على تلة من تلال الحصن ، تجد ذاك البيت القديم ذو العقد المؤابية مثله كمثل باقي بيوت الأردنيين ، إلا أن ذاك البيت تحديداً شهد على أحد معجزات الأردن في القرن العشرين ، هو القلم المبدع و العقل الفيلسوف ، الراهب الناسك، المتبحر في العلوم ، تارةً يلاعب القطط و تارةً يجادل الفيزياء، تارةً يداعب الحمام و تارةً يسطّر جُملاً لو أنها خرجت لحملت بصاحبها فوق الأكتاف وطافت به بين الأجيال ، إلا أن هذه المعجزة بقيت حبيسة غرفتها البسيطة ذات الشباكين ، إنه أديب عباسي الذي شهد له الغريب بقلمه قبل جاره ، همته ، كهمة الفلاحين الأردنيين و عزيمة باديته و أبناءها ، نسير في هذا البحث عبر حياته لنرى كيف عاش وكيف أصبح إبن الأردني و الأردنية ، معجزة .

الميلاد والنشأة

أديب عبّاسي (1905-1997)، أديب ومفكّر وشاعر وفيلسوف وعالِم أردني، وُلد في بلدة الحصن، في بيت العائلة الذي بُني أواخر القرن التاسع عشر على طراز القناطر والعقود وعاش فيه حتى وفاته. عرفه أقرانه منذ صغره على أنه الطفل الذكيّ والموهوب، وكان مرجعًا لزملائه في المسائل الدراسيّة المختلفة، وظل معروفًا في وسطه الاجتماعيّ بهذه الصفة حتى في مراحل دراسته الجامعيّة. كما امتاز بشخصيته التي تحب المجادلات الفكريّة والنقاشات العلميّة مع المثقّفين المحلّيين والأجانب. بالإضافة إلى أنه أتقن اللغة التركية بحكم ولادته في عهد الاحتلال العثماني، وبالرغم من سياسات التجهيل الممنهجة وأساليب فرض الثقافة التركية الدخيلة التي مارستها سلطات الاحتلال العثماني على الأردنيين آنذاك، إلا أن أديب عباسي ومنذ شبابه كان منفتحًا على الثقافات الأخرى، وأتقن اللغة الإنجليزية وتحدّثها بطلاقة، وعبر الموجات الراديوية القصيرة كان يستمع لإذاعات هنديّة وكان يفضّل أصوات المغنّيات الهنديات اللواتي استمع إليهن عبر الإذاعة.

أديب عباسي في كهولته

تعليمه وعمله

تلقّى جزءًا من تعليمه الابتدائي في مسقط رأسه حتى الصف الرابع، ثم وعلى إثر خلافٍ نشأ بينه وبين إدارة المدرسة انتقل، وبحكم نشاط والده التجاريّ، للدراسة في مدينة الناصرة ليكمل المرحلة الابتدائية، وواصل بعد ذلك تعليمه في معهد دار المعلّمين في القدس وتخرّج منه. ونظرًا لتميّزه الأكاديمي حصل أديب عبّاسي على منحة من الإمارة الأردنية آنذاك لدراسة الاقتصاد في الجامعة الأمريكيّة في بيروت، وكان من بين قلّة قليلة من الروّاد الذين حصلوا على منح للدراسة في الخارج، وقبل أن يُكمل متطلبات الحصول على شهادة البكالوريوس أُجْبِرَ على تغيير تخصصة لدراسة اللغة العربيّة وعلم النفس، وتخرّج في العام 1929. وكان إجباره على تغيير تخصّصه قرارًا من سلطات الانتداب البريطانيّة التي رأت فيه أردنيًا ذا تطلّعات تحرّرية، وقد ظهرت عليه ملامح النبوغة والذكاء وصفات الإنسان الوطنيّ الذي لا يرضى لوطنه البقاء تحت رحمة الاعتماد على سلطات أجنبيّة، ولذا استخدمت السلطات البريطانيّة نفوذها لتغيير اختصاصه من الاقتصاد، بصفته اختصاصًا مؤثرًا وحيويًا.

عمل بعد تخرّجه لمدّة عام واحد فقط في وزارة الاقتصاد، وبعد استقالته منها عمل مُعلِّمًا منذ العام 1932 وحتى الأربعينيات، وانتقل خلال هذه الفترة للتعليم في السلط والكرك والحصن، ثم اضطر مجددًا لترك مهنة التعليم بسبب نشاطه الصحفيّ في الصحف المصرية، وتفرّغ بعدها بالكامل لانتاجه الفكريّ وعاش في بيته زاهدًا رغم يسرة حاله.

الانتاج الأدبي

كانت شخصية أديب عباسي متنوّعة وثريّة، اذ تمتّع بنمطٍ فكريٍّ متحرّرٍ ومَرِن، الأمر الذي جعله صاحب أثرٍ ملموسٍ في مجالات مختلفة، سواءً في مجال الاقتصاد الذي درسه في الجامعة الأمريكيّة ببيروت، أو على صعيد المجال التربوي والعلوم والآداب والفلسفة والفِكر الاجتماعيّ، كما أنه كان مُهتمًا بعلوم الفيزياء والفلك، وله كتابات علمية نقد فيها النظرية النسبية للعالم الألماني الشهير آينشتاين.

مارس أديب عباسي الكتابة في سن السابعة عشر، وراسل مجموعة من الصحف الأردنية والسورية والمصرية آنذاك من بينها (الرسالة، المقتطف، الهلال، الرواية)، ونشر فيها مقالاته، كما دخل في مناظرات فكرية مع مجموعة من الأدباء والمفكّرين الكبار في القرن العشرين كان من بينهم العقّاد، وله مقالات في الفلسفة الإسلامية نُشِرَت في مجلّة الرسالة في أواسط ثلاثينيات القرن العشرين.

كتب أديب عبّاسي مجموعة من المخطوطات باللغتين العربيّة والإنجليزية ومنها مخطوط بعنوان “فيلسوف الغابة”، بالإضافة إلى عدد من الكتب كان من أوّلها “عودة لقمان” بعدّة أجزاء، تضمن حكايات خيالية على لسان الحيوانات، مرّر خلالها مجموعة من أفكاره الأدبيّة ومفاهيمه الفلسفية التي تعبّر عن فكره الشخصيّ بأسلوبٍ قصصي مستوحى من بيئته المحلّية والأحداث التي عايشها والمزاج الشعبيّ الذي عاصره أديب عبّاسي في القرن العشرين.

نُشِرَ له بعد وفاته كتاب “بُنيّات الطريق”؛ أي التفرّعات الصغيرة من الطريق الكبير، وقد كتب فيه مجموعة من الخواطر والأفكار والمقولات التي تعالج زوايا فلسفية اهتم بها أديب عبّاسي، منها ما هو جدليّ أو وجوديّ، أو ذات صلة بالقيم والأخلاق الإجتماعيّة، ومما جاء في الكتاب :

  • “المتكبّر كالرّابية الجرداء”
  • “الفضيلة سياجٌ من شوك ليس له باب، يجدُ الداخِلُ والخارِجُ منه صعوبةً على السّواء”
  • “كلّما دَنَت النفوسُ من الأرض، هانَ قِطافُها، شأنُها شأنُ الثّمر”
أديب عباسي مستنداً على باب غرفته

محطات مميزة في حياته

كان الاهتمام الإعلامي بأديب عباسي لا يرقى إلى المستوى الذي يليق بمكانته وانتاجه الفكريّ، ويُعزى ذلك إلى عدة أسبابٍ منها شخصيته التي امتازت بالزهد وعدم اللهث وراء تسويق الذات. في أواسط السبعينيات قام أحد الصحفيين من جريدة الرأي بإجراء مقابلةٍ مع أديب عبّاسي، وبعد نشر المقابلة أحدثت ضجّة في الأوساط الثقافية والإعلاميّة، وسُلِّطَت الأضواء عليه لأوّل مرّة بهذا القدر، وكان من تداعيات هذه المقابلة أن زاد الاهتمام به إعلاميًا على صعيد الإذاعة والتلفزيون والصحف المحلّية، كما نُظِّمَت له مجموعة من الندوات العلمية في عدّة محافظات منها إربد وعمّان.

تفضل جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال – رحمه الله – بتكريم أديب عباسي بمنحه وسامًا ملكيًا تقديرًا لمكانته الأدبية وأثره الفكريّ القيّم ، وفي العام 1995 تبرّع سموّ الأمير الحسن بن طلال وليّ العهد – آنذاك – بمبلغٍ ماليٍّ شهريٍّ لأديب عبّاسي وذلك لتغطية نفقات علاجه أثناء إقامته في المستشفى في السنوات الأخيرة من عمره، ولقد كان سموّ الأمير شغوفًا بكتابات أديب عبّاسي، حيث استعار سموّه مجموعة من مخطوطاته باللغة الإنجليزيّة من وزارة الثقافة ليطّلع عليها، اهتمامًا من سموّه بالانتاج الفكريّ والأدبي لعبّاسي.

حياته الشخصيّة

عاش أديب عباسي حياته زاهدًا في بيته الذي وُلِد فيه، وهو بيتٌ بُني أواخر القرن التاسع عشر، واهتم بانتاجه الفكريّ بعيدًا عن الأضواء وحبّ الظهور. كما عُرِفَ عنه قربه من الناس وتواجده في مناسباتهم وتواصله معهم، تمامًا كما هي شخصيّة الأردنيّ المتفاعل مع بيئته والمنتمي إليها مهما بلغ نسيجه الفكريّ من التعقيد. ولم يكن له مزاجٌ غذائيٌ غير الذي يعرفه الأردنيّون في كل بيوتهم، لكنه كان ميّالاً إلى الطعام النباتي أكثر من الحيوانيّ، الأمر الذي يُضاف إلى مميزات زهده وتواضعه وانشغاله بالفكر أكثر من أي شأنٍ من شؤون الحياة اليوميّة، رغم توفّر الامكانيات المادّية لديه للعيش برفاه أكثر.

لم يتزوّج أديب عباسي طيلة حياته، لأنه كان يرى في الحياة عذابًا لا يريد أن يتسبب به لأطفاله في حال أنه تزوّج، ولربما أيضًا أنه كان يعي تعقيدات حياته الشخصية وعدم قدرته على القيام بواجبات الارتباط بالزوجة بسبب انكبابه على الانتاج الفكريّ والأدبيّ. وبالرغم من موقفه الحازم تجاه الزواج إلا أنه وفي إحدى قصائده التي كتبها في العقد التاسع من عمره لام نفسَه على هذا القرار فقال :

عسى الكربَ الذي أمسيتُ فيهِ              يجيئ وراءَه فرجٌ قريبُ

بموتٍ أو حياةٍ لا توالى                        لنا فيهِ بلا عدٍّ كروبُ

وبعد الكلِّ يأتينا مُضاعًا                       أضعْناهُ بحمقٍ لا يتوبُ

كزوجٍ والبنينَ وكلِّ نجلٍ                      كما يختارَهُ أبدًا نجيبُ

كان أديب عبّاسي إنسانًا وادعًا مع البيئة التي يعيشها، وكانت صديقاته الحمائم التي عاشت في “العقد”، بيته، ولم تتركه حتى بعد وفاته، وقال فيها قصيدة جاء في مطلعها :

فيمَ النواحُ لديكما الجنحانُ             يا جارَتيَّ، وباعَها الإنسانُ

بدماغِه، لا بورِكَت من صفقةٍ            أبدًا، لو فيها انبرى سَجّانُ

كما كانت له أسرةٌ من القطط التي تعيش معه وبلغ عددها تسعًا، كُنَّ يشارِكنَه الجلوس والطعام، وفي يومٍ من الأيام تعثّر أديب عباسي بمدفأة الحطب، فاضطر للبقاء في الفراش لمدّة من الزمن، ولاحظ أن واحدةً من القطط حزينة لبقائه في الفراش، فقال القصيدة “أنا وأسرتي من الهررة” التي جاء فيها :

قالوا على الهرّات تحنو               مثلما يحنو على أبنائهم آباءُ

قلتُ : الذين عرفتُهم أبدًا               بهم غدرٌ كما تغدرُ الرقطاءُ

أما لنا الهرّاتُ فهي مُحِبّةٌ              مهما عَرَتْ سرّاءُ أو ضرّاءُ

بل أنّ منها مَن بَكَت كصغيرةٍ         لما عثرتُ وطالَ بيَ استلقاءُ

وفاته

عانى أديب عباسي في سنواته الأخيرة من أمراض الهرم والشيخوخة، وأقام إثر ذلك في المستشفى، وقد كُتِبَتْ تفاصيل الرعاية السيئة التي عانى منها أديب عباسي في الصحف فأثارت اهتمام المسؤولين وعلى رأسهم ولي العهد آنذاك سموّ الأمير الحسن بن طلال.

 أديب عباسي في فراش المرض

دأبت على رعايته ابنة أخيه السيّدة يسرى عبّاسي، التي ربطتها منذ طفولتها عاطفة مميّزة بعمّها الذي كان يبادلها ذات الشعور العائلي الدافئ والخاص، فكتبَ لها كلمة وداع وشكر على رعايتها له :

أرجّي اليُمنَ واليسرَ المُرجّى                  لأهلِ البِرِّ في الكربِ الشديدِ

أرجّيه ليسرى مُذْ رَعَتْني                      ثلاثَ سنينَ في كربٍ مديدِ

تُوفّي رحمه الله عام 1997، وكان قد تبرّع بقرنيّتيه بعد وفاته، وأبصر شخصان الحياةَ من جديد بفضل سلوكه الذي يجسّد كرم الأردنيين وإنسانيّتهم، كما أوصى أن يُدفَن في قبرٍ متواضعٍ يُشاد ببعض تركته، وأن يُكتَب على القبر بيتان من الشّعر يجيب فيهما على أسئلة الناس التي ألحّوا بها عليه عن عدم زواجه :

إنّي شقيتُ ولمْ أُرِدْ             مِثلي هُنا يشقى بَنيّ

أدنى الدُّنى أبدًا لهُ              ذو العقلِ والسّعيِّ الأبيّ

أعماله

لأديب عباسي ستُ وتسعون مجلداً و مخطوطاً غير مطبوع ولا منشور، وهناك كتب احتوت هوامشها على نقد و كتابات بعضها قد سُرق .
لم ينشر للعالم الأردني أديب عباسي إلا بعض الكتب كان أبرزها عودة لقمان كتاب في حكمة الانسان بلسانه وعلى لسان الحيوان وسائر الكائنات و بنيات الطريق : خواطر وآراء في الحياة والأخلاق والاجتماع والفلسفة .

الغلاف الأول للنسخ القديمة من عودة لقمان

المراجع والمصادر

  1. مقابلة لفريق عمل إرث الأردن مع السيدة يسرى عباسي، الحصن، 2017 .
  2. مقابلة لفريق عمل إرث الأردن مع الدكتور مازن مرجي،الحصن،2017 .
  3. النمري ، ناصر(1998) أي الكونين هذا الكون، دار الكرمل، عمّان .
  4. النمري، ناصر(1987) أديب عبّاسي فلسفته العلمية والأدبية، دار الكرمل، عمّان .

الأديب والفيلسوف الأردني أديب عباسي

” الحظّ للجميع ، أمّا الخلود الأدبي و العلمي فهو ، لأولئك الذين بذلوا

زهرة العمر وريعان الشباب ، متناسين كل ما في الحياة من مغريات .”

تحمِل الأردن وجوهاً من طيب, تقاسيمها طيّبة, في عيونها أسراب خير لها تاريخٌ غُرِسَ شجرهُ وحجرهُ بأيدي من غُرِست محبة الأردنِّ في قلوبهم, رَوَت يداهُ الزنابق حتى أينعت هذه الحروف النابضة من قلبٍ مرهف فأزهرت في سبعة أجزاء, ويا للغته الحسناء من نصيب من محبته وتدفق شذى قلبه وأدبه فكان مستطردُ البحث فيها, جامح في عملية بحثه وتوثيقه ,وأحبَّ الأردن حتى أشاد لتراثها الجميل الأصيل المتناغم معلَمَةً من خمسة أجزاء وكأنها مناهل علمٍ ومعالم عز, ومضافات تمدُّ زائرها بالحياة.

 يقتبس الطبيعة الأردنية ويصيغها ويرسمها ويقدم مكتبة أُردنية صورية ومكتوبة اجتهد فيها مواصلاً محبته ودماثة خلقه وتطبُّع الأردن فيه وجهود قلمه وفكره المستنير وذاكرته التي عاشرت وعايشت اللبان والصفصاف والعرعر والطلح والأثل.

وقدَّم الهوية التي لا تبور, والتُراث الزاهي بالطرب والكرم وقوة الرجال والكرامة المقصبة بحقول القمح التي كانت أقوى من عيون العدو, هوية لا تطرف فيها ولا ضيم ولا أرتال من الأحقاد كما قد يبدو الآن بفعل شوائب الزمان. تعلو إنسانيتها و وجدانيَّتُها على كل شيء.

قلبه ناعور من طيب وكرم ومحبة, نَبَض كعين ماءٍ مقدسة لا تخور قواها ولا يقف جريانها, ابن مأدبا الذي نشأ من أمشاج المحبة الأردنية, كان سنداً للمرأة كأنما السنديان, نسوياً من النوع الأصيل المُحق الفاعل وليس القائل وحسب.

ما أشبهَهُ بالجسر الذي يربطُ بين ضفّتين وعرتين ، ذاك الجسر الشامخ الثقافي الذي رَبَط بين قَرونٍ كثُر بها التجّهيل و الظلم و بين قرنٍ كان أقل هوناً على الأردنيين، أطاحَ بالحبرِ الذي في قلمه على أرض الصفحة كما يطرَحُ الجندي بالعدو أرض الميدان في المعركة ، فكان ثابت الخطى و لم يخفف تسارعه يوماً في تجسيد الهوية و الكلمة الأردنية و تأريخها فكتب ما زاد عن 40 مؤلفاً ، منها ما درس منهُ الأردنيون من منهاجٍ مدرسيٍ مقرر في بداية القرن الماضي في مدارسهم فكان خير جندي مجهول من جنودٌ مجهولين كثر ، أيقظوا الأردن القديم العظيم من غفوته كعودة عنقاء نفضت عنها غبار قرون التجهيل .

  • نشأة الحَبَر الأردني

ولد مَعلَمة التراث الأردني روكس بن زائد بن سليمان العزيزي في مادبا في السابع عشر من شهر أغسطس من عام 1903 ميلادية ، لقبيلة العزيزات الأردنية التي تعود بنسبها إلى الغساسنة ، سُمي بروكس تيمناً بعيد القديس ” روش ” الذي تصادف وقوعه في يوم ولادته ، و هو اسم لاتيني يعني المَلِك، بينما يُقال أن تسمية العزيزات تعود إلى سدانة وعبادة العُزّى  .

عُمّد روكس في الرابع و العشرين من ذات شهر ولادته، وأمه هي زعول بنت حنا الشويحات و كان هو السابع بين أخوته على أربعة بنات وخمس من الذكور .

كان لروكس طفولة حازمة و حميمة بنفس الوقت ، إذ أغدق عليه والده جل الاهتمام و الرعاية فكان قد اودعه حين أصاب القرية مرض ولمس أمه بعضاً منه إلى مرضعة من القيسية و إسمها غالية و بقي عندها ثلاثين شهراً و كان ذا عقلية متحضرة متعلمة فقد درس والده في مدرسة دير اللاتين في الكرك كما كانت كذلك أمه ؛ إلا أنه كان صارماً و متديناً و هذا ما عكس على روكس وعلى شخصيته بعض من الصلابة والالتزام والجَلد ، وعند إتمامه السادسة من العمر في 1909 ألحقه والده بمدرسة الدير إلا أنه لم يستطع إكمال تعليمه بسبب وضع الاحتلال العثماني يده على كنيسة مادبا و تحويلها إلى مخزن حبوب و تحوّلت مدرسة الدير إلى ملكيتهم فأوقف تعليمه عام 1914، و عادت المدرسة للتدريس بعد الثورة العربية الكبرى في عام 1918 م .

لم يكتفِ روكس بما كان يعطيه إياه أستاذه حنا بونفيل في المدرسة، فقد حذا حذو والده في الاهتمام بالعلم و الثقافة فكان يتصفح ما لدى والده من كتب في مكتبته الصغيرة و بسبب ذلك حفظ كتاب كليلة ودمنة للجاحظ وهو في عمر الخامسة عشر .

كان روكس بن زائد العزيزي كوالده وكباقي الأردنيين ، لم ينظر يوماً إلى دينه و مذهبه بتعصب ولم يصنف الأردنيين يوماً على هذا الأساس ، فقد درس القرآن والانجيل ومزامير داود والتوراة حتى وحفظ منها وذلك ما دفعه إلى كتابة كتاب ” علي بن أبي طالب أسد الإسلام و قديسه ” فيما بعد .

العلامة الأردني في أحدث صورةٍ له
  • روكس طالباً

كان لروكس نجابة وفطنة و إلتزام بالنظام في بيئة مدرسية لا تختلف كثيراً عن البيئات المدرسية اليوم في أطراف العاصمة وفي المحافظات ، فلم يأفل نور روكس في الإبداع والاندفاع للعظمة بل و كانت بيئته الأردنية سبباُ من أسباب تشكيله .

يذكر العزيزي عن طفولته و دراسته ، فيقول أنه رفض المشهد القاسي للطلبة عندما صحبه والده إلى أٌقرب مدرسة في المنطقة حينها، و لم يكمل يومه الأول حتى هرب قائلاً : “ما ودي هالمدرسة من عين أصلها ” ، وعاش العزيزي تفاصيل البيئة المدرسية الأردنية بانضباطها و شقاوتها و جَلَدها ، فكان شاهداً على سرقة عصا المعلم الصارم بل و دهن يده بدم “الجراذين” (جمع جرذون) حتى لا يشعر بألم ضربة العصا و هذه خرافة يتداولها الأطفال الأردنيين حتى يومنا هذا، ولم يخفِ مقته لصرامة المدير حتى خارج أسوار وأوقات المدرسة.

  • روكس معلّماً

في عام 1909 م بدأ الاحتلال العثماني باقتياد الشباب الصغار للتجنيد الإجباري من أجل حروبها مما جعل والد روكس يصغّر من عمره لفترة، من ثم بدأ روكس وظيفة التعليم في سن مبكرة ، إذ بدأ التدريس في 18-8-1918م أي عن عمر 15 سنة بالضبط و تعب فيها في بادئ الأمر فدرّس العربية وتاريخها و مبادئ اللغة الفرنسية في مدرسة اللاتين في مادبا لسبع سنوات ، وكانت مهنة التعليم حينها ذات تقدير اجتماعي عالٍ مما جعل المعلمين يتنافسون على العمل أكثر بالرغم من رواتبها القليلة والتي كانت تدفع لتسعة أشهر بالسنة على كل ثلاثة أشهر، و لم يكن التعليم مرحلياً إذ كان يقسم الأطفال على مرحلتين ؛ من عمر السادسة إلى الثانية عشر، ومن الثانية عشر إلى عمر السادسة عشر عاماً ، وحين تحررت المملكة من الاحتلال العثماني كان بها ثلاث مدارس : هي السلط ، وعجلون ، و معان بالإضافة إلى مدرسة شبه إعدادية في الكرك .

و كانت هذه المرحلة –أي تدريسه في مادبا 1918-1925 – بداية إهتمام روكس في الكتابة أيضاً فكان يكتب في عدة صحف منها (رقيب صهيون) في القدس ، كما كان مهتماً في القانون لدرجة أنه خوّل للتمثيل أمام المحكمة كمحامي .

 ومن ثم قام روكس بالتدريس في مدرسة السلط لسبع سنوات أيضاً و من ثم انتقل إلى مدرسة اللاتين في 1932 لسنتين فمدرسة عجلون لثلاث سنوات و أسس فيها ما أشبه بنهضة مسرحية أردنية في نادي عكاظ الذي أسسه ومن ثم عاد إلى عمان حتى عام 1942 ، متنقلاً يعلم أبناء هذا الوطن ما يستحقونه من علم حُجب عن ذويهم لأربعة قرون، من محافظة إلى محافظة و من مدينة إلى مدينة .

انتقل بعدها روكس للتعليم في كلية تراسنطة في القدس و ظل فيها حتى حلّت النكبة عام 1948 ، فارتحل عائداً إلى الأردن حزيناً،  وكان قد نُهب منزله ومخطوطاته هناك، وأعاد كتابة بعضها فيما بعد .

انتقل روكس للتدريس مع انتقال كلية تراسنطة إلى عمان فبقي ينهل على أبناء الوطن من عِلمه حتى عام 1956، وفي نفس العام نال دبلوماً في الصحافة من جامعة القاهرة ، من ثم انتقل إلى عدة مدارس في الأردن يُعلّم أبناءه حتى عام 1974 بذل أغلبها في تعليم أبناء الوطن و فضّل ذلك عن باقي المِهن التي عرضت عليه، كرئيس لبلدية مادبا مثلاً .

تأثر العزيزي في فترة تدريسه بالعديد من الاشخاص مثل الأب انستانس الكرملي و ميخائيل نعيمة وسلامة موسى و رشيد خوري وأحمد زكي أبو شادي ، مما جعله يبذل جهداً أكبر في تسليح الأردنيين بالثقافة و العلم فكان يؤسس الفرق المسرحية خلال تواجده في مدرسة دير اللاتين ، وعمل في تأليف المناهج خلال تواجده في مدرسة عجلون، وكان يستخدم آلة “الستانسل stencil ” أو المرسام و هي ورق او الواح رقيقة مفرّغة بالنص المراد طباعته لندرة الكتب المدرسية حينها وصعوبة طباعتها وكان ذلك كله جهد فردي منه ، كما كان يحرص على تعليم الطلاب القواعد والتاريخ  والجغرافيا وبذل اهتماماً في الأنشطة اللامنهجية لما اعتبره جزءاً مهماً في المسيرة التعليمية فكان يسيّر الرحلات المدرسية العلمية و يحرص على التمثيل والمحاضرات والمسرح وبعض الأشغال اليدوية .

الحبر الأردني برفقة الأمير حسن بن طلال
  • زواجه

” الذي من الله عليه بزوجة صالحة فهو إنسان سعيد ، و كذا كانت أم عادل “

تزوج روكس من آنسة فاضلة تدعى هيلانة سليم مرار في 23-3-1923 ميلادية عن عمر عشرين عاماً ، وكان زواجهم قد تم بعد معاناة من قبول الأسرتين لعلاقة والدها السيئة مع والد روكس حتى أنه عندما لم يقدر على منع زواجها منه، خيّرها بين روكس و بين الحياة مع أسرتها ولها ما تريد من الحلي و الملابس ! فاختارت روكس بالخمسين ليرة العثمانية التي استدانها حتى بل وسافرت معه من القدس إلى مأدبا ، وكانت لها أعظم الأثر في معاونته و مساعدته، هذا الأثر الكبير الذي دفعه لأن يكتب فيها المرثية المؤلمة في “جمد الدمع”؛ فقال منها في زوجته :

عرفتك ما أحزنتي قلبي لحظة       فما بالك تنسين في لحظة عهدي

نعيت حياتي فأنعمي عند ربنا       فقلبي دفين في ضريحك عن عمد

وداعاً إلى أن نلتقي عند ربنا      أعاتبك إن كان في العتب ما يجدي

فالمطلع على مذكراته ، سيلمس درجة حب المؤرخ و الأديب العظيم روكس العزيزي لزوجته و مدى تقديره لها ، ولعله ما ورثه عن والده الذي كان الأميز بين رجال مأدبا في تعامله مع أمه –أي والدة روكس- . و لم يقف تميز بيئته هنا بل إن والدته كان أيضاً طيبة و دمثة و لطيفة العِشرة مع زوجة روكس و تعطف عليها كثيراً.

أنجب روكس من الفاضلة هيلانة ، خمسة بنات و ثلاثة أبناء ، و رحلت في 29-1-1981 و بقي مخلصاً لها، فأخوها كان عرض على روكس بعد 40 يوماً على وفاتها أن يتزوج لحاجته إلى معين فقال روكس : “البيت الذي أقمت به معها لا أسمح أن تدخله زوجةً غيرها” و كان ذلك .

و من الجدير بالذكر ، نظرة روكس ين زائد العزيزي للمرأة، ففي معرض مقالته (الاستعمار يعمل لتأخير المرأة العربية) [1] قائلا : ” يخطئ من يظن أن الاستعمار لم يسعَ إلى تأخير نهضة المرأة العربية . و دليلنا على ذلك أن الانجليز عندما استولوا على الديار المصرية سنة 1882م كان أوّل ما فعلوه أنهم أقفلوا مدارس البنات في كل القُطر المصري مدعين أنهم فعلوا ذلك من أجل الاقتصاد، وأبقوا في مصر كلها مدرسة ابتدائية واحدة للبنات هي المدرسة السّنّيّة ترأسها ناظرة إنجليزية . لأنهم يعلمون أن نهضة المرأة هي أساس النهضة الاجتماعية ، وذلك لأن المرأة هي الأصل ، وهي أساس الأسرة ، ومربية الأجيال ” .
كما كتب عما دار في العراق عندما أبدى الملك فيصل الأول حرصه على تعليم المرأة و انتقد العقليات الجامدة التي كانت تقف ضد ذلك .
فنرى أن زائد العزيزي ورّث تحضره إلى ابنه روكس و ابنه ورّثه إلى أسطره، دليلاً على أن التربية و البيئة كانت خير صانع لما تحمله الأكتاف من أفكار و عقائد ، زائد العزيزي نفسه إبن البيئة الأردنية، ذاتها التي كان ملكها الاردني النبطي الحارث الرابع مشاركاً لزوجته الملكة شقيلات عملة الأردنيين الانباط التي جمعت صورتيهما، ذاتها التي حرص العزيزي على ذكر المنزلة الرفيعة عند البدوي لأخته التي قد تصل إلى تلبية “النخوة” عند الشدة بإسمها في الجزء الثاني من معلمة التراث الأردني .

ذاته ذات الأب الذي أبرق إلى إبنه روكس في إحدى فصول الشتاء معلِماً إياه بمرضه، فلما حضر روكس من عجلون إلى مأدبا وجده يقول : ” لا قيمة للمستشفى إذا كنت اليوم غائباً، وأنا اليوم أشعر إني تحسنت لرؤيتك” ! و كان والده قد رحل إلى جوار ربه بعد هذا الموقف بشهر واحد و روكس وعائلته حينها في عجلون .

  • العزيزي و التاريخ الأردني

في يوم من الأيام وكان يوماً ماطراً وأثناء تدريس العزيزي في مدرسة دير اللاتين ، في عام 1922 تحديداً ، مر بأربع جُباة فاسدين يتعلقون بقوّة برجل من بني حميدة و يتناقلوه بينهم و معه “شوال” من الفحم وكان كل واحد منهم يطلب منه نوعاً من الضريبة .
فلما رأى العزيزي قال : ( أنا بوجهك يا النشمي ) ، فقال : (وصلت) ، فدفع العزيزي كل ما طلبوه ، بل و اشترى منه الشوال وأخذه معه إلى البيت وأبقاه عنده تلك الليلة، و في الصباح شكر “الحميدي” روكس و نظم فيه مديحاً من خمسة عشر بيتا ً ، منها :

حياك ربّي كل ما حل طرياك   ولد الأعزيزي يا عقيد النشامى

لو أن نسينا أرواحنا ما نسيناك   و أعيالنا تفداك يا أبا اليتامى

فكّيتني من سرية دون ما انصاك   هذا الكرم والطيب لن فان عامَى

فكان هذا الموقف هو الدافع للعزيزي لتأريخ تاريخ هذا الشعب و محركه ، حيث قال حينها ” هذا شعب يستحق الدراسة ، فهذا العرفان والشعور المرهف الذي جعل هذا الرجل ينظم قصيدة مدح لأمر جدير بالاهتمام ” ، و لم ينسَ العزيزي هذا الموقف و كتب فيه في جريدة الأحوال اللبنانية مقالاً بعنوان (انتصاراً لفتى من قبيلة بني حميدة) .

منذ ذلك التاريخ التجأ العزيزي لدراسة البادية الأردنية ، فظل يتجول بين عام 1922 و 1938 ، و كان يكتب كل ما تعلق بحياتهم بأوراق كثيرة بلا ترتيب، وكان يَسعَد كلما رأى أكوام الدفاتر .

كانت معجزته الكبرى ، كتاب (معلمة التراث الأردني) كطوب لم يبنى فيه بعد، متناثر هنا وهناك تناول ما أحاطت به جدران الأردنيين و أوتادهم من حياة، حتى اتصل به العلّامة الأب أنستاس ماري الكرملي و دفعه إلى جمع قاموس لما كان يورد على اللسان الأردني من لهجة جُملةً و تفصيلا، ووعد الأب بطباعته .

فجمع العزيزي كل ما قدر عليه من كتابة خلال الـ 16 عاماً وأضاف إليها في أربعة مجلدات تزيد عن 1200 صفحة تزن ذهباً، لكن قصور المبلغ المرصّد بما كان بيد الأب الكرملي للقاموس جعل العزيزي يلتجئ لوزارة الثقافة حينها وكان معن أبو نوار حينها وزيراً لها إلا أن الوزارة أيضاً لم تكن ذات حيلة حينها لطباعة هكذا كتاب .

لم يقف العزيزي عند هذا الحد، فطلب منالمشير البطل  حابس باشا المجالي أن ينجده بمطبعة القوات المسلحة فلم يُقصّر وكان ذلك فوراً ، كان هذا الكتاب في غاية الأهمية ، للأردنيين وغيرهم ، فبعدها بفترة ليست بالبعيدة كان الكتاب قد اعتمد في جامعة يوتا الأمريكية وأقر في جامعة باث البريطانية وجامعة السوربون الفرنسية.

الحبر الأردني بحضرة الملك الراحل الحسين بن طلال رحمه الله
  • العزيزي وايليا ابو ماضي

من المواقف التي تُجهَل عن روكس ودوره في حفظ ما انتجه الأردنيون هو في سجاله الطويل مع ايليا أبو ماضي ، حيث أن العلّامة كان قد كتب فصلاً في كتابه و أذيع في منتصف الخمسينات تحدث فيه عن البادية الاردنية في الأدب المعاصر ومن بين هذه الأشعار هي قصيدة لأردني يدعى علي الرميثي وقال أنها أصل لقصيدة مشهورة لإيليا أبو ماضي و إسمها (الطين).

و هذا ما أدى لإشتعال حرب إعلامية بين روكس الذي حاول إثبات الابتكار الأردني وبين إيليا أبو ماضي الذي لم يفوت فرصة لقذف العزيزي والأردنيين بأبشع الصفات والألفاظ بل و أنكر التاريخ الأردني ومقدرة الأردنيين على كتابة قصيدةٍ مثل ما ادعى أنه كتبه، والحقيقة أن علي الرميثي معروف في الأوساط الأردنية ، خاصةً في البادية وهو علي الرميثي الخريصي من الفدعان من عنزة ويعرف في بعض الأوساط بمحمد الدسم الرميثي وقصته مع ابن عمه سالم متداولة، فعلي الرميثي عاش في حدود عام 1880 ميلادية، متخصّراً زنار الجوع و الفقر المدقع، لكن لم يمنعه ذلك من أن يتحزّم بسيق عزته وكرامته و نبله .

أما قصيدته فقصتها أن سالم في إحدى الغزوات قتلت فرسه وأصيب هو وسقط ، فعجل عليه عليّ بفرسه وأنجده فأصبح مديناً له بحكم ما فعله، إلى أن أحب الرجلين فتاةً واحدة وخُيِّرت بينهما واختارت علياً فكره الأمر الثاني . و بقيا على هذه الحال حتى توفيت الفتاة  وذهب علي الرميثي إلى ابن عمه فلم يقم بواجب الضيف كما المفروض و التفت بوجهه عنه.

فقال في مطلع قصيدته الشهيرة :

يا اخوي ما احنا فحمة ما بها سنى   و لا انت شمساً تلهب الدو ضيا

و تعني : يا اخي لسنا فحمة خالية من الدخان والنار ،ولا انت شمس تجعل الفضاء ملتهباً بضيائها وحرارتها .

 وينسخ أبو ماضي :

يا أخي لا تمل بوجهك عني   ما أنا فحمة ولا أنت فرقد

ويقول في موضع اخر :

لصار ما تاكل ذهب يوم تبلى   يا خوي وش نفع الذهب لو تقناه

وينسخ أبو ماضي :

أنتَ لا تأكل النضارَ إذا جعتَ   ولا تشرب الجمان المنضّدْ

ولا نريد أن نخوض في القصيدة أكثر ، فهذا ليس موضع كلامه و القصيدتان معروفتان و للكل حرية المقارنة، إلا أن ما يهمنا في هذا الكلام هو الالتفات إلى واحدة من أكبر المعارك التي خاضها روكس لحفظ الإرث الأردني، وهذا ما يفعله المؤرخ و الأديب الحق المنتمي لوطنه ، إذ أن أبي ماضي لم يُنكر فقط ؛ بل وسرق وأصر على ملكيته للقصيدة بالرغم من نهر الأدباء و المثقفين لأبي إيليا، للهجته مع الأردنيين و لسرقته الأدبية أيضاً .

ومن الجدير بالذكر أنه منذ بداية عهد العزيزي في التعليم كتابته الملاحظات حول الكتب المعتمدة في التدريس، فأفاد و أفاض و ظل ما نهل به في الكتب المدرسية إلى آخر عهده، و كان لاستقراره في عمّان الدافع لإنتاج كتب كثيرة .

أما في معرض ما قاله في سبب إهتمامه في الإرث الاردني و البادية تحديداً فيقول : ” يرى الكثيرون أن البادية مباءة الجهل وموئل الحماقة، ويعتقدون أن البادية لا تنتج إلا فكراً قاحلاً ، وعاطفة جامدة، وقد فات هؤلاء المعتقدين أن أبناء البادية على شظف عيشهم ينعمون بذكاء فطري يقف إزاءه ابن الحضارة دهشاَ – كيف لا و حضارة الأنباط أعجوبة حضارية بكل ما أنتجت و ما سبقهم من حضارة مؤاب و أدوم – [2]. و لبعضهم عاطفة عميقة لا ندرك نحن أبناء المدينة عمقها . ولست في سبيل الاستشهاد و ذكر الأسماء لأن ما أزفه في مطاوي كتابي هذا –فريسة أبي ماضي- سيكون البرهان على صدق ما أقول ” .

و يزيد فيقول : ” قد يرى الناس غير ما نرى ، ونحن لا نجادلهم ، لأننا عرفنا بالخبرة و التجربة أن شر ما في الحياة الجدال العقيم الذي لا تقنعه حجة ولا يقبل البرهان “ .

و لعل ما نعيشه اليوم من تعاملات اجتماعية ما اعتبره العزيزي كنزاً إرثياً تاريخياً، فالمملكة طوال عهد الاحتلال العثماني عانت من الظلم والتجهيل والتهميش الشيء الكثير ، ما أدى إلى ظن الكثيرين أن الاردن لم يملك تاريخاً وأن ولادة الأردن كانت من بداية الاستقلال الاول في 1918 بعد انتصار الثورة العربية الكبرى وتحريرها للأردنيين من حكم المحتل العثماني، وهنا القول بأن الاردنيين لم يستطيعوا الكتابة و التأريخ طوال هذه القرون، فالعزيزي اعتمد على الروايات الشفوية المحلية والاخباريين الذين توافرت فيهم الخبرة و المعرفة فلم يفوّت فرصة المشاركة و الملاحظة المتأنية من معاملات يومية و معايشة للناس و الجيران وزيارة الاحياء الشعبية ومشاركة الفلاحين المواسم الزراعية ومسامرة البدو وكان يضفي عليها تقويمه الذاتي من خلال رؤية نقدية –رؤية العزيزي النقدية كانت معروفة و مشهورة في القرن الماضي بين الأدباء العرب- و مناقشة اختلافات الرأي والروايات حول الوقائع .

” جائت الثورة العربية الكبرى لترفع رؤوسنا و تعزز مكانتنا ، جيش نعتز به ، أمن نفتخر فيه ، جامعات و مدارس ثانوية ، … كانت البلاد في جهالة عمياء … تبدل كل شيء ، و الحمد لله ” . (الرأي 6/3/1998)

جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين مقلداً وساماً رفيعاً للحبر الأردني روكس بن زائد العزيزي
  • من مذكرات روكس و مواقف عصره

روكس و الاحتلال العثماني

لقد عاشر العزيزي الاحتلال العثماني و يذكر ما عاث به في البلاد من فساد، فنراه يذكر الجباة التي ترسلهم الحكومة العثمانية بصورة دورية ، تستولي على 12.5% – 50% من محصول الأردنيين، إلا ما إذا رشي أحد الجباة .

و كانت شدة الجباية عندما اشتعلت الحرب الكونية الأولى -كما اعتاد اصطلاحها العزيزي- ، فراح رجال الحكومة العثمانية ينهبون المتاجر ووضعت الدولة يدها على بيادر[3] الناس ، فيذكر العزيزي أحد الأيام كمثال على ما عاشه الأردنيون تحت هذا الاحتلال، فيذكر أنه في يوم واحد استولى الجيش العثماني من عائلته على حمار وفرس وما تم انتاجه من السمن بالإضافة إلى خمسة آلاف كيلو من الحنطة وباتوا في بيتهم وضربوا والده .

و يذكر أن المجاعة والأمراض تفشت في البلاد ، وكان الهاربون من فلسطين إثر الحرب يبيتون في الكهوف و يفدون على أهل مادبا، ويذكر أيضاً أن الحكومة العثمانية لجأت للتسبب في الفوضى من أجل اخماد أي توجه شعبي، بل ووصلت في الظلم إلى أن مدير المدرسة عندما كان يحاول مع أهل المنطقة بناء مستشفى في مادبا ـ اتهموه بالعمالة لفرنسا لما كان لفرنسا من امتيازات على حماية المسيحيين ولو انها انتهت مع بداية الحرب !

و عند استيلاء العثمانيين على المدرسة التي كان يدرس فيها روكس، كان يُرغم على إلقاء الخطب الموالية للاحتلال العثماني وكان عليه تدريس طلاب أصغرهم أكبر منه بخمس سنين لما أصبح في المدرسة من إهمال و فساد .

و يذكر أنه حين انهزم العثمانيون أمام الجيش البريطاني في مصر في واقعة ترعة السويس ، أقامت المدرسة احتفالاً “وطنياً” ! و قدموا روكس للخطابة كالعادة و كان حينها من الملزم ان يقول جمل مثل : ” باد شاهم جوق باشا ” أي فليعش ملكي كثيراً وجملة أخرى يختم بها و هي ” فلتسقط فرنسا وانجلترا و كل حليفاتها ” . أما حينها فقد اشتدّ بروكس الغضب لما أظهروه من كذب علني وختم الخطاب بـ : ” لتسقط الدولة العلية العثمانية و جميع حلفائها [4] ” ، و كان حينها روكس في خطر الترحيل هو وعائلته إلى أنقرة بالإضافة إلى استيلاء الحكومة على كامل ممتلكاتهم ، إلا أن الامر سوّي بخمس ليرات ذهبية عثمانية و تنكتين من السمن !

  • روكس و التأليف

شهدت حياة روكس استقراراً نسبياً بعد استقرار أموره الوظيفية وحال البلاد حينها , خصوصاً بعد الثلاثينات حيث بذل 56 سنة من حياته في سلك التعليم، مردوفةً بالكم الكبير من التأليف و الجمع والتوثيق، كما كان كاتباً صحفياً فكتب في جريدة الأحوال والعرفان اللبنانية و من ثم صوت الشعب والكرمل والجهاد الفلسطينية و أبولو في مصر وعدد غير يسير في مواضع أخرى .

كانت أول مؤلفاته البحثية عام 1956 و هو كتاب فريسة أبي ماضي الذي ذكرنا منه جزءاً يسيراً، لحقه كتاب مادبا و ضواحيها الذي اشترك فيه مع الأب جورج سابا، وأعطى لمادبا العظيمة حقها فيه فأفاد وزاد .

و ثالثهما كان بحثاً بعنوان (الشعر الشعبي البدوي) ونشر في مجلة الفنون الشعبية الفصلية على ثلاثة أقسام .

أما أكبر هذا الكتب حجماً و هيبةً وأهمية هو (قاموس العادات و اللهجات والأوابد الأردنية) عام 1974 ، وفيه أنجد الأبناء بحبل الأجداد وصنع أداة تربط بين الأردنيين وأرضهم حقا في عهد احتاج فيه الأردنيين منهم من ينحت للكلمة مكانها، ووصيفه كان كتاب المعلمة آنف الذكر، سجل الهوية الأردنية، فكتاب المعلمة لم يترك شيئاً من حياة الأردنيين إلا و تطرق له، فلم يجتزل ولم يختصر ولم يسهب الاسهاب الممل، كتاب سهل القراءة كثير الأفكار سهل الاستخراج.

لحق هذه المجلدات الذهبية العظيمة، عدة كتب تحول بعضها إلى معالم أردنية حولها الاعلام إلى مواد، ككتاب نمر العدوان شاعر الحب و الوفاء حياته و شعره، و فيه توثيق لحياة الشاعر المشهور من لب بيته حيث اعتمد العزيزي على الثقات من أحفاده المباشرين لتوثيق حياته.

تبعه كتاب (الشرارات من هم   تصحيح لأوهام التاريخ) حيث قضى مكان المحامي لقضية لم تكشف عنها مصادر كثر، تبعه كتاب لتوثيق الأعلام في الأردن بعنوان (أحسن ما كتب الأرادنة من سنة 1923-1946) .

” فقد ترك لنا المرحوم أسفاراً خالدة توثق للهوية الوطنية الأردنية، وتشكّل ذاكرة برسم القراءة لكل الذين أصيبوا بفقد الذاكرة ، ورأوا الوطن خيمة في معب ، أما الذين لم يفقدوا الذاكرة ، فإن لهم في هذه الأسفار تعاليل وأسمار ومراق إلى صفاء التاريخ ووضوحه في عتمة أيامهم. “[5]

كتابه الأشهر ، معلمة للتراث الأردني
قاموس الأردنيين و منهجهم
  • وفاته

رحل العلّامة بغير وقع أو صخب، فكان رحيله هادئاً في الواحد والعشرين من شهر ديسمبر بعام 2004 عن عمر يناهز قرابة الـ 95 عام، و كان قد أوصى بمكتبته إلى مجمع اللغة العربية الأردني وأقامت له بلدية مادبا و العديد من الجهات عزاءاً و نعياً سنوياً ، لم ينقطع التأبين عن روكس عن الأردنيين الذين عرفوه وعرفوا قلمه وما سطره ، أمّا روكس ؛ فحاله حال كثيرٌ من الأردنيين، جندي مجهول اخر .

المراجع و المصادر :

  1. شهاب ، د. أسامة (2009) , العلامة روكس بن زائد العزيزي (1903-2004) و جهوده في توثيق اعلام الأدب و الفكر ، ج3/4 ، عمان : الجامعة الأردنية.
  2. شهاب ، د. أسامة (2012)، من مذكرات روكس بن زائد العزيزي : رحلة الحياة ، أيام عشناها ، مجلد 3 ، عمان : الجامعة الأردنية .
  3. النوايسة ، حكمت (2008) ، روكس بن زائد العزيزي و تراثنا – دوره في توثيق الهوية الوطنية الأردنية . جذور الثقافة الوطنية الأردنية ، وثائق المؤتمر الثقافي الرابع ، ص 481-488 عمان .

[1] جريدة الرأي ، 17/7/1996

[2] إضافة و جملة معترضة من كاتب المقالة و ليست للعزيزي

[3] مفردها بيدر ، و هو مكان يُجمع به ما تم حصده

[4] كان الألمان الحليف الأول للعثمانيين في الحرب العالمية الأولى و هم من اعتدوا أصلاً على الجيش الروسي في البحر الأسود عن طريق سفن عثمانية و افتعلوا الحرب و جروا ساحة المعركة من أوروبا إلى هنا حتى شملت البلاد .

[5] – حكمت النوايسة 2008

العلّامة و الحَبَر الأردني روكس بن زائد العزيزي

3555f8315f4d59a9ddf9c533d80af842

مقدّمة

نشأ سليمان الموسى في بدايات عهد الإمارة الأردنية حينما كانت في البلاد مدرسة ثانوية كاملة هي مدرسة السلط. و استهوته الكتابة التاريخية ثم ما لبث أن خاض غمارها معتمداً على لغته العربية السليمة و على اتقانه للغة الإنكليزية وسعة إطلاعه على الكتب و المجلات التي أكسبته ثقافة متينة. وألف في تاريخ الأردن المعاصر ما لم يؤلف مؤرخ أردني قبله مثله. واختص بتاريخ الثورة العربية الكبير و بسير قادتها فأجاد و أبدع. و تكونت لديه مع الزمن والممارسة خبرة في استنطاق الوثائق التاريخية، و دراية في نقد الروايات و كشف ميول أصحابها واتجاهاتهم، وسبر أغوار العديد من القادة و السياسيين وصناع القرارات. فاق سليمان بحدسه ودرايته و ذكائه كثيرين ممن درسوا التاريخ وحصلوا على الشهادات الجامعية فيه. و غدا مؤرخ الأردن الأسبق بلا منازع، مثلما أصبحت مؤلفاته مراجع ومصادر لدراسة تاريخ الأردن لا يستغني عنها باحث أو دارس.

و المرحوم سليمان الموسى أديب ذو قلم رشيق، جرّب كتابة القصة، و أجاد في الترجمة من الإنكليزية إلى العربية، وكتب بالإنكليزية وأتيحت له فرص الرحلة و التجوال في العالم و في البلاد العربية فاتسعت دائرة معارفه، و خلّف عدداً وفيراً من الأصدقاء حيثما رحل واستقر، و له فضل لا ينسى و يحظى بذكرى طيبة لدى كل من عرفه وخبره وعاصره.[1]

مولده و نشأته

وُلد سليمان موسى سليمان الموسى في شهر أيلول سنة 1919م في قرية الرفيد/ إربد في أسرة ريفية متوسطة الحال، والده موسى سليمان الموسى الذي توفي عنه و هو صغير و أمه فرحة الناصر ، تلقى علومه الأولى في كُتّاب القرية ومدرستها، ثم التحق بمدرسة الحصن وتخرج فيها في مطلع الثلاثينيات، وتابع تعليمه في مرحلة لاحقة فحصل على شهادة الدبلوم في اللغة الإنجليزية من بريطانيا بالمراسلة.

عمله و خطوات التأريخ الوطني

عمل في بداية حياته المهنية مدرّساً في مدرسة الطائفة المسيحية (الكاثوليك) بالرفيد لمدة سنتين ، ثم سافر إلى فلسطين في منتصف الثلاثينيات، حيث عمل في حيفا ويافا و تحول هناك من كتابة القصة القصيرة و الرواية إلى كتابة السيرة التاريخ فألف كتاب الحسين بن علي والثورة العربية الكبرى ولو أنه احتاج إلى ثمانية عشر عاماً حتى رأى النور في طبعته الاولى عام 1957م ، ثم عاد إلى الأردن في مطلع الأربعينيات ليعمل في شركة بترول العراق بالمفرق، تزوج سنة 1943م من السيدة جورجيت نصير، وأنجب منها أربعة أبناء وبنتين، و ساهم مع بعض الشبان في تأسيس وإنشاء “نادي المفرق الصحراوي” خلال مكوثه في المفرق   .

11401419_10152813744436607_6403122163206371383_n

10399210_20385271606_2848_n

ثم عمل في الإذاعة الأردنية؛ معدّاً للبرامج ومذيعاً (1957) في إذاعة عمّان في جبل الحسين ، ثم انتقل سنة 1958 إلى دائرة المطبوعات والنشر ليشرف على مجلة “رسالة الأردن” حيث رأسَ تحريرها حتى سنة 1962. وفي عام 1959م كتب في 720 صفحة كتاب (تاريخ الأردن في القرن العشرين) بالإشتراك مع منيب الماضي،  نجا عام 1960 من الاغتيال خلال عملية تفجير مبنى رئاسة الوزراء الذي أودى بحياة رئيس الوزراء هزاع المجالي حيث كان في نفس المبنى حينها.

10401073_34608576606_2602_n

و في عام 1962م أصدر كتابه (لورنس: وجهة نظر عربية)، الذي تمكن من خلاله تفنيد إدعاءات لورنس بقيادة الثورة العربية الكبرى، و شمل هذا الكتاب وثائق عربية ومطالعات ميدانية فريدة ، وتمت ترجمته لاحقاً إلى ثلاث لغات، الإنجليزية، الفرنسية، واليابانية ، و في عام 1966 سافر لمدة أربعة شهور إلى لندن للإطلاع على الوثائق البريطانية بمنحة من المجلس الثقافي البريطاني ، ثم انتقل للعمل في وزارة الثقافة بعد تأسيسها وظل فيها حتى تقاعُده سنة 1984، وفي أثناء ذلك تولى رئاسة التحرير في مجلة “أفكار” (1966/1967).

28389

ما بعد التقاعد

عمل بعد تقاعده – حيث رغب بالتقاعد حتى لا يشغله منصب عن الكتابة – مستشاراً ثقافياً لأمين العاصمة (1984–1988) و في هذه الفترة كتب كتاب (عمّان عاصمة الأردن) ، وأشرف في أثناء ذلك على تنظيم محتويات صرح الشهيد، ومتحف عمّان السياسي ، وقام بكتابة مذكراته في كتابين، الأول تحت عنوان (ثمانون: رحلة الأيام والأعوام)، والثاني (خطوات على الطريق: سيرة قلم – تجربة كاتب) .

11215799_10153114713426607_5072802717277597120_n

كان سليمان الموسى قد قابل جلالة الملك بتاريخ 30 آب 2007 ، و قام جلالة الملك حينها بشكر سليمان الموسى و نجله الذي حذا حذوه عصام سليمان الموسى على جهودهم العلمية القيّمة في حفظ التاريخ الاردني ، كما قلد الملك سليمان الموسى وسام الحسين للعطاء المميز لدوره .

1910175_20173731606_1317_n 1924052_34604976606_8897_n 1924052_34848406606_8632_n

توفِّي يوم 8/6/2008 في عمّان عن عمر يناهز التاسعة و الثمانين عاماً ، ودُفن فيها. وقد أطلقت أمانة عمّان الكبرى اسمه سنة 2009 على مكتبة مركز الحسين الثقافي التي أصبح اسمها: “مكتبة سليمان الموسى المتخصصة بتاريخ الأردن”.

hqdefault

وأقامت له وزارة الثقافة بتاريخ 11/8/2008م، حفل تأبين كبير في المركز الثقافي الملكي في العاصمة عمّان أطلقت فيها كتابين ؛ إحداهما مذكراته الشخصية بعنوان (ثمانون: رحلة الأيام و الأعوام) و كتاب (سليمان الموسى : أيامك لن تنسى) للدكتور بكر خازر المجالي .

1909846_20506051606_1950_n 1909846_20506056606_2232_n 1910175_20175451606_9698_n 1910175_20175456606_9909_n

قالوا في حضرة الموسى :

  1. ” لقد حافظ سليمان الموسى على جزء كبير من ذاكرة الوطن..وصحح الكثير من المغالطات التاريخية..وحاجج بقوة الحقيقة… فاستحق أن يكون “عميدا للمؤرخين”..وذاكرة الأردن الحية “
  • وزيرة الثقافة السيدة نانسي باكير، من المقدمة التي كتبتها بعنوان (فارس لم ولن يترجل) لكتاب سليمان الموسى: أيامك لن تنسى شهادات ومقالات، تحرير د. بكر خازر المجالي، إصدار خاص في تأبين المرحوم المؤرخ سليمان الموسى، وزارة الثقافة، عمان، 2008
  1. ” لولا جهوده الاستثنائية لضاع جزء كبير من تاريخنا… “
  • أ. عبدالله ابو رمان، الرأي، 10/6/2008
  1. ” رجل استثنائي اختصر بجهوده عمل مؤسسة بحالها… “
  • د. هند غسان أبو الشعر، ملحق الدستور الثقافي، 20/6/2008.
  1. ” يكفيك فخرا يا سليمان ان العديد من الأردنيين والأردنيات تربوا وعشقوا هذا الوطن من خلال الحروف التي سطرتها “
  • د. ايفون محمد عودة أبو تايه، موقع عمون الالكتروني، 15/6/2008.

    5. ” المؤسس الحقيقي للكتابة التاريخية حول الأردن وهو أول من حول الوثائق والسجلات الرسمية دفتر تاريخ… “.

  • د. باسم الطويسي، الغد، 14/6/2008.
  1. ” شيخ المؤرخين… سخره القدر ليشير إلى عظمة المرحلة وزخم أحداثها “
  • أ. نصوح المجالي، الرأي، 12/6/2008.
  1. ” هذا الرجل مؤسسة ومكتبة اجتمعتا في شخص واحد… “
  • د. سمير مطاوع
  1. ” كنت أنت يا مؤرخ الأردن أول الملبين للنداء برسالتك التي أعتز بها والتي أجبتني فيها راثياً بغداد دار السلام وتعلن تبرعك بما أنت قادرا عليه لتساهم في إعمار مكتباتها… “
  • د. محمد جاسم المشهداني، الأمين العام لاتحاد المؤرخين العرب.
  1. ” ما تركه لنا… مكتبة متكاملة في تاريخ الأردن والثورة العربية الكبرى… “
  • د. محمد ناجي عمايرة، الرأي، 17/6/2008.
  1. ” ترك أثرا عميقا محفورا في ذاكرة من عرفوه، أعني من عرفوه شخصياً، وعاشروه، ومن قرأوا له، ومن سمعوا عنه بموضوعية واهتمام “
  • د. أحمد ماضي
  1. ” والحقيقة ان الأجيال اللاحقة من المؤرخين الأردنيين تتلمذوا وتعرفوا على تاريخ الأردن من خلال كتاباته، لا بل أن معرفة معظم السياسيين والمثقفين عن تاريخ الأردن بدأت به وعن طريقه، ولاسيما من خلال الجزء الأول من مؤلفه الكبير تاريخ الأردن في القرن العشرين الذي صدر عام 1959… “
  • أ. هاني الحوراني

الجوائز التي حاز عليها سليمان الموسى :

  1. درع تكريمي من المؤتمر الأول لتاريخ الأردنّ و آثاره – 1980
  2. درع تكريمي من المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبد العزيز – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض  1985.
  3. وسام الحسين بن علي – وسام الاستقلال من الدرجة الثانية – 1988.
  4. جائزة عبدالله بن الحسين لبحوث الحضارة الإسلامية – فازفيها في دورتها الأولى في تشرين الثاني، 1988- في مسابقة تنافسية أعلنها المجمع الملكي لبحوث الحضارة الاسلامية- على كتابه (امارة شرقي الأردن: نشأتها وتطورها في ربع قرن: 1921-1946). .
  5. هدية تكريمية مقدمة من مؤسسة عبد الحميد شومان و هي عبارة عن مجسم المسجد الأقصى المبارك – حزيران 1989.
  6. درع تكريمي مقذم من جامعة عمّان تقديراً لجهود سليمان الموسى في مجال القصة القصيرة في الأردن – 1990.
  7. درع تكريمي مقدم من نادي الفيحاء الرياضي الثقافي الاجتماعي – أيلول، 1993.
  8. درع تكريمي مقدم من مدرسة القرطبي الثانوية للبنين – الزرقاء الأولى – تشرين الثاني، 1995.
  9. درع تكريمي مقدم من ديوان اهالي – بلدته التي ولد فيها- بلدة الرفيد، بني كنانة تموز، 1996.
  10. درع تكريمي مقدم من الخدمات الطبية الملكية – كانون الأول، 1996.
  11. درع تكريمي مقدم من مركز الأردنّ الجديد للدراسات،– عمّان تموز، 2000 – وذلك اعترافاً بدورهِ الكبير في التأسيس لكتابة تاريخ الأردنّ السياسي و تقديراً لعطائه المتواصل في الدراسات الأردنية.
  12. وسام الحسين بن علي – وسام الاستقلال من الدرجة الأولى – حزيران، 2002.
  13. درع تكريمي مقدم من رابطة الكتّاب الأردنيين – كانون الثاني، 2006.
  14. وسام الحسين للعطاء المميز – آيار، 2007.
  15. درع مقدم من أمانة عمّان الكبرى.
  16. درع مقدم من وزارة الثقافة.
  17. درع مقدم من القناة العربية الأردنية.
  18. درع مقدم من مجلس امناء مركز التوثيق الملكي الأردنيّ الهاشميّ تقديراً لمساهماته الجليلة و المهمة و المتميزة في رفد أعمال مركز التوثيق الهاشميّ.
  19. درع مقدم من جريدة الدستور- حزيران 2008.
  20. وسام المؤرخ العربي من اتحاد المؤرخين العرب.

1909846_20259101606_2689_n 1909846_20261566606_1219_n

أعماله الأدبية:

  1. “وجوه وملامح.. صور شخصية لبعض رجال السياسة والقلم” (ج1)، أدب السيرة، وزارة الثقافة، عمّان، 1980. ط2، دار ورد الأردنية، عمّان، 2011 (ضمت هذه الطبعة الجزء الثاني من الكتاب).
  1. “ذلك المجهول” قصص، رابطة الكتّاب الأردنيين، عمّان، 1982. ط2، دار ورد الأردنية، عمّان، 2011 (ضمت هذه الطبعة أيضاً كتابَه الزوجة المثالية وقصص أخرى).
  1. “في سبيل الحرية: قصة الثورة العربية الكبرى”، قصة تاريخية، وزارة الشباب، عمّان، 1981. ط2، الناشر نفسه، 1982.
  1. “الزوجة المثالية” قصص (ترجمة من الإنجليزية)، دار النسر، عمّان، 1991 (ضمت هذه الطبعة أيضاً كتابَه ذلك المجهول).
  1. “وجوه وملامح.. صور شخصية لبعض رجال السياسة والقلم” (ج2)، أدب السيرة، وزارة الثقافة، عمّان، 1994 (ضمت هذه الطبعة الجزء الأول من الكتاب).
  1. “مشاهد وذكريات” أدب الرحلات، المؤسسة الصحفية الأردنية (الرأي)، عمّان، 1996.
  1. “أوراق من دفتر الأيام: ذكريات الرعيل الأول”، 2000.
  1. “ثمانون: رحلة الأيام والأعوام”، سيرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2002. ط2، وزارة الثقافة، عمّان، 2008.
  1. “الوجه الآخر: كتّاب ومؤرخون في كل واد يهيمون”، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2002. ط2، دار ورد الأردنية، عمّان، 2011.
  1. “خطوات على الطريق: سيرة قلَم”، سيرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2003.
  1. كما ترك مخطوطة في السيرة بعنوان “من بيدر الحياة”، ومخطوطة تشتمل على ترجمته روايةَ “جيرمنال” لـ إمِيل زولا من الإنجليزية (أنجزها سنة 1955) .

 

28388 12829371_10153280455721607_1307007193954836657_o 19702415_10154507496816607_701632405075745870_n

وكتب في موضوعات أخرى:

  1. “الحسين بن علي والثورة العربية الكبرى”، دار النشر والتوزيع، عمّان، 1957. ط2، المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت)، عمّان، 1992.
  1. “تاريخ الأردن في القرن العشرين” (ج1، بالاشتراك مع منيب الماضي)، عمّان، 1959. ط2، مكتبة المحتسب، عمّان، 1991. (ج2)، الناشر نفسه، 1996.
  1. “لورنس والعرب: وجهة نظر عربية”، عمّان، 1962. ط 2، وزارة الثقافة، عمّان، 1992. ط3، دار ورد الأردنية، 2010. (تُرجم إلى اللغات: الإنجليزية، والفرنسية، واليابانية).
  1. “إمارة شرقي الأردن: نشأتها وتطورها في ربع قرن 1921-1946″، وزارة الثقافة، عمّان، 1990. ط2، الناشر نفسه، 2009.
  1. “تاريخ الأردن السياسي المعاصر: 1967-1995″،وزارة الثقافة، عمّان، 1998. ط2، الناشر نفسه، 2011.
  1. الثورة العربية الكبرى – وثائق وأسانيد، دائرة الثقافة والفنون – عمان 1966م.
  1. صور من البطولة، المطبعة الهاشمية – عمان 1968م.
  1. الحركة العربية ( 1908- 1924)، الطبعة الأولى – دار النهار للنشر – بيروت1970م .
  1. تأسيس الإمارة الأردنية ( 1921- 1925 )، عمان 1971م ، مكتبة المحتسب  عمان 1989م .
  1. المراسلات التاريخية – وثائق الثورة العربية الكبرى: المجلد الأول – عمان 1973م.
  1. مذكرات الأمير زيد – الحرب في الأردن ( 1917- 1918)، الطبعة الأولى ، مركز الكتب الاردني . عمان 1976م.
  1. صفحات مطوية – المفاوضات بين الشريف حسين وبريطانيا (1920-1924)، عمان 1977م.
  1. غربيون في بلاد العرب، دائرة الثقافة والفنون – عمان 1969م.
  1. أيام لا تنسى – الأردن في حرب 1948م، الطبعة الأولى – عمان 1984م؛ والطبعة الثانية – عمان 1997م؛ والطبعة الثالثة – الديوان الملكي الهاشمي 2008م.
  1. أعلام من الأردن ( هزاع المجالي، سليمان النابلسي، وصفــي التل )، الجزء الأول – عمان 1986م.
  1. أعلام من الأردن ( توفيق أبو الهدى، سعيد المفتي )، الجزء الثاني – المؤسسة الصحفية الأردنية – عمان 1993م.
  1. الثورة العربية الكبرى – الحرب في الحجاز ( 1916 – 1918م ) – حصار المدينة المنورة، الطبعة الأولى – عمان 1989م.
  1. تاريخ الأردن السياسي المعاصر 1967ـ 1995م، لجنة تاريخ الأردن، مؤسسة آل البيت – عمان 1998م.
  2. كما ترك مخطوطة بعنوان “حركات الضبّاط في الأردن: 1957-1956”.

 

1910175_20174536606_7552_n Suleiman_Mousa_typewriter

المراجع :

  1. من الرعيل الاول سليمان الموسى .. أول من أرخ للأردن ، د. محمد العناقرة . جريدة الدستور 8 اب 2008
  2.  أردنيون في ذاكرة الزمن سيرة المؤرخ والباحث /سليمان الموسى , رابعة الشناق . جراسا نيوز 22 اب 2013
  3. الموسى ، سليمان 2011 . مذكرات الأمير زيد – الحرب في الاردن 1917-1918 ، صفحة 23-36 . الطبعة الثالثة ، عمان : دار ورد .
  4. جلالة الملك يستقبل المؤرخ سليمان الموسى ، عمان – 30 اب 2007 ، الموقع الرسمي لجلالة الملك عبدالله الاول ابن الحسين .
  5. الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة  www.culture.gov.jo

[1] من تقديم الأستاذ الدكتور علي محافظه لكتاب الراحل الموسى ( مذكرات الأمير زيد – الحرب في الاردن 1917- 1918 ) ، صفحة 7.

سليمان الموسى ” قلم التأريخ الوطني “

7-taiseer-sboul-تيسير-سبول

مقدمة

يستدعي الحديث عن قامة أدبية كتيسير السبول استحضار الكثير من المشاعر والأحداث من ذاكرتنا الوطنية، فالأمور التي كان تيسير شاهدا عليها لم تكن لتتركه دون ندوب كثيرة يقضي حياته في محاولة مداراتها والشفاء منها. لم يكن مسار حياته بالمسار السهل؛ وربما هذا ما منحه حزنا كافيا لتطويع الكلمات شعرا ونثرا. وعلى الرغم من الحياة القصيرة التي عاشها إلا أنه قدم إسهاما رائعا في المشهد الأردني الأدبي، ورسم حرفا صعبا في سجل الأدباء في المنطقة وهو الذي خطّ بإبداعه طريقا فريدا في صنوف النثر متحديا أطر من سبقوه بلا وجل أو تردد.

بين ناي الطفيلة وناسك العالوك

لقد حفر تيسير السبول ذكراه في ذاكرة الأردنيين، حتى اختصه الشاعر الأردني العظيم الراحل حبيب الزيودي عام 2012 بقصيدة مؤثرة بعنوان “عودي ناقص وترا” فتيسير هو الوتر الناقص في العود أو الثقب الزائد في الناي ، الذي اختار “بابا آخرا للحقيقة” غير الباب الذي اختاره حبيب وإن كانت أبوابهما الاثنين تطل على وطن عظيم أحبوه هو الأردن.

” أذان الفجر أكملت القصيدة والصلاة 
أطلّ تيسير السبول وقال كيف تطيق هذا الليل  
خذها بغتة في الرأس 
قلت طلعت رغم جحوده قمرا 
وأنت اخترت بابا للحقيقة غير بابي حينما واجهت نزف الحبر منتحرا”

( حبيب الزيودي 2012 – عودي ناقص وترا)

المولد والنشأة

يعود نسب الأديب الأردني الراحل تيسير رزق عبد الرحمن السبول إلى عشيرة الهلالات إحدى عشائر محافظة الطفيلة. ولد عام 1939 وكانت المنطقة التي قضى فيها تيسير طفولته منطقة يعمل أهلها بالزراعة، وكذلك كانت عائلة تيسير. هو الأخ الأصغر لخمسة أولاد وأربع فتيات وعرِف بالشخصية القوية وسرعة البديهة التي أثارت إعجاب كل من قابله. فيصف صادق عبد الحق، أحد أصدقاء تيسير المقربين فيقول : ” نشأ تيسير في طبقة وسطى أو أعلى من الوسط، ضعيف البنية لكنه لم يكن يشكو من مرض معين، ذكيا بل شديد الذكاء، صادقا لا تبغض نفسه شيئا أكثر من الكذب والرياء، كان يشرب ويدخن.. كان يكره العجز والشيخوخة فرفضهما، كثيرا ما كان يصحبني، ولعله صحب أصدقاء آخرين له، في سيارته الصغيرة على طريق الجامعة، ثم يبدأ لعنة العبث يدوس البنزين “تيسير.. تيسير أيها الأحمق.. ماذا تفعل هنا.. لماذا أنت هنا الآن”.

تيسير السبول في طفولته
تيسير السبول في طفولته

انتقل تيسير إلى الزرقاء مع أخيه شوكت-الذي أهداه لاحقا قصيدة بعنوان “النسر الغائب”-، وهناك توثقت عرى الصداقة بين تيسير والقاص الأردني الراحل عدي المدانات واستمرت صداقتهما عقدين من الزمن، حيث حصلا على الشهادة الثانوية سوية من كلية الحسين في عمان عام 1957 وابتعث تيسير بعدها إلى الجامعة الأمريكية في بيروت والتي ستكون تجربة ذات أثر لا يمحى من حياته.

5-taiseer-sboul-تيسير-سبول-
تيسير السبول في صباه

 

الغربة الأولى: الجامعة الأمريكية في بيروت

رغم الظروف التي كان تعيشها أسرة تيسير السبول العاملة في الزراعة كباقي الأسر إلا إن التوجه العام كان يقضي بتعليم الشباب جامعيا ولهذا سافر تيسير إلى الجامعة الأمريكية في بيروت وذلك لدراسة الفلسفة عام 1957 وكانت هذه أولى ارتحالاته.

من هنا يبدأ نجم تيسير السبول الأديب باللمعان، فقد أثارت الغربة في روحه شتى العذابات إضافة لما كانت الصراعات العربية الإسرائيلية تفعل. كانت بيروت نقلة نوعية في الحياة بالنسبة للشاب السبول القادم من قرية جنوب الأردن. يبلغ الاغتراب مبلغه في نفس أديبنا ويتجلى في قصة (الهندي الأحمر) والتي يصف فيها حال شاب بدوي وسط مجتمع مختلف عنه لا هو يستطيع تقبله ولا هو يستطيع تغييره. وتختلط في القصة مشاعر الحنين للوطن والأب مع حماس التجربة المختلفة والجديدة كل الجدة، ويرى النقاد أن هذا الهندي ما هو إلا تيسير نفسه عاكسا تجربة الابتعاد عن الوطن للمرة الأولى.

دفع التيار السياسي للأحداث آنذاك بتيسير لترك دراسة الفلسفة في الجامعة الأمريكية والتوجه لجامعة دمشق ودراسة الحقوق ليتخرج فيها عام 1961. ورغم انتساب الصديقين عدي وتيسير إلى أحزاب سياسية مختلفة، فقد انضم تيسير لحزب البعث بينما كان مدانات منتميا للحزب الشيوعي؛ يستذكر عدي المرة التي أنقذ فيها تيسير حياته أعمال شغب هبت بين منتسبي الحزبين المختلفين في جامعة دمشق  فيقول  “كان من نصيبي أني تلقيت ضربة بجذع شجرة على جبيني وكان أن التجأت إلى مكتبة الجامعة … وفيما أنا في أشد أوضاعي خطورة، إذ بتيسير الذي كان يبحث عني يدخل المكتبة ويأخذني وقد جهز طاقما من أبناء بلدته الطفيلة ليشكلوا حاجزا بيني وبين الطلبة الغاضبين .. ثم ليساعدني على ارتقاء السور والهرب من الشجار.. ولم يقتصر موقف تيسير على ذلك إنما جاءني في المساء ليطمئن” كان تيسير حسب ما وصفه أصدقاؤه سهلا ولينا ويقدر الألفة التي تجمعه مع الأصدقاء ولم يسمح بأن يكون اختلاف الأحزاب السياسية سببا في الفرقة.

عمله وسفره

تنقل خلال السنوات التي عقبت تخرجه بين العمل الحكومي في دائرة ضريبة الدخل إلى التدرب في مكتب للمحاماة ومن ثم السفر إلى دول عربية شقيقة كالبحرين والسعودية. في تلك الأثناء رافقته زوجته السيدة مي اليتيم والتي أنجب منها ولدا وبنتا عتبة وصبا.

8-taiseer-sboul-تيسير-سبول
تيسير ، مي ، صبا وعتبة – الموقع الالكتروني للأديب تيسير السبول

وخلال سفره كان يبعث دوما برسائل لصديقه صادق عبد الحق فكتب له مرة واصفا حزنه وخوفه من الوحدة والعجز “عندما كنت في البحرين كنت دائم التأثر بمنظر قارب مهجور على شاطئها حيث كنت أتسلى- لا بل أسلي النفس .. وذات أمسية كئيبة في الرياض أجهش صديق بغصة فقال: “بكل تداوينا فلم يشف ما بنا على أن قرب الدار خير من البعد[1]، يعلم الله أن الحزينة التي وعدت بيوم تفرح فيه فقدت أوانها، ويعلم الله أن الشيخوخة على الأبواب فهلا أعطتها الحزينة الوعد الحق”

كما كتب القاص الراحل عدي مدانات مستذكرا صديقه تيسير في تلك الفترة “قائمة محبي تيسير السبول تطول أكثر مما نعرف، فقد امتلك أفئدة كل من أقام معه صلة ولو صغيرة، فما من إنسان امتلك قلوب أصدقائه ومعارفه الكثر، كما فعل تيسير في حياته… لقد كان أكثرنا اندفاعا وتفاعلا مع الحياة وأكثرنا تحفيزا للفكر كي يعمل ويثمر” ولهذا ربما تحول مأتمه عام 1973 إلى بذرة رابطة الكتاب الأردنيين، بحسب ما قاله الراحل المدانات. كان تيسير شغوفا بفكرة ضم الكتاب الأردنيين في إطار موحد وقانوني ولطالما شارك أصدقاءه بحلمه هذا. في خامس أيام العزاء في بيت الراحل عدي مدانات، وبعد قراءة قصائد تيسير، اقترح عدي حلم تيسير على الموجودين ورحبوا بالأمر، وفي نفس الجلسة اختيرت لجنة تحضيرية ومن ثم لجنة تأسيسية للرابطة. وجعل أصدقاء تيسير – الذين وحدتهم فجيعتهم – حلمه واقعا.

الغربة الثانية: النكسة وما عقِبها

أنهى تيسير تنقلاته عام 1964 حيث عاد إلى الأردن وافتتح مكتبا للمحاماة. ولكن العواصف لم تهدأ في حياة السبول فما لبث إلا وأغلق مكتبه وعمل في الإذاعة حيث كان يقدم برنامجا بعنوان “مع الجيل الجديد”.

 والمتتبع لحياة السبول يرى كم كانت الحروب العربية الإسرائيلية تحتل من تفكيره. كانت النكسة (1967) أو ما سمي بهزيمة حزيران التي منيت بها الدول العربية أمام الكيان الصهيوني زلزالا على نفس تيسير السبول المتشبع بحلم الوحدة العربية. ويمكن القول إنها أول خطواته نحو حزن عميق وممتد حتى آخر حياته.

نتاج أدبي عالي المستوى

طبعت أعمال الأديب تيسير السبول عدة مرات واشتملت على ما كتب في الرواية (أنت منذ اليوم) الفائزة بجائزة دار النهار، الفائزة بجائزة مجلة الآداب للراوية العربية والتي كانت أهم الجوائز الأدبية في تلك الفترة، والقصة القصيرة (الله يرحمهم، هندي أحمر، صياح الديك) وديوانه الشعري (أحزان صحراوية) كما تضمنت على دراساته في الشعر والرواية والسياسة والفن والتاريخ، كما نشرت صحيفة الدستور الأردنية في ذكرى رحيله الثلاثين رسائله مع صادق عبد الحق والذي كان من أقرب أصدقائه له، والجدير بالذكر أنه كتب التمثيليات أثناء عمله في الإذاعة الأردنية كما قدم عدة ترجمات لرباعيات الخيام.

كان النتاج الأدبي لتيسير السبول هدفا لكثير من  دراسي الأدب الأردني المعاصر. ونذكر من هذه الإصدارات “الشاعر القتيل تيسير السبول- سليمان الأزرعي”  و “تيسير السبول العربي الغريب- فايز محمود” و “فصول في الأدب الأردني ونقد- إبراهيم خليل” و “حالة شعرية خاصة (تيسير السبول) – أحمد المصلح”  ويتحدث الأستاذ عبد الفتاح النجار عن استقطاب تيسير السبول لكل هذه الدراسات بقوله:

إن هذا الاهتمام يعود إلى أسباب منها كونه أحد الشعراء الرواد الذين كتبوا الشعر الجديد أو “الحر” في مرحلة مبكرة من حياة الشعر الحر في الأردن، في فترة كان  فيها التجديد يعد مغامرة خطرة وخروجا على التراث وعلى الأخلاق وعلى الدين على المجتمع وعلى التقاليد، إضافة إلى أن شعر تيسير السبول كله المنشور في ديوانه الوحيد “أحزان صحراوية” وفي أعماله الكاملة هو من الشعر الجديد

وتعد دراسة الدكتور عبد الفتاح النجار “تيسير السبول شاعرا مجددا 1993” من أهم الدراسات التي تتناول شعره شكلا ومضمونا، كما تلقي الضوء على محاور التجديد الأدبي التي أضافها شعر تيسير السبول إلى الساحة الأدبية الأردنية والعربية.

ويضيف الأستاذ النجار في ملخص دراسته لشعر الأديب الراحل:

بعد دراستي ديوان (أحزان صحراوية)… ودراستي الأعمال الشعرية المنشورة في كتاب الأعمال الكاملة، اتضح لي أن قصائدهما جميعها من الشعر الجديد (الحر) الذي  نوع القافية أو ألغاها واتخذ التفعيلة وحدة موسيقية دون التقيد بعدد محدد من التفاعيل في كل سطر ، كما تجلت في شعره ظواهر تجديدية أخرى مثل الصور الشعرية والرمز والأسطورة والتكرار والتدوير والبنية الدرامية واللغة البسيطة… كما لاحظت أن شاعرنا قد تناول في مضامينه هموما ذاتية وأخرى اجتماعية ووطنية وقومية على أن همومه الذاتية في كثير من الأحيان كانت متأثرة بالهم الاجتماعي والقومي

كما يُشار هنا أن النقاد العرب يشيرون إلى الأديب السبول على أنه المؤسس لنمط سردي روائي جديد، وأن روايته “أنت منذ اليوم” هي ” فتح أدبي” لا مثيل له. وقد تضمنت هذه الرواية جزءا من سيرته الذاتية إضافة لسيرة الحالة العربية آنذاك. وقد نجح في مهمته السردية تلك مستعينا بالأسلوب الأدبي “السرد عن السرد” والذي كان أسبق أدباء عصره في استخدامه. وبهذا كانت روايته الوحيدة عامودا من أعمدة الرواية العربية الحداثية. [2]

 أما اليوم، وفي محاولة لتمثل ذكرى الأديب كجزء من إرثنا الثقافي والأدبي، ترعى وزارة الثقافة بالتعاون مع ملتقى الطفيلة الثقافي جائزة أدبية للشعر والقصة تحمل اسمه.

3-taiseer-sboul-تيسير-سبول
“اذكرني يا صادق اذكرني دائما وابك من أجلي. سنبكي معا يوما ما من أجل كلينا..أنا بائس وأظن إنك بائس، يا لنا من معذبين”

تيسير السبول أديبا أردنيا

كان تفكير السبول تفكيرا إنسانيا عالميا يتجاوز الأطر والحدود على الرغم من تعلقه الشديد بالقضايا الوطنية والتحامه بالشعب، وهذا ما جعل شعره ونثره قريبا لروح القارىء العادي للغاية. لقد كان لكلمات السبول صدى أعمق مما نتخيل في المجتمع الأردني.

رعب، لو، كلمات ثقيلة، لحظات من خشب.. هكذا كانت عناوين قصائد تيسير السبول مشبعةً بالألم والتيه الذي كتب على بني البشر في سبيل حيازة الحقيقة والخلاص. إلا أن قصيدته الأخيرة كانت بلا عنوان وقد وصف نفسه بنبيّ بلا آيات، يمضي ولا مقصد له سوى النهاية ولا عذر للآخرين سوى النسيان:

“أنا يا صديقي
أسير مع الوهم، أدري
أُيَمّمُ نحو تخوم النهاية
نبيّاً غريب الملامح أمضي
إلى غير غايةْ
سأسقطُ، لا بدّ يملأ جوفي الظلامْ
نبيّاً قتيلاً، وما فاهَ بعدُ بآيهْ
وأنت صديقي، وأعلمُ… لكن
قد اختلفت بي طريقي
سأسقط، لا بدّ، أسقطُ..
يملأ جوفي الظلامْ
عذيرك، بعدُ، إذا ما التقينا
بذات منامْ
تفيقُ الغداةَ، وتنسى
لكم أنتَ تنسى
عليك السلامْ”

 

لقد كانت لنشأة السبول في الطفيلة أعظم الأثر على شخصيته؛ فقد تربى الأديب الأردني الراحل في أحضان الجبال وربما من هنا قد اقتبس وعيه الحاد الذي يرسم حدودا واضحة بين الخيانة والوطنية، بين القوة والضعف. وقد كتب النقاد عن انعكاس مجتمع الطفيلة القروي والذي كانت تسوده السلطة الأبوية في كتابات تيسير السبول خصوصا ما تضمنته روايته  الوحيدة “أنت منذ اليوم “.

في مجتمع كان ولا زال يضيق على الرجل في عواطفه وتعبيره عن مشاعره، كسر تيسير السبول هذه الحدود وعبر بشعر في غاية الرقة حينا وفي غاية الألم والحب حينا آخر. لقد رسم الأديب الأردني الراحل تيسير السبول شكلا جديدا للرجل الإنسان الذي من حقه البكاء والضعف والحب وحتى الانهيار. لقد خلع تيسير بشعره وحساسيته عن الرجل عباءة القوة الدائمة والمصطنعة التي تلف شكل العلاقات في المجتمع آنذاك.

إن التعبير الشفاف عن المشاعر والذي يصل إلى الشارع والمجتمع يساهم في إعادة تشكيل مفاهيم الذكورة والأنوثة، وفي فتح الإشكاليات المغلقة والأسئلة التي قد تعد في لحظة ما خطوطا حمراء. هكذا كانت إسهامات السبول تتعدى جماليات الأدب والشعر إلى ما هو منصب في نسيج المجتمع وصميمه. ومن منبره الإذاعي، خاطب السبول المجتمع الأردني آخذا على عاتقه نشر الثقافة والأدب، فقد كان يناقش ما يطالعه ويطرح تساؤلاته ويكتب تمثيلياته الإذاعية.

كأنه ما مات.. كأنه في إجازة 

 الحقيقة والخلاص اللذان لم يتجل طريقهما لتيسير سوى بالانتحار بطلقة في الخامس عشر من تشرين الثاني عام 1973. كان انتحار الشاعر رفضا واحتجاجا وخلاصا في آن واحد، فقد رفض واقعه واحتج عليه كما أثقلته التقلبات والخيبات، أثقله شعوره بالعجز وحصاره بالقلق وتجريم الذات وكان انتحاره آخر خط دفاع ضد هذه الورطة الوجودية التي علقت فيها روحه.

 وقف السبول أمام شعوره بالاضطهاد  في العمل، فقد نقل إلى غرفة نائية بلا تهوية أو إنارة أو هاتف في مبنى الإذاعة، وأمام الهزيمة التي مثلها لقاء القوات المصرية والقوات الإسرائيلية عند خيمة الكيلو 101 وبإعلان بدء المباحثات بينهما. في ذلك اليوم لم يمر السبول على صديقه عديّ كما اعتاد دوما ليشربا القهوة وليتبادلا الحديث.

غادر عمله مبكر وكان قد ودع جميع زملائه وطلب منهم أن يسامحوه وقد ذكر الشاعر حيدر محمود أن تيسير في ذلك اليوم كان شديد الرقة ومفرط الحساسية، وكان قد استعار مسدسا من صديق مقرب له .

وحسب ما ترويه عائلته فقد رسم السبول نهاية روايته الذاتية كما يأتي :” لم يكن تيسير يعمل في تلك الفترة وكان ساهرا تلك الليلة مع صديقيه عدي مدانات والروائي الأديب فايز محمود الذي توفي منذ بضع سنوات، كانوا يتحدثون عن الانتحار جماعة، لكنهم كانوا يتدربون على إطلاق الرصاصة من مسدس فارغ وكان تيسير يجري التمثيلية أمامهم ويقول : ( هنا سأضع فوهة المسدس وسأضغط على الزناد هكذا )؛ ويتحدث عن ماذا سيحدث، ثم وفي منتصف الليل غادر عدي في سيارته عائدا لمنزله وبقي فايز عند تيسير، وكون الأديب الراحل فايز محمود لم يكن يملك سيارة فقد كان تيسير عادة هو من يوصله ويعيده إلى منزله وهكذا كان، عاد تيسير إلى منزله وكانت زوجته الدكتورة مي اليتيم قد غادرت المنزل إلى عملها في مستشفى ماركا العسكري القريب من منزلهم في ذلك الحين. انتظرها تيسير لحين عودتها ، دخلت الراحلة ( أم عتبة )  فوجدته ساكنا ممدا على سريره وباسما في وجهها طالبا اياها الجلوس قربه ، في آخر لحظات جمعته مع مي  كان قد تناول القلادة التي تحمل اسم “الله” في عنقها وسألها تؤمنين به؟ قالت نعم. بسؤال الإيمان العميق هذا أرسل تيسير آخر رسائل الوداع وأعلن نبأ الرحيل ضمنيا وبإجابة مي استقبلت عائلته خبر وفاته المفجع بصمت المشدوه. قال لها تيسير أنه ليس لديهم غاز وأنه يتوجب عليها أن تذهب إلى منزل الجيران كي تتصل بمحل الغاز كي يرسل أحدهم لتبديل الأسطوانة كون الهاتف في ذلك الزمن لم يكن متوفرا في كل منزل. وعندما خرجت وذهبت إلى منزل الجيران وبينما كان يراقبها من الشباك الذي يطل على مدخل منزل الجيران أطلق الرصاصة على رأسه لحظة دخولها المنزل وسمعت هي دوي الرصاصة، وكانت القصيدة ( أنا يا صديقي أسير مع الوهم أدري ) مما وجدته أخته في متعلقاته”.
أطلق تيسير رصاصة أخيرة في الجبهة التي كان يحارب فيها وحده. كان انسحاب تيسير السبول من حياة عائلته وزوجته وأصدقائه مفجعا للغاية؛ “أدركنا جميعا أننا كنا مقصرين، وقصيري النظر وأنانيين وآثمين في النهاية” كتب الراحل عدي مدانات.
لم يكن يتوقع أحد هذه النهاية وأيقن الجميع أن تيسير كان يحمل هما أكبر من أن يقال أو يخمن. لقد مشى تيسير السبول إلى موته، وتجرأ وكتب النهاية بيده. وبينما نفى كل من عرفه الضعف والانهزامية عنه، وأثبت له القوة والجدة؛ إلا أنه عاش أزمة المثقف المنتمي، الذي جعل هم الوطن وهم الشعب هما شخصيا له وقد أفصح عن هذا الحزن العميق مرات عديدة في رسائله وشعره ؛  فقد كتب يوما لصديقه صادق عبد الحق يقول :

15-taiseer-sboul-تيسير-سبول

لكن الفراق مر

والموت مر

وكل ما يسرق الإنسان من إنسان مر

والحياة مرة

والملل- والليل- والوحدة- والضياع أشياء مرة

وجودنا كله مر.. مر يا الله ما أشد مرارته

وريقي هو الآخر مر

حظنا أننا نموت يا صادق لأن الموت آخر مر نتذوقه”

المراجع:

  • السبول، تيسير(1981)، الأعمال الكاملة، (ط1)، بيروت: دار ابن رشد
  • عماد الضمور(2009)، شعر الشعراء المنتحرين في الأردن، دراسات، العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 36 (2)
  • تيسير النجار، إحدى وعشرون رسالة لتيسير السبول الذي انتحر محتجاً على هزيمة الأمة: رسائل تيسير السبول مع صادق عبد الحق كراسة مسكونة بالبوح والأسرار، الدستور، عمان، 15 نوفمبر، 2003.
  • جعفر العقيلي، عدي المدانات مستذكرا تيسير السبول ” كأنه ما مات.. كأنه في إجازة “، الرأي، عمان، 19 نوفمبر، 2016
  • معجم الأدباء الأردنيين (ط1) عمان، وزارة الثقافة.
  • حبيب الزيودي (2012) عودي ناقص وترا، شبكة عمون الإخبارية .
  • النجار، عبد الفتاح (1993)، تيسير السبول شاعرا مجددا، مطابع الدستور التجارية
  • مقابلات إرث الأردن مع الدكتور حكمت النوايسة مدير مديرية التراث – وزارة الثقافة الأردنية، الأستاذ الدكتور مهند مبيضين أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية، الشاعر الدكتور إسماعيل السعودي أستاذ اللغة العربية في الجامعة الأردنية.
  • [1]  من خاتمة قصيدة (خليلي مرا بي على الأبرق الفرد ) للشاعر قيس بن الملوح ( مجنون ليلى ).

  • [2] من مقابلة فريق إرث الأردن مع الدكتور حكمت النوايسة مدير مديرية التراث- وزارة الثقافة

تيسير السبول ” الوتر الراحل وصداه “

a985

وُلد الأديب ممدوح محمود أبو دلهوم يوم 6/7/1950 في بلدة صويلح في عمّان، أنهى الثانوية العامة في كلية الحسين بعمّان 1970، ثم حصل على شهادة الدبلوم في اللغة الإنجليزية من كلية “كامبردج” ببريطانيا سنة 1981.

عمل في “الملَكية الأردنية” للطيران (1968-1996)، ثم في مجلس النواب؛ مديراً للدائرة الإعلامية ومستشاراً إعلامياً (2006/2007).

كما عمل كاتباً في صحيفة “الرأي” اليومية (1979-2010)، وكاتباً سياسياً في صحيفة “الزمان” اللندنية (2000-2005)، إلى جانب عمله لسنتين في صحيفتَي “الأسواق” و”صوت الشعب” اليوميتين خلال صدورهما، وشغلَ عضوية اللجنة الوطنية الأردنية لمشروع الذخيرة العربية/ وزارة الثقافة (2010)، كما كان عضوا في رابطة الكتّاب الأردنيين.

كان الراحل صاحب مسيرة ثرية من الإبداع المتواصل في الحقل الإعلامي والأدبي حيث عمل على تسخير أدواته الأدبية والمعرفية في الالتصاق بهموم وآمال بيئته وفي قضايا الوطن وهموم وآمال انسانه البسيط ، واعتبر الكثير من النقاد الراحل من بين الكتاب الذين ظلوا مثابرين ومخلصين للكتابة في نكهة خاصة تحمل الهم الوطني، حيث تنوعت انشغالات الراحل بين الهم الوطني والشأن السياسي الأدبي والنقدي والإعلامي.

توفي يوم 27/4/2014 في عمّان، وقد قدم للمكتبة الاردنية والعربية أكثر من عشرين اصدارا في القصة والرواية والنقد والتحليل السياسي، بالإضافة الى مقالاته المتنوعة في أكثر من صحيفة محلية وعربية.

download (5)

أعماله:

  • الأدبية:
    • “اغتيال مدينة”، قصص، مطابع “الدستور” التجارية، عمّان، 1988.
    • “عشاق النهار”، قصص، دار الكرمل، عمّان، 1989.
    • “أحجار أُمِّيَّة”، قصص، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1996.
    • “أسياد القرين”، رواية، أمانة عمّان الكبرى، عمّان، 2000.
    • “أوجاع التطواف”، رواية، المؤسسة العربية، بيروت، 2005.
    • “بحر تموت فيه الأسماك”، رواية، وزارة الثقافة، عمّان، 2008.
    • “هوامش نقدية في الثقافة الأردنية”، نقد أدبي، دار أزمنة، عمّان، 2008.
    • “نبض الرحيل”، قصص ونصوص، وزارة الثقافة، عمّان، 2009.
    • “مساءات اللّيلك: أوراق ملونة في الأدب الأردني”، نقد، دار فضاءات، عمّان، 2009.
  • في موضوعات أخرى:
    • “أشواق أردنية”، وطني سياسي، مطابع “الدستور” التجارية، عمّان، 1989.
    • “القيادة الهاشمية والهم القومي”، مطابع “الدستور” التجارية، عمّان، 1991.
    • “الأردنيون والرأي الآخر”، سياسي، دار آفاق، عمّان، 1993.
    • “أوسمة المليك على صدر الوطن”، سياسي، مطابع “الرأي” التجارية، عمّان، 2007.
    • “الحقيبة الملَكية على الطائر الميمون”، سياسي وطني، عمّان، 2008.

المراجع:

  • الموقع الالكتروني لوزارة الثقافة الأردنية .

ممدوح أبو دلهوم

بورتريه للراحل مؤنس الرزاز بريشة الزميل احسان حلمي - الغد (1)

وُلد مؤنس منيف الرزاز يوم 3/12/1951 في السلط. تلقى تعليمه في مدرسة المطران بعمّان، ثمّ حصل على شهادة التوجيهي المصري، كما درس مستوى (A level) في بريطانيا لمدة سنة ونصف السنة، ثم درَس الفلسفة في جامعة بيروت العربية لمدة ثلاث سنوات، انتقل بعدَها إلى جامعة بغداد ليتخرج حاملاً شهادة الليسانس في الفلسفة، ثم انضم إلى جامعة جورج تاون في واشنطن لاستكمال دراساته العليا سنة 1977، وتركها بعد سنة واحدة ليلتحق بأسرته التي انتقلت من عمّان إلى بغداد، حيث عمل في الملحق الثقافي لصحيفة “الثورة” العراقية ببغداد.

أقام في بيروت بين عامي 1978 و1982، ثم في مجلة “شؤون فلسطينية” في بيروت، ونشر عدداً من القصص في صحيفتي «السفير» و«النهار» وعايش الحرب الأهلية اللبنانية، وبعد استقراره في عمّان سنة 1982 عمل في مجلة “الأفق”، وفي مكتبة أمانة العاصمة، وفي مؤسسة عبد الحميد شومان.

عيّن مستشاراً لوزير الثقافة ورأس تحرير مجلة “أفكار” التي تُصدرها الوزارة منذ 1991 حتى وفاته، كما كتب عموداً يومياً في صحيفة “الدستور” في النصف الثاني من الثمانينيات، ثم زاوية يومية في صحيفة “الرأي” منذ التسعينيات حتى وفاته.

44200_2

يُعد مؤنس الرزاز من أبرز كتّاب الرواية العربية الحداثية. وقد كان مع تيسير السبول من روادها في الأردن، وقد حظيت روايات الرزاز بعناية نقدية كبيرة، منها ما كتبه محسن جاسم الموسوي وإلياس خوري وشكري عزيز الماضي وفيصل دراج الذي لخص تجربة الرزاز الروائية في قوله «تكمن خصوصية مؤنس الرزاز الروائية في بحثه الشكلي، في انتقاله المتجدد من شكل إلى آخر. وحقيقة الأمر أن الرزاز لا يريد أن يقدم شهادة عن التاريخ العربي المعاصر، بقدر ما يسعى إلى تقديم انهيار هذا التاريخ في شهادة روائية».

يقول الأديب محمود شقير : ( وأنا أعيد قراءة “جمعة القفاري.. يوميات نكرة” المكتوبة بأسلوب هزلي ظريف، لاحظت كيف يكتب مؤنس رواية أردنية بامتدادات عربية وبأفق إنساني يتسع لهموم إنساننا العربي المعاصر. لاحظت كيف يحتفي الكاتب بعمان دون مبالغة أو افتعال. كيف يعدد أسماء مدن أردنية وقرى، ما يعطي المكان في الرواية مكانة مرموقة ويسبغ على الرواية نكهة محلية خاصة ).

download (4)

لاحظت كيف استوعب مؤنس، ولم يمض على عودته إلى عمان سوى بضع سنوات، التغيرات التي فعلت فعلها في النسيج الاجتماعي للمدينة وفي منظومة القيم. كيف استوعب ما يجري في عالمنا من تغيرات سلبية حادة، تركت أثرها علينا وعلى غيرنا.

كان عضواً في رابطة الكتّاب الأردنيين، وانتُخب رئيساً لها سنة 1994 ثم ما لبث أن استقال من منصبه، كما كان من مؤسسي الحزب العربي الديمقراطي الأردني سنة 1993 وانتُخب أميناً عاماً له ثم استقال من هذا المنصب أواخر سنة 1994.

وقد نال جائزة الدولة التقديرية في الآداب (حقل الرواية) من وزارة الثقافة سنة 2000.

توفِّي يوم 8/2/2002 في عمّان، ودُفن فيها.

أعماله:

  • له نحو 20 عملاً أدبياً، تأليفاً وترجمةً من اللغة الإنجليزية، منها:
    • “مَدّ اللسان الصغير في مواجهة العالم الكبير”، قصص، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1973.
    • “أحياء في البحر الميت”، رواية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1981. تُرجمت من قِبَل إيليان عبد الجليل إلى الإنجليزية بعنوان (Alive in the dead sea)، وزارة الثقافة، عمّان، 1997.
    • “قاموس المسرح.. من روائع الأدب الغربي” (ترجمة)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1982.
    • “اعترافات كاتم صوت”، رواية، دار الشروق، عمّان، 1986. ط2، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1986. ط3، وزارة الثقافة، عمّان، 2008
    • “متاهة الأعراب في ناطحات السراب”، رواية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1986.
    • “جمعة القفاري.. يوميات نكرة”، رواية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1990. ط2، أمانة عمّان الكبرى، عمّان، 2002.
    • “الذاكرة المستباحة، وقبعتان ورأس واحد”، روايتان، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1991.
    • “فاصلة في آخر السطر”، قصص، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1995.
    • “سلطان النوم وزرقاء اليمامة”، رواية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1996.
    • “حين تستيقظ الأحلام”، رواية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1997.
    • “ليلة عسل”، رواية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2000.
    • “البذور” (كتاب يضم: “مَدّ اللسان الصغير في مواجهة العالم الكبير”، و”البحر من ورائكم”، و”النمرود”)، رابطة الكتّاب الأردنيين، عمّان، 2010.
  • في موضوعات أخرى:
    • “الحاضر.. الغائب.. من كتابات مؤنس الرزاز”، مقالات صحفية منشورة في صحيفة “الرأي”، مركز “الرأي” للدراسات والمعلومات، عمّان، 2003.

 

المراجع:

  • “هاملت عربي.. مؤنس الرزاز، شهادات وحوارات ودراسات”، مركز “الرأي” للدراسات والمعلومات، عمّان، 2003.
  • “مؤنس الرزاز.. عام على الرحيل” (أوراق ندوة عقدتها رابطة الكتّاب الأردنيين)، وزارة الثقافة، عمّان، 2004.
  • الموقع الالكتروني لوزارة الثقافة الأردنية .

مؤنس الرزاز

5817854198

وُلد الأديب الراحل فايز محمود عبد القادر الحصان سنة 1941 في المنشيّة/ المفرق، وأنهى الصف الثاني الثانوي العلمي في مدرسة المفرق الثانوية سنة 1958.

عمل صحفياً متعاوناً مع صحف “المنار” و”فلسطين” و”الحوادث” (1962-1965)، ومندوباً لمجلة “الأسرة” الأردنية في الكويت، ومتعاوناً مع مجلة “البيان” الكويتية وعدد من الصحف هناك (1966-1967)، ثم موظفاً في قسم الإعلام والعلاقات العامة بأمانة العاصمة (1967-1970)، فموظفاً في وزارة الثقافة والإعلام (1970/1971) قبل أن يُنتدَب للعمل في إذاعة عمّان (1971-1974).

كما عمل مستشاراً ثقافياً في دار فيلادفيا للنشر (1972/1973)، ومعلّقاً إذاعياً (1974-1976)، وتعاوَنَ مع صحيفة “الأخبار” الأردنية (1977-1979) قبل أن يسافر إلى الإمارات العربية المتحدة ليعمل مستشاراً ثقافياً في صحيفة “الفجر” في أبو ظبي، ومحرراً في مجلة “الأزمنة العربية” في الشارقة، ومندوباً لصحيفة “الرأي” الأردنية في الإمارات (1980/1981).

عاد إلى الأردن ليعمل مندوباً صحفياً لصحيفتَي “الرأي” و”صوت الشعب” اليوميتين في المفرق، ومحرراً في مجلة “المواقف” الأردنية، ومستشاراً ثقافياً لدار الفدين للنشر، وفي صحيفة “المحرر” (1982-1987)، كما عمل في وزارة الثقافة؛ مديراً لتحرير مجلة “أفكار” (1988-1990)، ومستشاراً لوزير الثقافة، ورئيساً لتحرير مجلة “صوت الجيل”، وعضواً في هيئة تحرير مجلة “أفكار”، وعضواً في لجنة التخطيط والتنسيق بالوزارة (1991-2001).

نال الأديب فايز محمود  جائزة غالب هلسا للإبداع الثقافي من رابطة الكتّاب الأردنيين سنة 1994، ومُنح ميدالية الحسين للتفوق من الفئة الأولى في مجال الآداب سنة 2000، وكان عضواً في رابطة الكتّاب الأردنيين، وعضواً مؤسساً في منتدى المفرق الثقافي، كما كان عضواً في الجمعية الثقافية لتعميم اللغة الفصحى واختير في عضوية إحدى هيئاتها الإدارية.

كان الأديب الراحل نشيطا في الروابط والمنتديات الثقافية وشاهدا على مرحلة مهمة من تاريخ الأمة الأدبي والثقافي رغم الظروف الصحية والحياتية التي ألمت به في السنوات الأخيرة إلا انه كان مواظبا على التواصل مع الجسم الثقافي والمبدعين الأردنيين .

توفِّي يوم 12/7/2011 في عمّان، ودُفن في المفرق.

92867

أعماله:

  • الأدبية:
    • “العبور بدون جدوى”، قصص، دار فيلادلفيا، عمّان، 1973.
    • “الأبله”، قصص، رابطة الكتاب، عمّان، 1979.
    • “القبائل”، قصص، الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الفلسطينيين، الجزائر، 1981.
    • “تيسير سبول.. العربي الغريب”، دار الكرمل، عمّان، 1984.
    • “صدى المنى.. نصوص المقال”، نصوص، قدسيّة للنشر والتوزيع، إربد، 1990.
    • “قابيل”، قصص، وزارة الثقافة، عمّان، 1990.
    • “نزف مكابر”، نصوص قصصية، دار النسر، عمّان، 1996. ط2، 2003.
    • “ثلاثة نقوش محجوبة” (2)، رابطة الكتّاب الأردنيين ودار الكرمل، عمّان، 1997.
    • “بلا قبيلة”، مختارات قصصية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1997. ط2، وزارة الثقافة، عمّان، 2002.
    • “شروق، نصوص الخفاء”، نصوص، أمانة عمان الكبرى، عمّان، 2001.
    • “الأعمال القصصية الكاملة”، البنك الأهلي الأردني ودار ورد الأردنية، عمّان، 2006.
    • “قوس قزح آخر”، قصص، وزارة الثقافة، عمّان، 2010.
  • في موضوعات أخرى:
    • “الحقيقة.. بحث في الوجود”، المطبعة الهاشمية، عمّان، 1971. ط2، المطبعة النموذجية، عمّان، 1989.
    • “مشكلة الحب.. العناء الإنساني دون جدوى”، دار الأفق الجديد، عمّان، 1982.
    • “المفرق.. تاريخ صحرواي”، دار الأفق الجديد، عمّان، 1983.
    • “الحرية والضرورة.. في مجتمعات الإنسان والنمل”، دائرة الثقافة والفنون، عمّان، 1985.
    • “الأردن.. آفاق وطنية وقومية”، دار الإيمان، عمان، 1998.

المراجع:

  • “البناء الفني في قصص فايز محمود القصيرة” (رسالة ماجستير)، لافي رفاعي البقوم، جامعة آل البيت، المفرق، 2004.
  • الموقع الالكتروني لوزارة الثقافة الأردنية .

فايز محمود

14994

ولد علي مصطفى عيسى الدّلاهمة يوم 14/10/1944 في صويلح/ عمّان، وأنهى الثانوية فيها سنة 1962، وحصل على شهادة الدبلوم من معهد خضوري الزراعي في طولكرم سنة 1963، وشهادة الدبلوم في اللغة الإنجليزية وآدابها من معهد تأهيل المعلمين بعمّان سنة 1978، ثم شهادة البكالوريوس في التخصص نفسه من الجامعة الأردنية سنة 1991.

عمل في التدريس بوزارة التربية والتعليم منذ سنة 1963 حتى تقاعده سنة 1999. وفي أثناء ذلك، عمل مدرّساً في السعودية (1965-1969)، وفي سلطنة عُمان (1976)، اذ عمل في حقل التعليم لنحو أربعة عقود، وظل يسيطر عليه هاجس الأدب في مختلف حقوله، فكتب الدراما الإذاعية والسيناريو التلفزيوني والرواية والشعر والمقالة النقدية.

يقول الأديب غالب المدادحة، عن الراحل: “لا يشق له غبار في الرواية، وفارس يستوحي الشعر من ابهى معاني الحكمة والفضيلة والصدق. وان شخصيته لها شهامة البدوي وفطنة وبساطة الفلاح وحضور المدني، وان ما خلفه فقيد مجتمع الأدب والثقافة من تركة أدبية سيبقيه بلا شك فارساً للكلمة وشاعرا للوجد والوجدان”.

وللراحل مجموعة أعمال اذاعية وتلفزيونية منها مسلسل “دواليب الزمان” و”الضيف” و”سباعية الشاعر” و”الكسيح” واخيرا مسلسل “السقاية” الذي عرضه التلفزيون الأردني والذي نال عنه جائزة مهرجان القاهرة للاعمال الدرامية لعام ,2000 وله قصائد واناشيد شعرية بثت كمقدمات وضمن فقرات مسلسلات وبرامج خاصة بالاطفال على معظم شاشات التلفزة العربية, ناهيك بكثير من الاعمال المخطوطة بين روائية وقصصية وتلفزيونية واعمال شعرية

الراحل كان عضوا في رابطة الكتاب الاردنيين واتحاد الكتاب والأدباء العرب في دمشق

توفِّي يوم 21/1/2005 في عمّان.

أعماله:

  • الأدبية:
    • “الحب المرّ”، رواية، مطابع الإيمان، عمّان، 1991.
    • “الغابة”، رواية، مطابع الإيمان، عمّان، 1992.
    • “الوشاح الأحمر”، رواية، وزارة الثقافة، عمّان، 1997.
    • “موسم هجرة العقعق”، رواية، (د.ن)، عمّان، 2002.
    • “عريشة الرمان”، رواية، دار الفرقان، عمّان، 2002.
  • في موضوعات أخرى:
    • “التدخين ذلك الانتحار”، دراسة علمية، مطابع “الدستور” التجارية، عمّان، 1987.

وترك مخطوطة تحتفظ بها عائلته جمعَ فيها جلّ أشعاره.

  • “معجم أدباء الأردن”، وزارة الثقافة، عمّان.
  • الموقع الالكتروني لوزارة الثقافة الأردنية .

علي الدّلاهمة

Scroll to top