الشيخ البطل فواز باشا البركات الزعبي

فواز-الزعبي
الشيخ فواز البركات الزعبي

لقد قاتل ابائكم واجدادكم وجاهدوا مابوسعهم للقتال وضحوا تضحيات حقيقية في سبيل بلادهم  
وعليكم ياشباب وفرسان حوران ان تواصلوا القتال , فنحن لا ننشد إلا الحرية … وطريقنا طريق الحرية والثوار

الشيخ البطل فواز البركات الزعبي

نشأته

ولد الشيخ فواز في مدينة الرمثا منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وهو ابن بركات بن موسى بن مصطفى بن الشريدة بن ابراهيم بن مصطفى عماد الدين علي الزعبي. وتعد الزعبية من أكثر العشائر الممتدة في سهول حوارن مرورا بالسلط وقراها والى أم القصر في مادبا .
يعد والده الشيخ بركات من أصحاب المكانة المرموقة على الصعيد الرسمي إبان الاحتلال التركي وعلى الصعيد الشعبي مما أهل ابنه فواز على اكتساب سلوك المشايخ والتعلم من والده في حل المنازعات العشائرية والقضاء العشائري .
تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب في الكتاتيب في بلدته الرمثا حيث كانت تمول هذه الكتاتيب من الأهالي في ظل غياب المنظومة التعليمية كاملة، وقد كان تلميذاً مجتهداً ومحبوباً وذا شخصية قيادية من نعومة أظفاره وامتازت شخصيته أيضا بالثقة بالنفس والعصامية والشجاعة والجرأة والحكمة وقال عنه الزعيم أحمد مريود ” كان فواز البركات
مصدر خير ونبع مودة وموئل رجولة، وعنوان وفاء، كتوما .. صادقا و سيد الحكمة والرأي الحسن ..”

Rumtha1900
صورة لمدينة الرمثا في عام 1900 و تظهر بيوت المدينة حيث ولد الشيخ فوازالزعبي

 وبرزت شخصيته وتوليه المسؤولية بعد وفاة والده وبروز شخصيته كقائد عشائري ذو مكانة اجتماعية وشعبية وزعيم وطني يهتم للصالح العام ومنتمي لمجتمعه وأرضه وكان يجسد ذلك بأعماله وسلوكه باهتمامه بفض المنازعات العشائرية وتنظيم أمور بلدته وعشيرته اثر المعاناة من الاحتلال العثماني والتي أهملت الشؤون الإدارية والتنظيمية في منطقة اربد والرمثا و في الأردن عموماً.
كان من الشخصيات التي تم الاهتمام بها على صعيد مرحلة الاستقطاب والبحث عن رجالات وطنية ومخلصة لفكرة القومية العربية، الذي تمت تسميته للإنضمام للجمعيات العربية السرية ليكون إحدى القيادات الوطنية لدعم الثوره العربية الكبرى بقيادة الشريف الحسين بن علي .

 بروز شخصية فواز البركات على الصعيد الوطني وخارجه

قام الشيخ فواز بزيارة على رأس وفد إلى الشريف حسين بن علي والتباحث معه في القضايا وهموم الأردنيين في منطقته وحوران عموما في ظل ازدياد ضغوط الاحتلال العثماني على أهل المنطقة. وهو أول من بشّر في حوران بالثورة العربيه الكبرى، فقد رفضوا التعسف التركي العثماني من جباية ضرائب كانت تبتدأ ب25% كضريبة دخل بلا أي مردود، وفرض اللغة التركية كبديل للغة العربية من خلال سياسات التتريك التي انتهجتها الدولة العثمانية ضد العرب والأردنيين، وعدم الاهتمام بالأرض الأردنية الا اذا ما كانت هنالك خدمة لمصالحهم الخاصة .

العمل السياسي

برز الوعي السياسي عند الشيخ فواز البركات لما تحمله من مسؤولية مبكرا ولصفاته المميزة لديه ودرجة ثقافته المغايرة لما هو مهندس له من تجهيل ممنهج للأردنيين،  والوعي السياسي واتصالاته مع المفكرين العرب والقيادات السياسية العربية. واكتملت ارادته التحررية عند مشاركته في لقاء والي دمشق محمود شوكت آنذاك ومناقشة الأوضاع في المناطق العربية وسوء السياسات العثمانية التي حلت الأحزاب العربية، وتهديدها الدائم بتعليق المشانق، فخرج بنتيجة مع الزعماء الوطنيين بأن العمل السّري هو الحل، ايذانا بضرورة إنهاء مرحلة صراع طويلة  مع الحكم العثماني .
وقد شارك الشيخ فواز باجتماعات عدة مع  الأمير فيصل وأقطاب الحركة الوطنية قبل إعلان الثورة العربية الكبرى الذي كان من أبرز قادتها المحليين والداعمين لها من سلاح وإدارة وتحشيد للفرسان وتخطيط للمعارك .

موقفه من التجنيد الاجباري 

ساءت الاحوال إلى حد لا يطاق في جميع المناطق العربية من فرض ضرائب وجباية وسوء معاملة تجاه العنصر العربي واتباع سياسه ابعاد الشباب العربي والأردني تحديدا في حروب السفربرلك  وتجنيدهم وارسالهم الى الحروب العثمانية واخماد الثورات في مناطق سيطرتها وإرسال الضباط العرب الى حرب الدردنيل .
وقف الشيخ فواز البركات في وجه الاحتلال العثماني ووضع خطة استطاع فيها تجنيب الشباب الحوراني والرماثنة وأهالي نواحي اربد من التطوع في صفوف العثمانيين وحلفائهم الألمان والنمساويين عن طريق رسله الذين كان يبعث بهم الى القرى للرحيل الى منطقة اللجاة المعروفة بقوتها التمويهية ووعورة سبلها الصخرية وباعلانه للعصيان المسلح عند الحاجة. وقد تعاون الشيخ فواز مع زعماء الجبل من أمثال ذوقان الأطرش ويحيى الأطرش لتنظيم وتأمين الحماية للشبان العرب وهنا يشير البطل محمد قسيم الزعبي من بلدة خرجا حول تعاون الشيخ فواز ورجالات الأردن عند اكتشاف نوايا العثماني بعد حملة سامي باشا الفاروقي على جبل الدروز والكرك سنه 1910 بمسألة سميت  ” بتحرير النفوس “، حيث كان الهدف منها إرسال الحوارنة الى الموت أو عدم العودة إلى قراهم، وكان الشيخ فواز البركات أول مشايخ الأردن ادراكا لهذه المسالة وإدراكا للخطر القادم الى شمال الأردن وشبابها فقد وزعهم على الأراضي للعمل فيها ومن ثم تهريبهم الى منطقه الأزرق التي كانت معسكرا للفرسان الذين بنتظرون وصول الأمير فيصل و قوات العشائر الأردنية وكانوا قوة فاعلة في معارك تحرير الشمال الاردني من الاحتلال العثماني .
ولم يكتف بذلك اذ شكّل وفدا من وجهاء حوران لمقابلة الشريف الحسين بن علي لشرح الأوضاع التي آلت اليها الامور، وعن المظالم التي وقعت على أهالي البلاد واستبداد الاحتلال العثماني وبشاعته بجمع المحاصيل وخاصة بعد هجوم الجراد على سهول حوران عام 1914، وتم مناقشه الخطط الأولية للقضاء على العثمانيين  وطردهم من البلاد.

الشيخ فواز ودوره في الثورة العربية الكبرى ومعاركها

شارك الشيخ فواز في معظم الاجتماعات واللقاءات السرية التي عقدها الأمير فيصل في دمشق وجوبر مع زعماء الحركة الوطنية وقيادات الجمعيات العربية، وكان الشيخ فواز يمثل مناطق سهل حوران الأردني في تلك الاجتماعات وكانت مهمته أيضا في استقطاب العشائر الأردنية الحورانية ووعشائر جبل العرب لصفوف الثورة .اذ كان دوره فعالا لكونه يحمل مكانة مرموقة وكلمة مسموعة في حوران والجبل والتقى مع زعماء الجبل ومنهم أسد الأطرش وزعيم جبل العرب  سلطان الأطرش  إضافة إلى علاقاته الوثيقة مع الزعامات الاردنية مثل البطل كايد المفلح العبيدات والشيخ عودة ابوتايه واحمد مريود ووجهاء قرى حوران .
ويذكر أن الشيخ فواز عمل على حل النزاعات والخلافات بين الدروز والبدو والتي كان يزرعها العثماني بينهم فيتم تحشيد قواهم ضد المحتل التركي والتنسيق لوصول الأمير فيصل على أسرع وجه فقام مع نسيب البكري وفايز الغصين وعقلة القطامي زعيم الطوائف المسيحية في مناطق حوران بالتنسيق للاجتماع بهم كنواة أولى للتعبئة وعن طريق الزعماء والوجهاء يتم تنسيب المتطوعين اذ شكلوا نواة جيش الثورة في المناطق الشمالية بتعداد 1500 فارس من العشائر الأردنية الذين شاركوا في معارك تحرير الشمال الاردني ومن ثم الجنوب السوري التي انطلقت من الأزرق .
ونتيجة لهذه الاجتماعات والتحضيرات في قريه المسيفرة  سمعت القوات العثمانية المحتلة الخبر عن الاجتماعات من خلال جواسيها فقامت على جناح السرعة بإرسال سامي باشا على رأس قوة عسكرية لمحاولة القبض على الشيخ فواز وقيادات حوران الأردنية ولكن لم تفلح بذلك  فقام بالتنكيل بأهل القرية بطرق بشعة لا تختلف عن أي نظام احتلال وربما تزيد عنه، فكانت هذه هي الشرارة الأولى للأهالي  للإسراع بالتجهيز والحشد الى مخيم الازرق في انتظار الأمير فيصل الذي وصل إليها في أوائل شهر أيلول 1918، وتعهد زعماء الشمال بالتحرير قبل دخول الجيش النظامي الشمالي الذي كان بقيادة جميل المدفعي وعلي جودت ونوري السعيد .

بدء عمليات التحرير في الشمال

اقترح الامير فيصل أن يكون الشيخ عودة ابوتايه قائداً عاما للثورة في مناطق الشمال إلا أنه اعتذر وقال : نحن كلنا جنود للثورة وسأكون الى جانب الشيخ فواز أعمل مع مشايخها وقادتها فهم أدرى وأعلم مني بما يناسبها .
في صباح يوم 14ايلول زحفت الحملة من الازرق  المكونة من فرسان العشائر الأردنية وبدأت عملياتها ضد الجيش العثماني وحلفائه الألمان والنمساويين ومراكزهم في درعا. وجرت إغارات على الحاميات العثمانية وقيادتها من الضباط الألمان. وبعد التنسيق مع أقاربهم الأردنيين في السلط وعمان تم نسف الجسور وتدمير سكة حديد القطار العسكري بالمنطقة الرابطة بين درعا وعمان مما ساعد على إعاقة الجيش التركي الرابع والتخفيف من حدة المعارك على السلط وعمان التين كانتا تعيشان أسوء أنواع الارهاب الجماعي عبر قصف جوي عشوائي ألماني وانجليزي ولأشهر بعد سنوات من مصادرة كافة المحاصيل الزراعية واستباحة البيوت ودور العبادة لتخزينها بهندسة عمليات وقيادة ألمانية ونمساوية.
ويذكر أن الجنرال اللنبي أرسل رسالة إلى الأمير فيصل يطلب فيها عدم توسيع عمليات فرسان العشائر الأردنية والجيش الشمالي من التقدم ولكن قيادات الجيش وحوران الأردنية رفضوا طلب الجنرال اللنبي واعتبروه تدخلا في شؤون عمليات التحرير لأرضهم وهم الأخبر بها وأن تحالفهم الآني مع الانجليز ليس بأي موقع يعطيهم الحق باعطاء الأوامر، فارتؤا عمل العكس تماماً بتوسيع العمليات وزيادة نشاطها والتعمق للوصول الى درعا ومحاولة الوصول الى دمشق وتحريرها قبل وصول القوات  البريطانية اليها . وقد تحقق ذلك في تشرين الأول 1918 وتحاول الآلة الاعلامية والأكاديمية المتفوقة الى الآن نسب تحرير دمشق لقوات الحلفاء عكس حقيقة تحريرها من قبل قوات الثورة العربية الكبرى بعمادها الأكبر من فرسان العشائر الأردنية.

فترة الحكم الفيصلي وحكومة الرمثا المحلية

fawwaz
كانت هذه الفترة من أصعب الفترات في عمر الشيخ فواز الذي وضع أمام خيارات صعبة لا يحتملها إلا الرجال أمثاله، فمن جهة كانت حالة الغليان الشعبي في شمال الأردن جراء الاتفاقات البريطانية والفرنسية السرية المتآمرة على الدول العربية والثورة من جهة ومن جهة أخرى موجه للأحداث التي رافقت ذلك في مناطق حوران ومحاولته وضع حل لها، حتى لا تغرق البلاد بحالة الفوضى وعدم الاستقرار.
وبعد انقلاب الفرنسيين على حكومة الملك فيصل واشتعال الثورة في جبل الدروز ومهاجمه قوات الجنرال غورو لمناطق حوارن بعد معركة ميسلون كانت الرمثا في حاله فراغ سياسي وإداري فأعلن الشيخ فواز عن استقلالها الذاتي جتى إنجلاء الأمور ولإبعاد الرمثا عن الاستعمار الفرنسي. وفي هذه الفترة استمر الشيخ فواز بدعمه للثورة السورية وتقديم السلاح والمال والرجال لدعم الثورة السورية وهذا ما توارثه الأردنيون أباً عن جد مع كافة جيرانهم.
واستمرت حكومة الرمثا حتى مجيء الأمير عبدالله سنة 1921 وإعلان امارة شرق الاردن حيث كان الراحل البطل الزعبي أول الداعين للوحدة مع باقي المناطق الأردنية رغم ضياع جزء من أراضيهم التاريخية التي نوه لها في مؤتمر أم قيس.

حياته السياسية وعمله الحزبي

كانت مواقف الشيخ فواز البطولية والقيادية على مدى حياته زاخرة ومليئة بالعمل الوطني والسياسي لما تشهده مواقفه وتصرفاته من الثورات الصغرى وأبرزها في منطقته ثورة حوران عام 1908 إلى الثورة العربية الكبرى وزعامته النضالية ومسيرته في العمل الوطني ورؤيته الوطنية لما فيها من بعد نظر وحنكة وقدرته على ادارة الامور فكان لاعبا أساسيا في تهدئة النزاع الذي حدث في ثورة كليب الشريدة على حكومة علي الركابي نظرا لسوء معاملته وادارته .
وكان الشيخ فواز عضوا في قياده حزب أنصار الحق الذي تأسس في 18 نيسان 1928 وكان نائب الهيئة التنفيذية ومن أبرز الشخصيات في الحزب الذي ضم أيضا كل من علي خلقي الشرايري وعبدالرحيم الخطيب وراشد الخزاعي وصالح بسيسو وشكري شعشاعة وعبدالله الحمود عربيات، طاهر الجقة، محمد الحمود الخصاونة وعادل العظمة وسليمان السودي الروسان وحسين الطراونة وغيرهم من الشخصيات الأردنية الوطنية. والذي كان لهم دور بارز في المؤتمر الوطني الاول وصياغة مقرراته في 25 تموز 1928 .

بقي الشيخ فواز مخلصا ومتفانيا في خدمة قضايا الوطن مناضلاً وسياسياً ورجلاً قادراً على مواجهة كل الأزمات على مر حياته وبحنكته وشجاعته وثقته المستمدة من المنظومة القيمية العشائرية ومسؤوليته والتزامه وممثلاً ومترجما لرؤى الشعب الأردني وهويته حتى وفاته سنة 1931 .

المصادر والمراجع

  1. صور مشرقة من نضال حوران ، أحمد محمد عطالله الزعبي، دمشق دار الشادي 1993.
  2. سلسلة مشاهير في التاريخ الاردني 13 – المجاهد فواز البركات الزعبي، محمود عبيدات ،مطبعة الرفيدي، 2012 .
Scroll to top