أديب الاستقلال محمد بطّاح المحيسن

13717932_924639297681199_1419888429_o
بحث في سيرة الصحفي و الأديب الأردني محمد بطّاح المحيسن 

العظماء لاينال منهم الموت انما يخفي أجسادهم الفانية أما أرواحهم الطاهرة فتبقى خالدة نابضة بحبّ أرض الوطن والانسان – ومحمد بطّاح المحيسن واحد من هؤلاء الرواد الأوائل في العطاء والتضحية قضى حياته تشرداً وسجناً ونفياً وسفراً خارج الأوطان لم يهادن أو يساوم ولم يتنازل عن حق من حقوق شعبه في الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية،  محمد بطّاح بقي اسمه خالدا و تتداول سيرته العطرة جيلاً بعد جيلْ مفاخر عز وكبرياء .

ولادته ونشأته :

13815211_1713093458942590_1450642040_n (1)
الأديب الأردني محمد بطّاح المحيسن

ولد الكاتب محمد بطّاح المحيسن في محافظة الطفيلة جنوب الأردن عام 1880م.وبدأ الدراسة في المدرسة الرشدية حيث ظهرت عليه معالم الذكاء فكان تلميذا بارزا بين طلابها، ثم أُوفد محمد المحيسن الى دمشق للالتحاق بمدرسة عنبر بسبب تفوقه وكانت المدرسة الوحيدة التي تقوم بتدريس الثانوية توجد في دمشق بينما غابت المدارس الثانوية عن اهتمام السلطات العثمانية في الأردن تماما كما غاب الاهتمام عن القطاعات التنموية الأخرى، وعندما انتهى من الصف الحادي عشر انتقل سراً الى بيروت وكان السبب في ذلك أنه قام باعتصام طلابي كبير وقاد حركة احتجاجية مع زملائه بالمدرسة، كان هذا الحادث بداية مصادمة مع السلطات التركية الحاكمة و أجبرته على التخفي و الهجرة.

7.indd
صورة لمدينة الطفيلة في الفترة إبان نشأة محمد بطاح المحيسن و ترعرعه فيها

وهنا يحق لنا أن نفخر بخريجي مدرسة عنبر من الأردنيين الذين رغم العوز و الحاجة و الظروف الصعبة التي فرضها العثمانيون على المنطقة إلا أنهم قطعوا المسافات للوصول اليها و التفوق فيها، إذ خرّجت مجموعة من صفوة الرجال المتعلّمين في الأردن و منهم مصطفى وهبي التل و سعيد المفتي و عبد الله كليب الشريدة و غيرهم كثيرون من أبناء العشائر الأردنية. و يكاد يكون محمد بطّاح المحيسن أوّل طفيلي يتخرج من جامعة عنبر إذ كان ذلك في عام 1908.

انتقل الكاتب محمد المحيسن الى فرنسا ومن ثم الى امريكا الشمالية التي كانت تستقطب العرب من كل مكان و تحديدا أولئك الهاربين من البطش التركي آنذاك وإدارته القاسية الموغلة بالظلم، حيث استقر في مدينة ديترويت ولاية ميتشغان، وأكمل تعليمه الجامعي هناك وكان أول أردني يتخرج من جامعة أمريكية .

أعماله :

وصل محمد الى الولايات المتحدة الامريكية وقرر أن يصنع خطا صحفيا يؤسس لفكر صحفي تحرّري، اذ قام بتأسيس صحيفة ورقية سمّاها جريدة (الدّبور)، وبعد ذلك اشترى مطبعة وقام بتأسيس جريدة (الصّراط) و الصادرة باللغة العربية في أمريكا ، ولكن الصحيفة لم تستمر لفترة طويلة اذ توقفت عن الصدور بعد سنة واحدة من تأسيسها.

m.battah

ولم يكتفِ كاتبنا الأردني الكبير بذلك ولم يتوقف نضاله الصحفي هنا، حيث قام في عام 1921 بتأسيس صحيفة الدفاع العربي  في ولاية ديترويت وكان معه صديقه محمد حسن خروب.

mohammad battah

و التزم في كل صحفه التي أسسها بالفكر التحرري الداعي للتخلص من أشكال الهيمنة و الاحتلال و الاستعمار لوطنه .

و كان من المعروف أن من يذهب للولايات المتحدة في ذلك الوقت لا يعود و لكن محمد المحيسن أصرّ على كسر القاعدة حيث عاد الى أرض الوطن بعد عامين من تأسيس إمارة شرق الاردن في عام 1923 بعد غياب 15 سنة وفرار من السلطات العثمانية التي لاحقت المتنورين الأردنيين و المثقفين و الثوّار و الأحرار حتى نفسها الأخير، ولم يلبث  الى أن التقى من جديد برفاقه القدماء في “مكتب عنبر” مصطفى وهبي التل “عرار” والدكتور محمد صبحي أبوغنيمة والضابطين جلال القطب وأحمد التل”أبوصعب”.

 

سيرته العملية و انجازاته في الأردن :

عمل مفتشا للمعارف – وزارة التربية و التعليم حاليا –  فحرص على إنشاء عدد من المدارس في القرى الاردنية كما عمل مديرا لمدرسة إربد، ثم نـُـقل حاكما إداريا في وزارة الداخلية و حاكما إداريا في مدن عجلون و مادبا و العقبة، ثم متصرفا في لواء معان.

ajlun 1920
صور لأماكن خدمة محمد بطاح المحيسن- مدينة عجلون في فترة عمله فيها
irbed 1930
صور لأماكن خدمة محمد بطاح المحيسن- مدينة اربد في فترة عمله فيها
madaba 2
صور لأماكن خدمة محمد بطاح المحيسن- مدينة مادبا في فترة عمله فيها

 ثمَّ اختاره الأمير المؤسِّـس عبد الله الأول بن الحسين رئيسا للديوان الأميري وكان يتقن اللغات الانجليزية والتركية والفرنسية، ويُسجَّـل للمحيسن أن إنشغاله بالعمل الرسمي – الذي كان يخضع للانتداب البريطاني – وأدائه له على أكمل وجه لم يغيِّـر من قناعاته الوطنية فبقي يطالب بالغاء المعاهدة البريطانية وطرد الأجانب من الوظائف الحساسة وإجراء انتخابات تشريعية، وكان طبيعيا أن تـُغضب مواقفه الوطنية السلطات الإنجليزية فلما قرَّر مع عدد من رجالات الحركة الوطنية خوض انتخابات المجلس التشريعي الثالث التي أجرتها حكومة إبراهيم هاشم في 16/ 10/ 1934 م، مارس الإنجليز ضغوطهم المختلفة لإفشال المحيسن ورفاقه، وكانت المفارقة أن عدد الأصوات التي حصل عليها المحيسن في مسقط رأسه الطفيلة 45 صوتا فقط ما أدى إلى توتر شديد، حيث قام أكثر من 300 ناخب بالتوجه إلى مقر الحاكم الإداري وأقسموا بصوت واحد أنهم إنتخبوا محمد بطـَّاح المحيسن، وسألوا الحاكم الإداري أين ذهبت أصواتهم اذن؟، وثبت لديهم أن الإنجليز كانوا وراء تزوير انتخابات المجلس التشريعي الثالث لضمان إبعاد مناوئي الحكومة البريطانية من الوصول إليه، ولم تتوقف مضايقات الإنجليز للمحيسن حتى هذا الحد فصدر الأمر بفصله من عمله ونـُفي إلى مسقط رأسه الطفيلة.

 

كاتب مسرحيٌّ قدير :

ومن الصفحات المطوية في سيرة الأديب و الصحفي محمد بطـَّاح المحيسن ريادته في كتابة الرواية المسرحية، حيث يذكر الأستاذ الشاعر حيدر محمود وزير الثقافة الأسبق في مقالة نشرتها صحيفة “الدستور” في 27- 2ـ 1983 أن الأستاذ المحيسن بعد عودته من مهجره القسري إلى أمريكا “1908 ـ 1923″م وعمله في دائرة المعارف مفتشا عاما كان يشجع الطلاب على تمثيل رواية مسرحية وطنية كان قد كتبها أثناء وجوده في مهجره القسري في أمريكا وقدمت على مسارح عدة في مدن أمريكية أطلق عليها إسم(الأسير) ، وكان الأستاذ محمد بطـَّـاح المحيسن قد كتب في أواخر سنين هجرته القسرية إلى أمريكا”1908 ـ 1923 م”رواية مسرحية أخرى بعنوان(الذئب الأغبر) ، وللأستاذ محمد بطـَّـاح المحيسن رواية مسرحية أخرى بعنوان(الفريسة)

عن ماذا كانت تتحدث هذه الروايات؟؟

رواية الأسير كانت تروي ملحمة جهاد الثوار المغاربة بقيادة الأمير عبد الكريم الخطابي ضد الإحتلال الفرنسي، وكان المحيسن يُشجع طلاب المدارس في شرقي الأردن على تمثيلها لغرس الروح الوطنية التحررية فيهم، ويذكر الأستاذ الشاعر حيدر محمود وزير الثقافة الأسبق في مقالة نشرتها صحيفة “الدستور”في 27 ـ 2 ـ 1983 أن الأستاذ المحيسن بعد عودته من مهجره القسري في أمريكا “1908 ـ 1923م” وعمله في دائرة المعارف مفتشاً عاما كان يشجع الطلاب على تمثيل رواية مسرحية وطنية كان قد كتبها أثناء وجوده في مهجره في أمريكا وقدمت على مسارح عدة في مدن أمريكية، ووصف الأديب حيدر محمود المسرحية بأنها كانت عملا ً فنيا ً من طراز رفيع وتنمُّ عن تمكـُّن كاتبها من معرفة لغة المسرح وتقنيته حتى في أدق التفاصيل.

ومن أعماله الروائية والمسرحية الأخرى:

  1. رواية الكلاب السود يتحدث فيها عن النضال العربي ضد التتريك
  2. رواية الذئب الأغبر تحدَّث فيها عن حركة مصطفى كمال أتاتورك
  3. رواية الفريسة و تحدّث فيها عن المجتمع العربي في أواخر فترة الاحتلال العثماني وعن نشاطات بعض رجالات الحركة الوطنية التي كانت تتصدى لمحاولات الاحتلال العثماني لطمس الهوية الوطنية قسرا.

ومن الكتب التي ألفت عنه و تؤرخ لسيرته؛ كتاب  محمد بطاح محيسن: حياته، وآثاره، من تأليف الكاتب فوزي الخطبا و نُشر في عمان عام 1989.

وفاته:

يقول الأديب و الصحفي هزاع البراري : توفي المحيسن وهو في ذروة عطائه فلم تمهله الحياة كثيراً فقد اشتد عليه المرض ووهن جسده حتى فارق الحياة في الخامس عشر من شهر آذار سنة 1942 وكانت لحظة وداعه إلى مثواه الاخير مهيبة ومؤلمة، فلقد رحل بصمت عميق كما عاش دائما بعمق وعمل دائم لكن الذاكرة الوطنية الحية ستبقى تذكره كأحد رجالات الوطن الرواد الأفذاذ، فالأمم تحيا ليس بحاضرها فقط بل بهذا الإرث الكبير والباقي الى الأبد، و لقد عاش محمد بطاح المحيسن مكافحا عن مبادىء الحرية والاستقلال ومات وهو يردد (أن من يستورد المرتزقة لبناء مستوطنة لايخرج إلا بالدم)، دافع المحيسن عن وطنه بالكلمة الجريئة وآمن بضرورة استقلاله – صحيح انه ورفاقه بنوا أحلاما ولم يحققوا ما كانوا يصبون إليه ولكن من المؤكد أنهم لم يلقوا السلاح والكلمة حتى وافاهم الأجل فأصبحت أرواحهم من بعدهم قناديل هدى ومنارات عز تشع بالخير والبشرى لوطن ينعم أهله بالأمن والسلام و يدافعون للحظة الأخيرة عن هويتهم الوطنية .

المصادر:

  1. تاريخ الصحافة العربية :نشأتها،وتطورها، وكيف تصبح صحفياً، محمد صالحة، دار الكاتب العربي،2006
  2. الدكتور سعد ابو دية، ورقة بحثية منشورة على موقع academia.edu
  3. موقع صحفي ، أسماء في الذاكرة : محمد بطـَّاح المحيسن أول أردني تخرَّج من جامعة أمريكية،تاريخ النشر 22-10-2011
  4. الموسوعة الحرة ويكبيديا، محمد بطاح المحيسن .
  5. سبعون عاما على وفاة السياسي المناضل محمد بطاح المحيسن 1888 – 1942 ، د. زيد احمد المحيسن، صحيفةالدستور، 20 آذار 2012.
  6. تاريخ الصحافة العربية، طرازي، المطبعة الاردنية، 1913 .
  7. تاريخ الصحافة اللبنانية، يوسف أسعد داغر، 1978 .
Scroll to top