البطل محمد علي العجلوني

محمد علي العجلوني
محمد علي العجلوني

البطل محمد علي العجلوني… مشروع شهيد من 1917-1956، أبو شهيد، وأبَنه شهيد

لا نستطيع أن نتصور موقفا في الوطنيه يفوق موقف أولئك الرجال من أمثال محمد العجلوني الذين أدركوا مبكرا احدى اكبر عمليات التجارة بالدين والتي مارسها المحتل التركي العثماني فحسم امره بفطرة الأردني واضعا رتبه العسكرية في الجيش التركي تحت نعاله تاركا صفوف الجيش العثماني لا فراراً من المعارك بل ايماناً منه ومن اجدادنا فرسان العشائر الأردنية أن الحرب في صفوف جيش الاحتلال العثماني بعد قيام الثورة العربية الكبرى يعد خيانة عظمى ولا ينسجم مع عقيدتهم الوطنية بحال من الأحوال، لقد هجروا الجيش العثماني وغامروا بكل شيء ما عدا الشرف، أقبلوا ينضمون الى نواة الجيش العربي الفتي وقتها ويقذفون بأنفسهم في أتون المعارك الدامية، يطلبون الموت لكي تحصل أمتهم على الحياة والذين فاتهم شرف الاستشهاد لم يفتهم شرف الوقوف مع الموت وجها لوجه مرة اثر مرة، حتى كانت النجاة أعجوبة.

ولادته و نشأته

ولد في ( عنجره ) إحدى قرى جبل عجلون سنة 1893،  من بيت عِلم أردني فبدأ دراسته في الكّتاب الذي كان يديره أبوه المربي الفاضل علي العجلوني ثم في المدرسة الحكومية  في عجلون. كان الراحل محمد العجلوني يرى سلوك الجيش التركي الهمجي والذي ولد لديه كراهية لاعمالهم وهمجيتهم وانعكس ذلك على قبوله لكل ثقافتهم فظهر ذلك جلياً عندما أخذه أخوه الأكبر الى دمشق بقصد اتمامه  التحصيل هناك نتيجة تدمير تاريخ الاردن الممنهج من قبل الاحتلال التركي وتفريغ عجلون من جامعتها التاريخية على يد الاحتلال العثماني، أجبر الراحل على فحص اللغة التركية التي كرهها فأخفق فلم يتح له الانتساب الى المدرسة الاعدادية. وهكذا بعث به أبوه الى القاهرة فانتسب للأزهر الشريف، ولكنه لم يتمكن من اتمام تعلمه بسبب نشوب الحرب العالمية الاولى وهو يقضي  إجازة الصيف في (عنجرة) فتعذرت عليه العودة،  ولم تلبث حكومة الاحتلال التركي أن أجبرته على  الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال التركي  .

عجلون، 1921

بدأت الحرب العالمية الأولى عام 1914 والعجلوني يدرس في مدرسة ضباط الاحتياط التي كانت يومذاك تدعى باسم (الخدمة المقصورة) حيث تعززت لديه الرؤية حول تجارة الدين التي تغلف المحتل التركي ، ففي ذات صباح مرّ مع بعض المتدربين العرب من رفاقه  بساحة مدينة بعلبك التي كانت مركزا لتدريب أفراد الجيش الرابع التركي، فشاهدوا أجساد رجال عرب تتدلى على أعواد المشانق، وقيل لهم أن هؤلاء مجرمون وقد عرفوا لاحقا بأنهم من الثوار الأحرار العرب الثائرين على الاحتلال التركي. لكنهم تملكتهم الدهشة عندما سمعوا رجال الجيش التركي الواقفين هناك يصبّون اللعنات على أولئك المنكودين ويصفونهم بأنهم “عرب خائنون”،  وسأل أحد زملاء العجلوني واحداً من أولئك : إن كان هؤلاء مجرمون كما تصفهم  فقد لاقوا جزاءهم !، ولكن ما ذنب العرب حتى توجهوا  إليهم الشتائم وتتهموهم بالخيانة ؟ فأجابه الضابط التركي: العرب كلهم خائنون وسيلقون جزائهم على مشانقنا وخوازيق الدولة التركية.

هذه الحادثة فعلت فعلها في نفس العجلوني واعادت اليه صور الطفولة عن سلوك افراد جيش الاحتلال التركي الهمجية ، وأدرك أن زملاءه في الجيش من العنصر التركي لا ينظرون إليه والى أبناء قومه كرفاق سلاح، لهم ما لهم من حقوق وعليهم ما عليهم من واجبات بل بنظرة فوقية استعلائية تستحقرهم كنظرة أي محتل ومستعمر. وكان هـــذا الخاطر يدور في نفوس البقية من مواطنيه في المدرسة.  ودار همس ولغط بلغ مسامع المسؤولين عن استياء الضباط و الجنود العرب واستهجانهم لممارسات الضباط الاتراك، فعمدوا الى تفريقهم قبل انتهاء الدورة العادية للتدريس وألحقوهم بصفوف الجيش العامل في الوحدات غير المحاربة خوفا من فرارهم وانضمامهم لعمليات الثوار. كان من نصيب العجلوني أن ينتقل الى طرطوس قائدا لاحدى مفارز النقل، و أتيح له هناك أن يلتقي بالكثيرين من العرب ممن عمد الاحتلال التركي الى نفيهم من بلادهم ولاحظ مظاهر الكراهية بين أفراد الشعبين العربي و التركي وقد سجن مرتين (سجنا رياضيا) بسبب تشجيعه لفريق عربي ضد فريق تركي و تم اتهامه بإثارة النعرة العرقية.

وفي طرطوس بلغته أنباء الثورة العربية التي أعلنها الشريف الحسين بن علي ولاحظ الاغتباط الذى ران على وجوه العرب هناك. لقد أعاد هذا النباً الثقة الى النفوس التي ملت من مجازر الاحتلال و جرائمه. وعاهد العجلوني نفسه أن يلتحق بميدان القتال دون وناء كي يشترك في الحرب مع أخوانه العرب. ولم يلبث ان بدأ الرحلة شمالا متنكرا وفارا، بعد ان أضاف رتبة عسكرية الى رتبته كى يسهل الانتقال عليه. وبلغ القدس بعد مشاق ومتاعب لا حصر لها. وبقي بضعة اشهر هناك يعمل في مصلحة التموين. ثم انتقل الى الكرك وأعد العدة للمسير جنوبا الى العقبة ، ولكن الاتراك اعتقلوه، بعد ان أبلغهم أحد جواسيسهم بما عقد العجلوني عزمه عليه، لم تثبت عليه التهمة فأطلق سراحه وعاد الى الخدمة العسكرية بالإكراه. ثم تمكن من الحصول على اجازة يقضيها في قريته عنجرة. وهنا اغتنم الفرصة السانحة ومضى يجتاز المسافة من جبل عجلون الى العقبة مرحلة بعد مرحلة متخفيا بملابس بالية،  وسارع قادته عند علمهم بالخبر  بالإيعاز لمفرزة من الجيش العثماني المحتل في جرش باللحاق بالعجلوني والقبض عليه حيا أوميتا، ولكن المفرزة عادت خائبة بعد أن كان العجلوني قد وصل متخفيا بملابس رثة إلى مضارب بني صخر، وقد ورد في مذكرات العجلوني عن التحاقه بالثورة العربية الكبرى ما يلي:  ” وفي تلك الليلة نفسها نزعت ملابسي العسكرية العثمانية وابدلتها بأردية رثة مهلهلة كي لا يعرفني العسكر التركي واصطحبت شابا من قبيلة بني حسن اسمه (مطر)، وبدأت رحلتي متنكرا بهذا الزي قاصدا أقرب ميادين الثورة في جنوب الأردن، فمررنا بعمان وخرجنا منها برفقة رجل من عشيرة الخريشا يمتهن بيع الملح في سوق عمان وواصلنا السير معا مشاة إلى شرق قصر المشتى حتى استقبلتنا الصحراء، فتنفست الصعداء وشعرت بالاطمئنان الكامل ونزلنا ضيوفا في خيمة هذا الرجل المرقّعة نتيجة الفقر الذي عم الاردن طوال فترة الاحتلال التركي العثماني ، وبكل فطرة الاردني وكرمه لم تثني الفاقة والفقر ذلك الرجل عن تقديم طعامه لضيوفه فقدم الينا طعام عشاء وهو عبارة عن قطعتي خبز جافتين مع الماء، وعلمنا منه ومن بعض جيرانه أن الشيخ مفلح القمعان الزّبن أحد شيوخ بني صخر ذهب إلى الجنوب وقابل الأمير فيصل بن الحسين، وأن شيوخ العشائر الأردنية يقصدونه في مضاربه للتشاور معه. وعزمت على الذهاب إلى منازل عشائر الزين لاستوثق من تلك الأخبار، ولعلني استنير في طريقي بضوء معلوماته.”

وعندما بلغ وادي موسى في خريف سنة 1917 قـدم الراحل محمد العجلوني  نفسه لمولود مخلص قائد حامية قوات الثورة العربية الكبرى في وادي موسى. ثم واصـــل سيره فنزل في (دلاغه) ضيفا على راسم سردسست قائد حامية قوات الثورة العربية الكبرى هناك ، وفي القويرة عند رشيد المدفعي قائد الفرقة. ثم بلغ العقبة وقدم نفسه للأمير فيصل هناك، عرض عليه الأمير فيصل ان يكون مرافقا عسكرياً له، ولكنه اعتذر وطلب الالتحاق بالكتائب المحاربة في الميدان  لينتقم من الاحتلال التركي،  وكانت أول مهامه في ميدان القتال أنه انضم الى حملة الشريف مستور التي زحفت شمالا ودخلت بلدة الطفيلة في نفس الوقت الذي دخلتها فيه قوات الشريف ناصر مع فرسان العشائر الأردنية.

عدد من فرسان الثورة في حملة عسكرية قرب منطقة غدير الحاج
عدد من فرسان الثورة في حملة عسكرية قرب منطقة غدير الحاج

واشترك العجلوني في الهجوم على محطة غدير الحاج الى الجنوب من سجن معان، قائداً للمشاة في اللواء الثاني وحققت قوات العشائر الأردنية انتصاراً في هجومها وحررت المحطة وأسرت من بقي من رجال حاميتها بعد معركة عنيفة، ويذكر العجلوني في روايته عن المعركة أن الأتراك كانوا قبل حدوث المعركة قد أسروا أحد أفراد سريته الموكول لهم مهمة المراقبة والاستطلاع فمثل به جيش الاحتلال التركي وأحرقوه حياً وهو مقيد، وحينها قام جميل المدفعي قائد المدفعية باختيار أربعة من أسرى الترك ليعدموا انتقاماً لذلك الجندي الأردني، ولكنه ومن معه من الضباط لم يلبثوا أن ضربوا صفحاً عنهم ولم يقدموا على عمل يلطخ المثل العسكرية عند قوات الثورة و  العشائر الأردنية رغم أن وحشية جيش الاحتلال كانت فظيعة بشكل كبير.

قضى العجلوني فترة في مستشفى الميدان بعد أن كان قد أصيب بوجهه – وهو على رأس سريته وسط المعركة-  برصاصة من الجيش التركي في أحد المعارك كسرت فكه الأيمن وأسقطت ثلاث من أسنانه تسرب فتاتها الى داخل عنقه ،  ثم نقل الى مصر بأمر من الأمير فيصل نظراً لاهتمامه الشديد به وبقدراته العسكرية وشجاعته في ميادين القتال، وهناك أجريت له الجراحة اللازمة لاستخراج فتات الأسنان من عنقه.  وكان واحداً مــن جملة أربعة عشر ضابطاً منح لهم الوسام المعروف بـ ( نوط معان ) وهو ميدالية خاصة منحها الأمير فيصل للضباط والجنود الذين أظهروا بسالة فائقة وشجاعة نادرة في مهاجمة خنادق الاحتلال التركي. كان الأمير فيصل أصدر الامر بترقية العجلوني الى رتبة رئيس ” ترفيعا ميدانيا ” بصورة استثنائية.

عاد العجلوني من مصر والتحق ثانية بجيش الثورة العربية الكبرى الذي كان يتأهب للاشتراك في الهجوم الكبير على جيوش الاحتلال التركي والنمساوي والألماني . ولم يقدر العجلوني أن يشترك في عمليات الجحفل السيار الذي قـام بتدمير الخطوط الخلفية للاتراك شمال الأردن. ولكنه بقي مع وحدته والقسم الاكبر من قوات الثورة في مواجهة قوات العدو التركي بين محطة القطرانة في الشمال ومحطة المدورة في الجنـوب، ولم تلبث الأنباء أن جاءت تتحدث عن الانتصارات التي حققها الجحفل السيّار شمال الأردن،  و أخذ الأتراك في سجن معان سيء الذكر يتراجعون شمالأ حتى استسلموا لقوات الثورة في عمان، و أثناء انتقال قوات الثورة من أطراف معان باتجاه الشمال،  تولى العجلوني قيادة اللواء الرابع/مشاة إلى أن وصل عمان.

بعد انتهاء العمليات العسكرية ضد الاحتلال التركي وتقديرا لخبرته وبسالته عُيّن قائداً للحرس الأميري الخاص بالأمير فيصل، وبنشاطه المعهود أخذ العجلوني يعمل على رفع المستوى العسكري لهذه القوة حتى غدت حقا من وحدات الجيش الممتازة. بعد انتهاء مهامه عاد العجلوني الى قريته “عنجرة” في عجلون،  وأقام فيها بضعة أشهر حتى بلغه نبأ قدوم الأمير عبدالله الى معان.
وقام العجلوني متعاوناً مع خلف التل وأحمد التل وعدد من رجال عجلون، بجولة في أنحاء البلاد يبثون الدعوة والبيعة للأمير عبدالله فيقابل الناس الفكرة بالترحيب والتأييد ويوقعون العرائض مطالبين الأمير التقدم أكثر بالأردن،  وأخيراً حطت بهم عصا التسيار في معان فقدموا للأمير الرسائل التي كانوا يحملونها وأبلغوه ان البلاد تنتظر تحركه إلى عمان لإنقاذها من فوضى الحكومات المتعددة. ووافق الأمير على الاقتراح وانتدب الشريف علي بن الحسين الحارثي أحد رجال الثورة البواسل، وعين العجلوني مستشاراً عسكريا للشريف الحارثي. وتقدم الحارثي الى عمان في كانون الاول 1920 ثم زار السلط فلقي ترحيبا والتف الناس من حوله وفي آذار 1921 تقدم الامير عبدالله الى عمان معلنا توحيد الاردن بالتفاف العشائر الأردنية حوله و بيعتها له بعد قرون من التمزيق العثماني الذي مسح حضارة الاردن التاريخية ليردم فجوة الانقطاع عن التاريخ معلنا مواصلة الاردنيين لدورهم الحضاري في المسيرة الأنسانية تحت لواء الهاشميين .

وبعد أن أستقر الأمير عبدالله في شرق الاردن، عيّن محمد العجلوني قائدا للدرك في منطقة البلقاء تقديرا لخبرته و انتمائه للأرض الأردنية واحترام العشائر الأردنية له. وكانت حينها قوات الامن العام مستقلة عن قوات الجيش، وشارك العجلوني في مرحلة بناء الأردن كدولة حديثة تأخذ بأسباب النظام وبقي يعمل في الجيش العربي حتى بلغ رتبة مساعد قائد الجيش.

كما عمل العجلوني في السلك الدبلوماسي الاردني وزيراً مفوضاً للدولة الأردنية  في العراق ولبنان وتركيا واشترك في وزارة السيد سعيد المفتي عام 1956 وزيراً للداخلية والدفاع،  ثم عيّن بعد ذلك عضواً في مجلس الاعيان.

محمد على العجلون وابنه مازن

نذر الحر !

نذر العجلوني عددا من أبنائه للعسكرية وهم نجله الضابط في الجيش العربي الأردني والوزير الأسبق العميد مازن محمد علي العجلوني، وما لا يعلمه الكثيرون أن الحر محمد العجلوني نذر ابنه الرائد الطيار المقاتل فراس العجلوني على درب الخلود الأردني، فراس الذي لم يخلف وعد ابيه رحمه الله وانفذ النذر  شهيداً في سبيل الوطن وذلك يوم 5 حزيران 1967، وبرهن على أن البطولة والتضحية والاخلاص للوطن يورثها الآباء لأبنائهم . قال في رثاء ابنه الشهيد الطيار فراس:

لست وحدي من افتقد ” فراساً ” ولا هو وحده من افتُقد … فقافلة الشهداء عبرت تلالنا وسهولنا وصحارانا، حياكم الله رفاق القافلة،  وستخرج من شعبي الأردني قافلة إثر قافلة ، حتى النصر.”

الشهيد الطيار البطل فراس محمد علي العجلوني

جنازة الشهيد فراس العجلوني
جنازة الشهيد فراس العجلوني

اذا شئنا أن نصف العجلوني قلنا انــه : ربع القامة، أشم الأنف ” كـ خشم العقاب” ، أسمر اللون ، وقد ساعدته بنيته القوية على احتمال المشاق التي اعترضت حياته، بقيتا قامته ممشوقة حتى فارق ابنه الشهيد البطل فراس العجلوني حينها بدأ يظهر عليه الوهن، حيث توفي في عمان عام 1971 و أقيم له حفل تأبين حاشد في الجامعة الأردنية في تشرين ثاني 1971 بحضور رئيس الوزراء وقتها الشهيد وصفي التل، ورئيسي مجلسي النواب والأعيان والقائد العام للقوات المسلحة، وقدم السادة: ضيف الله الحمود، ومحمد أديب العامري ومنيف الرزاز وعبدالله التل ومعن أبو نوار وسليمان الموسى كلمات مؤثرة في ذكرى تأبينه.

حابس ووصفي أثناء تأبين العجلوني (المصدر: موقع زمانكم)
حابس ووصفي أثناء تأبين العجلوني (المصدر: موقع زمانكم)

تبدو انسانية العجلوني واضحة في صفحات مذكراته، فهو يتحدث بحنان وتعاطف عن زملائه في معارك الثورة. ويمس صميم مشاعره عندما يتحدث عن اسرته. ففي خدمته القسرية في الجيش العثماني يقول أن أفكاره كانت دائما مع أسرته البعيدة : “فقد تركت والدي العجوزين واخوة صغاراً بغير عائل لأن أخوي الكبيرين كانا في الخدمة العسكرية القسرية أيضاً. والأسرة لا تملك زرعاً ولا ضرعاً، وبلغني نبأ وفاة امي وأنا أعد العدة للالتحاق بجيوش الثورة فاشتد حزني عليها وزدت ايمانا بتطبيق خطتي “. وقد اضطر ان يبيع جواده مرتين : الاولى بعد اعلان الهدنة عندما جاء أبوه يزوره في عمان فيقول : “ولما لم يكن لدي نقود، بعت فرسي العزيزة علي والتي حملتني في مواقع لا تمحو ذكرياتها الأيام، وقدمت ثمنها الى والدي خمسة وثلاثين جنيهاً”، والمرة الثانية في عمان أيضا عندما جاء اليها مع الشريف الحارثي مبعوثا من الأمير عبدالله بن الحسين، فقد باع حصانه لتغطيه نفقاته الضرورية.

العجلوني من الضباط العرب القلائل الذين سجلوا انطباعاتهم عن الثورة العربية الكبرى في كتاب، وهذا ما يجعلنا ننظر اليه بتقدير خاص، ويعطينا فكرة عن نوازعة الطموحة. وفي احدى صفحات كتابه نبذة يمكن ان تعتبر مثالا لوجهة نظر الرجال الذين اشتركوا في الثورة، فهو يذكر بأسلوب عنيف أولئك الساخرين المنتقصين من جهود رجال الرعيل الأول. ولكن ترى لو أن العرب سكتوا على مظالم الأتراك وجرائمهم فهل تكون حالهم أفضل مما  صارت اليه؟

وحدث إبان الثورة انـــه وبعض رفاقه تساءلوا على مسمع من جعفر العسكري عن قلة معاضدة الانجليز للثورة وضعف دعمهم لها. وكان جواب جعفر باللهجة العراقية: ويش نسوي آغاتي ! أمجدي وعينه حمرا؟ الانكليز في العراق والأردن وفلسطين . . وانهم يتربصون للانقضاض على سوريا، فهل من مصلحتنا الوقوف متفرجين؟ أم أن الواجب يقضي علينا القيام بعمل ما يدعم حجتنا بطلب الاستقلال ؟ . .

المراجع

  1. صور من البطولة ، سليمان الموسى ، المطبعة الهاشمية ، عمّان ، 1968 ، ص 177-192.
  2. ذكرياتي عن الثورة العربية الكبرى، محمد علي العجلوني، مكتبة الحرية ،عمّان ، 1956 .
Scroll to top