موسيقى الأردنيين الأنباط-الجزء الأول

12767383_1556431831335061_1873115167_n

لا يزال الأردنيون الأنباط يدهشوننا بآثارٍ حفظت ملامح حضارتهم التي عاشوها قبل أكثر من ألفي عام. كما في اللوحة النبطية المُرفقة التي يظهر فيها طفل مجنَّح يعزف على آلة الفلوت (أو الناي القديم)، وغيرها من الآثار الأخرى.

اهتم أجدادنا الأنباط بالموسيقى واستخدموها في مناسبات مختلفة، وترجمت هذه الاستخدامات العديد من أفكار ومعتقدات وملامح الرفاهية الفكرية والاقتصادية لديهم مثل:

•الطقوس الدينية : ويمثّل هذا الاستخدام اهتمام الأنباط بالأبعاد الروحانية للموسيقى حيث وجد الأنباط قبل استخدام الديانات السماوية بالعبادات أن الموسيقة محفز التناجي الروحاني.

•الطقوس الجنائزية : وهذا يعكس اهتمام الأنباط بفكرة الخلود، وهو تأثير فرعوني، مما يؤكد انفتاح الأنباط على الحضارات الأخرى ليس فقط إقتصاديًا ومعماريًا وفنياً  بل أيضًا في الجوانب الفلسفية. وتعتبر الموسيقى المصاحبة للجنائز من أرقى وأسمى مظاهر التعبير عن الحزن واضفاء الاحساس الجمعي على أهل الفقيد بأن مشاعرهم عامة.

•الاحتفال بالأعياد ومواسم المناخ والحصاد: أضفى استخدام الموسيقى في هذه المناسبات طابعًا قوميًا للإحتفال بالأعياد والمواسم لدى الأنباط، مثل الاحتفال الذي كان يُقام في 25 كانون الثاني في عيد الحج للإله ذو الشرى. ويعكس هذا الجانب الرفاه والاستقرار الفكري للأنباط الذين استطاعوا أن يوجدوا صيغة مستركة بين المعتقدات الدينية والهُوية الثقافية للمجتمع مقدرين دور وأهمية الفنون ولاسيما الموسيقى في هذا المجال.

•الاحتفالات الوطنية والاحتفالات المتعلقة بالبلاط الملكي: إهتم الملوك الأنباط بالموسيقى وجعلوا منها جزءًا أساسيًا في المأدبات الرسمية ومناسبات التنصيب وميلاد الأمراء، ورافقت الموسيقى مواكب ملوك الأنباط, وهذا ثراء الأنماط الموسيقية وتنوّعها لدى الأنباط وإدراكهم لأهمية البروتوكولات الرسمية ودورها في تقديم الدولة بأبهى صورها.

•خلال الحرب وبعد تحقيق النصر : دلّت النصوص على أن الأنباط أقاموا عيدًا لتخليد ذكرى معركة أكتوم التي حدثت سنة 31 قبل الميلاد والتي انتصر فيها الأنباط على أسطول كليوبترا، وخصصوا هذا الحفل الذي تخللله الموسيقى الرسمية أيضًا لتكريم المواطنين المخلصين وتتويج المنتصرين، وعاد هذا التقليد للأردن حالياً، حيث يُقام سنويًا في عيد الاستقلال حفلاً يُكرَّم من خلاله نخبة من أبناء الوطن المتميزين.

•احتفالات الزواج : استخدم الأنباط الموسيقى في إعلان الزواج.

وكنتيجة؛ يرى الخبراء أن هذا التنوع في استخدامات الموسيقى لدى الأنباط يعني بالضرورة وجود أنماط وأشكال مختلفة من الموسيقى حتى تتناسب مع طبيعة كل استخدام وكل مناسبة, وهذا الرفاه الفني لا يمكن أن يوجد إلا في مجتمع مستقر ومتماسك وقادر على تحقيق هذا التقدم الفني والثقافي المميز والأنباط أكثر من ذلك حيث ساهموا بالمسيرة الانسانية ككل.

وسنتحدث في سلسلة منشورات قادمة عن جوانب أخرى للموسيقى لدى الأنباط…


المصدر : الموسيقى عند العرب الأنباط – د.إياد المصري, د.مهدي عبدالعزيز

الصورة : لوحة نبطية تم اكتشافها ورممها خبراء بريطانيون قبل سنوات في البتراء ويظهر فيها طفل مجنَّح يعزف على آلة الفلوت – صحيفة الغارديان البريطانية.

Scroll to top