معان – الحسا – الفريفرة

 

مقدمة

 الحسا هو الإسم الذي يطلق على منطقة واسعة تمتد من منطقة وادي أبو الكرات شمالا وحتى وادي القلاب جنوبا ومن مناطق وادي الرواق ووادي المتدهنات غربا حتى قصر مشيش ووادي المشيش شرقا.

 وقد بنى العثمانيون في الحسا قلعة عسكرية تركية كبيرة لإحكام السيطرة على المنطقة وتم رصف الطريق المارة بالقرب منها كانت هذه القلاع العسكرية و المخافر هي البنى التحتية الوحيدة التي تركها العثمانيون خلفهم، أما محطة الحسا والقلعة فتقع في بداية وادي الحسا الذي يعتبر مقتربا طبيعيا باتجاه الطفيلة والكرك، وهو كثير التعرج وصعب المسالك تربته ذات طبيعة رملية في بعض المناطق.

  وقد كان الوادي سببا رئيسيا في فشل حملة الجنرال التركي حامد فخري التي انتهت بهزيمة منكرة في حد الدقيق في 25 / 1 / 1918 ، ونفس الوادي ومنطقته كانت سببا في الحيلولة دون تحرير محطة الحسا وقلعتها .

 العمليات العسكرية في الحسا

       اتخذت قوات الثورة من منطقة وادي الحسا في الجزء الغربي بعد القلعة منطقة انطلاق لتنفيذ هجماتها العسكرية على القطرانة والحسا وفريفرة، ويذكر المؤرخ سليمان الموسى في كتابه تاريخ الأردن بين الماضي والحاضر أن مفرزة من قوات الثورة بقيادة الشريف ناصر تمركزت في وادي الحسا ونفذت عملياتها ضد خطوط المواصلات العثمانية، وقامت بهجوم يوم 15 أيار 1918 على محطة الحسا فطهرتها ودمرت جانبا من سكة القطار العسكري، ولكن في 16 أيار 1918 هاجمها العثمانيون مرة أخرى واستعادوها ولم يتوقفوا عند ذلك بل هاجموا قوات الثورة في وادي الحسا واجبروها على تغيير موقعها .

hasa
محطة و قلعة الحسا

 

qalaat-al-hasa
قلعة الحسا

 

وعندما اشتدت العمليات في المنطقة حشد العثمانيون وحلفائهم قوة تزيد على الثلاثة آلاف في محطات القطرانة والحسا وعنيزة وتوّلت هذه القوات المؤلفة من جنود نمساويين وألمان وأتراك إدارة محطات سكة القطار العسكري، وتزودت بمدافع 105 ملم وهي الأكبر عيارا في المنطقة مقارنة مع أسلحة قوات الثورة الخفيفة، وكان الأمير زيد بن الحسين قائدا لمسرح العمليات وقد تولى قيادة القوات التي كان ضمن مسؤولياتها مهاجمة محطات القطرانة والحسا وجرف الدراويش وعنيزة و تطهيرها.

مفرزة سيل الحسا

    بعد معركة أبو الجردان الثالثة (بداية أيار 1918) تقرر تشكيل مفرزة تقوم بالمهمات التالية :

  1. مهاجمة المواقع العسكرية العثمانية في الشمال في الحسا والقطرانة وفريفره.
  2. تدمير قضبان سكة حديد القطار العسكري وتفجير الجسور والعبارات .
  3. منع وصول أية امدادات أو نجدات إلى الجنوب خاصة إلى معان .
  4. يكون مركز هذه المفرزة في سيل الحسا .

عمليات المفارز العسكرية

  • عملية ضد الحامية العثمانية في محطة القطرانة في شهر أيار 1918 وتم أسر عدد من الجنود الأتراك ولكن لم تتمكن المفرزة من الاستيلاء على المحطة لأن الهجوم نفذته قوات غير نظامية لم تمتلك أسلحة مناسبة مثل الرشاشات والمدفعية .
  • تنفيذ هجوم لاحق للهجوم الأول على القطرانة مباشرة في اليوم الثاني لكن دون نتيجة .
  • تنفيذ هجوم ثالث في 12 أيار وكانت النتيجة مماثلة للهجومين السابقين .
محطة القطرانة و آبار تجميع المياه حولها 1918

  لقد كانت الهجمات هذه بمثابة اختبار لقوة المفرزة وقدرتها على تنفيذ الواجبات المطلوبة مما استدعى إعادة تشكيل المفرزة لتخدم المهمة وتحقيق الهدف وأعيد التشكيل كما يلي :

  1. القائد الشريف ناصر بن علي
  2. قائد المفرزة النظامية راسم سردست
  3. سرية المشاة
  4. سرية رشاش لواء الهاشمي بقيادة البطل صبحي العمري.
  5. مدفعان جبليان
  6. مفرزتي تدمير لسكة القطار العسكري
  7. فصيل نقليات
  8. سرية هجانة مؤلفة من 20-25 هجّان .

وتقرر هذا التشكيل في معسكر الفجيج وانطلقت هذه المفرزة لتأخذ موقعها في سهل الحسا في الجزء الشرقي منه بالقرب من القلعة، واخذت تسميتها منه لتصبح مفرزة سيل الحسا .

معركة الحسا

    تحدثنا عن تنظيم قوات الثورة ( مفرزة سيل الحسا ) الذي تقرر في الفجيج، وقد شرعت قوات الثورة بتنفيذ خطتها ضد الحامية العثمانية في الحسا التي شكلت من  سرية مشاة تركية وسرية رشاشات تركية، علما أن المحطة كانت محصّنة تماما من قبلهم ومحاطة بالأسلاك الشائكة وحقول الألغام، وعليه فقد وضعت خطة قوات الثورة كما يلي :

  1. الاستطلاع : وتم التنفيذ يوم 22 أيار 1918 من قبل قائد المفرزة راسم سردست ومعه قادة القطاعات .
  2. الحركة : التنفيذ صباح 23 أيار 1918 حيث حملت القوات المهمات القتالية وتركت المهمات الادارية في المعسكر في سيل الحسا.
  3. التنفيذ :
  • تقوم المفرزة الأولى بتدمير خط القطار العسكري من الجهة الجنوبية.
  • تقوم مفرزة التخريب الثانية بتدمير خط القطار العسكري من الجهة الشمالية.
  • تتقدم سرية رأسا من الغرب لتهاجم المحطة وتستولي عليها مستفيدة من الطيات الارضية والمنحدرات غرب المحطة.
  • توضيع الرشاشات على مسافة 500 متر غرب المحطة بالاستفادة من الساتر والمرتفعات.
  • توضيع المدفعية خلف سرية الرشاش لقصف المحطة

 ولكن يبدو أن التوقيتات وتنسيق الخطة كان ضعيفا فأثناء تقدم السرية باتجاه الهدف والذي كان بطيئا بدأت التفجيرات في الشمال وجنوب المحطة وتجميع جنود القوات غير النظامية حول الرشاشات والمدافع، ورغم كل ذلك فقد سارت الخطة بشكل جيد وما أن وصلت القوات إلى مشارف المحطة حتى خرج الضباط والجنود الأتراك رافعين أيديهم فهاجمتهم القوات غير النظامية وكانت النتائج كما يلي :

  • استسلام 65 جنديا تركيا منهم ثلاثة ضباط.
  • الاستيلاء على رشاش
  • تقدم مفرزتي التخريب وتلغيم منشآت المحطة .

     ويلاحظ هنا على هذا الهجوم أنه كان هجوم إغارة حيث أصبحت العمليات العسكرية تتجه نحو التدمير والاستنزاف ولا تستهدف السيطرة والتثبيت لأن الحاجة كانت ماسة لحركة قوات الثورة الدائمة في كل مكان لضرب العدو العثماني في الأماكن المختلفة خاصة وأن حجم قوات الثورة كان قليل نسبيا قياسا بحجم وعدد القوات والمواقع العثمانية، ومن هنا فإنه لا مجال لتثبيت قوات الثورة في مواقع معينة لأن ذلك يعني حصر القوات وتثبيتها واخراجها من العمل لفترة ما، وهذا ما حصل في جرف الدراويش وفي محطات ومواقع استراتيجية أخرى مختلفة .

العمليات العسكرية لمفرزة سيل الحسا

      حدثت عمليات متفرقة في المنطقة شاركت فيها مفرزة سيل الحسا التي تمركزت في منطقة نبع مياه على طريق الكرك والطفيلة وقد قامت المفرزة بالعمليات التالية :

  • الحركة باتجاه المحطة (محطة الحسا) للهجوم عليها وقبل الخروج من الوادي وفي طرفه الشرقي هاجمتهم عدد من الطائرات الألمانية، وقد سقط عدد من الشهداء والجرحى فانشغلت قوات الثورة بتصليح الأوضاع ودفن الشهداء ومعالجة الجرحى وألغي الهجوم على المحطة
  • وردت معلومات عن قرب وصول قطار تموين وامداد للحامية العثمانية في الحسا، فتمركزت القوات على الهضبات غرب المحطة بانتظار القطار العسكري، ووصل القطار محروسا من قبل فوج مشاة ومدفعين وسرية رشاش ولم تستطع قوات الثورة فعل شيء بمواجهة كثافة قوات الحراسة العثمانية بل تعرضت للنيران التركية وأجابت المدفعية ببضع طلقات ثم توقفت اقتصاديا بالقذائف .
  • في 22 حزيران 1918 وردت معلومات عن تقدم قوة عثمانية باتجاه مفرزة سيل الحسا تشكلت من سرية مشاة وسرية رشاش ومدفعي صحراء ورعيل خيالة، وقد اتخذت قوات الثورة مواقعها الدفاعية وبدأت في المشاغلة من الجهات الثلاث فتراجع العدو وقد خلف (20) قتيلا نصفهم من الخيالة ووقع (15) اسيرا تركيا و ألمانيا بينهم ضابط .

      أما في يوميات الأمير زيد فقد ورد أن قوات الثورة قد دمرت محطتي الحسا وفريفرة في 28 نيسان 1918 وورد أيضا أنه في 25 ايار 1918 استولى الشريف ناصر على محطة الحسا وأسر 60 عسكريا ركيا ورشاش، أما في 6 ايلول 1918 فقد أورد الأمير زيد ما يلي :

” تعرض الأتراك على مفرزة وادي الحسا وموجودها مدفع مصري عدد (3) ورشاش مكسيم عدد (2) و (35) جنديا وقسم من البادية وهي بقيادة محمد بن عريد، وبعد قتال ثلاثة أيام اضطرت المفرزة المذكورة إلى الانسحاب إلى الرشادية ومنها إلى الشوبك بسبب نفاذ الذخيرة…، شهداؤنا (6) من فرسان عشيرتي النعيمات والقضاة والجرحى (10) من فرسان عشيرتي النوايسة والقضاة “.

معركة فريفرة 14 ايار 1918

      تقع محطة الفريفرة 11 كلم شمال محطة الحسا و18 كلم جنوب محطة المنزل، ومنطقتها سهلية واسعة تمتد لجهة الشرق بينما ترتفع قليلا نحو الجنوب وتستمر في الارتفاع غربا ً لتتجاوز 900 متر، والمحطة تقع غربي خط القطار العسكري مباشرة ، والى الشمال منها بحوالي 1,5 كلم بركه ماء .

منطقة فريفرة

      نلاحظ أن المنطقة من المنزل حتى معان توجد فيها محطات متقاربة ، فمحطة المنزل لا تبتعد عن فريفرة اكثر من 14 كلم، وفريفرة لا تبتعد عن الحسا أكثر من 11 كلم، والحسا لا تبعد عن جرف الدراويش أكثر من 20 كلم، فإذا ما اعتبرنا المحطات على أنها مواقع عسكرية ومناطق دفاعية فإن تقارب هذه المحطات يعني الاهتمام بهذه المنطقة يأتي للأسباب التالية :

  1. تقع في هذه المنطقة المداخل الرئيسية والمقتربات المؤدية الى المنطقة الحيوية في الغرب فنلاحظ وجود مقترب جرف الدراويش – الطفيلة، ومقترب وادي الحسا – الطفيلة، ومقترب عنيزة – الشوبك .
  2. تسيطر هذه المنطقة على سلسلة من الطرق الفرعية الصحراوية التي تتجه شرقا وجنوبا خاصة طريق القوافل والتزويد .
  3. تتوفر فيها مصادر مياه جيدة إضافة لوجود محطات تستخدم كمستودع مياه احتياطي مثل محطة الجردون .
  4. تعتبر هذه المحطات خط دفاع أساسي عن الحامية العثمانية في معان وتغلق المنطقة الشمالية والشرقية منها .

العمليات العسكرية في الفريفرة

 محطة وموقع فريفرة كانت هدفا لقوات الثورة حيث أغارت عليها عدة مرات وقد أوضح الأمير زيد في أوراقه العمليات العسكرية ضد الحامية العثمانية في فريفرة، والتي كانت معسكرا لقوات من الفرقة التركية ( 25 ) حيث ضمت حوالي 200 جندي أي ما يعادل كتيبة وكانت العمليات ضدها ما يلي:

  • 1/5/1918 قامت قوات الثورة بتدمير محطة الفريفرة وأسرت 180 جنديا وحصدت 4 رشاشات.
  • 7/5/1918 وصل طراد بن نويران وأخبر عن تخريب سكة القطار العسكري عند الفريفرة.
  • 10/5/1918 وصل خبر من ابن عريد وأخبر عن أخذ ستة أسرى أتراك من الفريفرة
  • 25/5/1918 استولى الشريف ناصر على محطة الفريفرة وأخذ 25 جنديا أسيرا و 7 ضباط أتراك و ألمان ورشاش.
  • 14 حزيران 1918 استقدم العثمانيون قوّة من القطرانة لإصلاح الخط في منطقة فريفرة .
  • 17 حزيران 1918 عزّز العثمانيون محطة فريفرة بمائتي خيال تركي.
  • 21 حزيران 1918 أرسلت تعزيزات من الفريفرة إلى الجردون تألفت من 100 بغل وجمال محملة بالمؤن، وتصدت قوات الثورة لها وقتلت 12 جنديا تركيا.

حـ. 22 حزيران 1918 وقعت معركة في الفريفرة مع العدو العثماني الذي تقدر قواته بطابورين (650) جندي وأربعة مدافع و 18 رشاش إضافة لقرب وصول نجدات من الفرقة ( 25 ) التركية، كانت نتيجة المعركة سقوط 25 جنديا تركيا قتلى وأسر ملازم ثان و 12 جنديًا والاستيلاء على أربعة بغال وحصانين.

سير معركة فريفرة

       أما عن سير معركة فريفرة فقد أورد البطل صبحي العمري في كتابه أوراق الثورة العربية الكبرى أن قوة الهجوم كانت بقيادة الشريف ناصر بن علي ومعه الشيخ البطل عودة أبو تايه وولده محمد وتشكيلة بقيادة راسم سردست، وكما يلي :

  • سرية مشاة
  • مدفعية
  • سرية رشاش بقيادة صبحي العمري.
  • قوات الحويطات بقيادة الشيخ عودة أبو تايه.
  • قوات من عشيرة الحجايا بقيادة الشيخ جلال أبو جفين.

للإطلاع على تضحيات و بطولات نشميات عشائر الحجايا في معارك الحسا انقر هنا 

وقد تحركت هذه القوات من معسكرها في وادي الحسا إلى الجنوب الغربي في 24 أيار 1918 لتقوم بالعملية وفقا للخطة التالية :

  • تتمركز المدفعية غرب المحطة في التلال المرتفعة قليلا لتشاغل بقذائفها قوات المحطة .
  • تتقدم سرية المشاة من الغرب باتجاه المحطة متجاوزة مواقع المدافع التي تسندها ومعهم قوات الحجايا بقيادة الشيخ جلال ابو جفين .
  • تتمركز سرية الرشاش في مرتفع 903 شرق المحطة.
  • يهاجم الشيخ عودة ابو تايه المحطة من جهة الشرق بإسناد نيران سرية الرشاش.

أخذت القوات مواقعها حسب الخطة المرسومة للهجوم على العدو الذي قدرت قواته بسرية هجانة وسرية رشاشات وعدد من التحصينات من الأسلاك الشائكة.

ويذكر صبحي العمري أنه قبل البدء بتنفيذ الخطة شاهد مجموعة من الفرسان حوالي ( 50 فارسا ) من جنوب المحطة يتأهبون للهجوم عليها والمسافة بينهم وبين المحطة مكشوفة وتقدر بثلاثمائة متر، وإن نفذوا الهجوم كانوا سيكونون تحت تأثير نار رشاشات سريته ونار رشاشات العدو فذهب اليهم وكانوا بقيادة الشيخ عودة أبو تايه فقابله وأخبره بخطورة هذا الهجوم على أرواح الفرسان، لكن الشيخ عودة أبو تايه وفرسان عشيرته كانوا متحمسين للهجوم ومصرين عليه، فأخبره صبحي العمري بخطة سريعة و بديلة لتنفيذ رغبته تفاديا للخسائر الجسيمة فقدّم الإسناد الناري لهم وتقدموا حتى أصبحوا على بعد مائة متر تقريبا فشنوا هجومهم ووصلوا إلى الأتراك وهم منبطحين في خنادقهم .

odeh
الفارس البطل عودة أبو تايه

 وواصلت مدفعية قوات الثورة قصفها للمحطة وأوقفته عندما أصبحت قوات الفرسان في داخلها، وتقدمت القوات الراجلة من الجهات الثلاث الشرقية والغربية والجنوبية، واستسلمت حامية المحطة التي وجدت نفسها محاطة من قوات مندفعة مصممة على تحقيق الهدف، وقد كانت الخسائر التركية خمسة ضباط أتراك و ألمان و 125 جنديا أسيرا.

وكانت العمليات العسكرية في فريفرة قد كشفت قدرات قوات الثورة، وتراجع الرهبة من الهجوم على التحصينات والخنادق مثلما ظهر في حماس الفارس البطل عودة أبو تايه للهجوم على تحصينات العدو العثماني .

المراجع :

  1. الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر،2011 .
  2. التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  3. الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  4. المعارك الأولى : الطريق إلى دمشق، صبحي العمري، رياض الريس للكتب والنشر، 1991.
  5. أوراق الثورة العربية، صبحي العمري، رياض الريس للكتب والنشر، 1991.
  6. الثوره العربية الكبرى، مصطفى طلاس، مجلة الفكر العسكري، 1978

 

المسار السابع عشر لمعارك التحرير

معان – وادي موسى

 

مقدمة

 وادي موسى منطقة جبلية الى الغرب من معان بحوالي 43 كلم تقع ضمن سلسلة جبال الشراة وأعلى مرتفعاته 1257م ، وغرب هذه المنطقة جبل النبي هارون الذي يقوم عليه مقام النبي هارون وارتفاعه 1257 م والمنطقة الى الغرب هي صخرية صعبة المسالك تنحدر بالتدريج باتجاه وادي عربة، أما منطقة الوادي الشرقية فهي تنخفض أيضا بالتدريج لتصبح جزءا من السهول الواسعة شمال معان أما في الجنوب والشمال فتشكل امتدادا لسلسلة جبال الشراه ، ووادي موسى هو المدخل الى المنطقة وفي بدايته عين موسى بارتفاع 1443 م .

9.indd
مقام النبي هارون

أهمية المنطقة

      اكتسب منطقة وادي موسى أمية خاصة في أحداث الثورة العربية الكبرى و عملياتها العسكرية على الأرض الأردنية خاصة بسبب موقعها الاستراتيجي، فقد خصص الأمير فيصل بن الحسين القائد العام لجيش الثورة الشمالي حملة عسكرية من قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية بقيادة البطل مولود مخلص لتتعامل مع منطقة وادي موسى وتكمن أبرز أهداف هجوم قوات الثورة على وادي موسى و الرغبة بالسيطرة عليها بالتالي :

  1. احكام الحصار على الحامية العثمانية و الضبّاط الألمان معان من جهة الغرب فهي تبعد 43 كلم تقريبا من الغرب باتجاه الشمال .
  2. حرمان العدو العثماني من مصدر الأخشاب ومصدر الخضروات والفواكه وكذلك المياه التي تشتهر بها المنطقة، فقد عاث العثمانيون تدميرا للثروة الحرجية و المائية لوادي موسى عبر تقطيعهم المكثف للأشجار لاستخدام الأخشاب في بناء سكة القطار العسكري و من ثم تجديده و استغلاله فمه كوقود للقطار ما أكد على ضرورة ايقاف هذا التدمير و الاستغلال العثماني البشع للطبيعة.
  3. السيطرة على المنطقة يسهل العمليات العسكرية المقبلة للانتقال إلى الشوبك التي لا تبعد اكثر من 30 كلم لجهة الشمال وبالتالي حرمان هذه المنطقة من الحماية الخلفية .
  4. تأسيس نقطة اتصال عبر وادي عربه مع قوات الحلفاء التي تتحرك في جهة فلسطين .
  5. الاتصال بمناطق آهلة بالسكان، فقد كان يسكن منطقة وادي موسى والطيبة والراجف عرب اللياثنة من احفاد الأنباط وغيرهم من العشائر الأردنية وقد أسهموا بشكل فاعل في عمليات الثورة العربية الكبرى عبر انضمامهم لأشقائهم من فرسان العشائر الاردنية في الثورة .
4jpg
وادي موسى

الخطة العسكرية للسيطرة على منطقة وادي موسى

      وضعت خطة العمليات العسكرية لحركة جيوش الثورة العربية الكبرى في القويرة واستهدفت الخطة السيطرة وتحرير الأراضي الأردنية انطلاقا من القويرة باتجاه الشوبك ووادي موسى والطفيلة بقيادة الشريف مستور والشريف عبدالمعين ومولود مخلص والشريف ناصر اضافة إلى مجموعة واسعة من شيوخ وفرسان العشائر الأردنية كان منهم الشيخ عودة أبو تايه و الشيخ حمد بن جازي، وقد عُيّن الأمير زيد بن الحسين قائدا لهذه الأرتال كما بيّنا في الأبحاث السابقة من مسارات الثورة، وقاد الأمير زيد ومعه جعفر العسكري قوة عسكرية اتجهت من أبي اللسن باتجاه الطفيلة مرورا بالشوبك ووادي موسى واعتبرت هذه القوة كاحتياط عام للأرتال الثلاثة التي تحركت حينها .

290jpg
رتل من هجانة قوات الثورة بقيادة جعفر باشا يحمل راية الثورة في طريقه لوادي موسى

الرتل الأول : بقيادة الشريف مستور ويعاونه فرسان عشيرة الجازي من الحويطات وهدفه تحرير الطفيلة.

الرتل الثاني : بقيادة الشريف ناصر ومعه نوري السعيد رئيس أركان حرب القوات النظامية بالتعاون مع فرسان عشيرة التوايهة من عشيرة الحويطات وعشائر بني صخر وهدفه تحرير جرف الدراويش .
الرتل الثالث : بقيادة الشريف عبدالمعين وهدفه تحرير الشوبك .

 و كانت وادي موسى في كل أوامر العمليات وبناء الخطط العسكرية في المنطقة على درجة من الأهمية لموقعها وخصبها وكثافة السكان النسبية فيها في تلك الفترة وقد كانت جبهة عمليات الجيش الشمالي للثورة تمتد من العقبة إلى القويرة ثم دلاغة مرورا بمناطق وهيدة وسهل الفقي وصولا إلى وادي موسى وهذا الامتداد يحدد جبهة العمليات من الجهة الغربية .

284jpg
معسكر القائد مولود مخلص في وادي موسى

الحرب في وادي موسى

     شهدت وادي موسى أكثر من عملية عسكرية ولكن هناك عمليتين عسكريتين رئيسيتين، وكانت القوات التى وصلت وادي موسى تتألف من :

300 جندي نظامي بين هجان وبغال و مدفعين جبليين و 4 رشاشات إضافة إلى عدد من فرسان العشائر الأردنية من عشائر اللياثنة الذين ساهموا في أعمال الدوريات والحراسة .

 كان ذلك فى في شهر تشرين أول 1917 وكان البرد قارصا جدا والجنود يحيون حياة بائسة في تلك الظروف القاسية التي لا يملك الجندي منهم سوى بطانية واحدة تحميه من شدة البرد مقابل الرغد و كثافة المؤن التي كان تملكها القوات العثمانية المحتلة .

وكنا قد أوردنا تفاصيل معارك وادي موسى في البحث الخاص بمسار معارك التحرير في  معان.

المراجع :

  1. الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر،2011 .
  2. التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  3. الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  4. المراسلات التاريخية 1914-1918 : الثورة العربية الكبرى. المجلد الأول / أعدها وحققها وكتب حواشيها وترجم بعضها سليمان الموسى ، 1973.
  5. مولود مخلص ( بطل معركة وادي موسى في الثورة العربية الكبرى )، تأليف سليم طه التكريتي، بغداد .

 

المسار السادس عشر لمعارك التحرير

 معان – الجردون – الكوبانية الحمراء – عنيزة

مقدمة

     كان واضحا أن هدف الحلفاء هو ابقاء قوات الثورة العربية الكبرى فى المنطقة الجنوبية وأن لا تتجاوز هذه القوات منطقة الطفيلة شمالاً، وأدرك جيش الثورة و فرسان العشائر الأردنية هذا الهدف تماما، خاصة من خلال سلوك قوات الحلفاء والمدفعية الفرنسية المساندة لقوات الثورة التي كانت تحجب القذائف وتوقف القصف حين يشعر هؤلاء أن فرسان العشائر الأردنية على وشك تحقيق نصر ما.

       بدأت قوات الثورة بالتحرك نحو الشمال وأخذت تتعامل مع الأهداف العسكرية ، فكانت منطقة الجردون ومحطتها من الأهداف الهامة، فرغم أن هذه المحطة صغيرة وعلى مسافة 17 كلم إلى الشمال من معان إلا أنها مهمة  ووقعت فيها وحولها أربع معارك كبيرة، تاليا تفصيلها :

محطة الجردون

     محطة الجردون أو( الجردانة ) تقع في سهل منبسط شمال معان بحوالي 15 كلم وهي ذات أهمية استراتيجية عظمى بالنسبة لمحطة معان، لذا فقد قررت قوات الثورة في مؤتمرها العسكري الذي ترأسه الأمير فيصل وحضره قادة الثورة و شيوخ العشائر الأردنية وعدد من المستشارين الانجليز والفرنسيين من قوات الحلفاء مهاجمة محطة الجردون وتحريرها لعزل القوات العثمانية و حلفائها من الألمان و النمساويين في معان من الشمال وقطع خطوط الامداد التي كانت تغذي قوات الاحتلال العثماني في معان من عنيزه والجردون إضافة لتحرير محطة غدير الحاج جنوب معان لنفس الغاية، وقد نجح جيش الثورة لاحقا في تحرير محطة غدير الحاج.

125jpg
عدد من فرسان الثورة في حملة عسكرية قرب منطقة غدير الحاج

 معركة أبو الجردون الأولى

لم تكن هذه المعركة لتكون الأولى ، لولا حصول معارك متتالية في المنطقة ذاتها حتى وصلت إلى أربع عمليات رئيسية، ولم يستطع جيش الثورة الاحتفاظ بهذه المحطة فكانت الهجمات خاطفة وتدميرية لا تستهدف السيطرة التامة لأن هذا يعني تخصيص جزء من القوات للبقاء فيها فقد كان العرب يحتاجون للقوات لحصار قوات الاحتلال العثماني في معان وتشديد القبضة عليها لتحريرها بالسرعة الممكنة حتى يمكنهم الالتحاق شمالا بقوات الثورة العربية  الكبرى.

وقد ورد في أوراق البطل صبحي العمري أن المعركة قد حدثت في نيسان 1918 دون تحديد بدء المعركة ، وورد في يوميات الأمير زيد  ما يلي :

10 نيسان 1918 : تعرضنا على محطة أبو الجردان وضبطناها وأسرنا 112 جنديا وغنمنا 3 رشاشات وألحقنا بالقطار العسكري تعطيلا مهما، أما مولود مخلص فيذكر في مذكراته أن الهجوم قد وقع يوم 12 نيسان .. وفي كتاب تاريخ الاردن بين الماضي والحاضر لسليمان الموسى ومنيب الماضي ذكروا أن الهجوم قد بدأ في فجر 11 نيسان 1918 بقيادة جعفر العسكري .

 

خطة المعركة

      وقعت المعركة فوق ارض الجردون لجهة الغرب حيث تحركت القوة بكاملها من منطقة عين نجل بقيادة جعفر العسكري وفي يوم من أيام نيسان تحركت قوة الاستطلاع إلى المحطة لوضع الخطة بقيادة رشيد المدفعي وقد كانت الخطة على النحو التالي :

اتجاه الهجوم : من الغرب

الهجوم : قصف تمهيدي من المدفعية ثم تتحرك القطعات

وتاليا تفصيل المعركة كما أوردها البطل صبحي العمري :

شرعت المدفعية بالقصف ثم شرعت المشاة بالتقدم ، وتقدمت بسريتين خلف المشاة وخلف الفجوة التي بين الفوجين، وفتحت النار من  أول موضع من مسافة ثمانمائة متر ، وقد أصبحنا تحت نار العدو المؤثرة ، وبعد قليل تقدمنا بقفزة أخرى إلى مسافة مائة متر اخرى وبدأت اصابات تقع في جنود المشاة المتقدمين  .

وقفزنا قفزة أخرى بحيث أصبحت الرشاشات على مسافة خمسماية متر عن العدو، وتعتبر هذه المسافة في مثل هذه الأرض المنبسطة غير ملائمة للرشاش وغير معقولة ، ولكنني أردت تشجيع المشاة ، وسقط من سريتي أول جريح وأعقبه جريحان وكثرت الإصابات في المشاة ووقفت عن التقدم على مسافات متفاوته بين 200 – 300 متر وهذا يعتبر موقعا خطرا فالمسافة  أصبحت قريبة للعدو بحيث أصبح بإمكان رماته ايقاع اصابات مؤثرة من هذه المسافة القصيرة .

وفي هذه الأثناء مر من جانبى ضابط اسمه عباس على حصانه هاجما على العدو ولما صار إلى جانبي صاح : ياصبحي اشهد، ولم يكد يبتعد ثلاثين مترا حتى خر صريعا وكان هذا الضابط مرافقا لجعفر العسكري . لقد وقف خط تقدم المشاة ولم يكن من الجائز أن تتقدم الرشاشات لأكثر من هذه المسافة بمثل هذه الأرض وقد أصبحت نيران رشاشاتنا متسلطة على استحكامات العدو (لأن طلقات الرشاش تكون واضحة مما تنشره من غبار )، ولما تيقنت من توقف تقدم المشاة أمرت هؤلاء الجنود بأن يتبعونى وشرعت بالتقدم بعد أن أوكلت بالرشاشات لأمر الرعيل الأول . ولما صرت في صفوف المشاة الأمامية صرنا ننخيهم (نحثهم) ونحن مستمرون في التقدم وبدأوا يتقدمون معنا .

        ولما وصلنا إلى مسافة نحو ثلاثين مترا من المحطة كانت آخر قنبلة وآخر صلية رشاش تقع عليهم لأنه ونحن في مثل هذه المسافة يجب أن يقطعوا نيرانهم ولم يبق أمامنا وأمام العدو سوى القنابل اليدوية والحراب . صحت بأعلى صوتي بالتركي (سلموا أحسن ما تموتوا ) ورأيت الجنود واقفين بحالة ذهول شاكين الحراب، أما نحن فلم يكن لدينا حراب وفي تلك اللحظة شاهدت ضابطهم شاهرا سيفه يقول لجنوده تهيئوا بالحراب عندها ألقيت إحدى القنبلتين اليدويتين اللتين كانتا معي وألحقتها بالثانية، وكانت حصيلتها هذا الضابط العثماني المسكين وعدد من جنوده وعند استيلائنا على المحطة رأيته قتيلا وقرأت هويته فكان من ( جنس اللاز ) وهم غير الأتراك وبلادهم في شمال الأناضول فأمرت بدفنه .

وأعقب ذلك عدة قنابل من جنودي وخفض جنود الاتراك رؤوسهم ضمن الخندق وهم يصيحون من داخله ( تسليم ) فطلبنا اليهم أن يتركوا سلاحهم في الأرض ويرفعوا أيديهم حيث استسلموا .

لا أذكر عدد الشهداء والمجاريح الذين قدمتهم المفرزة ولكن الشهداء من سريتي كانوا ثلاثة والمجاريح سبعة .

معركة الجردون الثانية

       ذكرنا أن عملية تحرير الجردان كانت تستهدف تدمير المحطة وحرمان العدو من منطقة امداد وتموين وتعزيز وإسناد خلفي من جهة  الشمال ، وحتى لا تبقى قوات الثورة بلا واجب أو عمل في هذه المحطة فقد تقرر اخلاؤها ( 17 نيسان 1918 ) أي بعد حوالي أسبوع تقريبا من تحريرها وقد عاد جيش الثورة إلى القيادة الرئيسية في (اوهيدة)، لكن ترك قوات الثورة للمحطة أسرع في عودة القوات العثمانية اليها وتشغيلها بسرعة قياسية إلى الحد الذي تمكنوا فيه من توصيل قافلة مؤن إلى حاميتهم في معان وساعد ذلك فى إطالة أمد الحصار وانقاذ الحامية في معان بعد أن كانت على وشك الاستسلام.
ومهما يكن فإن قوات الثورة وعملياتها العسكرية كانت نشيطة لا تقبل البقاء مستكينة في أي حال من الأحوال وتبحث باستمرار عن العدو وتشتبك معه، وقد أدرك العثمانيون هذه الصفة فأخذوا يتجنبون الاصطدام بقوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية حتى أخذوا يفرون من المواقع ويخلوها من تلقاء أنفسهم كما حصل في هذا الموقع .

T E LAWRENCE AND THE ARAB REVOLT 1916 - 1918 (Q 58836) The Mejlis outside Emir Feisal bin Husain al-Hashimi's tent at Nakhl Mubarak, near Yenbo. Copyright: © IWM. Original Source: http://www.iwm.org.uk/collections/item/object/205062789
مقر القيادة الرئيسية في اوهيدة

تفاصيل معركة الجردون الثانية

يقول البطل صبحي العمري في أوراقه :
(عقب معركة معان وفي 11 أيار 1918 تقرر القيام بمهاجمة محطة الجردون للمرة الثانية، وتقرر أيضا تشكيل القوة التي سنقوم بهذا الهجوم من الفرقة الأولى  من لواء الهاشمي ومدفعيته وثلاث طائرات بريطانية ومفرزتي تخريب ( تعطيل القطار العسكري ) ، كما تقرر إبقاء الفرقة الثانية في السمنات لمراقبة العدو وترصده وعهد بقيادة هذه القوة إلى رئيس أركان الجيش الشمالي نوري السعيد .

       تحركت هذه القوة من من الوهيدة في صباح يوم 10 أيار 1918 ووصلنا عصرا إلى غربي الهضاب التي غرب محطة الجردونة، وبينما كانت القطعات تشغل أمكنتها فى المعسكر اصطحب قائد القوة نوري السعيد كلا من أمراء الألوية والأفواج وأمر مفارز التخريب وذهبنا إلى الهضاب المشرفة على المحطة من الجهة الغربية . وهناك ابلغنا القائد خطة الهجوم وتقضي أن يجتاز السكة الحديدية من جنوب المحطة وتترجل في الأراضي المستورة التي جنوب الجسر وتراقب الجبهة .

        كما تراقب الجبهة الجنوبية كي نقاوم كل تقدم يجري من جبهات معان . تقوم سرية رشاش اللوء الهاشمي باجتياز السكة برفقة سرية الخيالة ثم تفترق عنها وتأخذ لها مواضع مناسبة في شمال الجسر الكائن جنوب المحطة لاسناد الهجوم لكلا اللوائين، واذا وقع أي تعرض من جهة الجنوب وقامت سرية الخيالة بمقاومته فإن سرية الرشاش عندئذ تسند بنيرانها تلك السرية، يقوم اللواء الثاني بالهجوم من غرب المحطة ونقوم مفارز التخريب بتعطيل خط  القطار العسكري من الشمال والجنوب قبل بدء الهجوم بساعة . تسند المدفعية وثلاث طائرات هجوم اللوائين.

وقد وزعت هذه الأوامر وبلغت عن الأراضي التي سيجري عليها الهجوم كما وزع مع الأمر جدول توقيت لساعة حركة كل قطعة من نقطة الشروع . أما القوة المخمنة للعدو فهي سريتا مشاة و 4 رشاشات ومدفعان .

      وقبل بزوغ الفجر تحركت كل قطعة في الوقت المعين نحو المكان المخصص لها، وفي الصباح الباكر بدأت الطائرات بالقصف كما فتحت المدفعية نيرانها على مواضع العدو وكنا نحن في مواضعنا ففتحنا نيران الرشاشات وكانت المسافة بينا وبين المحطة لا تتجاوز الثلاثمائة متر، لأن الارض كانت مساعدة لنا وتسترنا عن نظر العدو وشرع اللواءان بالتقدم من الشرق والغرب، وأصبح العدو بين نارهما بحالة حرجة وانشغل الاتراك عنا برمي مشاتنا، الأمر الذي شجعنا على التقدم لمواضع أقرب وكانت مواضع الأتراك تحت تأثير نيراننا الجانبية ومن مسافة  قصيرة بحيث لا يمكن أن تخطئ الإصابة الأمر الذي جعل أي واحد منهم لا يتمكن من رفع رأسه من الخندق، وكانت مشاتنا على مسافة خمسين مترا فقط من المحطة ومعي نحو عشرين جنديا من حاملي البنادق فتقدمنا إلى المحطة  والأتراك رافعي أيديهم ملقي سلاحهم وكان  أول من وصل بعدنا نوري السعيد ومرافقه مع عدد من المراسلين . قلت له : يا بيك نحن قبلك، قال : نعم وضحك. لقد كان في الثورة تقليد متعارف عليه وهو الاهتمام بمعرفة من سيصل قبل غيره الى الموقع المستولى عليها وفي اعادة يرفع ذلك الضابط الى رتب أعلى .

صور تظهر تدمير قوات الثورة للمحطة و القطار العسكري فيها

       وصلت الألوية الى المحطة وجمعت الأسرى فكانوا نحو 250 ودمرت المحطة والجسرين اللذين فى شمال وجنوب المحطة واشتركنا بتدمير الجسر الجنوبي للقطار العسكري الذي كان بقرب مواضعنا، وحوالي الظهر عدنا الى المعسكر الذي كنا فيه وفي اليوم الثاني عدنا إلى المعسكر فى الوهيدة، انني لا أذكر مقدار الخسائر التي اعطتها جميع القوة في هذه العملية انما سريتنا لم يقع فيها أية اصابة ).

الاستيلاء على جسر ابو الجردون

        ويكمل البطل صبحي العمري روايته بالقول : في أحد الأيام التي كنا فيها بالوحدة جاء مراسل من المقر بكتاب يعرضه على أمراء الوحدة وفيه طلب تطوع ضابط يرسل بمهمة خطيرة، وكان معسكرنا قريب من معسكر المقر فذهبت اليه وكان في خيمة نوري السعيد بعض ضباط المقر؛  قال : ترون الجسر الذي في شمال الجردونه فقد أصلحه الأتراك و عاد القطار العسكري لمسيره، فنحن لا نريد اجراء معركة لتخريبه بل نريد أن يذهب ضابط مع عدد من الجنود ومفرزة تخريب فيباغتون حامية الجسر ويستولون عليه ويعطلونه ويعودون في الليلة نفسها، وسنرفقه بالمقدار الكافي من المتطوعين من القطعات قلت : قبلت المهمة دون متطوعين عندي جنود أهل للقيام بها؛ أطلب فقط 40 قنبلة يدوية وعشرة خراف لوليمة لسريتي بعد عودتنا. قال : ويرافقك الرئيس ( ص) قلت اذا كان هو آمر المفرزة فلا لزوم لي و اذا كنت أنا آمرها فلا لزوم  له ….

وفي الصباح  الباكر تحركت مع عشرين جنديا راكبا وبغلين يحملان أربعة فناطيس “ماء” وبرفقتنا مفرزة التخريب للقطار العسكري،  وفي الضحى وصلنا الهضاب المشرفة على الجسر من جهته الغربية، وبعد أن وضعت الحيوانات في محل مستور خلف الهضبة بدأت الترصد بواسطة المنظار وكانت المسافة إلى الجسر نحو ستمائة متر وكان بين الجسر والهضاب مجرى سيل ناشف يتراوح عرضه بين الخمسة أمتار والعشرة ليشكل طريق تقرب مستور جيد . استمريت بتدقيق وترصيد كل حركة من حركات الحامية طيلة النهار دون أن أدع أحد يقترب مني حيث بقي الجميع عند الخيل بحالة راحة وذلك في الاحتراز من أن يشعر بنا العدو .

      كانت الرؤيا جيدة بالنظر للجو وقرب المسافة وكنت ارى كل شىء واضحا حتى أنني كنت أسمع الاصوات المرتفعة وكانت خيمهم السفرية الصغيرة منصوبة تحت الجسر، وكان لهم أربعة خفراء منفردين اثنان على شمال وجنوب السكة واثنان على حافتي السيل، أحدهم في شرق السكة والثاني في غربها ومسافة الخفراء على الجسر نحو مائتي متر . وفي حوالي الظهر جاءتهم من محطة الجردونة ( ترولي ) يظهر أنها اتت لهم بطعام وماء وقبل المغرب بنحو ساعة جرى تبديل الخفراء واختصرت مسافة الخفراء عن الجسر الى نحو المائة متر فعلمت من ذلك ترتيباتهم الليلية وقررت الخطة .

 و كانت الخطة التي قررتها هي أن نشرع بالحركة بعد ساعتين من الغروب، ننحدر أولا إلى ملتقى السيل بالهضبة ترافقنا مفرزة التخريب بمسافة خمسة امتار وتسير خلفنا مفرزة التخريب و عندما نصل إلى نقطة تبعد نحو مائتي متر عن المخفر الذي على الحافة الجنوبية من مجرى السيل نترك مفرزة التخريب ونبدل استقامتنا نحو الشمال الشرقي، وعندما نصبح في منتصف الزاوية المنفرجة التي بين الخفيرين الشمالي والغربي حيث يبتعدان عن بعضهما بمسافة مائتي متر تقريبا ونتجه شرقا باتجاه الجسر، وعندما نصل إلى السكة تكون بيد كل منا قنبلة يدوية جاهزة للرمي، فيرمي ثمانية منا قنابلهم إلى تحت الجسر بينما الثمانية الآخرون يجتازون السكة لجهتها الشرقية بسرعة ويلقون بقنابلهم الثمانية الأخرى إلى تحت الجسر أيضا وكل من يرمي قنبلة يتهيأ ببندقيته لمقابلة الاحتمالات المنتظرة ، وقبل الغروب جمعت جميع من سيرافقنا وافهمتهم الخطة من أعلى الهضبة  وأريتهم جميع الأماكن التي ستسيرعليها وعملنا تجربة لطريقة المسير المنفرد في السبيل ، وتحركنا في الوقت الذي قررناه وسارت الأمور على أحسن ما يرام فوصلنا الجسر وألقينا القنابل وكانت المباغتة ناجحة وكاملة وسمعنا صرخات الأتراك ينادون ” تسليم تسليم ” فناديت على جنودي : قفوا مكانكم ، وناديت الأتراك بالتركية أنه لا خوف على حياتهم ان تقدموا لعندنا بعد أن يتركوا سلاحهم . واستسلموا جميعهم حتى الخفراء الذين لم يصبهم الأذى، الخفير الذي في الجنوب يظهر أنه انهزم نحو محطة أبو الجردان، لقد كان مجموعهم ضابطا وعشرين جنديا قتل منهم الضابط وثمانية جنود وهرب واحد وستة مجاريح وخمسة  أسرى . وبينما كنا نجمع اسلحتهم وعتادهم أعطيت الإشارة لمفرزة التخريب بالتقدم فوضعنا خفراء حماية على شمال وجنوب السكة وباشرت المفرزة بعملها ونسف الجسر وجمعنا خفراءنا  وعدنا من الطريق الذي جئنا منه، و وصلنا  الوهيدة قرب الفجر .

وكنا ذكرنا سابقا أن الأتراك مثلوا بالأسير الوحيد الذي أخذوه أثناء معركة غدير الحاج واهتم الجيش بهذه المسألة وتبين من التحقيق مع  الأسرى أن الذي مثل به رئيس عرفاء تركي عرف اسمه وصفاته عساه  من الأسرى . وفي إحدى غارات الطيارات التركية علينا شاهدت بقرب خيمتي أسيرا  تركيا تنطبق عليه تلك الصفات؛ فسألته عن اسمه فكان هو الاسم فأرسلته مع جندي إلى المقر وظهر أنه نفسه، وبعد التحقيق اعترف وجرت له محاكمة سريعة وجرى اعدامه وأرسل بذلك كتاب إلى الأتراك لإعلامهم بتنفيذ حكم الإعدام عقوبة له ).

رواية البطل محمد علي العجلوني عن هذه المعركة

يقول العجلوني  عن معركة الجردون الثانية :

 ” والغارة على الجردون في المرة الثانية كانت في الوقت الذي كنا نلتحم فيه مع العدو في محطة معان التي سقطت جريحا فيها، وإني اذ أكتب الآن عن حوادث الجردونه انما اكتب نقلا عن مصادر وثيقة واستنادا إلى أقوال الذين ساهموا فيها من الضباط، والقوة التي زحفت اليها كانت مؤلفة من لوائين من المشاة وبطارية مدفعية ولواء من الفرسان، وكانت مهمة لواء الفرسان الترصد ومنع النجدات من محطة عنيزة شمال الجردونة، و استسلمت حامية المحطة بعد عراك دام بضع ساعات جرح خلالها قائد لواء الفرسان اسماعيل نامق .

mohammad-ali-ajlouni
البطل محمد علي العجلوني

 

معركة الجردون الثالثة

  يذكر صبحي العمري في أوراقه أن المعركة قد وقعت في 16 أيار 1918، وهو اليوم الذي اتخذت فيه قيادة الجيش القرار بمهاجمة المحطة، وعودة الى مذكرات الامير زيد بن الحسين وفي مذكراته نطالع رسالة وجهها الأمير زيد إلى الشريف الحسين بن علي من الفقي في 21/5/1918 يذكر فيها عن هجوم قوات الثورة الثاني والثالث الجردونة ويذكر ما نصه :

    (وهجمنا عليهم في المرة الثالثة و دخلنا استحكاماتهم وأخذنا مدافعهم ولكن مع مزيد الأسف بعد أن أرادوا التسليم وبالفعل سلم منهم 13 جندي، ورأوا جند الثورة متقدمة عليهم بكل بسالة وشجاعة غدروا بهم  وأطلقوا عليهم القابل اليدوية ….)

السلوكيات العسكرية التركية

     كان الهجوم العربي الثالث على هذه المحطة بمثابة الإزاحة الكاملة عن الستار الذي كان يغطي السلوكيات المليئة بالخسة و الغدر من قبل القوات التركية، لقد ارتفع سمو الأمير فيصل إلى مستوى الاخلاق الهاشمية عندما قرر صرف مكافأة لكل من يحضر أسيرا تركيا بدلا من قتله، ونجحت خطته ولم يعد هناك تركي أو غيره يقتل، بالمقابل فقد ظهرت في معركة الجردونة الثالثة السلوكيات التركية القذرة في التعامل مع الأسرى من خلال حادثتين :

الأولى : وهذا ما ورد فى كتاب الأوراق الأولى لصبحي العمري  وفي مذكرات الأمير زيد حيث تطابقت  الروايتان؛ حين قام الأتراك برفع الأعلام البيضاء استعدادا للتسليم فأوقفت قوات الثورة اطلاق النار وتقدمت من الجنود الأتراك لاستلامهم لكن المفاجأة كانت أن انهمر الأتراك بالرصاص والقنابل على جنود الثورة المتقدمين وأوقعوا فيهم الخسائر، واضطرت القوات للانسحاب من الموقع .

الثانية : وقع في أيدي الأتراك ستة جنود وجرحى كأسرى، وقام الأتراك بذبحهم ذبح الشياه وهذا أثار حفيظة قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية وهنا وجه الأمير فيصل بن الحسين إلى القائد التركي علي بك رسالة بهذا الخصوص ينذره فيها من تكرار هذه التصرفات من قبل قواته المخالفة لقوانين الحرب.

سير الهجوم الثالث على محطة الجردونة

رواية صبحي العمري في كتابه الأوراق الأولى

     وطلع الفجر وبدأ نورالنهار وبدأت مدفعيتنا بالرمي لتخمين المسافة وايجاد الهدف وبدأت مدفعية العدو بمقابلتها ، وبدأ المشاة بالتقدم ونحن خلفهم ودخلت قطعات المشاة ضمن المسافة المؤثرة فشرعت بالرمي والتقدم ، وادخلت الرشاشات في أول موضع رمي، وكان محمود الهندي مع رعيله الأول وكان الرعيل الثاني بإمرة الملازم رضا الشاشي، وكنت قريبا من محمود الهندي حيث كانت خطوط مشاتنا تتقدم بسرعة وكأنها في سباق مع اللوء الاخر و وكنت اضطر لمجاراتهم وتبديل مواضع الرشاشات بسرعة أيضا، ونشطت مدفعية العدو ووصلت مشاتنا إلى مسافة قريبة من المحطة حتى أن قسما منها احتل مواضع العدو التي كانت في شرقها وأخذوا منهم بعض الاسرى . وكانت مواضع رشاشاتنا قد اقتربت إلى مسافة مائتي متر ؛ واللواء الغربي كان لا يزال بعيدا عن المحطة مما سبب انقسام فوجه إلى قسمين، فضعف فتمكن العدو من الاستفادة من هذا الانقسام فوجّه جميع قواه من بنادق ورشاشات ومدفعية للجهة الأخطر التي وصلت الى المحطة . ولما رأى الأتراك الخطر المحدق بهم وعناد الثوّار التجأوا إلى الحيلة فنهض جنودهم من الخنادق ورفعوا أيديهم بالتسليم فنهضت مشاتنا وبدأت تتقدم لاستلامهم، كما أن رشاشاتنا توقفت عن الرمي، فعندها بكل خسّة تلقاهم الأتراك بالقنابل اليدوية والرصاص حيث قتلوا الكثير مما اضطر الباقي للرجوع إلى الخلف ثم الانسحاب .
بدأت مشاتنا تعود واجتازت مواضعنا وأصبح من واجبنا أن نحمي انسحابهم لكن في مواضع غير مناسبة فهي قريبة جدا وفي أرض مفتوحة ومكشوفة، فإن العدو اذا ما تفرغ لنا برشاشاته وبنادقه ومدفعيته فمن المستحيل أن يترك لنا أي مجال بل سيقضي علينا لا محالة، لكننا كنا مضطرين لعدم قطع النار لحماية مشاتنا ولعدم امكاننا من الاتيان بأية حركة تحت تلك النار الكثيفة .

كنا متفقين ، محمود الهندي وأنا، على أنه إذا وقع أحدنا جريحا وتعذر سحبه الى الخلف، فإن على الآخر أن يطلق عليه الرصاص فيقتله كي لا يقع أسيرا فى يد الأتراك، إنّ مثل هذه الاتفاقات حصلت ما بين بعض الضباط بعد حادثة رئيس العرفاء الذي وقع في يد الأتراك في محطة المدورة وقطعوا رأسه ومثلوا فيه بالرصاص والحراب .

untitle-12
صورة تجمع البطل صبحي العمري مع البطل محمود الهندي- من مجموعة صورة الراحل صبحي العمري

  “ وفي هذه الاثناء اقترب اللواء الغربى من المحطة وخفّت عنا النيران بعض الشيء فأمرت بتبديل الموضع نحو الخلف بمائة متر وانسحب الرعيل الثاني ودخل الموضع وفتح النار، وباشر الرعيل الاول في الانسحاب وما كاد آمره محمود الهندي يبتعد عني عشرين خطوة حتى وقعت بجانبي قنبلة مدفع فأوقعتني أرضا وغمرني التراب والدخان، وما كاد الدخان ينقشع إلا ورأيت محمود الهندي حاملا بيده مسدسه يصوبه نحوي يهم بإطلاقه علي ظنا منه أنني جرحت؛ فكان يريد بذلك أن يفي بوعده بأن لا يتركني جريحا بيد الأتراك ففهمت قصده وناديت ( لست مجروحا انسحب )، فعندها استمر الانسحاب حتى دخلنا المواضع وأنا معهم، وكانت حصيلة تلك القنبلة جرح بسيط فى مؤخرة فخذي الأيسر ولو تأخرت قليلا في ندائي على محمود لكان قتلني .

كانت مسافتنا من المحطة في مواضعنا الجديدة نحو 400 متر وهي مسافة تعتبر قليلة ومهلكة في مثل هذه الارض وإن كانت مهلكة أيضا للعدو ، وكان علينا أن نبقى فى هذا الموضع لأن اللواء الغربي كان في وضع خطر أمام مواضع العدو و وجميع قوته مسلطة عليه فكنا بنيراننا نساعده بجلب قسم من نيران العدو الينا وبارباكهم وعدم اعطائهم الفرصة الكاملة لتفرغ له ولم يبق بالإمكان إعادة هجوم اللواء الشرقي لأنه قدم الكثير وفشلت حركة الاستيلاء على المحطة .

أما سرية الخيالة التي كانت بإمرة الرئيس اسماعيل نامق، فإنها ترجلت خلف المنفرجات التي في جنوب الجسر الجنوبي وتقدمت على شرق السكة نحو الشمال ولكن في هذه الأثناء أصيب اسماعيل نامق بطلقة اخترقت صدره فحملوه إلى الخلف وبقيت السرية بإمرة قائدها الملازم اشرف .

      و هكذا عدنا وعسكرنا في موقع الفجيج على مسافة 4 أميال الى الجنوب من موقع اذرح وكانت خسائرنا ستة ضباط و 23 جنديا شهداء و 100 جريح، والأتراك  40 قتيلا و 18 أسيرا وأما خسائر سريتي فخمسة جرحى وشهيدان .

 ومن رواية محمد علي العجلوني في مذكراته عن المعركة نورد هذه الحادثة المؤلمة التي تصور بشاعة المعركة و صعوبتها و قسوة المشاهد فيها :

” ولم تخل هذه المعركة من حادثة طريفة ، ومؤلمة جدا فقد جرح الرئيس تركي الشطي، وهو أحد قادة سراب المشاة فحمله زميله الملازم هشام الدزدارعلى كتفه وهرول به ابتغاء نجاته بالخروج من دوامة المعركة ، ولكن قنبلة مرت كالبرق فخطفت رأس هاشم الدزدار وتركت زكي الشطي محمولا على جثة بلا رأس عدة ثوان ، ثم سقط الجريح والجثة معا، وأسر زكي الشطي وأرسل إلى المستشفى في دمشق ليعالج، ثم ليعدم بعد شفائه  (ولكن الله لطف به فقد دخل جيش الثورة إلى دمشق وهو لم يزل في المستشفى ).

أما نزيه الدمشقي فقد خطفت رأسه قنبلة وهو يمتطى حصانه فوصل الحصان به إلى المعسكر يحمل جثة بلا رأس ما أفزع الناس  من منظره.

معر كة الجردون الرابعة

وضعت الخطة بعد القيام باستطلاع المنطقة في 20 تموز 1918  حيث تحركت مجموعة الاستطلاع من معسكر الطاحونة غرب الجردونة، أما الخطة الموضوعة فقد كانت كما يلي :

 قسمت القوات إلى مجموعات قتال ثلاث بحيث تهاجم المحطة من جهاتها الجنوبية والغربية والشرقية، أما عن تفاصيل المعركة ، فنترك الحديث لصبحي العمري كما أورده في الأوراق الاولى:

    وتعينت ساعة الشروع بالتقدم والمسافة التي يجب ان تكون فيها كل  قوة عن العدو . وعيّرت الساعات، حيث ذهب كل قائد لقطعته واستعد للحركة وتوجه كل منهم في تلك الليلة نحو خط  مسيره ووصل إلى الارض التي سيقوم منها بالهجوم في الصباح التالي، وقرر آمر قوتنا الشرقية أن يقوم لواء الهاشمي بالتقدم على يسار القوة الشرقية ومن الشرق الجنوبي للخط . لأن القوة  الجنوبية ستقوم بهجومها من غرب السكة الجنوبي .

         ومع بزوغ الشمس كانت جميع القوات في الأمكنة المخصصة لها منذ الليل وكان لواء الهاشمي في مواضع قريبة جدا من المحطة، لأن الارض التي هو فيها مستورة تساعد على هذا التقرب ، ولكن باقي القوات كانت فى أراض مفتوحة والقوة الشرقية كانت خلال الليل متقدمة لأكثر من اللازم ومسافتها عن العدو أقل مما يقتضيه الأمر والوضع .

ومع طلوع النهار وانكشاف الأهداف شرعت المدفعية بالرمي واعقبتها الطائرات الثلاث وشرعت ألوية المشاة بالتقدم، وبما أن اللواء الشرقي كان (كما قلنا) متقدما أكثر مما يجب فقد سبب ذلك خللا بتوحيد حركة الهجوم بين القوات الثلاث ، فالقوة الغربية بدأت بالهجوم من مكانها المعين وهي لا تزال على مسافة بعيدة من العدو، والقوة الجنوبية التي وصلت إلى منتهى الأرض المستورة وبداية الأرض المكشوفة كانت تنتظر في مكانها لتوحد هجومها مع الآخرين .

133
قوات الثورة تصعد إحدى المرتفعات الجبلية أثناء المعارك ضد الاحتلال العثماني شمال معان

أما اللواء الرابع من القوة الشرقية الذي تقرب ليلا إلى مسافة قريبة جداً من العدو والذي باشر هجومه مبكرا، وجد أن مسافة هجومه مع القوات الاخرى اصبح 200 – 300 متر من العدو في أرض مكشوفة معرضا نفسه لتلقي نيران العدو حيث وجهت إليه جميع أفواهها النارية مستفيدة من بعد القطعات المهاجمة الأخرى، ولما رأى قائد القوة الجنوبية تحسين علي هذا الموقف أراد أن يتلافى الأمر فباشر بالتقدم قبل الموعد المقرر ولكن دون فائدة لأن العدو كان قد انزل ضربته باللواء الشرقي فقتل آمره مع عدد من ضباطه ووقع الكثير من القتلى والجرحى وتراجع  على أعقابه، وعندما استدارت القوة التركية بجميع أفواهها النارية نحو القوة الجنوبية التي كانت اثناءها قد وصلت إلى مسافة قريبة ففتكت بها كما فعلت بالقوة الشرقية فجرح قائدها جرحين، وقتل الكثير من ضباطها وجنودها وجرح عدد كبير منهم فتراجعوا قليلا إلى الأراضي  المستورة، كل هذا ولا تزال القوة الغربية مستمرة في التقدم ولكنها عندما وصلت إلى مسافة قريبة كان  العدو العثماني قد قضى على هجوم القوات الأخرى فتفرغ لها ووقع ما وقع للقوات الأخرى فقتل آمر اللواء السيد طاهر وعدد من ضباطه وجنوده وجرح الكثيرون.

أما لواء الهاشمي فقد ترجل في الأراضي المستورة التي خلف الجسر وتمركزت الرشاشات في نهاية الأرض المستورة المشرفة على المحطة من مسافة لا تبعد عنها لأكثر من 400  متر وهو موضع جدا موافق بل ممتاز للرمي فهو مستور وقريب، وقد دخل جنود سرية الخيالة في مواضعهم إلى جناحنا الأيمن و تمدد آمر اللواء الرئيس بهجت بجانبي يلح على التقدم كما كانت تفعل القوة الشرقية، وعبثا كنت أفهمه أن هذا الموضع هو الأصلح ولا يوجد ما يوجب تقدم الرشاشات أكثر من ذلك لأنها إذا فعلت ذلك فإنها ستكون في أرض مكشوفة معرضه للنار والفناء وعدم امكانيتها من القيام بواجبها . ولما رأى تقدم اللواء الجنوبي عاد بالإصرار على التقدم . وفي الحقيقة كان يجوز له أن يتقدم بجنود الخيالة حملة البنادق ولكن تقدم الرشاشات كان خطأ ينتج عكس ما يتصوره . وأخيرا استحييت وخفت أن يظن بي الجبن فأمرت الرشاشات أن تتقدم لمواضع متقدمة رشاشة بعد الأخرى وتقدمنا نحو مئة متر واصبحنا في أرض مثل الكف وفي مسافة  300  متر ويشكلون هدفا ممتازا للمدفعية والرشاش والبنادق، وانتبه إلينا العدو وسلط علينا نيرانه من جميع الأنواع وبدأت الإصابات تتعاقب بسرعة وكان المرحوم  بهجت في حينها يتمدد تسترنا نبته شيح لا يتجاوز علوها العشرة سنتمترات وكنت خلال ذلك التفت كلما اسمع حركة غير اعتيادية و التفت لتلك الجهة لأجد هناك أكثر من شهيد وجريح وكانت أكثر الاصابات قاتلة، وأثناء ذلك سمعت حركة بالرشاشة التي قربنا فرأيت عريف تلك االرشاشة وهو يقع فسألت عن اصابته أجابني أحدهم ( رأسك سالم ) كناية عن التعزية بوفاته، فتأثرت جدا على هذا العريف لأنه آخر عرفاء السرية وأشجعهم . فقال المرحوم بهجت : ( لا تتأثر لا يا صبحي كلنا بدنا نموت في سبيل وطننا )، لم يكد يكمل جملته حتى سمعته يشخر ووقع رأسه ثم بدأ ينتفض وكانت الطلقة فوق خده الأيسر وبدأ يرمي بنفسه فوقي وكأنه يقول لي لا تتركني وقد صارت ملابسي كلها دم
وكانت الطلقات تزداد من جراء حركته فأمرت اثنين بأن يأخذاه للخلف فما كادوا يبتعدون عشر خطوات حتى وقع الاثنان شهيدين ، قام اثنان من الخيالة وما كاد يبتعدان حتى وقع أيضا أحدهم شهيد والثاني جريح، وجاء جندي خامس فحمله لوحده ووصل به إلى قرب موضعنا الأول وأصيب برجله وبقوا في محلهم إلى أن عدنا ورفعناهم . فعقب ذلك لم يبق لدينا أحد يتمكن من الرمي لأن أكثر جنودنا  اصبحوا بين قتيل وجريح فأمرت بالانسحاب للموضع الأول وحملنا جميعنا ضباطا وجنودا الرشاشات وبعض أدواتها وعدنا للرمي وكان وقتها اللواء الغربي يتقدم وحده ثم بدأ يتراجع ولم يبق من يستر انسحابه إلاّ نحن فقمنا وخلال ذلك سحبنا الشهداء ودفناهم وسحبنا المجاريح وأرسلناهم للمستشفى السيار وتوفي خلالها المرحوم بهجت .

وأثناء ذلك شاهدنا نوري السعيد على حصانه مع مرافقه الملازم فارس وخيال يحمل علم القادة بين خطوط الرتل الغربي يحرضهم على استئناف الهجوم، ولكن ذلك كان غير ممكن بعد أن منوا بتلك الاصابات الكثيرة . فأعطى أمر الانسحاب وبقينا في مواضعنا نرمى العدو حتى لم يبق أحد من المشاة فانسحبنا إلى معسكر في أبو اللسن وكذلك فعل آمر اللواء الاول تحسين علي، فلقد بقي في موضعه وثم انسحب بانتظام  . وأثناء انسحابنا من موضعنا الثاني للموضع الأول شاهدت الملازم الثاني طه بقيق وكان آمر فصيل نقلية العتاد مجروحا في رجله ومرميا على الأرض يتلوى من الألم، فأمرت بمن يحمله شغله إلى الخلف، ولما سألته عن سبب مجيئه إلى هنا وهو آمر نقلية شغله في الخطوط الخلفية، قال لي : (جيت اتفرج ياخوي ) قلت له مازحا : وهل أعجبتك هذه الفرجة ؟ . قال : لا والله، وبقيت بعد ذلك بسنين كلما رأيته أقول له طه هل أعجبتك الفرجة، ونضحك وكان يلذ له أن يقص هذه القصة في كل مناسبة .

301jpg
نوري السعيد أحد رجالات الثورة يقود بعض قوات الثورة المحملة بالذخائر و الأسلحة

 كانت نسبة الخسائر في هذه المعركة أكثر من جميع معارك الجيش الشمالي وقدرت خسائر الضباط بين قتيل وجريح ب 60 % وهي عالية جدا وكان الشهداء 24 ضابطا و 220  ضابط صف وجندي ماعدا الجرحى وكانت خسائر سريتي عشرة شهداء وثمانية مجاريح وكان أكثر الشهداء من أمراء الرشاشات وعرفائها وهذه أكبر خسارة منيت بها السرية بعد خسارة
معارك معان .

الأحداث التي وقعت فى معركة الجردونة

     لا يمكن فصل عمليات الثورة العربية الكبرى العسكرية عن مجمل الأحداث السياسية والعسكرية فى منطقة الشرق الاوسط عامة،  خاصة وأن قوات الثورة وفرسان العشائر الأردنية لم يتخلوا مطلقا عن اهدافهم العليا وكانت العمليات العسكرية وسيلة للوصول إلى الأهداف السامية .

لقد ظهرت النوايا الحقيقية للحلفاء بعد منتصف عام 1918  وتباينت ردود الفعل العربية، فقد لاحظنا ان الضباط العرب عارضوا  الهجوم على قلعة الشيدية (فصوعة)  باتجاه الجنوب وطالبوا بالهجوم شمالا، وذلك بعد انكشاف اتفاقية سايكس بيكو حين طلب الشريف الحسين بن علي استيضاحا من الحلفاء حول حقيقة الوضع فكانت الإجابات على شكل رسالة تطمينات .

 لقد اثرت اتفاقية سايكس بيكو من خلال إثارة تساؤل في نفس الشريف الحسين بن علي الصلبة ، مطالبا بالحقوق العربية الكاملة كما هى واردة في الوعود البريطانية، وكان هذا أهم حدث رافق عملية الجردون الرابعة أما بقية الأحداث فهي عسكرية تكتيكية ومن أهمها ما يلي :

  1. وصول سريتي هجانة استرالية قوامها 300 جندي من السويس الى العقبة في 2 اب 1918 بقيادة بكسنون وتشكلت من (300) مقاتل معظمهم من الهجانة المصريين .
  1. هجوم على المحطة في قلب عمان . وتحريرها  وأسر 150 جندي مع مدفعين رشاشين وتعطيل سكة حديد القطار العسكري في المنطقة ، ثم الحركة جنوبا ً في محاولة لتدمير النفق والجسور العشرة .

الكوبانية الحمراء : ( حسب رواية الشيخ هويمل النعيمات )

التقى المؤرخ الدكتور بكر خازر المجالي مع الشيخ هويمل النعيمات – رحمه الله – عام 1994 وعمره حينها حوالي 110 سنوات في بلدة بسطه إلى الغرب من معان بحوالي 20 كلم، وقد ذكر معركة الكبانية الحمراء التي شارك فيها بنفسه .

فاستذكر الراحل معركة (الكبانية الحمراء ) أو معركة التل الاحمر حيث شهد هذا التل معركة حامية بين قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية والأتراك، وتسمية الكوبانية الحمراء نسبة إلى كابينة القطار التي كان لونها برتقاليا ًأو أحمرًا،  وكان الجنود حين يهاجمون القطار يركزون الهجوم على كابينة القيادة لتعطيل القطار العسكري العثماني  واجباره على الوقوف، وقد وصف الشيخ هويمل مكان المعسكر العثماني الذي كان موجودا ً الى الغرب من قرية بسطة وبالتحديد على المرتفع 986  وهو المرتفع الأعلى في المنطقة، وحين يكون المرء فوق ذروته يشاهد معظم المناطق المحيطة بمحافظة معان وبالتحديد تلول السمنات والمطار ومحطة غدير الحاج والتل الأحمر ومحطة جرف الدراويش والطريق المؤدي إلى العقبة ووادي موسى وأيل والطيبة ويعتقد أن اختيار الأتراك لهذا المرتفع كان بسبب موقعه الاستراتيجي العسكري حيث يشكل نقطة ملاحظة واسناد لجميع المناطق المحيطة به .

أما عن شهداء (الكبانية الحمراء ) التل الأحمر فاستذكر الشيخ هويمل  اسم الشهيد سالم السودي النعيمات وسليمان شتات النعيمات واللذان استشهدا في هذه المعركة .

عنيزة ( المحطة والقلعة )

      عنيزة محطة تصنف ضمن المراتب الاولى من حيث التنظيم والتحصين العسكري، يسند عنيزة من الجهة الغربية وعلى بعد حوالى 300 متر قلعة عنيزة التي يعود تاريخ بنائها الى (1587) م وهي من طابقين بمدخل واحد من الجهة الشرقية بناؤها من الحجر الاسود والطين مربعة الشكل 22م×22م  تقريبا يمكنها استيعاب 100 جندي والى الغرب من هذه القلعة يوجد جبل عنيزة .

onaizah
قلعة عنيزة

عنيزة الجبل  ذو القمم العشرين بارتفاع 1145 مترا وهو الأعلى عما حوله يسيطر على المنطقة السهلية وكانه يقع في مركزدائرة نصف قطرها الشمالي والجنوبي الغربي حوالي 15 كلم أما نصف قطرها الشرقي فهو مفتوح يزيد على المائة كيلومتر .

هجمات قوات الثورة ضد موقع عنيزة

       كانت المنطقة ضمن اهتمام الأمير زيد بن الحسين فقد ركزت قوات الثورة على خط عنيزة الشوبك واستطاعت الحصول على موطئ قدم في المنطقة بدليل ما ورد فى رسالة من الأمير زيد إلى الأمير فيصل في 22 / 1 / 1918  يقول فيها ( وحسب الاخباريات الواردة في تثبت موقع الحديد الممدود بين الشوبك وعنيزة …)، وقد نفذت قوات الثورة عدة عمليات تعطيل وتدمير للسكة الحديدية للقطار العسكري شمال عنيزة وجنوبها إضافة إلى الاشتباك مع الأتراك في مواقع عديدة حولها كالتالي :

أ . 5 ايار 1918 تعطيل 25 قضيب سكة بين عنيزة والجردون .

ب . 11 ايار 1918 تعطيل جسر من ستة  قناطر بين عنيزة والجردون .
جـ . 12 ايار 1918 هجوم على محطة الجردون وفرار القائد الالماني  )ديمتري ) ومعه 30 جنديا ألمانيا و نمساويا إلى عنيزة .

د . 20 حزيران 1918 استيلاء عشيرة  ( العودات ) من قبيلة الحويطات على تسعة بغال ذخيرة بين الجردونه وعنيزة  (وهذا دليل على أن قلعة عنيزة كانت مستودعا للذخيرة).

        وفي رسالة من جعفر العسكري إلى الأمير زيد مؤرخة في 17 شباط 1918 ورد فيها:

( من الوهيدة يهاجم مولود (مخلص) مع مدفعية صحراء وأربعة ارهاط من المشاة والمواليد والحجزة على معان وقوة الهيشة مع الشريف عبد المعين على عنيزة ولكن هذا سيكون للاشغال، ونلاحظ أن هجوم عنيزة هدفه ( الاشغال ) أي مشاغلة العدو دون الدخول باشتباك حاسم يهدف إلى السيطرة على المحطة او القلعة ) .

        لذلك لم تنجح كل العمليات الموجهة ضدها ولم يخلها الاتراك إلا بعد انسحابهم من معان ذاتها ويعود ذلك إلى :

أ . قوة التحصينات التركية إضافة إلى أن القوات غير النظامية ومن التجارب العديدة تحجم عن القيام بأي عمل عسكري ضد مواقع محصنة .

ب . اعطت قيادة الثورة الأولوية الأولى ضد الحامية العثمانية الألمانية النمساوية  في معان ومحطة الجردون خاصة، خلال ربيع عام 1918 ولم تتوجه أي قوات كبيرة تستهدف السيطرة على عنيزة إلاّ تلك المحاولة الطريفة والتي انتهت بمفاجأة مضحكة فعلا حين تقدمت القوات العربية ليلا وبحركة سرية باتجاه جبل عنيزة، ولكن ما أن اقتربت القوات من الجبل حتى أخذ أحد الحمير الذي يحمل فناطيس الماء بالنهيق وتبعه بقية الحمير، فانتبه الأتراك في الجبل للهجوم، فوجهوا رشاشاتهم ومدفعيتهم وأسلحتهم لاتجاه الهجوم، مما اضطرها للتراجع والغاء العملية، وقد كتب جعفر العسكري عن هذه العملية في مجلة عسكرية عراقية وهي المرجع الوحيد الذي يتحدث عن هذه العملية .

 

 

المراجع :

  1. الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر،2011 .
  2. التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  3. الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  4. المراسلات التاريخية 1914-1918 : الثورة العربية الكبرى. المجلد الأول / أعدها وحققها وكتب حواشيها وترجم بعضها سليمان الموسى ، 1973.
  5. المعارك الأولى : الطريق إلى دمشق، صبحي العمري، رياض الريس للكتب والنشر، 1991.
  6. ذكرياتي عن الثورة العربية الكبرى، محمد علي العجلوني، مكتبة الحرية ،عمّان ، 1956 .
  7. أوراق الثورة العربية، صبحي العمري، رياض الريس للكتب والنشر، 1991.

المسار الثالث عشر لمعارك التحرير

معان – بسطة – المريغة – دلاغة 

مقدمة

من المعروف بأن معان كانت مركز بوصلة حركة جيوش الثورة باتجاه الأهداف العسكرية شمالا نحو الجردون وعنيزة، وشرقا باتجاه الجفر، وغربا ً باتجاه وادي موسى وبسطة ووهيدة . ونبحث في هذا المسار الذي يبدأ في معان باتجاه بسطة وهي التي امتازت بموقع حصين مرتفع لا زالت آثاره مائلة للآن، ونحو المريغة باتجاه رأس النقب وهي منعطف هام ونحو دلاغة الأرض المنخفضة ذات الينابيع والأشجار، وفي المسارات السابقة بحثنا في معان وهنا نتناول مواقع بقية هذا المسار وهي منطقة القتال في غرب معان ذات الأرض الحيوية التي لها قيمتها العسكرية آنذاك.

وتظهر معان المدينة بوضوح خاصة من مناطق بسطة وايل وهذا يؤمن السيطرة والمراقبة المستمرة للمدينة ولخط سكة حديد القطار العسكري العثماني المار إلى الشمال منها .

وقد أثرت منطقة غرب معان بشكل واضح على مجرى العمليات العسكرية للثورة العربية الكبرى من حيث :

  • توفير المراقبة الدائمة والاستطلاع لمعان ذاتها وما حولها في ظل وجود حامية عثمانية كبيرة جدا إضافة إلى القيادات العسكرية الألمانية و النمساوية.
  • كانت المنطقة الغربية بمثابة منطقة حجاب ووقاية وخط دفاع متقدم من جهة الغرب حيت سلسلة من المعسكرات التركية وأماكن المستودعات والتخزين، ولذا جاء تحرير قوات الثورة لها بمثابة تضييق الخناق على القوات العثمانية و حلفائها وفقدت بذلك حرية المناورة وخسرت أرضا دفاعية حيوية بالنسبة لها وأصبحت هذه الأرض مصدر تهديد مستمر لها .
  • حقق جيش الثورة بالسيطرة على المنطقة الغربية الاتصال مع قوات الحلفاء في الغرب، وأمّنوا طريق الاندفاع شمالا نحو الشوبك ووادي موسى فأكملوا السيطرة على الأرض هناك واصبح الحصار الذي فرضته قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية على شكل فكي كماشة تنفتح فقط في جهة الشمال من معان .
  • تحقيق الاتصال مع باقي العشائر الأردنية ونشر فكرة الثورة وأهدافها بينهم ما زاد من عدد المتطوعين في قوات الثورة العربية الكبرى .
  • حصول قوات الثورة على مصادر مياه جديدة في اوهيدة ودلاغة وحرمان القوات العثمانية منها، إضافة للحصول على مصادر تموين محلية جيدة في المنطقة .

       وفي هذا البحث نبحث العمليات العسكرية في هذه المنطقة إضافة للبحث في قيمتها العسكرية وهذه المواقع الاربعة هي اوهيدة – بسطة – المريغة – دلاغة توجد في دائرة أحداث واحدة فهي متقاربة وتتبادل التأثير بينها، وتميزت المريغة تحديدا بأهمية اكبر كونها مفتاح وادي أبي اللسن وتقع على طريق معان باتجاه وادي اليتم قبل المرور برأس النقب .

 بسطة

     تتميز بسطة بأنها احتوت أشهر موقع وحصن عسكري تركي حول معان، حيث تقع  إلى الغرب من معان “20 كلم ” ويكاد لا يوجد أي عائق أرضي أو مرتفع ما بين معان وبسطة، فالواقف فوق مرتفع بسطة ويتجه بنظره حول الشرق فإنه يكاد يكشف المنطقة بأسرها حتى معان ومثلها الى إلجنوب إضافة الى سيطرته على الطريق المؤدية إلى وادي موسى والراجف والطيبة شمالا وإلى اوهيدة ورأس النقب جنوبا .
واختيار بسطة (1600 متر فوق سطح البحر) كموقع عسكري إنما جاء لوجود مصدر مياه ومراقبته الواسعة البعيدة المدى وسيطرته على عقد مواصلات، والمعسكر التركي كان يقبع على رأس الجبل الذي يشرف تماما على القرية الحالية حيث تسكنها عشيرة النعيمات التي شارك فرسانها في الثورة العربية الكبرى و ساهموا في تحقيق عدد من الانتصارات المهمة و تحديدا في معركة الكوبانية الحمراء .

وفي منطقة المعسكر التركي فوق جبل بسيطة بقايا بناء غرف وآثار مرابط خيول وفى التل المقابل توجد مواقع تخزين ذخيرة للعثمانيون كان الاهالي حتى وقت قريب يحذرون بعضهم من القنابل العمياء الموجودة في بعض كهوف هذا التل و التي خلفها العثمانيون بعد دحرهم عن الأرض الأردنية .

       ولا يوجد ذكر لعمليات عسكرية معينة جرت في بسطة ربما لكون الموقع صعبًا جغرافيا ومسيطرًا تماما، لكن الثابت أن القوات العثمانية أخلت المواقع في بسطة بعد هزائمها في المناطق المحيطة، ولا يوجد تحديد لموعد الإخلاء وعلى ما يذكر أن قوات الثورة طاردت القوات التركية بعد معركة وادي موسى حتى بسطة، ويذكر الأمير زيد بن الحسين في يومياته أنه وصل إلى أبي اللسن وبسطه في 14 كانون الثاني 1918، وقد ضمنها الأمير زيد خطته المقبلة بعد تحرير الطفيلة فقد اختيرت بسطة لتكون مركز تجمع لقوات الثورة العربية الكبرى لتنفيذ عمليات قطع الإمداد عن القوات العثمانية و حلفائها المتحصنة في معان عبر تعطيل سكة حديد القطار العسكري العثماني، تمهيداً لتنفيذ خطة الهجوم على الحامية العثمانية في معان والتي ابتدأت في أوائل نيسان .

المريغة
المريغة هي منطقة صحراوية يخترقها وادي أبي اللسن من الشمال ليتجه جنوبا، تقع على بعد 24 كلم جنوب معان وهي في موقع متوسط حيث كان لها دور في كل العمليات العسكرية التي حدثت في المنطقة، فهي لا تبعد أكثر من عشر كيلومترات عن معارك تلول السمنات وأقل من خمسة كيلومترات عما جرى في الفويلي وأبي اللسن وحوالي تسعة كيلومترات من الوهيدة شمالا .
وقد شهدت المريغة مطاردة فلول القوات العثمانية بعد هزيمتها في أبي اللسن عندما هاجمتها قوات الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف ناصر بن علي و الشيخ البطل عودة أبو تايه وهي في طريقها الى العقبة في 4 تموز 1917 .

278jpg
من الشمال إلى اليمين : الأمير زيد بن الحسين ؛ الأمير فيصل بن الحسين ؛ و ووجهاء عشائر أردنية في أبو اللسن

 وكما ذكرنا فان المريغة بقيت منطقة مرور ولم تستطع أي من القوات أن تسيطر عليها فهي ذات أهمية للجميع والذي يريد أن يسكنها فإن عليه ان يكون مستعدا لتضحيات جسام وقد حصل في النصف الثاني من شهر كانون الثاني 1918 معركة وادي موسى التي انتصرت بها قوات الثورة وطاردوا العثمانيين حتى عين بسطة وبعدها قام الضباط الأتراك بإعادة تنظيم قواتهم في المريغة، وقد استمرت في تمركزها لفترة في المريغة لتلحق بعدها بالموقع الرئيسي في معان .

دلاغة

       دلاغة قرية صغيرة وادعة تقع على بعد 32 كلم  الى الغرب مع الانحراف جنوبا عن معان حيث تنعطف الطريق الخاصة بها وتتفرع عن طريق الراجف انحدارا نحو الجنوب عبر مضيق في فم واد ليمر في منطقة الرسيس أولا، ثم وصولا الى دلاغة في قاع الوادي ، والرسيس هذه هي مفتاح دلاغة وبداية الدخول إلى منطقتها حيث تبعد دلاغة عنها حوالي 3 كلم .
و تشتهر دلاغة بمائها وخضرتها وبساتينها، وهي تتميز بحماية طبيعية خاصة جعلتها تكون موضع اهتمام من العسكريين لذا اتخذها العثمانيون مقرًا عسكريًا فهي تقع في منطقة متوسطة تستطيع أن تسند مواقع بسطة و معان ومنها يكون الاندفاع إلى رأس النقب.

      ويؤكد المؤرخون أنها كانت معسكرا عثمانيا، وقد أخلاها الأتراك ونقلوا قواتهم إلى مواقع معان وبسطه لتقصير خطوط  الامداد وتركيز دفاعهم بعد أن سيطرت قوات الثورة على أبي اللسن ومخفر الفويلي والمريغة ومن هنا أدرك العثمانيون ان استمرارهم في البقاء في هذا الموقع يعني عزلهم وسهولة وقوعهم في قبضة أية قوات تهاجم مواقعهم .

        وقد أورد مصطفى طلاس في كتابه الثورة العربية الكبرى أن كتيبة تركية قد شنت هجوما على مواقع قوات الثورة في دلاغة ولكنها اضطرت إلى التراجع بعد معركة عنيفة حدثت في خريف عام 1917 م، وفي موقع اخر من الكتاب ذكر طلاس أن جبهة الجيش الشمالي للثورة تمتد من العقبة إلى القويرة إلى دلاغة ثم وادي موسى ولقد كانت دلاغة مقرا لمفرزة من الفرقة الثانية لقوات الثورة بقيادة مولود مخلص عندما أعيد تنظيم جيش الثورة في عام 1918، حيث تركزت بقية قطاعات الفرقة في وادي موسى بينما كانت غرندل مقرا لقيادة الفرقة .

  لم تتناول المراجع دلاغة بشكل تفصيلي لكن بعد اخلاء الأتراك لها، تمركزت قوات الثورة فيها وسيطروا على عين الماء،  وفيها حدثت مناوشات بين القوات العثمانية و جيش الثورة؛ يشير اليها سليمان الموسى ومنيب الماضي في كتابهما تاريخ الاردن بين الماضي والحاضر اذ يرد ما نصه ( وقد حدت مناوشات بين الاتراك وبين الثوّار المتمركزين في دلاغة فصدّوا الأتراك وكبّدوهم بعض الخسائر ).

وكان فرسان عشيرة الزوايدة في دلاغة قد شاركوا ببسالة في معارك الثورة العربية الكبرى، نذكر منهم الشيخ (عواد سلامة الزوايدة ) الذي ذكر شارك في عمليات الثورة العربية الكبرى وعمره لما يتجاوز الـ 17 عاما، وقام ابن عمه (سويلم علي الزوايدة) بعملية بطولية عندما قتل طاقم المدفع التركي الذي كان متمركزا الى الغرب من دلاغة .

 ومن الشعر الذي قيل إبان الثورة و معاركها وكان يذكره الشيخ عواد الزوايدة، شعر (حداء) جاء فيه :

يا هويمل شوشح بالمنديل

يا ويحي (ياويلي) فازعنا قليل

وان لقو صعول (جماعات) الرجاجيل

من عثامنه عاركيبات

جونه (اي جاءنا) صربة مقرد

والكل رأسه مجرد

هذول عيال السعيدي

معهم عصملي (بندقية) جديدي

واحسب قبيلهم موات


المراجع :

  1. الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر،2011 .
  2. التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  3. الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  4. الثوره العربية الكبرى، مصطفى طلاس، مجلة الفكر العسكري، 1978

 

المسار الخامس عشر لمعارك التحرير

عنيزة – خربة الدوشك – سهل الفجيع – الشوبك – راس الحديد حوالة

مقدمة 

 يتجه هذا المسار غربا باتجاه الشوبك، وتعتبر عنيزة القلب بالنسبة للمنطقة الممتدة من معان وحتى جرف الدراويش وتنبع أهمية هذا المسار من حيويته وكثافة الغابات الحرجية وكونه مصدراً هاماً للأخشاب التي استغلها الاحتلال العثماني بشكل جائر ما سبب ضررا بالغ الأثر في النظام البيئي للمنطقة ككل ما زالت آثاره قائمة حتى اليوم، حيث قام بتقطيعها لغايات بناء خط سكة القطار العسكري و انتاج الفحم لتشغيل القطار أثناء حملاته على العشائر الأردنية خلال الثورات الوسطى و الثورة العربية الكبرى، ما استدعاهم أيضا لبناء خط سكة حديد فرعي يبدأ من عنيزة ويصل إلى حوالة .

خربة الدوشك

 يبلغ طول خط سكة الحديد الفرعي الممتد من عنيزة إلى الشوبك ثم إلى حوالة حوالي 31 كلم ، والخط يسير فى منطقة أشجار كثيفة، حيث جاء بناء الخط كما أسلفنا لتسهيل عملية نقل الأخشاب من الغابات بعد تقطيع الاشجار الحرجية إلى المحطة الرئيسية ، واستخدمت الأخشاب في فترات مختلفة لغايتين رئيسيتين :

أولا : لاستخدامها كوقود في القطارات البخارية على طول خط القار العسكري العثماني .

ثانيا : لاستخدامها في تجديد وتصليح خط سكة القطار العسكري بعد عمليات تعطيله من قبل فرسان العشائر الأردنية .

      وبعد مسير حوالي 17 كلم من محطة عنيزة باتجاه الغرب فاننا نلاحظ حصن عسكري بناه العثمانيون للسيطرة على المنطقة، هذا الحصن هو حصن الدوشك ، وهو يتألف من بنائين اثنين منهدمين والمسافة بينهما حوالي 10 امتار، والبناء على شكل عقدات منحنية وهي مغلقة بدون نوافذ بدليل أن هذين البنائين تم استخدامهما كسجن للثوّار الأردنيين و مستودعات للسلاح و العتاد و المؤن.

    وللموقع أهمية اخرى لأنه يقع على الطريق المؤدي إلى الطفيلة عبر الرشادية وهي خط دفاع خلفي ثاني بالنسبة لموقع عنيزة وقلعتها، وتعتبر الدوشك أيضا مفتاح قلعة الشوبك التي تقع إلى الغرب منها بمسافة حوالي 5 كلم فقط وهي بمثابة محطة انذار أو موقع دفاعي متقدم لذا فإن اختيار هذا الموقع إنما جاء لاعتبارات عسكرية بحتة أملتها طبيعة المنطقة وتنظيمها وقرب خط سكة حديد القطار العسكري الرئيسي وقرب مصادر التزويد بالأخشاب من الهيشة والشوبك .

     والزائر لهذه المنطقة يقرأ تاريخا مميزا يمتزج في الأرض المعطاءة ويلتقي مع الحضارات العريقة فيها وكل أسماء القرى والمدن فيها . انما انبثقت من طبيعة الأرض) الشويك، نجل، الدباغات – لاستخراج الدباغ من شجر البلوط الذى تشتهر فيه هذه المنطقة )، وقد استغل العثمانيون هذه الخيرات وسخروها لخدمتهم و خدمة القطار العسكري  بعيدا عن جهود التنمية للمنطقة.

 معركة الدوشك 20 ايلول 1918

عندما جرد الأتراك والألمان والنمساويون حملتهم لاستعادة الطفيلة بل لاستعادة هيبة القوات التركية وحليفاتها في الأردن، وعندما شرعوا بتنفيذ عملياتهم بدءا من محطتي الحسا وجرف الدراويش باتجاه الغرب، اتبع جيش الثورة بقيادة الأمير زيد بن الحسين أسلوب القتال على خطوط الإعاقة لمواجهة هذه القوات الضخمة،  وقد ذكرنا ذلك فى الحديث عن هذه المعركة ونعيد التوضيح هنا للربط التاريخي تسلسل معارك ذلك الهجوم :

  1. قتال إعاقة لمدة يوم كامل فى 6 اذار 1918 في منطقة خربة التوانة .
  2. الحركة إلى خربة الحرير والقتال لبضع أيام في 7 / 3 / 1918 .
  3. الانتقال إلى جبل المصلى وخربة عابور والقتال بقية اليوم.
  4. الصمود في خربة العيص على مشارف الطفيلة لإتاحة الفرصة لأهل المدينة لإخلائها .
  5. التراجع جنوبا نحو الرشادية بعد أن حاول الاتراك قطع ومسك خطوط تراجع قوات الثورة .

 

133jpg
الأمير زيد بن الحسين مع عدد من الاشراف وضباط جيش الثورة على مدخل الشوبك 1918

 

سهل الفجيج

     الفجيج هي السهل الممتد من خربة الدوشك وحتى القادسية شمالا ومن ثم إلى مدخل نجل الشوبك غربا، وقد شهد هذا السهل مرور قوات الثورة العربية الكبرى من خلاله نحو الطفيلة وكذلك تراجع هذه القوات بعد معركة الطفيلة الثالثة الكبرى .


الشوبك

      يمر من الشوبك خط سكة القطار العسكري الفرعي القادم من عنيزة، وقد كان فيها محطة للحراسة، والشوبك تستند الى قلعة مونتريال أو ( قلعة الشوبك ) التي كان لها دور مؤثر في العمليات العسكرية للثورة العربية الكبرى  .

242jpg
الشريف ناصر و ضابط من مقاتلي الثورة في منطقة الشوبك 1918

 

 راس الحديد وحوالة

       اعتمدت القوات التركية وحلفائها الألمان و النمساويين في توزيع قواتهم على السيطرة على المواقع ذات الأهمية بالنسبة لخطوط الامداد والتزويد، واعتمدت سياسة بناء الطرق العسكرية ومد خط سكة القطار العسكري التى تخدم هدف الإدامة للقوات العثمانية المحتلة،  ومن هنا جاء بناء خط سكة الحديد فى عام 1914 مابين محطة عنيزة إلى منطقة الشوبك لينتهي خط السكة الى هذه المنطقة التي أطلق عليها اسم (رأس الحديد) أي رأس سكة الحديد، وهو آخر نقطة يصل اليها خط السكة حيث تبعد عن بلدة نجل  –مركز تجمع قرى وبلدات الشوبك – إلى جهة الجنوب بحوالي 8 كلم، وهو في المنطقة التي تعرف حاليا باسم ( حواله ) وكان في المنطقة محطة للاحتلال العثماني  وحولها مجموعة من المعسكرات وخطوط الدفاع العثمانية التي ما زالت آثارها ماثلة حتى اليوم .

راس الحديد – الهيشة 1918

 

وقد اكتسبت منطقة الشوبك أهمية خاصة خلال الحرب العالمية الأولى خلال عمليات الثورة العربية الكبرى وذلك لكونها :

أ . منطقة زراعية تنتج الحبوب والفواكة وتشكل مصدر تموين محلي جيد .

ب . منطقة غابات كثيفة توفر مصادر طاقة جيدة من أشجارها المتشابكة وحتى مركز المنطقة وهو نجل يشتهر بالنجيل الذي ينبت عندما تتوفر الماء بكافة.
ج . مصدر مياه وفير حيث تكثر الينابيع المختلفة في اراضيها .

د . اكتسبت المنطقة أهمية عسكرية تاريخية منذ القدم فإلى الشمال الشرقي من نجل تقوم قلعة الشوبك الشهيرة والتي كانت تعرف بمونتريال حيث استخدمها العثمانيون كحصن عسكري وسجن ومركز سيطرة لحماية خطوط مواصلاتهم وتعزيز حامياتهم على طول طريق القطار العسكري. .

 هـ .  تشكل الشوبك منطقة وصل واتصال بين الشمال حيث الطفيلة والجنوب حيث معسكرات بسطة وابو اللسن ووهيدة ، وبين الشرق حيث خط سكة حديد القطار العسكري ، والغرب حيث وادي عربه الذي يفصل مسرح عمليات الجيش البريطاني في الغرب عن منطقة عمليات القوات التركية والألمانية في الشرق .

 لهذه الاسباب جاء القرار العثماني العسكري المتأخر قليلا و غير المعني بتأهيل المنطقة بمد سكة الحديد من عنيزة شرقا وبطول حوالي 31 كلم .

والطريق المعبد المتفرع من الخط الصحراوي باتجاه الشوبك إنما يقوم حاليا فوق خط سكة الحديد ذاته، والذي بالكاد نستطيع التعرف على آثار منه من خلال نوع التربة والحصى المحيطة ولكن تظهر آثار هذه السكة  واضحة في نهايته عند حوالة ذاتها والتي يوجد فيها بقايا بركة مياه تركية يصعد منها للآن واجهة صغيرة حيث كان القطار العسكري يتزود منها .

244jpg
الأمير زيد بن الحسين محاطا بعدد من الضباط و مقاتلي الثورة في معسكرهم بالشوبك وتظهر في الصورة بيوت الشعر الخاصة بعدد من عشائر الشوبك التي رافقت جيوش الثورة و ساندتها في عمليات القتال ضد الاحتلال العثماني

 

    والمنطقة ما بين البقعة شمالا وحتى بير الدباغات جنوبا وهي بطول 8 كلم تقريبا ومن بير خداد شرقا وحتى ام جوزة غربا بطول 7 كلم تقريبا هي منطقة معسكرات عسكرية عثمانية تركية وحصون وخنادق متفرقة ، وحسب الاستطلاع الميداني للمنطقة من قبل المؤرخ الدكتور بكر خازر المجالي فإن المواقع التالية كانت ذات أهمية عسكرية خلال الثورة :

  • بقايا بركه المياه عند منطقة دوران القطار (التحويلة ) في حوالة ولم يبق من هذه البركة الا جدار صغير بارتفاع 1 متر وبطول 2,5  متر تقريبا .
  • بناء تركي مهدم كان يتألف من 8 غرف بعيداً عن رأس الحديد حوالي 650 مترا للجهة الشرقية الشمالية، حيث استخدم كمركز اداري ومعتقل للثوّار من فرسان العشائر الأردنية ضد الاحتلال العثماني  وفقا لما افاد به أحد سكان المنطقة هو السيد عبد السلام محمد المريحيل للدكور بكر المجالي والذي أعلمه أنه تم اعتقال والده في هذا الموقع من قبل القوات العثمانية .
  • مجموعة من التحصينات أمام هذا الموقع من جهته الشمالية وعددها خمسة وهي مستطيلة بطول حوالي 15 مترا لكل خندق منها .
  • وجود مجموعة التحصينات والخنادق في الجهة الشرقية من الحصن الأول وفي منطقة منخفضة قليلا باتجاه وادي أم اللويزات وتتألف من مجموعة من الخنادق المستطيلة ومجموعة من بقايا الغرف نستطيع من خلالها أن نقدر حجم القوات التركية التي كانت متواجدة فيها بكتيبة كاملة أي ما يقارب الـ (200) جندي و ضابط تركي .
247jpg
جعفر باشا ” العسكري” و الشريف ناصر في منطقة الشوبك

 

       والأثر الأكبر للوجود في هذه المنطقة والذي ما زال ماثلا بوضوح ليومنا هذا هو تلك الشجيرات المتناثرة هنا وهناك والتي تشهد على كثافة الغابات في المنطقة، والناظر إليها يسترجع في ذهنه شريطا مأساويا من الاعتداءات التركية على الطبيعة الأردنية التي أحالت الكثير من الأراضي إلى مساحات قاحلة تتناثر فيها بضع شجيرات على مسافات متباعدة .

      ومثلما لم تسلم الاشجار والغابات من الاعتداء العسكري التركي لم يسلم أيضا خط سكة حديد عنيزة – الشوبك، ففي عام 1918 وعندما تأثرت خطوط المواصلات التركية نتيجة نجاعة الضربات العسكرية الي وجهتها لها قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية واحكام سيطرتهم على المنطقة؛  لجأ الأتراك إلى هذا الخط لنزع قضبانه وخشباته في عام 1918 لترميم وتصليح خط معان – درعا لإدامة المسير عليه.

      وقد اختفى  خط عنيزة – الشوبك تماما والأثر الوحيد له كما ذكرنا هو آثار العدوان التركي على الثروة الحرجية وفراغ الأرض من الأشجار التى تم نقلها بعد تقطيعها عبر هذا الخط لاسناد عمليات الأتراك العسكرية .

 

 

المراجع :

  1. الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر،2011 .
  2. التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  3. الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.

المسار الرابع عشر لمعارك التحرير

  المسار الثاني عشر لمعارك التحرير 

 خط المسير الجغرافي لقوات الثورة : ( معان – غدير الحاج – الشيدية – قلعة عقبة حجاز ( المبروكة ) وادي الرتم ( بطن الغول ) – حصن طوابي – تلول الشحم – رملة – المدورة )

مقدمة

تعتبر المنطقة ما بين معان والمدورة من أهم مسارح حرب الثورة العربية الكبرى، ويبلغ طول مسار هذا المسرح العسكري حوالي 120 كلم ، وهو يمتاز بقساوة المناخ والطبيعة ولكنه الأكثر حيوية وكان حاسماً فى تقرير مسار الحرب العالية الاولى، ومن دراسة مسار معان المدورة ككل وعلى طول مسار معان المدورة نلاحظ فيه ما يلي :

  •   امتداد سكة الحديد
  • تنوع محطات الخدمة ووجود الآبار
  • وجود بعض القلاع الضخمة
  • انتشار النقاط الحصينة والمراقبات وهذه جميعها جعلت من من طبيعة عمليات هذا المسار ذات قيمة خاصة ، فهو المسار الذي شهد:
  •   دخول قوات الهجانة التي قدمت من مصر لأول مرة للمسرح العسكري الأردني .
  •  دخول القوات المدرعة واشتراكها في معارك المدورة لأول مرة أيضا .

مميزات أرض العمليات بين معان والمدورة

تتحكم العوامل التالية في عمليات الجيوش في تلك الفترة في هذه المنطقة :

  • طول خطوط الامداد والتزويد
  • البعد أو القرب من القواعد الأساسية للقوات العسكرية
  • تنظيم وتسليح القوات العسكرية خاصة وأن هذا العامل يظهر في الميدان فجأة عندما يدرك الطرفان قوة بعضهم قبل الاصطدام بفترة قصيرة.
  • المعلومات والاستخبارات وهذا ماكان يعوز الطرفين ، فعطفا على العامل السابق فإن قوات الثورة عندما تتحرك للهجوم أو تنفيذ عمليات عسكرية معينه تتفاجأ بقوة العدو، فتحجم عن العملية أو تحول مسارها اتجاه آخر وقد كان هذا واضحًا في أكثر من عملية عسكرية.

وقد ظهرت هذه العوامل بشكل واضح أثناء العمليات العسكرية خاصة بسبب الظروف الصعبة التي تسود هذه المنطقة وطبيعتها الجغرافية وطول المسافة وتباعدها وخلوها من السكان المحليين أو أية تجمعات سكنية قد تفيد أو تعين فى مجال الارشاد والإدارة.

مسار العمليات العسكرية بين معان والمدورة

نقدّم هنا دراسة لمسار العمليات العسكرية وفقاً لتسلسلها من جنوب معان وهي كالتالي :

غدير الحاج وقد شهدت معركتين هما :

  • معركة غدير الحاج الأولى

شهدت المنطقة بين معان والمدورة أول عملية عسكرية لقوات الثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية، فعندما تحركت القوات العسكرية بقيادة الشريف ناصر ومعه الشيخ عودة أبو تايه من الجفر، اتجهت من الجفر التي تبعد حوالي 40 كلم من خط سكة الحديد باتجاه الجنوب والغرب فهاجمت محطة غدير الحاج الى الجنوب من معان بـ 17 كلم، وقضت على القوة العثمانية المتواجدة فيها قبل أن تواصل سيرها باتجاه منطقة أبو اللسن ورأس النقب وتنفذ عملياتها هناك كما ورد في المسار الأول لمعارك الثورة عن عمليات تحرير العقبة.

وكانت هذه العملية وهي الأولى في 1 تموز 1917 ، بمثابة الإنذار للقوات العثمانية وحلفائها الأمان و النمساويين لتعيد تنظيمها وتركز قواتها وهذا حصل بالنسبة لمعان والتي كانت تتحصن فيها القوات العثمانية و عدد من كبار الضباط و المهندسين الألمان و النمساويين، لكن بعد عملية غدير الحاج ومن ثم أبو اللسن وتقدم فرسان العشائر الأردنية جنوبا باتجاه العقبة اعادت القيادة العسكرية العليا للقوات العثمانية و حلفائها الألمان و النمساويين – ممثلة بالجنرال الألماني أوتو ليمان فون ساندرس –  تنظيم وتعزيز القوات العثمانية في معان لتصبح منطقة دفاعية قوية وبدء استخدام أهالي معان كدروع بشرية عبر التهديد و الوعيد، ما أدى لجعل المهمة أصعب على قوات الثورة التي خشيت على سلامة أهالي معان بالمقام الأول .

125jpg
عدد من فرسان الثورة في الحملة العسكرية في منطقة غدير الحاج
  • معركة غدير الحاج الثانية

تأتي هذه المعركة بعد اتخاذ العمليات العسكرية طابعها النظامي، واعتماد العمليات العسكرية المدروسة في عمليات تحرير الأرض الأردنية، وكانت قد بدأت في 22 نيسان 1918 أي بعد عام تقريبا من العملية الأولى.

 وقد أورد القائد محمد علي العجلوني في مذكراته عن الثورة العربية الكبرى أن عملية غدير الحاج كانت تمهيدا للمعركة الرئيسية في معان، حيث صدر أمر الزحف إلى جنوب معان للواء الثاني مشاة من الفرقة الثانية، ويذكر العجلوني أنه كان قائدا لإحدى سرايا المشاة، وقد هاجم الفوج استحكامات محطة الغدير وقصفها بالمدافع فاستسلمت المحطة كاملة بعد مقاومة شديدة ووقع العديد من الأسرى العثمانيين و الألمان في أيدي قوات الثورة.

 ويروي العجلوني أن الترك أسروا ضابطا من قوات الثورة برتبة نقيب فقتلوه و من ثم مثلوا بجثمانه، وهنا أراد جميل المدفعي الثأر لروح الشهيد و للفعلة البشعة التي ارتكبها العثمانيون، فتقدم لاختيار أربعة من الأسرى الأتراك لإعدامهم على الفور لكن أخلاق قوات الثورة و رفضهم الذاتي لاستخدام ذات أساليب المحتل العثماني فتم الصفح عنهم ومعاملتهم بإنسانية، واشترك في مقدمة قوات الثورة فرسان عشيرة الحويطات من التوايهة بقيادة الشيخ عودة أبو تايه ويقدر عددهم بـأكثر 200 مقاتل كما شارك بذات العدد فرسان الجازي الحويطات بقيادة الشيخ حمد بن جازي .

وقد بدأت العمليات العسكرية بقصد الاستطلاع أولا وجرى العمل على الهدف في المنطقة كالتالي  :

  • تقدمت مفرزة الاستطلاع المؤلفة من امراء السرايا والمدفعية والرشاش.
  • أثناء وجود قوات الاستطلاع في وادي العقيقة تعرضت القوات للحصار من قبل سرية عثمانية من الخيالة المسلحة فأيقنوا أنهم سيقعون في الأسر ومن ثم سيكون مصيرهم القتل والتمثيل بهم، لكن وهم يعيشون هذه اللحظة الحرجة جاءت لنجدتهم خيالة الحويطات بقيادة الشيخين عودة أبوتايه وحمد بن جازي وتمكنوا من هزيمة السرية العثمانية المحاصرة لهم، وانقاذ قوة الاستطلاع وقد جرح الشيخ الفارس حمد بن جاري في هذ المعركة ونقل الى المستشفى .
  • في 21  نيسان 1918 م أرسل قائد السرية أحد الجنود لمهمة الاستطلاع لكن هذا الجندي لم يعد و اعتبر مفقودا ولم تعرف أخباره إلاّ بعد تحرير محطة غدير الحاج.
  • في 22 نيسان 1918م بدأ العمل على موقع القوات العثمانية حيث تقدمت قوات سرية المشاة من جهة الجنوب وهاجمت القوات التركية في المنطقة وأسندت السرية الثانية هذا الهجوم فاستسلمت القوات العثمانية في هذا الموقع ومن ثم تبعتها بالهجوم على المحطة حيثث بدأ الهجوم بقصف مدفعي تمهيدي ثم زحف المشاة والتحموا مع القوات العثمانية في المحطة بمعركة حامية وانتهت باستسلام قوات المحطة وأسر 300 بين ضابط وجندي تركي و ألماني والاستيلاء على مدفعين رشاشين و أسلحة أخرى وواصلوا عملياتهم بنزع ألف قضيب من قضبان سكة حديد القطار العسكري وتدمير خمسة جسور يستخدمها القطار ومن ثم اتجهت شمالا لتسهم في عمليات تحرير معان.
  • دخلت القوات العربية الى محطة الغدير وطهروها ووجدوا فيها الجندي الذي كان قد أرسل في مهمة استطلاعية – وعدّ مفقودا – مقطوع الرأس داخل المحطة .
  • عادت القوة بعد العملية إلى معسكر الوهيدة غرب معان لتبقى في مهمة الاحتياط لقوات تحرير معان وقد حملت 7 ضباط اتراك و 40 جنديا كأسرى

وبالتالي فإن عملية محطة غدير الحاج الثانية قد جاءت بالنتائج التالية :

  • التأكيد على قطع خطوط الإمداد إلى القوات العثمانية في معان من جهاتها الجنوبية فمحطة غدير الحاج هي الأقرب لمعان على بعد 17 كلم إلى الجنوب ويعني هذا أن قوات الثورة تستطيع أن تراقب وتستطلع المنطقة وتجمع المعلومات تمهيدا للهجوم على القوات العثمانية و الألمانية في معان .
  • تعطيل عصـب المواصلات نهائياً في منطقة الجنوب خاصة بعد اكمال قوات الثورة لمهمتها ما بين عمان والمدورة في تعطيل خطوط القطار العسكري العثماني ونزع القضبان وتفجير العديد من العبارات.
  • اثرت هذه المعركة معنويا بإيجابية في الروح القتالية لقوات الثورة ودفعتهم للعمل بسرعة استعدادا للانطلاق نحو الشمال وتحرير الأرض الأردنية كاملة.

 

  1. محطة الشيدية

محطة الشيدية  بناء منفرد من أجل الحراسة  والشيدية حملت هذا الاسم لكونها منطقة يغلب عليها اللون الابيض أو لون الشيد، وفيها الآن اكبر مناجم الفوسفات في الاردن .

لا تبعد محطة الشيدية عن منطقة غدير الحاج كثيرا وهي تتوسط المسافة إلى عقبة حجاز تقريبا ويجيء ذكرها في العمليات العسكرية في بطن الغول وعقبة حجاز وغدير الحاج.

  1. قلعة عقبة حجاز ( فصوعة ) أو المبروكة

ترتبط هذه المنطقة بحدث سياسى بارز وهو الكشف عن اتفاقية سايكس بيكو ، فقد كان من المقرر الهجوم على هذه المحطة وعلى القلعة، ولكن الكشف عن الاتفاقية وغدر الحلفاء أوجد ارباكا في تنفيذ قرار الهجوم، فطرح بعض القادة فكرة التوجه شمالا فوراً حتى لا يصل البريطانيون الى الشمال أولا ولكن كان الرأي النهائي السير في تنفيذ الهجوم والذي تم بصورة دراماتيكية.

  • عملية عقبة حجاز ( المبروكة )

عقبة حجاز محطة مهمتها هي الحراسة والمحطة و القلعة تشكلان مصدر مياه رئيسي في المنطقة ومن هنا فإنها تكتسب أهمية خاصة وموقعها الجغرافي في منطقة تسيطر على  طريق التقرب والانحدار نحو الجنوب فهي تقع على حافة أودية سحيقة أشهرها بطن الغول.

العملية العسكرية التي تمت ضد محطة عقبة حجاز في حد ذاتها غارة عسكرية سارت من معسكر أبي اللسن جنوب معان سالكة الأودية المحاذية لمنطقة رأس النقب لتقطع المنطقة باتجاه الشرق رأسا الى هذه المحطة

290jpg
دورية عسكرية من قوات الثورة حاملة راية الثورة أثناء مسيرة عسكرية في هذا المسار العسكري لتأمين الحصون فيه

 

  • الوضع السياسي والعسكري بعد الكشف عن اتفاقية سايكس بيكو

ساد القلق والاضطراب بين الضباط ومقاتلي وجنود الثورة بعد وصولهم أنباء اتفاقية سايكس بيكو والتي شارك فيها الروس، لكن بعد الثورة البلشفية نشر الروس وثائق السلطة القيصرية ومن بينها اتفاقية سايكس بيكو على العلن، ما جعل القيادة العسكرية العثمانية تستغل الفرص لتثبط عبر هذه الوثائق همّة مقاتلي الثورة.

حيث أحدثت حالة من الارتباك والشك والقلق حول الكيفية التي سيتصرفون بها مع قوات التحالف التي تقاتل معهم وتتآمر عليهم في ذات الوقت، ومن هنا بدأ الحديث والنقاش يتركز حول أسلوب العمل المقبل، فعرض قادة الجيش على سمو الأمير فيصل خططا للتقدم شمالا والدخول في معارك حاسمة مع القوات العثمانية وذلك لاغتنام الفرصة قبل فوات الأوان، وقبل زحف القوات الانجليزية واستيلائها على الأرض والسيطرة عليها وتنفيذ مخططاتهم، وقد أوردت المراجع التاريخية هذه العمليات وأكدها الذين شاركوا في العمليات العسكرية في تلك الفترة ومنها رواية صبحي العمري الذي كان موجودا في قاعدة أبو اللسن التي انطلقت منها حملة عقبة حجاز .

278jpg
من الشمال إلى اليمين : الأمير زيد بن الحسين ؛ الأمير فيصل بن الحسين ؛ و ووجهاء عشائر في أبو اللسن

وجاءت هذه التوجيهات للانطلاق شمالا وحسم الموقف مع العثمانيين على اثر الفتور الشديد والخمول الذي ساد وأوشك على أن تفرغ الثورة من اندفاعها ومن وميضها، فالهدف كان الاستقلال من الاحتلال العثماني واستعادة السيادة على الأرض، فكيف وهم في غمرة أعمالهم التي توجتها انتصاراتهم العديدة سيشاهدون أنفسهم ينطلقون من حكم أجنبي إلى حكم أجنبي جديد، وقد طلب الثوار من الشريف الحسين بن علي السعي لدى الحلفاء للحصول على تفسير لما يجري لكن الواقع كان مخالفا ومغايرا وجاءت التأكيدات البريطانية للشريف الحسين بن علي على شكل تطمينات، مؤكدين على أن السيادة والاستقلال لن يتم المساس بهما وأن ما يجري هو لتنظيم العمل فى المنطقة ما بين الحلفاء وما إلى غير ذلك من التطمينات غير المنطقية.

  •  تنفيذ عملية عقبة حجاز

 قدم ضباط الجيش مضبطة الى سمو الامير فيصل على خلفية اخبار اتفاقية سايكس بيكو، حيث أمر سمو الأمير فيصل بإسناد القيادة إلى جعفر العسكري، فتحركت الحملة في اوائل شهر نيسان من عام 1918 م والطقس كان غائما باردا فاشتدت العاصفة وهطلت الأمطار بغزارة واصبح استمرار السير صعبا، وعلى ضوء الموقف أمر جعفر العسكري القوات بالعوة الى ابواللسن، وقد تقدمت مجموعة انقاذ من أبواللسن وصادفت العائدين في الطريق وقدمت الاسعاف لهم .

كان تنفيذ هذه الحملة ضروريا للأسباب التالية :

  • وجود قوة عثمانية كبيرة في المنطقة تتمركز في محطة عقبة حجاز وفي القلعة القريبة منها .
  • أهمية هذه المحطة لأنها تسيطر على بداية الطريق المتشعبة باتجاه منطقة وادي رم والديسه والعقبة باتجاه الغرب والجنوب والجنوب الغربي و باتجاه منطقة السهول الشرقية الواسعة نحو الجفر والأزرق وباير.
  • تعتبر مصدرا هاما لتزويد الماء وتخزينها في المنطقة.
  • كما أن تحرير هذه المنطقة يعني تزويد قوات الثورة بمركز قيادي جاهز يؤمن المأوى ومصدر المياه .

لقد ركزت قيادة الثورة على أهمية حرير هذه المنطقة، لكن وبسبب التحولات السياسية  الجديدة والظروف الجوية فقد أعيد التخطيط من جديد للإنطلاق شمالا في سياق عسكري وسياسي نحو الاستقلال.

ويروي البطل محمد علي العجلوني في كتابه ( ذكرياتي عن الثورة العربية )، وقد شارك فعليا في هذه الحملة: ” وقد اتفقت مع الضباط على أن نمضي الليل فى قلع شجيرات الشيح والبلان ومحاولة اشعالها لتدفئة الجنود، خاصة أن حركة القلع ونقل الشجيرات واشعالها تحرك الدم ومضى الليل بطوله الى الصباح ونحن في معركة مع الطبيعة خوفا من الفناء من التجمد،  ولولا ذلك فلا يدري أحد منا كيف تكون عاقبته، ولما أسفر الصباح وفي ظل هذه الظروف جاء القرار بتنفيذ الحملة، ويروي العجلوني أن القرار جاء مفرحا للثوّار وكأنه أنقذهم من حالة سبات وركود الى اندفاع من جديد.

و يقول : ” وبعد بضعة أيام على تلك المباحثات صدر قرار قيادة الثورة بالتأهب للغارة على محطة للقطار العسكري جنوب معان اسمها ” فصوعة ” وتلقيناها بارتياح وكلنا عزم وعلى استعداد للتضحية وفي صبيحة أحد الايام زحفنا فى في كتيبة مشاة بقيادة جعفر العسكري ومعنا بعض المدافع الرشاشة، وكان ذلك اليوم قارسا باردا والجو غائم، وكنا كلما توغلنا في السير رأينا أننا في احترابين مع الطبيعة الغضبى ومع العدو الذي نحن مقبلين عليه، ولما أدركنا المساء ونحن فى مسيرنا رأينا السماء تزمجر و أخذت الأمطار تهطل بغزارة ورافق تهاطلها ذرات الثلج .

 

%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%ac%d9%84%d9%88%d9%86%d9%8a-355x400
البطل محمد علي العجلوني

ويكمل العجلوني بقوله : ” توقف المطر و رجعنا إلى الوراء مذهولين من هول الكارثة وأيدينا متورمة من اقتلاع الشجيرات والبرد على أشده ومررنا بالجمال وهي باركة في الوحل وأكثرها متجمدا فأخذنا معاطفنا فارتديناها واستأنفنا السير إلى أبي اللسن، والتقينا الأمير فيصل ومعه الاطباء ووسائل الاسعاف فآلمتنا مضاعفات الكارثة، و يذكر العجلوني أن لورنس سكت وسكت غيره  ولم يذكروا هذه الحادثة ولو تلميحا في حين أن لورنس يملأ صفحات كتبه بأتفه الأمور التي صاغها بأسلوبه الروائي ليرضي نزعة بعض الغربيين بلذة القصة ومحاكاة الخيال.

ومما زاد الأمر سوءا انه في نفس التوقيت تراجع الجيش البريطاني عن عمان وأنهزم أمام الجيش التركي الرابع وزاد هذا من قلق الضباط و فرسان الثورة وأثّر في معنويات قوّات الثورة، لكن نتيجة لاتصالات الأمير فيصل فقد استجابت القوات البريطانية لمطالبه وأرسلت الإمدادات العسكرية والأدوية وتقرّر البدء بالتخطيط لتنفيذ هجوم شامل على الجيش التركي وحلفائه الألمان النمساويين في معان .

  1. وادي الرتم ( بطن الغول )

أدت هذه المحطة دورا كبيرا في العمليات العسكرية، ولكن لم تشهد أية معركة بعينها إلاّ أن حركة جيش الثورة ووجيوش العدو التركي كانت تتم من خلالها وحولها، وهي محطة مكشوفة يصعب الدفاع عنها اذا ما هوجمت، وفي نفس الوقت يصعب الهجوم عليها لأن المهاجم يكون مكشوفاً ومن مسافة بعيدة حين يتقدم إليها .

  1. حصن طوابي

اسناد المحطات على السكك الحديدية بمواقع دفاعية على شكل حصون هو أسلوب اتبعته القوات التركية في تعزيز الدفاع والحماية لخط مواصلاتها الرئيسي، وتوجد بين المدورة ومعان ثلاثة حصون هي حصن أبو الرتام وحصن عمره وعمير وحصن طوابي ولكن حصن طوابي يتميز عنها كموقع عسكري متكامل للغايات الدفاعية ويمسك منطقة واسعة وهو نموذج دفاعي ولا زالت آثاره باقية حتى الآن.

 مميزات موقع الحصن

لعل الدارس الجغرافية المكان والناظر اليه برؤية عسكرية لن يجد صعوبة في استنتاج أهداف السيطرة على هذا الحصن واسباب اختيار هذا الموقع.

  • حصن طوبى يتوسط منطقة سهلية واسعة دائرية قطرها حوالي 1.5 كلم على الأقل.
  • هذه المسافة الدائرية الفسيحة الخالية المكشوفة تمنع المفاجأة عن قوات الحصن، وتصعب عمليات التسلل إليه من كل جهاته.
  • بعد التلال والمرتفعات عن منطقة الحصن تحول دون استخدام الأسلحة المتوفرة في ذلك الوقت ضد الحصن فهو يقع خارج مدى أسلحة الرشاشات والبنادق التي لا يزيد مداها عن 800 متر فى ذلك الوقت، وبالتالي لن تستفيد أية قوة مهاجمة من التلال والمرتفعات المحيطة لتنفيذ عملياتها.
  • يؤمن الحصن نفسه مراقبة جيدة لارتفاعه وسيطرته على ما مسافته 6 كلم من خط سكة الحديد.
  • يستطيع الحصن أن يؤمن الاسناد أو يتبادل الاسناد مع حصن أبو الرتام ومحطة أبو الرتام شمالا وحصن عمره وعمير ومحطة رملة جنوباً .
  • بتميز بوقوعه على طريق الإمداد والتموين وهو خط القطار العسكري ذاته إضافة لوجود مواقع تموين اضافية شمال محطة أبو الرتام في جبل بطن الغول حيث توجد آثار مخبز ومواقع لتربية الحيوانات ومصاطب امداد الخبز.
  1. عملية محطة تلول الشحم

يذكر لورنس في كتابه اعمدة الحكمة السبعة أن تنفيذ عملية محطة تل الشحم تطلبت جهدا خاصا حيث استخدمت قوات نظامية مسلحة بأسلحة معقدة ويقصد هنا بالمعقدة قياسا مع الأسلحة الحديثة التي كانت سائدة في تلك الفترة، وهو يذكر بإسهاب عن القائد الانجليزي ” داوني ” ويتجاهل دور قوات الثورة وأبطالهم من أمثال محمد علي العجلوني وغيرهم وهم الذين صنعوا المعركة وصنعوا النصر فيها.

ويذكر سليمان الموسى في كتابه لورنس وجهة نظر عربية أن الحملة قد غادرت صباح 30 كانون الأول 1917 بهدف مهاجمة محطة المدورة وأن الحملة في كانون ثاني 1918 سعت إلى نسف خط القطار العسكري بين تل الشحم ووادي الرتم وواجهتهم صعوبات متعددة حيث أنهم من لن يتمكنوا من ذلك دون تعرضهم للكشف من من قبل القوات التركية، لذا اتجهوا نحو الجسر ذي القناطر السبعة وتقدمت السيارة ذات المدفع    ( 10 رطل ) وخربت الجسر ومن ثم اتجهت شمالا نحو محطة تل الشحم وهاجمتها وحققت عنصر المفاجأة للقوات التركية، خاصة وأن الأتراك لأول مرة يشاهدون العربات المصفحة والمدرعة.

والجدير بالذكر أن قوات الثورة قد شاركت في هذه العمليات حول تل الشحم وقاتلت وتعاملت مع الأسلحة الحديثة واكتسبت خبرات جديدة، وقد تميزت المعركة بأنها معركة متكاملة وتكاد الروايات تتطابق عن معركة تل الشحم باستثناء ما يورده لورنس الذي يحاول ابراز ذاتيته وشخصيته بطريقة تلغي دور وبطولة قوات الثورة وحتى أنها تقلل من دور أقرانه من الضباط الانجليز ، رغم أنّ المراجع نفسها تؤكد أن القائد لهذه المعركة هو الشريف ناصر بن علي وساعده الكولونيل الانجليزي ” داوني “.

واذا ما عدنا إلى تسلسل معركة تل الشحم فقد تمت وفق السيناريو التالي :

  • تقدمت القوات المصفحة الى الخندق القريب من المحطة في سكون الليل لتحقيق عنصر المفاجأة مع انبلاج الفجر.
  • تولت المصفحة رقم (1) ورقم (3) نسف جسري القطار العسكري (أ.ب) وفقا لمخطط العمليات والمصفحتين من طراز ( رولز رايس ).
  • بينما تتجه السيارتين المصفحتين من طراز تالبوث لنسف جسور القطار ( د،ف) وفقا لمخطط العمليات الذي تم وضعه وفقا لطبيعة المنطقة.
  • بعد ارتفاع الشمس تكون الرؤية واضحة، تهاجم قوة المركز الجنوبي للمحطة بينما تهاجم قوة أخرى من الشرق، فيما تهاجم قوات العشائر الأردنية من الشمال تحت نيران الرشاشات البعيدة المدى التي فوق المدرعات وتحت حماية مدافع “برودية ” المتمركزة فوق تلة المراقبة.
  • تهاجم قوات الثورة بعد ذلك وراء الدبابات للتقدم نحو المحطة.

وقد تم تنفيذ هذا السيناريو ، والمفاجأة كانت فى سرعة استسلام الأتراك، ولقد حصدت قوات الثورة كثيرا من الأسلحة والتجهيزات فقد روي أن ثمانية من كل عشرة فرسان من فرسان الثورة قد حصدوا اسلحة وذخائر كافية وعادوا الى مضاربهم وقد بلغ مجموعها 200 بندقية و 8000 صندوق مليئة بالخرطوش والقنابل اليدوية والمؤن والملابس.

وعملية تل الشحم والمحطة كانت من العمليات العسكرية الحاسمة لإحكام السيطرة على خط معان والمدورة، وبالتالي عزل الساحة الشمالية عن الساحة الجنوبية .

عملية محطة رملة

تكاد المراجع تجمع أنه لم تحصل أية اشتباكات في هذه المحطة فقد انسحبت الحامية العثمانية قبل وصول قوات الثورة إليها، لكن أهمية هذه العملية تكمن في :

  • اكمال السيطرة واحكامها على مناطق المدورة جنوبا ثم رملة وتل الشحم تماما ، وبهذا تسيطر قوات الثورة على ما مسافته 26 كلم سيطرة تامة وبهذا حققت مبدأ العزل والفصل ما بين القوات التركية في الجنوب والأخرى المتواجدة في الشمال .
  • تركت العملية أثرا معنويا ايجابيا فوصول قوات الثورة إليها وانسحاب الأتراك منها يعطي دلالة على نجاح فرسان الثورة في عملياتهم ومنحهم دفعا معنويا لمواصلة تحقيق الأهداف المنشودة.
  • ركزت قوات الثورة تساندها قوات الحلفاء من مصفحات وهجانة على منطقة المدورة لأنها الحد الفاصل بين مسرح الحجاز ومسرح الأردن.

معارك المدورة

لعل واحدا من أشهر أسباب تسمية هذه المنطقة بالمدورة هي أن هذه الاراضي قد ( دورت ) إلى أملاك السلطان العثماني بعد الاحتلال العثمانى بقليل فسميت الأملاك بالمدورة وغلب عليها اسم المدورة من حينها.

 العمليات العسكرية في المدورة

  • العمليات العسكرية الأولى في شهر كانون الثاني 1918م .

حدثت العمليات العسكرية الأولى ضد الحامية التركية في المدورة في الفترة التي كانت تجري فيها معارك الطفيلة الأولى والتي اعقبت استسلام حامية الطفيلة وانضمام قائدها العربي لصفوف الثورة، ولقد تحركت قوات الثورة يوم 22 كانون الثاني وبدأ الهجوم يوم 23 كانون الثاني بقصف تمهيدي للتحصينات والمواقع في المحطة، وفد اورد الشيخ البطل بن سودان الزوايدة وهو ممن عاصروا هذه العملية من فرسان العشائر الأردنية بأن الأمير فيصل قد نزل في في قاع الديسي ويضيف أن الهدف هو نسف القطار العسكري العثماني الذي كان من المقرر أن يمر في منطقة ” محطة الزلاقة ” وقد قاد العملية الشريف هاشم يوم 22 كانون الثاني 1918م.

 لكن التفصيلات الأكثر وردت في أوراق صبحي العمري كالتالي :

بدأت الهجمات على المحطة يوم 23  كانون الثاني 1918 وقد تألفت القوة المهاجمة التي اعتمدت اساسا على العشائر الأردنية كما يلي:

  • القوات النظامية وتتألف من :
  • عدد محدود من السيارات المصفحة البريطانية
  • سيارات تحمل مدافع جبلية
  • فصيل مدفعي مكون من ( مدفعين )
  • سرية مشاة نظامية
  • قوات العشائر الأردنية و تتألف من :
  • فرسان قبيلة الحويطات بإمرة الشريف هاشم
  • فرسان عشيرة العمران بإمرة الشريف هزاع
  • فرسان قبيلة بني عطية بإمرة الشريف محمد علي البديوي

 أما القوات التركية فقد تألفت من فوج مشاه ومدفعين وسرية رشاشات .

وقد أشرف على العمليات العسكرية الأمير فيصل بن الحسين واستند العملية وقصف مدفعي حيث أسفر الهجوم عن قتل خمسة جنود أتراك واستسلام 15 جنديا وتدمير دبابة، ولكن لم ينجح الهجوم بالاستيلاء على المحطة بشكل تام وانسحبت القوات الى الجفر.

 وقد أورد البطل محمد علي العجلوني أن عشائر بني عطية قد نفذوا هجوما على المحطة وخططوا لخطف بعض الضباط الأتراك للضغط على الحامية العثمانية لتلسيم المحطة.

 

285
قلعة المدورة ومسرح العمليات العسكرية فيها

 العمليات العسكرية في المدورة في شهر نيسان 1918م

من بين عدة مراجع فإن مذكرات الأمير زيد بن الحسين أوردت ذكر عملية عسكرية تمت في شهر نيسان 1918  وتسلسل العملية كما يلي :

  • الاستطلاع بواسطة الطائرات التي كشفت عن وجود قطار عسكري تركي فيها.
  • في 21 نيسان تحركت قوات الثورة إلى الشمال الشرقي على مسافة 6000 ياردة من المحطة .
  • جرى الاشتباك الأولي على مسافة 2500 ياردة قبل المحطة حيث فتحت المدفعية التركية نيرانها وأجبرت القوة المتقدمة على التراجع.
  • كانت المحطة قد تلقت تعزيزات من الجيش العثماني وصلتها من ” الديسي ” وارتفع حجم القوات فيها الى حوالى 500 جندي و ضابط
  • اتضح أن استمرار الهجوم على المحطة لن يحقق الأهداف المطلوبة لذا تحركت القوات العربية الى جنوب المحطة بـ 4 كلم ودمرت أجزاء من خط سكة القطار العسكري العثماني، ثم عادت الى منطقة ” تلول الشحم ” .

العمليات العسكرية في شهر آب 1918

فى سجل الحوادث ضمن أوراق الأمير زيد بن الحسين ورد أن المدورة سقطت بأيدي قوات الثورة في 8 آب 1918، ووقع 96 ضابطا وجنديا تركيا في الأسر وقتل 20 جندي تركي وجرح 30 . وقد نجحت القوات في تحرير المدورة وحققت هدف عزل الساحة الأردنية عن ساحة الحجاز ونجد أن هذه القوة واصلت الهجوم نحو الشمال وفشلت في تدمير نفق عمان ولكنها مهدت إلى حد ما للبدء فى العمليات الشاملة في الأردن

خاتمة

لا يختلف الحديث عن معركة المدورة عن الحديث عن بقية معارك الثورة العربية الكبرى لكن من الواضح هنا التنظيم في الفكر العسكري لقوات الثورة الذي يظهر جليا من خلال التخطيط العسكري لكل العمليات، وهذا يرتقي بالثورة إلى مصاف العمليات العسكرية المنظمة فكرا وعملا وتنظيما ويعطي الثورة صبغة العقلانية في التنفيذ والتخطيط بحيث يتأكد للباحث و القارئ أنها ليست ثورة مجازفة، كما يصفها بعض المؤرخين، ومن خلال مطالعة أحداث معارك المدورة بعملياتها العسكرية الثلاث نلاحظ أن المعلومات غير متكاملة حولها ولكنها تجمع وتؤكد على حدوث الوقائع والتنظيم في الأعمال العسكرية وتظهر الرؤيا البعيدة لقوات الثورة الذين رؤا في تنفيذ هذه العملية تحقيقا لمبدأ الفصل والعزل لساحتي القتال في الحجاز من جهة ، والأردن من جهة اخرى، ونلحظ التصميم في نفوس الثوّار والمقاتلين على انجاز المهمة رغم اتساع الجبهة وصعوبة الظروف القتالية في ضوء عدم توفر الأدوات التي تسهل العمليات العسكرية انذاك .

المراجع :

  1. الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل خولة ياسين الزغلوان ، و فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر،2011 ، ص 142-144.
  2. التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  3. الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  4. المراسلات التاريخية 1914-1918 : الثورة العربية الكبرى. المجلد الأول / أعدها وحققها وكتب حواشيها وترجم بعضها سليمان الموسى ، 1973.
  5. لورانس والعرب وجهة نظر عربية ، سليمان الموسى الطبعة الثالثة 2010م.
  6. المعارك الأولى : الطريق إلى دمشق / صبحي العمري. Early Battles : The Road to Damascus ، رياض الريس للكتب والنشر.

 

المسار الثاني عشر لمعارك التحرير

المسار الحادي عشر – معارك معان

فرسان العشائر الأردنية يرفعون راية الثورة و يمضون بها في مواجهة قوات الاحتلال العثماني
فرسان العشائر الأردنية يرفعون راية الثورة و يمضون بها في مواجهة قوات الاحتلال العثماني

مقدمة :

يورد الرحالة النمساوي “موزيل” توقعه  للثورة ضد الأتراك في الأردن اثناء سرده لهية الكرك التي شملت مدن الأردن حتى العقبة جنوباً ولكن في معان وليس الكرك وفي كتابه “شمال الحجاز” يقول أنه : مر بمعان يوم 10 ـ 7 ـ 1910،  وقال موزيل: بأن كل شيء في معان يوحي بالثورة وإنها واقعة لا محالة إما في معان أو بين الحويطات الذين سأل عنهم فأخبروه أنهم توجهوا غربا ويستعدون للثورة.

ومع إطلالة عام 1916م بعث الشريف حسين برسالة سرية لرئيس بلدية معان الشيخ ابراهيم الرواد مفادها(أوصيك بأنجالي خيراً وأخبره بالثورة قبل أي كان)

وترجم ذلك على أرض الواقع حيث وقف الرواد مع الثورة هو ومجموعة من أبناء معان ممن استطاعوا الخروج من معان التي أحكم عليها وأطبق الخناق من قبل القوة التركية المتمركزة في معان والتي كانت قوامها ستة الآف جندي وفرقة مشاه وعدد من الطائرات علاوة على التحصينات الكبيرة التي أنشأتها الدولة العثمانية مع مطار ومستودعات للذخيرة والعتاد. وخلال الحرب زودت مجموعات من أبناء معان جيش الثورة بالطعام ليلاً ويذكر الكبار بأن مجموعات كانت تتسلل ليلاً لتزويد جيش الثورة في تلال السمنات بالفواكه من بساتين معان ويذكر أحدهم بأن الجيش التركي حاول مباغتة جيش الثورة في تلال السمنات غرب معان فأصدر أحد المشاركين من أبناء معان صوتاً مكن لجيش الثورة من الانتباه وتلافي الهجوم

خط سكة القطار العسكري العثماني - محطة معان و يظهر منزل المهندس الألماني مايزنر - مهندس السكة - مع علم الاحتلال التركي و حليفه الألماني مرفوعين بجانب المحطة
خط سكة القطار العسكري العثماني – محطة معان و يظهر منزل المهندس الألماني مايزنر – مهندس السكة – مع علم الاحتلال التركي و حليفه الألماني مرفوعين بجانب المحطة

من المعروف لدى خبراء و مؤرخي الثورة العربية الكبرى و معاركها أن مدينة معان الأردنية و مساراتها في إرث الثورة لم تكن مساراً عسكرياً واحداً فحسب وليست مجرد طريق تحرير و استقلال فحسب، بل كانت معان مسارا دائما في تاريخ الثورة العربية الكبرى، وهي المعركة المستمرة التي ظهرت فيها عدد من القضايا و الأسرار و المفاجآت التي أدركها قادة الثورة بعد حين و لعل أبرز هذه الملاحظات ما يلي :

أ . ظهر فى معارك معان بشكل جلي أن الحلفاء لا يريدون للثورة العربية أي نصر حاسم أو تقدم عسكري واضح.

ب . وظهرت في معارك معان قدرة قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية على تحقيق النصر ولكن الاسلحة الحاسمة لم تكن بأيديهم

جـ . و تبيّن في معارك معان خداع الحلفاء، وكيف أنهم ارادوا لجيش الثورة العربية أن يبقى أطول فترة ممكنة في منطقة جغرافية محصورة كي لا يتوسع في عملياته نحو الشمال الأردني وأن يتم استنزاف قدرات هذا الجيش إلى أقصى حد ممكن .

د . وتزامن كل ما سبق مع تمركز قوات الاحتلال التركي في مركز مدينة معان متخذين من السكان دروع بشرية جعلت عملية الاقتحام اكثر تعقيداً وباتت تحتاج مدى زمني اقصى لتجنب اي خسارة بشرية أردنية من السكان المدنيين وبالفعل هذا ما كان لحظة تحرير معان.
هـ . ابتزاز الاحتلال التركي لأهالي معان عبر تهديدهم  بالبطش والفتك بهم ورمي أهالي المناصرين للثورة في سجن معان سيء الذكر إن هم ناصروا قوات الثورة أو انضموا لها أو اذا امتنعوا عن تسليم مؤنهم للقوات التركية المحتلة وسيعلقوا لهم المشانق كما فعلوا سابقاً في السلط والكرك

الوصف العام لمنطقة معان

معان ارض صحراوية ترتفع (1100 متر) عن سطح البحر كمعدل عام وهي تمتاز بالبرودة شتاءا، والجفاف والحرارة صيفا إضافة لتباين حرارة الليل عن النهار.

وارض معان وما حولها منبسطة لكن الطيات الأرضية تكثر فيها، وهناك بعض المرتفعات التي لا يزيد ارتفاعها عن  1300 متر تحيط بالمدينة من جانبها الغربي والجنوبي، واشهرها مرتفع سمنة ووادي العقيقة ووادي المحطة ووادي الجرذان و وادي وهيدة ، وتكاد معان تتوسط مواقع عديدة حولها فهي الى الشرق من وهيدة وأذرح والى الشمال من أبواللسن ورأس النقب والمريغة والى الجنوب من عنيزة والجرذان ، والى الغرب من الجفر والمدورة والشيدية .

موقف القوات التركية
تمركزت القوات المحتلة التركية في مدينة معان في منطقة صحراوية وتأثرت هذه القوات بالعوامل التالية :
أ . البعد عن المراكز القيادية الرئيسية للجيش العثماني في دمشق أو الناصرة أو المدينة المنورة في الجنوب ولا تقل المسافة عن 700 كيلو متر وهذا يؤثر فى عملية اتخاذ القرار .

ب . تمركز القوات التركية في أرض عربية ووسط أهاليها وحتى بعد استخدامهم كدروع بشرية ولهذا تأثيره السلبي حيث أن الوضع الاستراتيجي العام لم يكن في صالح القوات التركية المحتلة على المستوى البعيد .

جـ.  نجحت قوات الثورة في قطع خط الاتصال بين القوات التركية في معان ومركز السيطرة في المدينة المنورة بعد نجاح عملياتهم في المدوّرة وغدير الحاج وابو طرفة والرملة وبطن الغول وعقبة حجاز وغيرها وبالتالى عزلت القوات التركية من الجنوب .

د .  نجحت قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية في عملياتهم شمال وغرب معان في وهيدة و أبو اللسن وبسطة وغيرها وأثروا على أبو الجردان في الشمال و التي شهدت أربع معارك مختلفة وساهمت هذه العمليات في عزل القوات التركية المحتلة في معان من جهة الشمال والشرق .

 

الوضع الاستراتيجي للقوات التركية

أخذت القوات التركية تنظر إلى معان كمركز استراتيجي هام لقواتها واعتبرتها ورقتها الرابحة ولم تعر الاهتمام لكل الخسائر التي لحقت بها في أطراف معان من كل جهاتها، خاصة أن في معان محطة سكة حديد للقطار العسكري من الدرجة الأولى وهي محطة تحويلية صناعية وصيانة تامة ، من هنا وضعت خطة الاتراك لتوضيع قواتهم في المنطقة لحماية المراكز التالية :

  • قيادة جيش جمال باشا الثالث
  • مركز قوات الحفاظ على الخط الحديدي للقطار العسكري.

وكان توزيع  القوات التركية حول و داخل المدينة كالتالي :

  1. خط الدفاع الرئيسي في الغرب حيث اتجاه الهجوم الرئيسي المحتمل والذي يبدأ بعد 5 كيلومتر غرب معان بامتداد تلول السمنات من جهة الجنوب مرورا بوادي سمنة حتى تلول السمنات الشمالية في اطراف وادي الجرذان.
  2. خط الدفاع الشرقي على امتداد التلال الشرقية لمحطة القطار العسكري حيث ترتفع طبيعة الأرض في تلك المنطقة ثم انحدارها لوادي المحطة الذي يمر بالقرب من القلعة و بركة معان .
  3. خط الدفاع الثالث والذي يسند خط الدفاع الأول خلف تلول السمنات .
  4. خط الدفاع الرابع وهو على أطراف بساتين معان وبيوتها للاحتماء بها و استخدام سكانها كدروع بشرية و مصدرا للتموين عبر الاستيلاء على محاصيلهم و مؤنهم، ويتصل مع خط الدفاع الثاني ويتلاقى معه في الجهة
    الشمالية .
  5. القيادة الرئيسية داخل معان حيث وضعت في مكان تحت الأرض وأحيطت بالقوات التركية.

وقد استهدف هذا التنظيم ما يلي  :
أ . الاستفادة من بعد خط الدفاع الاول (حوالي 5 كيلو مترات) حتى تكون نيران قوات الثورة بعيدة ولا تصل إلى مركز القيادة أو المحطة آخذين بالأعتبار أقصى مدى للأسلحة المستخدمة لدى قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية  .

ب . أن يكون مطار معان العثماني ضمن خطوط الدفاع وتوفير الحماية له .

جـ. حماية محطة القطار العسكري التركي نفسها وإبعاد قوات الثورة عن التحصينات والمناطق المبنية .

د . امتصاص زخم هجوم قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية الذي يهدف إلى تحقيق النجاح واختراق اكثر من خط دفاعي في الجبهة .

هـ. كسب الوقت بحيث تطول المعركة وهذا يوفر الفرصة لوصول النجدات الى القوات التركية،  واذا ما عدنا الى الوثائق سنجد تأثير ذلك واضحاً عندما استخدمت القيادة التركية الخدعة ضد جنودها و مرتزقتها حيث أخبرتهم أن هناك نجدات ستصل إلى معان لإسنادهم .

حجم القوات التركية في معان

لا تعطي المصادر معلومات دقيقة عن القوات التركية المتحصنة في معان ولكن المؤكد أنها كانت على الأقل فرقة من قوات الجيش الرابع الذي يقوده جمال باشا ومركز قيادته دمشق وهي عبارة عن فيلق يبلغ تعداده حوالي (7000) جندي، ويقول العدروس في تاريخ الجيش العربي ص (229) أن القوات التركية المرابطة في معان كانت تبلغ حوالي (4602) جندي بقيادة ( علي بك ) ويذكر المؤرخين سليمان الموسى ومنيب الماضي في كتاب تاريخ الاردن في القرن العشرين ص (75)  ما نصه : ” كان جمال باشا ينوي الاحتفاظ بعمان حتى تصل قوات الفيلق الثاني المتراجعة من معان ومحطات سكة حديد الحجاز “

واذا ما عدنا إلى تنظيم دفاعات الأتراك في معان فإنها تعطي الدلالة على ضخامة العدد المتواجد فى المنطقة خاصة وأن المعارك حدثت في أواخر نيسان 1918 بعد تحرير مناطق غرب وشرق وجنوب معان من قبل قوات الثورة وجميع القوات التركية التي كانت موجودة في مواقع ” وهيدة وبسطة ودلاغة والمريغة ووادي ابوالرتم و المدورة وتلول الشحم ورملة وأبو اللسن والفقى والطاحونة” قد تجمعت في أقرب مركزعسكري لها فى معان وهذا ضاعف من حجم القوات التركية فيها وبقيت منطقة الشمال حيث احتشدت قوات تركية في أبو الجرذان وأخرى في عنيزة ، وقد وصلت امدادات عسكرية من هذه المواقع الى معان في اللحظات الأخيرة وبعد توقف القصف المدفعي المساند لقوات الثورة مما أتاح للقوات التركية الفرصة لتسديد رشاشاتها وأسلحتها نحو قوات الثورة وإلحاق الخسائر فيها ومكّنهم من الخروج من خنادقهم وتحصيناتهم لإعادة احتلال المواقع التي اخلتها قوات الثورة نتيجة للتبدل في الموقف .

الموقف العسكري لقوات الثورة

تميزت قوات الثورة بإسناد فرسان العشائر الأردنية بمميزات خاصة جعلتها تتفوق في ميادين العمليات العسكرية أهمها :

  • الرغبة الجامحة لدى كل جنود الثورة لتحقيق هدف الاستقلال من الاحتلال التركي والوحدة ، والحياة الفضلى و قيم النهضة .
  • قناعة كل الفئات والشرائح الممثلة للأردنيين والعرب بأهداف الثورة العربية الكبرى وانها انما جاءت لتلتقي وأمانيهم وطموحاتهم بتكليل جهود الثورات الصغرى للاستقلال النهائي .
  • قاتلت قوات الثورة فوق اراضيها وبين شعبها ومن اجلهما معا (تحرير الأرض والانسان) وبالتالي فهي تكسب صفة التفوق على القوات المحتلة لهذه الاراضي وسيادة أهلها .
342
زوبعة رملية تمر بأحد الاودية قرب معان أثناء العمليات العسكرية للثورة في معان

لهذه الاسباب وغيرها فقد كان اندفاع الأردنيين المنتظم نحو تحقيق أهدافهم وعلى أساس خطط له بطريقة ترقى لمستوى التنظيم في اي جيش في العالم في حينها وبهذا كان موقف قوات الثورة العربية الكبرى يرتكز على اكتساب صفة الشريك الكامل في المعركة كحليف مكتمل الشروط .

وقد تأثر حجم قوات الثورة بعوامل عديدة يصعب معها الوقوف على العدد الحقيقي وذلك للأسباب :

أ . التغير في بعض الأحيان في عدد قوات العشائر الأردنية المشاركة لأسباب مختلفة كعدم وجود التموين الكافة للانتقال في المسارات العسكرية أو بعد المناطق المراد تحريرها عن مراكز هذه العشائر أو وجود بعضها في خارج مناطق نفوذها و انتشارها و بعضها الآخر نتيجة الفتن التي زرعها الاحتلال العثماني بين العشائر الأردنية و ساهم باستغلالها إبان انطلاق العمليات العسكرية للثورة مما سبّب في أحيان قليلة عدم مشاركة عشيرة أردنية في العمليات العسكرية في منطقة ما حتى لا تضطر للاحتكاك المباشر مع عشيرة أخرى لا تجمعها بها علاقات ودية.

ب . إن عددا محدودا من الجنود غير النظاميين كانوا يتركون ساحة المعركة بعد تحقيق هدف تلك المعركة ولا يعودون وهذا كان له أثره على العمليات اللاحقة .

جـ. إن نسبة القوات غير النظامية كبيرة – قوات العشائر التي تطوعت للقتال من تلقاء نفسها-وهى تتفاوت من حين لآخر ففي معركة الطفيلة مثلا بدأت المعركة بعدد قليل من قوات العشائر الأردنية لكن ما لبثت أن تصاعدت أعدادها بعد أن وفد الرجال المتطوعون من بلدة عيمة مثلا وآخرون من جرف الدراويش وبالتالي فقد كانت المعركة في ذلك اليوم على وتيرة واحدة من زخم الهجوم وقوة الثأر لأن المدد بالقوات كان متصلا ومستمرا على مدار اليوم كله .

د . لا يوجد تنظيم عسكري موازي لقوات الثورة بحيث يستطيع كل قائد أن يوفر حجم قواته التي ستشترك في المعركة لأن كل زعيم عشيرة أردنية كان يحشد قواته لكل  مهمة فى حينها وهذا يتوقف على الموقف العام في ذلك اليوم ويؤثر هذا على التخطيط للمعارك اللاحقة، لأن القائد لم يكن بإمكانه تحديد حجم قواته الحقيقي .

ويمكن حصر قوات الثورة العربية الكبرى التي شاركت في معان من خلال الاستطلاع والبحث في المراجع المختلفة كالتالي :

(أ). القوى البشرية

  1. الفرقة الاولى في سمنة وتعدادها (3000 تقريبا )
  2. قوات العشائر الأردنية (3000 مقاتل )
  3. سرية اليمانيين (150 مقاتل )
  4. أربع افواج مشاة كل فوج (650 تقريبا ) (2600 مقاتل )
  5. قوات اللواء الثالث من الفرقة الثانية (700 مقاتل )
  6. قوات المدفعية والرشاش (300 مقاتل )

المجموع العام التقريبي 10000 جندي تقريبا

ويعتقد أن هذا العدد منطقي وهو أقل عدد ممكن لهذه القوات التي كان يقودها الأمير زيد بن الحسين ومعه جعفر العسكري، أما عن تنظيم قوات الثورة المسلحة تحديدا أورد البطل صبحي العمري في كتابه الأوراق الأولى تفصيلات المدفعية كما يلي :

  1. مدافع ابوس بقيادة الملازم أحمد البغدادي
  2. مدفع صحراوي 18 باوند بقيادة الملازم سامي رؤوف
  3. مدفع غروب سريع بقيادة الملازم أحمد الشنقيطي
  4. مدفع جبل غروب بقيادة الملازم الحاج احمد بكر
  5. مدفع مصري 7 سم بقيادة رفعت شوكت
  6. مدفع جبل فرنسي بقيادة الكابتن بيزاني
  7. مدفع هوجكس 2,5 سم بقيادة جميل المدفعي
  8. 20 رشاش
  9. 5000 بندقية
  10. 1000 مسدس
قوات الثورة تصعد إحدى المرتفعات الجبلية في طريقها إلى معان لتطهيرها من الحامية التركية فيها
قوات الثورة تصعد إحدى المرتفعات الجبلية في طريقها إلى معان لتطهيرها من الحامية التركية فيها

دور الحلفاء الفعلي في معارك معان

عملت قوات الحلفاء (البريطانيين والفرنسيين) في صفوف الثورة العربية الكبرى، وكان همهم بلا شك خدمة مصالح بلادهم بالدرجة الأولى، و حتى يتمكنوا من خدمة هذه الأهداف كان لا بد وأن يقدموا الإسناد والدعم لقوات الثورة وهذا الأمر بحد ذاته  لم يكن مرغوبا فيه بشكل فعلي من قبلهم لأنهم لم يريدوا في الوقت نفسه أن تصبح قوات الثورة مؤثرة في الساحة وتصل إلى مستوى الشريك الكامل الذي يفرض مطالبه ويجلس الى جانب المنتصرين في المفاوضات، وقد كشفت معارك معان عن الدور الحقيقي لهم قبل وأثناء المعركة .

ففي يوم (8 نيسان ) 1918 تقرر عقد لقاء لوضع خطة للهجوم على القوات التركية المحتلة في معان حضره قادة الثورة وأعضاء البعثة الانجليزية العسكرية ، وقرر قادة الثورة شن الهجوم فورا على الفيلق التركي في معان و خاصة للأسباب التالية :

  1. إن تعداد الجيش الشمالي للثورة قد بلغ أكثر من ثمانية الآف مقاتل تقريبا وهذا يشكل قوة تؤهله للقيام بالعمليات القوية والحاسمة.
  2. تلقت قوات الثورة مساعدة وأسلحة كافية بالنسبة لها (أسلحة خفيفة فقط) .
  3. وعود الحلفاء بإسناد هجماتها من قبل وحدات المدفعية الفرنسية .

تآمر الحلفاء على قوات الثورة

كان موقف البعثة الانجليزية مختلفا فقد وقفت ضد تنفيذ أية هجمات على القوات التركية، واعتبروا أن أية عمليات عسكرية ضد الأتراك في معان مجازفة ومغامرة لا يعرف مدى عواقبها واستشهدوا في حججهم على أن مدينة معان منطقة مكشوفة يصعب التستر والاختفاء فيها وتطبيق مناورات الهجوم والالتفاف وغيرها، إضافة الى أن قوات الثورة ليست لديها الخبرة في التعامل مع التحصينات وخطوط الدفاع المنظمة، وظهر الأمر واضحا ً حين كانت قوات الحلفاء تستعد لتنفيذ هجوم شامل في منطقة أريحا وشمال فلسطين، ولكن اصطدم هذا ايضا بخوف الانجليز من أي انتصار لقوات الثورة، وأجلوا البحث بالهجوم لكن فرسان العشائر و قادة الثورة كانوا وراء تنفيذ الهجوم على الحامية التركية في معان وفي التوقيت المحدد الذي وضعته قيادة الثورة دون اعتبار لوجهات نظر الحلفاء الذين رغبوا أن تسير الامور وفقا لرغباتهم ومقتضيات مواقفهم العاجلة في كل موقع وليس وفقا للأماني العربية ، لذلك وضعت خطة قيادة الثورة على أساس الهجوم الشامل لتحرير معان من محتليها.

ونجحت قوات الثورة في تنفيذ مخططاتها وسارت العمليات العسكرية وفق الخطة المرسومة وتمكنت من الوصول الى قلب محطة سكة القطار العسكري التركي، وعطلوا المطار التركي في معان واستولوا على مصادر المياه فى المنطقة، لكن الدور الانجليزي والفرنسي ظهر جليا هنا ضد تحقيق النصر للثورة ولكي يثبت الحلفاء على أنهم محقون في وجهات نظرهم وأن الهجوم على معان مجارفة، اوقفوا الإسناد المدفعي تماما رغم أن المدفعية الفرنسية لم تطلق أكثر من (20) طلقة بحجة نقص الذخيرة، وانسحبوا الى اوهيدة غربا وتركوا الجبهة وهذا اتاح الفرصة للرشاشات التركية لتسديد نيرانها على قوات الثورة وخرج الجنود الأتراك من خنادقهم وصبوا نيرانهم على قوات الثورة التي قاتلت باندفاع شديد، وحينها تبدل الموقف وتأثرت قوة نيران الثورة والمسددة ما جعل القوات تتراجع غلى الخلف لتفادي الخسائر الكبيرة التي بدأت تلحق في صفوفها .

المؤشرات حول الهجوم أعطت دلالات على الفشل، حيث أن القوات التركية كانت متحصنة تماما وتملك امدادات هائلة من الاسلحة والتموين ويسندها استخدامها للمدنيين من الأهالي كدروع بشرية لتلقي القذائف و الرصاص و التهديد بهم عبر استخدامهم كأداة ضغط أمام أهلهم من فرسان العشائر الأردنية كما قامت بابتزاز المدنيين من أهالي معان عبر التهديد  بالبطش بهم و الفتك بأهلهم إن هم ناصروا قوات الثورة العربية أو انضموا لها أو اذا امتنعوا عن تسليم مؤنهم للقوات التركية المحتلة وسيعلقوا لهم المشانق كما فعلوا سابقاً في السلط والكرك، وهذا كان عاملا محددا على أسلوب الهجوم الذي نفذته قوات الثورة بحيث لا تلحق الأذى عبر عملياتها العسكرية بأهل معان وبأي شكل كان، حتى أن الفارس الشيخ محمد بن دحيلان الحويطات قاوم و منع أي عمليات قصف جوي من قبل الحلفاء لمدينة معان للحفاظ على أرواح أهلها و أبنائها.

الفارس الشهم الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه
الفارس الشهم الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه

وعارض الشيخ الفارس محمد ابن دحيلان خطة الإنجليز الرامية لقصف قطاعات الأتراك المتمركزة في مدينة معان بالطائرات عبر قيامه بأقناع قيادات الثورة بخطورة خطة الدروع البشرية التي يستخدم فيها الاحتلال التركي ابناء معان كغطاء من المدنيين العزل

وتبدو اعظم نتائج معارك معان هي اكتساب قوات الثورة لخبرات مميزة في القتال القريب وادخال ذلك الرعب في قلوب الجنود الأتراك الذين لم يستطيعوا مغادرة المنطقة بأية حال، وعندما صدرت أوامر الانسحاب إليهم في22  أيلول 1918 بادروا فورا لتنفيذ هذا الأمر وخرجوا من المدينة ليلاقوا مصيرهم بعد ذلك في زيزيا.

هجوم قوات الثورة على الحامية التركية في معان

ذكرنا دور الحلفاء السلبي و المثبّط  في الإعداد للهجوم على معان ، ونورد هنا خطط الهجوم على الأتراك في معان، التي تدل على أن قوات الثورة كانت تنفذ هجماتها وفقا لتعبية عسكرية متوازنة ومدروسة يجعلها فعلا جيشا نظاميا مقاتلا محترفا وليست قوات اغارة وهجمات محدودة.

وبالرجوع الى المذكرات العديدة والأبحاث المتوافرة يمكن رصد خطط الهجوم على الأتراك في معان وفقا لهذه المصادر مع اختلافها فيما بينها وتاليا بعض هذه الخطط كما تم ايرادها :

قوات العشائر الأردنية قرب إحدى المرتفعات الجبلية في طريقها إلى معان لتطهيرها من الحامية التركية فيها
قوات العشائر الأردنية قرب إحدى المرتفعات الجبلية في طريقها إلى معان لتطهيرها من الحامية التركية فيها
  1. خطة الهجوم كما اوردها صبحي العمري :

ذكر العمري في مذكراته  ص 209  من أوراق الثورة العربية الكبرى – أنه في8 نيسان عقد مؤتمر دولي خاص لهذه الغاية حضره الأمير فيصل ونوري السعيد والكولونيل داوني لوضع الخطة حيث كانت كما يلي :

أ . المرحلة الاولى : الاستيلاء على محطة غدير الحاج في جنوب معان ومن ثم تخريب خطوط سكة الحديد في الجنوب والشمال وبعدها تعود المفرزة إلى ابواللسن بعد ترك مفرزة صغيرة للرصد في الجهة الجنوبية .

ب . المرحلة الثانية : تقوم الفرقة الثانية المرابطة في عين نجل في اليوم نفسه بمهاجمة محطة أبو الجردان ، وبعد الاستيلاء عليها تقوم بتخريب خط السكة وترك بعض المشاة للرصد والانذار في الشمال ثم تلتحق بأبو اللسن .

جـ. المرحلة الثالثة : وتبدأ في 24 نيسان 1918 حيث تقوم الفرقة الأولى بمهاجمة تلول السمنات وبعدها تهاجم القوات التركية في معان حسب الخطة المقررة ، وتضمنت هذه الخطة تفصيلات الهجوم على معان وتنظيم القوات المهاجمة حسبما ورد في الحديث عن موقف قوات الثورة العربية الكبرى .

  1. خطة الهجوم كما أوردها البطل محمد علي العجلوني :

ذكر البطل محمد علي العجلوني الذي قاد سرية في المعركة أن الهجوم على الأتراك في معان تميز بالدقة والمستوى الفني المتقدم حيث يقول :
” واستعد الفريقان لهذه المعركة استعدادا فائقا وعلى مستوى فني أعلى مما كان قبلا مع الفارق بالأوضاع، لأن جيشنا يهاجم في فضاء مكشوف والعدو متحصن بخنادقه ومن ورائه المحطة تمده بالنجدات وبالذخيرة.”

و يذكرالعجلوني مجمل الخطة عندما يقول :  ” وبعد تمهيد المدفعية شرعنا في الزحف في افواج المشاة على الخط الاول” .

ولا شك أن العجلوني كمقاتل في المواقع الامامية وكقائد لسرية مشاة في لواء المشاة الذي يقوده أمين الأصيل قد تحدث في مذكراته كعسكري محترف فقد تناول التطبيق العملي للخطة وأبعادها وأثر توقف القصف المدفعي الفرنسي في أحرج اللحظات خاصة وأن الأتراك كانوا على وشك الاستسلام وهو يقول هنا :

” لقد كانت المفاجأة مذهلة فقد كانت المدفعية الفرنسية متوقفة عن مواصلة قصفها، فسهلت للعدو التركي استخدام مدفعية الرشاش بحرية تامة، ولم نبلغ الخط الثالث حتى فقدنا نصف الضباط الذين يندفعون أمام الجنود في الهجوم بين جرحى وقتلى وكانت الخسارة في الجنود فادحة جدا ً…” .

إحدى عمليات تفجير سكك خطة سكة القطار العسكري العثماني في معان أثناء العمليات العسكرية لتعطيله و وقف استخدامه لتموين الحاميات التركية المتحصنة في معان
إحدى عمليات تفجير سكك خطة سكة القطار العسكري العثماني في معان أثناء العمليات العسكرية لتعطيله و وقف استخدامه لتموين الحاميات التركية المتحصنة في معان
  1. خطط الهجوم على معان كما وردت في مذكرات الامير زيد بن الحسين :

تناولت رسائل الأمير زيد بن الحسين الميدانية التي تعتبر أفضل الوثائق التي تحدثت بشكل واقعي وعملي عن مجريات المعارك جميعها ، تناولت معارك معان بالذات في مواقع متفرقة في  الرسائل لكننا لا توجد رسالة خاصة بمعارك معان بالذات والسبب أن الأمير زيد كان يعرض في كل رسالة له الموقف العسكري العام كقائد لا يختص بمنطقة محددة دون الاخرى ونورد هنا نص رسالة من الأمير فيصل بن الحسين الى الامير زيد مؤرخة في 12نيسان 1918:

“وصلتنا بشارتكم ولا شك أن بشائرنا وصلتكم الآن نحن نحكم سمنة، العدو لازم جبل الشعار يرمينا بمدافعه، بقدر ما يمكنكم أسرعوا بالتوجه الى الجنوب بعد ان تبقوا من يحمي ظهركم من عنيزة، وتوجهوا على معان، ربّما أننا باكر- غدا-  نهاجم معان، أنا في وهيدة ، نوري- السعيد- في سمنة، مولود- مخلص- جرح في رجله ولكن إن شاء الله طيب، شهداءنا أربعة فقط وسلامي على كافة الاخوان” .

 خسائر معارك معان

ندين لوثائق الأمير زيد بأنها تكاد تكون الوحيدة التي دونت خسائر معان في جانب قوات الثورة وأثبت نص رسالة الأمير زيد الى الملك الحسين بن علي طيب الله ثراه مؤرخة في 21 / 5 / 1918 م يبعث بها من الفقي غرب معان .

من : زيد الى الملك الحسين

الفقي : 21 / 5 / 1918 م

” تشرفت بالإرادة الملوكية المؤرخة 24 رجب 1336 هــ وبها علم احسان الجلالة للملوك وسام النهضة ، مدالية تذكار حرب معان ، فعسى الله لا يحرمني من بقاء ولي النعم . ولا شك أن الوسامات التي ننالها في ميادين القتال أكبر شرف لنا ولغيرنا من الذين يريدون استقلال البلاد العربية تحت ظل راية صاحب الشوكة … لم يحدث ما يوجب عرضه بهذه المناطق بعد المحاربة السابقة سوى أنني بمن معي من الجنود العرب هاجمنا الجردونة ثانية وغنمنا مدفع جبلي، وثلاث رشاشات و 180 اسيراً علاوة على الخراب المستمر في شمالي محطة معان . ثم بعد أن أخذنا المحطة المذكورة بيومين أتت قوة مركبة من ثلاثة مدافع صحراء وأربعة رشاشات، و 450 جندي تركي من معان ، وهجمنا عليهم في المرة الثالثة ودخلنا استحكاماتهم واخذنا مدافعهم، ولكن مع مزيد الأسف بعد أن أراد العدو التسليم وبالفعل سلّم منهم 13 جندي تركي، ورأوا جند صاحب الشوكة متقدمة عليهم بكل بسالة وشجاعة، غدروا بهم وأطلقوا عليهم القنابل اليدوية واستشهد في هذه الأثناء قائد اللواء الثاني السيد علي مع مرافقه السيد مصباح البيروتي وقسم من الجنود الذين دخلوا الاستحكامات، والقسم الباقي تراجع عقب هذه المسألة، ولا شك أن هذا من المقدرات الألهية . أما شهداؤنا فهم ستة ضباط بمن ذكرت أسماءهم أعلاه و 20 جندي ، والجرحى كثيرون ولكن اصابات خفيفة، وان شاء الله قريب سنأخذ الثأر منهم على غرم لجنود صاحب الجلالة .

ولي النعم ، لا يمكن لي تقدير الاعمال التي يعملها الضباط والأفراد بصورة التفاني ، كل ذلك لاستقلال بلادهم . وقد فقدنا في معارك معان 26  ضابط بين شهيد وجريح ما عدا الجنود، والقسم الأعظم من الشهداء من قادة الفرقة والألوية والأفواج . أمس نسفنا جسر مركب من تسع عيون وارتفاع خمسة أمتار مع قضبان كثيرة بين الجردون وعنيزة . ”
إلى هنا انتهت رسالة الأمير زيد للشريف الحسين بن علي

أحد المخافر التركية التي تم تدميرها من قبل قوات الثورة بعد تطهيرها من الحامية التركية في إحدى المناطق جنوب معان
أحد المخافر التركية التي تم تدميرها من قبل قوات الثورة بعد تطهيرها من الحامية التركية في إحدى المناطق جنوب معان

 تحليل لسير العمليات حول معان

من خلال الأحداث حول معان فإننا نصل الى تلك الصورة التي كان جيش الثورة يحاول تحقيق حسم سريع في المنطقة ليلحق بركب قوات الثورة في الشمال حيث كانت تعسكر في الأزرق او بدأت بالتوافد الى المنطقة الشمالية استعدادا للانتقال لتحرير باقي مدن الشمال .

وخلال الأحداث السابقة فإننا نلاحظ أن معان لم تتعرض للحصار أو الهجوم في الفترات الماضية، بل كانت قوات الثورة تتخطاها أو تتجاوزها حتى أن قوات الثورة أول ما بدأت من الجفر باتجاه العقبة في الأول من تموز 1917 قد اتجهت إلى الجنوب من معان باتجاه غدير الحاج ثم الى ابو اللسن ، ورأس النقب نزولا الى وادي اليتم على الرغم من امكانية قوات الثورة المسيطرة على المنطقة في حينها لكن الاعتبارات المختلفة و الحذر الشديد لعب دوره فى تأجيل هذه العملية .

وعندما تقرر الهجوم على المحتل التركي في معان في 18 نيسان 1918 م توفرت القوات العسكرية حيث بلغ تعداد هذه القوات حوالي عشرة آلاف مقاتل معززة بقطع مدفعية وغيرها ، لكنه لم يتوفر لديهم :

  1. التنظيم العسكري المتكامل الذي ينسق عمليات القوات النظامية والقوات غير النظامية ، وظهر ذلك واضحا فى حركة القوات غير النظامية التي  كانت تنفذ عمليات منفصلة .
  2. لم تتوفر المعلومات الكافية حول تنظيم دفاعات القوات التركية ولا حول حجم قواتها، وقد ظهر ذلك واضحا من خال قراءة الوثائق المتعلقة بهذه المعركة والتي ورد فيها أن القوات التركية كانت على وشك الاستسلام ولكن حدث تحول مفاجئ في الموقف نظرا لانسحاب المدفعية الفرنسية و توقفها إضافة إلى الغدر التركي عبر التظاهر بالاستسلام و ثم رمي القنابل اليدوية عن قرب فبعد أن اقتحمت قوات كل دفاعات الأتراك ودخلوا المحطة بدأوا بالإنسحاب واخلاء المنطقة والعودة الى تلول السمنات .

لقد كان موقف قوات الثورة وكما هو واضح في السياق موقفا متوازنا يؤهلها لمسك زمام المبادرة والسيطرة على المعركة وقيادتها لصالحها  وجاء تنظيمها ليحقق المهمة المطلوبة ، ولكن الى أي مدى تم تسخير هذا التنظيم لخدمة المعركة ؟

والأهم من كل هذا ان عامل الاستخبارات العسكرية كان ضعيفا إلى الحد الذي لم تعرف قيادة القوات شيئا عن حجم انجازاتها وتقدمها على طول خط الجبهة في معان فقد اجتازوا كل خطوط الدفاع التركية وهم لا يعلمون حتى أن أحد جنود الثورة قد استولى على جرس المحطة نفسها، ولا يعلمون أي شيء عن موقف القوات التركية التى أخذ قادتها يكذبون على جنودهم بأن هناك نجدات عسكرية قادمة فى الطريق من الجردانة وعنيزة وهم يدركون حراجة الموقف وصعوبته .
ومن قراءة سير العمليات العسكرية أيضا نجد أن قوات الثورة كانت تركز على إحراز النجاح وتحرير الارض وعندما تنسحب القوات التركية من موقع معين لا تتابعها قوات الثورة لإلحاق الخسائر في مؤخرتها لأنه لم من شيمهم الغدر بالمنسحبين مع العلم أن افضل الفرص لإلحاق الخسائر هي في عدو منسحب، وإنما كنت تكتفي قوات الثورة بأن تحل محل القوات المنسحبة فقط .

ومهما يكن فإن عمليات قوات الثورة بقيادة الأمير فيصل بن الحسين كقائد عام، وقيادة الأمير زيد بن الحسين كقائد ميدان في حينها أظهرت القوة والتصميم الأكيد على تحقيق المهمة كما كان التنسيق قد وصل إلى مستوى عال، ففي الوقت الذي كانت تشن به قوات الثورة هجومها ضد الحامية التركية في معان كانت قوات الثورة في شمال معان تهاجم محطات الإمداد والتعزيز خاصة محطة الجردون التي اختير الهجوم عليها في منتصف ليلة 24 نيسان 1918 م لتتزامن مع الهجوم على الجبهة التركية الأخرى في معان، كما قامت القوات النظامية بتأدية مهمتها بتخطيط سليم وتنسيق.

القائد العام الأمير فيصل بن الحسين و على يساره الأمير زيد بن الحسين القائد الميداني
القائد العام الأمير فيصل بن الحسين و على يساره الأمير زيد بن الحسين القائد الميداني

وظهر في معارك معان قلة خبرات قوات الثورة في الهجوم على المواقع المحصنة وإدراك الاتراك لنقاط الضعف هذه لدى الثوّار فأكثروا من إنشاء التحصينات و التمترس بالدروع البشرية ولهذا نلاحظ التحصينات ممتدة على طول خطوط سكة حديد القطار العسكري التركي وفي المناطق الداخلية للوقوف امام هجمات الثورة .

ومن الملاحظ أن نشأة التحصينات العسكرية في المنطقة إبان الثورة قد بدأ في أثناء معارك معان، وأيضا ً أخذت القوات التركية تتجمع في نقاط قوية كما أن مسار العمليات العسكرية للثورة قد أخذ ينحصر في منطقة مسار سكة حديد القطار العسكري وما حوله ، لأن الأتراك أرادوا السيطرة على خط السكة لضمان الإنسحاب والإمداد كذلك عبر قطارهم العسكري . ولهذا فإن معظم التحصينات ومرابض الرشاشات أو خنادق المشاة كانت حول مسار خط سكة القطار العسكري التركي وضمن مسافة لا تتجاوز الخمسمائة متر على جانبي الخط .
المراجع:

  • الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر، 2011  .
  • الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  • التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  • المراسلات التاريخية 1914-1918 : الثورة العربية الكبرى. المجلد الأول / أعدها وحققها وكتب حواشيها وترجم بعضها سليمان الموسى، 1973.
  • المؤرخ محمد عطاالله المعاني 18-7-2016م
  • ذكرياتي عن الثورة العربية الكبرى، محمد علي العجلوني، مكتبة الحرية ،عمّان ، 1956 .
  • المعارك الأولى : الطريق إلى دمشق، صبحي العمري، أوراق الثورة العربية؛ رياض الريس للكتب والنشر، لندن، بريطانيا ؛ ليماسول، قبرص ، 1991،  ط1..

المسار الحادي عشر – معارك معان

المسار العاشر  لمعارك التحرير

 

خط المسير الجغرافي لقوات الثورة : ( العقبة – تل المقص – وادي عربة – الضحل – غور الصافي – القلعة التركية (المشنقة) – غور المزرعة – مسار العقبة )

298JPG
قوات الثورة في مسيرة عسكرية انطلاقا من العقبة تجاه الشمال 1918

       بسير هذا المحور باتجاه الشمال في وادي عربة وحتى البحر الميت ، وهو يوازي حركة سير جيوش الحلفاء التي انطلقت من صحراء سيناء باتجاه بئر السبع وكان هدفها الوصول الى القدس، وقد أولت قوات الثورة العربية الكبرى ، اهتماما خاصاً لهذا المسار للاسباب التالية :

  1. يشكل طريق الحماية بين سلسلة الجبال الشرقية الأردنية وسلسلة الجبال الغربية من سيناء جنوباً وحتى مرتفعات الخليل والقدس .
  2. يمنع أية اتصالات قد تتم بين القوات التركية المحتلة في مناطق وادي موسـى أو الطفيلة وبين القوات التركية الأخرى الموجودة فى مناطق فلسطين الجنوبية .
  3. يسمح هذ المسار بحرية الحركة والتنقل للقوافل التجارية والإمدادات ونقل الأسلحة والذخيرة من العقبة إلى مراكز قيادة الثورة في الشمال خاصة ميناء غور المرزعة المحرّر .
  4. يحكم هذا المسارالسيطرة على منفذين بحريين هما المنفذ الشمالي الداخلي الموجودة على البحر الميت والذي يمكن استخدام مينائه لنقل المواد
    باتجاه الشمال ومن ثم الاستمرار عبر الغور الشمالي الى مناطق اربد وطبريا .

    10.indd
    السفن و القوارب ترسو في ميناء البحر الميت أثناء عمليات التحميل 1922
  5. توجد تجمعات سكانية للعشائر الأردنية على طول خط المسار فى مناطق ضربة (رحمة حالياً) وغرندل والريشة، وغور فيفا والصافي والحديثة والمزرعة ، وكان من المهم الاتصال مع العشائر الأردنية هناك للتوعية بفكرالنهضة و تحييدهم وحمايتهم من أي هجمات عسكرية مرتدة محتملة من قبل قوات الاحتلال التركي  و منع أي تأثير أخر قد يعيق عمليات الثورة مستقبلا ً .
  6. توجد مواقع عسكرية للاحتلال التركي مهمة على طول هذ المسار خاصة القلعة التركية في غور الصافي والقلعة التركية في غور المزرعة وهي تشكل اهدافا عسكرية يجب التعامل معها وتطهيرها .
9.indd
خنادق عسكرية للاحتلال التركي في ميناء البحر الميت – غور المزرعة 1918
13523671_907583486053447_1510249490_o
بقايا القلعة التركية ( المخفر ) في غور المزرعة

مسار العقبة – وادي عربه

         شهد هذا المسار دخول قوات الثورة العربية من منطقتين :

الاول من الطفيلة – الكرك ثم غور المزرعة وهذا المسار مستقل له بحثه الخاص به كما جاء في المسار الثامن لمعارك التحرير والدخول الثاني من العقبة نفسها .

1 . العقبة ، بعد استقرار الوضع في العقبة ، وبعد أن غادرتها معظم قوات الثورة نحو معسكر الأردن في القويرة ، بقيت في العقبة بعض المفارز العسكرية اضافة لوجود قطع حربية بحرية ، وكانت هذه كاحتياط عام لقوات الحلفاء .

طريق العقبة القديم
طريق العقبة القديم و الذي مشت عليه حوافر خيل فرسان الثورة

2 . تل المقص : وهو أول موقع يظهر بعد مغادرة العقبة باتجاه الشمال عبر وادي عربة و كما أسلفنا في المسار الأول لمعارك التحرير فهو تل قديم يعود الى فترة الألف الاولى قبل الميلاد ، ويقابله الى الغرب وفي الحدود الدولية تل اخر يظهر فيه بقايا صهر النحاس والمعادن المختلفة، وهو جزء من ميناء سليمان ويسمى الثل ( تل الخليفي ) .

تل المقص 4
صور للوحة تعريفية على مدخل موقع تل المقص
تل المقص 5
صورة لبناء أثري قديم في موقع تل المقص

 3 . وادي عربة : واد يتسع في جهة الجنوب بين سلسلتي الجبال ويضيق شمالا ، وهو المنطقة بعد الخروج من العقبة وحتى بداية الأغوار الجنوبية التي تبدأ بغور فيفا و وادي الجيب .
و (عربا) أو (عربة) تعني النهر او السيل الجاري، وتظهر الحفريات فيه ما يدل على أنه كان دائم الجريان، وتبدو بقايا المستحاثات والحفريات واضحة، وأهمية الوادي تبدو من وجود المنافذ عبر الجبال نحو الغرب والشرق وهي منافذ عسكرية تسمح بانتقال من يريد مستفيداً من تضاريس الطبيعية .، وعلى طول الوادي توجد المواقع التاريخية خاصة في مواقع فينان وغرندل وهي ذات اهمية وقد كانت هذه مستوطنات بشرية لديها حضارة وثقافة عاصرت عهد روما ومملكة الأنباط .

13499790_911836175628178_515823424_o
إطلالة عامة على وادي عربة

4 . الضحل : وفيه قلعة وبقايا بركة ماء ضخمة ، اضافة لينابيع مياه، وبالتالي فقد كانت الضحل ذات قيمة على طريق قوات الثورة العسكرية في وادي عربة .

5 . غورالصافي : لا زالت اثار القلعة التي استخدمها الاحتلال التركي قائمة ويمكن مشاهدة آثار المقصلة و هي مكان تعليق حبل الإعدام لثوار المنطقة الخارجين على الاحتلال العثماني حيث نفذت فيه العديد من عمليات الإعدام لأحرار العشائر الأردنية و فرسانها المناهضين للاحتلال ، ويتحدث أهل غور الصافى عن اعدام العديدين من رجال بلدتهم ، دون أن تذكر الوثائق شيئا عنهم أو عن اسمائهم و تهمهم ، ولازال أهل المنطقة إلى الآن يسمون موقع القلعة بالمشنقة استذكارا لشهدائهم الذين مضوا على أيدي الاحتلال التركي الغاشم،  وقد أسهمت عشائر غور الصافي في جيوش الثورة والتحق عدد منهم كمتطوعين شاركوا في حراسة الطريق في وادي عربة وقاتلوا في صفوفها .

طواحين السكر المشنقة 5
إطلالة عامة على موقع المشنقة التركية في غور الصافي
طواحين السكر المشنقة 6
إطلالة عامة على سور المشنقة التركية في غور الصافي
لوحة توضيحية 2
اللوحة التعريفية لموقع المشنقة ، و لا تذكر اللافتة كيف تحول الموقع من مصنع للسكر إلى مشنقة تركية أو سبب التسمية رغم شهرة الرواية وصحتها

6 . غورالمزرعة : وهو نهاية طريق وادي عربة وقد بحثنا فيه من خلال دراسة  معركة غور المزرعة كما وردت في المسارالثامن لمعارك التحرير .

لم يشهد هذا المسار من العقبة الى غور المزرعة كما يتضح لنا عمليات ذات أهمية عسكرية ولكن أهمية المنطقة الجيوستراتيجية تكمن في تأثيرها على مسرح  العمليات خاصة اذا ما أرادت أية  قوات عسكرية تركية محتلة استخدامها للوصول بسرعة إلى العقبة أو إلى البتراء ووادي موسى أوالطفيلة و تلال الكرك ، ومن المهم الإشارة الى محور عسكري آخر كان يمكن أن يتشكل و هو محور وادي عربة – جبال البتراء ووادي موسى ومن ثم الى معان ، خاصة لحاجة الحامية التركية المحتلة في معان و سجنها سيء الذكر الى اية وسيلة لتخفيف الحصار عنها في المدينة ، هذه القوات التي أصبحت معزولة تماما بتحرير العقبة والطفيلة والسيطرة على وادي عربة وكذلك بتطهير المدورة والجفر .

صورة عامة للبحر الميت واللسان
صورة عامة للبحر الميت واللسان – منطقة الميناء سابقا


المراجع :

  • الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل خولة ياسين الزغلوان ، و فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر، 2011  .
  • التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  • الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.

المسار العاشر لمعارك التحرير

Scroll to top