مقدمة

نشأ من طينة أرض القرابين ، قرابين الفداء و التضحية على أنغام  ربابة عزفت لحن الرجوع الأخير على أسوار قلعة الكرك، فارس ملثّم بهدب البطولة و الرجولة و الفخار، ووريث لبطولات الحارث و ميشع ، إنه الشيخ إسماعيل المجالي الملقب بالشوفي.

نشأة الفارس اسماعيل الشوفي

هو الشيخ إسماعيل بن يوسف بن سليمان المجالي، ولد في القرن الثامن عشر تربى على الفروسية في ميادين القتال وعلى الشهامة والكرم على يد والده الشيخ يوسف المجالي الذي كان يلقب بأمير البادية. كان شجاعاً صلدا بوجه من يتعرض لأرضه وعرضه،  فنشأ على أن يكون الطليعة بين الفرسان وعلى مقدمتهم فأطلق عليه لقب (الشوفي) والتي تعني من يترأس الفرسان، كما أنه  يصدق القول ويصون العهد ولا يتراجع عن الحق ولذلك رافقته المقولة الشفوية الشعبية ( الشوفي إن وعد يوفي).

المجالي ونخوة ( خوات خضرة )

حمل أحفاد الشيخ إسماعيل الشوفي لقب الحمية والشرف (خوات خضرة ) منذ عهد طويل، وكان سبب تسميتهم بهذه النخوة ما قام به البطل إسماعيل الشوفي عندما انتخت به النشمية خضرة المدادحة ذات يوم، وتمحورت قصة هذه النخوة عندما كان جنود ونساء الحامية العثمانية يعملون على تسخير الكركيات لجلب المياه لهّن إلى القلعة التي حوّلت من حصنٍ وطني عظيم إلى حرملك للجواري والخبائث، ومن كان يعرف المسافة الفاصلة بين عين سارة والقلعة يدرك حجم المعاناة التي كنّ يعانيها نساء الكرك من أجل ايصال الماء للقلعة،  وفي عام 1828 حدثت الواقعة عندما اعترضت النشمية الكركية السيدة خضرة المدادحة  طريق الشيخ إسماعيل الشوفي في منطقة سيل الكرك ” عين سارة ” وكن آنذاك – نساء الكرك – يتجمعن لملئ قراب الماء ومن ثم يقمن بنقلها إلى قلعة الكرك؛ وأثناء مرور الشيخ إسماعيل المجالي (الشوفي) صرخت النشمية خضرة المدادحة بصوت عالي لتصل كلماتها لمسامع الفارس إسماعيل الشوفي حيث قالت ( ما تشوف المي تسيل من على ظهورنا يا اسماعيل) – وتقصد بذلك الظلم والإجبار الواقع على بنات الكرك- وكانت أن فتحت خضرة الباب الموصد على مصراعيه في صدر البطل، فصاح الفارس الشيخ إسماعيل المجالي بأعلى صوته قائلاً ( أبشري وأنا أخوكي يا خضرة ).

admin-ajax
النشمية خضرة المدادحة تنتخي بالفارس البطل اسماعيل الشوفي

حيث عاد أدراجه الى الكرك وقام بجمع فرسن العشائر الأردنية في الكرك وترأس هذه الطليعة وهجم على حامية الخليل التابعة للجيش العثماني وقضى عليها عن بكرة أبيها، وفور وصول الخبر للإدارة العثمانية قام الحاكم المحلي العثماني بطلب الصلح من عشائر الكرك حتى لا يتحول ما حدث إلى ثورة شعبية عارمة تمتد على مساحة الأرض الأردنية وبين عشائرها وكان شرط البطل إسماعيل الشوفي للموافقة على الصلح هو توقف نساء الكرك نهائيا عن نقل المياه لجنود ونساء الحاشية التركية في القلعة، وتحولت فزعة الفارس البطل اسماعيل الشوفي للنشمية خضرة المدادحة لتصبح نخوة عشيرة المجالية حتى يومنا هذا ومصدر فخرهم واعتزازهم الدائم بفروسية جدهم البطل.

الشوفي والدخيل:

عام 1832م قامت ثورة في فلسطين بقيادة قاسم الأحمد بجبل نابلس ضد تسلط وظلم ابراهيم باشا ابن محمد علي باشا الوالي العثماني في مصر الذي انقلب على الباب العالي في الاستانة وانشق عنه، حيث استطاع ابراهيم باشا قمع هذه الثورة بأقصى درجات الهمجية، الأمر الذي أدى إلى هروب قائدها قاسم الأحمد إلى الخليل ومع إصرار قائد الحامية العثماني ابراهيم باشا على القبض عليه هرب من الخليل متجهاً إلى الكرك حيث اتجه إلى أحد البيوت فلم يجد بها أحداً سوى امراة تدعى (عليا الضمور) وهي زوجة الشيخ ابراهيم الضمور ولكن قاسم الأحمد عندما لم يرَ رجلاً بالبيت أدار ظهره احتراما لحرمة البيت وأهله وبحثا عن بيت آخر يجد فيه رجلا يستقبله ويحتمي عنده، وما كان الرد من الشيخة النشمية عليا الضمور عند التفافه عن البيت سوى قولها له: ( يا راعي خير،  حنا خوات ارجال، يا هلا بيك من ممشاك لملفاك، يمّك المجلس وانتظر الشيخ لمنه يعاود).

hqdefault
حملة ابراهيم باشا على المنطقة

وعندما عاد الشيخ ابراهيم الضمور ورحب بالضيف، طلب قاسم الأحمد الدخالة من الشيخ ابراهيم الضمور حيث رد عليه بالقول : ( أبشر تراك وصلت وبعون الله ما يصيبك ضيم) وعندما وصل خبر لجوء قاسم الأحمد إلى الكرك لـ ابراهيم باشا بعث بطلبه إلى الشيخ ابراهيم الضمور بضرورة تسليم الدخيل فورا ولكن ابراهيم الضمور رفض وعندما اتخذ ابراهيم باشا قراره بالهجوم على الكرك ومعاقبة عشائرها على حمايتهم للدخيل قاسم الأحمد، عقد الشيخ ابراهيم الضمور اجتماعا كبيرا ضمّ شيوخ الكرك وعقداء الخيل فيها وعلى رأسهم الفارس الشيخ اسماعيل الشوفي، وأطلع الشيخ ابراهيم الضمور الفارس اسماعيل الشوفي وشيوخ الكرك على التفاصيل فرد الشوفي قائلاً (ما نسلم الدخيل إلا على الموت و الرقاب )، وأمر الشوفي بتجهيز الفرسان من أجل التصدي لحملة ابراهيم باشا وحدثت المواجهة بينهم الأمر الذي أدى إلى اختطاف أبناء الشيخ ابراهيم الضمور (السيد و علي ) أثناء خروجهم في جولة تفقدية لايصال الطعام للرعيان حول مراعي الكرك ، فبعث ابراهيم باشا رسالة إلى الشيخ ابراهيم الضمور قائلا فيها ( سلمنا الدخيل وإلا أحرقنا ولديك)، في هذه الأثناء كان القرار الصعب على الشيخ ابراهيم الضمور الذي بعث من فوره إلى ابراهيم باشا كتابا كان نصه : ( إلى قائد الجيش المحتل إن لم يكن لديكم حطب ونار فسأبعث لكم ما تريدون من حطب وقطران، اقتلوا واحرقوا كما شئتم، ولن تدخلو الكرك ونحن أحياء) ، اشتعل الحقد في قلب ابراهيم بن محمد علي باشا فأوقد نارا بعد أن جمع كتلة حطب كبيرة وشد إليها علي و سيِّـد أبناء الشيخ ابراهيم الضمور الغساسنة على مرأى من الوالدين المفجوعين بفلذتي الكبد وأهالي الكرك، ولكن ما كان من الشوفي إلاّ أن شرب فنجان الثأر لأبناء الضمور بعد أن حرقوا أمامهم لرفضهم تسليم الدخيل، ولم ترضخ عشائر الكرك لوحشية السلطة جيش ابراهيم باشا واستمر النضال الاردني لينتقموا بعدها من جيش ابراهيم بن محمد علي باشا في موقعة البطل جلحد العرود الحباشنة التي جرت بتنسيق وتحضير مسبق بين شيوخ الكرك وفرسانها وعلى رأسهم الفارس البطل اسماعيل الشوفي .

للاطلاع على قصة جلحد العرود الحباشنة او ما يعرف بـ(دلة جلحد) انقر هنا.

إبراهيم باشا

وما كان من اسماعيل الشوفي حينها في ظل الاقتحام المنتظر من جيش ابراهيم باشا لمدينة الكرك إلا أن يقوم بحماية الدخيل ومحاولة تهريبه خارج الكرك حتى لا يحصل له أي مكروه .

وقد واصل جيش ابراهيم باشا مطاردة الشوفي ومن معه فور وصول خبر تهريبه للدخيل قاسم الأحمد، ولكن الشوفي ضحى بنفسه على أن يسلم الدخيل فغير طريقه ليخدع جيش ابراهيم باشا، وأمر الدخيل أن يهرب من صحراء معان الى جرف الدراويش ومن ثم إلى القطرانة متجهاً بعدها إلى البلقاء ليحتمي بعشائرها هناك، حيث تمكن قاسم الأحمد من الفرار لفترة معينة ليعدم لاحقا بعد تسليمه لابراهيم باشا من إحدى العشائر المجاورة للحدود الأردنية الشمالية لقاء مبلغ مالي،  بينما ألقي القبض على الفارس البطل اسماعيل الشوفي في معان وتم أخذه إلى القدس لينال عقوبته هناك.

اعدام البطل اسماعيل الشوفي

عندما قبض على البطل اسماعيل الشوفي بمعان من قبل قوات ابراهيم باشا تم أخذه فورا إلى القدس وهنالك في سوق البتراء أعدت للبطل إسماعيل الشوفي المقصلة العثمانية الشهيرة لقطع رأسه، وقبل أن يعدم بقليل طلب الشوفي طلباً أخيراً من قائد قوات ابراهيم باشا ومنفذ حكم الإعدام ؛ قائلاً لهم ( إذا عزمتم على إعدامي فأعدومني بسيفي لأنني أعرف أن سيفي بتاراً ولا أرضى أن أعدم بسيف الغدر )، وفعلاً أعدم الشيخ إسماعيل الشوفي بسيفه وقطع رأسه وبقي جسده ورأسه معلقين لمدة 3 أيام في سوق البتراء على مدخل مدينة القدس انتقاما منه وحقدا على مقاومته لابراهيم باشا ووقوفه بوجهه دون خوف أو وجل، لتبدأ لا لتنتهي قصة بطل أسطوري أردني عظيم ، استمرت قصصه كأيقونة للبطولة والصمود في وجه المحتل وقانونا للكرم والشهامة الأردنية حماية للدخيل واللاجىء من بطش المحتلين، وبيت شَعر مشرّع للبذل والعطاء.

وهكذا كانت الكرك وما زالت أرضا وأمًّا للقرابين، فلها ومنها قدم  الملك المؤابي الأردني ( ميشع ) ابنه ( بلسام ) قربانًا للكرك، وقدم البطل اسماعيل الشوفي نفسه قربانًا لمحبوبته الكرك والقافلة تمضي بمثل هؤلاء العظام وتستمر، لتبقى سيرة هذا البطل مخلدة في أرواحنا ما حيينا ولتنقش سيرته بماء الذهب وبعنوان عريض لأسلافه وأحفاده الأردنيين ( الشوفي أن وعد ولو على الموت يوفي ).

المصادر:

  • تاريخ جبل نابلس والبلقاء، إحسان النمر، مطبعة ابن زيدون، 1938.
  • مقال الكرك سيدة العصور،الاستاذ نايف النوايسة، 2016 .
  • معلمة التراث الأردني، روكس بن زائد العزيزي، وزارة الثقافة ، 2012.
  • شيخ القلعة، احمد جميل الضمور، ط 1 ، 2010 .
  • ثورة الكرك 1910″الهية” ، د.سعد ابو دية .
  • النار ولا العار، مجلة الدفاع ، 16/5/1936
  • عدد من المقابلات الشخصية من قبل فريق إرث الأردن مع كل من الدكتور حسن مبيضين و الباحث حامد النوايسة و المؤرخ فرّاس المجالي.

الفارس البطل اسماعيل الشوفي

عبد الله العكشه

مناسبة القصيدة:

كان الشاعر عبدالله العكشة يحب الكرك ويتغنى ويتغزل بها دوما، بينما كان يرفض تصرفات الدولة العثمانية وممارساتها ضد وطنه وأهله ويجيش صدور شيوخها للثورة ضد العثمانيين وتحرير الأرض منهم، مما تسبب له بالنفي والسجن عدة مرات حيث نفي في إحدى المرات إلى قوزان في جبال القوقاز عقابا له على تحريضه للأهالي في ثورة الهيّة عام 1910 ونظم قصيدته هذه وهو في منفاه متشوقا إلى الكرك ولأهله وأحبته مشتكيا من الغربة في المنفى والجور والظلم العثماني

يَا نَاسْ ما بَالَ القَلمْ مِستِكنّ          مِنْ عِقب ما هو ع القراطيسْ سنَّان؟(1)

سِرْ يا قَلَمْ إوْ فَرِّج الهَمّ عَنِّي،       إكتبِ اقوافا ً ، فضِّي – فَضِّ – البالْ غَثيانْ (2)

انا امْهَاجرْ ، ضايع العقلْ مني     حالي امخربَطْ بالتدايين بلشان ، (3)

مِنْ عِقبْ مَا انا ابْحالتي مِرْجهنِّ،   أَليوم غَدَتْ يا قيمتي ما لها شان ! (4)

إركابْ مِنْ هِجنَ المِصايبْ لِفَنِّ،     إمحفلات امبرشماتٍ بالاحزانْ (5)

عليهن مِن سُودَ الخَلِقْ ميتين جنّي،  مَعْهُم هدايا شرّ وِاقراقْ خِلاّن  (6)

دَلَّن عليَّ بينهن شَوْشَحنّي            بالسِّيس حَطَّني على حَدِّ قوزان (7)

بِاديارْ ما فيها رفيقا ً يِحِنِّ،           كِلا ً يَعضّ ابهامْ يِمْناه غلاَّن ! (8)

لَنَّا تحاكينا ، غَشِيمينْ فَنِّ ،          كِلاَّ يِشِير الصَاحْبَه ، تِقِلْ خِرسانّ (9)

وَينْ ما مِشينا اعيونَهم شَخَصَنَّ،    وِاحْبُورهم عَلَيّ بِكِل الارْكانْ  (10)

لَنْ شَافْ زَوْلي اتْعَوَّذْ الله مِنِّي      عِدِّي ابليْ امرافقا ً لالف شيطانْ  (11)

بَلاى فِرقى اصويحبي شيَّبنَّي،      كِنّي قرِيصَ الذَّاب مَعْلُولْ وجعان! (12)

لَنَّه ذِكَرني ادْمُوعْ عيني هَمَنِّ،      إوْ لنِّي ذِكرتَه ، شَطّ بالقلبِ نيرانْ! (13)

قلبي على شَوْفَ الاِصاحيب حَنِّ،   يا الله ، لا تِقطَعْ رِجانا امنَ الاوطانْ! (14)

واشُومْ حظَّي اجبالْ طُورِسْ حَوَنِّي،   وَاوَيحْ قلبي من هَديْرٍ الجَوحَانْ (15)

إجْبَالْ وَعْرِهْ تِقِلْ صورا ً اوْ بِنّي،    مَا بَه منافِذْ والثلوجْ حيطان! (16)

يا رَبّ يَا ربَّ المخاليق حِنِ،        كَم شِدِّةٍ فَرَّجتها ، وامرها هان! (17)

شرح الابيات:

(1) . مالي أرى قلمي متخاذلا ً ، بعد أن كان يشبه السيف المسنون على الورق ؟

(2) . انطلق يا قلمي فرّج همومي ، اكتب أشعارا ً تزيل كآبتي . غثيان : مضطرب النفس .

(3) . أنا مُهجَّر فاقد عقلي ، مضطرب الأحوال ، مشغول بما نسب إليّ مما أدانوني به. بالتّدايين بلشان : مشغول فكري بالاتهامات.

(4) . بعد أن كنت معتزا ً بنفسي ، أصبحت مالي قيمة ولا ذكر . مرجهن : معنى الكلمة هنا ، معتز ، ومعناها العام : متوقَّع مؤمل.

(5) . وصلت إليّ ركاب المصائب مُزينة ً بالأحزان ، وجلاجل الكآبة .

(6) . يمتطي تلك الركائب مائتا جني سود معهم هدايا شر ، وفراق الأحبة .

(7) . انزلن على الكلاليب وأخذن يؤرجحنني بينهنفي بلاد السيس – وطرحتني في جبال قفقاس caucase .

         شوشحة : يعني بها الذي يؤرجحونه بالأرجوحة .

         السيس . (ادنه) وقوزان – القفقاس ، وأدنة أو أضنة مدينة في (الأناضول) نفي إليها الشاعر .

(8) . أنا في بلاد ليس فيها صديق شفيق كل ما فيها يعض ابهام يده اليمنى من الحقد .

         غِلاَّن : من الغُلّ : شديد الحقد على وزن فعلان .

(9) . عندما يكلم أحدنا آخر نجهل اللغة وكل منا يشير لصاحبه كأننا خرسان .

        لَنَّا : إذ نحن ، عندما أصلها – لمَّا أن فعلنا – .

(10) . أينما مشينا تشخص عيونهم إليّ كأنهم يرقبون صيدا ً لاقتناصه ، ما أشد جورهم عليّ في كل مكان !

         وين ما مشينا : أينما سرنا ، وقد قلبوا الهمزة واوا ً .

         شخصن : فتحت عيونهم ناظرة إليَّ لا تطرف ، ما أشد جورهم عليّ أينما حللت .

(11) . إذا رأى أحدهم خيالي تعوذ بالله مني كأني إبليس يرافق ألف شيطان!

         زولي : خيالي . ومعنى الكلمة مخالف لذلك ، فالزول لغة : الذكي السريع .

(12) . شر ما يمر في فراقي لأحبائي ، لقد شيبني ذلك ، كأني لديغ أفعى أعاني علة مريض مرضا ً لا يبرأ.

         قريص الذاب : لديغ الحية .

(13) . لّنَّه ذكرني : إذا هو ذكرني ، أو عندما يذكرني دموعي تنسكب ، وإذا ذكرته أنا اشتعلت نيران بقلبي .

         شط بالقلب : اشتغل في القلب .

(14) . قلبي حن إلى رؤية أحبابي ، يا إلهي لا تقطع أملنا من العودة إلى الوطان .

(15) . ما أشأم حظي وقد حوتني جبال طورس ، يا لحزن قلبي من هدير الماء في جيحان ، وهو نهر يجتاز سهول (أضنا) يمر بالقرب من (مرعش) ويصب في البحر المتوسط ، وقد استعار صوت الرعد لخرير الماء لشدة الصوت في سمعه.

        واويح : وأداة نُدّبة ، ويح كلمة ترحّم وتوجّع وهي بهذا المعنى في اللغة .

(16) . جبال وعرة تشبه سورا ً بني ، ليس فيه منافذ ، الثلوج تشبه الجدران .

        تِقل صورا ً أو بِني : بُني ، أصل تِقّل : تقول ، ومعناها تشبه سورا ً ، وقد قلب السين صادرا ً إو بِني : وبني مجهول

(17) . اشفق يا إلهي وإله الخلق ، ما أكثر الشدات التي فرجتها فهانت .

المراجع :

  • المرحوم الشاعر عبدالله العكشة ، معلمة للتراث الاردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، 2012.
  • عرس البويضا، فريد العكشة، وزارة الثقافة،2011.

قصيدة عبدالله العكشة الأولى في منفاه

عبد الله العكشه

 مناسبة القصيدة

  نظم الشاعر عبدالله العكشة هذه القصيدة التي يمدح بها الثورة العربية الكبرى وفرسان العشائر الأردنية تحت قيادة المغفور له الشريف الحسين بن علي وأنجاله من قادة الثورة ( عبدالله وفيصل وزيد ) مفتخراً بهم وبقيادتهم لمعارك الثورة العربية الكبرى وصولا لتكليل طموح الأردنيين الجمعي بالاستقلال عن الاحتلال العثماني، ويسخر في الكثير منها بجموع القوات التركية ووقوفها في وجه قوات الثورة، معبرا عن سعادته بهزيمتهم ورحيلهم عن ديار الأردنيين والدول المجاورة :

نَستحِمدَ الباري ، على كِلَّ الادوارْ،            أَللي حَمانا مِنْ ظلايم هالاشرارْ (1)

بالهاشمي اللِّي كِنَّهْ الذِّيب مِغوار ،             إبنَ الاِجْوادْ إو من افرُوع اطْوال (2)

مِنْ (شان) تِخليص العَربْ مِنْ شِقاها،         إرخْص ابروحهُ دُوْنها وافْتداها (3)

صَاحَ الاِمْصَيِّح لَلعْربْ وانباهَا،                جُوهَ النشِّامَى فَوق قِبَّ الاحْيالِ (4)

مِنْ سِريةَ الاتراك (فيصلْ) حَمَانا،             بَالسَّيفْ كِنْ قَطَّع مَواصِلِ اعدانا (5)

مِصْباح نُورْ عنا شِقانا ،                        لَوْلاَكْ ما ابْقوا للعربْ مْن تِوالي (6)

يا مِشعْلَ الظّلمْة ، إوْ يا سَاطِعَ النُّور،          خَليت ذِكركْ بالتواريخْ مَسطُورْ (7)

إسمك ْ على كرَّ الدَّهارير مذخورْ،             يا سَندَ العِربانْ سِيدَ الموالي (8)

(عَبْدَالله) عَ جَمْعَ الاِمْعادي رَماها ،            أَلسِّريّةْ القَشْرَى ابْيسفُهْ حَداهَا

عِسَكِرَ العْثِمان فَرَّقْ شِظاها ،                   تِعيشْ يا حَامِي الْعَرَبْ والتِّوالي (9)

بَ (زَيْد) زاد الْنا الشَّرفْ وِالمقَام              حِرّا ً نَهار الرَّيبْ يروي الاحْسَام

حَامي عَرَبْها بنهار الكِتام                      مِنْ حَكِمْ قَوْمٍ ما اتْعَرفَ الحرامِ (10)

هَدَّ الشّريفْ إوْ باجْمْوع طِوافيرْ،             عَلَى الْعثمان امْنظمينَ الطِّوابيرْ (11)

إمْنِ (امْعانَها)،(لاَرياقْ) راحتْ سِمَاديرْ       شُوفُونْ بالعثمانْ فِعلَ الرّجال (12)

يا عَسْكَرَ الاتْراكْ، وشْ عَادْ جَاكُم؟            هَذا الشِّريف اوْ باجْمُوعُه نِصاكم (13)

مِثلَ الغنَمْ يمَّ المِجازِرْ حَدَاكمُ،                  والسَّيفْ بارقَابَ العثامين مَالِ (14)

ياما سَوَّيتُم بالعَربْ من هَوايل                  جَاكُم الاشْرافْ فَوقْ السَّلايلْ (15)

بايمانُهمْ مِنْ مِرْهفات الصِّقايلْ،                يَبْغون مِنْكم ثَارْ وافي المِكَال (16)

ياَما سَوَّيتم بالعَربْ من ظَلاَيمْ،                جَاكم الاشْرافْ أهْلَ العَمايم (17)

إعْيالْ من فوق الرّكاب الهمَايمْ                هَيلَ الاِفْعالَ إوْ من قِديمَ الاجيال (18)

يَا عَسْكَرَ العِثمانْ، يا بَاهتَ الْحيَلْ              فِتُّوا (حَلبْ) تِقْلَ البِقَرْ والعَجاجِيلْ! (19)

حِنَّا خَدينا الثارْ وافي المِكاييل                  مَهزُوزْ بالصَّاع العَزيزي اكيال (20)

حِنَّا صِبرنَا الْحِكُمكم، يَوم كانا،                 سَبْعَة اجيال دافِيين اللّسانا (21)

حتى ادعَيْتُمونا انشَابِهِ انسَانا،                   زَوْدا ً على تِعْليقنَا ، بالاِحْبال (22)

إنْتُم حَكَمتوُنا او جْرتُم عَلينا،                   إوْ حِنَّا وَلَينَاكُمْ إوْ عنكُم اغضَينا (23)

هَذي مِشَاحي اجدْودنا الاولينا،               وَالعَفو شَومَات الرجالَ العَوالي (24)

نِسْتَحمِدْ الله ابْزولِةَ التِّركْ عِنَّا،               يَومِ اسْتَقلَّينا ، إوْصِنَّا ظَعَنَّا (25)

دَوْبْنَا سِكَنَّا ادْيَارَنا وِارْجَهَنَّا،                  بِضَفّ مولانا رفيعَ الجلال (26)

لاَ يَا العَربْ تِجمَّعُوا ابِكْلَّ مِبْناهْ،              صِيحوا ابعَالي الصَّوتْ لِلعالي الله

يَحمي لَنا الاشرافْ بالعِزّ والجاه،             (إحْسَينَ) الاوَّل رَيْتْ عِمْرَه اجيال (27)

شرح الابيات:

(1). نحمدالله – على كل الظروف – الذي أنقذنا من مظالم هؤلاء الأشرار .

(2) يالهاشمي – الملك حسين – الذي يشبه الذئب الشجاع ابن الكرام ذوي الأصول الشريفة.

(3). لكي ينقذ العرب من الشقاء بذل حياته رخيصة لافتداء العرب .

(4). أهاب بالعرب فلبى نداءه النشامى * النشامى ، جمع نشمي ، وهو البطل المشهور بالنجدة ، وبأخلاق الفروسية المترفع عن الدنايا الجامع لعناصر النبل ،، فَوق قِبَّ الاحْيالِ : فوق الخيول المضمرة غير اللقاح .

(5). من شر ذمة الترك حمانا (فيصل) بسيفه قطع أوصال أعدائنا.

(6). مصباح من النور ، أزال شقاءنا ، لولاك ما أبقوا للعرب بقايا.

(7). يا مشعلا ً منيرا ً في الظلام أبقيت ذكرك مسطرا ً في التاريخ.

(8). اسمك محفوظ على كر الدهور يا سيد العرب وسيد السادة .

(9). فرق جيوش العثمانيين وجعلها أشتاتاً. عشت يا حامي العرب ومؤخرة الجيش .

(10). حمى العرب في نهار الحرب وأنقذهم من حكم أقوام لا يعرفون حلالا ً من حرام.

       نهار الريب : نهار الحرب . نهار الكتام : نهار الهم والحرب ، ثائر غبارها.

(11). هجم الشريف بجموع غفيرة ، على بني عثمان الذين ينظمون الطوابير.

(12). من معان إلى (رياق) هرب العثمانيون لا يبصرون من الخوف ، انظروا يا بني عثمان ما يفعله الرجال.

(13). يا جند الترك ماذا أفادكم هذا هو الشريف جموعه قد توجهت نحوكم.

(14). وساقكم كالأغنام نحو المجازر وسيفه أطاح برؤوس العثمانيين.

(15). ما أكثر ما أنزلتم بالعرب من أهوال ، جاءكم الأشراف مع الخيل الأصيلة .

(16). بأيديهم السيوف المحددة الصقيلة يريدون أخذ الثأر وافيا ً بالكيل .

(17). ما أكثر ما أوقعتم بالعرب من مظالم ! ها قد جاءكم الأشراف ذوو العمائم .

(18). أكثر ما يعنون بكلمة اعيال : الفتيان الشجعان ، إذا ذكروا الكلمة بصيغة الجمع ، يمتطون أكرم الخيل والهجن والركائب هي الهجن ، أهل الأفعال العظيمة من أقدم العصور .

       همايم : جمع همام ، أي ملوك وهممهم عالية .

(19). يا جيش بني عثمان يا ساقط الهمة تجاوزتم حلب هاربين كمجوعة من الأبقار .

        باهت الخيل ، ساقط الهمة . فتوا : تجاوزتم ودخلتم . عجاجيل : جماعات من البقر ، وقد قلب الأرادنة الهمزة في عجاجيل عيناً.

(20) نحن أخذنا الثأر وافيا ً بالصاع العزيزي وهو 9 كيلات من القمح ؛ كناية عن استيفاء الحق كاملا ً . لأنه بدل الصاع البلقاوي الذي هو 6 كيلات . * كان العرب يقولون العمائم تيجان العرب .

(21). صبرنا على حكمكم الذي دام سبعة أجيال وكنا دافيي اللسان معكم، دافي اللسان كناية عن الذي لا ينطق بكلمة فيها فحش أو سباب .

(22). إلى أن جعلتمونا نشبه الضعفاء في الاستكانة وفوق ذلك تعليقنا بالمشانق . إدْعيتونا : صيرتمونا .

(23). أنتم حكمتمونا جائرين ونحن عندما غلبانكم تسامحنا معكم .

       وَلَيناكم : سيطرنا عليكم ، غلبناكم . أغضينا : تسامحنا .

(24). تلك هي مكارم أجدادنا الأولين والعفو من شيم عظماء الرجال. مشاحي : قِيَم . شومات : شيم.

(25). نحمد الله الذي أزال حكم الترك عنا يوم تم استقلالنا وحافظنا على أوطاننا التي كنى عنها بالظعن .

       صِنَّا ظعنا : حمينا ، من صان يصون – حوزتنا .

(26). الآن سكنا ديارنا واطمأنت نفوسنا بحماية مولانا العظيم . دوبنا : الآن فقط . ارجهنّا : اطمأنت نفوسنا ، بضف : بحماية

(27). أيها العرب اجمعوا كلمتكم واهتفوا بأعلى أصواتكم لله يحمي لنا الأشراف والشريف الحسين بن علي .

المصادر:

  • المرحوم الشاعر عبدالله العكشة ، معلمة للتراث الاردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، 2012.
  • عرس البويضا، فريد العكشة، وزارة الثقافة،2011.

قصيدة عبدالله العكشة بالثورة العربية الكبرى وقادتها

عبد الله العكشه

لم يعد الشاعر عبدالله العكشة الى أرض وطنه إلا بعد هزيمة الدولة العثمانية وانتصار قوات الثورة العربية الكبرى وفرسان العشائر الأردنية على المحتل العثماني وتحريرهم لكامل الأرض الأردنية، حيث نظم قصيدة يذكر بها قساوة ما عاناه الأردنيون من قوات الاحتلال العثماني وتسلطها وظلمها لأهل وطنه طيلة قرون من حكمها الغاشم، وينتقل للحديث عن أهوال الحرب العالمية الأولى وسعير اشتعالها والتحضير لها :

ألبارحة عين اعْنَ النَّوم لاَجَتْ             إوْ حالي مِنْ كِثَر الاهموم هاجت (1)

تِقلْ مَوجَاتَ البحَرْ يَوم هَاجتْ             إوْ قلبي في بَحَر الهواجيس جالِ (2)

قلبي تِفكّرْ بَالبَلا وَالمِصِيبه ،               واحْوالْ دْهَركْ صَايره مِستريْبه (3)

زالَ السَّعَدْ، وَالويلْ جَانا لهِيبَه،            تِزَلزَت إرْكان حَالَ الاحوال (4)

أللهْ مِنْ حِرْب غَشَانا سَنَاهُا،                شَطَّت على الدِّنيا تِزايد بلاها، (5)

عَمَّتْ خَلايق نايْمهِ في اخْباها              سِبْحان مِن هُوه على الكِلّ والي (6)

حربا ً سَناها طَالْ روُس المشاريفْ،      نار ادعَقتْ بِالهيشْ اوْ باقي التلافيف (7)

مَالَهْ مِثْل اوْ لاَ سِبَقْ لَه تِواصيفْ،         عَفَّت اشروشْ امْغَطِيْه بالدّمالِ (8)

الموتْ لاَوجوه المداغيش قَصَّاب،         إعْيالْ مِنْ شَرَّه غدوا اليوم شيَّابْ (9)

وِاطفَالْ ضَاعَتْ بِوَعَرهْا والاهضْاب،     وارَواحْ رِخْصَت بَعَدْ ما هي غوالي (10)

حرباَ مَهُولِة إو ما سِبَقْ لهَ بالامثال،       كِثرةِ عَسَاكِرْ لَلْقِبيلين تَنهالْ (11)

إمْكَمَّلِهْ باسْلاحْ عَ الكيف يا ارجالْ         آلات اجهنَّم زايدة بالشَّعالِ (12)

مَوازنا ً تكْسِرْ مِتينَ الاعظامِ                مَدَافعا ً تِفني خَلايقْ وَانامِ (13)

فعلَ القنابل زايدا ً بالاكرامِ،                أَللِّي ادهَجَنُّه ما بقي ليَهْ تالي (14)

بَالوَصِفْ غَوَّصاتْ مِنْ تحتِ الابحارْ،     وِالاَّ اقلاعا ً بالهوا فوق طيَّاره (15)

وِالاَّ حَناتيرٍ على القَاعْ سَيَّارْ ،              وِالاّ مراكِبْ عَ الابحور الزَّلالِ (16)

ثلاثِ اسنْينٍ وَالعربْ بَالبلاَوي،             ذاقوا مِظالْمِ مَعْ عَذاب او مِساوي (17)

كانَ السَّببْ (جمال) باشا خلاوي*          النَذَلْ نَذَل أوْ لو يسمَّي جمالِ (18)

يَا ظِلُمْ تِركيَّا ، غذا اليوم مَشهور،          يم العرب سَاقَت ثَلَثمْيِةِ طابورْ (19)

(جمال) باشا كِنَّه الوحش مَسْعورْ           جزارْ ما يَرحمْ رِضيعَ الطَّفالِ (20)

بَسّ هَقِوتهُ يشفي غَليِلُه ابْعربها              مِشانقا ً ، وفي كلّ مَوضعْ نِصَبهْا (21)

إفْحولَهم يَمَّ المجازرْ جَلَبهْا                   هذا امَلْولَحْ ذاكْ بالنَعش شالِ (22)

مِنْهُمْ في عَتْمَ السراديبْ مكتوبْ،             إوْ منهم مِنْ شَرَّ العذايات مخطوف (23)

مِنهمْ على المقابل فَاتْ مَزنوفْ،              مِنهمْ فرارا ً بالافِجوج الخوالي (24)

سَرْقن حَريمٍ ما عليهن جَنيِّهْ،              واطْفَالْ رِضَّعْ ما ايَعرفوا الخطيَّه (25)

إوْ حَريمْ مبكّي يا دموع سخّية             على افَراق اعيْالهنْ وَالرِّجال (26)

راحوا العَربْ شِتاتْ بكلِّ الاوطانْ،        في (أنْقَرةَ) و (قونية) إوْ نِيْة قوزان (27)

مِثلْ عَبيدَ الرِّقّ، من قَبلْ ذِلْوانْ            عَبيد يِنْجلبُونْ وَالسِّعرْ غَالي (28)

هَيْلَ الامْوالْ رَاحُون كِتهم مَماليكْ،        عِقْبَ الغَنَى اليومْ لَونَ الصَّعالِيكْ (29)

مَصْرُوفهم يَومِي عِدَّة مِتَاليكْ،             إمْنَ الوَرَقْ أَللِّي عَليَه الاِهْلاَلِ (30)

يَا ربَّ يَا اللِّي عَ المخاليقْ وَايقْ          يَا امْفرِّج الضِّيقَات يَومَ المضَايقْ (31)

يا عَارفا ً سِرَّ الخفا بَالدِّقايقْ،             إلْطِفْ بِنا مِنْ مَيْلية الحالْ مالِ (32)

إرْحم اطفْالا ً ما عليها شِفيِق             إوْ حَريمْ تِبكي اصِياحَهِن والزّعيق (33)

غَدَنْ شِتاتٍ بَيْن وَعْر او طَريق         غِفرات عاشَنْ بالِحْلَى والدَّلالِ (34)

شرح الابيات

(1). البارحة حادت عيني عن النوم ، واضطربت أحوالي من كثرة الهموم .

      لاجَت : هجرت النوم .

(2). مثل أمواج البحر عندما هاجت وقلبي كان يطوف في بحر من الهواجس.

      الهواجس : الأفكار المزعجة الحائرة المضطربة .

(3). قلبي يفكر في البلاء والمصائب ، وأحوال الدهر المريبة.

    مستريية : باعثة على الارتياب . زال السعد : فقد الحظ الحسن.

(4). فقد الحظ وجاءنا يهب لنا الويلات ، اضطربت أسس الحياة وأحوالها .

     حال الأحوال : تحول كل أمر كان في الأصل مستقرا ً.

(5). أشكو إلى الله من حرب لفنا دخانها ، التهبت على الدنيا وزادت أهوالها .

     شطَّت : التهبت بسرعة .

(6). عمت بشرا ً مُسالمين ينامون في بيوتهم مطمئنين ، سبحان الله والي كل البشر!..

     إحباها : بيوتها ،والخباء في الأصل مستقر العروس  دلالة على الأمثلية.

(7). هي حرب وصل دخانها إلى أعلى الأعالي ونار أحرقت الغابات وما حولها .

      سناها : معناها هنا ، الدخان الكثيف .

(8). ليس لها مثيل ولا سبق أن وُصف مثلها استأصلت الجذور التي تحت الأرض.

      التلافيف : ما حول الغابة .

     عَفَّت : استؤصلت الجذور المدفونة تحت التراب.

(9). الموت أهلك الهجَّامين من الأبطال ، شبان من شر الحرب صاروا شيوخا ً

(10). أطفال ضاعوا في الوعر والهضاب ، ورخصت الأرواح بعد غلائها .

(11). حرب هائلة لم يسبق لها مثيلة ، وعساكر كثيرة تنهال على المتحاربين.

(12). سلاحها كامل كما تشتهي ، آلات جهنمية يزيد اشتعالها.

(13). بنادق موزر تحطم العظام المتينة ، ومدافع تفني الخلق والأنام.

(14). أفعال القنابل زائدة جدا ً ، وكأنَّ زيادتها هي تكريم لضحاياها . فالذي أصابته ، ما بقي له من أثر !

(15). يصنعون غواصات في البحار وقلاعا ً طائرة في الهواء .

       إقلاعا ً : شبه الطيارات بالحصون الطائرة.

(16). وسيارات في السهول سائرة ومراكب على البحور الصافية .

       حناتير : مفردها حنتور ، ويعنون بها السيارة .وكانوا يطلقون هذا الاسم عن العربة ذات الراكب الواحد يقودها حصان واحد .

(17). قضى العرب ثلاث سنين بالمصائب . ذاقوا ظلما ً وعذابا ً وإساءات .

 (18). السبب جمال باشا وحده ، النذل نذل ولو سمي جمالا ً . خلاوي : وحده لا رفيق له .*لام خلاوي مضخمة.

(19). ظلم الترك أصبح مشهورا ً جردوا على العرب ثلاثمئة طابور.

(20). جمال باشا يشبه الوحش الكلب – المسعور – ، جزار لا يرحم رضيع الأطفال.

(21). غرضه الأوحد شفاء غليله من العرب ، فنصب المشانق في كل مكان.

        هقوته : مراده . فحولهم : عني بذلك عظماء الرجال . إملولح : يتأرجح متدليا ً بحبل المشنقة .

        شال : رُفع .

(22). ساق عظماءهم إلى المجازر فهذا يتأرجح مشنوقا ً ، وآخر محمول على النعش.

(23). بعضهم مصفد في السراديب المظلمة ، وبعضهم خطف لونه من شر العذاب.

(24). ومنهم من أدخل في المقابر ذليلا ً ومنهم الذي فرَّ في البراري الخالية .

       فرار : هارب. الاقجوج : مفردها فجِّ ، الصحارى الخالية العظيمة الاتساع.

(25). هجّروا نشاء لا جريمة لهن ، وأطفالا ً رضعا ً ما يعرفون الخطيئة.

        سَرْفن : كلمة تركية معناها أبعد عن الأوطان . ومنهم من يقول (سَرْ فَلْ).

       ما عليهن جَنيّة: لم يَرتكبن جنابة.

(26). ونساء يبكين بدموع سخية ، على فراق أطفالهن ورجالهن.

(27). شتت العرب بجميع الأوطان ،في (أنقرة) و (قونية) و (القوقاس).

       (أنقرة) و (قونية) و (ادنة) مدن في تركية في الأناضول . هيل الأموال : أهل الأموال.

(28). كعبيد أرقاء في الزمن القديم قبل زماننا هذا ، عبيد يجلبون للبيع وأثمانهم غالية .

(29). أهل الأموال أضحوا كأنهم مماليك ، بعد الثراء اليوم يشبهون الصعاليك.

      ميلة الحال مايل : تبدل الأحوال الى أتعس ألوان الشقاء.

     زعيق : صراخ بذعر شديد . غَدَن : أصبحن .

(30). نفقاتهم اليومية أتفه أنواع النقد  . متاليك : جمع متليك ، نقود تركية الواحد منها عشر بارات من ورق النقد العثماني عليه الهلال – والبارة تساوي فلسا ً.

(31). يا الله أنت مطلع على كل الخلائق يا مفرج الضيق أيام الضيق.

(32). يا عالم أدق أسرار الخفا، أُلطف وأنقذنا من الحوال المائلة .

(33). ارحم أطفالا ً ليس هناك من يشفق عليهم ، ونساء يبكين بكاؤهن زعاق.

(34). أصبحن مشتتات بين الوعر والطرق كالغزلان الصغار عشن بين الحلى والدلال .

المصادر:

معلمة للتراث الاردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، 2012.

عرس البويضا، فريد العكشة، وزارة الثقافة،2011.

قصيدة عبدالله العكشة بالظلم العثماني

عبد الله العكشه

مقدمة

كان جريئأ في قول الحق بأشعاره، لا يخشى تهديداً في مرافعاته، متواضعاً في حياته ويرفض الالتفات خارج دوائر الحقيقة و الواقع، إنه من نسل أجدادنا الأردنيين الذين قدموا أنفسهم  فداء من أجل بلدهم، فلم يقبل الظلم والضيم و القمع الذي مارسته سلطات الاحتلال العثماني ضد وطنه وأحرار العشائر الأردنية وفرسانها،  فحمل سلاحيه ( لسانه وقلمه ) ضد البطش والظلم وكان بحق أحد أوّل مؤسسي حركات المعارضة الأردنية والمطالبة بالاستقلال من الحكم العثماني، ما حمّله مصاعب شتى بين السجن والنفي والملاحقة جعلته شاعر الثورات الأردنية الوسطى و أبرزها ( ثورة الكرك – الهيّة ) وأحد أبرز روّادها.

ولادته ونشأته

ولد الشاعر المحامي عبدالله العكشة في الكرك عام 1880، وقد جاء الشاعر الى هذه الدنيا حينما حفّت وطنه الأردن السحب العثمانية السوداء وما رافقها من الإهمال والتجهيل الذي مارسته السلطات العثمانية منذ احتلالها للأرض الأردنية وحكمها من الخارج بالوكالة، ورغم هذا الاهمال المتعمّد وعدم وجود المدارس آنذاك والعائق الكبير الذي أوجده العثمانيون أمام الراغبين في طلب العلم من أبناء الأردن عبر اشتراط تعلّم اللغة التركية للدراسة في مدارسها خارج الأردن، إلا أن العكشة كان عصامياً رافضًا الخضوع لعوائق العثمانيين، يطلب العلم بكل الوسائل الممكنة ولا ينتظر قدومه وقد أسعفه الحظ بدخوله مدرسة الروم الارثوذكس، ولم يكتفِ بذلك ما جعله لاحقا الشاعر والمحامي المُجيد لخمس لغات مختلفة سبق فيها أقرانه في ظل محتّل يجبر المواطنين على تعلّم لغته وحده فقط، ولكن كيف تعلم هذه الخمس لغات؟؟

8.indd
مدينة الكرك في الفترة التي ولد ونشأ فيها البطل عبدالله العكشة

مقاومة التجهيل العثماني

تذكر القصة التي رواها الراحل عبدالله العكشة أنه سمع شاباً قادماً من القدس يتكلم الفرنسية مع أحد السياح فأخذه الحماس والإصرار على طلب العلم وتعلم اللغات على وجه التحديد، ما جعله يقوم باللجوء إلى كاهن الطائفة اللاتينية في الكرك المعروف عنه اتقانه للفرنسية والايطالية والانجليزية ليقوم بتعليمه اللغات الثلاث، أما التركية فكان يتقنها كتابةً وقراءة ولفظًا والتي تعلمها مُكرها بسبب سياسة التتريك التي كانت تجبر الناس على تعلمها، بينما كانت العربية لغته الأم التي أحبها وأجاد فنونها.

تميز (الاعكيش) – كناية عن انتسابه لعشيرة العكشة – بـ قوة الشخصية والنباهة والاجتهاد ما جعل حياته عبارة عن صورة مشرقة وبالغة الأثر في البنية السياسية التي كانت آنذاك وفي البنية الاجتماعية أيضاً .

تزوج الشاعر عبدالله العكشة ثلاث مرات في حياته، حيث تزوج فتاة من عشيرة الحجازين من الكرك عام 1901وتزوج بعدها من عشيرة الزعمط من السلط، بينما تزوج الثالثة في السنة 1917 من عائلة أبو عقلة.

صورة أخذت في عام 1890 ويظهر في الشاعر عبدالله العكشة بجانبه رقم 8

 

نضاله ضد الاحتلال العثماني

كان لعبدالله العكشة الدور النضالي الواضح و المؤثر ضد تجبر وظلم الدولة العثمانية بمختلف الوسائل والأدوات، وبدأ هذا النضال على أوسع أبوابه حينما قام بكتابة رسالة شديد اللهجة إلى الصدر الأعظم – رئيس الوزراء العثماني في حينه – في اسطنبول يستهجن فيها سياسة الظلم وارتفاع الضرائب والسخرة التي يعانيها أهل الكرك في ذلك الوقت، وحتى يحمي نفسه من الملاحقة والغدر العثماني؛ قام عبدالله العكشة بتغيير خط يده ولم يترك اسماً أو توقيعاً على الرسالة وكتب في آخرها باللهجة المحكية ( تحكمنا دولة قرود ولا الدولة العثمانية) ما يشير إلى قبول الناس – في ظل فظاعة المحتّل – لأي شكل من أشكال الحكم بدلا عن هذا الحكم، ولكن ورغم اخفائه لهويته قامت السلطات العثمانية وبعد أشهر قليلة باعتقاله ونفيه إلى الطفيلة عقابا له على رسالته اذ لم تكن لتخفى لغة هذا البطل عن أعين جواسيس المحتل وقياداته.

شعر العكشة في مواجهة العثمانيين

تبدّت نبوغة العكشة في الشعر منذ صغره، اذ عرف عنه ذائقته الشعرية البليغة وقدراته اللغوية التي مكنته من التعبير بذكاء عن كل ما يمرّ به، وقدرته الفائقة على تحويل الكلمات و المفردات إلى نصوص شعرية مليئة بالصور الفنية السهلة الممتنعة، إضافة لثقافته الواسعة وامتلاكه لفنون الخطابة القادرة على التحفيز والإثارة.

وكلما اشتم العكشة رائحة الضيم أو الجور، كان يثور بحمية لا تعرف الخضوع، ويحتج على ذلك بالشعر، اذ كانت أشعاره تنبه زعماء الكرك، ومشايخها للدفاع عن بلدهم، ورفع الضيم عنها، ما جعله شاعرا أوّل وأوحد لثورة الأردنيين عام 1910 ( الهيّة ) وما سبقها من انتفاضات شعبية ضد العثمانيين، وقد جلبت له أنفته وثورته على الظلم حقد العثمانيين وبطشهم ذلك الأمر الذي جعله معرّضا لسلاح السجن و النفي لمرات متعدّدة بعيدا عن أهله وأحبائه ووطنه.

بدأت مسيرة الراحل البطل عبدالله العكشة في مواجهة العثمانيين في عام 1900 عندما تسلّم ( مصطفى باشا العابد ) منصبه كمتصرف جديد بعد متصرف اللواء السابق ( رشيد باشا )، وكانت سمعة مصطفى باشا العابد سيئة جدا، اذ لم يكن يخجل أبداً من التباهي بقبوله للرشوة وأخذها من الشاكي ومن المشتكى عليه، وفيما بعد أعاد مصطفى باشا العابد تطبيق و إحياء نظام ( السخرة ) العثماني على أهالي الكرك وأجبر الأهالي على العمل بها، رجالاً ونساء ومن جميع الأعمار، اذ تعددّت الأعمال من بناء الثكنات العسكرية و جلب المياه إلى المعسكرات والمخافر وشق الطرق المؤدية لها ومن ثم قطع الأشجار الحرجية ونقلها لمحطات سكة القطار العسكري العثماني الذي استخدم فورا وبعد انطلاقه بقليل لقمع ثورة الهيّة ، ورغم أنها جميعها يفترض بها أن تكون أعمالا موكلة للجيش والدرك التركي، ونظرا لحجم مساوئ هذا النظام ضجر الأهالي، وساءت العلاقة بين الشيخ قدر المجالي وشيوخ الكرك وبين المتصرف مصطفى باشا العابد .

صورة توضح مدى الظلم الذي كان يقع على الاردنيين عبر اجبارهم على العمل بالسخرة في بناء سكة القطار العسكري العثماني

وقد عبّر عن هذا الضجر والاستنكار الشاعر البطل عبدالله العكشة، اذ بينما عُقد اجتماع لعشائر الكرك للقضاء على ( نظام السخرة) وفرض الضرائب والتجنيد الاجباري والوقوف في وجه استمرار تطبيقها، قام الشاعر وانتهز الفرصة لإلقاء قصيدة في هذه المناسبة، وكانت غايته أن يشعل الهمّة في صدر الشيخ قدر المجالي ومن معه من شيوخ العشائر الأردنية ضد الاحتلال العثماني و ظلمه و فساده، وقد قال في بعض أبيات قصيدته :

الله مِنْ قِلْبِ أظرمَت بِيْه نِيــــــــرانْ                جِوَّى ضلوُعي زَايد لْهِا لَهابـــــــا

عدِيرةٍ ما هي مِلِكْ إبن عثمــــــــــانْ              وظلَّت عَزيزة بَالشَّرف والمهابــــــا

تَرى السِّخْرَةْ خَلَّت النَّاس نِســـــــوان              وغَدَت على بعض المخاليق نابـــا

لا يا قدر يا شَوقْ مَسلوبَ الابِـــدانْ                يا شيخ لا تَرضَى علينا الخرابــا

انخى أخو شاهه  يوم رَوْغَاتَ الارهَانْ            رفيفان فَرِّج هَمَّنا والعذابـــــــــا

لقراءة القصيدة كاملة أنقر هنا

وما أن ألقيت القصيدة حتى تحمس الشيوخ و الوجهاء و الفرسان و ثاروا واشتعلت جرعات الأدرينالين التي بثها العكسة في أبياه، فأبرقت الإدارة العثمانية المحلية برقيات مستعجلة إلى المراجع العليا لدى الباب العالي العثماني محذرة من قيام الثورة نتيجة هذه الاحتجاجات على نظام السخرة، فأوقفت السخرة في النهار نفسه قبل أن يعاود الاحتلال العثماني استخدامها مجددا عندما بدأ بمدّ سكة القطار العسكري العثماني عبر الأراضي الأردنية، ما جعل قصائد العكشة سلاحا فعّال في وجه المحتّل لم يكن يسهل مواجهته أو كتمه.

قصائد المنفى – الكرك والثورة في وجدان العكشة

كان الشاعر عبدالله العكشة يحب الكرك، يتغنى ويتغزل بها على الدوام و قد سطّر في حبها القصائد العظام، كردٍّ بالغ على تصرفات الدولة العثمانية وممارساتها ضد وطنه وأهله، وما بعد ثورة الكرك ( الهيّة ) عام 1910 وعقابا له على المشاركة بالثورة والتحريض عليها عبر قصائده، وتحسّبا من العثمانيين من مشاركته ودعمه للثورة العربية الكبرى التي بدأت تصل أنباؤها للأردنيين، صدر بحقه مع مجموعة من شيوخ ووجهاء العشائر الأردنية عقوبة النفي خارج الأردن وكان نصيبه النفي إلى منطقة قوزان في جبال القوقاز، فكان قرار نفيه يلخص هذا التخوّف بالقول : ( انفوه حتى لا يتحول لسلاح إضافي في يد الثوّار ، لا ينقص الثورة العربية الكبرى شعراء جدد ، يكفينا ما نالنا منه بالهيّة ) !

كان واضحا أن شعر العكشة الذي ايقظ البركان الأردني في الهيّة، كان قادرا أن يصل إلى حوران الأردنية لو أقبلت الثورة العربية الكبرى و العكشة بين أهله وفي وطنه، ولو قدّر له أن يكون في وطنه بدلا من المنفى لكان العكشة بلا منازع سلاح فرسان العشائر الأردنيين الفتاك في مواجهة آلة البروبوغندا الألمانية العثمانية .

ولم يكن للمنفى أن يبعده عن هواه ومعشوقته فقد قام عام 1918 بتنظيم قصيدة في منفاه يظهر فيها حجم شوقه للكرك.

وهذه بعض من أبيات القصيدة:

يَا نَاسْ ما بَالَ القَلمْ مِستِكنّ                        مِنْ عِقب ما هو ع القراطيسْ سنَّان

 سِرْ يا قَلَمْ إوْ فَرج الَهمّ عَني                     إكتبِ اقوافاً،فضي– فض البالَ غَثيانْ

دلن علي بينهــــــن شَوْشَحنّـي                      بالسيس حطني على حد قوزان

بِاديار ما فيها رفيقاً يحن                              كِلاً يَعضّ ابهامْ يِمْناه غلان

يا رَبّ يا رَبّ المخاليق حِنِ                          كَم شدة فرجتها وامرها هان

لقراءة القصيدة كاملة أنقر هنا

8.indd
قلعة الكرك – 1918

 

كما نظم قصيدة أخرى أيضاً في منفاه يتحسر فيها على غيابه عن مدينته وأحبته وينعى رفيقه الشيخ البطل قدر المجالي بعدما وصل خبر اغتياله بالسم من قبل العثمانيين إلى مسامعه في المنفى يقول في بعض أبياتها:

وَيْنَ(الكرك) وِاجْبَالْها،وين (شِيْحَانْ)؟              وين الاِقْنان اللِّي بها الميْس مغواه

وَيْنْ(القَصِر) يا عَين و(اتْلاعْ وسلمان)               (الرَّبَّة) الله عَزَّها نايف الجاه

إصبر  وَالين الصَّبرْ فَراجَ الاحزانْ                    كم شِدّة ياتي فرجها امْنَ الله

لا بِدَّ ما انْعُودَ الكرك وَايَّ الاوطانْ                وِاحاسبْ هَيلَ الدَّين إو نعطيهم اياه

لقراءة القصيدة كاملة أنقر هنا

ولم يعد الشاعر عبدالله العكشة إلى أرض وطنه ولم يصدر قرار فك أسره، إلا بعد انتصار قوات الثورة العربية الكبرى وفرسان العشيرة الأردنية وهزيمة الدولة العثمانية، حيث نظم قصيدة يذكر بها قساوة ما عاناه الأردنيون من قبل قوات الاحتلال العثماني وتسلطها وظلمها، وهولات الحرب العالمية الأولى وسعير القتال والتجهيز لها، يقول في بعض من أبياتها:

فعلَ القنابل زايدا ً بالاكرامِ               أَللِّي ادهَجَنُّه ما بقي ليَهْ تالي

بَالوَصِفْ غَوَّصاتْ مِنْ تحتِ الابحارْ    وِالاَّ اقلاعا ً بالهوا فوق طيَّاره

وِالاَّ حَناتيرٍ على القَاعْ سَيَّارْ               وِالاّ مراكِبْ عَ الابحور الزَّلالِ

ثلاثِ اسنْينٍ وَالعربْ بَالبلاَوي             ذاقوا مِظالْمِ مَعْ عَذاب او مِساوي

كانَ السَّببْ (جمال) باشا خلاوي          النَذَلْ نَذَل أوْ لو يسمَّي جمالِ

يَا ظِلُمْ تِركيَّا ، غذا اليوم مَشهور        يم العرب سَاقَت ثَلَثمْيِةِ طابورْ

لقراءة القصيدة كاملة أنقر هنا

وكما تفاخر وتغنى بالثورة العربية الكبرى كان لقائدها المغفور له الشريف الحسين بن علي وأبنائه من قادة جيوش الثورة نصيبا من شعره يقول فيه:

نَستحِمدَ الباري ، على كِلَّ الادوارْ           أَللي حَمانا مِنْ ظلايم هالاشرارْ

بالهاشمي اللِّي كِنَّهْ الذِّيب مِغوار             إبنَ الاِجْوادْ إو من افرُوع اطْوال

مِنْ (شان) تِخليص العَربْ مِنْ شِقاها        إرخْص ابروحهُ دُوْنها وافْتداها

مِنْ سِريةَ الأتراك (فيصلْ) حَمَانا             بَالسَّيفْ كِنْ قَطَّع مَواصِلِ اعدانا

(عبد الله) َ عجمع الامعادي رماها،            ألسِّرّيه القشرى ابسيُفه َ حداها

ب ( َ زيد) زاد النا الشَّرف  والمقام       حرًا َ نهار الرَّيب يروي الاحسامِ

لقراءة القصيدة كاملة أنقر هنا

2.indd
قائد الثورة العربية الكبرى – الشريف الحسين بن علي

عبدالله العكشة وميزان العدالة 

وبينما كان يناضل بقلمه في وجه قوة الاحتلال، لم يعدم البطل عبدالله العكشة الوسائل والحيل ولم يكتف بشعره فقط لمواجهة التجبر والظلم العثماني على أهله ووطنه، فحاول بكل الوسائل الممكنة تعلم القانون ليحاول متى استطاع الدفاع عن أهله بكل الوسائل الممكنة، ونظراً لعدم قدرته على الالتحاق بمعاهد علمية أو جامعات في ظل حالة التجهيل التي فرضتها الدولة العثمانية؛ طلب مساعدة صديقه عودة القسوس حيث كانا يتناقشان دوما في المسائل القانونية وفي مواد مجلة الأحكام وهما يتنزهان في الطريق السلطاني: طريق الكرك – عمان الحالية، وانكبّ على دراسة كتب القانون حتى تمكّن من تحصيل المعرفة القانونية بشكل مفصّل وواسع.

العكشة والمناصب العامة

عين المرحوم (عبد الله العكشة) عضوا في محكمة الكرك في العهد الفيصلي بعد نيل الاستقلال الأولي عن العثمانيين، ثم عيّن في محكمة بداية (إربد) في السنوات الأولى من تأسيس الإمارة الأردنية، وبعد تركه للوظيفة سنة ١٩٢٧ زاول الراحل مهنة المحاماة في الكرك، إلى أن تقاعد سنة ١٩٥٢،  فكان عبدالله العكشة المحامي النزيه الذي لا يستلم أي قضيةٍ إلا بعد دراستها جيدا فإن كانت على حق قبلها، أما إن كانت على باطل فكان يرفض استلامها مهما كان الثمن ومهما تكن الفائدة منها، فيما عيّن لاحقا عضوًا في لجنة الدستور الأردني.

سيرة الجَلَدِ والصبر

كان منزل ( الاعكيش ) يومياً لا يخلو من الأصدقاء والأقارب والمحبين حيث يلعبون الشطرنج والنرد وتقام الحلقات النقاشية والشعرية بينهم محولا له لصالون أدبي ثقافي ترفيهي دائم، وفي ذات يوم وفي إحدى الجمعات في منزله مات أحد أطفاله وما كان من عبدالله العكشة إلاّ أن حبس أنفاسه وآلامه بالصبر والكتمان، ونبه أهله بأنه لا يريد أن يسمع صوت بكاء أو صراخ إلى أن يخرج الضيوف مكرّمين من منزله، وفي اليوم الذي تلاه سمع الناس بوفاة ابنه فقاموا بتعزيته بمصابه، وسألوه متى توفي فقال لهم : “عندما كنتم في منزلي ” فتعجب القوم من تحمله المصائب والشدائد ومن جلده وقوة احتماله، ومن اصراره على أن لا يعكر صفو ضيوفه.

كان الراحل البطل عبدالله العكشة ومن هول ما مرّت عليه في حياته من ملمات جلدا صبورًا لا يبكي ميتا، مع أنه في ذات الوقت كان رقيق العاطفة سريعا إلى النجدة، والسبب في أنه لا يقبل أن يحد على ميت، اعتقاده أن ذلك نوع من الاحتجاج على الباري. وأنه من المظاهر الكاذبة، التي لا ترد فائتا!

وفي عام 1922 وبينما كان أهل بيته يعدون العدة لزواجه جائه خبر مقتل ابنه البكر – وكان يبلغ الثامنة عشر من عمره –  في الحقل قبل عيد الفصح بأيام، ولكنه لم يقم بالحداد، فقام بتقديم الحلوى للمعايدين والمعزين حيث بعث له الشاعر سالم القنصل قصيدة يقول بها :

يا صاحبي بَلواكْ ما تِقبلَ الطبّ،            أما انت رجَّالا ترى الصبر بالله!

اللي جرى هذا سماحا ً امن الرب،           يا ربْ صبر أيوب عَ مِثلِ بَلواه،

حزنك شريك اللي تِضَحَّى عن الحبّ،      الخلّ والممزوجّ مَنْ هُوْ تِسقَّاه؟

يا ليت إنْ وَاكِدْ خبركم إمكَذِّبْ،              يا ربعي ، يا بلواي من عظم بَلواه!

إبراي اني دفنتِ اغلام يلقع على القلب،    من عظم حزن اصويحبي كِنْ عزيناه!

يَدوم راسك والقرايب والاصحاب،          عَسَى الفقيد الجنَّة الخلِدْ ماواه!

فرد العكشة على صديقه القنصل قائلا  :

الموت حق فرض واجب علينا ،            من خِلقت الدنيا على الكل محتومْ!

الحمدالله على متا دز لينا،                    امْرُهْ امْطَاعْ اوْ نِشِكَر هَدايمَ الدومْ!

اغفر لنا يارب عَمَّا جنينا                      وِالطُف لنا يا راحما ً كل مَظلومْ

وصمَتَ القلم 

بقي الشاعر عبدالله العكشة يزاول  مهنة المحاماة الى أن تقاعد سنة 1952، وبعدها بقي يمارس الزراعة ومطالعة الكتب وكتابة الشعر، إلى أن توفاه الله بتاريخ 7 شباط 1956.

عاش الشاعر والمحامي مكافحاً بحبه لوطنه والنضال لاستقلاله ومدافعا عنه ضد كل ما يمسه . وسيبقى هذا الشاعر البطل علماً من أعلام هذا الوطن ولتكن قصائده ديوانا في قصص البطولة والفداء في وجه المحتلين وراياتهم.

المراجع :

  • المرحوم الشاعر عبدالله العكشة ، معلمة للتراث الاردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، 2012.
  • عرس البويضا، فريد العكشة، وزارة الثقافة،2011.
  • ألفاظ وأشعار كركية، فرّاس دميثان المجالي، مطبعة السفير، 2009.
  • الشاعر الشعبي عبدالله العكشة ( عرار الجنوب ) ، الغد، 2006.

شاعر الهيّة – عبدالله العكشة

مناسبة القصيدة

لم يكتف الشاعر عبدالله العكشة بقصيدة واحدة وهو في منفاه اذ كان سلاحه الوحيد في وجه المحتل العثماني شعره النبطي الأردني فقام بكتابة قصيدة أخرى وهو في منفاه القسري في قوزان يتشوق الى جبال الكرك وأهلها، متأملاً العودة الى أرض الوطن، راثيا فيها رفيقه الشيخ البطل قدر المجالي بعد وصول نبأ اغتياله من العثمانيين إليه .

عبد الله العكشه

َقال الاعكيش إوْ في بلاياهْ غَلبانْ                              صَبراًعلى حكم العَلي في براياه(1)

طَلَّيما  مِن روسَ المشاريفْ شفَقــــــتان                 رُوسَ النِّوابـــــــــــي لِلامْشقَّاهْ ، مِقواه(2)

شِفتَ الاِقلاعِ اللِّي على رَاسْ قَوزَانْ                                     مِن عَهدِ جدَّ الاوَّليَّنْ مبناه(3)

شِفتَ الاجيال اللِّى بَهَا الهيــــــــــــــش كثبانْ                           غابتْ مِربي لَلضوارِي اوْ مِخباه(4)

شِفْتَ الاِحقولْ امْرُوجْ سَهْلهِ سِمَهْـــدانْ                                 إتْروُحْ فيها الفِدِن تيجي امتالاه(5)

شِفْت الاِكروم وَالبسَاتين وِاجنان                                      إثْمارْها وِاشجارها ، واحلالاهْ(6)

كِلَّه مناظِر لَلِنّواظرْ وَالاعيانْ                                          زَيناتْ إوْ لهيلَ الاِ بلادْ تِسلاه(7)

إبْلاذْ  لو هِي جَنِّةً عِفْتَها اذْلانْ                                      أبغى مَقَرَّ الجدّ يا احليـــل سكناه(8)

لو هي صِفَا اوْ صَعْنُونْ ما بِيه عِمَــــــرانْ                    إو لَو هِي خَراب امن المزابل حَلاَياه(9)

وَيْنَ ( الكرك ) وِاجْبَالْها، وين (شِيْحَانْ)؟                         وين الاِقْنان اللِّي بها الميْس مغواه (10)

   وَيْنْ ( القَصِر ) يا عَين و ( اتْلاعْ و سلمان )                             ( الرَّبَّة ) الله عَزَّها نايف الجاه(11)

وَينَ الاِقـــــــرومَ اللِّي على الخيل فرسان؟                      صُورَ ( الكرك ) لَن شَرَّفوا ما تغشَّاه(12)

إخـــــوات ( خضْرا ) مِرويناً شِفا الزان                            اليا صار باِطرافَ الدِّبايلِ امنَا خَاه(13)

حِنَّا لِكُم عِزّاً ، وانتم لنا شَانْ                                         واجْدُودكُم لاجْدودنا صُورْ مِرجَاه(14)

حِنَّا وايَّاكم ابْنعِمْةً  قبل ذِلْوانْ                                              إنتم فزعتنا ، إوْ حنا لكم جاه.(15)

صِبْيَان حِلَّسْ بالمجالس لَهَم شَانْ                                وابْجَالَ البِداوي ارْجال ، صَلْفيين وِامضَاه(16)

حتى العمـــــاوى قال من ذْلِوانْ                                    جَمْعَ النّصارى بَيرقَ الحـــــربِ تَلقَاه(17)

 وَجْدِي على ( قـــــــــــدر ) الكرك يَومَ الاِمحان                       قَلعَةْ حَصينه او نَايِفه ابْراسْ مِعصَاه(19)

يبكي عليه امْنَ الدِّواوير سِلْفَانْ                                               هَدَّت صَهَاوِيْها عَلى شَانِ فِرقاه(20)

  تبكي عَليه البيِض ، بادموع غِدران                                         عَولاْتْ كْن سُوَّنْ على البيتْ مِنْعَاهْ(21)

 مسكين يا اللي باجالنا صار بَجْخان                                        بَالبدودِقَة  يصِفُّوا الذهب من دناياه(22)

إصبر  وَالين الصَّبرْ فَراجَ الاحزانْ                                      كم شِدّة ياتي فرجها امْنَ الله(23)

لا بِدَّ ما انْعُودَ الكرك وَايَّ الاوطانْ                                 وِاحاسبْ هَيلَ الدَّين إو نعطيهم اياه(24)

شرح الأبيات

(1). قال الاعكيش ( عبداالله العكشة ) وهو حائر في مصائبه ، اصبر على حكم الله في خلائفه .

      غلبان والجمع غلبانين ، وغلابى : حائر لا يدري ما يصنع ، وتطلق على الفقير المعدم .

(2). أشرفت من رؤوس الجبال . مشفقا ً : شديد الشوق ، لأن رؤوس المرتفعات تقوي عزائم الأشقياء

طليت : أشرفت ، وهي بدلا ً من أطلَّ،  شفقان : مشفق متلهف،  النوابي : جمع نباة وهي المرتفع .

(3). رأيت القلاع التي على جبال القفقاس التي بنيت في عهد أجدادهم الأولين.

(4). رأيت الجبال التي تكسوها الغابات كأنها الكثبان . وفي هذه الغابات تعيش الضواري وهي مخابئ لها، الهيش أو الهيشة : يعنون بها الغابة الكثيفة .

(5). شاهدت الحقول مروجا ً سهلة تحرثها الأبقار جيئة وذهابا ً متتالية .

سمهدان : لا أثر فيها لارتفاع أو انخفاض أو حجر تعثر به القدم . تروح أزواج البقر للحراثة وتجيء متتالية .

(6). شاهدت الكروم والبساتين والجنائن وما أحلى أثمارها وأشجارها .

(7). كلها مناظر تسحر الأنظار جميلة وهي سلوى لأهل البلاد .

(8). لو كانت هذه البلاد جنة عافتها نفسي لأنس الآن أريد مقر أجدادي ، يا ما أحلى سكناها!

 إذلان : أصلها هذا الأوان / يا احليل : ما أحلى.

(9). لو كانت بلادي صفاة صلدة لا تعرف الابتسام ، ليس فيها أثر للعمران ، لو أنها خراب  .

 صعْنُون : لا تنبت شيئا ً ، والأصل فيها الوجه الذي لا يعرف الإشراقة والثغر الذي لا يعرف الابتسامة/المزابل حلاياه : ايجملها إلا المزابل ! إن كان في المزابل ما يجمّل .

(10). أين الكرك وجبالها أين جبل (شيحان) أين المرتفعات التي من أشجارها الميس الذي يقتات بثمرها الجائع!

(11). أين القصر وتلاع سلمان والربة التي كرمها الله .

(12). أين الأبطال فرسان الخيل حماة الكرك الذين إذا حضروا كانوا بمنزلة سور لها لا يجرؤ أحد أن يغشاها.

 الاقروم : جمع قوم وهو السيد العظيم ، وقد وردت في اللغة بهذا المعنى .

(13). المجالية الذين يروون الرماح من دماء الأعداء إذا صار الغزاة يستنهض بعضهم همة بعض بقوله : (فعلك يا أخو فلانة!) – أي أرني شجاعتك – في مؤخرة قطعان الإبل والخيل المحاربة ، إخوات خضرا : نخوة المجالي وبها تُستثار حميتهم، الدبايل : الخيل الكثيرة وفي المعركة .

(14). نحن عِز لكم وأنتم مجد لنا وأجدادكم لأجدادنا حماية ومرتجى .

(15). نحن وأنتم بنعمة قبل هذا الزمان أنتم تدافعون عنا ونحن مجد لكم .

       فزعتنا : الذين يساعدوننا في الملمات . وفزع له : انتصر له – وهو فزعته : هو نصيره . وفي اللغة فلان فزعة للناس : نصير لهم .

(16). صبيان حِلّس : كناية عن عشائر الكرك الأردنية المسيحية، لأن هذه هي نخوتهم ، لهم قيمة عظيمة في المجالس المهمة  .

صلفين وامضاه : أشداء شجعان .

(17) حتى شاعر الكرك الكبير (العماوي) قال عليهم قبل هذا الزمن : (محاربو وفرسان عشائر الكرك المسيحية تجدهم لواءً مظفرا ً في الحرب ) . يبرق الحرب : أشهر المحاربين .

والعماوي : شاعر مشهور في الكرك وفي كل الديار الأردنية ، له في مدح العشائر المسيحية الأردنية قصائد عامرة .

( 18 ) . بيت محذوف .

(19). حزني الشديد على (قدر) قدر الكرك عند الاختبار والمحن قلعة حصينة في مرتقى عالٍ مقام للعصيان.

       (قَدِر) هو (قدر المجالي) زعيم الكرك وقائد ثورة الهية سنة 1910 ، اغتاله والي دمشق العثماني بالسم عقابا له على مواجهته للعثمانيين ومنعا له من الانضمام للثورة العربية الكبرى . وقد كانوا يسمونه (علي) اسما ً حركيا ً ليردوا عنه العين الشريرة الحاسدة وليخفونه عن أعين جواسيس القادة الأتراك.

(20). تبكي لفقده سلفان لا تحصى ، هدمت بيوتها حزنا ً لفراقه .

(21). تبكي على (قدر) النساء ، ويكنون عنهم بـ(البيض) الواحدة بيضا ، قالوا :

      “أَلنِّسوان ما حَبَّين بَيْضا ً غَريرة       والرجال ما ايحِبُّون رَجَّالْ شِجيْعْ” .

     ويبكين بدموع غزرة تشبه الغدران ، معولات : الاعوال هو المدعو (المَعَيِدْ) ، وهو تعداد حسنات الميت تردده النساء واقفات ، ولا يجوز أن يقام المعيد إلا على زعيم أو من هو في منزلة الزعيم ، وقد حولن البيت إلى منعاة أي مأتما ً .

(22). مسكين أيها الشامت بنا – بَجْخَان : معناها في الأصل مفتخر متكبّر ، لكنها هنا تعني الشامت . لقد فقد عزا ً له بالبوطق – التي يدعونها – وهما ً – البودقة ! …

(23). يخاطب نفسه في حيرة ، قائلا ً : اصبر لأن الصبر هو الذي يفرج الاحزان ، وكم غمة جاء فرجها من الله مع الصبر .

(24). لا بد من أن نعود إلى الكرك ، ونحل في أوطاننا ونحاسب كل من أساءوا إلينا بالذي أساءوا به ونرد لكل مسيء ديونه كما يستحق !

المصادر:

  • المرحوم الشاعر عبدالله العكشة ، معلمة للتراث الاردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، 2012.
  • عرس البويضا، فريد العكشة، وزارة الثقافة،2011.

قصيدة عبدالله العكشة الثانية من منفاه

مقدّمة

يعدّ الشيخ قدر المجالي واحدا من أبرز زعماء العشائر الأردنية الأكثر تأثيرا في مسار الأحداث في الأردن في العصر الحديث، اذ ساهم بإعلان و قيادة واحدة من أشهر الثورات الصغرى – الوسيطة – في الأردن ضد سلطات الاحتلال العثماني، وقاد جهدا تنويريا استقلاليا رافضا لوجود العثمانيين في المنطقة و متحديا لسياساتهم التدميرية و جرائمهم تجاه المواطنين و السكّان العزّل.
لقد مهّد الشيخ قدر المجالي – عبر قيادته لثورة الكرك – الطريق لوجوب قيام ثورة كبرى ضد العثمانيين تتوحد فيها الجهود و يتحقق فيها الطموح الجمعي للأردنيين بالخلاص و الاستقلال من حكم استمر لأربعة قرون كان عنوانه التنكيل و الجباية و الحكم بالوكالة، و يحسب له الفضل الكبير بما تلا ثورة الكرك من صوت بات يعلو شيئا فشيئا بوجوب رحيل العثمانيين بلا عودة .

لا شك أن قدر المجالي كان شخصية فريدة تملؤها التفاصيل المشوقة، لا على مستوى الكاريزما التي حملها فحسب، بل على مستوى جرأة القرارات التي تحملها في مواجهة أعتى قوة عسكرية و آلة إعلامية متاجرة بالدين مرّت على قومه ووطنه، حتى أن حادثة اغتياله بقيت حدثا مليئا بالألغاز مثيرا للآلام و الشجون بين من عرفوه و رافقوه أو سمعوا عنه.

لقد بقيت سيرة حياته أيضا ملاذا و موئلا للباحثين عن الحرية في سبيل وطنهم، فبين ملاحقته لسنوات و التنكيل بأهله و أقاربه و مدينته، وسجن زوجته ومن ثم التحايل عليه و اغتياله ، رسم الشيخ قدر مسارا للثوّار خضبوه بدمائهم حال انطلاق الثورة العربية الكبرى بعد ستة سنوات من الهيّة و بعد أشهر فقط من اغتياله، ليكون بذلك رمزا للحرية التي قدّم روحه من أجلها غير خائف أو متخاذل، و أيقونة للنضال الوطني الأردني في مواجهة قوى الاستعمار و الاحتلال.

الشيخ قدر المجالي

مولده ونشأته:
هو الشيخ قدر بن صالح بن محمد بن عبدالقادر المجالي، ولد في الربة في محافظة الكرك بتاريخ 25/حزيران 1851م، في ليلة 27 رمضان عام 1267هـ وهي ليلة القدر فسمي بهذا الإسم من قبل والده تيمناً بهذه الليلة الفضيلة، و أملا بأن يكون قَدَرا خيّرا لأهله و أرضه.
واجه الشيخ قدر الأمية المتستفحلة حدا بعيدا وتحدّاها رغم الاعتماد الرسمي لسياسة التجهيل من قبل الاحتلال العثماني وما رافقها من أوضاع مادية صعبة بسبب الضرائب وسياسة النهب العثمانية، فتعلم مبادئ القراءة والكتابة على يد شيخ الكّتاب في قريته، في حواضر المعرفة المحلية التي سميت بالكتاتيب في ظل غياب المدارس في الكرك حيث لم تبنَ أو مدرسة في المدينة إلاّ بعد عام 1893م بمبادرة شخصية من أهالي المنطقة، بدلا من انتظار قيام السلطة العثمانية بدورها الذي لم يتم.
أما من كان يطمح من أبناء العشائر الأردنية في تقلد مناصب رسمية في ذلك الوقت فكان عليه مغادرة الوطن الى الخارج من أجل تعلم اللغة التركية ذلك أن المادة 18 من الدستور العثماني تنص على أن معرفة اللغة التركية قراءة وكتابة شرطاً لتقلد وظائف الدولة، اذ اتخذت هذه المادة ذريعة لفرض تعلم اللغة التركية على جميع أبناء العشائر الأردنية الراغبين بالتقدم في المواقع الإدارية و العسكرية، فبقيت عائقا أمام أبناء العشائر الأردنية للخدمة في وظائف الدولة، خاصة في ظل مقاومة الأردنيين لتعلم هذه اللغة بسبب نزعة الاستقلال عن المحتل العثماني. ولهذه الأسباب مجتمعة رفض الشيخ صالح والد الشيخ قدر إرساله خارج الوطن لتعلم اللغة التركية، حيث ابقاه والده بين أهله لكي يتعلم الاعراف والعادات العشائرية الأردنية كمرجع أوفى وأهم للسمو و رفعة القيم.
بلغ الشيخ قدر من العمر 10 سنوات وبدأت تظهر عليه الفطنة وعلامات الذكاء الأمر الذي لفت أنظار جده الشيخ محمد وأخذ يقربه منه وينشئه على مبادئ الانتماء للأرض والعشيرة، وتعلم مبادئ الفروسية وركوب الخيل وعندما بلغ سن 15سنة بدأ يشارك في سباقات الخيل والهجن.
بدأت شخصية الشيخ قدر تبرز فكان الشاب المتواضع والشهم حيث الكبار يتباهون بأخلاقه ورجولته ويتمنون مصاهرته ليس لأنه الشيخ المنتظر لعشيرته بل لأنه صاحب الأخلاق الرفيعة والمتزنة، ولصفاته هذه كانت فتيات الربة تهواه، ويشهد الشاعر الكركي عبد الله العكشة على تنافس بنات الربة على قدر في قصيدة وصفية جميلة يقول في مطلعها:

لا يا قدر يا شوق مسلوب الأبدان   يا شيخ لا ترضى علينا الخرابا

ويقصد العكشة في بيته السابق أنه يستجير بقدر المجالي الذي تهواه جميلات النساء رشيقات الأجسام، ويطلب منه كزعيم و شيخ أن لا يرضى الخراب الذي ينصبُّ على الكرك من العثمانيين.

لقراءة نص القصيدة كاملة يرجى النقر هنا 

أوصافه وهواياته:
تزوج الشيخ قدر من مشخص فارس المجالي وهو ابن 20 عام وجرى سباق خيل في حفل زفافه اشترك فيه فرسان من السلط ومادبا والكرك ومعان .  كان الشيخ قدر متوسط القامة أسود العينين، كثيف اللحية والشارب، يفضل ارتداء العقال من الحرير الطبيعي ذي اللون الاسود ويفضل لبس الدامر والعباءة المقصبة بالذهب، يهوى ركوب الخيل والسباق والصيد، ويحب من الخيل ذات اللون الأبيض ومن الهجن اللون الجملي.  أما عن أسلحته فكان يحمل الخنجر والبندقية والسيف، ويفضل صناعة الكرك من الخناجر والشباري، وهي مشهورة بصناعتها منذ العصر الأيوبي والمملوكي.

تنصيبه شيخا للمشايخ
في السياق التاريخي للتسلسل في مشيخة الكرك، فإن الشيخ يوسف المجالي كان شيخا على منطقة الكرك في بداية القرن التاسع عشر، واستلم بعده المسؤولية الشهيد البطل الشيخ اسماعيل اليوسف المجالي الملقب بالشوفي، وبعده تولى المشيخة الشيخ عبد القادر يوسف اليوسف المجالي ومن ثم ابنه محمد بن عبد القادر المجالي فالشيخ صالح بن محمد بن عبد القادر المجالي شقيق الشيوخ رفيفان المجالي و دليوان و فريوان المجالي.
وبعد وفاة الشيخ صالح بن محمد المجالي تولى ابنه الشيخ قدر بن صالح المجالي المشيخة، ولم ينجب الشيخ قدر أولادًا فانتقلت الشيخة من بعده لأخيه الشيخ اعطوي بن صالح المجالي.
وعندما استلم الشيخ قدر المنصب العشائري في الكرك وحسب العرف العشائري المتبع في الكرك عبر القرون الماضية و ضمن الطقوس المتعارف عليها للتنصيب، قام رجال الدين المسيحيين في الكرك يتقدمهم الأعلى رتبة بينهم وربط منديلاً حول عنق الشيخ قدر دلالة على الاعتراف بزعامته، ومبايعته، وكان من الواجب أن يكون المنديل أحمر اللون كناية أن حياة أبناء العشائر و سلامتهم أمانة في عنقه، ولم يكن لإجراءات التنصيب أن تتم دون اتباع هذه الاجراءات .

شخصية القائد قدر المجالي
تمتع الشيخ قدر المجالي بصوت جهوري وشخصية كارزمية قوية حيث ساهمت الحقبة التي مرّ بها من ثورات أردنية على امتداد الوطن ضد الاحتلال العثماني من صياغة شخصيات فرسان العشائر الأردنية لتكون قادرة على مواجهة أشكال الاضهاد العثماني و التصدي له بدلا من أن تكون لقمة سائغة لولاته و عمّاله، ما جعل من الشيخ قدر واحدا من أبرز فرسان عشيرته اذ تمتع بالقدرة على صناعة القرار الجريء عبر الإرادة الجمعية للأهل والعشيرة والوطن يتفاعل مع القرار بروح القائد الحكيم.

كان قرار التخطيط لإعلان ثورة الكرك التي سميت بثورة الهية عام 1910م. واحدا من أبرز محطات هذا الزعيم الوطني و أكثرها تأثيرا على ساحة الأحداث في المنطقة لاحقا، اذ تحوّلت لتصبح موئلا لكل شيوخ العشائر الأردنية من الحويطات جنوبا حتى السرحان و بني خالد شمالا، في مواجهة الظلم الواقع من الاحتلال العثماني على أهالي الكرك من انظمة السخرى وحملات الإعدام و الإبادة الجماعية والتجنيد الاجباري، فكانت الثورة إحدى القرارات التي حولت مسار المنطقة تماما و ساهمت في قيام ثورات أخرى متتابعة من بعدها تكللت لاحقا بالثورة العربية الكبرى – ثورة الخلاص من منظومة ظلم واستبداد و تجارة بالدين .

هيّـــة الكــرك 
في تأريخ الثورة فمن المعروف أن هية الكرك انطلقت ضد الاحتلال العثماني عام 1910م لعوامل مختلفة تمثلت بازدياد وتيرة الطغيان والاستبداد العثماني من نهب وتخريب وتجنيد اجباري وضرائب شكّلت ثقلا كبيرًا على عشائر الكرك، أدت هذه الأوضاع مدفوعة بالسخط الشعبي الى اجتماع عشائر الكرك للخلاص من هذا القمع ووضع خطط استراتيجية للقضاء على العثمانيين وطردهم من المنطقة، وأسفر الاجتماع على أن يتزعم الثورة وأن يكون القائد العام لها الشيخ قدر المجالي، فقام الشيخ قدر بتحديد موعد انطلاق الثورة في تاريخ 23/11/1910 وبعد هذا القرار قام بجولة ميدانية مع عدد من الشيوخ و الفرسان زار فيها العشائر الكركية من أجل التنسيق على استراتيجات الثورة ضد سلطة الاحتلال.
وأثناء قيامه بالتبليغ والاتفاق مع شيوخ العشائر على خطة الثورة، طلبته الحكومة التركية من أجل أن تضعه في لجان تعداد الأنفس، وما كان من قدر إلا الموافقة من أجل التكتم والتمويه فيما يخص الثورة – كما أشار عليه عمه الشيخ ارفيفان المجالي وبعض زعماء العشائر الأخرى – وبدأ العمل مع اللجنة في تعداد الأنفس.

ولكن بعد أن رأى الشيخ قدر التجاوزات التي تقوم بها لجان التعداد تجاه الأهالي، لم يحتمل هذه الأمر وذهب الى المتصرف وأمير اللواء شاكر باشا وهددهم بالاستقالة إذا استمرت لجان الإحصاء بالتجاوزات وبإهانة شيوخ العشائر، فوعد المتصرف أن يقوم بنفسه بمراقبة أعمال اللجان، ولما علم (خيري بك) مأمور الإحصاء العام بانتقادات الشيخ قدر المجالي زاد من تجاوزاته، فأخذ يتعمد الإساءة للشيخ قدر شخصياً، ويتجاهل وجوده كعضو في اللجنة، وعندما كثرت تحدياته المقصودة للشيخ قدر، تأكد الشعور لدى شيوخ الكرك بأن الحكومة عازمة على الانتقاص من هيبتهم وسلبهم نفوذهم العشائري التقليدي، ولم تكن تصرفات (خيري بك) إلا بداية سوء النوايا تجاه الشيخ قدر وتجاه عشائر الكرك بعامة أخيراً، أمام هذا الوضع المأساوي قرر الشيخ قدر تقديم استقالته رسمياً من لجنة الإحصاء احتجاجاً على تصرفات مأمور الإحصاء العام (خيري بك) وعلى تصرفات أمير اللواء (شاكر باشا) الذي بدلاً من مسايرة وإرضاء مشايخ المنطقة، أرسل قوة من الجندرمة تزيد عن المائة عسكري لتعزيز لجنة الإحصاء في خربة أم الرصاص، ويمكن أن نوجز هذه التجاوزات بــ :

1. كان مأمور الإحصاء يتجاهل رأي ومشورة (العضو الأهلي)، بل كان يشعره بعدم فائدته للجنة الإحصاء، لأن الأوامر تقتضي أن يكون مرافقاً لا أكثر.
2. كان مأمور الإحصاء يبالغ عند تقدير السن، حيث يحسبه ضمن نطاق الخدمة العسكرية، أي بين سن 20 و45 سنة، فالشاب الذي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، يقدر ويسجل سنه بالعشرين عاماً، والشيخ الذي تجاوز سنه 55 عاماً، كان يقدر سنه بـ 45 عاماً، أو بأقل من ذلك وإذا اعترض الشخص على تقدير سنه تعرض للضرب والإهانة من قبل جنود المفرزة المرافقة، وإذا اعترض (العضو الأهلي) على هذه التقديرات غير الصحيحة، لا يقبل اعتراضه حتى ولو كان الشاب ابنه أو شقيقه .
3. قام مأمور الإحصاء المعين لإحصاء نفوس عشائر السلايطة والكعابنة في منطقة (خربة أم الرصاص) بإرهاب الشباب وزرع في أذهانهم الخوف وأبلغهم بصراحة أن الحكومة عازمة على تجنيدهم وسوقهم إلى الجندية ونقلهم إلى السفربرلك في ميادين الحرب في البلقان  وأظهر خشونة مع كبار السن، وقلل أدبه مع مشايخ ووجهاء العشيرتين.

مجريات الهيّة :
وقبل عشرة أيام من قيام الثورة قدم الشيخ قدر استقالته كما ذكرنا سابقاً من عضوية اللجان التي تقوم بإحصاء الأنفس من أجل التجنيد الاجباري وكان الهدف من تقديمه لاستقالته هو التفرغ والتخطيط من أجل الثورة وحتى يعظّم الهدف الوطني و الطموح الجمعي للأردنيين عبر الثورة فقدم قام بالتخطيط مع عشائر الطفيلة و قبيلة الحويطات التي كان لها أعظم الأثر في الثورة عندما قامت بمحاصرة الحامية التركية لمدة 14 يوم من أجل عدم امداد الجند التركي في الكرك من الحاميات التركية في معان.
وبتاريخ 14 من تشرين الثاني عام 1910، عقد الشيخ قدر اجتماعًا مع كل من الشيوخ ساهر المعايطة ومحمود طه الضمور وعبدالقادر المجالي وإبراهيم الضمور وكان اجتماعاً خاصًا بمناقشة مجريات الخطة العسكرية والقضاء على الطوابير العسكرية وتعطيل لجان إحصاء الانفس، وقبل انتهاء الاجتماع اقترح الشيخ قدر أن يتم عرض الخطة والأهداف على باقي العشائر الأخرى وأن يتم الاتفاق على اجتماع موسع ليتم فيه الشرح المفصل لتفاصيل ومجريات الثورة وأن يكون مكان الاجتماع ديوان الشيخ قدر المجالي .

في تاريخ 16 تشرين ثاني 1910 تم عقد الاجتماع الموسع في ديوان الشيخ قدر وحضره جميع شيوخ ووجهاء العشائر حيث قدم الشيخ قدر الخطوات المقترحة التي يجب اتباعها في الثورة وهي:

  1. ذهاب الشيخ قدر إلى المتصرف من أجل ابلاغه أنه يجب اخراج عدد من الجندرمه التركية مع كل لجنة تعداد وذلك من أجل توفيرالحماية لموظفي التعداد، وعندما ذهب الشيخ قدر الى المتصرف لم يكن الرد من قبله إلاّ : ( كلام صحيح شيخ قدر )، وكانت خطة قدر تقوم على تقليل عدد الجندرمه من الحامية التركية في القلعة من أجل سهولة الدخول عليها من قبل فرسان الكرك والقضاء على الحامية، أما فيما يخص الجنود الذين تم توزيعهم مع لجان التعداد فالقضاء عليهم يكون على كاهل أبناء كل منطقة من مناطق الكرك توجد بها لجنة لتعداد الأنفس.
  2. إعلان روح المهادنة والتظاهر بقبول الإجراءات المرافقة لعملية الإحصاء، خلال زيارة المتصرف وقائد القوات العسكرية وذلك من أجل إبعاد الشبهة عن تحركاتهم بين العشائر، وتأمين وسائل إنجاح الثورة، من سلاح ورجال.
  3. يكون يوم الثلاثاء 23/تشرين الثاني/1910 موعدًا لقيام الثورة، وأن تقوم كل قرية بمهاجمة الجنود المتواجدين فيها، ثم بعد القضاء على الجنود يتم التوجه الى القلعة لتحرير القلعة من أيدي الجنود العثمانيين.

وفي يوم 21 تشرين الثاني زار الشيخ قدر بعض العشائر في بلدة المزار وعقد اجتماعاً عشائرياً من أجل التأكد من إجراءات الثورة حيث بيّن لعشائر الكرك أنه وسّع الخطة الهجومية على العثمانين مع عشائر معان والطفيلة والمفرق والسلط وغيرها من المناطق وبيّن مهمة كل عشيرة من عشائر الكرك في يوم الثورة وبدأ يشحن ويزيد من حماس الرجال، حيث تعالت الأصوات في نهاية الاجتماع من قبل الرجال وهم يلوحون بأسلحتهم: ( طاب الموت يا عربان الكرك .. المنية ولا الدنية )

وعند الانتهاء من الاجتماع والأصوات تتعالى في سماء الكرك  وفي ذات التوقيت مرّت بالمنطقة سرية عثمانية يقودها سعيد بك ووجهتهم الطفيلة فسارع نشامى الكرك من شدة الحماس وقتلوهم في منطقة وادي الفلقة وأخذوا ما يمتلكون من أسلحة وبغال. انتشر الخبر بسرعة فائقة ووصل الخبر إلى الحاكم الاداري وأيقن الحاكم الاداري أنه بدأت ملامح للثورة، وحينها أعلن الشيخ قدر الثورة رغم أنه كان مقررًا لها ان تنطلق في 23/11/1910 ولكنها تسارعت وأعلنت في 21/11/1910. فأمر الشيخ قدر بإرسال الرسل إلى قريتي العراق وخنيزره .
وبدأ اطلاق الرصاص والهجوم على دار الحكومة التركية وقتلوا من فيها من جنود، ومن ثم أصدر قائد الثورة الأوامر بالتوجه إلى السجن وتحرير من فيه من السجناء وأسر الجنود الأتراك القائمين عليه، وتم مصادرة جميع الأوراق و الدفاتر العثمانية الخاصة بالتجنيد الإجباري وإحصاء الأنفس والضرائب من أجل حرقها.

البحث عن قدر المجالي
وحال وصول أخبار الثورة للقيادة العثمانية أرسلت قوات سامي باشا الفاروقي على عجل إلى الكرك ودقّت البيرزان معلنة الحرب على عشائر الكرك، فأعادت احتلال دار الحكومة ( السرايا ) في الكرك، وبعدها طلب قائد الحملة العثمانية اللواء صلاح بك من الأهالي العودة إلى منازلهم ومنعهم من ايواء الثوار وهددهم بإعدام أي شخص يثبت عليه إيواء الثوار، ويعدم حرقاً كل من يعرف معلومات عن الشيخ قدر المجالي ويخفيها.
وفي اليوم التالي من الحملة العثمانية على المدينة في تاريخ 30/11/1910 قام أحد عملاء العثمانيين بإخبار اللواء صلاح بك بأن الشيخ قدر ومعه مجموعة من الشيوخ قد لجأوا إلى مضارب العشائر الأردنية المحيطة بالكرك فجهز سرية من الجنود الأتراك وأعطاهم تعليمات بإحضار الشيخ قدر ومن معه من الزعماء أحياء أم أموات.
حيث ذكرت جريدة المقتبس أن الأهالي رفضوا رفضاً تاماً الإدلاء بأي معلومات تقود الحكومة إلى مكان اختباء الشيخ قدر المجالي، كما ذكرت الجريدة أن قوات الحملة العثمانية قد قامت بمهاجمة مضارب العشائر الأردنية المحيطة بالكرك بعد أن تم اتهامها بالاشتراك بالثورة ومساعدة الشيخ قدر والشيوخ المرافقين له ، كما قامت الحملة بإلقاء القبض على 100 من الثوّار و المدنيين العزّل ونفذت حكم الإعدام بـ 6 من الشيوخ.
أما مجلة العرفان فذكرت في إحدى أعدادها أن قوات الحكومة وأجهزتها من درك وفرسان وجيش ما زالت تبحث عن شيخ مشايخ العشائر الكركية، وقد أخفت العشائر المحيطة بالكرك والعشائر البدوية المعلومات عن الحكومة، لذلك هاجمت قوات الحملة مضارب البدو، ووجهت لهم تهمة تقديم وسائل الدعم المادي والمعنوي للمتمرد على الحكومة الشيخ قدر المجالي، الذي ما زال متوارياً عن الأنظار وتأديباً لتلك العشائر أعدمت الحكومة ستة من شيوخهم.

لم يتوقف الفاروقي عن ملاحقة الشيخ قدر فهو ما زال حراً طليقاً، استقر الشيخ قدر عند قبيلة بني حميدة وعندما وصل الخبر إلى الفاروقي أرسل حملة بقيادة أمير اللواء ناجي باشا إلى مضارب المجالي والحمايدة، وبدأ الاشتباك بين الطرفين وعمليات الملاحقة حيث تمكنت قوات ناجي باشا من قتل 6 رجال وأسر 60 أخرين، الأمر الذي اضطر بعضًا من فرسان المجالي إلى الهرب للشوبك وهنالك تم أسر عدد من النساء وسجنهم في معان وكان من بينهم زوجة الشيخ قدر النشمية مشخص فارس المجالي وشقيقاها بندر وشفق.
وقد أشار المؤرخ أحمد الخطيب في مذكراته ( حركة التنوير العربية ودورها في العمل الوطني ) إلى ثورة الكرك و حيثياتها بقوله :
( شهدت المنطقة حركات تنويرية ثورية بدأت في جبل الدروز في نهاية عام 1910 وامتدت إلى الكرك، وقد نجح قائد ثورة الكرك الشيخ قدر المجالي في توحيد العشائر تحت رايته، ولاحقته سلطات حكومة الاحتلال العثماني الحاقدة، ولكنها لم تفلح بإلقاء القبض عليه على الرغم من تفتيش بيوت ومضارب الكرك ونواحيها بيتاً بيتاً بحثاً عنه، وتجلت الشهامة العشائرية عندما خاطب أحد مشايخ البدو قائد الحملة ناجي باشا بلا خوف على روحه وعلى جماعته بقوله: يا باشا… الشيخ قدر المجالي كبير قومه وعشيرته ونحن نفديه بأرواحنا لو كان عندنا، وحياتنا لا تساوي بعيراً أجرباً، لو كان في إجارتنا ووشينا به، ولكن الشيخ قدر لا يعرف مكانه إلا الذي خلقه، وفشل ناجي باشا كما فشل الذين جاءوا قبله بإلقاء القبض على المجالي).

صورة للمغارة التي اختبئ فيها الشيخ قدر عندما كان ملاحقًا من قوات الاحتلال العثماني في منطقة الياروت في محافظة الكرك

قدر واسم الحركة ( علي):
كان ( علي ) هو الاسم الحركي للشيخ قدر اذ اختاره لنفسه كسياسة دفاعية وقائية ليبعد عيون العدو عنه و ليستطيع ارسال واستقبال الرسائل دون امكانية تعقبها، وبعدها أصبح الاسم متداولًا بين العشائر للحديث عنه أو لتعقب آثاره دون لفت انتباه القوات العثمانية المتربصة بالتقاط أي خيط يقود إليه، وكانت قد استمرت مدة تخفيه ثلاثة سنوات حتى وقت صدور العفو العام السلطاني
وكان الشاعر البدوي سالم أبو الكبائر من عشيرة الشرارات يخاطب الشيخ قدر عندما كان مطارداً من السلطات التركية، تحت اسم علي، تمويهاً وخوفاً من أن تعرف هذه السلطات مكانه.

وتاليا جزءًا من نص قصيدة الشاعر ابو الكباير الذي يؤرخ للحادثة :

انت قدر سميتك علي وانا خاف صيتك شهر قرناس صهراً مطل

تستاهل البيضا على كل مشراف نفعت ناس بالنظام تولي

نديت بشيوخ كاملين الأوصاف ونلت فخرا من وسط العرب والدول

ربابتي خرسا وطرشا بها انقاف وتقول يا هيل الملا ما حصل لي

وهيل الكرك غابوا ولا واحد انشاف ويوم الملازم يا علي ما حدا فطن علي

مار الغرطاف واعتلى فوق مشراف وهبيت يا للي بالملازم تذلي

استحمد الله يا علي خصمكم خاف ذبح العساكر والملا تشهد لي

من حدود سوريا لبلاد الأشراف الظلم زال والمصاعب تولى

وختمت قافي بخالق العين والكاف والخير اللي بالمجلي يهلي

لقراءة القصيدة كاملة انقر هنا

اعدام الشيخ قدر المجالي:
وعندما بدأت بوادر الحرب العالمية الأولى ودخلت القوات الانجليزية إلى مصر تخوفت الدولة العثمانية من الحركات الاستقلالية في المنطقة وخشيت من أن تتظافر جهود هذه الحركات والنزعات الاستقلالية مع وجود القوات البريطانية فأخذت باعتقال الزعماء ووجهاء العشائر وقادة الحركات الاستقلالية في المنطقة عبر استقطابهم و دعوتهم لاجتماعات بمبررات وهمية و أكاذيب، ولأن الكرك كانت تشكل آنذاك مركزاُ مهما ورئيسياً وبؤرة ساخنة لعدد من الثورات الصغرى التي انطلقت ضد الاحتلال العثماني فما كان من الإدارة العثمانية إلاّ أن أصدرت عددا من الأحكام السرية باستدعاء عدد من شيوخ المنطقة بأساليب التفافية ومن ثم اعتقالهم و تنفيذ الإعدام بحقهم للتخلص من الخطر الوشيك لاشتراكهم بالعمليات العسكرية للثورة العربية الكبرى على الأرض الأردنية حال انطلاقها، كما أن أنباء اتصالات الأمير فيصل مع بعض الشيوخ قد نمت إلى المسؤولين الأتراك، فأرادوا الاحتياط لذلك، وقد لبى الدعوة عدد كبير من الزعماء، وبعد أن قضوا مدة في دمشق فوجئوا باعتقال عدد منهم، كالشيخ قدر المجالي، والشيخ حتمل بن زبن، والشيخ تركي بن حيدر الزبن، والشيخ عبطان الفايز والشيخ شهاب الفقير، وقد وجهت إلى المشايخ تهمة الاتصال بالأمير فيصل وقبول هدايا وأسلحة، ونقودًا أرسلها إليهم،  ولم تستطع الحكومة إثبات التهم، فلم تلبث أن أطلقت سراحهم، ولأن الحقد العثماني بقي قائما لم ينس العثمانيون ما فعله الشيخ قدر إبان ثورة الكرك فأصروا على الانتقام حتى لو كان متأخرا، فبعد صدور الأمر بسجنه ومن ثم اطلاق سراحه اختفى الشيخ قدر وانقطعت اخباره .

وقد سجل الشعر الشعبي قصيدة رثاء للشاعر غنام المزارقة البطوش قالها في اختفاء الشيخ قدر المجالي شيخ مشايخ الكرك في دمشق عام 1917 م بعد توارد الأقاويل و الأنباء عن اغتياله على يد جمال باشا السفاح لقيامه بثورة الكرك؛ تقول القصيدة :

أمسى الضحى شاديت كورا نجيبه تمشي مع الدّيان مشيه عجيبة

العصر بشيحان ترعى العشيبة والصبح تلفي على دمشق الشام

لطل من بوابة الشام واصيح أصيح صوتا يجرح القلب تجريح

ما قول يا أهل الله يا أهل المساريح يا من يعدل حقنا عند حكام

يبكي اعطوي ودموع عينيه سكيبه على قدر يا نــاس طول المغيبة

مدري مع البدوان فوق النجيبة ولا تكسر مركبه بالبحر عام

جمال باشا ما يهاب الخطية كفار ما يعرفوا صلاة ولا صيام

كنكم تبيعـــوه بالمال نشتريه بالزلم والنسوان ناطي الغلابية

وتشير القصيدة الى الظلم والعسف من قبل الدولة العثمانية على عشائر الكرك وكما تشير على اختفاء قدر وفيها حالة تنبؤية لقدوم الثورة العربية الكبرى.
لقراءة نص القصيدة كاملة انقر هنا

وتورد الروايات الشفوية أيضا أنّ المرافق الشخصي للشيخ قدر في سوريا وهو سليمان السعيد يروي أنه في صبيحة إحدى الأيام قدّمت القهوة للشيخ قدر المجالي وبعدما شربها بساعات ساءت الحالة الصحية للشيخ قدر مع آلام شديدة في بطنه، ثم لم يلبث يومين حتى فارق الحياة فقد تم تسميمه عن طريق فنجان القهوة كما أكد الدكتور الذي أشرف على علاجه.

و الرواية الشفوية الأخرى الي تؤكد هذه الحادثة هي شهادة الشيخ تركي بن حيدر الزبن؛ حيث يقول الشيخ تركي:

بينما كنا في جلسة مع الحاكم التركي في دمشق بعد الإفراج عنا، وعدد من الشيوخ ومن ضمنهم الشيخ قدر المجالي شاهدت عسكرياً عربياً بباب قاعة الاجتماع يؤشر لي بوضع سبابة يده اليسرى على رقبته وتمريرها ويمد يده اليمنى كمن يقدم لي شراباً، وبعد قليل دخل شخص آخر يحمل القهوة العربية وفناجينها، وعندها فهمت إشارة ذلك العسكري، وحاولت جهدي أن ألفت انتباه الشيخ قدر أن يتجنب شرب القهوة إن أمكن إلا أن شربه لفنجان القهوة سبق تمرير فحوى الإشارة، وعندما جاء دوري تظاهرت بشربها، حيث وضعت فنجان القهوة ما بين فتحة ثوبي وصدري بدلاً من شربها .

وبين الشيخ تركي في حديثه لمشايخ الكرك بعد عودته من دمشق ودفن الشيخ قدر في مقبرة الشيخ (رسلان) جنوب شرق دمشق؛ معاناة الشيخ قدر لبضع ساعات بعد تناوله السم، فكان يصرخ بأعلى صوته، ويشد على بطنه، حتى أغمي عليه، وخرج من فمه السائل الأصفر، الممزوج بالقهوة، وعرف الطبيب الذي حاول إنقاذه أن السم انتشر في أحشائه، وأنه لا أمل من إنقاذه .

لم تكن تهمة الاتصالات مع الأمير فيصل هي السبب الوحيد فحسب، بل السبب الأهم هو قيادة الشيخ قدر لثورة الكرك على الأتراك عام 1910م، وكنت أنا وعشيرتي من بني صخر من المؤيدين لها، ودعمناها بالسلاح، لذلك كان محكوما علينا بالموت حتى بعد السنين التي مرّت على الثورة.

و لم يكتف جمال السفاح بهذه الجريمة النكراء بحق الشيخ قدر، بل مارس أساليب الغدر بمشايخ ووجهاء العشائر الأردنية فأمر بإلقاء القبض على مجموعة منهم ونفاهم إلى بلاد القفقاس ولم يعودوا إلا بعد انتصار الثورة العربية الكبرى ورحيل المحتل العثماني،فنفي من وجهاء السلط : صالح خليفة، مطلق المفلح، خليفة عبد المهدي، يعقوب السكر، صالح البخيت واخوانه الثلاثة، مفضي النجداوي، ونفي من وجهاء الكرك : عودة القسوس، خليل العكشة، عبد الله العكشة وغيرهم، ونفي من وجهاء مادبا : يعقوب الشويحات، إبراهيم جمعان، إبراهيم الطوال، يوسف معايعه، وسليم مرار وغيرهم، ونفي من وجهاء العقبة ومعان : عبد الرحمن ماضي، أحمد ماضي، محمد عبد الجواد، وغيرهم إلى مدينة حماة.

وهكذا كُتب لقصة حياة هذا البطل الأردني أن تنتهي بعيدا عن ثرى وطنه، ورغم هذا الغياب المحزن بقي حضوره منقوشا في الذاكرة كزعيم و ثائر أردني لوّع قلوب المحتلين وأوجع جنباتهم، ولم يتنازل لحظة عن مسؤوليته في حفظ كرامة أهله ووطنه، حتى لو كان الثمن حياته بعيدا في سجون ذات المحتل.

المصادر:

بحث منشور لإرث الأردن عن ثورة الكرك 

لقاء من قبل فريق إرث الاردن مع الباحث التاريخي فرّاس دميثان المجالي ،الكرك، تاريخ4-6-2016

ألفاظ وأشعار كركية، فراس دميثان المجالي، مطبعة السفير،2009.

جريدة المقتبس،عدد 651 ،الصادر يوم 15/نيسان/1911

مجلة العرفان، الصادر يوم 2/ كانون الثاني/1916، المجلد الثالث -الجزء الاول

مذكرات المرحوم عودة القسوس، صفحة 55.

كتاب العمليات الحربية، القسم الثاني من الجزء الثاني صفحة 217.

بحث منشور للمؤرخ محمود سعد عبيدات، 2008.

معلمة التراث الأردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، الجزء الرابع

الموقع الالكتروني لقبيلة المجالي.

الشيخ قدر المجالي ، مقالة منشورة للدكتور احمد عويدي العبادي، موقع كل الاردن،تاريخ11-8-2015

الشيخ قدر صالح المجالي

تمهيد
أتت هذه القصيدة الرثائية للشاعر غنام المزارقة البطوش كرد فعل على استشهاد الفارس الشيخ قدر المجالي شيخ مشايخ الكرك في دمشق عام 1917 م بعد اغتياله على يد جمال باشا السفاح لقيادته لثورة الكرك عام 1910، وفي القصيدة سرد لحالة الألم و التوجد على رحيل الشيخ قدر اثر ورود أخبار اغتياله من قبل العثمانيين، كما تظهر حالة تنبؤية بقدوم الثورة العربية الكبرى و تطهير الأرض الأردنية من الاحتلال العثماني.

الفارس البطل الشيخ قدر المجالي

يقول الشاعر غنام البطوش في قصيدته :

يبكي عطوي ودموع عينه سكيبه  على قدر يا ناس طول مغيبه

مدري مع البدوان فوق النجيبه  ولا تكسر مركبه بالبحار عام

امسى الضحى شدّيت كورا نجيبه  تمشي مع الديّان مشيه عجيبة

 العصر بشيحان ترعى العشيبة والصبح تلفي على دمشق الشام

لطل من بوابة الشام واصيح أصيح صوتا يجرح القلب تجريح

 ما قول يا أهل الله يا أهل المساريح يا من يعدل حقنا عند حكام

 ما التام لو عارضي بان شيبه ودموع عيني فوق خدي سكيبه

يا مسلمين الله هــذه  مصيبة شفته جاو القفص عند الاردام

قولوا لعمّي لا يبطي علي  حالوا علي الترك مالي جنيه

جمال وأنور ما ايهابوا الخطيّة كفار ما يعرفوا صلاة ولا صيام

كنكم تبيعـــوه بالمال نشريه بالزلم والنسوان ناطي الغلا به

ما نحتسف على مالنا لو غدى بيه تبشّروا هيل الكرك عزنا دام

 والله لو تحطّوا كياس وملايين وتقدموا بيوت الشعر والدواوين

وتقدموا كل البنات المزايين ما هقوتي يطلع لكم قدر بحشام

 يا عـم لـم الـعـز مـن كـل فيه وابني بيوت الحرب للحربجيه

يجيلك ابــو شوكت فوق العبية جمعه كبير ويدهك الترك لقام

 بارود بالحزمان ناره هضية  اخوات حسنة يا شيوخ الشفية

عيال ما يهابون سوم الخطيةّ  ما لكل منهم حامل للبندقية

 يقول لك ذياب عيبا علي  إن كان ما جيناك برواحنا كرام

 باكر يجو البداوي كما السيل داوي ليهم على ظهور النجايب حداوي

يجيلك اخو عليا صبيا نداوي عوده مضـرا للعدا ضد وسطام

علويه داني معتلي فوق حايل في وسط ربعي طالبين النفايل

بايمانهم حدب السيوف الصقايل رفيفان معهم بأول الخيل قدّام

علويه واني متسع بالفضية وعيال عمّي عزوتي فوق خمسمية

في ايمانهم حدب السيوف الرهية لعيون مشخص ندهك الترك ولغام

دليوان ينخى بالعيال السكارى الشور اصبح شور منهو شارا

خلو جموع الترك تفدي دمارا يوم اوقفوا بطريق الدكاكين لحام

معهم سعود فوق صفرا خفيفة سهم البلا متنطحا للرهيفة

طريح أخو نوفه لزوما يخيفه الروح يجلبها على كل سوام

 معهم كريّم شوق بنتًا طموح ومحفل البندق شنيع الجروح

اللي طريحه عالمناكب يلوح يرم اللحم للطير لفه لفا شمام

شفى ان قال المصيح هلا الخيل تحّزموا من عقب ما هم مرافيل

ثاروا على شعث النواحي مغاليل ملكادهم يشبع به الطير لحام

لجن بالفرسان كظ الا عنه يا طالبات المنع ما من محنه

منا ومنهم إبشري يا مجنه يا الله سعوفك يوم روغات الزحام

يا حيف ياريف المناكيف يا حيف يا منوة الخطار يا مكترم الضيف

يا فرزة البولاد يا شـظرة السيف يا قدر ياللي للدخيلات سلام

وجدي عليه بالسنين المحيله لن حط بيته فوق راسه الطويلة

يتقدم الـخـدام عند النفيلة والنجر يضبح للخطاطير عزام

وجدي عليه ليا لفى هاشل الليل يا مقعد الخودان وهن مرافيل

يا قدر يا ذيب النعاج المحاييل يا محلّي لحم السمينات بيدام

اقطع لساني إن كان هالهرج ما يصير يجي من القبلة جموع ودعاثير

باكر يجي فيصل قايدا للطوابير جدّه مأرخ بالورق سيد الإسلام

يبني بيوت الحرب فوق التوانه وحريمهم كل يوم زادت احزانه

تصبح دويلتنا بحال المهانة الله ما أقرد يومها بكل الأيام

تفسير الأعلام :

عطوي : الشيخ عطوي المجالي – شقيق الشيخ قدر المجالي

جمال و أنور : الجنرال التركي جمال باشا السفاح و أنور باشا و زير الحربية التركي

اخوات حسنة : نخوة عشيرة القطاونة الكركية

ذياب : الشيخ ذياب المجالي

أخو عليا : نخوة الفارس الشيخ عودة أبو تايه – أحد فرسان و شيوخ قبيلة الحويطات

رفيفان : الشيخ رفيفان باشا المجالي – عم الشيخ قدر المجالي .

مشخص : مشخص فارس شلاش المجالي، زوجة الشيخ قدر المجالي.

دليوان : عم الشيخ قدر المجالي .

سعود : الفارس سعود المجالي .

كريّم : الشيخ كريّم العطيات أحد فرسان وشيوخ قبيلة بني عطية .

فيصل : الأمير فيصل بن الحسين – الملك لاحقا – قائد الجيش الشمالي للثورة العربية الكبرى .

المصادر:

كتاب الفاظ وأشعار كركية، فرّاس دميثان المجالي، مطبعة السفير2009

قصيدة غنام البطوش في قدر المجالي

Scroll to top