المملكة الأردنية المؤابية- الحدود وأهم المدن

شاطئ البحر الميت الشمالي 1862

مقدمة

من ساحل البحر الميت غربا، إلى مرتفعات مؤاب شرقا، بنى أجدادنا الأردنيون المؤابيون مملكتهم، أسسوا لمجدهم، وكتبوا صفحات عظيمة من تاريخ الأردن، بين أشقاءهم من شعوب عمون وأدوم الأردنيين، وفي مواجهة أعدائهم من قبائل بدوية شرقا، وقبائل العبرانيين ودولهم التي نشأت في أعقاب نشوء الممالك الأردنية القديمة الثلاث.

على هذه الأرض، وفي هذه الظروف، رسم الأردنيون المؤابيون، حدود مملكتهم، بالدم تارة، وبتفاهم الأخوة تارة أخرى، كما بنوا المدن والحواضر، وشيدوا الحصون والمعابد والقصور، تاركين انجازاتهم دليلا لنا في مسيرتنا الشاقة نحو أردن قوي ومتقدم.

حدود مملكة مؤاب الأردنية

لم تكن الحدود في تلك الحقبة الزمنية مرسومة بدقة، وكان الاعتماد الأساسي في رسم الحدود على بعض الفواصل الطبيعية، كما كانت تبعية الأراضي تتداخل في كثير من المواقع، عدا عن أن حدود مملكة مؤاب الأردنية خصوصا تعرضت للكثير من التغيرات، بسبب الحروب وحالات القوة والضعف التي مرت بها، ففي حين كانت تنكفئُ أحيانا إلى حدودها الطبيعية، كانت تتوسع أحيانا أخرى مقتطعة أراض من دول أخرى مجاورة، فيما خسرت جزءاً من أراضيها أحيانا.

البحر الميت 1922 قوارب النقل في عرض البحر الميت
  •   الحدود الغربية

إن الحد الطبيعي لمملكة مؤاب الأردنية من الجهة الغربية هو البحر الميت، حيث امتدت مملكة مؤاب الأردنية على طول الساحل الشرقي للبحر الميت، فيما كان نفوذها يمتد في أحيان كثير إلى الشمال من البحر الميت، فيصبح مجرى نهر الأردن جزءا من حدودها الغربية.

أما سياسيا فلم يكن هنالك احتكاك مباشر مع دول أخرى بسبب الفاصل الطبيعي الذي يشكله البحر الميت، إلاّ في حالات معينة عندما كان يتجاوز نفوذ مملكة مؤاب الأردنية البحر الميت شمالا، أو في حالات مؤقتة خسرت فيها جزءا من أراضيها في الشمال الغربي لصالح مملكة اسرائيل والقبائل العبرانية.

  • الحدود الشرقية

الحدود الشرقية لمملكة مؤاب الأردنية لم تكن مرسومة بوضوح، حيث لا وجود لفاصل طبيعي واضح سوا بداية الصحراء وانتهاء الأراضي الزراعية، ولا وجود لحدود سياسية إلى الشرق بسبب انعدام وجود دول في تلك المناطق، بل قبائل بدوية كانت تخضع في كثير من الأحيان لمملكة مؤاب، أو تعقد التفاهمات معها، وقد بنيت العديد من الحصون على تخوم الصحراء شرقا لحماية الأراضي الزراعية المؤابية من هجمات القبائل البدوية في حالات انعدام السلم.

وادي الموجب 1900 نهاية القرن التاسع عشر شمال الكرك وعرف بنهر ارنون وتم ذكره في مسلة ميشع الملك المؤابي الأردني قبل الميلاد (2)
الطفيلة 1900 مواطن أردني وفي المدى وادي الحسا في نهاية القرن التاسع عشر
  • الحدود الجنوبية

إن الحدود الجنوبية لمملكة مؤاب الأردنية واضحة جدا، حيث أن وادي الحسا جنوبي الكرك، يعد حدا وفاصلا طبيعيا، حيث يصعب اجتيازه، ويسهل تحصينه وحمايته، ويعتبر وادي الحسا هو الحد الفاصل بين مملكة مؤاب الأردنية ومملكة أدوم الأردنية.

  • الحدود الشمالية

تعتبر حسبان الحد الشمالي لمملكة مؤاب الأردنية، في حين كانت تنكفئ حدود مملكة مؤاب الأردنية أحيانا حول وادي الموجب، وسياسيا جاور مملكة مؤاب الأردنية من الشمال القبائل الأمورية حتى تم القضاء على دولتها، بالإضافة إلى مملكة عمون الأردنية.

أهم مدن مملكة مؤاب الأردنية

وجد المنقبون أثناء المسوحات الآثارية ما يربو عن الستين موقعا مؤابيا مأهولا على امتداد جغرافيا مملكة مؤاب الأردنية، منها الحصون والقرى الزراعية والمدن، وقد تركزت المدن قريبا من الطريق السلطاني، فيما انتشرت القرى والتجمعات الفلاحية في المناطق الخصبة ومواطن المياه، فيما كثرت الحصون في المناطق الشرقية المتاخمة للصحراء لردع هجمات القبائل البدوية.

  • عاصمتا مملكة مؤاب الأردنية

لا ريب أن عدة مدن كانت عواصم لمملكة مؤاب الأردنية، على فترات مختلفة، إلا أن مدينتي الكرك وذيبان هما أهم عاصمتين، واللتين قُطع تاريخيا بكونهما عاصمتان أردنيتان مؤابيتان.

قلعة الكرك
  1. قير مؤاب (الكرك)

الكرك، التي قادت أهم الثورات الوسيطة في وجه الاحتلال العثماني مطلع القرن الماضي، كانت قبل آلاف السنين أيضا عصية على الاحتلال، وما اسمها (قير مؤاب) سوى دليل على أنها حصن منيع في وجه الغزاة، حيث أن قير حارسة هي التسمية المؤابية لمدينة الكرك، والتي تعني القلعة الحصينة التي يصعب اقتحامها، أو قلعة مؤاب الحصينة.

بنى أجدادنا الأردنيون المؤابيون عاصمتهم الأولى قير مؤاب على حافة هضبة الكرك التي ترتفع عن سطح البحر 950م، في منطقة محصنة طبيعيا يصعب الوصول إليها، فيما أبدعوا بتحويل هذه المنطقة القاسية التضاريس، مدينة حضارية، ينعم أهلها بالرفاهية والآمان، حيث شق أجدادنا المؤابيون الصخور، وحفروا الأنفاق لجر المياه إلى المدينة، بعد أن قاموا بتحصين المدينة من الجنوب والجنوب الشرقي عن طريق حفر خندق ضخم يصعب اختراقه.

  1. ديبون (ذيبان)

إلى الشرق من البحر الميت، وفوق تلين يفصل بينهما وادي ذيبان، بنى أجدادنا الأردنيون المؤابيون مدينة ذيبان ثاني عواصمهم، والتي تتحكم بكل الجهات المحيطة بها ما عدا الجهة الجنوبية، التي قاموا بتحصينها، والجدير بالذكر أن مدينة ذيبان، آهلة بالسكان بكثافة منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا.

لقد تعرضت مدينة ذيبان للتدمير على يد الاسرائيليين، حيث كانت الحروب مستمرة بين الأردنيين المؤابيين والاسرائليين الطامعين بأراضي مؤاب الأردنية، وقاموا بتخريب مدينة ذيبان وهدم أجزاء كبيرة منها، لكن الملك الأردني المؤابي ميشع، قام برد الحرب على الاسرائيليين وطردهم من كل الأراض الأردنية المؤابية، ودق مسمارا في نعش المملكة الاسرائيلية في حينه، وسرعان ما شرع ميشع ببناء ما تم تخريبه، بالإضافة لقيامه بنهضة عمرانية إنتاجية ضخمة، شملت جميع أراضي مؤاب الأردنية، ولقد حوّل ميشع مدينة ذيبان إلى عاصمة لحكمه، وبنى قصرا عظيما ومعبدا للإله المؤابي كموش، ونصب بها مسلته الشهيرة ( مسلّة ميشع )، التي وثقت انجازات الأردنيين المؤابيين في عصره، كما حفر الآبار والبرك، واهتم باستثمار أراضيها الزراعية، وأمر الشعب الأردني المؤابي من سكان ذيبان بحفر الآبار في بيوتهم، ليضخم عجلة الانتاج، فالأردنيون تاريخيا يقيسون النصر بالتنمية، والتطور، لا بالقتل والتخريب.

إذا هي ذيبان عاصمة الملك الأردني ميشع، التي دحرت المحتلين، ذاتها ذيبان معقل بني حميدة، العشيرة الأردنية التي كانت تواجه الاحتلال العثماني وتدمر حامياته العسكرية التي كانت سيوفا مسلطة على رقاب الأحرار الأردنيين، وابتكرت نموذجها الانتاجي الخاص، كما باقي الأردنيين، لمواجهة الظلم العثماني والحفاظ على هذا الوجود الضارب في عمق التاريخ.

  • المدن والمواقع الأردنية المؤابية

لا شك أن كل إقليم مؤابي كان له مدينة رئيسية، تشكل مركزا لنشاطاته سياسيا واقتصاديا، وقد وجد المنقبون الآثاريون عدة مدن مؤابية، بين كبيرة ومتوسطة الحجم قياسا بمدن العصر الحديدي، إلا أن النقص بالآثار الكتابية، والروايات التاريخية الدقيقة، أثر سلباً على حجم المعلومات عن هذه المدن، ولقد حاولنا في هذا القسم من البحث التطرق إلى أكبر وأهم المدن الأردنية المؤابية المكتشفة، وطرح ما توافر لنا من معلومات عبر تحليل لقياتها الأثرية.

خربة المدينة

فوق تلة تشرف على وادي الحسا، وعلى الطريق السلطاني، بنى أجدادنا الأردنيون المؤابيون هذه المدينة، حيث تسيطر هذه المدينة على جزء كبير من الأراضي الزراعية الواقعة في الوادي، وتكمن أهمية هذه المدينة بأنها كانت تحرس الجزء المار بها من الطريق السلطاني، كما تحرس الحدود الجنوبية لمملكة مؤاب الأردنية.

المسناه

 بنى الأردنيون المؤابيون مدينة المسناه، إلى الشمال الشرقي من مدينة الربة، على مسافة 3 كم، وعلى الطريق السلطاني، والجدير بالذكر أن هذه المدينة ظلت عامرة بذات النسق منذ عصر الأردنيين المؤابيين، حتى العصر البيزنطي، وهو أمر نادر الحدوث.

عراعر

بنيت مدينة عراعر إلى الشمال من وادي الموجب، ويمر بها الطريق السلطاني أيضا، وتحمي مدينة عراعر أحد أهم الأراضي الزراعية في مملكة مؤاب الأردنية، كما وضع بها أجدادنا الأردنيون المؤابيون أهم حامياتهم العسكرية، لأن عراعر تسيطر على جزء واسع من الطريق السلطاني، وقد ذكرت مدينة عراعر بوضوح في مسلة الملك المؤابي الأردني ميشع، حيث ذكر الملك كيفية إعادة إعمار عراعر وتوسيعها بعد أن تم تخريبها.

أم العمد

وهي ذاتها أم العمد الحالية، الواقعة إلى الجنوب من عمان، والشمال من مادبا، وتعتبر من المدن المحصنة للحدود الشرقية لمملكة ذيبان الأردنية، وقد ذكرت في مسلة الملك الأردني المؤابي ميشع.

محيا 

مطلاً على بدايات الصحراء، ومسيطرا على جزء من مجرى وادي الحسا، بنى أجدادنا الأردنيون المؤابيون هذا لموقع، حيث مارس سكان هذه المدينة الزراعة في الوديان الخصبة المحيطة بالمرتفع، وكانت هذه المدينة بمثابة حامية لحراسة مملكة مؤاب الأردنية من جهة الصحراء شرقا.

مديبع 

وهو حصن دفاعي على ارتفاع 1000م عن سطح البحر، شمال غرب محيا، ويعتبر من أهم الحصون الدفاعية التي تحمي الحدود الشرقية لمملكة مؤاب الأردنية، ويشرف هذا الحصن أيضا على أهم الأراضي الزراعية في مملكة مؤاب الأردنية.

خربة العكوزة

موقع مؤابي أردني محصن تحصينا طبيعيا، ويشرف على الطريق السلطاني، ويعد أحد حاميات الطريق السلطاني.

خربة النجاجير

هو موقع مؤابي أردني يشرف على وادي الحسا من جهة وادي عفرة، ويقع شمال غرب خربة العكوزة.

خربة الدباب

على مرتفع يطل على وادي الطيبة، وما يجاوره من ينابيع، بنى أجدادنا الأردنيون المؤابيون هذه المدينة، وقد اشتهرت بالمصاطب التي تمنع انجراف التربة.

خربة مدينة الراس

 كجزيرة معزولة، على رأس مرتفع عال، إلى الشمال الغربي من خربة الدباب، بنى أجدادنا المؤابيون هذه المدينة، لتشرف على المنحدرات المتجهة للبحر الميت، وتعتبر خربة مدينة الراس من أهم المناطق الدفاعية في مملكة مؤاب الأردنية، حيث أن أفضل الحصون التي بناها الأردنيون المؤابيون بنيت في هذا الموقع.

خربة التلساح (التلساه)

 هي أحد أهم المناطق الزراعية منذ العصور البرونزية، وتقع إلى الجنوب الشرقي من الكرك، وقد وجد المنقبون في الحقول الزراعية الواسعة الممتدة حولها العديد من الكسر الفخارية العائدة إلى مملكة مؤاب الأردنية، وتعتبر هذه المدينة من المدن التي لا تحتاج إلى تحصينات ضخمة كونها تقع في وسط البلاد بعيدا عن أي خطر خارجي.

خربة بالوعة 

 تقع خربة بالوعة إلى الشمال من مصب سيل اللجون في وادي الموجب، وهي مشرفة على الطريق السلطاني المار من وادي الموجب، ولبالوعة أهمية تاريخية، حيث تم بها نقل السلطات من الايميين إلى أجدادنا الأردنيين المؤابيين، وكانت من أهم المدن في العصور البرونزية.

عليان  

وهو حصن واقع إلى الشمال من مدينة ذيبان، ويعتبر أحد حصون المرحلة الثانية (الحصون الداخلية) والتي تحمي الحدود الشرقية لمملكة مؤاب الأردنية، ويُعتقد بأن عليان هي المنطقة التي وقعت فيها المعركة بين الأموريين، والاسرائيليين خلال عبور قبائل بني اسرائيل ( العبرانيين ).

ماعين 

 وهي مدينة ماعين الحالية ذاتها، التي تحتوي على شلالات المياه المعدنية الحارة، وعلى الرغم من التخريب الذي طال آثار مملكة مؤاب الأردنية فيها، وآثار الحقب اللاحقة، إلا أن ماعين حافظت على اسمها المؤابي (بيت بعل معون) والذي اختصر لاحقا إلى (بعل معون) ثم إلى (ماعين).

خربة عيون موسى

 بني موقع خربة عيون موسى، إلى الغرب من وادي عيون موسى، وقد نجح الأردنيون الأوائل في التغلب على طبيعة المنطقة الصخرية، وزرعوها بكثافة على مر العصور، وصمد فيها حتى الآن آثار قلعة منذ زمن أجدادنا الأردنيين المؤابيين.

مادبا (ميدبا)

 وهي مدينة مادبا الحالية، وهي أحد أهم المدن الأردنية المؤابية، حيث ورد ذكرها في مسلة ميشع، وقد تعرضت الآثار المؤابية فيها للتخريب منذ مُدد طويلة، إلا أنها ما زالت تحتفظ باسمها الأردني المؤابي، كما وجد فيها العديد من القبور التي تعود إلى عصر مملكة مؤاب الأردنية.

الخاتمة

إن البحث في تاريخ الأردنيين الأوائل، درسٌ هام في العزيمة والاصرار والكفاح، للباحث، حيث أن الأردن صعبة كصعوبة مراس أهلها مع الأعداء، طيبة ومعطاءة لمن يسبر سر حبها تماماً مثل جود الأردنيين وكرمهم في عز الضنك، وعلى الرغم مما أصاب الأردن من كوارث طبيعية على مر العصور، بالإضافة لما تعرضت له من تخريب متعمد من قبل الطامعين والغازين والمحتلين، والتقصير الواضح في البحث والتنقيب في آثارها، والتشويه المتعمد لتاريخها، إلا أن أجدادنا الأردنيين الأوائل أبوا إلا أن يتركوا لنا آثاراً تدل على عظمتهم، ومنهم بالتأكيد أجدادنا الأردنيين المؤابيين.

 المراجع

  1. كفافي ، د. زيدان عبد الكافي (2006 )، تاريخ الأردن و اثاره في العصور القديمة ( العصور البرونزية و الحديدية ) ، دار ورد ، عمان .
  2.  A.H.Van Zyl، تعريب وإعداد، ياسين، د. خير نمر، (1990)، المؤابيون، الجامعة الأردنية عمان
Scroll to top