الشيخ الشّهم سعيد باشا أبو جابر

الشيخ سعيد فرحان ابو جابر

saeedabujaber

مقدمة

عندما يذكر التاريخ الأردني الرعيل الأول الذي شارك في نهضة الوعي الوطني ، يكون الشيخ سعيد باشا أبو جابر من الأسماء المتصدرة في الصفحة الأولى من هذا التاريخ ، بخاصة في مجال نهضة الوعي بالاقتصاد الوطني، وإصلاح الأراضي، وتنشيط المسألة الزراعية، منذ كان صبياً يعمل في معية والده الشيخ فرحان أبوجابر.

كان سعيد باشا من الرعيل الأردني الأول الذي له الفضل في صيانة مجموعة القيم الأردنية كرماً ومشورة، وحكمة، ورجاحة في العقل ورياحة الضمير، والصدق في المواقف، والتوازن بين الشخصية والرجولة، فالتاريخ يصنعه الرجال، ممن كانوا سلفا صالحا، كرماء بأرواحهم من أجل الأمة والوطن، وعظماء بمستويات نكران الذات والأنانية.

وأعظم ما يميزهم أنهم أهل ذمة، وشرف وكبرياء، ولم تكن مفردات الفساد والإفساد والرشوة في قاموسهم السياسي والاجتماعي والعشائري والخلقي، لأنهم ورثوا عن آبائهم وأجدادهم شرف الانتماء للأرض، وضمائرهم غير قابلة للبيع وللشراء.

ومن وحي هذه السلوكيات كان الوجيه الوطني سعيد باشا أبو جابر، شريفاً نزيهاً، يعطي ولا يأخذ، وتشهد على ذلك حواري السلط و قرى البلقاء، ووثائق الثورة الحورانية  الأردنية والجولانية السورية، وجبل العرب، ورسائل قادة الثورة السورية من أمثال : سلطان باشا الأطرش، والأمير عادل أرسلان، والأمير شكيب أرسلان، والمجاهد عقلة القطامي.

كان صوته يمثل صرخة في وجه الاحتلال و الظلم والقهر وغضب الذاكرة، وكانت معاناته لإنهاء معاناة المنكل بهم من العثمانيين وكل الجائعين والمحرومين والفقراء، وكانت سعادته في رؤية الابتسامة في وجوه الاطفال، ولم ينسى أبداً أنه الابن البكر لصاحب الكف العرقان ” الشيخ فرحان أبو جابر “، لذلك كان مثل أبيه السيف القاطع للبؤس، وماسح دموع الأرامل.

نشأته وشبابه

ولد الشيخ سعيد بن فرحان بن صالح أبو جابر عام 1885 في مدينة السلط، وعلى الرغم من نكبة السلط وأهاليها جراء تدميرها من قبل المدافع التركية لإجهاض ثورة البلقاء بقيادة الشيخ قبلان العدوان سنة 1882، إلا أن ولادة سعيد كانت البلسم الشافي للأسرة بشكل عام والجدّ صالح بشكل خاص، كون الوليد الجديد هو أول حفدته من الذكور، وتعبيراً عن هذا الفرح أقدم الشيخ صالح على منح أحد رجاله الذي نقل إليه خبر مقدِم سعيد للحياة البارودة التي كان يحملها وليرة من الذهب ” حلوان البشارة على عادة أهل ذلك الزمان، إذ كان التقليد أن تقدم هدية محرزة لمن يجلب أخبارًا سارة “.

عاش سعيد طفولة مدللة من قبل الجد والوالدين، حيث كانت الأسرة كما ذكرنا ميسورة الحال، اقتصادياً ومالياً، وجاهاً اجتماعياً، وعند بلوغه سن الطفولة المؤهلة للدراسة، درس في مدارس السلط الأهلية العائدة للطوائف المسيحية، نظرًا للإفتقار إلى المدارس الحكومية آنذاك في ظل عدم اهتمام الاحتلال العثماني بشؤون التعليم و الصحة لإنشغاله بالجباية و التجنيد الاجباري.

4.indd
صورة لمدينة السلط و بقايا قلعتها في الفترة التي ولد فيها سعيد باشا أو جابر

 

صفاته

تحمل الطفل سعيد مسؤولية العمل الزراعي في سن مبكرة من عمره، حيث لم يتجاوز العاشرة من عمره، عندما بدأ العمل بمساعدة والده وعمه في إدارة الأعمال الزراعية في مزارع اليادودة، والذي ساعده على تحمل هذه الصعاب جسمه القوي، وبنيته الجسمية التي لم تدل على عمره، وقيل : كان وسيماً طويل القامة، عريض المنكبين، ويوحي منظره بسن أكبر من عمره الحقيقي .

بعض العوامل التي أثرت على بناء شخصيته
كثيرة هي الأحداث التي صقلت شخصية الفتى سعيد، ونمت رجولته قبل أوانها، وشاهد بأم عينيه القتل والاقتتال وهو في العاشرة من عمره، وتعرض لمحاولة القتل من قبل مجموعة من البدو وهو في هذا العمر المبكر، والحكاية كما يرويها الدكتور رؤوف أبو جابر تعود بجذورها إلى سنة 1880، عندما أقدم عمه سليم على قتل أحد الأشقياء من البدو، وظّل سليم منذ ذلك التاريخ مطلوباً للثأر من قبل عشيرة القتيل، وظلت الطلابة قائمة حتى سنة 1895 عندما تصدى أفراد هذه القبيلة لقافلة من قوافل صالح أبو جابر الذاهبة إلى الكرك، وكان مع رجال القافلة الطفل سعيد بن فرحان أبو جابر الذي كان يبلغ العاشرة من العمر، وهدد المسلحون بقتله على سبيل الثأر من مقتل ابن القبيلة “.

زواجه

في عام 1908 أصبح سعيد في الثالثة والعشرين من عمره، وهذا السن يؤهله للزواج، وقد عرض عليه الزواج قبل ذلك إلا أنه رفض بسبب انشغاله بالزراعة وبإصلاح الأراضي البور حيث كان والده قد عينه في الإشراف على الأعمال الزراعية كافة، ولكن الأسرة و بخاصة جدته لأبيه كانت مستعجلة على زواجه، فالفرحة بالحفيد لا تقل سعادة عن الفرحة بالولد، بخاصة أن سعيد الحفيد الأول الذي ستفرح به الأسرة.

أصرت السيدة الفاضلة على زواجه، وأقنعت الوالد والوالدة بذلك فرحلت إلى الناصرة وطبريا لزيارة أقاربها، وكان الهدف اختيار عروس للشاب سعيد، ولما كانت السيدة صاحبة قرار ومشورة في الأسرة، وتملك قدرة على تحكيم العقل بعيدا عن العاطفة، بالإضافة إلى تجربتها ومعايشتها للأسر الكركية، قالت كلمتها المشهورة ” ما زولها قعوار بقعوار لا بد قعوار السلط أحسن إلنا “.

ورجعت إلى السلط، ولم تخطب الفتاة التي رشحت لها ولكن يبدو أن نيتها كانت ضمن فتيات آل قعوار، حيث الأسرة الكريمة المشهورة بين الناصرة والسلط بالسمعة الطيبة والنسب المحترم، فوقع اختيارها على الآنسة مريم بنت حنا قعوار من السلط، فتم الزواج في عام 1908 نفسه، وتم الزواج بمشاركة أهل السلط والأسرة والأسر الأخرى المقيمة في الناصرة و طبريا، ويشهد أهل السلط أن عرس سعيد كان مميزاً حيث تجلى كرم الجوابرة، واستمرت الأفراح عشرة أيام.

وقبل أن يكمل سعيد سن الثلاثين أصبح رب أسرة مؤلفة من : وداد التي ولدت عام 1910، ولولو التي ولدت عام 1912 وفهد الذي ولد عام 1914 ونازلي التي ولدت عام 1916، استمرت حياة الشاب سعيد بين الإقامة في السلط ” حيث كان من وجهائها المعروفين وصاحب المضافة المفتوحة ” وبين مزارع اليادودة حيث أقام والده وعمه حتى وفاتهما سنة 1917.

بعد وفاة والده أصبح سعيد شيخ عشيرة الجوابرة، حيث بدأت المهمات الصعبة والتصدي لعسكر جيش الاحتلال التركي الذين استغلوا دخول تركيا في أتون الحرب العالمية الأولى 1914 إلى جانب ألمانيا ضد الحلفاء، فأخذوا يفرضون المشاركة بالمجهود الحربي بإفراغ مخازن الحبوب من مستودعاتها.

في مجلس قضاء السلط

شغل سعيد أبو جابر مدة عشر سنوات عضواً في مجلس قضاء السلط، وهذه السنوات العشر من تاريخ الأردن تعتبر بحكم الزمن من التاريخ العثماني، ولكنها من حيث التاريخ والواقع هي السنوات العشر الأخيرة من الحكم العثماني الذي دام أربعمئة سنة، وهي بدقة أكثر تاريخ العشر السنوات الأخيرة، لاحتلال تركي قومي للأردن والبلاد العربية.

ويعد سعيد أصغر أعضاء مجلس قضاء السلط، وربما أصغر عضو في مجالس الأردن، حيث كان عمره لا يتجاوز 25 عاماً، ولكن – كما ذكرنا – لياقته البدنية كانت تعطيه عمراً أكثر من عمره الحقيقي، وقد لاقى دعماً من والده الذي عزز شخصيته ومكانته حتى أصبح وجيها وزعيما وطنيا، وصاحب مشورة في البلقاء وعاصمتها السلط.

ففي عام 1908 مثل أهالي السلط في انتخابات ممثلي الكرك والأردن لمجلس النواب العثماني، والذي يعرف بـ مجلس المبعوثان، وتجدد انتخابه عام 1912 ايضاً، هو و النائب توفيق المجالي، كما عين سعد عضوا في انتخاب أعضاء المجلس العمومي لولاية دمشق، ولفترتين متاليتين وكان سعيد خلال تلك الفترات 1908 – 1912 عضوا في مجلس قضاء السلط، وهذا المنصب يقربه من الحاكم الإداري، والقاضي الشرعي، ومدير التحريرات ومن كافة الشخصيات الإدارية والعسكرية في سراي السلط، وكان دائماً من الشخصيات المدعوة لحضور المناسبات الرسمية وكان يستغل بناء العلاقات الجيدة مع الجهات الرسمية، من أجل حل القضايا لأهالي منطقته، وبخاصة أن الشخصيات التي ذكرناها هي ممثلة أيضاً في مجلس القضاء، وهذا الموقع – شبه الرسمي – له أهمية كبيرة لجلب المنافع ودرء المفاسد عن الناس، وذلك ببنائه علاقات جيدة من الصداقة والمعرفة مع المسؤولين والمتصرفين، وبالتالى تجنب أذاهم وظلمهم ما أمكن.

وكان جميع الحكام، ورؤساء الدوائر الرسمية، يعرفون حق المعرفة أن زعامة الجوابرة في المنطقة قوية ولها تاريخ في كثير من المناصب للدولة العثمانية، فقد كان صالح الناصر أبو جابر عضواً في مجلس الدعاوي عام 1868 وكان ابراهيم الناصر عضواً في محكمة بداية السلط عام 1881، لذلك نرى أن هؤلاء الحكام كانوا يحاولون أن يسترضوا زعامة الجوابرة ما أمكن ويصعب تجاوز زعماء هذه العائلة من حقهم في تمثيل البلقاء بعامة.

الحرب العالمية الأولى وتأثيراتها في السلط والجوابرة :

عاشت البلاد حالة شبيهة بحالة الحرب قبل أن تدخل الدولة العثمانية هذه الحرب في 5 تشرين الثاني 1914، وغدت مسرحا للتحركات العسكرية القادمة من تركيا والقادمة من شمال العراق وأخذت تظهر بينها وبين القوات والمعدات الألمانية، وكانت الغاية من تجميع هذه الاعداد الكبيرة من الجيش، مهاجمة قناة السويس، واحتلال مصر وتخليصها من القوات الإنجليزية، وكان الحلفاء على علم بتلك الغاية، فأرسل من السفير البريطانى من استانبول إلى الصدر الأعظم مذكرة يحذره فيها من الخطر الذي تقوم به تركيا باستعدادها لشن حملة على قناة السويس، ويؤكد له أن وضع مصر سيبقى كما هو إذا بقيت الدولة العثمانية على الحياد.

9.indd
اليادودة 1914

تجّار الدين

ورافق وصول هذه القوات حملات دعائية متواصلة وقوية لصالح الألمان بين السكان، تقوم على أساس ثناء الإمبراطور الألماني على الدين الإسلامي، وأن الألمان يحاربون من أجل الإسلام ضد روسيا والحلفاء، وانتشرت هذه الدعاية بين المسلمين حتى أن الإنجليز والفرنسيين أخذوا يفتشون عن دفاترهم القديمة، وأصدقائهم التاريخيين أو التقليديين في المنطقة كي لا يقعوا فريسة للدعاية الألمانية، واستطاعت الدعاية الألمانية أن تستقطب حولها مجموعات كبيرة من الناس لأن هذه الدعاية كانت مرافقة للنشاط الكبير لشخصيات من أنصار الحكومة العثمانية، كعبد الرحمن اليوسف وشكيب أرسلان وأسعد الشقيري في سوريا و لبنان.

4.indd
جيش الاحتلال التركي و كبار الضباط الألمان وسط بساتين السلط 1914، و قد نكّل الألمان تحديدا بأهالي مدينة السلط فأعدموا و نهبوا و عذبوا أبناء المدينة أثناء خضوعها للحكم العثماني المحتل

الاحتلال العثماني يفرض ضريبة الحرب و يفشي التقسيم الديني

 وقد أصدرت الدولة العثمانية بعد النفير العام للحرب قراراً في 14 آب 1914، بفرض ضريبة الحرب وقدرها 3٪ على موظفي الدولة، كما أصدرت قراراً ينص على وجوب ذكر دين الشخص في هويته، وبدأت المراقبة على الرسائل، وأخذ رجال المخابرات والتحري يقومون بدور واسع، حتى قضى ذلك على الثقة بين الناس، وبين الأهل والأصدقاء.

جمع زكي باشا قائد الجيش الرابع في سورية، ولاة سورية وبيروت وحلب ومتصرفي القدس والكرك، وأعلمهم بالموقف ووجوب اتخاذ الإجراءات لحفظ الأمن، وكان هذا القائد يساوره الشك والقلق، من أن المسيحيين قد يقومون بثورة ضد الدولة، تنفيذاً لرغبة الحلفاء، ولهذا كان يرى أن يجمع السلاح منهم، وكلم بذلك شكيب أرسلان بعد وصوله من استانبول ولكن الأمير شكيب أقنعه بعدم لزوم ذلك، لما يثيره من قلق واضطراب، حيث يتيقن المسيحيون من أن سحب سلاحهم يعني فقط محاولة قتلهم من دون أن يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم.

في 5 كانون الأول 1914، وصل جمال باشا مدينة دمشق حيث عين حاكماً للمنطقة، بالإضافة إلى منصبه الوزاري كوزير للبحرية، وقد حكم البلاد حكماً مطلقاً لمدة ثلاث سنوات، ومع بداية حكمه بدأ الإرهاب وبدأت المصادرات، ومن أساليبه الشديدة التي اتبعها لإرهاب الناس، هو طلبه من البطريرك إلياس الحويك ليأتي ويزوره في دمشق، وكانت غايته إذلال أكبر رجل دين مسيحيي في سورية، كي يدرك الآخرون حقيقة ما يريد جمال باشا.

وفي هذا المجال وضع جمال باشا يده على المدارس والمستشفيات الأجنبية، وحولها إلى معاهد تركية، كما حوّل بعض الأديرة إلى ثكنات عسكرية، وفي سنة 1917، أغلقت بعض الكنائس عن الصلاة، وفتحت للعسكر، وصار المسيحيون يقيمون شعائرهم الدينية في البيوت، وأخذ جمال ينقل الرهبان من أديرتهم المطلة على البحر إلى الداخل، حتى لا يتصلوا بالسفن الفرنسية والزوارق التي كانت تقترب من الساحل ليلاً، وكل هذه الإجراءات ضد الطوائف العربية المسيحية، لأنهم كانوا طليعة الوعي بالقضايا القومية.

حكومة النهب و الجباية

أخذت الحكومة تصادر المواد على إختلاف أنواعها، ففرضت عند إعلان الحرب على التجار باسم التكاليف الحربية، أن يقدموا ما عندهم من بضاعة إلى الحكومة عن طريق لجنة المبايعة، وكانت هذه اللجنة تقدر ثمن البضاعة وتعطي صاحبها وصلاً بالقيمة لوقت غير معلوم وصدر أمر بعدم بيع التجار – بخاصة تجار الحبوب – بضائعهم إلا بعد حصولهم على إذن خاص من الحكومة.

وصادرت الدولة كل المواد الغذائية باسم إعانة الجيش، كما فرضت التكاليف الحربية وجبت الضرائب بالقوة والإهانة وسمتها الدعم الحربي، حيث زادت نسبتها ٥٪ على الأملاك و ٢٥٪ على الأراضي، وفرضت على كل شخص إعطاء ربع ما عنده من غنم وحبوب وبقر وجمال وجبن وسمنة من الأهلين، أمام هذه الإجراءات كيف يمكن أن تكون حالة الجوابرة، وكانت عائلة سعيد أبو جابر وأخوه، وكل أفراد أسرته من أكثر الناس تضرراً من إجراءات الحكومة ، يقول الدكتور رؤوف أبو جابر، فقال : ” الحرب العظمى الأولى، التي كانت تعرف بالسفربرلك، كانت بالنسبة إلى أسرة الجوابرة فترة صعوبات لا تنتهي، فعلاوة على كون اليادودة المزرعة الأولى في الأردن لإنتاج الحبوب، كانت هناك الحاجة الماسة من قبل السلطات العسكرية بقيادة قائد الجيش الرابع، إلى الحبوب للتموين، فأصبح ذلك يتم عن طريق المصادرة أو الاستلام القسري مقابل إيصالات ورقية لا تنفع أحداً، كما كان هناك سبب آخر للنزاع ألا وهو علاقات الجوابرة في أثناء الحرب بالإنجليز الذين كانوا في السلط لخدمة المدرسة والمستشفى، خاصة أن عددا كبيراً منهم درس في المدرسة البروتستنتية، ثم أكمل بعضهم مثل سعد وصالح وإبراهيم وحنا وخليل وفهد دراساتهم في مدرسة الـ سان جورج المطران بالقدس، ولذلك كان يقع على عاتق سعيد عبء ثقيل جداً، هدفه المحافظة على جزء من الغلة في اليادودة ولو عن طريق إخفائه وخزنه في آبار عميقة، ثم تغطية فوهتها بالتبن والتراب، وربط الدواب فوقها لإضاعة معالمها وحمايتها من سرقة العثمانيين و نهبهم غير المشروع، وفي الوقت نفسه المحافظة على سمعة الأسرة على أنها مثال الكرم والطيب، وإبقاء المضافة مفتوحة للضيوف في سنين ارتفعت فيها الأسعار وعزّ فيها توفر الطعام.

العمل بالسخرى

وبإسم التكاليف الحربية كانت الدولة تسخر نساء القرى حتى يقمن بتصويل و تنظيف الحبوب، وكانت تسخر ما بقي من الرجال بين الأعمال الأخرى، كقطع الأشجار، وكانت الحكومة تصادر المركبات والعجلات وبقر الزرع والبغال والجمال لجر المدافع، حتى إن المصادرات شملت مواد لا يستعملها الجيش أو لا يحتاج إليها، ودخلت المصادرات إلى البيوت لتأخذ من كل بيت ما يمكن أن يستفيد منه الجيش، مثل الصفائح الفارغة، لوزن السمن الذي سيرسل إلى الجيش كما تحول قسم كبير من المساجد والكنائس إلى ثكنات للجيش.

وكان الشيخ سعيد أبو جابر يقبل أشكال التنازلات المادية المختلفة لكنها كان يقاوم بشدة أي أفعال تنم عن الاساءة لكرامة أهلي مدينته و قريته أو اكراههم و إجبارهم على قبول أشكالا الإجبار و القسر و الإهانة و يدفع الأموال مقابل اخلاء سبيل أبناء المدينة ممن يقاومون و يرفضون أوامر الحاكم العثماني .

المجاعة والوباء والقحط

من مصائب هذه الحرب المجنونة انتشار وباء التيفوس والكوليرا في مختلف أقطار المنطقة، والأردن منها بخاصة مدينة السلط واليادودة أيضا، وقد قال أحد الضباط الألمان أن الكوليرا تقاتل ثلاث جيوش، بسبب انتشارها الواسع، ولقد استحضر الألمان ثلاثمئة ألف إبره وأجري اختبارها في المخابر الجرثومية وأخذ الألمان يغلون الماء أما الأتراك فلم ينشروا الوعي و التحذير للسكان بضرورة ذلك لأن المبالاة كانت ديدنهم، فلم يغل السكان الماء و ازداد الوباء سوءا.

وفي هذا الجو البائس، أخذت جموع المهاجرين الأرمن من الأناضول تصل إلى المنطقة، إثر المجازر الدامية التي جرت بهم من الأتراك، وقد وصلوا بحالة بائسة إلى حلب ودير الزور وبيروت وبعض المدن الفلسطينية والقليل إلى الأردن، وقد انتشر بينهم مرض التيفوس، ويبدو أنه عن طريقهم وعن طريق الذين جاؤوا من القدس انتشر هذا المرض في اليادودة في ربيع سنة 1917 وأواسطها، الذي أدى إلى وفاة الكثيرين، وكان من بينهم فريح أبو جابر ثم بعده بأربعة اشهر توفي الشيخ فرحان بهذا المرض.

7.indd
قرية اليادودة و تظهر في أعلى التلة مضافة الجوابرة و منزل الشيخ سعيد أبو جابر

أما الكارثة الأخرى التي تحملها سعيد وأسرته، فهي أن الحكومة أخذت أبناء العشائر و شبابها للسفربرلك بالإجبار و الإكراه و الأسر و صادرت معظم الحيوانات و البذار منذ بدء الحرب، فقلت اليد العاملة ونقصت مساحة الأرض المزروعة، وبذلك كان النقص في الإنتاج الزراعي قد تجاوز أكثر من 25٪، وتطغى على كل المصائب التى ذكرنا أن هذه المصائب جميعاً حدثت في قلب المجاعة، فكانت أسوأ جو تسود فيه الحرب في كل المنطقة بشكل لم تعهده من قبل.

ولقد لعبت الجمعيات الخيرية المسيحية والإسلامية، دورا رائدا في تخفيف الأزمة عن المواطنين في كل المنطقة، وفتح الجوابرة مستودعات حبوبهم، وأخذوا يوزعون الحبوب والحنطة على الأهالي، هذا بالإضافة إلى إطعام أكثر من خمسمئة مهاجر جاؤوا من فلسطين إلى اليادودة، وتحملت أسرة الجوابرة معيشتهم عام 1917، واستطاعوا أن يخففوا كثيرًا من شدة الكارثة.

 السلط ما بين المطرقة و السندان  ( الاستعمار الإنجليزي والإرهاب والتدمير التركي)

في شهر تشرين الأول 1917، استطاع الجنرال اللنبي اكتساح مواقع الأتراك في غزة وبئر السبع بقوات فيلق الصحراء الراكب، ثم قام بمطاردة الأتراك بهذا الفيلق باتجاه مدينة القدس ماراً بمدينة الخليل وبيت لحم، وتمركزت القوات التركية بعد انسحابها من القدس في خط دفاعي مواز للقوات البريطانية، يمتد من أغوار الأردن إلى ساحل البحر المتوسط وقد تمكنت القوات البريطانية من تدمير الجيشين السابع والثامن التركيين، وبقي الجيش الرابع التركي حول مدينة عمان مدة ثلاثة أيام دون أن يعلم بمبلغ الدمار الذي حل بالجيشين السابع والثامن، وفي 25 آذار استولى الجيش البريطاني على السلط، ولكنه ما لبث أن أرغم على الإنسحاب منها، ثم استولى عليها ثانية في 30 نيسان وبلغ ضواحي عمان، ولكنه أيضا اضطر للإنسحاب يوم  3 أيارتحت ضغط هجمات الأتراك المعاكسة، وفي يوم 19 أيلول بدأ اللنبي هجومه الكبير وأخذ الجيش التركي الرابع يتراجع من السلط وعمان، ولم يستفد من خط السكة فاضطر رجاله إلى أن يسيروا على أقدامهم ويتركوا أسلحتهم ومعداتهم باتجاه الشمال إلى حوران عن طريق المزيريب – طفس.

في ظل حرب الكّر والفّر بين الإنجليز والأتراك، عاشت السلط أشد أيام الحقد، فدمرت المدفعية التركية معظم مبانيها، وهجر أهلها بيوتهم خوفا من بطش الأتراك، وهنا يقول الدكتور رؤوف أبو جابر، نقلاً عن عمه سعيد و والده سعد، وكبار السن في السلط ما يأتي  :

” هذه الحياة الصعبة استمرت طيلة الحرب، ولذا امتدت المعاناة تحت الحكم العثماني القاسي أكثر من ثلاث سنوات ونصف، وفي هذه الفترة كان على الجوابرة أن يوازنوا بين وجودهم في اليادودة وضرورة وجودهم فيِ السلط، وفي أواخر نيسان 1918، أصبحت القدس وأجزاء كبيرة من فلسطين بين قبضة الإنجليز بقيادة الجنرال اللنبي.

Salt City poster edited
مدينة السلط في تلك الفترة مع آثار القصف العنيف الألماني – التركي ، و قوات الحلفاء لمباني المدينة و بيوتها و يظهر في منتصف الصورة مبنى بيت أبو جابر المعروف بطرازه المعماري المميز

كان سعيد أبو جابر يدير الأمور في اليادودة بينما كان أخوه سعد الشاب وابن عمه صالح يشرفان على شؤون الأسرة في السلط و بمتابعة منه، دخلت القوات البريطانية والحليفة لها مدينة السلط، واعتبر أهلها أن القوات التركية خرجت من البلاد بلا عودة  وقد هلل الناس وفرحوا عندما دخلت طلائع قوات الحلفاء المكونة من الكتائب وسرايا الفرسان الأسترالية مدينة السلط يوم 30 نيسان 1918 .

إلا أن هذه الفرحة لم تدم أكثر من ثلاثة أيام، إذ إن هذه القوات تلقت الأوامر يوم 3 أيار 1918، بالانسحاب فانسحبت دون إعطاء وقت كاف للأهالي الذين كانوا قد ساعدوا الحلفاء وهاجم بعضهم مؤخرة القوات التركية في أثناء انسحابها إلى عمان، فلما لاحظ الأهالي تأزم الوضع وانسحاب القوات البريطانية باشروا هم أنفسهم في النزوح عن البلدة.

5.indd
مخيمات قوات الحلفاء البريطانية و الاسترالية و النيوزلندية بمنطقة وادي شعيب قبيل الهجوم على القوات التركية المحتلة وحلفائها الألمان و النمساويين المتمركزة في مدينة السلط
5.indd
عربة عسكرية تركية مدمرة و بجانبها جندي عثماني لقي حتفه بنيران قوات الحلفاء أثناء دخولها مدينة السلط 1918
5.indd
فرقة الخيالة الأنزاك الاستراليين وسط ساحة مدينة السلط ” ساحة العين ” يتزودون من عيون الماء قرب مبنى السرايا العثماني بعد تطهيره

دخلت القوات التركية مدينة السلط بعد انسحاب قوات الحلفاء، ودمرت المدينة وفي هذا السياق يقول الأستاذ  المرحوم حسني فريز في دراسة عن مأساة السلط، نشرت جريدة الدستور الأردنية، بتاريخ 29 آب 1987 ان القوات البريطانية هى المتهمة بتدمير المدينة، أما الأتراك فكانت مهمتهم نهب بيوت السلطية، يقول حسني فريز في شهادته : ” وقد تنفس الناس الصعداء بخروج العثمانيين، وعلى كل حال فإن احتلال الإنجليز لم يدم طويلا بل أياما وانسحبوا، وهربوا من حيث جاؤوا”.

 

سنة  الفلة 

وكان بعض فرسان السلط قد هاجموا الجند العثمانيين حيث خرجوا من السلط، ولعل الإنجليز رأوا ما فعله الناس بالعثمانيين، فزعموا أنهم لغموا البلدة مخافة أن يحل بهم ما حل بالآخرين، ولكن كانت الكذبة كافية ليرحل السلطية الى القدس وليعيشوا لاجئين، وهنا دخل الجند العثمانيون و معهم الجند الألمانيون والمرتزقة، فنهبوا بيوت السلطية المهاجرين.

كانت ظروف النزوح قاسية جداً، فأهل السلط الذين كانوا دائمًا أصحاب نخوة لإخوانهم و جيرانهم هم اليوم في حاجة إلى نخوة إخوتهم، فأهل القدس لم يكونوا أحسن حالأ من أحوالهم، ولكنهم كانوا عند مستوى النخوة ورد الجميل، بخاصة إلى الجوابرة الذين استقبلوا عام 1917 مئات النازحين منهم.

5.indd
أهالي السلط أثناء مغادرتهم لمدينة السلط باتجاه القدس أثناء المواجهات العسكرية بين قوات الحلفاء و القوات التركية المحتلة 1918

ومن بين الأسر السلطية النازحة الى القدس أسرتا الجوابرة والبشارات، وتحمّل سعد وصالح مسؤوليات الإشراف على أفراد الأسرتين، يقول الدكتور رؤوف أبو جابر : ” وكان كل من سعد وصالح يشرفان على شؤون الأسرة، هم وكبار أسرة البشارات، حيث أن اللاجئين من أفراد الأسرتين زادوا على الخمسين شخصاً “.

5.indd
أهالي السلط أثناء مغادرتهم لمدينة السلط و عبورهم لنهر الأردن في سنة الفلة أثناء المواجهات العسكرية بين قوات الحلفاء و القوات التركية المحتلة 1918

رفض الشاب سعد كل المساعدات التي حاول الإنجليز تقديمها للنازحين، كما رفض أيضًا المساعدات التي حاول تقديمها له الشيخ رشيد عريقات، واكتفى بأخذ ما يلزم الأسرة من فراش للنوم، وأدوات للمطبخ، لأن سعد كان يحمل معه عند النزوح كمية كافية من النقود، هذا بالإضافة إلى أسعار الجمال والبغال التي باعها في سوق الرملة الأسبوعي، وكانت هذه المبالغ شبه كافية لتغطية نفقات الإقامة المؤقتة.

و كان الشيخ سعيد يعايش أحوال أهله و أبناء مدينته و يتابعها فيرسل المعونات و المؤن من اليادودة للسلط، و يرسل الرسائل و الأموال للنازحين من أهالي السلط إلى القدس ، و يسأل عن أحوالهم و يتابع شؤونهم في المدينة طيلة فترة نزوحهم و يخفف العبء عمن لم يستطيعوا النزوح .

دخلت القوات التركية المحتلة ثانية إلى السلط، وقتلوا عددا من أبناء المدينة و شبابها و فرسانها ممن لم يتمكنوا من النزوح، وقبضوا على عدد من المسلحين وقتلوا بعضهم، وأعدموا السيد أحمد الكايد العواملة، ومصلح الفاضل الربيع القطيشات شنقا بتهمة معاونة الإنجليز، كما أعدموا شخصا آخر من عرب التعامرة، وكانوا قد نفوا مجموعة من وجهاء من السلط، نذكر منهم : صالح الخليفة ، مطلق المفلح ، خليفة عبد الهادي ، يعقوب السكر، صالح البخيت، مفضي النجداوي، وبعض الوجهاء من سحاب.

5.indd
صورة لشهداء السلط الذين أعدمتهم القوات التركية و الألمانية أثناء الهجوم المعاكس على مدينة السلط بعد انسحاب قوات الحلفاء منها 1918

وبين كر وفر، واحتلال ثم انسحاب، كانت قوات الحلفاء تستعد ثانية لدخول السلط فصدرت الأوامر بالزحف شرقا، فتم تطهير السلط في مساء 23 أيلول، واستمر زحف قوات الحلفاء في اليوم الآتي بطريق وادي السير وطريق السلط – عمان، تم تحرير عمان يوم ٢٥ أيلول بعد معركة حامية الوطيس، واستولى الإنجليز على السكة الحديدية إلى مسافة بضعة أميال من شمالي المحطة، وأسروا 600 جندي تركي.

0.indd
مقاتلو العشائر الأردنية و فرسان الثورة مع عدد من ضباط قوات التحالف و الخيالة الاسترالية يدخلون مدينة عمان لرفع علم الثورة العربية الكبرى بعد تطهيرها من القوات التركية و حلفائها باستقبال شعبي حاشد 1918

تحرك الجيش الرابع شمالاً ، وابتعد عن متناول القوات الاستطلاعية التي كانت تنتظر قدوم الفيلق الثاني من الجنوب، وفي ٢٨ أيلول قدم هذا الفيلق بعدّته التي كانت في جهات معان، ونزلوا جميعا في قرية زيزياء.

بعد هذا الانتصار لم يبق للأتراك أي قوة يستندون إليها، وأصبحت البلاد كلها بأيدي قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية الذين بدؤوا بتهدئتها وتنظيمها، مع سيطرة محدودة لقوات الحلفاء الذين بعثوا بسرية من الفرسان الأستراليين إلى عمان، وأخرى إلى صويلح، وثالثة الى السلط، وابقوا في المنطقة أيضا كوكبة من الجند الإيرلندي، وسحبوا بقية الجيش إلى الجبهات الأخرى.

الاحتلال التركي يعتقل الشيخ سعيد لدوره في الثورة العربية الكبرى

يقول الدكتور رؤف أبو جابر أن جمال باشا (الصغير) كان قد اعتقل عمه سعيد، بتهمة تقديمه الخدمات لرجال الثورة العربية الكبرى من مقاتلة العشائر الأردنية و شيوخها و فرسانها، و ارساله المؤن و الأموال للقوات وتعاونه معهم، فأمر باعتقاله وإرساله مخفورا إلى مدينة الكرك لمحاكمته وإعدامه، فلما سمع الشيخ مشهور بن فايز أحد أشهر مشايخ بني صخر، حاصر محطة القطار في (زيزياء)، التي كان قد أعتُقل فيها سعيد، تمهيداً لإرساله مخفوراً بالقطار إلى محطة القطرانة، ومن ثم على ظهور الخيل إلى الكرك.

 شعرة من سعيد ستشعل حربا 

وكان قد تجمع عدد كبير من فرسان بني صخر في المحطة، وكانوا يستطيعون إطلاق سراحه وأخذه معهم، ولكن الشيخ سعيد وجد أن الحكمة تقتضي أن لا يسبب صراعاً سافراً ومباشراً غير مضمون النتائج بين الشيخ مشهور الفايز وجمال باشا، ذلك أنه خشي على قرى جيرانه من بني صخر من تنكيل العثمانيين و الألمان، عندئذ أقنع الشيخ مشهور بأخذ وعد بالتلغراف من جمال باشا بإعادة الشيخ سعيد إلى أهله من القطرانة بحجة التفافية للتخلص من جبروت الأتراك و غدرهم وهي أن مساعدته للثوار جاءت من خلال واجبات الضيافة العربية التى عُرف بها (الجوابرة)، وبالفعل تمت إعادته إلى السلط بعد غياب ثلاثة أيام سالماً معافى، ويعود الفضل في ذلك للشيخ مشهور الفايز الذي انتخى لحمايته، وقال لقائد الحامية التركية في  زيزياء : ( اكتب لجمال باشا أن شعرة واحدة إن سقطت من رأس سعيد فسأشعلها ناراً من باب المدائن (مدائن صالح) لباب الشام ) .

 

دوره في بناء الدولة الأردنية

وكان لسعيد أبو جابر مواقف مشهودة دوَّت في الآفاق، ويذكر الدكتور محمد خريسات في كتابه ( الأردنيون والقضايا الوطنية والقومية : دراسة في الموقف الشعبي الأردني ) بعض المواقف الوطنية و القومية التي عرفت عن سعيد أبوجابر، فعندما كان الأمير فيصل بن الحسين يدعو إلى الاستقلال التام للأمة، وتطبيق قواعد الحكم الديمقراطي، آزرته الأمة العربية، ولما تشكل المؤتمر السوري الأول وافتتح أعماله بدمشق عام 1919، سارع أبناء الأردن إلى حضور أعمال المؤتمر، ومن الذين مثلوا السلط : سعيد الصليبي وسعيد أبوجابر.

وبعد وصول الأمير عبدالله بن الحسين إلى شرقي الأردن في 2 آذار 1921 دعاه سعيد أبو جابر إلى منزله في ساحة العين وسط مدينة السلط حيث أقام فيه سموه قرابة الستة أشهر، وكان سعيد أبو جابر من الذين وقعوا على البيان السياسي الذي يطالب بإفشال المؤامرة التي تمت بين لويد جورج وجورج كليمانصو القاضية بتجزئة البلاد العربية والتعرض لاستقلالها، وطالب البيان برفض الهجرة الصهيونية.

5.indd
بيت أبو جابر و يظهر أسفله جسر ساحة العين وسط مدينة السلط

وفي المجال الوطني المحلي حضر الشيخ  سعيد أبو جابر افتتاح المؤتمر الذي دعا إليه حزب اللجنة التنفيذية، الذى ظل عاملاً حتى عام 1939، والذي تم افتتاحه في 25 / 7 / 1928 في مقهى (حمدان) بعمان، كما كان أحد أعضاء حزب التضامن الأردني، الذي كان من مبادئه الإخلاص لسمو الأمير عبد الله، و التفاهم والتعاون مع السلطات البريطانية، وحصر الوظائف بالأشخاص الذين ولدوا في شرقي الأردن قبل عام 1922، وكان في الوقت نفسه من الأشخاص الذين استنكروا أفعال أعضاء الحزب الوطني الذين كانوا يشجعون النعرات الأقليمية.

كما يحسب له إستنكاره قيام الحكومة التابعة للاستعمار البريطاني بمحاولة (بيع أوتأجير) غور كبد، وتأجير بعض  أراضي الغور بالشونة لبعض العملاء، وكذلك توقيعه على البرقية المرفوعة إلى الأمير عبدالله والمندوب السامي البريطاني، التي تظهر حالة البلاد الإقتصادية و تدهورها، وفيها احتجاجات الأهالي على كثرة الضرائب وبيع العقارات من قبل المصرف الزراعي، إلى غير ذلك من المواقف الوطنية والقومية.

كما انتخب للمجلس التشريعي الثاني بتاريخ 10 / 6 / 1931 عن لواء البلقاء، واستمر هذا المجلس حتى المدة الدستورية في 10 / 6 / 1934، كما عُين في مجلس الأعيان الرابع، وذلك في 19 / 12 / 1954 خلفاً لنقولا غنما، واستمر حتى 31 / 10 / 1955.

وفاته

كانت قد صدرت الإرادة الأميرية بتوجيه لقب باشا إليه في 11 / 6 / 1923، وكان من أوائل الذين منحهم الأمير عبد الله لقب الباشوية، وكان له ديوان عامر يؤمه كل ذي حاجة في السلط واليادودة، وكان محل احترام الصغير والكبير، وكان الأكابر يزورونه في ديوانه ويعظّمونه، وهو لم يزل في علو درجته ومنزلته، حتى وافته المنية في ممر قاعة مجلس الأمة، قبل افتتاح الدورة بربع ساعة، بينما كان يتجه للمجلس على أحد المقاعد في القاعة، وكان ذلك في يوم الخميس الموافق 28 / 10 / 1965 .

 

 

 

 

المراجع :

  • أحسن الربط في تراجم رجالات من السلط، د.هاني صبحي العمد، ص185 – 189، مطبعة السفير.
  • مشاهير في التاريخ الأردني آل ابو جابر، محمود عبيدات، ص81-176، دار ورد الأردنية للنشر و التوزيع، الطبعة الأولى 2014.
Scroll to top