الشيخ البطل ارفيفان المجالي

صورة للشيخ ارفيفان المجالي موشحا بالأوسمة

مقدمة

سجلُ حافل في البطولات قدّمه الشيخ البطل ارفيفان باشا المجالي ( اخو شاهة ) في مدارس البطولة والنضال الأردني، بطلُ ترك لأبناء وطنه إرث كبيرا في الشجاعة والفداء وتحولت سيرته إلى مدرسة عظيمة في قيم البطولة و الحكمة، مرعب العثمانيين بدهائه وذكائه ولم يتراجع عن مبادئه وقيمه ضد العدو المحتل حتى وزوجته تقبع في سجن المحتل في معان، لقد أتعب هذا الشيخ البطل المحتل العثماني وراوغه كثيرا منذ اللحظات الأولى لتخطيطه مع الشهيد البطل قدر المجالي لثورة الأردنيين الوسطى عام 1910( الهيّة )، ولم يكتف أخو شاهة بفعائله العظام في مسيرة وطنه؛ بل قدّم للأردن من نسله المكرّم فيلقا عسكريّا كاملا كان اسمه ( المشير البطل حابس ارفيفان المجالي ).

النشأة والأسرة

هو ارفيفان بن محمد بن عبدالقادر بن يوسف بن سليمان المجالي مواليد سنة 1862م في بلدة الربّة بالكرك، لم يحظَ الشيخ ارفيفان المجالي من التعليم شئ، اذ عاصر كأي أردني آخر في عهد حقبة المحتل العثماني الذي مارس الحكم بالوكالة ونفّذ سياسات تجهيل والافقار المتعمّد فلا مدارس ولا معاهد، لا تنمية ولا بناء، واقتصرت وظيفة الدولة على جمع الضرائب الجائرة،  كل هذا كي لا تقوم للأردنيين قائمة في مواجهتهم بعد مسلسل طويل العهد من الثورات الصغرى ضد العثمانيين مع دخول أول قدم تركية للبلاد ، وهكذا لم يكن لارفيفان الطفل والشاب، سوى أن يتعلم في مدرسة الحياة قيم الفروسية والإدارة والمشيخة على يدي والده والده الشيخ محمد المجالي.

كعادة الشيوخ في تلك الحقبة وفي مواجهة المرض والموت الذي يحصد أرواح الأطفال ، ومن ثم الحروب والغزوات التي كثيرا ما افتعلها العثماني أو ساهم بتأجيجها ومن ثم لبناء الأحلاف الاستراتيجية في مواجهة العثمانيين ولتعميق أواصر المودة والنسب مع باقي أبناء عمومتهم واشقائهم من شيوخ العشائر الأردنية الأخرى، لأجل ذلك كله كان على شيوخ العشائر الأردنية أن يحفظوا نسلهم وبيوتهم العامرة وأن يزيدوا من فرسان عشيرتهم عبر تعدّد  الزوجات، ولذلك تعدّدت زيجات الشيخ ارفيفان باشا المجالي من كريمات بنات كرام، فتزوّج من ( شمسيّة المجالي ) والتي انجبت له أول أولاده (معارك)، وتزوج لاحقا من ( نجمة عبد الغني البطوش ) وأنجب منها ابنه صالح، كما تزوج من ( نعمات ) والتي أنجبت له عاطف وعبدالله ونايفة وسميحة وبهيجة، وتزوج أيضا من النشمية الشيخة ( بندر فارس شلاش المجالي ) وأنجب منها حابس ودميثان وعصر وسليمان.

بندر
صورة النشمية بندر فارس شلاش المجالي

ارفيفان والهيّة

استطاع الراحل البطل ارفيفان باشا المجالي بدهائه وذكائه الفطري والمكتسب من جينات العشيرة الأردنية أن يستخدم حنكته السياسية والدبلوماسية ضد العدو العثماني أثناء ثورة الأردنيين الوسطى 1910( الهيّة )، فكانت أولى خططه في مواجهة المحتل العثماني عندما اتفق مع الشيخ قدر المجالي على تشتيت الإدارة العثمانية وبعثرة بصرها وتركيزها ، من أجل التخطيط للثورة بسرية مطلقة، ولذلك أصرّ حينها على ضرورة دخول الشهيد الشيخ البطل قدر المجالي كعضو في لجان تعداد الأنفس رغم رفض الشيخ قدر المجالي المكرر والصريح لما تقوم به هذه اللجان من تجاوزات كثيرة ضد أهالي الكرك.

قدر
الشيخ الفارس قدر المجالي ( زعيم ثورة الكرك ) يتوسط فرسان و أبناء عشيرته ابان الهيّة 1910

ولم يكتفِ بذلك فقد أرسل الشيخ ارفيفان المجالي؛ النائب الأردني في مجلس المبعوثان ( توفيق بك المجالي ) وذلك من أجل إبلاغ الباب العالي في الأستانة، بأن أهالي الكرك جميعهم مع الاجراءات التي تقوم بها الدولة العثمانية من احصاء الأنفس وفرض التجنيد الاجباري، وأن أهالي منطقة الكرك سيستمرون في حماية حامياتهم العسكرية وممتلكاتهم، وكان لا بد من هذا التمويه والخداع للعدو أملا في مماطلته وتأخير المواجهة المحتومة، من أجل التفرغ كليا للتخطيط للثورة تقمع جذور هذا المحتل من أراضٍ أردنية استنزفوها طويلاً.

15731587_1779935115591757_516900656_n
إعلان في إحدى الصحف العثمانية الناطقة بالعربية عن التلغراف الذي أرسله الشيخ ارفيفان عبر النائب توفيق المجالي

وتذكر قصص هذه الثورة أنه وفي احدى الاجتماعات التي كانت في صلب العمليات اللوجستية للتخطيط  من أجل الثورة صاح الشيخ البطل ارفيفان المجالي ومن أجل تحفيز وتشجيع فرسان العشائر الأردنية بقصيدة قال فيها:

الراس في طاري الكرك دوم مرفوع

هنيّال من غرسه… كان بثراها

يا آمن من الخوف وما ياصله جوع

يا شعلة الفرسان …. ما حدِّن طفاها

في اهلها نخوة وفي جودها سوع

وفي جوفها عزن عانق سماها

وتاريخها ثورة وفي مجدها سطوع

حتى نجوم الكون نجمك محاها

يا منبر التاريخ يا ندرة بالنوع

الله يحفظها دووم ويروي ظماها.

أعلنت الثورة وبدأت المعارك بين المحتل وفرسان العشائر الأردنية وبسبب قوة طوابير وعدة المحتل العثماني ونظرا لجرأته في القمع والتنكيل، فقد ألحقت بعشائر الكرك الخسائر الكبيرة ثمنا للتضحية والبطولة، فمنهم من ألقي القبض عليه وأعدم من أعلى قلعة الكرك عبر ربط الصخور في أعناقهم بالحبال ورميهم من على أسوارها، ومنهم من أرسلوا طوابيرا للأسر في سجون الخسة للمحتل بين دمشق والأستانة، ومنهم من استشهد في الثورة، فما كان من الشيخ ارفيفان المجالي كأحد قادة الثورة إلاّ الانسحاب من أرض المعركة والذهاب نحو مضارب العشائر الأردنية في الشوبك وكان معه زوجته بندر وشقيقاتها مشخص وشفق ومجموعة من النساء والفرسان.

طارد العثمانيون الشيخ ارفيفان ومن معه وحصلت معركة الملاحقة في الشوبك حيث تمكنت الجندرمة التركية من إلقاء القبض على النساء بعد قتل مرافقهم البطل صخر المجالي رميا بالرصاص بعد أن فتك بالكثير من جنودهم، وكانت من بين المعتقلات من النشميات زوجته بندر المجالي التي تنتظر مولودها القادم بفارغ الصبر حاملا اسم ( جميل ) وهو في بطنها كما اتفقت مع زوجها الشيخ ارفيفان المجالي، تحول هذا الوليد ( جميل ) المولود بعيدا عن ناظري أبيه وأهله في سجن المحتل العثماني ليصبح كونه وليد الحبس والمعتقل ( المشير البطل حابس المجالي )  رمز العسكرية الأردنية الفذّة وأحد رموزها الغر الميامين  .

لقراءة قصة بطولة النشميات بندر ومشخص المجالي أنقر هنا

 

14657713_10211330088908363_1777864017_n
مشهد ولادة المشير البطل حابس المجالي – والدته بندر المجالي محفوفة برعاية نشميات بني عطية والحويطات برفقة شقيقتها مشخص- لوحة للفنانة هند الجرمي .
حابس
المشير البطل حابس ارفيفان المجالي

استطاع الشيخ ارفيفان ان يتخلص من قبضة القوات العثمانية في تلك المعركة وبعد اصدار الحكم الفوري عليه بالإعدام على مشانق العثمانيين، اتجه الشيخ ارفيفان المجالي إلى المنطقة الواقعة بين جنوب الأردن وشمال الحجاز بعيدا عن ملاحقة العسكر العثماني التي أرادت رأسه، يرافقه أحد رجال عشيرته اسمه ( عبدالنبي محمود المجالي )، وفي منتصف الطريق توقف ارفيفان مطالباً رفيقه عبدالنبي المجالي أن يبدل ملابسه بملابس عبدالنبي لمزيد من التمويه، وأوصاه بأن يعطي فرسه إلى ابنه ( معارك ) وبندقيته إلى ابنه ( دميثان ) ذلك حتى وإن فارقته الروح يضمن أن يبقي لأولاده شيئا من رمزية الكفاح والنضال في وجه المحتل وأن لا يسمحوا للرصاص والصهيل أن يتوقف في مواجهة رايات العثمانيين الحمراء،  ومن ثم أمره بالعودة حالا إلى الكرك، وتابع الشيخ ارفيفان المجالي طريقه نحو شمال الحجاز حيث نزل في مضارب أحد وجهاء المنطقة الشيخ قبلان أبو رمان بحجة أنه رجل يبحث عن عمل يكفيه مؤونته، فعمل كـ ( قهوجي) لدى الشيخ سلامة أبو رمان، كان هذا الفعل رغبة في مزيد من كسب الوقت بعيدا عن أعين الملاحقة العثمانية.

ارفيفان والخويّ

كان للشيخ ارفيفان صديق حميم وهو الشيخ حرب العطيّات أحد شيوخ وفرسان قبيلة بني عطية صاحب القوة والنفوذ، سمع الشيخ حرب العطيّات ما حلّ بصديقه الشيخ ارفيفان المجالي بعد الثورة، فامتلكه الغضب والأسى، وما كان من الصديق اتجاه صديقه سوى التضحية من أجله معرّضا نفسه للانتقام العثماني، فذهب من فوره إلى الوالي العثماني وأبلغه بأنه ان تمكّن جنوده من القبض على الشيخ ارفيفان المجالي، فإنه عليه أن يطلق سراحه فورا ويصدر العفو عنه وأن لا يمسه مكروه، وإلا كانت العواقب وخيمة على العثمانيين وسيشعلها نارا من تحت أقدامهم، فوافق الوالي العثماني خوفا ووجلا من ثورة جديدة قادمة يقودها فرسان بني عطية وأصدر عفوا عن الشيخ ارفيفان المجالي.

فبدأ الخوي ( الشيخ حرب العطيّات ) يبحث عن خويّه ( الشيخ ارفيفان المجالي ) في كل مكان حتى أعياه البحث، وفي ذات يوم نزل الشيخ حرب العطيّات أثناء رحلة البحث في مضارب صديقه الشيخ قبلان أبورمان ، هناك حيث يقيم خويّه الشيخ ارفيفان عاملا كـ ( قهوجي ) في بيت الشيخ قبلان، ما أن تلاقت الأعين عرف الشيخ ارفيفان صديقه الشيخ حرب، بينما لم يعرفه الشيخ حرب بسبب تخفيه بملابسه الرثة وطول لحيته وتكميمه لفمه بطرف شماغه، وفي منتصف الليل نهض الشيخ حرب العطيّات باتجاه موقد النار حيث يجلس ارفيفان – المتخفي بملابس ( الفداوي ) – لكي يشعل غليونه (سبيله) فقال ارفيفان لصديقه حرب بعد أن ضربه على ركبته بيده للفت الانتباه : ( أنظر في عيني جيدت ألا تعرفني ؟ )، وعندما حدق الشيخ حرب في عينيه عرف أنه في حضرة صديقه الشيخ ارفيفان، فانتفض فرحا وشوقا، وذهب على الفور ليخبر مضيفه الشيخ سلامة أبو رمان بأن قهوجيه ما هو إلاّ الشيخ ارفيفان المجالي فتضاربت لدى الشيخ قبلان مشاعر الفخر بضيفه الكبير والحرج من مما حل به في بيته، وفي اليوم التالي تم ذبح الجزور وتغيير ملابس الشيخ ارفيفان وحلاقه ذقنه وعمل وليمة كبيرة على شرفه.

ومن بعدها أخذ الخوي صديقه ارفيفان المجالي إلى الوالي العثماني وأجبر الشيخ حرب العطيّات الوالي العثماني على إصدار وتسليم قرار العفو عن الشيخ ارفيفان فأصدره في الحال، ولكن كما هي شيم العثمانيين المعهودة في ضمرهم للخيانة والانتقام وبعد أسبوع واحد فقط من صدور العفو، تم اعتقاله بالقوة، وأخذه إلى سجن القلعة في دمشق، وبقي الشيخ ارفيفان المجالي في السجن إلى أن صدر العفو العام عن جميع أهالي الكرك وشيوخها، على إثر ما قام به النائب توفيق بك المجالي من بيانات نارية في وجه الإدارة العثمانية في مجلس المبعوثان وعاد بهم إلى الكرك الأمر الذي أجبره هو الآخر أيضا على التخفي هربا من المحاولات الانتقامية للإدارة العثمانية.

لقراءة قصة النائب البطل توفيق المجالي أنقر هنا

رفيفان مع لوجو

مسيرة سياسية وطنية حافلة

وبعد هزيمة المحتل العثماني واندحاره عن الأرض الأردنية بالثورة العربية الكبرى وإعلان الاستقلال، بدأت الحياة السياسية تأخذ طابعها الديمقراطي المؤسسي، ومع إعلان المملكة الفيصلية استلم الشيخ ارفيفان زمام الأمور في إدارة الكرك عام 1920، وبعد ذلك ذهب الشيخ ارفيفان للمشاركة في مؤتمر السلط عام 21/8/1920 بحضور هيربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني، المؤتمر الذي تمخض عنه إرسال مجموعة من الضباط السياسيين المعتمدين لدى سلطة الانتداب البريطاني لعدد من المدن الأردنية بحجة مساندة الحكومات المحلية الناشئة فيها اثر سقوط المملكة الفيصلية على يد الاحتلال الفرنسي ، وكان أحدهم الضابط ( كلنفيك) الذي أرسل لكي يشغل وظيفة المعتمد لدى حكومة الكرك.

قام كلنفيك بالمباحثات والدراسات مع أهالي وشيوخ المنطقة على الشؤون الإدارية للمدينة، بعد أن قامت حكومة محلية أطلق عليها وجهاء الكرك وشيوخها مسمى (الحكومة الوطنية المؤابية) وتم اختيار الشيخ ارفيفان المجالي رئيساً للحكومة وتكوّن المجلس العالي لهذه الحكومة المنتخبة من أهالي المنطقة من كل من:

  1. الشيخ عطوي المجالي
  2. الشيخ حسين الطراونة
  3. الشيخ سلامة المعايطة
  4. الخوري عودة الشوارب
  5. المحامي عبدالله العكشة
  6. الشيخ نايف المجالي
  7. الشيخ موسى المحيسن
  8. الشيخ عبدالله العطيوي

وكانت أولى قرارات هذه الحكومة إلغاء التشكيلات الخاصة بالعهد الفيصلي وتعيين موظفيين من أهل الكرك والطفيلة، وحُلّت هذه الحكومة عندما جاء الأمير عبدالله بن الحسين إلى الأردن وأنشا حكومة مركزية موحدة فيما بقي الشيخ ارفيفان متصرفاً في الكرك كما كان في الحكومات المحلية.

نن
الشيخ ارفيفان على يمين الشهيد الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين

ومع أول انتخابات نيابية في عهد الإمارة الأردنية وبعد اقرار قانون الانتخابات وانتخاب المجلس التشريعي في 2 نيسان 1929؛ مثّل الشيخ ارفيان المجالي الكرك في المجلس التشريعي وكان له دور مؤثر عند اقرار المجلس على التصديق على المعاهدة البريطانية – الأردنية بأنه أشترط على المجلس التشريعي عدة ملاحظات على نص المعاهدة وأهمها:

  1. تعديل أو الغاء كل من المواد التالية من نص المعاهدة : 5،6،7،10،14،16،1
  2. تعديل أو الغاء الفقرات التالية من نص المعاهدة : الفقرة الثانية من المادة 11، الفقرة الثانية من المادة الثانية.

وفي 1 حزيران 1931 جرت انتخابات المجلس التشريعي الثاني بعد أن حُلّ المجلس التشريعي الأول بتاريخ 9 شباط 1931، وتم انتخاب الشيخ ارفيفان المجالي للمرة الثانية عن لواء الكرك ومعان. وفي هذه الدورة أيضا بقي الشيخ ارفيفان على عزيمته واصراره بضرورة استقلال وطنه عن الاستعمار البريطاني حيث طالب مجددا بتغير مزيد من بنود المعاهدة الأردنية البريطانية من أجل الاستقلال النهائي .

وبعد انتهاء مدة المجلس التشريعي الثاني عقدت الانتخابات النيابية الثالثة في الأردن بتاريخ  16 تشرين الأول 1934 ليتكرر فوز الشيخ رفيفان المجالي عن لواء الكرك ومعان ويكون هو ومن معه من زملائه النواب الوجه المعارض في هذا المجلس الثالث لسياسات الاستعمار البريطاني ومطالبته الدائمة بضرورة نيل الاستقلال النهائي لوطنه الأردن وكان معه من لواء الكرك ومعان الشيخ صالح العوران والشيخ متري زريقات والشيخ محمود زريقات.

وفي تاريخ 16 تشرين الاول 1937 عقدت انتخابات المجلس التشريعي الرابع ومن جديد مثّل الشيخ ارفيفان المجالي لواء الكرك ومعان حيث تم تمديد هذا المجلس سنتين اضافيتين بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية.

وبعد ذلك تم التعديل على قانون الانتخابات ليتم فصل معان عن لواء الكرك لتصبح دائرة لوحدها ولها مقعد واحد، والكرك دائرة منفصلة ولها 3 مقاعد وبعدها أجريت الانتخابات بتاريخ 18 حزيران 1942 حيث فاز في هذه الانتخابات عن لواء الكرك كل من الشيخ ارفيفان المجالي و يوسف العكشة و حسين الطراونة ، في  دلالة واضحة على الاجماع الشعبي الذي حظي به الشيخ ارفيفان المجالي من أهالي اللواء منذ الانتخابات التشريعية الأولى.

وكان للشيخ ارفيفان المجالي نشاطه السياسي الحزبي أيضا، حيث تقدم الراحل بطلب إلى الحكومة بترخيص حزب سياسي وطني أطلق عليه ( حزب التضامن الأردني) وكان معه كل من الشيوخ : مثقال الفايز، سعيد ابو جابر، قاسم الهنداوي، نجيب ابو الشعر، صالح العوران، شمس الدين سامي، احمد الصعوب، متري زريقات، هاشم خير، وهدف هذا الحزب إلى الدفاع عن أبناء العشائر الأردنية وحقوقهم الوطنية، ولم يعمر هذا الحزب طويلاً وذلك بسبب اتهامهم الباطل بـ النعرة الاقليمية من قبل رئيس الحكومة آنذاك عبدالله السراج المعارض لتوجه هذا الحزب الوطني الأردني.

وضمن نشاطاته الحزبية أيضا، ترأس الشيخ ارفيفان المجالي حزب ( الإخاء الأردني) الذي أنشأ في تاريخ 25/9/1937 وكان مركزه الرئيسي في العاصمة عمان وفي 28/9/1937 صدر البيان التأسيسي للحزب والذي أشار إلى أن هذا الحزب يمثل طبقات الشعب الأردني كافة ويسعى إلى خدمة الأردن وتحقيق الاستقلال التام للأردن من الاستعمار البريطاني وضمان الوحدة الوطنية الاردنية بين أبنائه.

الباشوية تكريم واستحقاق 

SAM39271
الصورة مع الشرح المرفق من الموقع الزميل ( زمانكم – قصة الأمس )

وتقديرا لجهود الشيخ البطل ارفيفان المجالي واقرارا بزعامته ودوره الوطني العظيم في إرساء قواعد الدولة الأردنية الناشئة فقد صدرت الإرادة الأميرية من لدن صاحب السمو الأمير عبدالله بن الحسين – الشهيد الملك المؤسس – بتوجيه لقب باشا للشيخ ارفيفان المجالي بالشراكة مع عدد من أشقائه من زعماء العشائر الأردنية وشيوخها وقد نشرت الإرادة الأميرية مع الأسماء في الجريدة الرسمية للإمارة الأردنية عام 1923.

الانسجام الأهلي في فكر الشيخ
حملت الكرك تقاليدًا متوارثة من الحرص المتبادل على حماية خصوصية العلاقة وحفظ الانسجام والوام الأهلي العام والتآخي بين الأردنيين المسيحيين والمسلمين كما في شقيقاتها من المدن الأردنية ،وقد تحدث (بيتر جوبسر) عن مدى حرص مجتمع الكرك على المحافظة على هذه العلاقة المتميزة ، ومضى يقول :”وهم فخورون بعلاقاتهم المتبادلة الجيدة بالمقارنة مع سائر المنطقة والشرق الأوسط”.  وقبل نصف قرن على ماقاله (جوبسر)، كان خليل  الحوراني قد كتب يصف العلاقة بين الأردنيين مسلمين ومسيحيين في الكرك بقوله: “وهم شركاء كأهل الوطن الواحد في الغنم والغرم.”

وحفظا لهذا المبدأ في إعلاء قيم المودة والتسامح والهدف الوطني المشترك ، فقد كان موقف الشيخ البطل ارفيفان باشا المجالي صارما جدا في حال وجود أي خرق – حتى لو كان شفويا – من أي كان لهذه القاعدة الرئيسية ، ولذلك فقد أمر ارفيفان باشا المجالي في مطلع عشرينيات القرن العشرين بنفي تاجر شامي من الكرك لمدة عشر سنوات لإساءته للأردنيين المسيحيين في الكرك بقوله أنهم سيدخلون النار!

ارفيفان والثورة السورية ضد المحتل الفرنسي

كان للشيخ ارفيفان الدور الكبير في مساندة ومساعدة الثوّار السوريين الهاربين من بطش المحتل الفرنسي، عندما فتحت الكرك أحضانها في وجه اللاجئين السياسين السوريين، حيث لجأ القائد العام للثورة السورية سلطان باشا الأطرش ومعه حوالي 500 من الرجال إلى الأردن وزاروا الكرك وحظيوا بالترحاب والحماية من الملاحقة الفرنسية .

سباق في الكرم والإنسانية

زار الشاعر سالم أبو الكباير في ذات يوم الكرك في ليلة باردة في فصل الشتاء، ولم يكن الشاعر أبو الكباير يرتدي (الفروة) وعندها طلب من أحد التجار في المدينة أن يلبسه فروة تقيه من برد الشتاء فرفض التاجر وقال له : إنها للبيع وليست للطيب والكرم، فجلس أبو الكباير ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﺎﺟﺮ ﻋﺴﻰ ﺃﻥ ﻳﺨﻒ ﺍﻟﻤﻄﺮ، ويستطيع الذهاب من عند هذا التاجر الذي كان يبيع أيضا الرز واللوز، وﻳخفض ﺭﺃﺳﻪ ﻟﻴﺮﻯ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﺧﻮﻓﺂ ﺃﻥ ﻳﺰﻳﺪ ﻷﺣﺪﻫﻢ أثناء البيع من شدة بخله، فلم يستطع الشاعر تحمل هذا  فتوجه إلى مضارب المجالية حيث الشيخ ارفيفان المجالي، وكان منزله كبيراً جداً مشرّعا في وجه الضيوف وأهالي الكرك ، فاتجه أبو الكباير نحوه مباشرة وهو يرتعد من البرد، وصدف ليلتها أن كان عند الشيخ ارفيفان ابن اخيه الشيخ البطل قدر المجالي وعندما رأى الشيخان ( ارفيفان وقدر ) أبو الكباير وهو يرتعد من البرد، انطلق كل منهما يسابق الآخر بخلع فروته ليلبسها للضيف وعندها جلس ابو الكباير وقال:

ﺇﻧﻬﺐ ﺷﺒﺎﺑﻚ ﻗﺒﻞ ﻳﺎﺗﻲ ﺩﻣﺎﺭﻩ                ﻻ ﺑﺪ ﻳﺎﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﺯﻳﻼﻥ …
ﺍﻟﻄﻴﺐ ﻳﺎﻷﺟﻮﺍﺩ ﻭﺩﻩ ﺟﺴﺎﺭﺓ                ﻣﺎ ﻭﺩﻩ ﺭﺟﻞ ﻏﺾ ﺭﺍﺳﻪ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ …
ﻗﺪﺭ ﻭ ﺍﺭﻓﻴﻔﺎﻥ ﻣﺜﻞ ﺟﻮﺯ ﺍﻟﻨﻤﺎﺭﺓ           ﻭﺍﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﻴﻪ ﺑﻠﺸﺎﻥ …
ﺍﻟﺼﺒﺢ ﻳﻘﻠﺪﻭﻥ ﻟﻮﻥ ﺍﻟﺴﻔﺎﺭﺓ                 ﻭﻟﻠﻌﺼﺮ ﻣﺎ اﻧﻜﻒ ﻣﻨﺴﻒ ﺍﺭﻓﻴﻔﺎﻥ ..
ﻭﺭﺩﺕ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺧﻴﻞ ﻗﺎﻣﻮﺍ ﻧﻤﺎﺭﺓ              ﺍﻟﻌﺰ ﺑﻠﻘﺎ ﻭ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﻳﺪ ﻋﻤﺎﻥ …

وفاته

رحل الشيخ ارفيفان المجالي مودّعا وطنه وأهله يوم الثلاثاء الموافق 23 كانون الثاني 1945 في الساعة التاسعة مساءً ودفن في مقبرة النبي نوح في الكرك حيث شارك في جنازته جمع غفير من شيوخ العشائر الأردنية والدول المجاورة وحضر الجنازة سمو الأمير طلال بن عبدالله – الملك لاحقا – بالنيابة عن صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الأول بن الحسين – الملك لاحقا.

صورة وفاة رفيفان مع لوجو
إعلان خبر وفاة الشيخ البطل ارفيفان المجالي

وهكذا رحل هذا الرمز المؤابي الأردني المشع، تاركا خلفة سيرة عطرة لمسيرة نضالية وطنية حافلة ، جابهت المحتل بالرصاص والحكمة وواجهت المستعمر بالقلم والكلمة، ووقفت طويلا كعامود بيت شعر عظيم لم تهزها الرياح العواتي، ولم تخضع لابتزاز المحتل وجبروته، وقد قالوا قديما أن ( النار تذر الرماد ) لكن الشيخ البطل ارفيفان المجالي وأمثاله من شيوخ العشائر الأردنية وفرسانها  كانوا ( النار التي خلّفت نارا وبطولة ).

المراجع :

  1. بحث منشور لإرث الأردن عن ثورة الكرك 
  2. صالح رفيفان المجالي، سيرته وحياته، جمع وإعداد راتب صالح المجالي، المطبعة العسكرية، 1997.
  3. جريدة الوفاء، العدد الصادر بتاريخ 28 كانون الثاني 1945
  4. مشاهير في التاريخ الاردني، محمود سعد عبيدات، جريدة شيحان، 22/3/2003.
  5. بيتر جوبسر، السياسة والتغيير في الكرك-الأردن ،دراسة لبلدة عربية صغيرة ومنطقتها،ترجمة د.خالد الكركي،مراجعة د.محمد عدنان البخيت،منشورات الجامعة الأردنية ،عمان ،1988.
  6. لقاء من قبل فريق إرث الاردن مع الباحث التاريخي فرّاس دميثان المجالي ،الكرك، تاريخ4-6-2016
  7. ألفاظ وأشعار كركية، فراس دميثان المجالي، مطبعة السفير،2009.
  8. موقع زمانكم ( قصة الأمس ) – http://www.zamancom.com
Scroll to top