الهندسة الأردنية النبطية في بناء السدود

مقدّمة

تقع البترا عاصمة المملكة الأردنية النبطية جنوب البحر الميت وعلى بُعد 100 كيلومتر تقريباً إلى شمال العقبة في منطقة انهدامات جبلية ذات تعاريج ، وعبر نظرة من الأعلى تظهر لنا البترا كمجموعة من الكتل الصخرية، حيث تُشرف هذه المرتفعات التي تعلو بمقدار 1200 متر على الحوض الداخلي الذي ينخفض بمقدار 900 متر، بينما تم اغلاق الوديان الواقعة في المملكة الأردنية النبطية بجدران وسدود لحماية مركز المدينة من خطر الفيضانات .

أما مناخياً فتقع العاصمة الأردنية النبطية “البترا” عند مُلتقى المنطقتين المتوسطية  والصحراوية  مما يفسر التباين المناخي بين الجهة والأخرى، فتترواح متوسط درجات الحرارة في الصيف ما بين 25 إلى 40 درجة مئوية، أما بالنسبة لمستويات الهطول في الشتاء فتتأرجح بين 200 إلى 300 مليمتر،  وقد تكون معدلات الهطول متفاوتة بين سنة وأخرى، وبالنسبة للمنطقة الشمالية من الدولة الأردنية النبطية كخربة الذريح والسلع فتتزايد فيها نسبة الأمطار حيث يتراوح معظمها بين 200 إلى 600 مليمتر سنوياً .

تقع العاصمة الأردنية النبطية البترا ضمن كتل صخرية يتخللها العديد من الأودية والتعرجات، وقد كانت مياه الأمطار والسيول المنجرفة من أعلى هذه الكُتل الصخرية تُشكل خطراً واضحاً على المدينة الواقعة بالأسفل لذلك وجد الأردنيون الأنباط أنفسهم مضطرين لإغلاق الجزء الأكبر من هذه الوديان بإنشاء السدود التي كانت تلعب دور جدار لحصد المياه أثناء فصل الشتاء، وخلف هذا الجدار تُجمع مياه السيول لتبدأ عملية تزويد المدينة بالمياه، ومن المرجح أن تكون هذه السدود كبيرة في الأصل لكن تعرض أغلبها إلى الإنهيار في الوقت الراهن، كما لم يتبق من بعضها الآخر سوى كومة حجارة .

المواد الإنشائية المستخدمة في بناء السدود 

بُنيت هذه السدود من كتل حجرية كبيرة الحجم غُطيت في بعض الحالات بطبقة من القصارة، وجُمعت بواسطة خليط من الملاط ، وفي بعض الأحيان كانت تُستخدم الحجارة الصغير لتثبيت الأكوام الحجرية، وقد أوليت مهمة بناء السدود في المملكة الأردنية النبطية عناية كبيرة في عملية التنفيذ ، كاستخدام الكتل الحجرية ذات الحواف البارزة وبالأخص في الأماكن التي يقل ارتيادها فنجدها محافظة على الصلابة والمقاومة ، حيث نُلاحظ أن السدود المُقامة عند تجويف الوادي تتوائم في تصميمها مع هذا التجويف حيث أنها صُممت في الأغلب على هيئة زاوية حادة وقاعدة تتكون من كتلة حجرية أو عدة كتل حجرية، حيث شُكلت هذه المنشآت من عدد من الحجارة التي كانت تُجمع ليصل سُمكها إلى متر واحد، ومن ثم يتم تشذيب الصخر من كلتا الجهتين على نحو يزيد من صلابة السد، ومن الأمثلة المثيرة للاهتمام على كيفية إقامة السد؛ ذلك السد الذي يقع إلى اليمين من الخزنة والذي يُشرف على الوادي، حيث نُفذ هذا السد بعناية وكانت مهمته تقع على حماية منطقة ضريح الجرّة أو المحكمة مساهماً في الوقت نفسه في تزويدها بالمياه من خلال فتحة مستطيلة متواجدة في المستوى السفلي لجدار هذا السد يبلغ عُمقها 50  سم، بالإضافة إلى فوهة دائرية كان الغرض منها تصريف المياه الفائضة.

إضافة إلى فئة السدود الجدران التي كانت تخترق أودية واسعة، والتي لم تكن وظيفتها فقط استبقاء المياه والاحتفاظ بها، بل خلق أسطح ومدرجات حقيقية لأغراض البستنة  والزراعة.

السدود في المملكة الأردنية النبطية

  • سد السيق

يُعد سد السيق أحد أهم السدود وأكبرها حيث كان يقع عند مدخل السيق لحمايته من السيول القادمة من وادي موسى، كما عمِل أيضاً على تسهيل وصول المياه إلى وسط المدينة ، سامحاً بالوقت نفسه لمياه السيول بالوصول إلى نفق بُني على بُعد 15 متراً إلى الشمال . لكن ومع الأسف تعرض إلى الإنهيار بعد هِجران المدينة، مما سمح لسيول وادي موسى باختراق السيق وحوض البترا والذي بدوره سبب الكثير من الأضرار الجسيمة.

  • سد بعجه 

يقع سيق بعجه على بُعد 6 كيلومترات إلى الشمال من ضاحية البترا الشمالية، حيث تُعد هذه المنطقة من المناطق المحرومة من كافة الموارد المائية لذلك كان ذلك من دوافع بناء هذا السد في نهاية سيق بعجة لجمع مياه الأمطار التي يحتاجون إليها، وعلى ارتفاع 4 أمتار من هذا السد صممت قناتين كما تم نحت الأخاديد على يمين ويسار مدخل سيق بعجة بشكل عامودي، ومن المُرجح أنهما كانتا تحتويان بداخلهما  قديماً على مزلقة للمساعدة في التخفيف من حدة المجرى ورفع مستوى الماء إلى مستوى الأقنية المتواجدة على ارتفاع عالي نسبياً .

يبقى السد المُقام في سيق بعجه مثالاً استثنائياً ، يُظهر مهارة الأردنيين الأنباط في الاستفادة من الشروط الطبوغرافية، بحيث خزنوا مياه الأمطار خلف هذا السد في الوادي وتحكموا في توزيع مياهه عن طريق القنوات، إلى المناطق الزراعية التي تقع في المناطق المنخفضة عن السد .

  • سد الخروبة 

يتضمن مرتفع الخروبة منشآت هيدروليجية هامة، وقد نُفذت في الهضبة التي تُهيمن عل قمة هذا المرتفع العديد من المجاري التي كان يتم عبرها تصريف مياه الأمطار حتى تصل إلى الجزء الشرقي من السد الذي بناه الأردنيون الأنباط، وبلغت سماكة الجدران متراً واحداً في الجهة الجنوبية ومترين في الجهة الشمالية، ويرجع هذا التباين في سماكة الجدران لأسباب تقنية أهمها أنه كان لزاماً على الزاوية الشمالية أن تتحمل وتستوعب إلى حد كبير فيض المياه .

وفي المستوى السفلي من الجدار وُجدت فتحة بلغ طول ضلعها 50 سم كان قد وُجد بداخلها فوهة دائرية امتدت إلى عمق 20 متر إلى الأسفل، وأغلقت الجهة الشمالية للجدار بسد طوله ثمانية أمتار وعرضه متر ونصف ووصل ارتفاعه إلى متر ونصف من الجهة الخارجية، في حين الجهة الداخلية للسد بلغ ارتفاعها أربعة أمتار ومن الجدير بالذكر وجود تجاويف على الجهة الغربية من السد لتثبيت الكتل الحجرية للمداميك العلوية التي تعرضت للإندثار، كما يوجد درجات تتممان منحدراً طبيعياً متعامداً مع السد، وعلى بُعد ثمانية أمتار نصادف سداً آخر أصغر حجماً حيث يبلغ ارتفاعه أربعة أمتار وعرضه متراً واحداً وكانت مهمته تقتصر على تخزين المياه وإغلاق قاع المضيق “السيق” .

  • سد وادي الطنوب الشرقي

كانت الطنوب في عهد المملكة الأردنية النبطية مزرعة أو ضيعة، حيث وُجدت العديد من الكسر الفخارية التي دلت على ذلك، وفي قُعر الوادي على الجهة الشرقية بالتحديد وُجد سد لإغلاق المضيق حيث كان بشكل مشابه لشبه المنحرف، والذي كانت تقوم أساساته على الصخر نفسه حيث بلغ طوله سبعة أمتار مع الصخر وأربعة أمتار من دون الصخر، وبلغت سماكة جُدرانه متراً واحداً وقد نُفذت فتحة دائرية صغيرة بلغ قُطرها 0.10 متر لأغراض التزود بالمياه.

  • سد وادي عاقلات

يقع هذا الوادي على بُعد مئتي متر خلف قعر السيق البارد ويتضمن العديد من الأسطح والمدرجات التي شهدت على أهميته الزراعية، حيث يقع سد وادي عاقلات على الجانب الشرقي للوادي، في المجرى السفلي له سد آخر كان يُغلق تفرعاً صغيراً يبلغ طوله خمسة عشرة متراً وعرضه يتراوح بين مترين وخمسة أمتار في حين بلغ سمكه متراً واحداً، كما كان هناك درج صخري مكوَن من ست وعشرين درجة لتسهيل عملية الوصول لأعلى السد .

  • سد كلخة

يقع في الجنوب الغربي من منطقة الحميمة، حيث استعمل في عملية بناء هذا الصرح البارز أكوام الحجارة الرملية الكبيرة التي تلاصقت ببعضها بفعل مادة الجبس، والتي بدورها زادت من متانة وصلابة السد، الذي كان على شكل مداميك ضخمة تمنع تسرب المياه فضلاً عن وجود الحجارة الصغيرة التي كانت تُستعمل لسد الفجوات، وقد بلغ ارتفاع جدار السد 9.40 متر وعرضه 4.36 متر، مشكلاً بذلك طريقة معمارية منتظمة، وتم تسهيل نظام الصعود لأعلى السد، من خلال وجود درجات صخرية في الواجهة الأمامية الواقعة في الجهة الجنوبية من السد، وتكرر وجود الدرج للصعود إلى الحفرة الكبيرة التي نُحتت في الصخر خلف هذا السد وكان الغرض منها استيعاب المياه الساقطة من الأعلى ، وقد استُغلت المساحة الواقعة في مقدمة السد ببناء حوض كبير لغرض سقاية الجمال إذ بلغ طول هذا الحوض مترين وعرض يتراوح بين المتر الواحد والمترين وبعمق يبلغ نصف متر .

  • سد أم درج

اختار الأردنيون الأنباط موقع أسفل جبل أبو خشيبة  الذي يبعُد 12 كم جنوب وادي رم، بسبب وجود شِعاب صغيرة أعلى الجبل فكان ذلك الموقع مناسباً لبناء سد أم درج ليكون بحد ذاته معلماً يُبرز اللمسة الأردنية النبطية من خلال وجود درج منحوت في الصخر على الجهة الشمالية من السد، وكغيره من السدود الأردنية النبطية بُني هذا السد من الحجارة إلا أن أهم ما امتاز به هذا السد قناته الخارجية التي يبلغ طولها 25 متر والتي كانت تصب بداخل حوض مياه، بالإضافة إلى احتفاظ السد بالغرض الذي بُني من أجله وهو سقاية الحيوانات والمواشي .

لقد أدرك الأردنيون الأنباط أهمية المياه لاستمرارية دولتهم ونهضتها فقاموا بنشر السدود على أوسع الحدود ما عكس بالطبع عبقرية الهندسة الأردنية النبطية في الحصاد المائي عموما .

المراجع :

  1. المحيسن ، زيدون ، هندسة المياه والري عند الأنباط العرب ، الطبعة الأولى ، 2002 ، بيت الأنباط ، (البتراء – الأردن )
  2. الحموري ، خالد ، مملكة الأنباط : دراسة في الأحوال الإجتماعية والإقتصادية ، الطبعة الأولى ، 2002 ، بيت الأنباط ، (البتراء – الأردن)
Scroll to top