توقف ارفيفان مطالباً رفيقه عبدالنبي المجالي أن يبدل ملابسه بملابس عبدالنبي لمزيد من التمويه، وأوصاه بأن يعطي فرسه إلى ابنه ( معارك ) وبندقيته إلى ابنه ( دميثان ) ذلك حتى وإن فارقته الروح يضمن أن يبقي لأولاده شيئا من رمزية الكفاح والنضال في وجه المحتل وأن لا يسمحوا للرصاص والصهيل أن يتوقف في مواجهة رايات العثمانيين الحمراء،  ومن ثم أمره بالعودة حالا إلى الكرك، وتابع الشيخ ارفيفان المجالي طريقه نحو شمال الحجاز حيث نزل في مضارب أحد وجهاء المنطقة الشيخ قبلان أبو رمان بحجة أنه رجل يبحث عن عمل يكفيه مؤونته، فعمل كـ ( قهوجي) لدى الشيخ سلامة أبو رمان، كان هذا الفعل رغبة في مزيد من كسب الوقت بعيدا عن أعين الملاحقة العثمانية.

ارفيفان والخويّ

كان للشيخ ارفيفان صديق حميم وهو الشيخ حرب العطيّات أحد شيوخ وفرسان قبيلة بني عطية صاحب القوة والنفوذ، سمع الشيخ حرب العطيّات ما حلّ بصديقه الشيخ ارفيفان المجالي بعد الثورة، فامتلكه الغضب والأسى، وما كان من الصديق اتجاه صديقه سوى التضحية من أجله معرّضا نفسه للانتقام العثماني، فذهب من فوره إلى الوالي العثماني وأبلغه بأنه ان تمكّن جنوده من القبض على الشيخ ارفيفان المجالي، فإنه عليه أن يطلق سراحه فورا ويصدر العفو عنه وأن لا يمسه مكروه، وإلا كانت العواقب وخيمة على العثمانيين وسيشعلها نارا من تحت أقدامهم، فوافق الوالي العثماني خوفا ووجلا من ثورة جديدة قادمة يقودها فرسان بني عطية وأصدر عفوا عن الشيخ ارفيفان المجالي.

فبدأ الخوي ( الشيخ حرب العطيّات ) يبحث عن خويّه ( الشيخ ارفيفان المجالي ) في كل مكان حتى أعياه البحث، وفي ذات يوم نزل الشيخ حرب العطيّات أثناء رحلة البحث في مضارب صديقه الشيخ قبلان أبورمان ، هناك حيث يقيم خويّه الشيخ ارفيفان عاملا كـ ( قهوجي ) في بيت الشيخ قبلان، ما أن تلاقت الأعين عرف الشيخ ارفيفان صديقه الشيخ حرب، بينما لم يعرفه الشيخ حرب بسبب تخفيه بملابسه الرثة وطول لحيته وتكميمه لفمه بطرف شماغه، وفي منتصف الليل نهض الشيخ حرب العطيّات باتجاه موقد النار حيث يجلس ارفيفان – المتخفي بملابس ( الفداوي ) – لكي يشعل غليونه (سبيله) فقال ارفيفان لصديقه حرب بعد أن ضربه على ركبته بيده للفت الانتباه : ( أنظر في عيني جيدت ألا تعرفني ؟ )، وعندما حدق الشيخ حرب في عينيه عرف أنه في حضرة صديقه الشيخ ارفيفان، فانتفض فرحا وشوقا، وذهب على الفور ليخبر مضيفه الشيخ سلامة أبو رمان بأن قهوجيه ما هو إلاّ الشيخ ارفيفان المجالي فتضاربت لدى الشيخ قبلان مشاعر الفخر بضيفه الكبير والحرج من مما حل به في بيته، وفي اليوم التالي تم ذبح الجزور وتغيير ملابس الشيخ ارفيفان وحلاقه ذقنه وعمل وليمة كبيرة على شرفه.

ومن بعدها أخذ الخوي صديقه ارفيفان المجالي إلى الوالي العثماني وأجبر الشيخ حرب العطيّات الوالي العثماني على إصدار وتسليم قرار العفو عن الشيخ ارفيفان فأصدره في الحال، ولكن كما هي شيم العثمانيين المعهودة في ضمرهم للخيانة والانتقام وبعد أسبوع واحد فقط من صدور العفو، تم اعتقاله بالقوة، وأخذه إلى سجن القلعة في دمشق، وبقي الشيخ ارفيفان المجالي في السجن إلى أن صدر العفو العام عن جميع أهالي الكرك وشيوخها، على إثر ما قام به النائب توفيق بك المجالي من بيانات نارية في وجه الإدارة العثمانية في مجلس المبعوثان وعاد بهم إلى الكرك الأمر الذي أجبره هو الآخر أيضا على التخفي هربا من المحاولات الانتقامية للإدارة العثمانية.

لقراءة قصة النائب البطل توفيق المجالي أنقر هنا

رفيفان مع لوجو

مسيرة سياسية وطنية حافلة

وبعد هزيمة المحتل العثماني واندحاره عن الأرض الأردنية بالثورة العربية الكبرى وإعلان الاستقلال، بدأت الحياة السياسية تأخذ طابعها الديمقراطي المؤسسي، ومع إعلان المملكة الفيصلية استلم الشيخ ارفيفان زمام الأمور في إدارة الكرك عام 1920، وبعد ذلك ذهب الشيخ ارفيفان للمشاركة في مؤتمر السلط عام 21/8/1920 بحضور هيربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني، المؤتمر الذي تمخض عنه إرسال مجموعة من الضباط السياسيين المعتمدين لدى سلطة الانتداب البريطاني لعدد من المدن الأردنية بحجة مساندة الحكومات المحلية الناشئة فيها اثر سقوط المملكة الفيصلية على يد الاحتلال الفرنسي ، وكان أحدهم الضابط ( كلنفيك) الذي أرسل لكي يشغل وظيفة المعتمد لدى حكومة الكرك.

قام كلنفيك بالمباحثات والدراسات مع أهالي وشيوخ المنطقة على الشؤون الإدارية للمدينة، بعد أن قامت حكومة محلية أطلق عليها وجهاء الكرك وشيوخها مسمى (الحكومة الوطنية المؤابية) وتم اختيار الشيخ ارفيفان المجالي رئيساً للحكومة وتكوّن المجلس العالي لهذه الحكومة المنتخبة من أهالي المنطقة من كل من:

  1. الشيخ عطوي المجالي
  2. الشيخ حسين الطراونة
  3. الشيخ سلامة المعايطة
  4. الخوري عودة الشوارب
  5. المحامي عبدالله العكشة
  6. الشيخ نايف المجالي
  7. الشيخ موسى المحيسن
  8. الشيخ عبدالله العطيوي

وكانت أولى قرارات هذه الحكومة إلغاء التشكيلات الخاصة بالعهد الفيصلي وتعيين موظفيين من أهل الكرك والطفيلة، وحُلّت هذه الحكومة عندما جاء الأمير عبدالله بن الحسين إلى الأردن وأنشا حكومة مركزية موحدة فيما بقي الشيخ ارفيفان متصرفاً في الكرك كما كان في الحكومات المحلية.

نن
الشيخ ارفيفان على يمين الشهيد الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين

ومع أول انتخابات نيابية في عهد الإمارة الأردنية وبعد اقرار قانون الانتخابات وانتخاب المجلس التشريعي في 2 نيسان 1929؛ مثّل الشيخ ارفيان المجالي الكرك في المجلس التشريعي وكان له دور مؤثر عند اقرار المجلس على التصديق على المعاهدة البريطانية – الأردنية بأنه أشترط على المجلس التشريعي عدة ملاحظات على نص المعاهدة وأهمها:

  1. تعديل أو الغاء كل من المواد التالية من نص المعاهدة : 5،6،7،10،14،16،1
  2. تعديل أو الغاء الفقرات التالية من نص المعاهدة : الفقرة الثانية من المادة 11، الفقرة الثانية من المادة الثانية.

وفي 1 حزيران 1931 جرت انتخابات المجلس التشريعي الثاني بعد أن حُلّ المجلس التشريعي الأول بتاريخ 9 شباط 1931، وتم انتخاب الشيخ ارفيفان المجالي للمرة الثانية عن لواء الكرك ومعان. وفي هذه الدورة أيضا بقي الشيخ ارفيفان على عزيمته واصراره بضرورة استقلال وطنه عن الاستعمار البريطاني حيث طالب مجددا بتغير مزيد من بنود المعاهدة الأردنية البريطانية من أجل الاستقلال النهائي .

وبعد انتهاء مدة المجلس التشريعي الثاني عقدت الانتخابات النيابية الثالثة في الأردن بتاريخ  16 تشرين الأول 1934 ليتكرر فوز الشيخ رفيفان المجالي عن لواء الكرك ومعان ويكون هو ومن معه من زملائه النواب الوجه المعارض في هذا المجلس الثالث لسياسات الاستعمار البريطاني ومطالبته الدائمة بضرورة نيل الاستقلال النهائي لوطنه الأردن وكان معه من لواء الكرك ومعان الشيخ صالح العوران والشيخ متري زريقات والشيخ محمود زريقات.

وفي تاريخ 16 تشرين الاول 1937 عقدت انتخابات المجلس التشريعي الرابع ومن جديد مثّل الشيخ ارفيفان المجالي لواء الكرك ومعان حيث تم تمديد هذا المجلس سنتين اضافيتين بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية.

وبعد ذلك تم التعديل على قانون الانتخابات ليتم فصل معان عن لواء الكرك لتصبح دائرة لوحدها ولها مقعد واحد، والكرك دائرة منفصلة ولها 3 مقاعد وبعدها أجريت الانتخابات بتاريخ 18 حزيران 1942 حيث فاز في هذه الانتخابات عن لواء الكرك كل من الشيخ ارفيفان المجالي و يوسف العكشة و حسين الطراونة ، في  دلالة واضحة على الاجماع الشعبي الذي حظي به الشيخ ارفيفان المجالي من أهالي اللواء منذ الانتخابات التشريعية الأولى.

وكان للشيخ ارفيفان المجالي نشاطه السياسي الحزبي أيضا، حيث تقدم الراحل بطلب إلى الحكومة بترخيص حزب سياسي وطني أطلق عليه ( حزب التضامن الأردني) وكان معه كل من الشيوخ : مثقال الفايز، سعيد ابو جابر، قاسم الهنداوي، نجيب ابو الشعر، صالح العوران، شمس الدين سامي، احمد الصعوب، متري زريقات، هاشم خير، وهدف هذا الحزب إلى الدفاع عن أبناء العشائر الأردنية وحقوقهم الوطنية، ولم يعمر هذا الحزب طويلاً وذلك بسبب اتهامهم الباطل بـ النعرة الاقليمية من قبل رئيس الحكومة آنذاك عبدالله السراج المعارض لتوجه هذا الحزب الوطني الأردني.

وضمن نشاطاته الحزبية أيضا، ترأس الشيخ ارفيفان المجالي حزب ( الإخاء الأردني) الذي أنشأ في تاريخ 25/9/1937 وكان مركزه الرئيسي في العاصمة عمان وفي 28/9/1937 صدر البيان التأسيسي للحزب والذي أشار إلى أن هذا الحزب يمثل طبقات الشعب الأردني كافة ويسعى إلى خدمة الأردن وتحقيق الاستقلال التام للأردن من الاستعمار البريطاني وضمان الوحدة الوطنية الاردنية بين أبنائه.

الباشوية تكريم واستحقاق 

SAM39271
الصورة مع الشرح المرفق من الموقع الزميل ( زمانكم – قصة الأمس )

وتقديرا لجهود الشيخ البطل ارفيفان المجالي واقرارا بزعامته ودوره الوطني العظيم في إرساء قواعد الدولة الأردنية الناشئة فقد صدرت الإرادة الأميرية من لدن صاحب السمو الأمير عبدالله بن الحسين – الشهيد الملك المؤسس – بتوجيه لقب باشا للشيخ ارفيفان المجالي بالشراكة مع عدد من أشقائه من زعماء العشائر الأردنية وشيوخها وقد نشرت الإرادة الأميرية مع الأسماء في الجريدة الرسمية للإمارة الأردنية عام 1923.

الانسجام الأهلي في فكر الشيخ
حملت الكرك تقاليدًا متوارثة من الحرص المتبادل على حماية خصوصية العلاقة وحفظ الانسجام والوام الأهلي العام والتآخي بين الأردنيين المسيحيين والمسلمين كما في شقيقاتها من المدن الأردنية ،وقد تحدث (بيتر جوبسر) عن مدى حرص مجتمع الكرك على المحافظة على هذه العلاقة المتميزة ، ومضى يقول :”وهم فخورون بعلاقاتهم المتبادلة الجيدة بالمقارنة مع سائر المنطقة والشرق الأوسط”.  وقبل نصف قرن على ماقاله (جوبسر)، كان خليل  الحوراني قد كتب يصف العلاقة بين الأردنيين مسلمين ومسيحيين في الكرك بقوله: “وهم شركاء كأهل الوطن الواحد في الغنم والغرم.”

وحفظا لهذا المبدأ في إعلاء قيم المودة والتسامح والهدف الوطني المشترك ، فقد كان موقف الشيخ البطل ارفيفان باشا المجالي صارما جدا في حال وجود أي خرق – حتى لو كان شفويا – من أي كان لهذه القاعدة الرئيسية ، ولذلك فقد أمر ارفيفان باشا المجالي في مطلع عشرينيات القرن العشرين بنفي تاجر شامي من الكرك لمدة عشر سنوات لإساءته للأردنيين المسيحيين في الكرك بقوله أنهم سيدخلون النار!

ارفيفان والثورة السورية ضد المحتل الفرنسي

كان للشيخ ارفيفان الدور الكبير في مساندة ومساعدة الثوّار السوريين الهاربين من بطش المحتل الفرنسي، عندما فتحت الكرك أحضانها في وجه اللاجئين السياسين السوريين، حيث لجأ القائد العام للثورة السورية سلطان باشا الأطرش ومعه حوالي 500 من الرجال إلى الأردن وزاروا الكرك وحظيوا بالترحاب والحماية من الملاحقة الفرنسية .

سباق في الكرم والإنسانية

زار الشاعر سالم أبو الكباير في ذات يوم الكرك في ليلة باردة في فصل الشتاء، ولم يكن الشاعر أبو الكباير يرتدي (الفروة) وعندها طلب من أحد التجار في المدينة أن يلبسه فروة تقيه من برد الشتاء فرفض التاجر وقال له : إنها للبيع وليست للطيب والكرم، فجلس أبو الكباير ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﺎﺟﺮ ﻋﺴﻰ ﺃﻥ ﻳﺨﻒ ﺍﻟﻤﻄﺮ، ويستطيع الذهاب من عند هذا التاجر الذي كان يبيع أيضا الرز واللوز، وﻳخفض ﺭﺃﺳﻪ ﻟﻴﺮﻯ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﺧﻮﻓﺂ ﺃﻥ ﻳﺰﻳﺪ ﻷﺣﺪﻫﻢ أثناء البيع من شدة بخله، فلم يستطع الشاعر تحمل هذا  فتوجه إلى مضارب المجالية حيث الشيخ ارفيفان المجالي، وكان منزله كبيراً جداً مشرّعا في وجه الضيوف وأهالي الكرك ، فاتجه أبو الكباير نحوه مباشرة وهو يرتعد من البرد، وصدف ليلتها أن كان عند الشيخ ارفيفان ابن اخيه الشيخ البطل قدر المجالي وعندما رأى الشيخان ( ارفيفان وقدر ) أبو الكباير وهو يرتعد من البرد، انطلق كل منهما يسابق الآخر بخلع فروته ليلبسها للضيف وعندها جلس ابو الكباير وقال:

ﺇﻧﻬﺐ ﺷﺒﺎﺑﻚ ﻗﺒﻞ ﻳﺎﺗﻲ ﺩﻣﺎﺭﻩ                ﻻ ﺑﺪ ﻳﺎﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﺯﻳﻼﻥ …
ﺍﻟﻄﻴﺐ ﻳﺎﻷﺟﻮﺍﺩ ﻭﺩﻩ ﺟﺴﺎﺭﺓ                ﻣﺎ ﻭﺩﻩ ﺭﺟﻞ ﻏﺾ ﺭﺍﺳﻪ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ …
ﻗﺪﺭ ﻭ ﺍﺭﻓﻴﻔﺎﻥ ﻣﺜﻞ ﺟﻮﺯ ﺍﻟﻨﻤﺎﺭﺓ           ﻭﺍﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﻴﻪ ﺑﻠﺸﺎﻥ …
ﺍﻟﺼﺒﺢ ﻳﻘﻠﺪﻭﻥ ﻟﻮﻥ ﺍﻟﺴﻔﺎﺭﺓ                 ﻭﻟﻠﻌﺼﺮ ﻣﺎ اﻧﻜﻒ ﻣﻨﺴﻒ ﺍﺭﻓﻴﻔﺎﻥ ..
ﻭﺭﺩﺕ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺧﻴﻞ ﻗﺎﻣﻮﺍ ﻧﻤﺎﺭﺓ              ﺍﻟﻌﺰ ﺑﻠﻘﺎ ﻭ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﻳﺪ ﻋﻤﺎﻥ …

وفاته

رحل الشيخ ارفيفان المجالي مودّعا وطنه وأهله يوم الثلاثاء الموافق 23 كانون الثاني 1945 في الساعة التاسعة مساءً ودفن في مقبرة النبي نوح في الكرك حيث شارك في جنازته جمع غفير من شيوخ العشائر الأردنية والدول المجاورة وحضر الجنازة سمو الأمير طلال بن عبدالله – الملك لاحقا – بالنيابة عن صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الأول بن الحسين – الملك لاحقا.

صورة وفاة رفيفان مع لوجو
إعلان خبر وفاة الشيخ البطل ارفيفان المجالي

وهكذا رحل هذا الرمز المؤابي الأردني المشع، تاركا خلفة سيرة عطرة لمسيرة نضالية وطنية حافلة ، جابهت المحتل بالرصاص والحكمة وواجهت المستعمر بالقلم والكلمة، ووقفت طويلا كعامود بيت شعر عظيم لم تهزها الرياح العواتي، ولم تخضع لابتزاز المحتل وجبروته، وقد قالوا قديما أن ( النار تذر الرماد ) لكن الشيخ البطل ارفيفان المجالي وأمثاله من شيوخ العشائر الأردنية وفرسانها  كانوا ( النار التي خلّفت نارا وبطولة ).

المراجع :

  1. بحث منشور لإرث الأردن عن ثورة الكرك 
  2. صالح رفيفان المجالي، سيرته وحياته، جمع وإعداد راتب صالح المجالي، المطبعة العسكرية، 1997.
  3. جريدة الوفاء، العدد الصادر بتاريخ 28 كانون الثاني 1945
  4. مشاهير في التاريخ الاردني، محمود سعد عبيدات، جريدة شيحان، 22/3/2003.
  5. بيتر جوبسر، السياسة والتغيير في الكرك-الأردن ،دراسة لبلدة عربية صغيرة ومنطقتها،ترجمة د.خالد الكركي،مراجعة د.محمد عدنان البخيت،منشورات الجامعة الأردنية ،عمان ،1988.
  6. لقاء من قبل فريق إرث الاردن مع الباحث التاريخي فرّاس دميثان المجالي ،الكرك، تاريخ4-6-2016
  7. ألفاظ وأشعار كركية، فراس دميثان المجالي، مطبعة السفير،2009.
  8. موقع زمانكم ( قصة الأمس ) – http://www.zamancom.com

الشيخ البطل ارفيفان المجالي

 

مقدمة

نشأ من طينة أرض القرابين ، قرابين الفداء و التضحية على أنغام  ربابة عزفت لحن الرجوع الأخير على أسوار قلعة الكرك، فارس ملثّم بهدب البطولة و الرجولة و الفخار، ووريث لبطولات الحارث و ميشع ، إنه الشيخ إسماعيل المجالي الملقب بالشوفي.

نشأة الفارس اسماعيل الشوفي

هو الشيخ إسماعيل بن يوسف بن سليمان المجالي، ولد في القرن الثامن عشر تربى على الفروسية في ميادين القتال وعلى الشهامة والكرم على يد والده الشيخ يوسف المجالي الذي كان يلقب بأمير البادية. كان شجاعاً صلدا بوجه من يتعرض لأرضه وعرضه،  فنشأ على أن يكون الطليعة بين الفرسان وعلى مقدمتهم فأطلق عليه لقب (الشوفي) والتي تعني من يترأس الفرسان، كما أنه  يصدق القول ويصون العهد ولا يتراجع عن الحق ولذلك رافقته المقولة الشفوية الشعبية ( الشوفي إن وعد يوفي).

المجالي ونخوة ( خوات خضرة )

حمل أحفاد الشيخ إسماعيل الشوفي لقب الحمية والشرف (خوات خضرة ) منذ عهد طويل، وكان سبب تسميتهم بهذه النخوة ما قام به البطل إسماعيل الشوفي عندما انتخت به النشمية خضرة المدادحة ذات يوم، وتمحورت قصة هذه النخوة عندما كان جنود ونساء الحامية العثمانية يعملون على تسخير الكركيات لجلب المياه لهّن إلى القلعة التي حوّلت من حصنٍ وطني عظيم إلى حرملك للجواري والخبائث، ومن كان يعرف المسافة الفاصلة بين عين سارة والقلعة يدرك حجم المعاناة التي كنّ يعانيها نساء الكرك من أجل ايصال الماء للقلعة،  وفي عام 1828 حدثت الواقعة عندما اعترضت النشمية الكركية السيدة خضرة المدادحة  طريق الشيخ إسماعيل الشوفي في منطقة سيل الكرك ” عين سارة ” وكن آنذاك – نساء الكرك – يتجمعن لملئ قراب الماء ومن ثم يقمن بنقلها إلى قلعة الكرك؛ وأثناء مرور الشيخ إسماعيل المجالي (الشوفي) صرخت النشمية خضرة المدادحة بصوت عالي لتصل كلماتها لمسامع الفارس إسماعيل الشوفي حيث قالت ( ما تشوف المي تسيل من على ظهورنا يا اسماعيل) – وتقصد بذلك الظلم والإجبار الواقع على بنات الكرك- وكانت أن فتحت خضرة الباب الموصد على مصراعيه في صدر البطل، فصاح الفارس الشيخ إسماعيل المجالي بأعلى صوته قائلاً ( أبشري وأنا أخوكي يا خضرة ).

admin-ajax
النشمية خضرة المدادحة تنتخي بالفارس البطل اسماعيل الشوفي

حيث عاد أدراجه الى الكرك وقام بجمع فرسن العشائر الأردنية في الكرك وترأس هذه الطليعة وهجم على حامية الخليل التابعة للجيش العثماني وقضى عليها عن بكرة أبيها، وفور وصول الخبر للإدارة العثمانية قام الحاكم المحلي العثماني بطلب الصلح من عشائر الكرك حتى لا يتحول ما حدث إلى ثورة شعبية عارمة تمتد على مساحة الأرض الأردنية وبين عشائرها وكان شرط البطل إسماعيل الشوفي للموافقة على الصلح هو توقف نساء الكرك نهائيا عن نقل المياه لجنود ونساء الحاشية التركية في القلعة، وتحولت فزعة الفارس البطل اسماعيل الشوفي للنشمية خضرة المدادحة لتصبح نخوة عشيرة المجالية حتى يومنا هذا ومصدر فخرهم واعتزازهم الدائم بفروسية جدهم البطل.

الشوفي والدخيل:

عام 1832م قامت ثورة في فلسطين بقيادة قاسم الأحمد بجبل نابلس ضد تسلط وظلم ابراهيم باشا ابن محمد علي باشا الوالي العثماني في مصر الذي انقلب على الباب العالي في الاستانة وانشق عنه، حيث استطاع ابراهيم باشا قمع هذه الثورة بأقصى درجات الهمجية، الأمر الذي أدى إلى هروب قائدها قاسم الأحمد إلى الخليل ومع إصرار قائد الحامية العثماني ابراهيم باشا على القبض عليه هرب من الخليل متجهاً إلى الكرك حيث اتجه إلى أحد البيوت فلم يجد بها أحداً سوى امراة تدعى (عليا الضمور) وهي زوجة الشيخ ابراهيم الضمور ولكن قاسم الأحمد عندما لم يرَ رجلاً بالبيت أدار ظهره احتراما لحرمة البيت وأهله وبحثا عن بيت آخر يجد فيه رجلا يستقبله ويحتمي عنده، وما كان الرد من الشيخة النشمية عليا الضمور عند التفافه عن البيت سوى قولها له: ( يا راعي خير،  حنا خوات ارجال، يا هلا بيك من ممشاك لملفاك، يمّك المجلس وانتظر الشيخ لمنه يعاود).

hqdefault
حملة ابراهيم باشا على المنطقة

وعندما عاد الشيخ ابراهيم الضمور ورحب بالضيف، طلب قاسم الأحمد الدخالة من الشيخ ابراهيم الضمور حيث رد عليه بالقول : ( أبشر تراك وصلت وبعون الله ما يصيبك ضيم) وعندما وصل خبر لجوء قاسم الأحمد إلى الكرك لـ ابراهيم باشا بعث بطلبه إلى الشيخ ابراهيم الضمور بضرورة تسليم الدخيل فورا ولكن ابراهيم الضمور رفض وعندما اتخذ ابراهيم باشا قراره بالهجوم على الكرك ومعاقبة عشائرها على حمايتهم للدخيل قاسم الأحمد، عقد الشيخ ابراهيم الضمور اجتماعا كبيرا ضمّ شيوخ الكرك وعقداء الخيل فيها وعلى رأسهم الفارس الشيخ اسماعيل الشوفي، وأطلع الشيخ ابراهيم الضمور الفارس اسماعيل الشوفي وشيوخ الكرك على التفاصيل فرد الشوفي قائلاً (ما نسلم الدخيل إلا على الموت و الرقاب )، وأمر الشوفي بتجهيز الفرسان من أجل التصدي لحملة ابراهيم باشا وحدثت المواجهة بينهم الأمر الذي أدى إلى اختطاف أبناء الشيخ ابراهيم الضمور (السيد و علي ) أثناء خروجهم في جولة تفقدية لايصال الطعام للرعيان حول مراعي الكرك ، فبعث ابراهيم باشا رسالة إلى الشيخ ابراهيم الضمور قائلا فيها ( سلمنا الدخيل وإلا أحرقنا ولديك)، في هذه الأثناء كان القرار الصعب على الشيخ ابراهيم الضمور الذي بعث من فوره إلى ابراهيم باشا كتابا كان نصه : ( إلى قائد الجيش المحتل إن لم يكن لديكم حطب ونار فسأبعث لكم ما تريدون من حطب وقطران، اقتلوا واحرقوا كما شئتم، ولن تدخلو الكرك ونحن أحياء) ، اشتعل الحقد في قلب ابراهيم بن محمد علي باشا فأوقد نارا بعد أن جمع كتلة حطب كبيرة وشد إليها علي و سيِّـد أبناء الشيخ ابراهيم الضمور الغساسنة على مرأى من الوالدين المفجوعين بفلذتي الكبد وأهالي الكرك، ولكن ما كان من الشوفي إلاّ أن شرب فنجان الثأر لأبناء الضمور بعد أن حرقوا أمامهم لرفضهم تسليم الدخيل، ولم ترضخ عشائر الكرك لوحشية السلطة جيش ابراهيم باشا واستمر النضال الاردني لينتقموا بعدها من جيش ابراهيم بن محمد علي باشا في موقعة البطل جلحد العرود الحباشنة التي جرت بتنسيق وتحضير مسبق بين شيوخ الكرك وفرسانها وعلى رأسهم الفارس البطل اسماعيل الشوفي .

للاطلاع على قصة جلحد العرود الحباشنة او ما يعرف بـ(دلة جلحد) انقر هنا.

إبراهيم باشا

وما كان من اسماعيل الشوفي حينها في ظل الاقتحام المنتظر من جيش ابراهيم باشا لمدينة الكرك إلا أن يقوم بحماية الدخيل ومحاولة تهريبه خارج الكرك حتى لا يحصل له أي مكروه .

وقد واصل جيش ابراهيم باشا مطاردة الشوفي ومن معه فور وصول خبر تهريبه للدخيل قاسم الأحمد، ولكن الشوفي ضحى بنفسه على أن يسلم الدخيل فغير طريقه ليخدع جيش ابراهيم باشا، وأمر الدخيل أن يهرب من صحراء معان الى جرف الدراويش ومن ثم إلى القطرانة متجهاً بعدها إلى البلقاء ليحتمي بعشائرها هناك، حيث تمكن قاسم الأحمد من الفرار لفترة معينة ليعدم لاحقا بعد تسليمه لابراهيم باشا من إحدى العشائر المجاورة للحدود الأردنية الشمالية لقاء مبلغ مالي،  بينما ألقي القبض على الفارس البطل اسماعيل الشوفي في معان وتم أخذه إلى القدس لينال عقوبته هناك.

اعدام البطل اسماعيل الشوفي

عندما قبض على البطل اسماعيل الشوفي بمعان من قبل قوات ابراهيم باشا تم أخذه فورا إلى القدس وهنالك في سوق البتراء أعدت للبطل إسماعيل الشوفي المقصلة العثمانية الشهيرة لقطع رأسه، وقبل أن يعدم بقليل طلب الشوفي طلباً أخيراً من قائد قوات ابراهيم باشا ومنفذ حكم الإعدام ؛ قائلاً لهم ( إذا عزمتم على إعدامي فأعدومني بسيفي لأنني أعرف أن سيفي بتاراً ولا أرضى أن أعدم بسيف الغدر )، وفعلاً أعدم الشيخ إسماعيل الشوفي بسيفه وقطع رأسه وبقي جسده ورأسه معلقين لمدة 3 أيام في سوق البتراء على مدخل مدينة القدس انتقاما منه وحقدا على مقاومته لابراهيم باشا ووقوفه بوجهه دون خوف أو وجل، لتبدأ لا لتنتهي قصة بطل أسطوري أردني عظيم ، استمرت قصصه كأيقونة للبطولة والصمود في وجه المحتل وقانونا للكرم والشهامة الأردنية حماية للدخيل واللاجىء من بطش المحتلين، وبيت شَعر مشرّع للبذل والعطاء.

وهكذا كانت الكرك وما زالت أرضا وأمًّا للقرابين، فلها ومنها قدم  الملك المؤابي الأردني ( ميشع ) ابنه ( بلسام ) قربانًا للكرك، وقدم البطل اسماعيل الشوفي نفسه قربانًا لمحبوبته الكرك والقافلة تمضي بمثل هؤلاء العظام وتستمر، لتبقى سيرة هذا البطل مخلدة في أرواحنا ما حيينا ولتنقش سيرته بماء الذهب وبعنوان عريض لأسلافه وأحفاده الأردنيين ( الشوفي أن وعد ولو على الموت يوفي ).

المصادر:

  • تاريخ جبل نابلس والبلقاء، إحسان النمر، مطبعة ابن زيدون، 1938.
  • مقال الكرك سيدة العصور،الاستاذ نايف النوايسة، 2016 .
  • معلمة التراث الأردني، روكس بن زائد العزيزي، وزارة الثقافة ، 2012.
  • شيخ القلعة، احمد جميل الضمور، ط 1 ، 2010 .
  • ثورة الكرك 1910″الهية” ، د.سعد ابو دية .
  • النار ولا العار، مجلة الدفاع ، 16/5/1936
  • عدد من المقابلات الشخصية من قبل فريق إرث الأردن مع كل من الدكتور حسن مبيضين و الباحث حامد النوايسة و المؤرخ فرّاس المجالي.

الفارس البطل اسماعيل الشوفي

عبد الله العكشه

مناسبة القصيدة:

كان الشاعر عبدالله العكشة يحب الكرك ويتغنى ويتغزل بها دوما، بينما كان يرفض تصرفات الدولة العثمانية وممارساتها ضد وطنه وأهله ويجيش صدور شيوخها للثورة ضد العثمانيين وتحرير الأرض منهم، مما تسبب له بالنفي والسجن عدة مرات حيث نفي في إحدى المرات إلى قوزان في جبال القوقاز عقابا له على تحريضه للأهالي في ثورة الهيّة عام 1910 ونظم قصيدته هذه وهو في منفاه متشوقا إلى الكرك ولأهله وأحبته مشتكيا من الغربة في المنفى والجور والظلم العثماني

يَا نَاسْ ما بَالَ القَلمْ مِستِكنّ          مِنْ عِقب ما هو ع القراطيسْ سنَّان؟(1)

سِرْ يا قَلَمْ إوْ فَرِّج الهَمّ عَنِّي،       إكتبِ اقوافا ً ، فضِّي – فَضِّ – البالْ غَثيانْ (2)

انا امْهَاجرْ ، ضايع العقلْ مني     حالي امخربَطْ بالتدايين بلشان ، (3)

مِنْ عِقبْ مَا انا ابْحالتي مِرْجهنِّ،   أَليوم غَدَتْ يا قيمتي ما لها شان ! (4)

إركابْ مِنْ هِجنَ المِصايبْ لِفَنِّ،     إمحفلات امبرشماتٍ بالاحزانْ (5)

عليهن مِن سُودَ الخَلِقْ ميتين جنّي،  مَعْهُم هدايا شرّ وِاقراقْ خِلاّن  (6)

دَلَّن عليَّ بينهن شَوْشَحنّي            بالسِّيس حَطَّني على حَدِّ قوزان (7)

بِاديارْ ما فيها رفيقا ً يِحِنِّ،           كِلا ً يَعضّ ابهامْ يِمْناه غلاَّن ! (8)

لَنَّا تحاكينا ، غَشِيمينْ فَنِّ ،          كِلاَّ يِشِير الصَاحْبَه ، تِقِلْ خِرسانّ (9)

وَينْ ما مِشينا اعيونَهم شَخَصَنَّ،    وِاحْبُورهم عَلَيّ بِكِل الارْكانْ  (10)

لَنْ شَافْ زَوْلي اتْعَوَّذْ الله مِنِّي      عِدِّي ابليْ امرافقا ً لالف شيطانْ  (11)

بَلاى فِرقى اصويحبي شيَّبنَّي،      كِنّي قرِيصَ الذَّاب مَعْلُولْ وجعان! (12)

لَنَّه ذِكَرني ادْمُوعْ عيني هَمَنِّ،      إوْ لنِّي ذِكرتَه ، شَطّ بالقلبِ نيرانْ! (13)

قلبي على شَوْفَ الاِصاحيب حَنِّ،   يا الله ، لا تِقطَعْ رِجانا امنَ الاوطانْ! (14)

واشُومْ حظَّي اجبالْ طُورِسْ حَوَنِّي،   وَاوَيحْ قلبي من هَديْرٍ الجَوحَانْ (15)

إجْبَالْ وَعْرِهْ تِقِلْ صورا ً اوْ بِنّي،    مَا بَه منافِذْ والثلوجْ حيطان! (16)

يا رَبّ يَا ربَّ المخاليق حِنِ،        كَم شِدِّةٍ فَرَّجتها ، وامرها هان! (17)

شرح الابيات:

(1) . مالي أرى قلمي متخاذلا ً ، بعد أن كان يشبه السيف المسنون على الورق ؟

(2) . انطلق يا قلمي فرّج همومي ، اكتب أشعارا ً تزيل كآبتي . غثيان : مضطرب النفس .

(3) . أنا مُهجَّر فاقد عقلي ، مضطرب الأحوال ، مشغول بما نسب إليّ مما أدانوني به. بالتّدايين بلشان : مشغول فكري بالاتهامات.

(4) . بعد أن كنت معتزا ً بنفسي ، أصبحت مالي قيمة ولا ذكر . مرجهن : معنى الكلمة هنا ، معتز ، ومعناها العام : متوقَّع مؤمل.

(5) . وصلت إليّ ركاب المصائب مُزينة ً بالأحزان ، وجلاجل الكآبة .

(6) . يمتطي تلك الركائب مائتا جني سود معهم هدايا شر ، وفراق الأحبة .

(7) . انزلن على الكلاليب وأخذن يؤرجحنني بينهنفي بلاد السيس – وطرحتني في جبال قفقاس caucase .

         شوشحة : يعني بها الذي يؤرجحونه بالأرجوحة .

         السيس . (ادنه) وقوزان – القفقاس ، وأدنة أو أضنة مدينة في (الأناضول) نفي إليها الشاعر .

(8) . أنا في بلاد ليس فيها صديق شفيق كل ما فيها يعض ابهام يده اليمنى من الحقد .

         غِلاَّن : من الغُلّ : شديد الحقد على وزن فعلان .

(9) . عندما يكلم أحدنا آخر نجهل اللغة وكل منا يشير لصاحبه كأننا خرسان .

        لَنَّا : إذ نحن ، عندما أصلها – لمَّا أن فعلنا – .

(10) . أينما مشينا تشخص عيونهم إليّ كأنهم يرقبون صيدا ً لاقتناصه ، ما أشد جورهم عليّ في كل مكان !

         وين ما مشينا : أينما سرنا ، وقد قلبوا الهمزة واوا ً .

         شخصن : فتحت عيونهم ناظرة إليَّ لا تطرف ، ما أشد جورهم عليّ أينما حللت .

(11) . إذا رأى أحدهم خيالي تعوذ بالله مني كأني إبليس يرافق ألف شيطان!

         زولي : خيالي . ومعنى الكلمة مخالف لذلك ، فالزول لغة : الذكي السريع .

(12) . شر ما يمر في فراقي لأحبائي ، لقد شيبني ذلك ، كأني لديغ أفعى أعاني علة مريض مرضا ً لا يبرأ.

         قريص الذاب : لديغ الحية .

(13) . لّنَّه ذكرني : إذا هو ذكرني ، أو عندما يذكرني دموعي تنسكب ، وإذا ذكرته أنا اشتعلت نيران بقلبي .

         شط بالقلب : اشتغل في القلب .

(14) . قلبي حن إلى رؤية أحبابي ، يا إلهي لا تقطع أملنا من العودة إلى الوطان .

(15) . ما أشأم حظي وقد حوتني جبال طورس ، يا لحزن قلبي من هدير الماء في جيحان ، وهو نهر يجتاز سهول (أضنا) يمر بالقرب من (مرعش) ويصب في البحر المتوسط ، وقد استعار صوت الرعد لخرير الماء لشدة الصوت في سمعه.

        واويح : وأداة نُدّبة ، ويح كلمة ترحّم وتوجّع وهي بهذا المعنى في اللغة .

(16) . جبال وعرة تشبه سورا ً بني ، ليس فيه منافذ ، الثلوج تشبه الجدران .

        تِقل صورا ً أو بِني : بُني ، أصل تِقّل : تقول ، ومعناها تشبه سورا ً ، وقد قلب السين صادرا ً إو بِني : وبني مجهول

(17) . اشفق يا إلهي وإله الخلق ، ما أكثر الشدات التي فرجتها فهانت .

المراجع :

  • المرحوم الشاعر عبدالله العكشة ، معلمة للتراث الاردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، 2012.
  • عرس البويضا، فريد العكشة، وزارة الثقافة،2011.

قصيدة عبدالله العكشة الأولى في منفاه

عبد الله العكشه

 مناسبة القصيدة

  نظم الشاعر عبدالله العكشة هذه القصيدة التي يمدح بها الثورة العربية الكبرى وفرسان العشائر الأردنية تحت قيادة المغفور له الشريف الحسين بن علي وأنجاله من قادة الثورة ( عبدالله وفيصل وزيد ) مفتخراً بهم وبقيادتهم لمعارك الثورة العربية الكبرى وصولا لتكليل طموح الأردنيين الجمعي بالاستقلال عن الاحتلال العثماني، ويسخر في الكثير منها بجموع القوات التركية ووقوفها في وجه قوات الثورة، معبرا عن سعادته بهزيمتهم ورحيلهم عن ديار الأردنيين والدول المجاورة :

نَستحِمدَ الباري ، على كِلَّ الادوارْ،            أَللي حَمانا مِنْ ظلايم هالاشرارْ (1)

بالهاشمي اللِّي كِنَّهْ الذِّيب مِغوار ،             إبنَ الاِجْوادْ إو من افرُوع اطْوال (2)

مِنْ (شان) تِخليص العَربْ مِنْ شِقاها،         إرخْص ابروحهُ دُوْنها وافْتداها (3)

صَاحَ الاِمْصَيِّح لَلعْربْ وانباهَا،                جُوهَ النشِّامَى فَوق قِبَّ الاحْيالِ (4)

مِنْ سِريةَ الاتراك (فيصلْ) حَمَانا،             بَالسَّيفْ كِنْ قَطَّع مَواصِلِ اعدانا (5)

مِصْباح نُورْ عنا شِقانا ،                        لَوْلاَكْ ما ابْقوا للعربْ مْن تِوالي (6)

يا مِشعْلَ الظّلمْة ، إوْ يا سَاطِعَ النُّور،          خَليت ذِكركْ بالتواريخْ مَسطُورْ (7)

إسمك ْ على كرَّ الدَّهارير مذخورْ،             يا سَندَ العِربانْ سِيدَ الموالي (8)

(عَبْدَالله) عَ جَمْعَ الاِمْعادي رَماها ،            أَلسِّريّةْ القَشْرَى ابْيسفُهْ حَداهَا

عِسَكِرَ العْثِمان فَرَّقْ شِظاها ،                   تِعيشْ يا حَامِي الْعَرَبْ والتِّوالي (9)

بَ (زَيْد) زاد الْنا الشَّرفْ وِالمقَام              حِرّا ً نَهار الرَّيبْ يروي الاحْسَام

حَامي عَرَبْها بنهار الكِتام                      مِنْ حَكِمْ قَوْمٍ ما اتْعَرفَ الحرامِ (10)

هَدَّ الشّريفْ إوْ باجْمْوع طِوافيرْ،             عَلَى الْعثمان امْنظمينَ الطِّوابيرْ (11)

إمْنِ (امْعانَها)،(لاَرياقْ) راحتْ سِمَاديرْ       شُوفُونْ بالعثمانْ فِعلَ الرّجال (12)

يا عَسْكَرَ الاتْراكْ، وشْ عَادْ جَاكُم؟            هَذا الشِّريف اوْ باجْمُوعُه نِصاكم (13)

مِثلَ الغنَمْ يمَّ المِجازِرْ حَدَاكمُ،                  والسَّيفْ بارقَابَ العثامين مَالِ (14)

ياما سَوَّيتُم بالعَربْ من هَوايل                  جَاكُم الاشْرافْ فَوقْ السَّلايلْ (15)

بايمانُهمْ مِنْ مِرْهفات الصِّقايلْ،                يَبْغون مِنْكم ثَارْ وافي المِكَال (16)

ياَما سَوَّيتم بالعَربْ من ظَلاَيمْ،                جَاكم الاشْرافْ أهْلَ العَمايم (17)

إعْيالْ من فوق الرّكاب الهمَايمْ                هَيلَ الاِفْعالَ إوْ من قِديمَ الاجيال (18)

يَا عَسْكَرَ العِثمانْ، يا بَاهتَ الْحيَلْ              فِتُّوا (حَلبْ) تِقْلَ البِقَرْ والعَجاجِيلْ! (19)

حِنَّا خَدينا الثارْ وافي المِكاييل                  مَهزُوزْ بالصَّاع العَزيزي اكيال (20)

حِنَّا صِبرنَا الْحِكُمكم، يَوم كانا،                 سَبْعَة اجيال دافِيين اللّسانا (21)

حتى ادعَيْتُمونا انشَابِهِ انسَانا،                   زَوْدا ً على تِعْليقنَا ، بالاِحْبال (22)

إنْتُم حَكَمتوُنا او جْرتُم عَلينا،                   إوْ حِنَّا وَلَينَاكُمْ إوْ عنكُم اغضَينا (23)

هَذي مِشَاحي اجدْودنا الاولينا،               وَالعَفو شَومَات الرجالَ العَوالي (24)

نِسْتَحمِدْ الله ابْزولِةَ التِّركْ عِنَّا،               يَومِ اسْتَقلَّينا ، إوْصِنَّا ظَعَنَّا (25)

دَوْبْنَا سِكَنَّا ادْيَارَنا وِارْجَهَنَّا،                  بِضَفّ مولانا رفيعَ الجلال (26)

لاَ يَا العَربْ تِجمَّعُوا ابِكْلَّ مِبْناهْ،              صِيحوا ابعَالي الصَّوتْ لِلعالي الله

يَحمي لَنا الاشرافْ بالعِزّ والجاه،             (إحْسَينَ) الاوَّل رَيْتْ عِمْرَه اجيال (27)

شرح الابيات:

(1). نحمدالله – على كل الظروف – الذي أنقذنا من مظالم هؤلاء الأشرار .

(2) يالهاشمي – الملك حسين – الذي يشبه الذئب الشجاع ابن الكرام ذوي الأصول الشريفة.

(3). لكي ينقذ العرب من الشقاء بذل حياته رخيصة لافتداء العرب .

(4). أهاب بالعرب فلبى نداءه النشامى * النشامى ، جمع نشمي ، وهو البطل المشهور بالنجدة ، وبأخلاق الفروسية المترفع عن الدنايا الجامع لعناصر النبل ،، فَوق قِبَّ الاحْيالِ : فوق الخيول المضمرة غير اللقاح .

(5). من شر ذمة الترك حمانا (فيصل) بسيفه قطع أوصال أعدائنا.

(6). مصباح من النور ، أزال شقاءنا ، لولاك ما أبقوا للعرب بقايا.

(7). يا مشعلا ً منيرا ً في الظلام أبقيت ذكرك مسطرا ً في التاريخ.

(8). اسمك محفوظ على كر الدهور يا سيد العرب وسيد السادة .

(9). فرق جيوش العثمانيين وجعلها أشتاتاً. عشت يا حامي العرب ومؤخرة الجيش .

(10). حمى العرب في نهار الحرب وأنقذهم من حكم أقوام لا يعرفون حلالا ً من حرام.

       نهار الريب : نهار الحرب . نهار الكتام : نهار الهم والحرب ، ثائر غبارها.

(11). هجم الشريف بجموع غفيرة ، على بني عثمان الذين ينظمون الطوابير.

(12). من معان إلى (رياق) هرب العثمانيون لا يبصرون من الخوف ، انظروا يا بني عثمان ما يفعله الرجال.

(13). يا جند الترك ماذا أفادكم هذا هو الشريف جموعه قد توجهت نحوكم.

(14). وساقكم كالأغنام نحو المجازر وسيفه أطاح برؤوس العثمانيين.

(15). ما أكثر ما أنزلتم بالعرب من أهوال ، جاءكم الأشراف مع الخيل الأصيلة .

(16). بأيديهم السيوف المحددة الصقيلة يريدون أخذ الثأر وافيا ً بالكيل .

(17). ما أكثر ما أوقعتم بالعرب من مظالم ! ها قد جاءكم الأشراف ذوو العمائم .

(18). أكثر ما يعنون بكلمة اعيال : الفتيان الشجعان ، إذا ذكروا الكلمة بصيغة الجمع ، يمتطون أكرم الخيل والهجن والركائب هي الهجن ، أهل الأفعال العظيمة من أقدم العصور .

       همايم : جمع همام ، أي ملوك وهممهم عالية .

(19). يا جيش بني عثمان يا ساقط الهمة تجاوزتم حلب هاربين كمجوعة من الأبقار .

        باهت الخيل ، ساقط الهمة . فتوا : تجاوزتم ودخلتم . عجاجيل : جماعات من البقر ، وقد قلب الأرادنة الهمزة في عجاجيل عيناً.

(20) نحن أخذنا الثأر وافيا ً بالصاع العزيزي وهو 9 كيلات من القمح ؛ كناية عن استيفاء الحق كاملا ً . لأنه بدل الصاع البلقاوي الذي هو 6 كيلات . * كان العرب يقولون العمائم تيجان العرب .

(21). صبرنا على حكمكم الذي دام سبعة أجيال وكنا دافيي اللسان معكم، دافي اللسان كناية عن الذي لا ينطق بكلمة فيها فحش أو سباب .

(22). إلى أن جعلتمونا نشبه الضعفاء في الاستكانة وفوق ذلك تعليقنا بالمشانق . إدْعيتونا : صيرتمونا .

(23). أنتم حكمتمونا جائرين ونحن عندما غلبانكم تسامحنا معكم .

       وَلَيناكم : سيطرنا عليكم ، غلبناكم . أغضينا : تسامحنا .

(24). تلك هي مكارم أجدادنا الأولين والعفو من شيم عظماء الرجال. مشاحي : قِيَم . شومات : شيم.

(25). نحمد الله الذي أزال حكم الترك عنا يوم تم استقلالنا وحافظنا على أوطاننا التي كنى عنها بالظعن .

       صِنَّا ظعنا : حمينا ، من صان يصون – حوزتنا .

(26). الآن سكنا ديارنا واطمأنت نفوسنا بحماية مولانا العظيم . دوبنا : الآن فقط . ارجهنّا : اطمأنت نفوسنا ، بضف : بحماية

(27). أيها العرب اجمعوا كلمتكم واهتفوا بأعلى أصواتكم لله يحمي لنا الأشراف والشريف الحسين بن علي .

المصادر:

  • المرحوم الشاعر عبدالله العكشة ، معلمة للتراث الاردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، 2012.
  • عرس البويضا، فريد العكشة، وزارة الثقافة،2011.

قصيدة عبدالله العكشة بالثورة العربية الكبرى وقادتها

Scroll to top