12265855_10203930978195060_3836039399301429186_o

ثمّن أجدادنا الأردنيون الضيافة غالياً، و من مظاهرها و أعمدتها القهوة، حيث يشرب المعزب ، الفنجان الأول على الملأ ، ليتأكد من سلامة القهوة ومذاقها وجودتها.

وفي العقود الماضية كان لدى شيوخ العشائر الأردنية وبعضهم ما زال لديه حتى الآن ، قهوجي متخصـص يدعى           « الفداوي »  وهو إضافة إلى إتقانه صانع القهوة ، لا بد له من أن يتقن العزف بالمهباش في النجر (جرن بن القهوة ) . ونجر الشيوخ مصنوع عادة من خشب البطم أو الزيتون المشغول والمزخرف بمسامير نحاسية ، طوله بين 50-60 سم، والفداوي الذي يكسر النجر أثناء دق المهباش ، يستحق عند الشيخ  لبسة تسمى (لبسة الجرن) لأن كسره دليل على كرم الشيخ الذي لا تموت ناره ولا يتوقف دق المهابيش في داره .

و لدى العشائر الأردنية ثماني قواعد رئيسية للتعامل مع القهوة، نذكرها تباعاً:

القاعدة الأولى: (القهوة مفتاح السلام و الكلام)، أي أن الضيف و المعزّب لا يأخذان راحتهما بالكلام إلا بعد أن يشرب الضيف فنجان القهوة الأول، فيكون بذلك قد مالَح المعزب و أمن أحدهما الآخر و أخذا حريتهما بالكلام في أمان مطلق.

القاعدة الثانية: (القهوة قصّ مش خَصّ لو كان أبو زيد عاليسار) أي أن تقديم القهوة يبدأ من الجالسين على يمين المعزب الذي يقدم القهوة ثم يستمر باتجاه اليسار بغض النظر عن منزلة الشخص الجالس إلى اليسار. و تكسر هذه القاعدة فقط في حال وجود ضيوف غرباء، حيث يبدأ المعزب تقديم القهوة عندهم، وحينها تصبح القاعدة الأعم والأشمل ( القهوة أولها خص وثانيها قص ) ، أما في الجاهات ، يقدّم أول فنجان لكبير الجاهة ، ثم لأفرادها ، ولكنهم يمتنعون عن شربها، حتى إذا تمت استجابة المعزب لطلب الجاهة ، قال لهم : إشربوا قهوتكو.

القاعدة الثالثة: (فنجان للضيف، فنجان للكيف، و فنجان للسيف) أي أن نِصاب القهوة ثلاثة فناجين. و كان من حق الضيف الداخل إلى بيت أحدهم أن تقدم له القهوة، و إذا لم يحصل ذلك يحق للضيف أن يطالب المعزّب بالحقوق الناجمة عن عدم احترامه.

القاعدة الرابعة: يمسك المعزب أو صبّاب القهوة الدلة بيسراه و الفناجين بيده اليمنى، و يصب القهوة و هو واقف ثم يناولها للضيف بيده اليمنى.

القاعدة الخامسة: يجب على الضيف تناول القهوة بيده اليمنى، ثم أن يشرب و يرجع الفنجان إلى صبَّاب القهوة يداً بيد و لا يجوز أن يضع الفنجان جانباً قبل أن يشرب منه إلا في حالات فنجان الجاهة.

القاعدة السادسة: يستمرّ صبَّاب القهوة بتقديم القهوة عن يمينه للضيوف بعدد الفناجيل التي بيده و بعدها يعود لأول ضيف فيأخذ منه فنجاله و يستمر في تقديم القهوة من حيث توقف، و هكذا حتّى آخر ضيف.

القاعدة السابعة: من المعتاد أن ينحني صبَّاب القهوة أثناء تقديم الفنجال للضيف، و في ذلك زيادةٌ في الاحترام للضيف.يقول المؤرخ الدكتور محمد أبوحسّان :”و أَذكر في ذلك أنني كنت ضيفاً عند أحد بيوت منطقة تقع جنوب مطار الملكة علياء الدولي، و لم ينحنِ صبَّاب القهوة عندما قدّم لي الفنجال، فلاحظ ذلك المعزب و قام بصرفه من البيت و اعتذر لي اعتذاراً خجلت لشدة صدقه و إلحاحه و أبى إلا أن يقدِّم لي القهوة بيده و يقف أمامي إلى أن فرغت منها و هززت له بفنجالي.

القاعدة الثامنة: إذا كان الضيف مشغولاً بالحديث أو خلاف ذلك ينبهه صَبَّاب القهوة إلى وجوده بأن يدق الفنجال بمقدمة الدلّة، و على الضيف أن يهز الفنجال لدى إرجاعه كإشارة إلى أنه لا يرغب بالمزيد، فإذل لم يهزه وجب على الصَّباب أن يعيد الصب.

وهنالك العديد من القصائد النبطية التي تمتدح قهوة البن وتصف صنعها وتقاليدها ؛ ومنها :

يا عاملين البن وسط التراميس

 لا تقطعونه من حشا مرضعاتو

ردوه لامات الخشوم المقاييس

 صفر الدلال اللي عليها حلاتو

 ما عاد شفنا البن وسط المحاميس

يحمس وصوت النجر طوّل اسكاتو

المصادر:

  • كتاب “تراث البدو القضائي نظرياً و عملياً” للدكتور محمد أبو حسّان- الطبعة الثالثة 2005
  • المعزب ربَّاح، ناهض حتر وأحمد ابو خليل، منشورات البنك الأهلي، الطبعة الأولى، 2014، ص438
  • زيارات إرث الأردن الميدانية أثناء مرحلة البحث
  • الصورة بعدسة الصحفي سهم الربابعة

قواعد التعامل مع القهوة لدى الأردنيين

Scroll to top