السمسمية : قيثارة الساحل الأردني

سفيان جاسر (عازف سمسمية)

مقدّمة

يمتاز النشاط الموسيقي الأردني تاريخيًا بانفتاحه على التجارب الأخرى وتفاعله معها إيجابيًا بسلاسة وأصالة، فمنذ عهد الأردنيين الأنباط  كان اقتباس النماذج الموسيقية من الحضارات المجاورة سمةً واضحة في الثقافة الأردنية، بفضل اتساع الممالك الأردنية القديمة يطرتها على الخطوط التجارية العالمية وعلاقتها الجيدة وتماسها المباشر مع العواصم الحضارية العالمية، ومن هذا المنطلق كانت آلة السمسمية بصفتها الآلة الموسيقية الأكثر شهرةً على سواحل البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسّط، واحدةً من الآلات التي انضمت إلى عائلة الآلات الشعبيّة الأردنية وتوشّحت أوتارها بالأزياء الصوتيّة الأردنية الطالعة من الإرث الشعبي الأردني.

رغم الاعتقاد بتواجد آلة السمسمية على سواحل مدينة العقبة منذ فترات تاريخية قديمة، إلا أن الاهتمام الأكبر بها كان في مرحلة ما بعد التحرر من الاحتلال العثماني، وخلال النهضة التي شهدها الأردن عمومًا والعقبة بنوع خاص، أخذت السمسمية بالانتشار كآلة شعبيّة أردنيّة، واحترفها عازفون متخصصون من مختلف الأجيال في القرن العشرين وصنعوها بإيديهم، وظل الاهتمام بها متزايدًا وصولاً إلى مرحلة تطويرها من شكلها التقليدي إلى نسخة امتازت باتساع قدراتها التقنية والصوتية.

أجزاء آلة السمسمية 

  1. الصندوق الصوتي : وظيفته تكثيف صوت الأوتار عند النقر عليها، وهو الكتلة الأساسية في هيكل الآلة، غالبًا ما يكون دائريّ الشّكل ومغلق من الجهتين باستثناء الجهة الأمامية والتي تُدعى “شمسية السمسمية”، تكون فيها بعض الفتحات الزخرفية التي تسمح بدخول الصوت إلى الصندوق لكي يتضاعف رنين الأصوات الصادرة عن اهتزاز الأوتار.
  2. الأوتار : وظيفتها إصدار الصوت الأساسي للسمسمية من خلال النقر عليها بواسطة ريشة العازف، وهي أوتار معدنية فولاذية رقيقة شبيهة لأوتار آلة المندولين.
  3. نقطة تجمّع الأوتار : يتم ربط الأوتار من جهة الصندوق الصوتي بواسطة حلقة معدنية تنطلق منها جميع الأوتار لتمر فوق الصندوق ثم إلى عامود السمسمية.
  4. الغزالة : ولها تسميات أخرى مثل “اللقمة، الدعمة، الرّكاب، الحصان”، وهي عبارة عن قطعة خشبية يتم تثبيتها على الصندوق الصوتي لتمرّ فوقها الأوتار وتمنع ملامسة الوتر لشمسية السمسمية أو الوجه الأمامي الصندوق، وبالتالي تسمح للوتر أن يكون حُرًّا عند النقر عليه لإصدار الصوت.
  5. المفاتيح : أو العصافير أو المرابط، وهي شبيهة بتلك المستخدمة في آلة العود والكمنجة، وتُستخدم لتثبيت الأوتار على عامود السمسمية ووظيفتها التحكّم في دوزان الأوتار عبر فتل المفاتيح للوصول إلى نغمة الوتر المُطلق.
  6. المسند والممسك : وهما ضلعان خشبيّان يتفرّعان من الصندوق الصوتي، أحدهما يُدعى الممسك بصفته الضلع الذي تُحمل منه السمسمية عند نقلها من مكان إلى آخر، والآخر يُدعى المسند باعتباره الضلع الذي يُثبّته العازف على فخذه في وضعية العزف.
  7. عامود السمسمية : وهو العامود المقابل للصندوق الخشبي، وفيه يتم تثبيت المفاتيح وربط الأوتار بها، ومن خلالها تتم عملية دوزان الأوتار.
شرح توضيحي لأجزاء آلة السمسمية

 تقنية العزف على آلة السمسمية 

تتكوّن السمسمية التقليدية من ست أوتار فقط، ولا يمكن لأي وتر أن يتم العفق (الضغط بالأصبع) عليه لإصدار أكثر من صوت، فكل وتر يمكنه أن يعزف نغمة واحدة فقط، بعكس آلات وترية أخرى مثل العود الذي يمكن إصدار أكثر من نغمة من الوتر الواحد بواسطة العفق على الوتر لتغيير مدى اهتزازه، وعليه فإن آلة السمسمية بشكلها التقليدي تُصدِر ست نغمات تشكّل سُلّمًا موسيقيًا ناقصًا، علمًا أن السلّم الموسيقي الكامل يتكوّن من سبع نغمات بالإضافة إلى تكرار النغمة الأولى، أي ثمانية.

العفق على أوتار السمسمية

جرت العادة أن تعزف السمسمية جنس(1) الراست من درجة دو Do، وذلك  لطبيعة الأغاني الشعبية التي تعزفها السمسمية، إلا أنه يمكن للسمسمية التقليدية أن تعزف أجناس موسيقية مختلفة مثل : (بياتي، كُرد، حجاز، نهوند، عجم، صبا)، أو (عقد( 2) نوا أثر، عقد الأثر كُرد)، أو نسبة (3) سيكاه.

التقنية التقليدية للعزف على السمسمية هي عبر نقر أوتارها بالريشة الموجودة في اليد اليمنى للعازف، وتكون أصابع اليد اليسرى مُثبّتة على الأوتار، لكل أصبع وتر، وبعكس الآلات الوترية الأخرى، فإن الصوت يصدر من الوتر بواسطة رفع الأصبع عنه وليس بوضع الأصبع عليه، وهذا ما يعطي للسمسمية القدرة على أن تُصدِر صوتين : الأول نغمي من خلال الوتر المُطلق، والثاني صوت إيقاعي يصدر عن الأوتار المكتومة بالأصابع.

أما التقنية الأخرى للعزف على السمسمية فلا تُستخدم فيها اليد اليسرى لكتم صوت الأوتار، بل يتم تحرير جميع الأوتار والنقر مباشرة عليها، مما يجعل أداءها في هذه الحالة قريبًا من آلة القانون.

 تطوير آلة السمسمية في الأردن

كغيرهم من أجيال الأردنيين الذين انفتحوا على الحضارات الأخرى وأخذوا عنها وأعطوها وساهموا بتطوير الآلات الموسيقية أو واكبوا تطويرها، كان الفضل للجيل المعاصر من عازفي وصانعي السمسمية الأردنيين في مواكبة وتطوير وتحديث هذه الآلة والإضافة عليها في مطلع القرن الواحد والعشرين.

كان الدافع هو الانطلاق نحو آفاق صوتية وتقنية جديدة من آلة السمسمية، وتوسيع مداها الصوتي عبر زيادة أوتارها حتى وصلت إلى نحو عشرين وتر بشكلها الحديث، وعبر إضافة أوتار الجيتار والعود التي تختلف في غلظها وطابعها الصوتي عن أوتار المندولين، حصلت السمسمية على طابع صوتيّ أكثر لمعانًا وتنوّعًا، واستطاعات إذن أن تكون آلة رئيسية في أي فرقة موسيقية، وبعد أن كانت محصورة بست نغمات تشكّل سلّمًا موسيقيًا ناقصًا؛ أصبح بالمقدور أن يُعزف على السمسمية أي سلّم أو مقام موسيقي(4)، حيث وصل مداها إلى أوكتافين ونصف الأوكتاف، ما يعني أيضًا إمكانية أداء مقامين مختلفين من درجات مختلفة في نفس الوقت!.

لم يكن تطوير آلة السمسمية مقتصرًا على الناحية البنيوية وحسب، بل أيضًا تم ابتكار آليّة تقنية يتمكّن من خلالها العازف أثناء عزفه من تغيير وضعية شد الوتر بالرفع (الشد) أو الخفض (الرخي) بواسطة التحكم بإسفين المفتاح الخاص بالوتر، مما يُفسح المجال أمام العلامات العارضة Accidental notes 5 التي بدورها تعطي العازف خيارات نغمية أكبر تمكّنه من تغيير الجنس أو المقام دون الحاجة إلى إعادة دوزان الوتر.

 رفيقة الصيّاد العقباوي

كانت وما تزال السمسمية في العقبة رفيقة الصيّاد في مهنة الصيد التي تتمحور حولها العديد من المفردات والمفاهيم الفنية في الثقافة الجمالية العقباوية الأردنية، فحضور السمسمية مع الآلات الإيقاعيّة والصوت الغنائي البشري المنفرد أو الجماعي، في الطقوس الحرفية وبخاصة رحلة الصيد التي تُسمّى “السَّرْحَة”، تجعل من مراكب الصيّادين وتجمّعاتهم أشبه بالمسارح المتنقّلة على أمواج البحر الأحمر، تؤدى فيها الأغاني الشعبية التي تتجلى فيها معانٍ سامية فيها الكثير من الاحتفاء بالقيم الإنسانية كالصداقة والجيرة ومحبّة الآخرين مثل :

عقباوي يا خال بَحري وصيّاد بَحِبّ الصّحبة وبحب الناس

وأصون العشرة بكل وداد وأراعي الود بكل إحساس

أو الأغاني المستوحاة من طقوس الصيد وفيها مشاعر الحماسة والحث على العمل الجاد في الصيد مثل :

احْنا الشّباب الصيّادينْ                  والبحر الأحمَر بَحرنا

بِنَسْعى فيهْ شِمال ويَمينْ               نِصطادْ سَمَكْ، ميْن زَيّنا؟

بلاميْطة بلاميْطة(6).. يا صيّادين

شباب العقبة .. الصيّادين

وفي العقبة أجيال متعاقبة كان فيها عازفي سمسميّة محترفين وروّاد ساهموا في الحفاظ على هذا الإرث ونقله من جيلٍ إلى جيلٍ بأمانة وإخلاص، ومن هؤلاء الروّاد : طُلُب عبّاس، جمعة شحاتة، عبدالحميد أبو الدوح، حسن الشرقاوي، عبّاس الفاخري. وعلى يدهم تتلمذ العديد من الشباب مثل : حمدي ماضي وعبدالله أبو عوض، الذين هم اليوم يحترفون العزف على آلة السمسمية ومنهم مَن قام بتطويرها مثل سفيان جاسر، الذي كان له دورٌ ريادي في نشر هذه الآلة والمساعدة في إجراء الأبحاث والدراسات الأكاديمية حولها، وتعليمها إلى الطلاب الذين يرغبون باحترافها.

ولعل فرقة العقبة البحرية للفنون الشعبية هي المنصّة الحاضنة لكل هذه الطاقات منذ وقت طويل، وهي التي حملت النغم العقباوي الأصيل على آلة السمسمية إلى كل أصقاع الدنيا في مشاركات فنيّة حازت فيها الفرقة على العديد من الجوائز والدروع التكريمية.

التجارب الحديثة

لم يقتصر دور السمسمية في الأردن على الأداء التقليدي الشعبي، فلقد اهتم بها العديد من الملحنين ومؤلفي الموسيقى، كان من أبرزهم الموسيقار الأردني طارق الناصر الذي كان من السبّاقين إلى الاهتمام بالتراث الموسيقي الأردني وإعادة انتاجه وتسويقه بأنماطٍ حديثةٍ ومعاصرةٍ. وكان للسمسمية حضورها اللافت في أغاني من التراث البحري الأردني هي : “والله الزّمان”، “يا بنت يا ام الدبل”، و”الخيزرانة”، التي تم اطلاقها في أسطوانة “يابو رديّن – مختارات من التراث الأردني”.

تعريف مفردات البحث:

  1. جنس : جزء من المقام الموسيقي الشرقي، ويتكوّن من أربع نغمات موسيقية يُحصَر بينها ما مجموعه عشرة أرباع من الدرجات.
  2. عقد : جزء من المقام الموسيقي الشرقي، ويتكوّن من أربع نغمات موسيقيّة يُحصَر بينها ما مجموعه إثنا عشر ربعًا من الدرجات.
  3. نسبة : جزء من المقام الموسيقي الشرقي، ويتكوّن من ثلاث نغمات موسيقية يُحصَر بينها ما مجموعه سبعة أرباع من الدرجات.
  4. مقام موسيقي : المقام هو اسم السلّم الموسيقي الشرقي، يتكوّن من ثماني نغمات متسلسلة تشكّل في مجموعها 52 كوما تبدأ بالنغمة الأولى “القرار Tonic” وتنتهي بالنغمة الثامنة “الجواب Octave”، ويتكوّن المقام من تركيب جنسين أساسيين، أو عقد وجنس، أو نسبة وجنسين، وغيرها من التراكيب التي تشكّل المقامات الموسيقية الشرقية المتنوّعة.
  5. العلامات العارضة Accidental Notes : هي علامات الخفض والرفع (Sharps & Flats) غير الظاهرة في دليل المفتاح Key Signature  المُثَبَّت في بداية السطر الموسيقي، والتي تظهر بحسب السياق اللحني أو النسيج الهوموفوني وتؤدي إلى تغيير طابع اللحن.
  6. بلاميطة : نوع سمك في خليج العقبة.

المراجع :

عبيدة ماضي، مبادئ نظريات الموسيقى الشرق-عربية، الجامعة الأردنية، 2011.

مقابلة لفريق عمل إرث الأردن مع الباحث في التراث الشعبي البحري الأردني عبدالواحد أبو عبدالله، العقبة، 2015.

مقابلة لفريق عمل إرث الأردن مع مصنّع ومطوّر وعازف آلة السمسمية سفيان جاسر، العقبة، 2018.

Scroll to top