زينب أبو غنيمة

(c. 1900-1996)

“معلمات إربد”

إن الحصول على معلومات عن النساء الملعمات الرائدات ومديرات المدارس في بداية نشأة الدولة الأردنية ليست مهمة سهلة أبدا. فمن أين نبدأ؟ في عشرينات وثلاثينيات القرن الماضي، دعيت المعلمات اللواتي أنهين تعليمهن في القدس والدمشق لتولي إدراة مدارس البنات في الدولة الأردنية التي كانت في طريقها للنهضة الأولى. فعينت مثلا ميساء بارودة لإدارة مدرسة زين الشرف في جبل عمان. لقد كُتب القليل جدا عن النساء في العقود الأولى من القرن العشرين، أو هكذا ظننت. وإن لم يملك المرء أسماء لينطلق منها في بحثه فإن الأمر يشبه البحث عن إبرة في صحراء وادي رم الشاسعة.  ولكن أحيانا يكون الحظ في صفك. وكذلك الأمر في حالة زينب أبو غينمة، التي تعد واحدة من أوائل الحاصلات على شهادة في التعليم في إربد ومن أوائل المديرات في مدارسها. ومن خلال قصتها التي رواها لنا ابنها عدلي وزوجته هدى، اكتشفنا المزيد عن النساء الرائدات وعن معلمات عائلة أبو غنيمة في الماضي والحاضر. وبهذا تشكلت لوحة الفسيفساء الأخاذة.

يقولون بأن خلف كل رجل عظيم إمرأة ولكن عكس هذه المقولة صائب أيضا. وأحد هذه الأمثلة الرائعة “حسن أبو غنيمة” أخ زينب. وهو معلم شهير من إربد قبل وبعد إنشاء الدولة الأردنية الحديثة، كما أنه مؤسس حركة الكشافة الأردنية عام  1923لقد دفعه إيمانه القوي بأهمية تعليم المرأة لتمكين أخواته زينب وآمنة وبناته أسماء وعفاف، من الحصول على أفضل تعليم ممكن. وكانت إسطنبول ودمشق أفضل المدن للتعليم وعليها انصب اهتمام حسن. وكانت أخواته أول امرأتين في إربد تسافران إلى دمشق لاستكمال تعليمهما في أوائل عشرينات القرن الماضي. وبالرغم من الاضطراب الذي ساد دمشق عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، نجحت زينب وآمنة في تحويل فلسفة والدهما وأخيهما إلى واقع. وقد وثقت رحلتهما  إلى دمشق في ملفات وزارة التربية والتعليم.

سنبحث حياة بنات وحفيدات علي وأميرة أبو غنيمة من إربد، اللذان استقيا المعرفة من الأدب العربي والإنجليزي  وتحديا سويا الصور النمطية المجتمعية عبر بث الوعي وتعليم المرأة، بمساعدة رجال عائلتهم.

ولدت ونشأت زينب إحدى أفراد الجيل الثالث لعائلة أبو غنيمة في إربد المسماة بعروس الشمال لجمال طبيعتها. مجتمع حضري لا يختلف عن مجتمع السلط في بداية القرن العشرين، كانت إربد مدينة بطموح مدنية وسياسية عالية. وقد عزز  ذلك وقوع إربد على الطريق الشهير الذي يربط دمشق وبيروت والقدس بقبلة المسلمين في الجزيرة العربية.

إنه من الصعب تحديد موعد ولادة زينب بدقة ولكنها ولدت في العقد الأول من القرن العشرين وولدت أختها آمنة بعدها بسنة. كان والدها علي أبو غنيمة تاجرا مسلما متدينا ومعلما للقرآن وكان يؤمن بقوة أن المرء لا يكون مسلما بحق إلا إذا تعلم القراءة والكتابة. ولهذا أنشأ أول مدرسة تقليدية “كتاتيب” في بلدته وعلم الأطفال فيها القراءة والكتابة ليستطيعوا تعلم القرآن. أما والدة زينب أميرة الأنصاري كانت فهي من بيروت، وكانت ناشطة اجتماعية متعلمة أخذت على عاتقها تحسين حياة وصحة النساء في إربد والقرى المجاورة عبر بث التوعية والتثقيف. وكان جل اهتمامها ينصب على تشجيع الأهالي على إرسال بناتهن للمدارس وكانت الطريقة الوحيدة هي أن تكون مثلا يحتذى به في هذا الموضوع.

مع تركيز علي وأميرة الكبير على التعليم، تخرج حسن ومحمود ابنيهما من جامعة اسطنبول بتخصص العلوم أما الابن الأصغر محمد صبحي فكان أول طبيب مدرب في إربد حاصلا على شهادته من جامعة برلين عام 1929.  لقد صار محمد صبحي حديث المدينة عندما جلب من أوروبا أول آلة تصوير بالأشعة السينية عبر شحنها إلى ميناء حيفا ومن ثم جلبها لعيادته الحديثة في إربد. كان الطبيب محمد صبحي أيضا قوميا عربيا وشاعرا وكاتبا سياسيا وقد أثار ذلك اهتمام الأمير عبد الله بسبب امتعاض مرافقه البريطاني ألس كيركبرايد. ولكن تلك قصة أخرى قد ذكرت بمزيد من التفصيل في فصلين من كتاب ابنته الدكتورة هدى أبو غنيمة.

تلقت زينب وأختها آمنة تعليمهما الابتدائي في المنزل بإشراف من والدهما الذي ربى أولاده جميعهم على فكرة أنه لا عقل منفتح دون الوعي السياسي. بنشأتهما في جو كان الحوار هو الأمر الطبيعي فيه، تأثرت زينب وآمنة بشغف أخيهما حسن بساطع الحصري، القومي العربي، والمعلم والفيلسوف الذي شجع طلابه على السفر إلى أقاصي أراض الاحتلال العثماني الأربعة. وقد قبل حسن بالتحدي وسافر إلى اليمن لأربعة سنوات ليدرس اللغة العربية والعلوم قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى. ورحلته الثانية كانت إلى لبنان، وهناك قابل زوجته سلمى. بعد ولادة ابنتيه أسماء وعفاف، انتقلت العائلة الفتية إلى دمشق حيث عين حسن مديرا لكلية المعلمين للعلوم التطبيقية. ولنشاطه ضد الاحتلال الفرنسي في سوريا تم نقله إلى دار المعلمين في الحمة. ومن هنا شجع أخواته على الالتحاق بدار المعلمات في دمشق.

إن المشاريع الاستعمارية التي وضعها الاحتلال الفرنسي على أنقاض الاحتلال العثماني، خصوصا في سورية قد أدت لاندلاع فتيل معركة ميسلون العنيفة في دمشق. وخوفا من أن يتم القبض على حسن في جملة حملة الإعدامات بلا محاكمة خلال المعركة عاد إلى إربد مع عائلته وأخواته: آمنة ذات الطبع الرقيق وزينب ذات الطبع الصريح. أكملتا سويا سنتين من ثلاثة سنوات في التعليم العالي. عام 1921، استدعى الأمير عبد الله الأول حسن ليساهم في إنشاء النظام التعليمي للأردن وبهذا انتقلت عائلته هذه المرة إلى عمان.

عمل حسن كمدير تعليم للدولة وكان أخوه محمود المدير المؤسس لمدرسة العبدلية الشهيرة للأولاد وهي أول مدرسة تبنى بقرب المدرج الروماني، أما زينب فقد عينت في أول مدرسة ابتدائية للبنات في عمان. لقد كان ممكن إبقاء الأمر عائليا، ولكن الحكمة الفردية والشغف للعلم خصوصا العلوم الطبيعية التي تستند لمراجع رفيعة المستوى والكتب والشروحات التي استخدمتها زينب بالعربية والإنجليزية قد سلمت جميعها إلى ابنها عدلي. وبعد سنوات، عثرت هدى زوجة عدلي على مجموعة من الكتب القديمة ودهشت بأن عماتها كن يدرسن بالعشرينات نفس المستوى التي تدرسه هي عام 2010.

عام 1923، عادت زينب وآمنة إلى دمشق لاستئناف دراستهما والتخرج عام 1924 كأول أردنيات حاصلات على شهادات عليا في التعليم. شهاد الدبلوم الخاصة بزينب مكتوبة بخط يد بديع ومزخرفة وقد صدرت عن مملكة سورية وتشهد لها بأنها تستحق لقب معلمة. وقد كانت تستحقه فعلا. بالإضافة إلى الشهادة أرفق كشف الدرجات في خمسة عشر مادة درستها عشرة منها علمية كانت أحرزت العلامة الكاملة فيها. لقد كانت متفوقة للغاية.

في الحقيقة، كانت زينب شديدة الحماس ولا تدع أي شيء يقف في طريقها حتى أبسط الأشياء كتاريخ ولادتها! وبالرغم من هوس الاحتلال العثماني  بتسجيل كل شيء إلا أن تواريخ ولادة الإناث كانت استثناء. لقد استغلت زينب هذه النقطة لصالحها، فإن تغير تاريخ هنا أو هناك، هذا يعني حصول مزيد من البنات على التعليم. لقد تعززت شخصيتها القوية عبر القيم والمبادئ التي لا تعزز بالنسبة لأهمية التعليم للمجتمع وقد رافقها شجاعتها الأخلاقية الرائعة.

مع تصاعد الأزمة بين الفلسطينيين والانتداب البريطاني الموالي للحركة الصهيونية، سبب قرارات المندوب السامي الموالية لليهود عاصفة ثورية بين عرب القدس وقد نتج عنها هبة شعبية في عموم فلسطين ودمج المرأة في الساحة السياسية لأول مرة. لقد دعيت الثورة بثورة البراق وحدثت في 16 أكتوبر عام 1929 وانتشرت بسرعة لتشمل الدول المجاورة. وقد حشدت المظاهرات في جرش شمال الأردن.  لا نعرف على وجه الدقة إن التحقت زينب بالمظاهرات أم لا،  ولكننا تيقنا من تواجد ابنة أخيها أسماء وأصدقائها  كما تذكر مذكرات زميل أسماء خالد  حجازي (1912-2001) وقد كان والده محافظ إربد لعدة سنوات:

“الخميس 17/10/1929. “أخذت هذا الصباح كتبي وذهبت إلى المدرسة، على عكس الطلاب الذين شاركوا في المظاهرة الحاشدة. لقد شاركت ثلاث طالبات ضمن جموع المتظاهرين: أسماء أبو غنيمة، وسندور النصراوي وأوجنين يوسف عودة. أما في المدرسة فقد وجدت طلابا عدة: جمال الحسن وطاهر الناجي ورجائي النهار وعربي سالم. أخذنا الحصة الأولى وقد كانت في اللغة الإنجليزية. كنا ثمانية طلبة في الحصص السبعة ذلك اليوم، وقد غادرت المدرسة بعد الفسحة. في ذلك اليوم قصد عدة طلبة مدينة جرش حاملين بعض التبرعات التي جمعوها دعما لفلسطين”

بينما كانت النساء الفلسطينيات يضعن بصمتهن في المشهد السياسي كانت زينب تثبت بأنها لا تقل كفاءة عن الرجال في المشهد التعليمي، لأنها فهمت اتساع الفرص المفتوحة أمامها كما فهمت المصاعب والمعوقات التي ستقف في طريقها. لم تكن لتتحدى التقاليد بشكل صارخ، التقاليد التي تحدد حركة المرأة خارج بيت العائلة، ولكنها كانت تعمل معهم كقدوة لقريناتها عبر تمثيلها لمعنى العلم كأداة قوية بين يدي المواطن. كمسلمة متدينة، الصدقة على المحتاج والفقير جزء من دينها ولكنها أعطت ما هو أكثر من الصدقة كمشورتها التي طلبتها نساء مجتمعها دوما، لقد احترمن فيها حكمتها وريادتها. لقد مثلت المرأة بوصفها رأس العائلة وعامودها وأيقنت بأن التعليم سيحسن الحياة خصوصا بالنسبة للعائلات الفقيرة التي مرت عليها خلال تجوالها مع والدتها في المناطق الريفية. في الوقت الذي عينت زينب مديرة كانت عائلتها قد أسست نظام التعليم الحكومي للبنات وقد ارتفعت معدلات التحاق الفتيات ارتفاعا ملحوظا ويعزى ذلك بشكل كبير إلى الثقة التي حصدتها من أفراد المجتمع عامة.

لقد وهبت زينب وأختها آمنة حياتهما للعمل ولم تملكا سوى القليل من الوقت للحياة التقليدية الزوجية. لقد كانتا مثالا للمرأة العملية وحذت ابنة أخيهما أسماء حذوهما. في عام 1938 تزوجت الأختان أخين من عائلة الناصر في نفس اليوم، وقد تغيرت حياتهما أكثر مما كانتا تتخيلان.

وعلى كل الأصعدة لم تكن الأختان سعيدتين في حياتهما الزوجة ولم تكونا أنجبتا بعد. وإضافة لمعاناتهما في زواجهما ظل  القانون الذي يمنع المرأة المتزوجة من العمل في التعليم موجودا في الدساتير حتى 1955. لقد وقعت العديد من السيدات ضحية للقوى المحافظة داخل وزارة التعليم.

لقد أجبرتا على الاستقالة حالما تزوجتا وقد وجدتا الأمر صعبا. لم يكن بإمكان زينب وآمنة أن تتكيفا مع التقاليد والحركة المقيدة التي فرضها الزواج عليهما فجأة. لقد شعرتا بأنهما قد استثمرتا كثيرا في التعليم ولا يمكن أن يتم يحصرهمها أزواجهما في المنزل. بالرغم من حب أزواجهما لهما إلا أنهما لم يتمكنا من تقبل استقلالية زوجاتهما وثقتهما بنفسيهما. لقد كان وضعا تسبب الحزن للجميع وقد أدى ذلك بالرجلين لاتخاذ زوجة ثانية.  كان هذا غير مقبولا بالنسبة لآمنة وزينب وقد طلبت كلتاهما الطلاق. لم يتم طلاق زينب حتى بلغ أطفالها الجامعة. أما آمنة ورغم محاولات زوجها لإصلاح زواجهما إلا أنها تركته.

كانت مدينة إربد قد دخلت في ذات المرحلة السريعة التي دخلتها عمّان، وقد تم تدشين العديد من جمعيات الرعاية الاجتماعية والاتحادات التي تختص بالمرأة بحلول عام 1945 في كلتا المدينتين، وقد رعت الأميرة مصباح العبد الله، زوجة الأمير عبد الله وأخته الأميرة زين الشرف هذه الجمعيات. لقد كرست زينب وابنة أخيها أسماء جهودهما في تلك الحركة كمعلمتين قديرتين ومرأتين حكيمتين في مجتمعهما. ألقيت العديد من الخطابات في الثاني من تموز عام 1945 خلال فتح فرع اتحاد المرأة الأردنية في مدينة إربد. وقد ألقت أسماء واحدا قالت فيه:

“”إن واجبات المرأة في بلد طموح، بلد يبتغي الصدارة لهي مسؤوليات عظيمة، لأنها من تربي الرجال وتجعلهم قادرين على مواجهة الحياة. إنها من تربي الأمهات لكي يكن أفضل ما يمكنهن في كل الأوقات. إن الأمم التي لا تعتني بالنساء وهن نصف السكان ستتراجع بالتأكيد وستتقدم ببطء شديد في مسيرتها، وستكون تلك المسيرة على أرض غير صلبة. وهذا لأن القيم الفاضلة  كالشجاعة والالتزام بالعمل والحياة ومساعدة الفقير والمحتاج والضعيف، إنها قيم تعطيها الأمهات الفاضلات لأولادهن. وقد اختتمت خطابها قائلة:

“لذا فإن الأمة التي تعول على تقدمها وتطورها عليها أن تعول على قوة هذه القيم والمبادىء في قلوب أبنائها. وإننا نشكر الله أن هذا المبدأ قد أصبح مترسخا في نفوس رجال ونساء بلدنا  وسيتم تعزيزه أكثر بافتتاح هذا الاتحاد. إننا نسعد بافتتاح فروع أكثر في مدن أردنية بجانب عمان، كإربد. إننا، نساء إربد، لحريصات أشد الحرص لإثبات أنه وسواء كنا متزوجات أو عازبات، إيماننا قوي بهذه المبادئ  وأننا سنطبقها على أكمل وجه نستطيعه.”

أحد أهم التدابير التي اتبعها الاتحاد هو نقض الحكم التمييزي ضد المعلمات المتزوجات  في وزارة التعليم. كان عليهم الانتظار حتى 1955 حيث تم نقض القانون وعادت المعلمات إلى النظام التعليمي مرة أخرى. دعى رئيس الوزراء زينب كي تستأنف عملها كمديرة مدرسة إربد للبنات وقد استمرت كمديرة لمدة سنتين بعد ذلك. أما أسماء فهي الآن أم لطفلتين رفضت عرض الرجوع إلى التعليم وفضلت التقاعد عن العمل وقد أدت الخسارة المفجعة لزوجها عام 1960 بعد 12 سنة سعيدة إلى تعزيز إيمانها بالأمومة. لقد ربت أسماء ابنتيها وحدها، رافضة كل عروض المساعدة والدعم.

بحلول عام 1957، تسلم الملك حسين العرش ونقلت زينب لتصبح مديرة المدرسة الشاملة الحديثة في جبل الويبدة والتي سميت على اسم ابنة الملك، الأميرة عالية بنت الحسين. وعندها تقاعدها عام 1960، قضت زينب بقية عمرها في العمل التطوعي. وقد كان ذلك حين حصلت على ما كانت تسعى له لعقود: الطلاق. لقد منحها ذلك انطلاقة جديدة للحياة، فقد أصبحت جذابة أكثر وغمرتها حالة من السلام، وتستذكر هدى سعيدة بأن تكون ربة الأسرة لطفليها الحبيبين: أصبح عدلي موظفا في وزارة الخارجية أما ابنتها مرام فقد أصبحت ثاني امرأة أردنية تصبح محامية، بعد إميلي بشارات.

في عام 1973 ، تم تكريم زينب لمساهمتها في التعليم حيث منحها الملك حسين ميدالية تقدير. وقد وضعت الشهادة والميدالية في مدخل منزل عدلي وزوجته هدى. توفيت زينب بسلام عام 1996 وقد خلدت ذكراها بتسمية شارع باسمها، هذا الشارع المحاذي للجامعة الأردنية، يناسب تماما رسالتها وإنجازاتها.

معلمات إربد، سيرة حياة زينب أبو غنيمة

 أقترح عناوين أخرى لتجنب إساءة فهم العنوان المطروح: يما قمرة/ معلمة الكرك

بعد برهة من الزمن، لحظة من صمود أمام الريح

وستنجبني امرأة أخرى”

– جبران خليل جبران، كتاب النبي

 جبران خليل جبران الأديب والمرشد الروحي اللبناني الذي صاغ في أدبه لوعته واشتياقه لوطنه. ينطبق السطران أعلاه على الكرك، المدينة القديمة التي تقع قلب لأردن. اتخذها الناس ملجأ وبنوا على قمتها العالية والوحيدة قلعة شامخة. قاموا بتربية المواشي وحمل أناسها المنتمون للمسيحية والإسلام مشاعر روحية قوية تجاه القدس. وخلال ذلك، يهب النسيم ليداعب جدرانها فينمو الزعتر واللافندر.

 بعد بندر ومشخص المجالي اللتان كانتا تتظاهران سعيا للتغيير السياسي ودعما لزوجيهما قادة العشائر الأردنية الثائرة، كانت امرأة أخرى، بهدوء، تعلم جيلا بأكمله. متخذة من الكلمات أسلحة، قامت قمرة القسوس- شرايحة بوضع بصمتها في حياة سكان قرية بأكملها وفي أمة الأردنيين التي كانت في طريقها لإنشاء الدولة الحديثة.

لقد قال كثر بأن قمرة (تصغير لقمر) تستحق اسمها بعدة طرق لا طريقة واحدة. فباعتبارها “القمر الذي يضيء الليالي الحالكة”، كانت معلمة وقدوة وملهمة وأمّا لجميع أفراد مجتمعها الذي سماها من شدة تأثره بها “ماما قمرة”  لم تكن تحوز على الكثير من الممتلكات لتمنحها، ولكنها منحت الكثير من الحب والتسامح والبهجة والخيال الشغوف.

قلعة الكرك

ولدت قمرة عام 1889 ابنة لشيخ عشيرة الهلسة المسيحية، الشيخ إبراهيم القسوس. درست في مدرسة رهبان الروم الأرثوذكس الابتدائية. كان للروم الأرثوذكس تأثير وحضور كبير في الكرك بسبب البطريركية الخاصة بهم في القدس. ولهذا عام (1849-1919) أصبح عم قمرة الذي كان راهبا محليا الأرشيمندريت أفرايموس العربي المحترم. وإلى القدس أيضا كانت قمرة تسافر طلبا للإلهام المسكوني[1] والعلم والمعرفة. كان موت الأرشيمندريت أفرايموس في ظروف غامضة عام 1919 قد عمق انعدام الثقة بين الاكليروس الروم أرثوذكسي وسائر العرب، فقدان الثقة كان الطاعون الذي ابتليت به الكنيسة إلى يومنا هذا. وبالرغم من الشقاق السياسي في الكنيسة، كان المجتمع ينظر لقمرة باحترام شديد.

لقد كانت المرأة التي جسدت ثقافة العزة والفخر. نشأت قمرة كطفلة لامعة مع ملكة تعلم اللغات من معلمتها هدباء، إننا نعرف القليل عن الآنسة هدباء، فهي لم تتزوج وظلت معلمة حتى مرضت بشدة عام 1901. وقد اتفق  الكهنة الروم  على قمرة لتكون خلفا لمعلمتها ولتدرس مكانها بسبب طلاقتها في القراءة والكتابة في ثلاث لغات: العربية واليونانية والإنجليزية. كانت قمرة حينها في الثانية عشر من عمرها فحسب وكانت سعيدة للغاية بالتزامها في التدريس. في وقت قياسي، استحقت لقب “المعلمة” لاستخدامها طريقا إبداعية في التدريس كالدراما والأعمال اليدوية واستخدام اللغة مع الشطرنج وقد أضاف ذلك روحا لحصتها الصفية. وكقارئة نهمة ، اقتبست من أدب الحياة دوما، وكانت تعود من رحلاتها من القدس ويافا بالمزيد والمزيد لتشاركه مع طلابها الصغار والكبار.

صورة لقمرة في الخمسينات

في ذلك الوقت، كان ينظر للأولاد الذين يبلغون سن الثانية عشر بأنهم أصبحوا رجالا أما الفتيات اللاتي بلغن سن الثانية عشرة إلى الخامسة عشرة فهن ناضجات كفاية كي يتزوجن. وكذلك كان الحال عند قمرة، فما إن بلغت الثالثة عشرة حتى خطبت لجريس شرايحة، فارس من فرسان عشيرة الحمود المسيحية، التي تبعد عن الكرك 30 كلم.  ولكن عندما يسوء الجو في السهول المحيطة بالكرك يصبح امتطاء الفرس أمرا خطيرا. وللأسف، كان جريس  عائدا على فرسه من زيارة عائلية مع قمرة أثناء العاصفة وقد سقط حصانه ورماه أرضا فلقي حتفه. وتزوجت قمرة من أخ خطيبها، يوسف شرايحة وسمت ابنها البكر “جريس”. ولد ابنها جريس عام 1906 تحت رعاية أختها الكبرى ذهيبة التي كانت حاضنة ومختصة بالأعشاب. سمي حفيد أختها ذهيبة “محمد” وهو اسم للمسلمين وعادة ما تكون تسمية المسيحين بأسماء مسلمين نتيجة للاحترام المتبادل بين العشائر الادرنية المسلمة والمسيحية وقد ورثت ذهيبة هذا الاحترام عن والدها.

عندما مرضت والدة قمرة كثيرا وظلت طريحة الفراش في سن صغيرة منح والدها الشيخ إبراهيم إذنا خاصا للزواج مرة أخرى ليس لأنه يود ذلك ولكن بسبب الضغط الاجتماعي الذي يحتم الحصول على خلف ذكر. ومع الموافقة المجتمعية الكاملة، تزوج الشيخ إبراهيم أخيرا من سيدة من عشيرة الزريقات، إحدى أفخاذ عشيرة الهلسة. ومع الوقت، كبرت عائلته ورزق بأربعة أبناء ذكور وابنة أخرى.

تابعت قمرة تدريسها بعد ولادتها لابنها ودفعها حبها للأطفال واهتمامها بالحقيقة لغرسها قيم الأمل والخير والحب في الحياة بشكل يتجاوز التدريس في الفصول الدراسية. كانت دوما حريصة على زيارة “أطفالها” بعد المدرسة، ترعى المريض منهم وتعطي المحتاج دروسا إضافية لتقويته. كانت قمرة ترتدي اللباس الكركي التقليدي المعروف بالمدرقة ولكن هذا لم يكن ليخفي عدم تقليدية هذه المرأة ولم يكن ليخفي روحها الخيّرة والطليعية والمعطاء والشجاعة. لم تكن الأزياء على رأس أولوياتها، على الرغم من رواج الأزياء الحديثة في كل مكان؛ كانت مهمتها الأولى لا أن تدرس اللغات الثلاث التي تتقنها فحسب بل أن تدرس تاريخنا العريق، تاريخ العشائر الأردنية المسيحية والمسلمة. ونتيجة لقوة شخصيتها وصلابة رأيها ومعتقداتها حول البيئة التعليمية التي كانت توفرها لطلابها كانت نادرا ما تفقد أعصابها. والمرة الوحيدة التي فعلت كانت مع أخيها الذي حاولت انتقاد روحها المستقلة وقد ردت عليه بحدة فقالت:” حسنا! أطلق عليّ النار!” ولم يُفتح ذاك الموضوع مرة أخرى، وقد حازت قمرة على احترام أغلب الرجال في محيطها وكان والدها راضيا عنها للغاية.

مع اندلاع فتيل ثورة الكرك (الهيّة) التي قادها أبناء العشائر الأردنية ضد المحتل العثماني عام 1910، رحلت قمرة لقرية عشيرة الحمود، القريبة من منطقة القصر، حيث كان زوجها يجهز محلا ليعمل كتاجر. لم تمتلك قرية الحمود مدرسة آنذاك، ولكن بمساعدة كنيسة الروم الأرثوذكس، أصبحت قمرة أول معلمة للقرية مع كامل الحرية لتطوير منهاج دراسي خاص بها. كانت مهمتها الأولى أن تبقي أقلام طلابها مشحوذة، ، فقد كانت مصممة على تعليم كل طفل يدخل صفها الكتابة ومن ثم القراءة. لامتلاكها شخصية محببة، استطاعت إنشاء صفوف دراسية للكبار لمحو أمية الرجال وأمهاتهم. لقد أشعلت الرغبة في نفوس كل من في القرية للتعلم بالرغم من ازدياد الوضع السياسي سوءا.. كانت قدرتها الأخاذة على رفع ثقة الأطفال أو الكبار هي هبتها الإلهية، لأنها كانت مؤمنة بأن مستقبلهم قد يغير العالم. بحلول عام 1912 كانت حاملا بطفلها الثاني “متري” ولولعها الشديد بالتدريس أنجبته على أرض الغرفة الصفية محاطا باحتفاء وحماس الجميع.

قلعة الكرك إبان ثورة الكرك عام 1910

استمرت عائلتها بالازدياد فأنجبت عام 1919 ابنها نيكولا وعام 1929 ابنتها سعاد وعام 1931 ابنها الأخير نزيه. وبين أطفالها الذين بقوا على قيد الحياة، عانت حسرات ومآسي كثيرة في خسرانها لبناتها الأربعة لإصابتهن بالحصبة. وعندما مات زوجها فجأة عام 1934 كان ابنها الثاني متري يدرس الطب في دمشق. لقد أحس بشعور سيء ولكنه لم يكن يقدر على العودة للمنزل. أعطاه أساتذته  مالا ليعود في الحافلة للمنزل ليصل بيته قبل أن تمتلك أمه الفرصة لتبعث له رسالة تخبره فيها بوفاة والده. هكذا كان الرباط بينهم قويا.  أما ابنها البكر جريس، فقد كان موهوبا في الرياضيات وكان  يدرس سنته الثانية في العلوم والرياضيات في القدس، ولكنه ترك دراسته وعاد ليدرّس في مادبا ويرعى إخوته وأمه.

أبناء قمرة الذكور

لقد كان وقتا صعبا عليهم جميعا. راتب المعلمة بالكاد يكفي ليسدوا رمقهم. كانت قمرة مدبرة بحق، فلم يشعر أبناؤها بالفقر الذي لحقهم فجأة. استمرت في منحهم حياة سعيدة وثرية وظلت عيونها ترعاهم. عام 1942 أخذ جريس العائلة شمالا لمدينة السلط وعين مدرسا في مدرسة السلط الثانوية للبنين كمعلم علوم، أما قمرة فقررت التقاعد عن التعليم- على الأقل في الصفوف. بقي منزلها مفتوحا للعائلة والأصدقاء متى ما دعت الحاجة، مستمرة في نهج الكرم الذي ورثته عن آبائها. كانت زيارتهم لها لا تنس أبدا، فقد زينت تلك الزيارات قدرتها على حكاية القصص المستوحاة من التاريخ ومن كتابها المفضل”الإنجيل” وظلت تلك الجمعات العائلية التي تروي فيها القصص تقليدا متبعا حتى حفيدها العاشر.

وبرغم صعوبة الأمر، استمرت قمرة بالسفر للقرى والمدن الفلسطينية غرب نهر الأردن. وفي إحدى زياراتها إلى يافا مع ابنها جريس، ارتدت قمرة الزي الكركي التقليدي وقررت أن تجلس أمام البحر وأن تطالع الصحيفة. أثار تصرفها الحماس في قلوب أهالي البلدة وأطفالهم الذين اجتمعوا ليشاهدوا البدوية التي تقرأ!

جلسة قمرة المفضلة للقراءة

كانت تلك قصة لطالما روتها قمرة وعيونها تلمع حماسة في اجتماعات العائلة في الأردن.

ولغياب الجامعات والمعاهد العليا في الأردن حتى افتتحت الجامعة الأرنية عام 1962، كان الأردنيون يرسلون أبناءهم لتحصيل العلم في القاهرة والقدس وبيروت ودمشق. وكذلك كان الحال عند أبناء قمرة. تبع نيكولا خطى أخيه الأكبر وقصد دمشق لدراسة القانون ومن ثم سافر إلى الولايات المتحدة وأنهى الدكتوراة في جامعة كاليفورنيا في القانون الدولي. ورغم العرض الذي تلقاه من الحكومة فور تحصيله لدرجته العلمية ورسالة والدته قمرة التي كتبت فيها “لا يمكنني أن أكون أنانية وأطالبك بالعودة ولكن عائلتك والوطن يريدانك أن تتعلم كل ما يمكنك تعلمه في أمريكا وتعود إلى الوطن. تذكر، إنك لا تعيش لنفسك فقط” لم يعد نيكولا من الولايات المتحدة أبدا، وظل أعزبا حتى وافته المنية عام 1988.

أرسلت قمرة ابنتها سعاد لتتم تعليمها في مدرسة الفرندز للبنات في رام الله وكان ذلك بعد وقت قصير من إعلان الكيان الصهيوني لقيام إسرائيل في عام 1948 فيما عرف “بالنكبة” في 14 أيار عام 1948 وخوفا على سلامة ابنتها كتبت قمرة:

ابنتي الحبيبة سعاد،

أمنحك بركاتي وقبلاتي وأمنياتي لك بالسعادة طيلة أيام حياتك. إني أصلي للرب بأن يبقيك بخير وأن تتذكري دوما أن لك أما تحبك. عزيزتي سعاد، كوني طيبة مع الجميع، وكوني صامتة ومطيعة تحت ناظري الرب، ليبقيك الرب في حمايته وحفظه ورعايته بحضوره الدائم في حياتك. أمك.”

قمرة مع ابنتها سعاد في زفافها وليلي وصيفة الشرف ، التي تزوجت متري بعد سنة

عام 1951 عادت سعاد مع شهادة “معلمة” وكان على العائلة أن ترحل مجددا بسبب تعيين جريس في دائرة ضريبة الدخل في العاصمة عمان. استأجرت العائلة بيتا من أربعة غرف في جبل الحسين وكانت وقتها منطقة حديثة يسكنها اللاجئون الفلسطينيون. عاملهم السكان  بمحبة كما لو كانوا جيرانهم منذ زمن طويل. عاشوا سويا وتزوج متري من ليلي شعبان عام 1957 واحتفت الصحافة المحلية بهذا الزواج وأسمته “زواج الموسم”.

وكان متري يعمل في الخدمات العسكرية كطبيب جراح للوجه والفكين، أخذ على عاتقه جعل عائلة قمرة أكبر  بأحفادها، بينما أخذت قمرة مسؤولية الطبخ ورعاية الأطفال “لتبقي يدي كنتها جميلتين” وخلال ذلك الوقت كانت قد علمت ليلي كل ما يتعلق بالمطبخ الكركي وكان المنسف على رأس هذه القائمة. يحمل كل أحفادها ذكريات حميمة عن الجلوس عند قدميها والاستماع لقصصها المستوحاة من الكتاب المقدس. وقد استخدمت القصص لتحاول التخفيف من صرامة الأسلوب العسكري الذي كان متري يتبعه في المنزل.

وتستذكر ابنتها سعاد أنها في كل مرة تزور عشيرة الحمود “يرحب بي الناس ويتذكرون أمي المعلمة” في كل مرة أذهب هناك، يقبلون يدي كدلالة على الاحترام” وكنت أرفض ذلك ولكنهم يقولون “نحن لا نقبل يدك ولكن يد المرحومة “يما قمرة” التي علمتنا كيف نقرأ ونكتب”

على فراش الموت، كتبت قمرة لحفيدتها منار التي تحمل الدكتوراة في التمريض وإدارة المستشفيات:

حبيبتي منار، اتخذي من هذا الاسم شعارا لك، منارة من ضياء تسطعين في المنزل وخارجه من أجلك ومن أجل إخوتك. وليحفظك الرب لوالديك ويباركك بحياة طويلة سعيدة. وليجعل التوفيق والنجاح رفيقك في حياتك وحياة إخوتك وعائلتك.

ليبارككم الرب جميعا. جدتك، أم جريس

قمرة مع حفيدتها منار

بالنسبة لأبناء متري بالتحديد (ديما، زينة، يزن، لينا وحفيدها المفضل يوسف) كانت قمرة أما وجدة حمتهم في أحضانها الدافئة والحميمة. لقد ظلت قمرة معلمة وملهمة لكل أحفادها حتى آخر يوم في حياتها عام 1971. وظلت ذكراها إلى اليوم كما كانت قبل أربعين سنة. لقد تلقت عائلتها العزاء من كل الناس الآتين من الكرك والحمود والسلط يوميا لأربعين يوما ليؤدوا احترامهم الأخير “للمعلمة”. وفي فترة الحداد ظلت ليلي وفريق من المتطوعين منشغلين بإعداد القهوة والشاي والمنسف يوميا. كانت تجربة جعلت العائلة بأكملها تدرك عمق الأثر الذي تركته قمرة وراءها.

صورة عائلية في احتفال تعميد زيد في سوريا

كان رفض قمرة لأن ترتدي أي شيء سوى لباسها التقليدي الأردني حتى اليوم الذي وافتها المنية يدلل على مدى  افتخاها بإرثها الثقافي الوطني وعلى عمق الرباط الذي يربطها مع والدها. لقد تحدت الحياة دون تقاعس أو أفكار جندرية مسبقة. كان دورها المحوري في كنيسة الروم الأرثوذكس إضافة لدور والدها، في عمان والكرك سببا في حصولهما على المقاعد في الصف الأول في صحن الكنيسة، المقاعد التي لم يجرؤ أحد على استخدامها سوى الأحفاد. كانت قمرة تواظب على الذهاب للكنيسة كل أحد ولم تفتها صلاة قط حتى لو كانت تثلج. “لن يكسر الرب قدمي لأني ذاهبة للكنيسة” كانت ترد بهذه الجملة دوما على عائلتها القلقة حيال خروجها للكنيسة في جو سيء. أما أمنيتها قبل أن تفارق الحياة فهي أن تحمل للقبر بأيدي أبناء عائلتها القسوس في رغبة توضح لنا مقدار الاحترام والحب الذي تكنه لوالدها. وفي الثاني من تشرين الأول عام 1971 تحققت أمنيتها. ومع كل الحزن والأسى والافتقاد الذي أحاطها يوم وفاتها من القريب والبعيد ومن كهنة الكنيسة لا عجب أن يشعر قريبها السيد زيد القسوس “بأن قمرة كانت في طريقها للقداسة”

جميع حقوق الترجمة محفوظة للمؤلفة جاكي صوالحة.

المصدر:  Voices, The pioneering spirit of women in Jordan,2011, National Press, Amman

[1] الحركة المسكونية هي عبارة عن مبادرة قام بها عدد من اللاهوتيين الارثوذكسيين وغيرهم من اللاهوتين من طوائف أخرى. هدفها كان العمل على تقريب العالم المسيحي من بعضه، وفتح باب التبادل الفكري والنقاش اللاهوتي بين الطوائف المسيحية. وبذلك تقريب الفكر وكسر الحواجز التاريخية الموجودة بين الطوائف. (المترجمة)

البدوية التي تقرأ! سيرة حياة قمرة القسوس شرايحة 1889-1971

مقدمة

يزخر تاريخ الأردن بنماذج نسائية مشرفة. ولا عجب أن تكون عليا الضمور وبندر ومشخص المجالي وغيرهن من نساء الثورة ضد المحتل العثماني سليلات تاريخ أردني طويل من الكفاح ضد الاحتلال والظلم.

إننا بصدد واحدة من هذه النماذج الفريدة التي تجعلنا ندرك بشكل أعمق كيف أن المرأة الأردنية لم ترض ولا بأي مرحلة تاريخية بغير الاستقلال والحرية. الملكة ماوية ملكة أردنية بدوية حكمت القبائل الأردنية في البادية الأردنية الشرقية. سنستعرض في هذا البحث حياة هذه الملكة المحاربة.

تصوير كنسي للملكة الأردنية المحاربة ماوية

توليها الحكم والمشهد العام

تولت الملكة ماوية الحكم بعد وفاة زوجها عام 375 ميلادي ( والذي تذكر بعض المصادر أنه كان أميرا غسانيا) وشكلت تحالفا قويا كونته من جميع القبائل الأردنية البدوية في البادية الشرقية.  كانت علاقة الإمبراطورية الرومانية مع القبائل الأردنية في البادية الشرقية الأردنية علاقة متوترة دوما. لم يعرف عن الأردنيين يوما أنهم خضعوا لولاية بالقوة، فهم دوما يُجمعون إجماعا على من يرأسهم بالعدل ولهذا لم يرضَوا بالولاية التي كانت تحاول الإمبراطورية الرومانية فرضها.

 زادت حساسية المنطقة التي سكنتها القبائل الأردنية وعقدة الجغرافيا الأردنية من توتر الموقف بينها وبين الرومان. فالبادية الشرقية الأردنية منطقة استراتيجية تمر بها كل القوافل التي تقصد الشرق الأقصى واليمن ومصر. وكانت الإمبراطورية الرومانية متخوفة دوما على تجارتها التي لا بد لها أن تمر من مضارب القبائل الأردنية هناك.

بحسب المصادر اليونانية والسريانية  لم تحكم الملكة ماوية Mavia, Mauia  القبائل البدوية الأردنية في البادية الشرقية فحسب إنّما حكمت ما أطلق عليه اليونان “عرب السارسين” والسارسين كلمة مشتقة من الكلمة اليونانية (ساراكينوس)[1] وهم سكان إقليم البترا وما حوله قاصدين بهذا اللفظ الأردنيين الأنباط الذين كانوا بدوا رحلا لفترة طويلة من الزمن قبل تأسيس المملكة الأردنية النبطية وبعد انهيار النظام الملكي النبطي والعودة للنظام القبلي من جديد. انتقلت التسمية إلى القبائل الأردنية وربما عُممت على جميع السكان لكونهم شهدوا اختلاطا وتجانسا سكانيا كبيرا بعدما ضعفت مكانة البترا كعاصمة تجارية عقب الحصار الاقتصادي الذي فرضه الإمبراطور الروماني تراجان لعقود طويلة.

الحرب من أجل الحرية

قادت الملكة ماوية جيوشها الجبارة في الثورة الأولى عام 378 أي بعد ثلاثة سنوات من توليها الحكم. يقارن التاريخيون هذه الثورة بقوة ثورة الملكة زنوبيا ضد الرومان قبلها بقرن من الزمن.

وقد تقدمت نحو الحاميات الرومانية غرب الأردن وفي فلسطين ولبنان وصولا إلى مصر واستمالت سكان وأهالي تلك المناطق بعدالة قضيتها.

يذكر الباحث جواد علي في كتابه  “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” أن الملكة الأردنية ماوية ألحقت دمارا شديدا بالرومان فيقول ”  وقد حاربت الروم مرارا وانتصرت غير مرة، ثم تصالحت معهم. وكان من جملة ما اشترطت عليهم أن يُسقّف على عربها راهب يدعى موسى كان يتعبد في -البادية- وكان معارضا لمذهب أريوس (علي: 2001، ص356)

صورة للقس البرادعي الذي عينته الملكة ماوية وكان مسؤولا عن المذهب المونوفيزي في الشرق

ولأن ثورتها تعد إحدى أهم نقاط التحول في مسيحية المشرق، اهتم مؤرخو الكنيسة بتسجيل تفاصيلها فكتبوا أن ثورة الملكة ماوية كانت كاسحة مدمرة. كتب المؤرخ  الكنسي روفينوس أنها قادت “حربا شعواء أنهكت جيوش الروم في معارك عدة فسحقتهم في العديد منها وهرب منهم ما تبقى“، ويذكر مؤرخ آخر يدعى سوزومين أنها كانت “ملكة خطيرة ” قادت قواتها بنفسها وحاربت بشراسة حتى أن القائد الحربي الروماني تم إنقاذه بصعوبة.

واتفق المؤرخون على حقيقة أن هذه الملكة الأردنية البدوية قد أرضخت الرومان وجعلتهم يوقّعون معها صلحا بشروطها الخاصة في سبيل نضالها وشعبها نحو الاستقلال والحكم الذاتي، حتى أنهم بعثوا لها لاحقا يرجون المساعدة ضد هجمات القوط (قبائل جرمانية) وقبلت مساعدتهم.

يُحسب للملكة ماوية أنها أذلّت الرومان وجعلتهم يبعثون لها بأقوى قائد حربي لديهم. كانت لديها مقدرة رهيبة على التخطيط الحربي كما كانت فَطِنة لجميع حِيَل الرومان العسكرية مما جعل جيشها يتفوق على الجيش الروماني بشكل سريع ومذهل.

تصوير قديم للملكة البدوية ماوية التي قادت جيوشا وأجبرت الرومان على الصلح معها وفقا لشروطها الخاصة

الملكة المحاربة والأردنيون الغساسنة

ترددت أصداء الحروب الشجاعة التي قادتها الملكة الأردنية ماوية في الأردن وأبعد، وكان الأردنيون الغساسنة معجبين بهذه الملكة المخلصة لوطنها وشعبها وعقيدتها. اعتنق الغساسنة ذات المذهب (المونوفيزي- مذهب ديني مسيحي يؤمن بأن للمسيح طبيعة واحدة تشكلت عن اتحاد الطبيعة البشرية والإلهية معا) المذهب الذي كانت لتقضي عليه الإمبراطورية الرومانية لولا شجاعة الملكة ماوية. ظلت الملكة ماوية ملهمة للغسانيات خصوصا الأميرات منهن لا في مجال السلم والحرب فحسب إنما في الاعتقاد الديني كذلك.

 كما بقيت الملكة ماوية  حية في وجدان الأردنيين الغساسنة واعتبروها نموذجا للمرأة المخلصة للدين والشعب والوطن كما ستظل حاضرة في نفوس أبناء وبنات الأردن اليوم.

المراجع:

  • علي. ج. (2001) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، (ط4)، لبنان: بيروت، دار الساقي
  • E (1996) Bazantinum and Arab in the sixth century, Vol2, Part 2 Dumbarton Oaks, Harvard University.
  • أبحاث إرث الأردن، المرأة الغسانية.
  • أبحاث إرث الأردن، الغساسنة مدخل عام.
  • الملكة ماوية، ويكيبيديا https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9_%D9%85%D8%A7%D9%88%D9%8A%D8%A9

[1] للمزيد انظر : https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D9%83%D9%8A%D9%86%D9%88%D8%B3

الملكة الأردنية ماوية، الملكة التي قادت جيوشها بنفسها

 كانت للموسيقى أهمية اجتماعية ودينية تاريخياً لدى الأردنيين القدماء ، حيث عثر على العديد من الدلائل والتماثيل التي تؤكد على هذا الاهتمام خصوصا في فترة الأردنيين الأنباط، وقد تأسس أول معهد للموسيقى في الأردن الحديث عام 1966م بدعم من وزارة الإعلام، كما تأسس أول مركز للموسيقى يتبع لوزارة الشباب عام 1967م ومدرسة موسيقات القوات المسلحة.

وقد زاد الاهتمام بالموسيقى أكثر، مع دخول النشاط الموسيقي كمنهج في وزارة التربية والتعليم في مطلع السبعينيات، وأرسلت الوزارة العديد من الطلبة في بعثات لدراسة الموسيقى، وعملوا كمدربين للنشاط الموسيقي في المدارس الحكومية والخاصة.

ولاحقاً تم تأسيس المعهد الوطني للموسيقى عام 1986 بتوجيه من جلالة الملكة نور الحسين وانطلاقاً من رؤية تسعى إلى إعداد وتدريب أجيال من الموسيقيين بكفاءة عالية. ويطوّر المعهد الوطني للموسيقى حالة موسيقية مفعمة بالحيوية في المجتمع الأردني، فهو يوفر خبرات موسيقية غنية من خلال خطة في التربية الموسيقية محكمة البناء، وتطوير مجموعات أدائية رفيعة المستوى، ورفع الوعي والتذوق الموسيقيين لدى شرائح المجتمع.

المراجع:

  • محمد ربيع الخزاعلة ، الأوائل في تاريخ الأردن الحديث ، ص 129 ، 2003
  • وزارة الثقافة نشأتها ومسيرتها ، الموقع الالكتروني لوزارة الثقافة الأردنية http://culture.gov.jo

أول معهد للموسيقى

 

 يعتبر مهرجان جرش أول مهرجان أردني عالمي في العصر الحديث، وكانت فكرة قيام مهرجان جرش، كرغبة عبَّرت عنها جلالة الملكة نور الحسين، عندما كانت ترعى حفل تخريج الفوج الأول لطلبة جامعة اليرموك، في منتصف عام 1980م . وقالت وهي موجهة هذه الفكرة إلى أعضاء هيئة التدريس والحضور أثناء الحفل، بأنها تريد دراسة إمكان قيام هيئة عامة من الجامعة، لتفعيل الأنشطة الثقافية وابتكارها، والأنشطة الفنية في الأردن .

وقد لاقت هذه الفكرة قبولا ً وإعجابا ً من أسرة الجامعة ، التي شكّلت لجنة مهرجان جرش للثقافة والفنون، وضمّت هذه اللجنة : د. عدنان بدران، د .مازن العرموطي، د. معاوية إبراهيم، د. أيان كرذرز، د. عفيف عبد الرحمن، الأستاذ ماشة، وغيرهم . وقد تم تعيين الدكتور مازن العرموطي أول مدير لمهرجان جرش؛ وذلك للإشراف على تنظيم النشاط القادم للمهرجان الأول، في الفترة ما بين  23/10/1981 -21 . وتم افتتاح المهرجان الأول برعاية جلالة الملكة نور الحسين، وشارك في هذا المهرجان دول : الأردن ، بريطانيا ، أسبانيا .

 أما أول الفعاليات فقد كانت : معرض الفنون التشكيلية، معرض حرف ومصنوعات يدوية، مسرحيات محلية للكبار والصغار، فلكور محلي، فرق موسيقى محلية، شعراء محليون، أفلام وثائقية أردنية عربية وأجنبية، وعازفون منفردون، فرق أجنبية.

تم في عام 2008 ايقاف مهرجان جرش ليحل محله مهرجان الأردن الذي انطلق في الموعد والمكان المعتاد لمهرجان جرش في صيف عام 2008، ثم قررت حكومة الدكتور معروف البخيت لاحقاً استئناف مهرجان جرش صيف عام 2011 بعد غياب 3 سنوات، ومنذ ذلك الحين يقام المهرجان بشكل منتظم في الشهر السابع من كل عام، ويعتبر مهرجان جرش أحد المهرجانات العربية الفنية والثقافية المهمة على الساحة العربية، ويحظى المهرجان بمكانة مهمة في نفوس الأردنيين والعرب، ويولي المهرجان أهمية كبرى لنشر الثقافات المختلفة واحتضان الفنانين المحليين والعرب، كما عرف المهرجان بمشاركة نجوم كبار أمثال السيدة فيروز وسميرة توفيق ووردة الجزائرية ومحمد عبده، وغيرهم.

المراجع :

  • محمد ربيع الخزاعلة ، الأوائل في تاريخ الأردن الحديث ، ص 130-131 ، 2003
  • ربى البطاينة ، مهرجانات جرش ، عمان 1981م ، ص 9
  • ربى البطاينة ، مهرجانات جرش ، عمان 1981 ، ص 12
  • الموقع الالكتروني للمهرجان http://jerashfestival.jo/

أول مهرجان أردني

    تناولنا في موجز سابق  أول صحيفة رسمية صدرت في الأردن عام 1923 ، وتطورت المسيرة الاعلامية والمطبوعات والنشر منذ ذلك الحين ، لتتوسع وتصبح إصدارات الصحف بشكل يومي، وتعتبر صحيفة الدستور أول صحيفة يومية في المملكة الأردنية الهاشمية، حيث صدر العدد الأول منها في 28/3/1967م (عن الشركة الأردنية للصحافة والنشر)، والتي جاءت نتيجة لتوحيد صحيفتي فلسطين وصحيفة المنار، وقد جاء هذا التوحيد في أعقاب صدور قانون دمج المطبوعات، وأصبحت الجريدة تصدر يومياً بإسم الدستور، وكان أول رئيس تحرير لجريدة الدستور المرحوم محمود الخيمي .

المراجع :

محمد ربيع الخزاعلة ، الأوائل في تاريخ الأردن الحديث ، ص 129 ، 2003

أول صحيفة أردنية يومية

 

    في الأول من آذار 1956م تم تعريب الجيش الأردني، وفي ذلك الحين أُعفي الفريق كلوب باشا من قيادة الجيش، وهو الذي كان قائدا ً للجيش منذ (1939 – 1956)، وقد حل محله اللواء راضي عناب، بعد ترقيته من رتبة زعيم. وراضي حسن عناب من مواليد عام 1898م، درس في دار المعلمين في بيروت، ونظراً لفشل الاحتلال العثماني في تأمين بيئة تعليمية ، فقد توجه راضي عناب للعمل في الجيش العثماني في ذلك الوقت قبل أن ينحاز لوطنه بعد ما شاهده من ظلم وتمييز ضد أبناء جلدته ، فانضم راضي عناب للمشاركة في الثورة العربية أسوة بغيره من الضباط الأردنيين والعرب الأحرار أمثال علي خلقي الشرايري ومحمد علي العجلوني وخلف التل وغيرهم، والتحق في عهد الإمارة بالجيش الأردني في 2/5/1921 برتبة ملازم. وكان قد أشغل العديد من الوظائف، منها: قائد منطقة الخليل، وقائد منطقة القدس، وأخيرا ً رئيس أركان حرب الجيش الأردني عام 1956م، وهو أول من تولى هذا المنصب، وبنفس العام أُحيل على التقاعد، وحل مكانه اللواء علي أبو نوار.

المراجع :

  • محمد ربيع الخزاعلة ، الأوائل في تاريخ الأردن الحديث ، ص 47  ، 2003
  • تاريخ الجيش العربي الأردني (1921-1967) ، العميد الركن المتقاعد فاروق نواف السريحين ، ص 326 .

أول قائد للقوات المسلحة الأردنية

    

صدر هذا القانون في الأردن باسم قانون خدمة العلم والخدمة الاحتياطية، قانون رقم (1) لسنة 1976م، وقضت أحكام المادة الثالثة منه، بأن يكلف بخدمة العلم كل أردني ذكر يكمل الثامنة عشرة من عمره عند نفاذ هذا القانون، وينتهي التكليف عندما يبلغ المكلّف الأربعين من عمره. أما تأجيل الخدمة فقد أعطيت الأولوية فيه لطلاب العلم، وقد نظم القانون شروط تأجيل خدمتهم، بموجب أحكام تُراعي تحصيلهم العلمي، ومقتضيات المصلحة العامة في نفس الوقت.

المراجع :

  • محمد ربيع الخزاعلة ، الأوائل في تاريخ الأردن الحديث ، ص 49 ، 2003.
  • الموسوعة الأردنية ، الدكتور وديع شرايحة (وآخرون) ، الناشر مصطفى علي العتوم – دار الكرمل للنشر والتوزيع ، عمان 1989م.

أول قانون لخدمة العلم الأردني

Scroll to top