مقدمة

تعتبر العادات والتقاليد جزءاً من الإرث الإنساني للمجتمعات والحضارات وتستغرق مئات السنوات لتراكم هذه العادات، والتي تتأثر بالظروف المحيطة والتغيرات التي تطرأ على المنطقة سواء كانت هذه التغيرات والتحولات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، ومن خلال تحليل هذه العادات والتقاليد وفهمها ووضعها في سياقها الصحيح يمكن للباحث والمهتم الحصول على فهم أوسع لتركيبة وبنية المجتمع للتمكن من قراءة الأمور بصورة أوضح، وضمن سلسلتنا البحثية المتعلقة بالهوية الغذائية الأردنية رأينا أن المشهد لن يكتمل بدون استعراض طبيعة العلاقات الانسانية في المجتمع الأردني والتي يمكن تلمّسها من خلال المناسبات المجتمعية، أما الحديث عن العادات والتقاليد فهو نابع من ضرورة التمييز بين كل منهما وتفصيلهما وعدم الخلط بينهما رغم أن المصطلح غالباً ما يستعمل بشكل مركب للدلالة على أشياء بينها تفاوتات، وهنا نستعين بما أورده العلاّمة والمؤرخ الأردني العظيم روكس بن رائد العزيزي من توضيح وتبيان لهذا الخلط، فيقول علّامتنا:

“إن التقليد وفقاً لمعجم المحيط يعني إتباع إنسان غيره في ما يقول، أو ما يفعل، من غير نظر ولا تأمل في الدليل، اتباع إنسان غيره في ما يقول، أو ما يفعل، من غير نظر ولا تأمل في الدليل، كأن هذا المتبع جعل قول الغير، أو فعله، قلادة في عنقه، وربما عرّف التقليد بأنه اعتقاد جازم، غير ثابت، يزول بتشكيك المشكك، والتقاليد، غير العادات، لأن العادات هي ممارسات في مناسبات معينة، كعادات القوم في أفراحهم، وفي أحزانهم، وتلك العادات إذا حللناها وجدنا أنها نشأت لغرض يحقق منفعة، أو يدفع ضرراً,,

وفي هذا البحث نستعرض أهم العادات الأردنية في المناسبات والطقوس الاجتماعية التي كانت و/أو ما زالت تشكل جزءاً من أسلوب حياة الأردنيين، ونسلط الضوء بشكل خاص على العادات المتعلقة بالجانب الغذائي، بينما يتم تناول هذه المناسبات بالتفصيل من ناحية علوم اجتماعية في أبحاث أخرى.

  • المشاعر الإنسانية:

قبل الحديث عن المناسبات لا بد من التطرق للمشاعر الإنسانية والتي كانت العامل الأول خلف هذه المناسبات وينعكس نتيجة لذلك السلوك الإنساني الذي أصبح يشكل ما يعرف بالعادات المتعلقة بهذه المناسبات ووسيلة للتعبير عن هذه المشاعر، ويرجع مفهوم المشاعر الأساسية أو الأولية إلى كتاب الطقوس (The Book of Rite) على الأقل، وهو موسوعة صينية تعود الى القرن الأول، وقد حدد الكتاب سبعة مشاعر للإنسان وهي الفرح والغضب والحب والكره والإعجاب والخوف والحزن. وفي القرن العشرين حدد Paul Ekman ستة مشاعر أساسية وهي الغضب والاشمئزاز والحزن والاندهاش. وحدد Robert Plutchik ثمانية مشاعر وقسمها على أربع مجموعات زوجية متضادة وهي (الفرح والحزن – الغضب والخوف – الثقة والارتياب – الاندهاش والتوقع).

  • ويسود الاعتقاد بأن المشاعر الأساسية تطورت في الاستجابة لتحديات البيئة التي واجهت أسلافنا القدماء، وهذه مشاعر بدائية مترابطة مع كل شعور أساسي يقابله دائرة عصبية مميزة وخاصة، وهذه المشاعر الأساسية المترابطة (أو ما تسمى ببرامج التأثير) هي فطرية وشاملة وتلقائية ومحفز عالي لسلوك قيمة البقاء، ويمكن أن يقال عن المشاعر الأكثر تعقيداً مثل التواضع والحنين والتي على سبيل المثال لا تنسب إلى الرُضّع والحيوانات، أي أنه وبتطور هذه المشاعر يمكن الاستدلال على تطور وحضارة المجتمعات الإنسانية، وفي ما يلي من البحث سنستعرض أهم المناسبات والطقوس الاجتماعية الأردنية محاولين تأطيرها ضمن هذه المشاعر من خلال ربطها بسلوكيات معينة مثل الذبح وإعداد الطعام، حيث تعرفنا في بحث ميثولوجيا الضيافة الأردنية سابقاً بإيجاز على أنواع الذبائح وبعض الحالات التي يصبح الذبح فيها واجباً إنسانياً يمتدح فاعله ويذم تاركه، وسنحاول هنا أن نقوم بالاستدلال على السلوك الغذائي للأردنيين في مناسباتهم الاجتماعية من خلال إعادة النظر في مناسبات هذه الذبائح وتوزيعها على المناسبات باعتبارها وسيلة على أهميّة هذه المناسبة التي تجعل من الأردني يتنازل عن إحدى أهم مصادر الانتاج التي يمتلكها ويضحي بها في سبيل هذا الحدث ذو الأهمية والقيمة المضافة لحياته.
عمان 1935 فاردة – مسيرة – عرس الأمير طلال ونشاهد الأعلام الأردنية، فيما الحرس والكشافة ينظمون المسير في اجواء احتفالية
  • الفرح:

يعتبر التعبير عن الفرح والسعادة الشعور الإنساني الأسمى نتيجة لما يرتبط فيه من مشاعر ايجابية يحاول الانسان التعبير عنها ومشاركتها مع من يحب وينعكس ذلك على من حوله حيث سيحاول جاهداً جعلهم سعيدين مثله، مما يخلق مناخاً معدياً من الفرح، ولهذا فقد تنوعت مناسبات الفرح والسعادة في أسلوب الحياة الذي طوره الأردنيون عبر السنين، واختلفت معه طقوس هذا الفرح وآلية التعبير عنه وإشراك الناس في متعة تقاسمه، ولعله من أهم الطقوس المتعلقة بالفرح هو الزواج، وهي المؤسسة الأسريّة التي تضمن استمرار هذا الفرح وإعادة إنتاجه وتجسيده في الأبناء الذين يأخذون شكل هذا الفرح فيكبرون وينضجون ويتعلمون ويتخرّجون في سلسلة مستمرة من حلقات الفرح، وهنا نستعرض أهم هذه المناسبات ومكانتها في المطبخ الأردني والهوية الغذائية:

  1. الخطبة: إن مراسم الزواج في الأردن طويلة وليست بالشكل المتعارف عليه في كثير من الدول والثقافات، وتبدأ هذه المراسم بالطلبة وهي إحدى مراحل الخطوبة وتعني إرسال جاهة من أهل العريس لبيت والد العروسة، وتبدأ المفاوضات والقهوة عنوانها ومفتاحها، ولعل المهر هو النقطة المحورية في هذه المفاوضات وهو في الأصل لا يطلب إلا من غير الأقارب، والغرض منه أن العادة جرت أن يتم تزويج الفتاة لأبناء عمومتها، إلا أنه وفي حالة رغبة غريب من الزواج بها فيطلب منه المهر كوسيلة لرفضه أو تعجيزه، فيقوم هو بالمقابل بإثبات وبرهنة استحقاقه لهذه الفتاة من خلال التضحية الماديّة أو المعنوية، ولما كانت الظروف أقل استقراراً وفي حالة غياب الدولة – في عهد الاحتلال العثماني تحديداً- كان من الطبيعي أن يكون مهر الفتاة مبالغاً فيه في تكلفته أو في خطره على حياة العريس نفسه، كأن يطلب من العريس رأس فلان أو خيل فلان وهكذا، وقد يكون المهر المادي مالاً أو قمحاً أو عدداً من المواشي أو الإبل لما كان لها من قيمة في الثقافة الانتاجية، وكان من المتعارف عليه أن أهل العروس يجب أن يذبحوا للجاهة ويقوموا بإكرامهم والإيلام لهم لما بذلوه من جهد في هذه الوساطة سواء كان للزواج أو المصالحة بين طرفين.

 ثم الخطبة التي يرافقها ما يرافقها من مراسم القهوة والتحلية ويذبح في ليلة الخطبة “ذبيحة الصفاح”، ويتبع ذلك ما يسمى “النصّة” وهي فترة 7 أيام كان يتم نشر ملابس العروسين على الحبال طوال هذه الفترة، ثم تم الاكتفاء بعرض ملابس العروس وتجهيزها لصديقاتها وقريباتها قبل موعد الزفاف والذي كانت تبدأ الاحتفالات به قبل أيام تعرف بأيام “التعليلة” تقدم خلالها المشروبات الساخنة ليلاً والهيشي – التبغ – والحلويات وبعض الأطعمة أحياناً.

  1. الزفاف: وصولاً ليوم العرس والذي يكون القطار/الفاردة أحد أهم أركانه خصوصاً عندما تكون العروس من منطقة أخرى، فيخرج أهل العريس ومحبين بعد تناول الغداء في مضارب القبيلة، لتصل إلى مضارب أهل العروس والذين يكونون بدورهم قد ذبحوا لضيوفهم وقاموا بإكرامهم، ولا تنتهي الحكاية هنا، فالمتعارف عليه أنه وفي حال كانت المسافة بعيدة ومر القطار بجوار مضارب عشيرة ثالثة فمن الواجب على هذه القبيلة أن تقوم بالذبح وتحضير الطعام للقطار، ويسمى القطار في رحلة العودة ومعه العروس بـ “الفاردة” وتتضمن طقوس الاحتفال ما تتضمنه من رقصات وأهازيج شعبية، مثل السامر والدحيّة والمهاهاة والمحاشاة والترويد، ويسمى طعام يوم العرس “القرى” وهي عادة قديمة تعود لفترة الأردنيين الغساسنة وما سبقهم وتكون غالبا بالذبح وطهي المناسف وتقديمها للحاضرين سواء أثناء أيام التعليلة وبالأخص يوم الزفاف، ويلتزم الحاضرون والمشاركون بتقديم “النقوط” وهي مساهمة معنوية أو ماديّة، بتكاليف العرس التي تكون باهظة في الغالب نظراً لطول فترة الاحتفال، فيقدّم الناس النقود أو الذهب أو المواد الغذائية والإنتاجية مثل الماعز والقمح وغير ذلك، على أن يكون ذلك بمثابة نظام تكافل اجتماعي، بحيث يصبح هذا النقود ديناً على من يستلمه ويقوم بسداده في مناسبة مماثلة.
عمان 1935 نحر الجمال وسلخها لتحضير الولائم لضيوف حفل زفاف الأمير طلال بن عبدالله – الملك لاحقا – ونلاحظ بالخلفية مصابيح معلقة على أعمدة لإنارة الشوارع

وقبل دخول العريس بعروسه يذبح ما يعرف بـ “ذبيحة الحليّة” بنية أن تحل له العروس، وتتبع أيام ما بعد العرس العديد من المراسم الغذائية، فالإفطار الذهبي الذي يحصل عليه العروسين صبيحة يوم الزفاف يسمى الصبحة/الصباحية، ويقوم أهل العروس بأخذ الطعام والحلويات ويقومون بزيارة ابنتهم بعد أيام من زفافها فيما يعرف في بعض المناطق بـ “اللحقة” وبعد ذلك تقوم العروس ونساء عائلة العريس بزيارة أهلها وأخذ بعض الحلوى فيما يعرف محلياً بـ “الزورة/الزوارة” فيذبحون لها “ذبيحة الزوارة” وهو عادة ما يكون خروفا تقوم بأخذه معها فيقومون بذبحه وصنع الطعام لها ولعريسها وتعود في المساء لبيت زوجها محمّلة بالهدايا أيضاً، ويستمر استخدام الطعام لجلب المحبة ودفع البغض حتى في العلاقة بين الزوجين، فذبيحة الحلية / أو ما تعرف بذبيحة الرضاوة جزء من عملية المصالحة في حال أصاب العلاقة بين الزوجين أي نفور.

  1. الإنجاب: وطقوس هذه المناسبة كثيرة تبدأ أثناء الحمل والإنجاب، والعقيقة التي يتم ذبحها كطقس غساني أردني قديم ورثه المسلمون والمسيحيون حالياً وتتشابه أحياناً مع ذبيحة الختان “الطهور” عند المسلمين أو “التعميد” عند العائلات المسيحية، وتسمّى أحياناً ذبيحة “الولد”، وتسمى المرأة في حالة الولادة ”حورية“، وفي أول يوم من ولادتها تقوم إحدى قريباتها بإعداد ”قرص البيض“، حيث تعجن كمية من الطحين بالبيض والبصل المقلي بالسمن ويخبز على الصاج ويقدّم لها، كما أنها تأكل طول فترة نفاسها نبتة “الزقيطة” الخضراء التي يتم تجفيفها وتخزينها خصيصاً لهذه المناسبة فيتم قليها بالسمن مع البصل والبيض وتقدم للحورية، وتعمل ”اللزاقيات والزلابية“ كحلوى تقدم بهذه المناسبة، كما يتم تقديم مشروبات القرفة والحلبة والشاي والقهوة للسيدات اللواتي يقمن بزيارة الأم التي وضعت مولودها الجديد.
  2. التسنين: عندما تبدأ أسنان الطفل بالظهور تقوم والدته بسلق كمية من القمح وتضعها في وعاء وترش عليها السكر وتسمى” السنينة“، وتدعو عليها جاراتها وقريباتها، وتقدمها لهن فيأكلنها ويشربن معها القهوة، ولا يشارك الرجال بهذه المناسبة.
  • الحزن والمحن:

درجت العادة أن يخفي الأردني حزنه وأن يحاول أن لا يظهره إلاّ في أمر جلل، وحتى في أسوأ المواقف وأشدها ألماً وحزناً ستجد الأردني متلصماً في شماغه كوسيلة لمداراة هذا الحزن، فالأصل كان في فترة غياب الدولة والقانون أن الأردني يخفي حزنه ويصبر حتى يأخذ بثأره، لذلك فلا تعزية بطفل أو امرأة ولا يفتح لهما “مدالة” وهي من التداول وتعني بيت العزاء في قاموس المناسبات الأردنية، فالأصل في العادات الأردنيّة أن الحزن هو على المقاتل الذي قضى شهيداً في معركة الدفاع عن الوطن والعشيرة في مرحلة ما قبل الدين وقبل الدولة الحديثة، فيتداول القوم في طريقة الأخذ بالثأر، وجرت العادة أن تقوم النساء بالمعيد عند وفاة زعيم أو شخص ذو مكانة عالية، فيما يكون النواح على وفاة الأشخاص العاديين مهما اختلفت مكانتهم ورتبتهم في المجتمع، ويكون هذا بمثابة رثاء شعري تقف النساء صفين يذكرن مناقب الجماعة الذين قضوا في المعركة، أما الرجال فلا يبكون ومن تقاليد الأردنيين أنه إذا مات شيخ أو كبير قوم، فإنهم يرسلون النعي للقبائل الأخرى بمقلّدة من الخيل، وهي الخيل التي يقلدونها قطعة من نسيج البيت، ويعلن فارس الخيل أو الذلول موت الزعيم، وعندما يصل النعي إلى زعماء القبائل الآخرى، يتم دفق أباريق القهوة وتعفيرها بالرماد كإشارة على الحزن.

الشونة 1935 غور نمرين الأمير عبدالله الأول – الملك لاحقا – يعزي الشيخ ماجد العدوان بوفاة والده الشيخ سلطان رحمهم الله جميعا

وتترافق مراسم الدفن والعزاء بطقوس غذائية حيث جرت العادة أن يقوم أهل الميت بالذبح وإكرام الضيوف الذين جاءوا لتعزيتهم، والأولوية تكون للضيوف الغرباء ووجهاء القوم نظراً لكمية الناس التي تحضر، حيث أوضحنا سابقاً – أين أوضحت ؟ – كيف يتم التحول من حالة الضيافة إلى التعزيب في تراتبية تحافظ  على انسجام ووحدة المجتمع، ويسمى هذا الغداء “طعام المجبّرين” وهو لفظ يطلق على أهل الميّت كناية عن كسر جناحهم وما هم فيه من حزن، ويتم تقديم الغداء والقهوة السادة على الحضور القادمين للقيام بواجب العزاء طوال أيام العزاء والبعض يقوم بتقديم التمر معها، كما يقوم الناس في الأيام التالية بالذبح لأهل الميت والإيلام لهم كمحاولة لمواساتهم وتعتبر هذه الدعوة بمثابة دين اجتماعي آخر ويجب أن يتم سداده في وقت لاحق، ويمكن أن يلاحظ في هذا حجم التماسك الاجتماعي سواء في الفرح  أو في الحزن، ويقوم أهل الميّت بالذبح ثانية في الليلة التالية للدفن، ويسمي البعض هذه الذبيحة بـ “ذبيحة الثالث” أو “ذبيحة القبر” ومنهم من يسميها “فكّة الكفن”.

مادبا 1937 ضيوف في ضيافة الشيخ مثقال الفايز بني صخر يتناولون طعام الغداء –

 

  • التعاملات الحياتية:
  • السكن: جرت العادة أن يتم ذبح “ذبيحة البيت”وتسمى أحياناً “ذبيحة الواسط” وتذبح إذا أراد الرجل أن ينصب بيتاً جديداً وكان الأصل فيها نقل بيت الشعر وإعادة نصبه حتى لو على مسافة لا تتجاوز مائة متر، وهذا دفعاً للشر وجلباً للخير، ومن العادات أيضاً “ذبيحة الباطون” أو “ذبيحة العقد” وهي من العادات المرتبطة بالمساكن الحجرية حيث تتزامن هذه الذبيحة مع فترة العقد والصبّة أو القنطرة سابقاً، وكذلك ما يتعلق في “ذبيحة البيت الجديد” وغالباً ما يقوم الجيران بإعداد الطعام للساكنين الجدد فيما يعرف بـ “النزالة”، وكذلك يقوم أصحاب البيت الجديد بذبح “ذبيحة العتبة” والهدف منها هو طرد أرواح الجن.
  • الزراعة: تتزامن عملية الزراعة بكافة مراحلها بالكثير من الأهازيج والممارسات التي تعبر عن تجذر قيمة الإنتاج عند الأردنيين، ويترافق هذا مع العديد من الذبائح، منها “ذبيحة الحصيدة” والتي كانت قديماً تسمى فتاحة المنجل، وتذبح هذه الشاة عند البدء بحصاد القمح، ومنها يصنع العشاء للحصادين والرجادين والشدادين ويستعيض عنها فقراء الزرّاع بالفطيرة المكونة من السمن البلدي ولبن الجميد وخبز الفطير وكلما زاد مقدار السمن كانت في نظر الناس أجلّ، وكذلك الحال “ذبيحة الجورعة” التي تذبح مع نهاية الحصاد لإكرام وشكر أفراد الأسرة والعاملين والمحبين وكل من ساهم في إنجاز العمل ويتم إعلان “الجورعة” فيها وهي التنازل عن ما تبقى في الأرض لصالح المساكين والراغبين بالاستفادة مما تبقى من غلال ويتم ذلك من باب الزكاة والمسؤولية الاجتماعية من أصحاب الثروة تجاه جيرانهم وعمالهم ولتطييب نفوسهم، وكذلك الحال في “ّذبيحة البيدر” وتكون هذه بعد نقل الغلال وإيصالها إلى المخازن.
  • الثروة الحيوانية: للحيوان في الإرث الأردني مكانة وأهمية وحقوق لا تقل عما هي عليه في مؤسسات ومنظمات رعايته في الدول الغربية، فقد عرف الأردنيون ذلك وطبقوه منذ سنين طويلة، فإلى جانب حمايته والنظر له كمصدر للإنتاج وليس موضعاً للاستهلاك اليومي، فقد اهتموا بالتفاصيل المتعلقة بتربيته وحلبه وبيعه وشراءه، فنجد ذلك ماثلاً في حالة “ذبيحة الغنم”  في حال أصاب الغنم وباء وأراد صاحبه أن يفتديه فيقطع إذن المرباع ؟؟ وينتظر فإذا ذهب الوباء يذبح هذه الشاة التي تسمى القطيشة (بعد قطع أذنها) ويولم لأهله وجيرانه ويدعوهم لأكلها، وكذلك الحال في “ذبيحة الفرس” والتي يذبحها من يقوم بشراء خيل أصيلة، و”ذبيحة التوريد” التي يذبحها صاحب الخيل الأصيلة التي تم بيعها عندما يحضر له مالك الخيل الجديد المثاني (وهي المهرة الأولى والثانية من نسل الخيل التي باعها) وفي هذا مثال على رقي التعامل التجاري  بالحيوانات وخاصة الخيل لما لها من مكانة في نفس الأردني المحارب بالفطرة.
  • الحرب والسياسة:

كانت الحرب بما يرافقها من سلوكيات وأعمال سلب ونهب ضرباً من ضروب الشجاعة في وقت لم يكن فيه مكان للأمن والحصول على الحقوق إلا بالقوة في ظل الفتن والأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة التي فرضها الاحتلال الخارجي من عثماني وغيره، لذلك ظهر مفهوم “ذبيحة الكسب” كوسيلة للتعبير عن الفرح بإنجاز المهمة والعودة غانمين سالمين من المعركة، كما توجد ذبائح خاصة بالصلح والتراضي ما بعد التخاصم، وذبيحة أخرى عندما يقوم شخص بترك قبيلته والانضمام لقبيلة أخرى، فيما يشبه اللجوء السياسي حالياً.

  • التجارة:

كان للموقع الجغرافي المحوري بين أهم الامبراطوريات العالمية المتصارعة دوره في بناء شخصية الأردني ليكون قادراً على المناورة السياسية وبناء تحالفات تضمن الحفاظ على مصالحه ومنافعه، ومن ضمن هذه العلاقات تبرز التجارة كمهنة أساسية لكثير من القبائل الأردنية التي استفادت من وجود الأردن على أهم طرق النقل التجارية، الأمر الذي يفسر العثور على الدينار الحارثي النبطي في الصين وموانئ أوروبا، ومن هنا ترافقت التعاملات التجارية والصفقات التي كان يجريها الأردنيون بطقوس وبروتوكول يميزهم ويجعلهم يكسبون قلوب الشركاء المحتملين ويظهرون لهم حسن النية ولين الجانب، ومن هنا جاءت “ذبيحة الشراكة”.

الشونة 1934 غور نمرين الرحالة السيد والسيدة توني ومرافقيهم في ضيافة الشيخ ماجد العدوان
  • الضيافة:

وهي من المناسبات الأكثر تكراراً وأحد أهم عناوين هذه السلسلة البحثية، وقد تم تناولها في بحث منفصل، أوضحنا فيه كيف يكون واجب الضيافة مقدساً بالحد الذي تكون فيه الضيافة ضرباً من ضروب العبادة، وللضيافة أربع أنواع يذبح في معظمها للضيف ويتم الإيلام له في مهمة يتشاركها الرجل مع زوجته التي تنوب عنه في حال غيابه.

  • المناسبات الدينية:

المقامات والقرابين: كثير من الطقوس الحالية المتعلقة بالذبائح تعود لجذور ما قبل التدين عند الأردنيين القدماء ولفترة تسبق ظهور الديانات المسيحية والاسلامية، ومثال ذلك “العقيقة” و “القرى” وهي ذبائح وعادات تعود لفترة الأردنيين الغساسنة، وأبقى عليها الأردنيون بغض النظر عن الديانة التي اعتنقوها لاحقاً، كما تحظى المقامات والأشخاص ذوي الكرامات باهتمام ملموس في عقيدة الأردنيين، ومن أشهر هذه الذبائح: ذبيحة اسماط الخضر، وذبيحة شيحان، وذبيحة الخمسان والعشيات عند المسلمين والمسيحيين لمقام النبي موسى، وذبيحة سليمان بن داهود وذبيحة العجام وذبيحة دانيال وغيرها.

الشونة 1931 ضيوف المؤتمر الاسلامي في ضيافة الشيخ ماجد العدوان
  • رمضان: في رمضان تستخدم معظم الأكلات نفسها، ولكن يتم الإكثار من تناول الشوربات مثل العدس والفريكة، ويتم مشاركة الطعام بشكل أكبر فيما يسمى بعملية المقادحة، وهي عادة كانت بأن يجتمع الرجال عند الإفطار في بيت كبيرهم وأن يحضر كل منهم قدحاً فيه من طعام أهل بيته.
  • عيد الفطر: يبدأ هذا العيد بتناول طعام الإفطار لأول مرة بعد صلاة العيد، بعد صيام 30 يوماً وامتناعٍ عن الأكل في النهار، ويتم توزيع كعك العيد المصنوع من التمر إضافة لأقراص القسماط وهو الخبز المغطى بزيت الزيتون.
  • عيد الأضحى: ذبيحة ذات رمزية دينية تعود لقيام النبي ابراهيم عليه السلام بافتداء ابنه اسماعيل، ويختار الأردني الضحية من أفضل المواشي أو الجمال الخالية من كل عيب جسمي، وكان يتم تكحيلها قبل نحرها، ويتم الاعتناء بها جيداً في الأيام التي تسبق عيد الضحية وتوزع لحومها على الأهل والأقارب والفقراء، وغالباً ما يستعمل كبد وأحشاء الضحية في افطار أهل البيت فيما يعرف محلياً بـ “المعلاق”.
  • الحج: هناك طعام يعد للحجاج ما بعد عودتهم من الحج، حيث يقوم الجيران والأقارب والأًصدقاء بدعوتهم على الغداء وتعرف هذه العادة بـ “الدورية” وقد تستمر لمدة شهرين، وتكون الوليمة في العادة منسف برغل ومريس ولحم وشراك، ولا يوضع الرأس أمام الضيف الأساسي في المناسبة بل قطعة أكبر وهي الفخذ ويسمونها “الشذاة”.
  • الصوم المسيحي:

خلال أربعين يوماً من الصيام، تتشكل مائدة كاملة لا تحتوي على اللحم بكل أنواعه ولا الحليب ومشتقاته، ويعتقد أن هذا الصيام الفلاحي من شأنه الحفاظ على الثروة الحيوانية خلال فترة الربيع وحمايتها من الذبح، إضافة لترك الحليب لرضاعتها، يحدث ذلك في الوقت الذي تفيض فيه الطبيعة بالأعشاب والنباتات المناسبة للأكل، وتدعم أطباق الأعشاب بالحبوب، ومن الأكلات الأردنية النباتية المناسبة للصوم “صيامية” والتي يستخدمها الجميع في تلك الفترة في الواقع، حوسات البصل والزيت مع الخبيزة أو الفطر، أو الكما، أو العكوب، أو الحميصة، أو الهندبة، أو السلق، أو اللوف، وكذلك سلطة العلت مع البصل والزيت، وسلطة فريم البندورة والبصل مع السماق، والنباتات النيئة كاللشيلوه (حويرة الماء)، وقرون القصيقصة، وقرون البرّيد والخرفيش، ومقالي الباذنجان، والبطاطا والكوسا والفليفلة، والفول الأخضر بالسماق، قلاية البندورة بالزيت، ورقة الدوالي أو ورقة اللسينة الذي يلف بالأرز، أو البرغل الدفين مع الحمص وفريم البندورة والخضار، حوسة الفول الأخضر بالكزبرة والزيت، المجدرة، الأرز بالشعيرية، الأرز والفول الأخضر بالزيت، مرقة العدس المجروش، مدمس العدس الحب، طبيخ العدس والباذنجان بالزيت والثوم والبصل والبقدونس، وأقراص النعنع والزعتر الأخضر والحميضة والخبيزة، وقلية القمح وغيرها.

اربد 1939 الحصن صورة جميلة تجمع بعض الأهالي أمام الدير
  • عيد الميلاد:
    جرت العادة أن يتم عمل فطاير الكشك، بكميات تكفي لنحو يومين، مع إعداد أو شراء مختلف أصناف الحلويات وأقراص العيد التي تتكون من العجين الخامر المخلوط بالسمسم والقزحة وتصنع أرغفته على شكل قوالب جاهزة، وعند خبزه واخراجه من الطابون يتم دهنه بزيت الزيتون.
  • عيد الفصح:

كان الشخص القدير يقوم بذبح رأس من الغنم أو جدي ويتم إعداد طعام المنسف للعائلة، وقبل هذا العديد بثلاثة أيام فيما يعرف بخميس الصبيان جرت العادة أن يقوم خوري الكنيسة بعمل قدّاس يتضمن القراءة على قطع من الكعك غالباً ما تأخذ شكل الصليب ومن ثم توزع على الأطفال، أما قدّاس الأموات فيتكون من أرغفة خبز الكماج، ويطبع عليه آية من الإنجيل ترسل للخوري للقراءة عليها وتوزع يوم الأحد على المصلّين للترحم على الأموات.

  • الخاتمة:

ومن هنا نلاحظ ارتباط الغذاء الأردني بالعادات والتقاليد المتبعة خلال الفترات الزمنية التي يغطيها هذا البحث، سواء العادات المتعلقة بالمشاعر الانسانية والعلاقات الاجتماعية والطقوس الدينية، ونلاحظ بأن المجتمع الأردني قائم على التعاون والتماسك وتشارك التفاصيل، ويتأكد ذلك من خلال نوع المناسبات وطقوسها والتي تدلل على مجتمع يتقاسم فيه أفراده أدق تفاصيل الحياة بفرحها وحزنها.

  • المراجع:
  • حتّر، ناهض & أبو خليل، أحمد (2014) المعزّب ربّاح، منشورات البنك الأهلي الأردني. عمان: الأردن
  • خريسات، محمد عبد القادر (2012) المسيحيون في قضاء السلط، عمان، الأردن
  • العبادي، أحمد (1994) المناسبات عند العشائر الأردنية، دار البشير.
  • العزيزي، روكس (2012) معلمة للتراث الأردني، مطبعة السفير.

عادات الغذاء في الطقوس والمناسبات عند الأردنيين

  • تقديم ولمحة تاريخية

في اقتصاد انتاجي يعتمد على الزراعة والثروة الحيوانية في تشكيل الهوية الغذائية، برع الأردنيون عبر التاريخ في الزراعة مواجهين التحديات التي كانت السبب في تعطيل أي عملية زراعة وإنتاج سابقا، من كون معظم أراضي الممالك الأردنية القديمة كانت غير خصبة بما يكفي للزراعة، إلى جانب قلة الأيام الماطرة خلال العام والموسم الشتوي، فتشير الدراسات أنه ومع بداية نشأة المملكة النبطية كانت عملية الزراعة والفلاحة عاديّة وناتجها بالكاد يغطي الاحتياجات، لكن الأردنيين الأنباط عملوا على تطوير الزراعة وتقدمها استجابة للتزايد في عدد السكان، حتى أصبحت من أهم حرفهم والمصدر الرئيس للحصول على الطعام وتشكيل الهوية الغذائية.

 ولم يكتف الأردنيون الأنباط بالاستثمار والزراعة في أراضي أدوم ومؤاب الخصبة، بل زرعوا كل زاوية واستصلحوا الأراضي في حدود مملكتهم الأردنية التاريخية، حتى أصبحت “بترا” أكثر من مركز تجاري للقوافل بل تحولت إلى مركز لمنطقة زراعية تصدر الفائض عن حاجتها، بفضل قدرة الأردنيين الأنباط على التعامل مع الأراضي القاحلة وتحويلها إلى مستقرات دائمة صالحة للزراعة حتى أنهم توسعوا إلى وادي عربة وصولاً للنقب، متبعين العديد من الأساليب الزراعية التي تضمن استخدام نظام المصاطب التي تعمل على تصريف المياه وتوجيهها بشكل يعمل على إبطاء سيلان مياه الأمطار،  وبالتالي منع انجراف التربة، مما يتيح المجال لكروم العنب والنباتات المزروعة بامتصاص الرطوبة والاحتفاظ بها لأكثر وقت ممكن، وبالنتيجة تمكن الأردنيون الأنباط بين حوالي القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادي من انتاج القمح والشعير، بالإضافة لأنواع أخرى من الحبوب إلى جانب الزيتون والبلسم وكروم العنب.

ولما كان ناتج الموسم الزراعي وفيراً بالحد الذي يسمح بتخزينه حتى المواسم القادمة أو استخدامه طوال العام أو حتى إعادة تصديره وبيعه أو مقايضته بسلع أخرى مع القادمين لعاصمة التجارة العالمية في ذلك الوقت “بترا”، فقد برزت الحاجة لتطوير أساليب حفظ وتخزين هذا الناتج والحفاظ عليه بحالة جيدة سواء بإبقائه كما هو، أو بإعادة معالجته بشكل يسمح بتخزينه للاستفادة منه في وقت لاحق، وفي هذا تأكيد على ترسخ قيم الانتاجية من خلال الحرص على عدم الهدر والإسراف والتبذير، ونستعرض في هذا البحث أبرز طرق حفظ الناتج الزراعي والمواد الغذائية لدى الأردنيين في كل المناطق.

  • نملية-خزانة المونة، ماذا يتضمن صندوق الاحتياط الغذائي الأردني؟

ظلّت ثقافة تخزين المونة سائدة في المجتمع الأردني، حتى وان تراجعت مع وصول الكهرباء التي ساهمت بتوفير بدائل لتخزين الناتج الغذائي مثل الثلاجات والبرادات الخاصة بتجميد الطعام، إلى جانب تنوع طرق الإنتاج ووصول البيوت البلاستيكية والمعلبات التي تتيح فرصة الحصول على كثير من الأصناف الغذائية طوال العام، مما أدى لتراجع أهمية طرائق التخزين لكن معظمها ما يزال مستخدماً حتى الآن، فتجد أن الأسرة الجيدة تخزّن في خابية البيت أو ما يسمى النمليّة ما يكفي لتغطية احتياجات المنزل الغذائية لأوقات تصل حتى سنة أو نصف سنة، وتتنوع محتويات هذه المؤونة فتجد فيها الجميد والسمن واللبنة المحفوظة بالزيت والكشك والقمح للطحين ومشتقات القمح من جريشة وفريكة وبرغل، وعدس، وحمص، وخضروات مجففة، وبصل ناشف وبندورة مقطنة، وكوسا وباذنجان منقورة ومغسولة بالماء والملح ومجففة، ودوالي مجففة، ورمان، ومكدوس الباذنجان المحشو بالجوز والمحفوظ بالزيت، وكبيس الزيتون (الرصيع)، ومعاقيد المشمش والخوخ والتفاح والسفرجل، ومنتجات العنب – خبيصة وزبيب وعنبية ومدقوقة ودبساً وخلاً- وقُطين التين، والعسل البري والجوز واللوز والزعتر الناشف والسمسم المحمّص والنعنع والميرمية وغيرها، ومعظم هذه المنتجات تنتجها الأسرة الأردنية أو تشتريها من الأقارب والمنتجين المحليين مباشرة، كما أن هناك مواد مستوردة كالأرز والسكر والشاي والبن والتمر والفستق، خابية المونة المتعددة الأصناف هذه تنوّع خيارات المائدة حتى في الشتاء القاسي ولياليه الطويلة، أما في الربيع والصيف ومواسم الحصاد والإنتاج، تتزين المائدة الأردنية بالأطباق المعدّة من الحليب ومنتجاته الطازجة والخضروات والفواكه الطازجة والأعشاب الموسمية والنباتات البرية، وسنتعرف في هذا البحث على أبرز ملامح عملية الحفظ والتخزين التي ساعدت في تنوع واستمرار المطبخ الأردني على مدار الفصول.

نملية
  • الحفظ والتخزين كجزء من النظام المعماري الأردني

عند الحديث عن موضوع حفظ وتخزين الطعام لا بد من التطرق لطبيعة نظام البناء في البيوت الأردنيّة القديمة، وهو أمر له جذور تاريخية حيث كان الأردنيون القدماء المستقرين في عين غزال في مرحلة الانسان المزارع من أوائل من بنوا المنازل الحجرية والدائرية والمنازل من طبقتين بحدود الألف السابع قبل الميلاد، وخلال العصور تنوعت أشكال البناء والاستقرار تبعاً لظروف الحياة واضطرار الأردنيين للتحول من الاستقرار للترحل بفعل الأحداث والظروف السياسية كما في عهد الاحتلال العثماني مثلاً حين تحولت الكثير من العائلات والعشائر الأردنية من الاستقرار في بيوت طينية وحجرية نحو البداوة والترحال الدائم هرباً من بطش الاحتلال العثماني وملاحقته لهم نتيجة عجزهم عن دفع الضرائب.

خابية وكواير

ومن أهم النماذج على شكل البيوت الأردنية في تلك الفترة هي المُغر – المغارات – التي صنعها الأردنيون في عدد من المدن الأردنية [1]، ويقدر عمرها بحوالي 200 سنة، ويمكن بالنظر للتصميم الداخلي لهذه المغارات أن نلاحظ كيف تم تقسيم البناء، مع تخصيص أماكن للمواشي والدواب بعيدة عن غرف المعيشة والنوم، في حين يتم مراعاة وجود أماكن للتخزين، ويلاحظ استخدام الطين في الأثاث المنزلي من خلال الرفوف، والمطوى المخصص لترتيب المفارش والأغطية، وكذلك فتحات خزائن المطبخ المبنية من الطين وهي ذات تصميم فريد يتكون من 16-20 فتحة لحفظ الأطعمة وأدوات المطبخ، وفي الزوايا يوجد ما يشبه “الكورنر” الذي يعتبر جزء من الديكور المعاصر حالياً، والجزء الأهم هو ما يعرف بالكواير التي تتنوع أشكالها وأحجامها واستخداماتها تبعاً للمنطقة ونوع المخزون، وتواجد هذه الكواير في قسم الإقامة والمبيت الذي يوجد المطبخ في جزء منه، كما توجد أقسام خاصة من الكواير في قسم المواشي والدواب لتخزين الأعلاف والتبن، وسنتناول في الأجزاء القادمة من هذا البحث أشكال واستخدامات وتسميات هذه الفتحات والأماكن المخصصة للتخزين والحفظ .

السلط 1920 صورة لعائلة سلطية وتعتبر الصورة مرجعا لطبيعة الحياة اليومية لأجدادنا ونظام البناء الداخلي لبيوت السلط القديمة
  • حفظ وتخزين الحبوب

بعد مواسم الخير والحصاد والتي تتوج مراحل العملية الانتاجية الزراعية للحبوب والتي تم تناولها بالتفصيل في بحث سابق، يتم تخزين الفائض من الحبوب لاستخدامه طوال العام حيث أوضحنا في بحث سابق كيف تحتل الحبوب مكانة ذات أهميّة في المطبخ الأردني، ويتم تخزين هذا المخزون في ما يعرف بـ “الخوابي”، و “الكواير” ومفردها “خابية” و “كوارة” على الترتيب، وهي عبارة عن بناء داخل المنزل بارتفاع مترين وعرض حوالي مترين وأكثر، وبناء هذا الكواير في عدة مناطق أردنية مثل قرية “ضانا” يعتبر من مسؤولية المرأة الأردنية والتي تقوم ببنائها من الطين الذي يحتوي نسبة عالية من الصلصال والمتعارف عليه في. المنطقة باسم “طين السّمقة”، وتستوعب الكوارة الواحدة من خمسة الى ستة شوالات من الحجم الكبير ما يعادل حوالي 500-600 كغم، وفي الشمال كانت الكواير تبنى كجزء من سقف المنزل، حيث كانت البيوت الطينية تبنى على القناطر وبين كل قنطرتين زوج من الكواير، وللكوارة باب علوي يسمى “طرنافة” يصب منه القمح، وباب سفلي صغير تؤخذ منه الكمية اللازمة للاستهلاك اليومي، ويتم اغلاقه بقطعة قماشية تسمى “كبتة”، وفي البيوت الكبيرة متعددة القناطر كان يتم تقسيم الكواير بحيث تكون كل واحدة منها لصنف معيّن من الحبوب، وللوصول إلى الكوارة من أعلى تصعد المرأة على السلّم وتقوم بتنظيفها بواسطة مكانس من القش، وظهرت في فترات لاحقة كواير الخشب التي أصبحت أكثر شيوعاً.

ومع اختلاف الظروف الجغرافية والاجتماعية وحتى العوامل السياسية اختلفت وسائل وأدوات التخزين، ففي الشوبك مثلاُ كانت القلعة ملاذاً للأهالي وما يملكون في مشهد يوضح تماسك النسيج الاجتماعي الأردني خصوصاً في حالات الخطر والتهديد الخارجي والذي كان شائعاً خلال فترة الاحتلال العثماني من الجيش التركي والعصابات التابعة له أو التي يقوم بتحريضها على إثارة الفوضى، فلجأ الأهالي في الشوبك الى تقسيم القلعة لـ “عقود”، حيث تمنح كل عائلة عقد تخزن فيه الغلال المنقولة من البيادر بواسطة “العدول” المصنوعة من الصوف والشعر، ثم يتم تفريغ الحبوب في الكواير المصنوعة من الطين، وتغلق أبواب القلعة لحمايتها.

في حين لجأ الأهالي في وادي موسى لتخزين الحبوب في الخربة وهي القرية المبنية من الحجارة في المنطقة، واستخدموا لهذه الغاية نوعاً خاصاً بهم من الكواير البرميلية المبنية من الطين المخلوط مع التبن أو الأحواض المستطيلة او المربعة، وتتشارك المرأة مع الرجل مهمة بناء الكوارة التي تتسع لما يتراوح ما بين 40-80 صاعاً، وتغطى الكوارة باستخدام غطاء مصنوع من الطين والتبن أو قطعة من القماش أو شوال من الخيش، ويتم عادة ترك فتحة صغيرة في أسفل الكوارة لاستخدامها في اخراج الحبوب حسب الحاجة، وكانت معظم الأسر تمتلك بيتاً للتخزين أو تقوم باستئجار أماكن للتخزين إما مقابل كمية من القمح أو حتى بلا مقابل فيما يتعارف عليه محلياً بمفهوم “العونة”.

وفي أقصى الجنوب الأردني، يقوم الحويطات بتخزين الحبوب في حفرة يتم حفرها بعمق يتناسب مع كمية الحبوب المراد تخزينها، ومن ثم رشها بالماء بعد انتهاء الحفر لتصبح سطوحها الداخلية صلبة وملساء مستوية،، ثم توضع الحبوب بداخل ما يعرف بـ “المطامير” ومفردها “مطمارة” ومن ثم يتم إضافة طبقة من التبن ومن فوقها التراب ويتم الضغط على المطمارة حتى يستوي التراب مع ما حوله، ويترك البدو هذه المطامير بدون حراسة حيث لا داعي للقلق من هذه الناحية فسيكون من الصعب على أحد غيرهم تمييز موضعها، ومن الطرق الأخرى حفظ الغذاء في المغر التي كان يتم إغلاقها بالحجارة والطين مع قيام صاحب المخزون بوضع ختم خاص به على باب المغارة من خلال ترك أثر يده بالطين، ومن التقاليد المرعية عدم كسر ختم المغارة الطيني إلا من قبل صاحبها، وكانت الحبوب التي تزيد عن حاجة الأسر لدى بدو وادي رم، تخزّن في “الطيران” ومفردها طور وهي صخور طبيعية تسمى “مصن”.

وتختلف الكواير والأحواض في معان عن سواها حيث تتشكل الأحواض من جدران يصل ارتفاعها إلى نصف متر وبمساحة تصل إلى أربعة أمتار مربعة، في حين تأخذ الكواير الشكل الدائري وتبنى على عدة مراحل تستمر عدة أيام وتكون من مهمة المرأة، وعادة ما تكون بحجم برميلين، وتتسع لخمسة شوالات من القمح أي ما يعادل حوالي 500 كغم، وتغلق بغطاء طيني أو من القماش أو حتى بلوح معدني أو خشبي، وكانت هناك نساء معروفات متخصصات في بناء الكواير مقابل أجرة معينة وهو ما يؤكد مكانة المرأة ودورها المهم في الاقتصاد الانتاجي الاردني.

ومع التحولات التي عاصرتها المنطقة ما بعد التحول من مرحلة الثورة الزراعية إلى الثورة الصناعية تأثرت المدن الأردنية بهذا التحوّل وانعكس ذلك على أسلوب الحياة الذي أصبح أكثر تنوعاً، فمثلاً لم يعد هناك حاجة للقيام بإعداد الخبز إلا في حالات نادرة أو لأنواع خاصة من الخبز غير المتوفر في المخابز، ولا حاجة للتحطيب فالحطب متوفر في الأسواق، وكذلك الحال في الحبوب المتوفرة في المحال طوال العام، إلا أن الكثير من الأسر الأردنية بقيت تقوم بتخزين الحبوب في كميات تغطي احتياجاتها للفترة المقبلة، فكانوا يخزّنون الطحين في براميل خشبية سعة الواحد منها شوال ونصف، أما البرغل فكان يقسم إلى نوعين، الخشن لعمل المجدرة، ويخزن في خرايط قماشية بيضاء اللون مع إضافة الملح وتركه في مكان جاف، والبرغل الناعم يتم تخزينه في مرطبانات من الزجاج.

عملية اعداد وتخزين الجميد
  • حفظ مشتقات الحليب:

نأتي هنا الى مشتقات الحليب والتي تعتبر المكون الغذائي الثاني في المطبخ الأردني بالتشارك مع الحبوب، وتبدأ العملية منذ لحظة حلب الأغنام والتي تتم عادة من خلال شبق الغنم وهي مرحلة يتم فيها صف الغنم بصفين متقابلين بشكل مائل من خلال استخدام حبل مغزول من الصوف في عملية كانت تشبه ما يعرف بخطوط الإنتاج الحالية في المزارع والمصانع، ويتم الحلب في وعاء من النحاس غالباً، ويتم تفتير الحليب ووضع “روبة” اللبن للحصول على اللبن الرائب في عملية تأخذ نهار كامل في فترات الشتاء بينما تحتاج حوالي 3 ساعات في الصيف، وبعد ترويب اللبن يتم خضه في ظٌبية مصنوعة من الجلد، لفصل الزبدة عن اللبن المخضوض وتنتج بذلك الزبدة والشنينة، وتخزن الزبدة في “نصيّة” وهي وعاء مصنوع من التنك المعدني، أو يتم تخزينها في المزبد والذي يصنع من جلد الكبش ويتسع أحياناً لأربع تنكات –تبعاً لحجم الكبش-، ويحرص على عدم دخول الهواء للمزبد وإضافة الملح والورص (الكركم) إلى الزبدة لحفظها، أما السمنة فتصنع بتذويب الزبدة على النار وتركها لتصفى عن اللبن مرة أخرى، ويتم إضافة البرغل الخشن والورص والملح، وتُغلى مرة أخرى حتى الاستواء وتترك لترقد ثم توضع في أوعية زجاجية تعرف بالمرتبانات او القطرميزات.

 وتستمر عمليات المعالجة المتكررة للحصول على المزيد من المنتجات، فيتم صنع اللبن الجامد من خلال وضع الشنينة في أكياس قماشية مخصصة لهذه الغاية ، وتركها لعدة أيام حتى يقطع منه المصل، ويتم الحصول على اللبن الجامد (اللبن المكروت) الخالي من الدسم (بدون زبدة)، ويتم استخدام هذا اللبن في إعداد “اللبنة المدحبرة” والتي يتم تخزينها بإضافة الزيت والملح وتركها في أوعية زجاجية، أو من خلال “تنطيل” اللبن أي عمله على شكل أقراص دائرية تترك على طاولات خشبية وقطع من القماش تحت الشمس حتى يجف وينتج بذلك الجميد ويكون هذا في فترة الربيع، أما الكشك فعادة ما يصنع في فترة شهر حزيران ما بعد انتهاء عملية التعزيب والحصاد، فيتم خلط البرغل باللبن المنزوع الدسم (المكروت/المخيض) ويطبخ ويترك في وعاء، ثم يترك الخليط مغطى لمدة يومين ومن ثم يتم عرضه على الشمس لمدة يومين حتى يجف، في حين استعمل الأردنيون الجبنة المالحة كوسيلة للحصول على الجبن طوال العام من خلال استعمال المساة المأخوذة من معدة وليد النعجة بعد تمليحها وتجفيفها لمدة أسبوع تحت أشعة الشمس، ومن ثم توضع في قطعة من الصوف وتضاف هذه القطعة إلى الحليب الموضوع على النار ويتم مرس القطعة في الحليب حتى يفتر، ثم يغطى القدر حتى تدور الجبنة فيه عندها تسكب في قطعة من القماش وتوضع على طاولة ذات سطح مستوي مع إضافة ثقل فوقها حتى ينقطع المصل، ومن ثم يفتح الكيس ويتم تفريض الجبنة من خلال تقسيمها الى قطع متساوية ومتناسقة، ثم يتم تمليحها وتركها أسبوعاً ليتم بعد ذلك غليها وكبسها وتخزينها في أوعية معدنية خاصة بذلك تعرف بالـ “نصيّة”.

  • حفظ النباتات والخضار والفواكه:

لتخزين الخضار في فترات ما قبل ظهور التبريد والتجميد، لجأ الأردنيون لتجفيفها كوسيلة لحفظها لاستخدامها في غير موسمها، فعلى سبيل المثال كان يتم تجفيف البندورة بعد أن تسطح من الوسط ويتم تمليحها، وتخزن في أكياس قماشية بعد أن تجفف وتعلّق هذه الأكياس على جوانب البيت، وكذلك فيما يتعلق بالكوسا التي كانت تقطّع الى دوائر وتُملّح وتطبخ حوساً مع البندورة في الشتاء، ويتم تجفيف البامية ووضعها على شكل قلائد يتم تعليقها حتى تجف وتطبخ مع البندورة في الشتاء، كما يتم صناعة رب البندورة بتقطيع حباتها وعجنها وعصرها وتصفيتها من البذور والشوائب مع إضافة الملح وغليها على النار حتى تصبح معقوداً ثم تعبأ في مرتبانات وتخزن لتستخدم عند الحاجة، كما تتم صناعة المكابيس والمخللات من زيتون وخيار وفقوس وباذنجان وغيرها.

قلائد بامية مجففة على شكل “عقد” من إعداد احدى سيدات حوران الأردنية
نعنع يتم تعريضه للهواء بهدف تجفيفه وحفظه لاستعماله طوال العام
  • حفظ الفواكه بالتسكير (المربيات والتطالي):

وإلى جانب التجفيف الذي كان يعتمد على الملح، كان يتم الاستعانة بالتسكير وهي طريقة حفظ الغذاء بإضافة السكر والشيد، وهي وسيلة إنتاج المربيات والتطلي من عنب وتين ومشمش وغيرها من الفواكه والثمار التي تحفظ بعد غليها على النار لفترات محددة وفصل الثمار عن العناقيد و/أو هرسها وإضافة كميات من السكر وتركها حتى تتماسك وتشتد ويتم تخزينها في مرتبانا،  كما تتم صناعة المعاقيد بتركها تغلي مع اسكر حتى تتماسك وتشتد مثل معقود التين ودبس الخروب والرمان ، فتتم صناعة دبس الخروب من خلال تنشيف الثمر وطحنه على الحجر وغليه حتى يصبح دبساً، وكذلك الحال مع الرمان الذي يتم عصره وغليه حتى يشتد، أما الليمون فيتم تخزينه في التبن ويتم رشه بالماء حتى لا يجف ويفسد.

مربيات صناعة منزلية من سيدات أردنيات من 6 محافظات أردنية ، تجدونها متوفرة في دكانة مطعم ارث الأردن
  • حفظ اللحوم:

ورغم أن اللحوم لم تكن جزءًا من الغذاء اليومي لدى عموم الأردنيين وكانت تستخدم بشكل طازج لغاية المناسبات الهامّة التي تم توضيحها في بحث سابق، الا أنه جرت العادة على تخزين اللحوم لحين الحاجة إلى استخدامها، ومن طرق تخزين اللحوم “القشيم” حيث تفرك اللحوم مع الدهن ويضاف لها قليل من الملح ويتم غليها على النار ومن ثم يتم تخزينها في مرطبان، وكذلك طريقة “الزربة” أو “الدفينة” والتي تتلخص بطبخ اللحم الفائض حتى ينضج ويبرد ويحفظ في “سعن” وعند الحاجة يتم استخدام الكمية اللازمة لإعداد الأطباق، وفي بعض المناطق يتم طبخ الذبيحة كاملة بدهنها، ووضعها في جرة وحفظها للاستخدام اليومي، فيما يسمى بالـ “قاورما”، وكان البعض يسلق اللحم بالماء حتى ينضج ثم ينشر اللحم على ظهر بيت الشعر “الشقاق” حتى ينشف، ولا تؤمن هذه الطريقة دوام اللحم سوى بضع أيام وتعتبر هذه الطريقة قليلة الشيوع وتستخدم عندما تقع إحدى الماعز ويتم ذبحها قبل أن تنفق.

وكانت تتم الاستفادة من كل أجزاء الذبيحة تقريباً، فالنساء كن يدبغن الجلود من خلال إضافة الملح لها وتجفيفها بعد تنظيفها من الدهون التي علقت بها، ثم يضعن الصفة (الرماد) فيه ويتم قلبه بحيث يكون الصوف أو الشعر إلى الداخل ويترك يومين أو ثلاثة ثم يفتح بعد ذلك ويكون نزع الصوف أو الشعر عنه أسهل، ويكشط بقايا الشعر المتبقي بسكين حادة وهكذا حتى ينظف الجلد تماماً من الدهون والشعر ويغلى الجلد مع قشر اللزاب أو جذور السنديان، حسب الغاية من الاستخدام (خافة أو ظبية أو سعن أو شكوة) أما اذا كان لصناعة الجاعد فإنه يملح فقط وينظف في الغالب بدون دباغة.

 ورغم عدم توفر كميات كبيرة من الأسماك نتيجة محدودية المناطق البحرية في الأردن، الا أن الأردنيين في العقبة كان لهم كلمتهم وطريقتهم في حفظ الأسماك واللحوم وتخزينها سواء للاستخدام الذاتي أو حتى لنقلها وبيعها للمناطق الأخرى من خلال وضع السمك في براميل خشبية مطلية من الداخل بالإسمنت، مع إضافة كميّات كبيرة من الملح داخل البرميل والذي يغلق بإحكام، وبهذه الطريقة يمكن حفظ السمك لمدة تصل لحوالي العام.

المراجع:

  • حتّر، ناهض & أبو خليل، أحمد (2014) المعزّب ربّاح، منشورات البنك الأهلي الأردني. عمان: الأردن
  • خريسات، محمد عبد القادر (2012) المسيحيون في قضاء السلط، عمان، الأردن
  • العبادي، أحمد (1994) المناسبات عند العشائر الأردنية، دار البشير.
  • العزيزي، روكس (2012) معلمة للتراث الأردني، مطبعة السفير.

[1] كتاب المعزب رباح ، صورة ونموذج بناء مغارة أبو خضر في السلط ص 224

تخزين وحفظ الناتج الغذائي في الأردن

  • مقدمة:

يتميز المطبخ الأردني بتشكيلة واسعة من الخضار والفواكه المتوفرة طوال العام في هبة جغرافية تقدمها الطبيعة من خلال منطقة غور الأردن التي تعتبر سلّة الغذاء الأردنيّة والتي تنخفض عن مستوى سطح البحر مما يمنحها مناخ دافئ ورطب صيفاً ومعتدل شتاءً ما يعطي المزارع الأردني فرصة الحصول على دورة زراعية أطول ومواسم انتاجية متعددة خلال العام الواحد، بحيث يتنوع المحصول والناتج تبعاً لاختلاف الفصول والتوقيت من العام الزراعي، وقد كان الأردنيون القدماء من أقدم المجتمعات البشرية التي عرفت الزراعة من خلال الدلائل على حضارات نهر الزرقاء وعين غزال والتي تعتبر أول وأقدم مثال على المجتمعات الزراعية، وقد طور الأردنيون القدماء أساليب الزراعة وأحسنوا استغلال كل مساحة ممكنة من الأرض، تكيّف الفلاح الأردني مع مواقيت حركة الأرض والشمس وتتابع الفصول، وجعل مواسمه الزراعية تتناغم معها، ففي الشتاء تتم زراعة المحاصيل التي تحتمل البرد، وتكتفي بعدد أقل من ساعات إضاءة الشمس، وفي الصيف تزرع ما تسمى “نباتات النهار الطويل”، وفي الربيع تزرع ما ارتوى من المطر، وفي الصيف والخريف يقطف من الثمار ما أنضجته حرارة الجو، وما شبع من خصوبة الأرض، وحتى يومنا الحالي تصدّر الأردن لدول الجوار الكثير من الخضروات والمنتجات الزراعية، لا سيما خلال أشهر الشتاء البارد والتي تزيد من صعوبة انتاج الخضار في دول ذات طبيعة صحراوية مثل السعودية وبقية دول الخليج، أو في الدول الواقعة تحت تأثير المنخفضات الجوية مثل سوريا، فيتم عادة الاستعانة بالمحصول الزراعي الأردني صاحب السمعة الحسنة، ونتيجة لما تقدم فقد استفاد الأردنيون من هذه الوفرة الزراعية واستخدموها بشكل واضح في الهوية الغذائية، ونستعرض هنا أهم النباتات التي ساهمت في تنوع وثراء المطبخ الأردني.

  • الخضروات في الحقول والبساتين والكروم

إلى جانب الحبوب والمحاصيل الزراعية التي كان يتم استخدامها للأهداف التجارية والتداولات والمعاملات النقدية والتي أصبحت مهنة وسمة لكثير من المناطق الأردنية، الا أن هذه السمة تأخذ شكل أكثر عمومية عندما نلاحظ كيف لجأ الأردني نصف الفلاح ونصف البدوي إلى زراعة المحاصيل والخضروات في مختلف المناطق بهدف الاستهلاك المنزلي، سواء في الحواكير المنزلية، أو في شكارة حقلية ( قطعة صغيرة من الأرض يستغلها المرابعي لزراعة الخضروات داخل حقوق الحبوب) أو في أراضي الكروم، أو حتى في مساحات بعلية مخصصة للزراعة الصيفية، أما في البساتين المروية فزرعت الخضروات مثل الكوسا والبندورة والبصل والفاصولياء والزهرة والملفوف والباذنجان والبطاطا والقرع واليقطين والبقدونس والنعنع والكزبرة.

فناقش (السلط)
قرع بلدي مقلّى ومطبوخ بالطحينية مع اللحم المفروم والجوز ويضاف إليه دبس الرمان

أما البساتين المروية بماء الينابيع والقنوات المائية فخصصت لأشجار الرمان والخوخ والمشمش والسفرجل، وبين الأشجار زرعت الخضروات، بما فيها البندورة المروية، أما الخضروات البعلية والبطيخ والشمام والمقاثي فكانت تتم زراعتها في المناطق الجبلية الشفا غورية، فيما اشتهرت المناطق الشمالية الغربية وجبال السلط بكروم العنب والتين بنوعيهما الأخضر والأسود، وكذلك الحال فيما يتعلق بالزيتون، وتعتمد هذه الأشجار على مياه الأمطار، وفي الكروم كما هو الحال في حواكير المنازل، يحرص المزارع الأردني على زراعة النباتات والخضار بين الأشجار مستفيداً من الرطوبة التي توفرها، فتزرع البازيلاء والرشاد والفول والبصل والفجل والفليفلة والفلفل الحار وغيرها.

  • اكتمال الهوية باكتمال العناصر الغذائية

كما هو الحال مع الهوية الديموغرافية للسكان فقد تعرضت الهوية الغذائية الأردنية لكثير من العوامل الخارجية التي كان لها تأثيرات سلبية وايجابية على المطبخ الأردني، فرغم تحول بعض السكان إلى حياة التنقل هرباً من بطش وجباية الضرائب التي كانت تفرضها وكذلك الحال في حالة نهب المواشي التي كانت تتم على يد قطعان الجيوش العثمانية، الا أنه وبمجرد التخلص من تلك المرحلة عادت الهوية الغذائية الأردنية للتكامل مجدداً لتعيد توحيد نفسها ويمكن ملاحظة هذا بشكل واضح في الأطباق السلطية حيث تتوفر جميع الأطباق الأردنية التي تعتمد على الحبوب ومشتقات الحليب، لكن مع إضافة ما يتوفر من مواد وخضار لهذا المزيج، وهو ما يمكن ملاحظته من تحضير الكوسا المحشي، والباذنجان، والفليفلة، والفقوس، والفول الأخضر والعكوب بمريس الجميد .

محاشي بردقانية – مزيج من الخضار المحشوة مع اللبن والجميد وصلصلة البندورة

ومن الأطباق المعروفة والشائعة بين بلقاوية عمان ما يعرف بـ “الفويرة بالخضار” وهي مزيج يجمع الزهرة او الباذنجان أو البطاطا، مع البصل واللبن والسمن وخبز الشراك التي يتم حوسها وتذبيلها مع إضافة المريس والبهارات ويتم غليها حتى تفور ثم توضع الخضار فوق الشراك ويتم تشريبها باللبن، وكذلك الحال في الموقر حيث يحظى طبق الرشوف بالقرع بأهميّة لا تقل أهميّة عن الذبيحة، رغم كونه طبق نباتي بامتياز، وذلك بحكم ندرة القرع قبل عودة امتداد المجتمعات الزراعية نحو المناطق الوسطى والجنوبية التي انخفضت فيها المناطق الصالحة للزراعة مقارنة بفترات تاريخية سابقة نتيجة للعوامل الجغرافية والاقتصادية والسياسية والتغيرات الاجتماعية التي رافقتها.

  • النباتات الموسمية

تتيح مواسم الربيع للأردنيين فرصة تعويض ما فاتهم من عناصر غذائية خلال فترة الشتاء من خلال وفرة النباتات الموسمية التي يؤكل بعضها نيئاً وبعضها الآخر يستخدم في تحضير أطباق شهيّة لا سيما مع تزامن فصل الربيع مع موسم الصوم المسيحي وهي فترة تتشابه فيها الأطباق الأردنية النباتية على اختلاف الديانة، فتخرج السيدات إلى البريّة لجمع الكثير من هذه النباتات مثل “السوكران” وهو نبات له أوراق دقيقة، وكذلك الشومر الذي يتم استخدامه في صنع  خبيز “العجة” مع إضافة البيض والدقيق، وكذلك يتم جمع السمينة التي تستخدم لإعطاء السمن لونه المميز، ويجمع النسوة في موسم الربيع العلت والخبيزة، وتُقلّى الخبيزة مع الزيت البلدي والبصل وتؤكل بالخبز، وأما العلت فيتم تحضيره بتذبيله مع البصل والزيت ويؤكل أو تصنع منه الفطائر باستخدام أفران الطابور التي كانت متواجدة بكثرة في البيوت الريفية الأردنية، ويتم صنع الفطائر أيضاً من الحميض والنعنع البري والزعتر بنفس الطريقة وأحياناً مع إضافة الجبنة للزعتر لإضافة طعم رائع، كما يتم جمع الفطر ما بعد الأيام الماطرة، وذلك بتمليحه وشويه على الجمر مباشرة أو قليه مع الزيت والبصل كمصدر للبروتين النباتي.

خبيزة حوس، ، طبق موسمي متوفر خلال أشهر الربيع في مطعم إرث الأردن
  • النباتات البريّة

اهتم الأردنيون حتى في عصور ما قبل الزراعة بالنباتات البريّة واستطاعوا معرفة وانتقاء ما يصلح للأكل منها وتمييزه عن غيره واستخدامه في عمليات الخبز الذي تم العثور على أقدم بقايا له في العالم على الأرض الأردنيّة وتعود للفترة النطوفية، ومن هذه النباتات ما تم تطويرها وأصبحت تتم زراعتها في الحدائق والحواكير المنزليّة لتغطية الاحتياجات الغذائية للعائلة، أو حتى لغايات واستخدامات طبيّة ومثال ذلك الزعتر البري ومنه نوعان: الأول الزعتر البري العادي، والثاني الزعتر الفارسي، ويستخدم هذا الأخير بإضافته للشاي لإضفاء نكهة مميزة، أو يغلى ويتم تقديمه لمن يعاني من آلام المغص، أما الزعتر العادي فيتم تجفيفه ويدق وينقى من الأعواد والشوائب ويضاف إليه  السمسم والسماق الناعم، وأحياناً بعض الحمص المقلي (القضامة المحمّصة المطحونة) وكذلك بعض الجميد المطحون أو المكسرات حسب الرغبة، وكانت هذه المكونات تخلط جيداً وتحفظ في مطربان وتؤخذ منها كميات بسيطة حسب الحاجة، حيث تؤكل مع الخبز وزيت الزيتون كوجبة ثانوية، أما السماق فتقوم النسوة بغليه مع الماء للحصول على سائل حامضي خمري اللون كان يستخدم مع الطبخ كبديل للليمون في حال عدم توفره، وكذلك الحال مع  دبس الحصرم (العنب غير الناضج).

نبات الشومر الذي يستخدم لتحضير “العجة” في الشمال الأردني خلال فترات الربيع

كما وفرت البيئة المحيطة أنواعاً كثيرة من النباتات البريّة، ومنها الشومر الذي يؤكل أخضر، وقد يطبخ كالخبيزة، ويفضل أن يطبخ بالزبدة، والمرار الذي يؤكل أخضر نيئاً، أو يمكن ان يتم طبخه بالبصل، وكذلك القفرة التي غالباً ما تكون من الدهن، وهناك أيضاً نبات البسباس الذي يؤكل نيئاً أخضر، والخردلة التي تؤكل مع اللبن، والحويرنة التي تنبت في مجاري السيول ويستفاد منها في تحضير السلطات وتتميز هذه الأخيرة بمذاق حاد وحار، والقرة التي تعتبر من أنواع السرخسيات التي تنبت في مجاري السيول وتستعمل في السلط وهو ذات الحال مع العلت.

نبات الخبيزة الذي يعتبر من أهم مكونات المائدة الأردنية خلال فصل الربيع
نبات العلت، ويعرف باسماء اخرى مثل: السريس والشيكوريا والهندباء
برغل دفين ، برغل مع الحمص والخضار المدفونة ، طبق صيامي ونباتي بامتياز من مطعم ارث الأردن
  • أطباق نباتية – صيامية:

خلال أربعين يوماً من الصيام المسيحي، تتشكل مائدة كاملة لا تحتوي على اللحم بكل أنواعه ولا الحليب ومشتقاته، ويعتقد أن هذا الصيام الفلاحي من ِشأنه الحفاظ على الثروة الحيوانية خلال فترة الربيع وحمايتها من الذبح، إضافة لترك الحليب لرضاعتها، يحدث ذلك في الوقت الذي تفيض فيه الطبيعة بالأعشاب والنباتات المناسبة للأكل، وتدعم أطباق الأعشاب بالحبوب والقيطاني، ومن الأكلات الأردنية النباتية المناسبة للصوم “صيامية” والتي يستخدمها الجميع في تلك الفترة في الواقع، حوسات البصل والزيت مع الخبيزة أو الفطر، أو الكما، أو العكوب، أو الحميصة، أو الهندبة، أو السلق، أو اللوف، وكذلك سلطة العلت مع البصل والزيت، وسلطة فريم البندورة والبصل مع السماق، والنباتات النيئة كاللشيلوه (حويرة الماء)، وقرون القصيقصة، وقرون البرّيد والخرفيش، ومقالي الباذنجان، والبطاطا والكوسا والفليفلة، والفول الأخضر بالسماق، قلاية البندورة بالزيت، ورقة الدوالي أو ورقة اللسينة الذي يلف بالأرز، أو البرغل الدفين مع الحمص وفريم البندورة والخضار، حوسة الفول الأخضر بالكزبرة والزيت، المجدرة، الأرز بالشعيرية، الأرز والفول الأخضر بالزيت، مرقة العدس المجروش، مدمس العدس الحب، طبيخ العدس والباذنجان بالزيت والثوم والبصل والبقدونس، وأقراص النعنع والزعتر الأخضر والحميضة والخبيزة، وقلية القمح وغيرها.

  • المراجع:
  • حتّر، ناهض & أبو خليل، أحمد (2014) المعزّب ربّاح، منشورات البنك الأهلي الأردني. عمان: الأردن
  • خريسات، محمد عبد القادر (2012) المسيحيون في قضاء السلط، عمان، الأردن
  • العبادي، أحمد (1994) المناسبات عند العشائر الأردنية، دار البشير.
  • العزيزي، روكس (2012) معلمة للتراث الأردني، مطبعة السفير.

التنوع النباتي في المطبخ الأردني والأطباق النباتية والصيامية

  • مقدمة

يعتبر الأردن من المواطن الأصلية لكثير من الأشجار المثمرة حول العالم، وذلك بالاستناد على الدلائل والبقايا النباتية التي لا تزال قائمة حتى اليوم والتي تنتشر في مختلف البيئات الأردنية وتثمر بشكل جيد وتقاوم الظروف الطبيعية الصعبة، وتضم هذه الدلائل أنواع بريّة مختلفة من البطم الأطلسي (أصل ما يعرف بالفستق الحلبي) P. Atlantica واللوز البري Amygdalus sp.  (أصل اللوز والبرقوق والدراق المشمش)، والزعرور C. Azorolus، والأجاص البري (أصل للأجاص) Pyrus sp.

ويلاحظ قيام المزارع الأردني بزراعة مختلف أنواع وأصناف الأشجار المثمرة في بيئات الأردن المتباينة مناخياً وجغرافياً ما بين الغابات الرطبة وصولاً للمناطق الصحراوية الجافة، وفي أنواع مختلفة من الأتربة كالصخرية والكلسية والجافة وعلى ارتفاعات تمتد من دون مستوى سطح البحر في الأغوار الأردنية وتصل حتى 1350م عن سطح البحر، مما يوحي بأن المصادر الوراثية للأشجار اكتسبت مع الزمن مواصفات هامة تعتبر أساسا لأنواع الأشجار المثمرة وقاعدة صلبه تتركز فيها العوامل الوراثية بالانتخاب الطبيعي.

  • الزيتون

ومن بين جميع الأشجار الأصيلة في البيئة الأردنية يحظى الزيتون بأهمية ورمزية في الثقافة الإنتاجية الأردنية ومائدتها، حيث تعتبر المنطقة هي الموطن الأصلي لشجرة الزيتون حيث بدأت زراعتها قبل نحو 6000 سنة، وتعتبر الشجرة الأكثر أهمية في قطاع الأشجار المثمرة، وتطلق بعض التوصيفات التاريخية على أنواع أشجار الزيتون للتأكيد على قدمها، ومنها الزيتون الروماني – الرومي والذي يراد من تسميته بهذا الاسم نسبه للفترة الرومانية التي حصل الأردنيون خلالها على حلف للحكم المحلي يعتبر الأول من نوعه في العالم، وفي الواقع فقد تواصلت زراعة الزيتون في الأردن لفترات طويلة واستفاد الأردنيون القدماء من زيته وثماره في الاستخدامات الغذائية والاقتصادية المتعددة ويستدل على ذلك من خلال المواقع الأثرية التي تضم معاصر للزيتون، إضافة للسرج النبطية التي كان يستعمل زيت الزيتون في إنارتها.

وينظر للزيتون اليوم باعتبار كونه الأكثر أهمية في قطاع الأشجار المثمرة وذو أهمية كبيرة في الاقتصاد الوطني إذ بلغت المساحة المزروعة بالزيتون لعام 2006 حوالي 1.26 مليون دونم وتعادل هذه المساحة حوالي 72 % من المساحة المزروعة بالأشجار المثمرة وحوالي 36% من كامل المساحة المزروعة في الأردن، يقدر تعداد أشجار الزيتون في الأردن بنحو 20 مليون شجرة 77 % منها للزراعة البعلية، والباقي من خلال الري الدائم، كما يبلغ الإنتاج السنوي من ثمار الزيتون حوالي 243 ألف طن ومن الزيت حوالي 37 ألف طن.

اطلالة بانورامية على امتداد كروم وحقول الزيتون في بلدة حرثا وفي الافق جبل الشيخ وامتداد سهول حوران الأردنية
  • بلدة حرثا (قويلبة) . . . آلهة الزيتون

تعرف بلدة حرثا في محافظة اربد في الكتابات القديمة بنوعية زيتها الذي يعد مميزا على مستوى العالم، حتى أنه كان يطلق عليها اسم ”قنديل روما”، كما أنه كان يجمع فيها زيتون المناطق المجاورة كلها قبل أن يتم نقله إلى أماكن أخرى، كما أن جفت الزيت أيضا يجمع على شكل كتل أيام الرومان في حرثا، ثم ينقل إلى معسكر أم الرصاص من هناك. ولا تزال حتى اليوم مشهورة بزيتها بشمال الأردن.

وقد ذكرها أيضا الحازمي فقال (ناحية من كور الأردن، ويذكر ياقوت الحموي في كتابه ( معجم البلدان ) أن “آبل الزيت هي القويلبة / حرثا التي تقع بالأردن على مشارف طبريا”، ويذكر المؤرِّخ مصطفى مراد الدبَّـاغ أنها تقع في لواء إربد بالأردن وأُطلق عليها إسم (آبل الزيت) لجودة الزيت الذي تنتجه كروم أشجار الزيتون التي تـُغطي أراضيها، وتطلق بعض المراجع على المنطقة التي تقع فيها “آبل الزيت” في منطقة بني كنانة إسم منطقة العيون الشمالية، وقد كشفت الحفريات الأثرية في موقع قويلبة التي نفذتها البعثة الامريكية من معهد اللاهوت في سانت لويس بالتعاون مع دائرة الآثار العامة الأردنية على معصرة زيتون يمكن النزول إليها بواسطة درجات من الحجر الجيري.

أما الباحث المهدي عيد الرواضية، الذي يوضح في كتابه، عند حديثه عن موقع ”آبل الزيت”، مبينا أن منطقة آبل الزيت ”هي المعروفة الآن بقويلبة، الواقعة في محافظة اربد إلى الشرق من بلدة حرثا، وأقدم من ألمح إليها من الجغرافيين العرب هو ابن خرداذبة كإحدى كور الأردن، قال: كور الأردن: طبرية، كورة السامرة، كورة بيسان، كورة فحل، كورة جرش، كورة بيت رأس، كورة جدر، كورة آبل الزيت، كورة سوسية، كورة صفورية، كورة عكا، كورة قدس، كورة صور، وخراج الأردن، ثلاثمائة ألف وخمسون ألف دينار”.

شجرة زيتون رومي معمرة في وادي الريان – اربد )تصوير بركات ظاظا)
  • أنواع شجر الزيتون

خضعت عملية زراعة الزيتون في الأردن لكثير من التطوير عبر القرون الماضية من خلال تحسينه واصطفاء حباته وأنواعه بعبقرية المزارع وعقليته التجريبية، مما تسبب بتنوع الأصناف والتي لا يتسع المجال لدراستها بشكل مفصل ولكن نستوضح أدناه أهم هذه الأصناف وصفاتها:

  • الزيتون النبالي: من الأصناف المعروفة والمنتشرة في الأردن، ثماره بيضاويّة الشكل، تميل للاستطالة، وتكون منبسطة في أحد جوانبها، ومدبّبة من الجهة الأخرى، ويصل وزن الحبة إلى أربعة غرامات، يعتبر هذا النوع الأكثر ملائمة لطبيعة الأرض الأردنية ويمتاز بجودة زيته وغزارة انتاجه حيث تتراوح نسبة الزيت في الحبة الواحدة من 20-38%.
  • الزيتون الرصيعي / النبالي المحسَّن: ثمار هذا النوع كرويّة مستديرة، ووزن الحبة حوالي أربعة غرامات ونصف، ونسبة الزيت فيه منخفضة جداً، لا تتجاوز ست عشرة بالمئة، ويصلح للمائدة أكثر من العصر.
  • الزيتون البلدي الرومي: تستخدم هذه التسمية لوصف الأشجار القديمة المعمّرة في الأردن، والتي يمتد قطر جذعها الى نحو مترين، ويمتاز بأنه من أجود أنواع أشجار الزيتون على الإطلاق، وتصلح ثماره للتخليل والعصر، حيث إنّ نسبة الزيت في ثماره مرتفعة.
  • الزيتون الكلاماتا: يعود في الأصل لليونان، ثماره صغيرة، بحيث يصل وزن الثمرة ما بين غرام واحد وغرام ونصف، وتكون الحبة منتفخة من وسطها، وهو من أفضل وأجود أنواع الزيتون المستخدم لإنتاج زيت الزيتون.
  • الجروسيدي: وهو من أنواع الزيتون التي تعود في أصلها إلى إسبانيا، وثمارها متوسّطة الحجم، أو كبيرة نوعاً ما، وقد يصل وزن الحبة إلى سبعة غرامات، وهي من الأنواع التي تصلح بشكلٍ رئيسي للكبيس، أما نسبة الزيت فيه فمنخفضة، تصل إلى ثماني عشرة بالمئة فقط، وهي من الأصناف التي تصلح للزراعة البعليّة، في المناطق الجبليّة.
  • الزيتون البري: وينتشر هذا النوع من أشجار الزيتون في الجبال والبراري، وتتميّز هذه الأشجار بصغر حجمها، وكثرة تفرّعاتها، وأغصانها شوكية، وصغر حجم ثمارها، وانخفاض نسبة الزيت فيها، وأحياناً قد يشوب طعم زيتها بعض المرار.
  • الزيتون الباروني: ويعود أصل هذا النوع من أشجار الزيتون إلى تونس، وشكل الثمار يشبه الكمثرى المقلوبة، ووزن الحبة يصل إلى سبعة غرامات، ويتميّز لون ثمار هذا النوع بالأحمر النبيذيّ، وهو من الأنواع الصالحة للكبيس، ونسبة إنتاج الزيت في ثماره ثماني عشرة بالمئة.
جانب من أجواء موسم قطف الزيتون
  • قطف الزيتون:

تعتبر مرحلة تلقيط أو فرط الزيتون، من المراحل التي تدل على قيمة العمل داخل العائلة الأردنية فيتشارك الجميع هذه المسؤولية بغض النظر عن الجنس والعمر، فهو واجب عائلي على كل شخص قادر على العمل، أما التوقيت فيبدأ منذ مطلع تشرين الثاني، وبعد ما يعرف شعبياً بـ “الشتوة الأولى” التي يسميها الفلاحون “شتوة الزيتون” لأنها تغسل أشجار الزيتون وحباته وتهيئها للقطف فتكون خالية من الغبار والتراب المتراكم على الشجرة، ويستيقظ الجميع في الصباح الباكر متوجهين الى حقولهم محاولين الاستفادة من أكبر عدد من ساعات النهار : يفرشون الأرض بالمفارش “المدارج” يجمعون الثمار في أكياس مخصصة لهذه الغاية تسمى “شوالات”، يتم نقلها الى البيت في آخر اليوم ومن ثم للمعصرة في آخر أيام الموسم.

أقدم معصرة زيتون في الأردن في بيت ايدس – اربد (تصوير محمد شطناوي)
  • معاصر زيت الزيتون وأنواعه

إلى جانب المعرفة بأنواع أشجار الزيتون بغية الوصول الى أفضل عائد مما يتم زراعته وعنايته طوال العام، أبدع الأردنيون منذ القدم في تطوير أدواتهم الزراعية باستخدام الموارد المتاحة منذ العصر الحجري، فكانت أول وأقدم معصرة للزيتون في المنطقة وهي معصرة بيت ايدس، والتي تقع جوار معصرة عنب وكهف السيد المسيح الذي لجأ للأردن ثلاث مرات، وهي منحوتة صخرية زيتية تستخدم تقنية تقوم على مبدأ القوة والتناسب في عملها حيث كانت تدار بواسطة الدواب وأصبحت تدار بالكهرباء مع الحفاظ على نفس تقنية العصر البارد والتجفيف والسلق، ويستمر هذا النمط من المعاصر في الأردن والمنطقة حتى الآن وتحظى بإقبال المزارعين ويحظى زيتها بإعجاب المستهلكين، رغم الثورة الصناعية وانتشار المصانع الآليّة والحديثة.

وتعتبر عملية العصر أمرًا ذا أهمية عظيمة نظرًا لما له من تأثير مباشر على جودة الزيت وكميته أيضًا؛ إذ يمكن أن تتأثر جودة الزيت بحصول أخطاء قد تكون في عملية العصر، أو الفصل بين الأنواع المتعددة للزيتون المراد عصره، وقد تتعلق بممارسات روتينية في المعصرة لها ارتباط بدرجة حرارة جَرْش الزيتون، أو كمية الرطوبة في العجينة، أو نظافة الأدوات، وسرعة الطحن، أو درجة نعومة العجينة. ونبرز هنا أهم أنواع زيت الزيتون المتعارف عليها حالياً:

  1. زيت الزيتون البكر الصافي:

يعتبر من أفضل وأنقى أنواع زيت الزيتون، حيث يتم استخراجه باستخدام الضغط البارد فقط. حيث يحتوي على 1% فقط حموضة. وهو أول زيت يستخلص من حبّات الزيتون. وهو زيت زيتون طازج وصافي وله نكهة ورائحة واضحتين.

ويستخدم زيت الزيتون البكر الممتاز في السلطة وعلى الجبن، كما يمكن وضعه على أطباق السمك أو اللحوم. وهو أفضل أنواع زيت الزيتون استخداماً للبشرة وللشعر.

  1. زيت الزيتون البكر:

زيت الزيتون البكر يمتاز بطعم جيد ومستوى حموضة منخفضة لا يزيد عن 3.3%، وهو أقل سعراً من زيت الزيتون البكر الصافي ولكنه يقترب منه في الجودة.

ويستخدم زيت الزيتون البكر في جميع الأغراض غير الطهي مثل رشه على السلطة أو الجبن أو أطباق اللحوم. ويستخرج زيت الزيتون البكر أيضاً من العصرة الأولى للزيتون. وله مذاق أقل من زيت الزيتون البكر الصافي.

  1. زيت الزيتون المكرر:

زيت الزيتون المكرر هو عبارة عن زيت زيتون بكر لكن نسبة حموضته تكون عالية ويتم تكريره بطرق كيميائية مما يؤدي لانخفاض العناصر الغذائية التي يتكون منها زيت الزيتون الأصلي، ومن أنواعه زيت العصارة المكرر وزيت العصارة الخام وزيت عصارة الزيتون.

استراحة محارب لحبات الزيتون بعد قطفها وقبل رحلتها للمعصرة ، حتى في أيام التعب ومواسم الحصاد والقطف كان هناك دائماً مساحة يعبر فيها الأردني عن الحب، سواء بالترانيم والأغاني ، أو بالأغصان والحبات
  1. زيت الزيتون النقي:

زيت الزيتون النقي عبارة عن خليط من زيت الزيتون البكر وزيت الزيتون المكرر. وهو منخفض في الحموضة فتصل نسبة الحموضة فيه حوالي 0.3%. ويعتبر زيت الزيتون النقي أفضل أنواع زيت الزيتون للطهي ومقاومة الحرارة. ولكنه لا يناسب استخدام السلطات، وهو أقل سعراً من أنواع زيت الزيتون البكر.

  1. زيت الزيتون الخفيف:

زيت الزيتون الخفيف يتم تحضيره بتكرير الزيت وتعرضه للحرارة وهو أخف نكهة ورائحة وطعما من أنواع الزيوت السابقة ويضاف إليه نسبة قليلة جدا من زيت الزيتون البكر، ويحتوي على نسبة عالية من السعرات الحرارية بعكس ما يعتقده بعض المستهلكين، وهو من أنواع زيوت الزيتون منخفضة الثمن.

  1. زيت تفل الزيتون:

زيت تفل الزيتون أقل أنواع زيت الزيتون ثمنا، ويستخلص من بواقي الزيتون بعد أن يتم عصره ويوضع تحت مكابس وأجهزة طرد مركزي، ويضاف إليه مذيبات عضوية مثل الهكسان ويضاف إليه نسبة قليلة من زيت الزيتون البكر.

  1. زيت زيتون المعاصر الحجرية (السلق):

زيت زيتون الخريج يستخلص من حبات الزيتون التي يتم غليها لمدة نصف ساعة ومن ثم نشرها وتعريضها للشمس لمدة ست أيام ومن ثم يتم عصره، يحتوي على نسبة حموضة من 3.3 – 5%، وقل إنتاجه كثيرًا لصعوبة استخلاصه وتكلفته العالية.

  1. زيت الطفاح:

زيت الطفاح يستخلص من حبات الزيتون التي تتساقط قبل موسمها ويدق بواسطة حجر أو مدقة، ويوضع في وعاء حديدي كبير ويغلى مع التحريك المستمر وبعدها يقفز الزيت إلى أعلى من الوعاء ويتم رفعه بكفي اليدين.

مكمورة ربداوية بزيت الزيتون
  • منتجات الزيتون في الغذاء الأردني

إلى جانب الحقول والمراعي حيث الحليب والحبوب ومشتقاتها، تقف الكروم الأردنية والبساتين ومساكب الخضروات شامخة مانحة المطبخ الأردني المزيد من التنوّع والتكامل في الغذاء، وبدون المساس بالتركيبة الغذائية الأساسية القائمة على المزج بين الحبوب ومشتقاتها والحليب ومشتقاته كما أوضحنا سابقاً في أبحاث سابقة من هذه السلسلة.

ويعتبر الزيتون عنصراً غذائياً مهماً في كثير من الأطباق الأردنية سواءً لكونه عنصراً غذائياً قائماً بحد ذاته، أو كبديل عن السمن والدهن الحيواني في عمليات الطهي، ويعمل وجوده إلى جانب الخضار على تعزيز المائدة الأردنية بأصناف عديدة من “الحوسات” وكذلك في توليف الخضروات مع مريس الجميد.

ومن أهم الأطباق الأردنية التي تستخدم زيت الزيتون:

  • المكمورة: طبقات من العجين المختمر المحشوة بالبصل والدجاج المذبل بزيت الزيتون مع السماق والحبة السوداء ومزيج من الأعشاب والنكهات المتنوعة، تشتهر في جميع مناطق محافظة اربد ولها أشكال متنوعة منها المطابق، والخبز بالبصل “خبز ابصل”.
  • المحاشي البردقانية: طبق غني بالمكونات من مدينة السلط، حيث يلعب زيت الزيتون دوراً مهماً في مزج مكونات الخضار من كوسا وباذنجان وفلفل حلو وبندورة مع مريس الجميد.
  • الرصيع / الرصيص: تحفظ حبات زيتون المائدة مع الملح والفلفل والليمون لمدة 45 يوماً لتنتج حبات الرصيع التي تعتبر جزءاً من المائدة الأردنية، تقدم في وجبات الإفطار والوجبات الخفيفة وفي بعض الوجبات كنوع من المقبلات.
  • البرغل الدفين: من الأكلات النباتية المستخدمة خلال فترة الصوم المسيحي وتولّف بين الحبوب والخضار، ويقدم زيت الزيتون بديلاً مناسباً للسمنة البلدية، لهواة الأطباق النباتية.

طبق البرغل الدفين ، من الأطباق التي يتم تحضيرها باستخدام زيت الزيتون
  • استخدامات أخرى لمنتجات الزيتون:

تعتبر مادة الجفت بأنها المخلفات المتبقية والناتجة عن عملية عصر ثمار الزيتون، وتتكون بشكل أساسي من البذور المطحونة، وبقايا اللب وقشرة الثمار والألياف، ويبلغ حجم الإنتاج السنوي من هذه المادة حوالي 85 ألف طن، وقد كانت المعاصر الأردنية رائدة في هذا المجال من خلال تحويل العبء البيئي الناتج عن عملية العصر إلى عائد اقتصادي مفيد ومصدر للطاقة في ظل الارتفاع الحاد في أسعار المحروقات وفاتورة الطاقة خلال السنوات الماضية، ومن أبرز استخدامات هذه المادّة:

  • مصدر للطاقة: يعتبر بديلاً بسعر منطقي للوقود ويستخدم في تشغيل وسائل التدفئة في العديد من البيوت الأردنية، وهي عملية تساهم في الحفاظ على الثروة النباتية من خلال الحد من قطع الأشجار الحرجية واستخدامها حطباً للتدفئة.
  • مصدر للسماد الطبيعي: يضاف لعناصر أخرى بحيث يستعمل كوسط للزراعة في المشاتل ويضاف إلى المحاصيل المختلفة لتحسين خواص التربة، حتى أن رماد الجفت الناتج عن الاحتراق في المواقد يمكن استخدامه كسماد عضوي، كما يمكن استخدامه كمادة توضع على أحواض الأشجار المثمرة لحفظ رطوبة التربة ومنع نمو الأعشاب.
  • مصدر للأعلاف: تحتوي مادة الجفت على 10% من البروتينات، 3-4% دهون، 32-47% ألياف، ورغم انخفاض استساغة طعمها من الحيوانات إلا أنه يمكن استخدامها في صناعة المكعبات العلفية بعد خلطه بمواد أكثر استساغة.
  • صناعات أخرى، مثل صناعة المبيدات الحيوية لمكافحة الأعشاب، الفطريات، الحشرات والبكتيريا التي تهاجم الأشجار والمزروعات، وكذلك فيما يتعلق بصناعة الصابون، والفحم والكربون النشط.

الخاتمة

ومن هنا نلاحظ ثراء المطبخ الأردني وتنوع مكونات هويته الغذائية، وكيف تطورت زراعة الزيتون في الأردن تاريخياً لتصل الى ما هي عليه الآن من ثبات، سواء من خلال انتشار زراعته واستخدام زيته وتنوع أصنافه وطرق عصره ومعالجته واستخدام كامل مخرجات العملية في الغذاء والتدفئة والحصول على الانارة والطاقة والسماد، وسيكون هناك قريباً بحث كامل عن مسيرة الزيتون في التاريخ الأردني يتناول كيفية انتشاره وتطور استخدامه خلال فترات العصور القديمة.

المراجع:

  • حتّر، ناهض & أبو خليل، أحمد (2014) المعزّب ربّاح، منشورات البنك الأهلي الأردني. عمان:الأردن
  • بالمر، كارول (2008) الفلاحون والبدو في الأردن: دراسة اثنوجرافية في الهوية الغذائية، تعريب عفاف زيادة، مؤسسة أهلنا للعمل الإجتماعي والثقافي.عمان: الأردن
  • اصدارات مديرية بحوث الزيتون، موقع وزارة الزراعة الأردنية http://www.ncare.gov.jo
  • شديفات، صالح & البدور، هدى. (2009) جفت الزيتون، المركز الوطني للبحث والارشاد الزراعي.
  • حبوب، الزين & أبو زريق، علي. (غ.م) أصناف الزيتون المناسب للأردن، المركز الوطني للبحوث الزراعية ونقل التكنولوجيا، وزارة الزراعة الأردنية.

 

الزيتون ومنتجاته في الاقتصاد والغذاء الأردني

مقدمة

يُعدّ المهباش أحد أهم مقتنيات البيت الأردني في كافة المناطق الأردنيّة، وهو الأداة التي تُستخدم لطحن حبوب البُن بعد حمسها (تحميصها) استعدادًا لطبخها وتحضير القهوة الأردنيّة؛ التي لها مكانة مرموقة في قيم الضيافة الأردنيّة تتخطّى كونها مشروبًا للضيافة وترتبط بما حمّله الأردنيّون للقهوة تاريخيًا من المعاني والدلالات والقواعد التي تحكم إعدادها وتقديمها وشربها، حتى باتت القهوة الأردنية “مفتاح السلام والكلام” وميزانًا لتقدير المواقف ولغةً تختصر الكثير من الشرح والتوضيح لإيصال الكثير من الرسائل في الفرح والحزن والسّلم والحرب.

والمهباش هو كتلة خشبيّة أسطوانيّة الشّكل في ثلاثة أرباعها السفليّة وقطرها 30 سم، ومخروطيّة الشّكل في ربعها العلويّ الذي ينتهي بفتحة قطرها حوالي  8 إلى 10 سم، وتمتد هذه الفتحة في عمقها إلى داخل الكتلة الخشبيّة بما يساوي ثلثي ارتفاعها الذي يكون بمجمله حوالي 35 سم. وللمهباش يدٌ خشبيّة على شكل أسطوانة رفيعة قطرها أقل من قطر فوهة المهباش بما يسمح لها بالدخول إلى عمقه، وطولها حوالي 80 سم. ويُطلق على المهباش تسميات عدّة منها : الجرن، النجر، الهاون، المدق. أما يد المهباش فتُسمّى بالأردنية “إيد المهباش”، أو “إيد الجرن”.

التسمية

جميع تسميات المهباش الأخرى (الجرن، المدق، النجر، الهاون)؛ تفضي إلى معنىً واحدٍ وهو طحن وتفتيت الحبوب التي توضع بداخله لهذه الغاية. لكن تسمية مهباش؛ وهي لفظة تعني في اللغة النحوية (جَمَعَ)، وعليه فإن المهباش هو الوسيلة التي يُجمَع بها الناس وتتم دعوتهم من خلالها لأمرٍ ما، كما أن الرواية الشفوية تقول أن شيخ إحدى العشائر كان لديه خادمً اسمه مهباش، كلما أراد أن يجمع أفراد عشيرته أرسل مهباش لينادي بهم، وبعد موت مهباش استعان الشيخُ بأخيه، فلم يكن يجيدُ ما كان يقوم به أخوه، فأشار عليه الناس للضرب بالجُرن والاستعانة بها كوسيلة للفت انتباه الناس إلى بيت الشيخ ودعوتهم إليه، وحصل أن سُمّي الجرن آنذاك بالمهباش، تكريمًا وتخليدًا لمرسال الشيخ.

الاستخدامات

للمهباش عدة استعمالات نشأت وتطوّرت حسب الحاجة من عدمها وخضعت لتبدّلات وتغيّرات النمط الاقتصادي والاجتماعي في الأردن، وهي كما يلي :

الاستخدام النفعي : وهو الغرض الأساسي الذي استخدم الأردنيون من أجله المهباش، لطحن حبوب القهوة بعد حمسها بالمحماسة. ولهذه الغاية؛ اقتنى الأردنيون المهابيش في بيوتهم، وبنوعٍ خاصٍّ في المضافات وبيوت الشيوخ، ووضعوه في الزاوية المخصصة لإعداد القهوة، وتاريخيًا؛ فإن هذه المهمّة يقوم بها الرجال حصرًا لما فيها من مشقّة إشعال النار وطحن القهوة قبل طبخها وتقديمها للضيوف. ويُدعى الشخص الذي يقوم بإعداد القهوة “القهوجي” أو “الفداوي”، وهو بالضرورة يتقن دق المهباش بحرفية ومهارة عالية إلى جانب تميّزه بإعداد القهوة بالمقادير والمعايير الدقيقة التي يحرص الأردنيون على تطبيقها للوصول إلى أفضل نكهةٍ يمكن تقديمها للضيوف، وعلى الرّغم من أهميّة المهباش ومكانته إلا أن الفداوي الذي يتسبب بكسره خلال النجر يحصل على مكافأة خاصّة وهي عبارة عن رداء يُسمى “لبسة الجرن”، وذلك لأن كسره دليلٌ على كرم صاحب البيت الذي لا تنطفئ ناره ولا تهدأ مهابيش بيته عن طحن القهوة خلال تحضيرها المتواصل إكرامًا للضيوف.

الاستخدام الجمالي : ويُقصد به الموسيقى الايقاعيّة التي يُشكّلها ويرتجلها الفداوي خلال طحنه للقهوة بالمهباش، وهو سلوكٌ طوّره الإنسان الأردني على مرّ الزمن لتحويل العمل الروتيني (طحن القهوة يوميًا) إلى مساحة جماليّة يستخدم خلالها ضربات المهباش بالتعبير الجميل عن استمتاعه بإعداد القهوة للضيوف الذين لهم ولضيافتهم قدسية فائقة في الناموس الأردني.

الاستخدام الديكوري : مع تفوّق الماكينة الكهربائيّة وتطوّر المعدّات التي سارع الأردنيون لاستخدامها لتحضير القهوة في سياق تفاعلهم الإيجابي مع تطوّرات العصر وتمسّكهم بتقاليد ضيافة القهوة، لم يكونوا ليتخلّوا عن المهباش؛ فتحوّل الأخير إلى تحفة جماليّة يتم عرضها في المضافات على اعتبار أنها ترمز لهذه الأداة التي رافقت أجيال الأردنيين في حياتهم اليوميّة واهتمامهم بإكرام الضيف وحفاظهم على تقاليد القهوة الأردنية المتوارثة، فأصبح المهباش تحفة يتم تزيينها بالزخارف التراثيّة وترصيعها بالأحجار الكريمة وتلبسيها بالفضّة والذهب، كما أن المهابيش القديمة التي ورثها الأردنيّون في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين من أجدادهم المباشرين أصبحت تُعرَض كتحفة تذكارية وتاريخيّة بالنظر إلى عمرها وارتباطها بذكرى الجد أو الأب.

صناعة المهباش

تُصنع المهابيش من الخشب الخام الذي يؤخذ من جذوع الأشجار الحرجيّة، وتتباين أنواع الأخشاب بحسب التنوّع البيئي في الأردن مما يجعل لبعض أنواعها أفضليّة أكثر من غيرها نظرًا لجودتها ومزاياها التي تتناسب مع معايير صنع المهباش وكيفيّة استخدامه :

  • البطم : يُعتبر خشب البطم الذي ينمو في مناطق مختلفة في شمال وجنوب الأردن، أفضل الأنواع التي تُستخدم لصنع المهباش وذلك بسبب صلابة الطبقة السوداء التي في داخل الساق أو الجذع، وهذه الصلابة هي سرّ الصوت الرنّان الذي ينتج عن عملية الطرق. كما أن خشب البطم لا توجد فيه الكثير من الشقوق التي تسرّع من اختراقه بالسوس والحشرات، إلى جانب أنه يحتمل عمليات الزخرفة والحفر وقلّما يتأثّر بمتغيّرات الطقس من الحرارة والبرودة على مرّ الزمن.
  • البلّوط : يمتلك خشب البلوط المميزات التي تجعله من الأخشاب الشائعة في صناعة المهباش وغيره من الأدوات الخشبيّة، فهو منتشر بكثرة في الأردن، وقادر على أن يكون مثاليًا كالبطم كمادة خام لصناعة المهباش الذي يتم طحن القهوة به لمرّات عديدة في اليوم، ما يتطلب الصلابة وقدرة التحمّل كالتي يتمتّع بها خشب البلّوط.
  • الزان : يُعد خشب الزان من الأنواع ذات الجودة نظرًا لصلابته وعمره الطويل وقدرته العالية على تحمّل مختلف العوامل التي تؤدي بالعادة إلى تلف الخشب أو تكسّره، وهو خشب مقاوم للتسوّس.
  • الخرّوب : يتم استخدام خشب الخرّوب في صناعة المهباش كبديلٍ عن البطم في حال عدم توفّره، وتنمو أشجار الخرّوب في وسط وشمال الأردن، ويحتاج إلى سنة من التجفيف والتخزين ليصبح صالحًا لصناعة المهابيش منه، ويتميّز بلونه الأحمر ومقاومته النسبيّة لعوامل الطقس المختلفة والتشقّق.
  • السّدر : وهو خشب صلب لونه أحمر ويتواجد في مناطق مثل العقبة والأغوار.
  • السنديان : يُعتبر السنديان أقل صلابة من البطم، لذا فهو يُستخدم أكثر في صناعة يد المهباش على اعتبار أنه لا يؤذي المهباش خلال طحن القهوة بداخله، ويتمتّع خشب السنديان بمتانة تجعل منه أكثر ملائمة لاستخدامه في صناعة يد المهباش واحتمال تكرار الطرق والطحن.
  • المشمش : بالرغم من عيوب خشب المشمش المتمثّلة بسرعان تلفه وقابليّته للتسوّس والتشقّق، إلا أنه ذو منظرٍ جميلٍ وينتج عن استخدامه في صناعة المهباش تحسين نوعيّة صوت الطرق وجعله رنّانًا أكثر من خشب البطم.
  • الكينا : تنمو أشجار الكينا في مناطق مختلفة من الأردن، ويمتاز بطبقة حمراء بداخله وبمرونته التي تمنع تسوّسه وتشقّقه، وهو من أرخص أنواع الأخشاب نظرًا لخفّته وانعدام قوّته، واستعماله مقصور على الأغراض التجارية.
  • التوت : يعتبر خشب التوت من أكثر الخيارات التجاريّة رواجًا، لأنه خفيف وسريع الكسر، ولا يُستخدم في صناعة المهابيش المخصّصة لإعداد القهوة، وإنما لأغراض الزينة فقط.

تجدر الإشارة إلى تعرّض الثروة الحرجيّة في الأردن مطلع القرن العشرين إلى الكثير من الاعتداءات الهمجية التي قام بها جنود الاحتلال العثماني لصالح مد سكّة حديد القطار العسكريّ، وذلك بالضرورة ترك أثرًا سلبيًا على توفّر الأخشاب اللازمة للعديد من الصناعات ومن ضمنها المهباش، وهذا ربما ما يدلّ عليه لجوء بعض الأردنيين إلى استخدام بقايا ذخائر المدفعية ( الفشك والقنابل ) التي كان الاحتلال العثماني يُلقي بها على المدن والقرى الأردنيّة، وتحويلها إلى جرن حديدي كبديلٍ مؤقتٍ عن المهابيش، وهو ما يؤشر بالضرورة إلى سلوك الأردنيين في سرعة تكيّفهم مع صعوبة الظروف وحفاظهم على تقليد طحن القهوة حتى في ظل عدم توفّر الأدوات التقليديّة لهذه الغاية.

أجزاء المهباش

يتكوّن المهباش من قطعتين رئيسيتيّن لا يُلحق بهما غيرهما، هما : بدن المهباش (الجرن)، ويد المهباش (العصا أو إيد المهباش)، وفيما يلي وصفاً تفصيليًا للأجزاء الداخليّة لكل قطعة :

البدن

  1. قاع المهباش : وهي القاعدة ذات الشكل الدائري في أسفل البدن والتي توضع على الأرض.
  2. الطوق السفلي : حلقة دائريّة تعلو القاع.
  3. صحن المهباش : تجويف داخلي يُحفر في بدن المهباش من الجوانب، ولكل مهباش أربعة تجاويف لها أغراض جمالية إلى جانب أنها تساهم بالتخفيف من وزنه عند الحمل.
  4. عمود المهباش : توجد في بدن المهباش أربعة أعمدة تتباين في ارتفاعها من المهباش إلى الآخر بما يتناسب مع حجمه.
  5. الكرش : وهو الجزء النافر من وسط البدن، ووظيفته أنه يُعطي للمهباش شكله الكمّثري.
  6. الخصر : يوجد الخصر أعلى الكرش، ويعطي للبدن شكلاً جميلاً ويساهم بالتخفيف من وزنه.
  7. الطوق العلوي.
  8. الوجه : هي المساحة التي تفصل بين الطوق العلوي والفوهة أو الفتحة التي تدخل فيها يد المهباش.
  9. الفوهة : وهي فتحة المهباش، عبارة عن فتحة دائرية قطرها 7 سم، ومنها تدخل يد المهباش إلى الداخل لطحن حبوب القهوة.
  10. صفرة المهباش : تُضاف رقائق الألمنيوم أو النحاس، أو الفضّة والذهب في بعض الحالات الترفيّة، تُحفر عليها الزخارف للزينة.
أنواع الزخارف التي تُنقش على المهباش

11. يد المهباش : وهي العصا الخشبية التي تُستخدم لطحن الحبوب التي توضع داخل تجويف البدن، وتجدر الإشارة إلى أن يد المهباش لا تُصنع عادة من نفس الخشب الذي يُصنع منه البدن وذلك كي لا يؤثر ذلك على قاعدة المهباش بفعل تكرار الطرق وشدّته، لذا يُفضّل أن تُصنع من خشب خفيف وليّن وأقل جودة من خشب البدن، حتى وإن أدّى ذلك لتلف اليد بشكلٍ أسرعٍ؛ فإن صناعة اليد أقل كلفةً وجهدًا من صناعة البدن نفسه. ومكوّنات يد المهباش هي :

  1. المدقّة : وهي المسافة التي أسفل عصا المهباش بطول 25 إلى 30 سم، وهي الجزء من اليد الذي يدخل بالكامل إلى فوهة المهباش ويقوم بسحق وطحن حبوب القهوة.
  2. الجوزتان السفليّة والعلويّة : وتكون المسافة بينهما بما يعادل قبضة اليد التي تُمسك العصا، ووظيفة الجوزتان هي منع يد الإنسان من التحرّك للأسفل والأعلى خلال عمليّة الطحن. وعليه فيمكن القول أن المنطقة التي بين الجوزتين هي ممسك يد المهباش.
  3. الأسوارتان السفليّة والعلويّة : وما بينهما كرشة اليد لحفظ توازن الشخص الذي يدق، ولها وظيفة جماليّة.
  4. القمبور : شكل أسطواني في أعلى يد المهباش.

المهباش، فلسفة وموسيقى

طوّر الإنسان الأردني عبر السنين روتين تحضير القهوة وطحنها بالمهباش، إلى موسيقى إيقاعيّة خالصة، ومع مرور الوقت، أصبح “دقّ القهوة بالمهباش” مساحة يوميّة من الإبداع الجمالي وبث الأصوات الإيقاعيّة في فضاء المكان الأردني الهادئ والمفتوح، دائمًا، للضيوف والتعاليل على أنغام الربابة وغناء السّامر والهجيني.

يُشكِّلُ الإيقاع، إلى جانب اللحن، العنصرين الأساسيّين التي تعتمد عليها الموسيقى بالمجمل، وحين ننظر إلى الإيقاعات التي تصدر من المهباش والتي إن أمعنّا فيها السّمع بصفة التّحليل والتأمل نجد أنّها إعادة تدوير عفويّ لنبض “مطاردة الخيل” في بعض الأحيان، نجدها نظامًا إيقاعيًا متكامل الأصوات، وعلى اعتبار أن الألحان تتكوّن من مزيج يخلط بين الصوت والصّمت، فإن صمت البوادي والأرياف الأردنيّة في الزّمان، مع أصوات غليان السوائل في الدلال، إلى جانب البيئة الصوتيّة المزدحمة بعبارات الترحيب ونبرة الأنس والموالفة بين الناس الذين تجمعهم المودّة؛ كلّها تشكّل مع إيقاعات المهباش موسيقى من نوعٍ خاصٍ، لها سحرها ووقعها وفلسفتها الخاصّة التي تعبّر عن ذروة من ذرى الارتياح السلوكيّ والذي يؤشّر على النزعة نحو أزلية التجذّر المتأتّية من إدراك هذا الإنسان الأردني للتراكم الحضاريّ الذي يشعر به ولم يقرؤه في كتبٍ عن التاريخ، وإنما يجده في فطرته السليمة.

والمهباش كآلة موسيقيّة، هو صوت النداء الجميل والإعلان مساحة الضيافة المفتوحة للجميع، وهي مساحة ثابتة وهامّة في كل بيت أردنيّ، وتجدر الإشارة إلى أن المهباش يعكس صورة من صور التعبير الفردي عن الجمال في الأردن، لذا فإن الناس يميّزون أسلوب دقّاقي المهابيش عن بعضهم البعض، خصوصًا أولئك المحترفين في تنويع الإيقاعات وزخرفتها، ويُعتبر الذين يُعرف عزفهم بالمهارة التي تخلو من الخطأ وخصوصًا التي تشتمل على حركات جريئة ودقيقة جدًا، بمثابة فنّاني استعراض يقدّمون عروضهم الممتعة يوميًا خلال تحضير القهوة.

عندما نستعرض مكوّنات المهباش كآلة موسيقيّة، فإنه ومن المثير للإعجاب، أن القهوة تعتبر إحدى مكوّناتها إلى جانب بدن المهباش ويده، وذلك يُعزى إلى أن المهباش لا يُدَق بغير حبوب القهوة المحموسة أو لغير هذه الغاية، كما أن القهوة هي التي تعطي المهباش الطابع الصوتي الخاص به وتميّزه. لذا وكنتيجة؛ يمكننا القول أن مكوّنات المهباش كآلة موسيقية هي : بدن المهباش، يده، والقهوة.

اهتم الفنانون الأردنيّون بصوت المهباش، فاستخدموه رمزًا للموسيقى الشعبيّة كمؤثرٍ صوتيٍّ في العديد من الأعمال الفنيّة، على رأسها سيمفونيّة بترا التي كتبها المؤلف الأردني المايسترو هيثم سكّريّة مطلع القرن الواحد والعشرين، واستخدم فيها المهباش كآلة موسيقيّة، وكانت هذه المرّة الأولى التي ترافق فيها آلةٌ موسيقيّة شعبيّة الأوركسترا السّيمفوني في عملٍ فنّي ذي طابعٍ عالميّ.

المراجع

  • طبازة، خليل، دراسة ميدانيّة لحرفة صناعة (المهباش) التقليدي الأردني، 1997، مجلّة البلقاء، العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، المجلّد (7)، العدد 1، 2000، البلقاء، الأردن.
  • سليمان، وليد، لنشرب القهوة المرّة، 2017، جريدة الرأي، عمّان، الأردن.
  • المهباش، الموقع الإلكتروني لمديرية التراث غير المادي، وزارة الثقافة، عمّان، الأردن.
  • بحث آداب القهوة، موقع إرث الأردن.

المهباش

مقدمة

تقدم مؤسسة إرث الأردن سلسلتها البحثية الجديدة المتعلقة بالإرث الغذائي والإنتاجي الأردني تزامناً مع افتتاح مطعم إرث الأردن والذي جاء ليتوّج جهود خمس سنوات من العمل والزيارات الميدانية لمختلف المناطق الأردنية لتوثيق الأطباق الأردنية المصنوعة من منتجات محلية، وطرق إعدادها الأصلية كما عكفت على ذلك الجدّات والسيدات الأردنيات لسنين طويلة، بشكل يضمن استدامة هذا الإرث والحفاظ عليه، من خلال حرص المؤسسة على الحصول على المنتجات من السيدات الأردنيات اللاتي ما زلن يحافظن على أصالة هذه الأطباق ويقمن بإنتاج المواد اللازمة لذلك منزلياً في تسع محافظات أردنية، تتناول هذه السلسلة البحثية كافة تفاصيل المطبخ الأردني، وما يلتصق بعملية إعداد وتناول الطعام من أبجديات الضيافة وطقوس اجتماعية تمتد لتاريخ طويل من الإسهام في الإرث الغذائي الإنساني الممتد لأكثر من أربعة عشرة ألف سنة  وهو تاريخ أقدم بقايا خبز تم العثور عليها في العالم على الأرض الأردنية.

تمهيد

يعتبر المنسف سيد المائدة الأردنية والحاضر الأول في كل الطقوس والمناسبات الاجتماعية، ويرتبط المنسف بالعديد من الطقوس والدلالات والمعاني، فإلى جانب الدلالات على كونه من أقدم الأطباق التي عرفتها التجمعات الإنسانية في المنطقة والتي ارتبطت بالمناسبات الاجتماعية وتقاسم الطعام وتشارك الموارد والأكل من نفس الطبق، فهو يعكس أيضاً بنية المجتمع الأردني التي تبرز فيها قيم الأرض والإنتاجية من خلال تمازج المكونات والمنتجات الزراعية والرعوية، فالمنسف لا يمكن أن يكون طبقا صحراويا، فالقمح والأرز لا ينبت في الصحراء بالحد الذي يجعل منه جزءاً أساسياً من الغذاء اليومي للبدوي، ولا المزارع المتفرغ لعملية الزراعة في حقوله وبساتينه قادر بسهولة على تأمين لحم الضأن ولبنها، لكن عندما تلتقي نكهة صحراءنا وجميدها مع حبوب سهلنا وصنوبر ولوز جبلنا فيسيل اللبن نهراً خالداً يروي قصة الكرم الأردني الذي لا يجف والتاريخ المستمر من الوجود الإنساني الذي لم ينقطع على الأرض الأردنية.

تاريخ المنسف . . . حكاية نصر ومجد

تشير الرواية الشعبية المتداولة حول المنسف بالاسم الحالي إلى ما قبل نحو 3200 عام، خلال فترة المملكة الأردنية المؤابية على وجه التحديد حين نجح الملك الأردني ميشع في تحميل الغذاء مضامين سياسية واستخدمه كوسيلة للاستفتاء الديمقراطي ليتمكن بحكمة القائد الذكي من معرفة مدى استعداد الرأي العام والرضا الشعبي لخوض معركة مصيرية ضد خصومهم التاريخيين بني إسرائيل في مملكة يهوذا على جزء من أراضي غرب نهر الأردن (الأراضي الفلسطينية المحتلة)، والذين كانوا في حالة حرب وعداء دائم مع الأردنيين المؤابيين، وكانت عقيدتهم تحرّم طهو اللحم باللبن فبحسب التوراة  وفي سفر الخروج الإصحاح (23) تقول آية (19): :أَوَّلَ أَبْكَارِ أَرْضِكَ تُحْضِرُهُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ. لاَ تَطْبُخْ جَدْيًا بِلَبَنِ أُمِّهِ.” ، وكانت العلاقات الأردنية المؤابية مع الجار السيء تمر بفترات من الشد والرخاء كما هي السياسة  في كل مكان فبعد سنوات من الحرب والدماء والتضحيات، كانت تمر فترات من الهدنة والمعاهدات، وخلال احدى تلك الفترات اكتشف الأردنيون المؤابيون نوايا بني إسرائيل للغدر والانقضاض على المملكة الأردنية المؤابية ، فما كان من الملك الأردني ميشع حين وصل الخبر الى مسامعه إلا الإعداد لحرب استباقية.

الكرك 1900 – مدخل مدينة الكرك عبر نفق يؤدي إلى القلعة وسورها الممتد حول المدينة وهو نفق يعتقد بأنه يعود لحقبة المملكة الأردنية المؤابية

 لكن هذه الحرب كانت تتطلب استعداد الجميع وموافقتهم وبالتالي التضحية من الجميع والاستعداد لتحمّل النتائج وأولهم الملك الأردني ميشع نفسه الذي ضحّى بأحد أبناءه على أبواب قلعة مؤاب التاريخية في الكرك، فأمر الشعب بطهو اللحم باللبن وفي ذلك نسف لعقيدة بني إسرائيل، فتم ذلك وأرسل أعينه بين الناس وتأكد أن الجميع مستعد للمعركة المصيرية، وكان الانتصار المخلّد حتى يومنا هذا في مسلّة ميشع الحجرية المحفوظة في متحف اللوفر والذي دوّن فيها الملك الأردني المؤابي ميشع انتصاره على بني إسرائيل بقيادة ملكهم “عمري” ، وكتبت باللغة المؤابية القديمة، وجاء فيها ما يلي وفقاً لترجمة النقش كما وردت عند الدكتور يحيى العبابنة في كتابة اللغة المؤابية في نقش ميشع:

مسلة الملك الأردني المؤابي ميشع الموجودة حالياً في متحف اللوفر في باريس وهناك جهود متواصلة لاستعادتها

” أنا ميشع بن كموش ملك مؤاب الدبياني ، أبي ملك على مؤاب ثلاثين سنة، أنا ملكت بعد أبي، وأنشأت هذا المكان المرتفع نصب لكموش “إله المؤابيين” بقرحة ، لأنه أعانني على كل الملوك ، ولأنه أراني في أعدائي (أتاح لي فرصة التغلب على أعدائي) ، أما عمري ملك إسرائيل فانه عذب مؤاب أياما كثيرة ، حتى غضب كموش على أرضه ، فأعقبه ابنه وقال سأعذب مؤاب في أيامي ، قال :فنظرت إليه وإلى بيته ، وإسرائيل باد باد إلى الأبد (ضربتهم ضربه قاضية ) ورث عمري كل أرض مهدبا ، وسكن بها في أيامه ، ونصف أيام ابنة أربعين سنة ، وأرجعها كموش في أيامي ، فبنيت بعل معان ، أنشأت بها اشوح (بركة ) ، وبنيت قريتان وكان آهل جاد (من بني إسرائيل ) يسكنون في أرض عطرت (مدينه) من زمن بعيد ، فعمر ملك إسرائيل عطرت ، فحاربت المدينة أخذتها (فتحتها) وقتلت كل آهل المدينة ، فقرت عين كموش ومؤاب ، ورددت من هناك هيكل دوده، وسحبته أمام كموش بقريت (اسم مدينة ) وأسكنت آهل شران وأهل محرت ، فقال لي كموش اذهب وخذ نبه (اسم جبل) من بني إسرائيل ، فسرت بالليل ، وحاربت بها من مطلع الفجر إلى الظهر ، وأخذتها ، وقتلت جميعهم وهم سبعة آلاف رجل وامرأه وجارية ، وأحرمتهم (قدمتهم قربان) لعشتر كموش ، وأخذت من ذلك المكان يهوه وآتيت بها إلى كموش ، وملك إسرائيل عمر يهص (اسم مدينة ) وسكن بها وهو يحاربني ، فطرده كموش من أمامي ، وأخذت من مؤاب مائتي رجل من عظمائهم ، وسيرتهم إلى يهص وأخذتها (فتحتها) فضمتها إلى ديبان ، وأنا بنيت قرحة وحمت هيعرن ، وحمت هعوفل (أسماء ثلاث مدن ) فبنيت أبوابها وبنيت أبراجها ، وأنا بنيت بيت الملك ، وأنشأت البركتين بقرب المدينة ، ولم توجد بئر في داخل قرحه ، فقلت لشعب: اجعلوا لكم آباراً في بيوتكم ، وأنا قطعت الأشجار على أيدي الأسرى من بني إسرائيل ، وأنا بنيت عراعر (مدينه ) وأنا مهدت الطريق إلى أرنن (وادي الموجب كان قديماًً يسمى نهر أرنن أو نهر أرنون) ، وأنا بنيت الأنصاب ، لأنه كان (تخرب) ، وبنيت بصرى (مدينه )لأنها كانت خرابا ديبان خمسين ، لأن ديبان خضعت لي وأنا حكمت وأنا بنيت الأنصاب ، لأنه كان (تخرب ) ، وبنيت بصرى (مدينه ) لأنها كانت خرابا  مائة المدن إلى ضمتها إلى الملكة …وانا بنيت مهدبا وبيت دبلتان وبنيت بعل معان ، وسيرت إليها ..غنم البلاد وحورنان (مدينه )  وأسكنت و.. فقال لي كموش انزل لتقابل كموش، فنزلت.. كموش في زمن و.. من ثم ..وأنا.. “

وادي الموجب 1900 نهاية القرن التاسع عشر شمال الكرك وعرف بنهر أرنون وقد تم ذكره في مسلة ميشع

ومن هنا كانت إحدى العوامل التي ربطت المنسف بالمجد والنصر والفخر في تاريخ الأردنيين الناصع بالتضحية والاستبسال في رد المطامع والاعتداءات والحفاظ على سيادتهم الوطنية في وجه أعتى الممالك والإمبراطوريات بما فيها الإمبراطورية الرومانية التي منحت الأردنيين حكمهم الذاتي رغم امتدادها الشاسع.

أدلة فخارية: المنسف الأردني طبق تاريخي جماعي عمره 7000 عام على الأقل

كان ما تقدم جزءاً من السردية الشعبية الأردنية المتداولة حول المنسف والمدعومة بنصوص دينية، لكن من وجهة نظر علمية نجد أن الأدلة الأثرية والدراسات الإثنو-أثرية لا تنفي ذلك بل تؤكده وتزيد عليه بأن جذور المنسف أقدم من ذلك التاريخ وتمتد لتصل الى 5000-6500 ق.م (أي قبل أكثر من 7000 سنة من الآن على الأقل)، وذلك مع ازدهار المجتمعات الزراعية على الأرض الأردنية والتي تعتبر عين غزال في عمان الشرقية أولها وأقدمها عالمياً.

ووفقاً لدراسة إثنو-أثرية أعدّها الأستاذ في علم الآثار أ.د زيدان الكفافي والتي استندت على عدة دراسات وتقارير عن فحوصات الكربون المشع المعاير، تشير النتائج أن الأواني الفخارية والمكوّنة من أطباق كبيرة الحجم والتي ظهرت لأول مرة في المنطقة الأردنية تعود لفترة العصر الحجري الحديث الفخّاري نحو 6000-6500 قبل الميلاد، حيث تتجاوز أقطار الأطباق أكثر من 30 سم، وهو ما يعني أن المجتمعات الأردنية الزراعية القديمة عرفت الأكل الجماعي واستخدمت أطباق تتسع لكميات من الطعام الكافي لأكثر من شخص يأكلون من نفس الطبق في ذات الوقت، وفي الدراسات الإثنو-أثرية يتم الاستناد لمثل هذه الأدلة في تحليل السلوكيات الاقتصادية والاجتماعية للحضارات والجماعات التي صنعت هذه الأدوات واستخدمتها في حياتها اليومية ومناسباتها الاجتماعية وطقوسها الدينية، وبمقارنة الأواني الفخارية الواسعة التي تم اكتشافها بكثرة في مناطق خربة الزريقون شمالاً وتل أبو الخرز في وادي الأردن نرى أنها تشبه إلى حد كبير طبق تقديم “سدر” المستخدم حالياً، وتشبه إلى حد أكبر النسخة الأقدم والأكبر من سدر المنسف الذي كان مستخدماً خلال القرن الماضي وما سبقه.

نماذج الأطباق التي تم العثور عليها في موقع عين غزال شرق عمان والتي تعتبر الأقدم من نوعها بهذا الحجم على مستوى العالم
نماذج من الأطباق التي تم العثور عليها في موقع تل أبو الخرز في الأغوار الأردنية والتي تؤرخ لـ 5000 ق.م

وكما هو معلوم يجب تقديم وجبة المنسف في طبق دائري كبير يسمح بتناول عدة أشخاص للطعام في نفس الوقت وتؤكد الدراسة أن هذا الوعاء صُنع لأول مرة في المنطقة خلال فترة العصر الحجري الحديث ما قبل الفخاري ب (حوالي 7200 – 6500 ق.م.) حيث تم إثباته في المواقع المذكورة، وفي دراسة إثنو-أثرية سابقة للدكتور زيدان عن عين غزال تم نشرها عام 1986، يتأكد أنه وخلال الفترة نفسها تم تدجين الماعز والأغنام والخيل في موقع عين غزال، وكانت نسبة 71٪ من العظام المكتشفة هناك تعود إلى حيوانات مدجّنة ومستأنسة، وتمثل عظام الماعز 95٪ من اجمالي ما تم العثور عليه من عظام الحيوانات، وهذا يعني أن السكان كان لديهم فائض من هذا الحيوان “الماعز” في ذلك الوقت بالشكل الذي يسمح لهم باستخدامه كمصدر للغذاء، حيث لم يكن يؤذ اقتصادهم أن يقوموا باستهلاكه إذا تم ذبح بعض منها في مناسبات خاصة. وبعبارة أخرى، يمكن القول إن أوائل من قاموا بتحضير وجبة المنسف كانوا أولئك الذين يستطيعون صنع مثل هذا القدر الكبير، وهم الأردنيين القدماء الذين جمعوا ما بين الفلاحة والبداوة في آن واحد (مزارعي حبوب ومربي ضأن وماعز) وهنالك، بالطبع، انزياحات بدوية (يربون الإبل أيضاً. وهو ما يسمح لهم بمساحة تحرّك أوسع) وفلاحية (يزرعون البساتين والخضروات ويربون البقر والدجاج أيضاً كما، تحديداً، في الشمال الأكثر اقتراباً من عالم الفلاحين) ولكن الجدير بالملاحظة أنه لا يوجد دليل حتى الآن على وجود مثل هذه الأواني الكبيرة في المناطق الصحراوية، حيث يستخدم البدو من سكان هذه المناطق لحم الجمل بشكل أكبر في مناسباتهم وذلك بعد طهوه بالماء ويكون بذلك طبق الثريد المختلف عن المنسف، لأن لحم الجمل إذا تم طهوه باللبن يشد ويقسو ويصبح من غير المستساغ أكله.

عمان 1936 – الولائم التي اعدت لضيافة الأمير سعود – الملك لاحقا – ولي عهد المملكة العربية السعودية آنذاك أثناء زيارته إلى الأردن

مراسم تحضير وتقديم المنسف

يترافق تحضير المنسف مع أجواء خاصة، فالمنسف هو سيد المائدة كما ذكرنا ويندر أن يقدم لجانبه طبق آخر في نفس التوقيت، ويتشارك الجميع متعة تحضيره، فيتولى الرجال مهمة ذبح الأغنام أو الماعز وتقطيعها وطهوها في حين تقوم النساء بالعجن والخبز وتحضير الأرز، ويعتبر المنسف أداة للتعبير عن الشعور، فهو حاضر في المناسبات السعيدة والحزينة، ففي الفرح يقدم المنسف ويعتليه رأس مرفوع الرأس للأعلى وفي العزاء يكون الرأس منكس للأسفل تعبيرا عن حالة الحزن، وحين يقدم للضيف يترافق ذلك مع أجواء من البهجة والترحيب، وحين تطبخه الأسرة يكون ذلك في يوم الجمعة وهو نهاية الأسبوع ويوم اجتماع العائلة، حيث يندر فعلاً أن يتم تناول المنسف بشكل فردي باستثناء بعض المطاعم الحديثة اليوم، وفي المناسبات الاجتماعية الكبرى درجت العادة أن تقوم العائلات الأردنية باختيار أكثر أفرادها خبرة لإدارة عملية تحضير المنسف أو استئجار أمهر الطهاة المختصين بالذبح وإعداد المنسف من المشهود لهم بالخبرة والكفاءة في الجودة والمذاق، وفي الأفراح تحديدا تقدم المناسف ترافقها الأهازيج الشعبية .

عمان 1935 – تحضير المناسف لتقديم الولائم بمناسبة زفاف الأمير طلال – الملك لاحقا

تقنيات التعامل مع المنسف كطعام للضيافة

ومن التقنيات والقواعد التي يجب الإحاطة بها والانتباه لها عند دعوتك لتناول طعام المنسف ما يلي:

  • يقدم المنسف في سدر دائري مفتوح كدلالة على المشاركة والمساواة، ويوضع تحته خبز الشراك الرقيق ثم الأرز أو البرغل، ويكلل بقطع اللحم ومن ثم يغطىّ بأرغفة خبز الشراك من الأعلى، ويقدم اللبن جانباً.
  • يؤكل بأصابع ثلاثة من اليد اليمنى (الإبهام والسبابة والوسطى) أو بأصابع اليَد كلها ويُعاب أن يصل الطعام إلى بطن اليد أو ظهرها، وفي وضع انتصاب القامة ” وقوفاً “، ويفضّل وضع اليد اليسرى الى الخلف.
  • يبدأ تناول المنسف بعملية ” الفجولة ” وهي بضع حركات لتحريك الغماس سواء كان من الجريش أو الأرز، ليتشرّب اللبن ويتمازج معه ويبرد قليلاً.
  • يتم سحب كمية بسيطة من الغماس باستخدام طرف الأصابع وبعض من الآدام (خبز الشراك) وصناعة كرة صغيرة من الأرز والخبز واللحم، ويتم دفعها بأصابع اليد لتدخل في جوف الفم، دون أن تلمس الأصابع الشفاه.
  • يتولى المعزّب مهمة استدامة تشريب (سكب) لبن المنسف للضيوف بناء على رغبتهم وبعد سؤالهم.
  • يُراعى أثناء تناول الطعام الحفاظ على جودته ونظافته ووفرته، حيث يؤكل المنسف على طورات (جولات أو مجموعات) متتالية من الآكلين، وهي عادة درجت قديماً يتم تشارك الطبق “السدر” الواحد من عدة مجموعات، في المناسبات الاجتماعية ذات الحضور الواسع، تعرف المجموعة الواحدة من الآكلين بـ “الطور أو الطورة”.
  • يوضع رأس الذبيحة مطهواً على المنسف في وضع الإعلان عن المناسبة، فيكون مرفوعاً لأعلى في الأفراح (قِرى العرس)، ومعكوفاً للأسفل في الأتراح (العزاء).
  • من المعيب عموما على الضيف أن يمس رأس الذبيحة، ومن المتعارف عليه أن يتولى هذه المهمّة المعزب أو كبير القوم، نظراُ للدلالة الرمزية للرأس، كما يعتبر قطع لسان الذبيحة وتقديمه للضيف نوعاً من التوجيب له، ولذلك دلالة رمزية أحياناً حينما يقدم اللسان لشاعر أو خطيب مشهود له بالفصاحة، كذلك لا ينبغي أن تُمد يد الآكل إلى اللحم في أعلى سدر المنسف أو اللحم عند جاره، لكن الرجل الكريم هو الذي يقطع اللحم من أمامه ويدفنه تحت الجريش ( مشتقات القمح المطهو ) أو الأرز، ليجد الآكل اللاحق – الطورة – شيئاً يأكله، أو أنه يعطي اللحم لمن هو خلفه من المنتظرين في الطورات التالية ومن الأمثلة الأردنية الدارجة عن هذه الحالة ؛ المثل القائل : ( اقعد خلف الرجال، وشوف ويش يمدّولك ) .
  • يعاب على الضيف إذا بان قاع الطبق ( بطن السدر ) لما فيه من دلالة على جشع الضيف، بل يستخدم الآدام (ما يغمس به من خبز الشراك)، ولا تغمس اللقمة كاملة بالخبز، بل طرفها فقط، ولذلك يعتبر في قانون الضيافة الأردني أن نقص الخبز عار على المعزّب، بينما نقص الغماس عارٌ على الضيف.
  • من دلالات كرم المعزّب تشريب ( سكب ) السّمن الذائب ( السّمنة السائلة ) أمام الضيف إضافة إلى عدد جيّد من أرغفة خبز الشراك، ومن زيادة كرم المعزّب عند بعض العشائر الأردنية وضع الزُّبد ( الزبدة ) أمام الضيف، وذلك لأن هذه المواد الثلاثة هي مونة أبناء العشائر الأردنية – تحديدا القبائل البدوية – لما تمثله من رمزية لأمنهم الغذائي.
مادبا 1937 – ضيوف في ضيافة الشيخ مثقال الفايز بني صخر يتناولون طعام الغداء

ومن محظورات أكل الطعام عموما والمنسف تحديدا:

  • اللهمطة: السرعة وعدم التركيز
  • الفغم: أكل الخضار بصوت مرتفع
  • اللغ: سكب اللبن بسرعة ولهوجة
  • الفنش: التغميس بلا أدب
  • اللشوطة: التعجّل على الأكل الحار (الساخن)
  • اللش: كثرة الأكل
  • مسح اليد بطرف الطبق
  • إعادة اللقمة أو بعضها بعد أخذها
  • إعابة الطعام بعد تناوله سواءً بحضور المعزّب أو غيابه؛ يقول المثل الأردني : ( الزاد ما يتفتّش ) أي لا يصح ذكر تفاصيله وعيوبه؛ ومن أجل ذلك يقول المعزّب ( كُل من حلالها وأترك حرامها ) كناية عن حُرمة إعابة الطعام.

للمزيد عن قواعد وأبجديات وآداب الضيافة والطعام عند الأردنيين أنقر هنا .

فرصة للتذوق

يمكنكم الاستمتاع بتجربة منسف العيش الأردني – أحد الأشكال الأكثر قدما للمنسف – بطعمه المميز وبطريقة تحضيره الأصلية في مطعم إرث الأردن، والذي تم افتتاحه مؤخراً بعد رحلة بحثية استمرت لأكثر من 4 سنوات في المطبخ الأردني والهوية الغائية تم جمع أكثر من 63 طبق متنوع من مختلف المحافظات الأردنية ويتم إعدادها بمنتجات بيتية من 9 محافظات وعلى يد أمهر الطهاة من أبناء هذه المناطق.

المراجع:

  • حتّر، ناهض ، أبو خليل، أحمد (2014) المعزّب ربّاح، منشورات البنك الأهلي الأردني. عمان: الأردن
  • بالمر، كارول (2008) الفلاحون والبدو في الأردن: دراسة اثنوجرافية في الهوية الغذائية، تعريب عفاف زيادة، مؤسسة أهلنا للعمل الاجتماعي والثقافي. عمان: الأردن
  • خريسات، محمد عبد القادر (2012) المسيحيون في قضاء السلط، عمان، الأردن
  • عبابنة، يحيى. (26-5-2009)، مقال منشور في صحيفة الدستور الأردنية بعنوان ” مسلّة ميشع الحجر المؤابي نقشُ الكرامة لملكٍ حرّر أرضه من الاحتلال
  • الزعبي، عبد الناصر (17-6-2013) مقال في موقع جراسا بعنوان: ” طهي المنسف الأردني.. معاداة سافرة لليهود”
  • Kafafi, Zeidan (2014)Sharing Food Eating from One Plate: An Ethno-Archaeological Study, Adumatu.
  • العبادي، أحمد (1994) المناسبات عند العشائر الأردنية، دار البشير.

دراسة إثنو-أثرية: الأردنيين القدماء تناولوا المنسف قبل أكثر من 7 الآف عام

مقدمة

تقدم مؤسسة إرث الأردن سلسلتها البحثية الجديدة المتعلقة بالإرث الغذائي والإنتاجي الأردني تزامناً مع افتتاح مطعم إرث الأردن والذي جاء ليتوّج جهود خمس سنوات من العمل والزيارات الميدانية لمختلف المناطق الأردنية لتوثيق الأطباق الأردنية المصنوعة من منتجات محلية، وطرق إعدادها الأصلية كما عكفت على ذلك الجدّات والسيدات الأردنيات لسنين طويلة، بشكل يضمن استدامة هذا الإرث والحفاظ عليه، من خلال حرص المؤسسة على الحصول على المنتجات من السيدات الأردنيات اللاتي ما زلن يحافظن على أصالة هذه الأطباق ويقمن بإنتاج المواد اللازمة لذلك منزلياً في تسع محافظات أردنية، تتناول هذه السلسلة البحثية كافة تفاصيل المطبخ الأردني، وما يلتصق بعملية إعداد وتناول الطعام من أبجديات الضيافة وطقوس اجتماعية تمتد لتاريخ طويل من الإسهام في الإرث الغذائي الإنساني الممتد لأكثر من أربعة عشرة ألف سنة  تاريخ أقدم بقايا خبز تم العثور عليها في العالم على الأرض الأردنية.

تمهيد

يعتبر حليب الضأن والماعز والإبل والبقر المقوّم الأساسي الثاني في الغذاء الأردني بعد الحبوب، ويندر أن يتم شربه طازجاً ولكنه يُقدّم أثناء مواسم الحلب دافئاً ومحلّى أثناء الفطور، ويخضع إلى سلسلة من التحولات في عملية المعالجة، وقد ابتكر الأردنيون عبر العصور أساليب لحفظه واستدامته لاستخدامه طوال العام، فمنه الجميد والكشك والزبدة والسمنة وغير ذلك مما سيتم تناوله في هذا البحث المفصل والذي سيتم التطرق من خلال عناوينه إلى الثروة الحيوانية وأهميتها في المجتمع الأردن وسلوكياته الإنتاجية، مروراً بطرق استدامة موارد هذه الثروة واستثمارها، وصولاً لطرق حفظ منتجاتها وتطويرها واستخدامها في الأطباق المتنوعة التي تشكّل جزءاً كبيراً وهامّاً من المطبخ الأردني الغني بالوصفات والمكونات والنكهات.

الثروة الحيوانية في الأردن

في مجتمع انتاجي مزيج ما بين الفلاحة والبداوة كما تم شرحه في بحثنا السابق: ديموغرافيا الهوية الغذائية الأردنية، يُنظر للثروة الحيوانية بأهمية توازي الأرض وذلك في مشهد آخر من تجلي قيم الإنتاجية لدى الأردنيين القدماء الذين كانوا من أوائل المجتمعات الإنسانية التي قامت بتدجين الحيوانات للاستفادة منها، وذلك في منطقة عين غزال الأردنية، والتي تعتبر شاهدة على أهم التحولات الجذرية في حياة المجتمعات البشرية والأنماط المعيشية للناس مع بداية الألف العاشر قبل الميلاد، بعد أن بلغت قرى الصيادين، وتَمثل هذا الانعطاف في الانتقال من حياة الصيد وجمع القوت والتنقل إلى التدجين والزراعة والإنتاج والاستقرار في قرى ثابتة، تعتبر عين غزال أقدمها، ويقع موقع عين غزال، الذي شهد نشأة أول مجتمع زراعي منظم عاش قبل حوالي عشرة آلاف عام، في المنطقة الشرقية من العاصمة عمّان. وتشكل هذه المنطقة نقطة التقاء بين سكان المناطق الجبلية في الغرب والبادية الأردنية في الشرق.

عمان 1936 – سوق الحلال وتباع فيه الأحصنة والمواشي والبقر

وعلى مر العصور، حافظ الأردنيون على الثروة الحيوانية وأحسنوا استدامتها واستخدامها وتدبيرها بما يلبي احتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتعلقة بالزراعة من حراثة الأرض ودراسة المحاصيل للحصول على الغذاء وصولاً للأمن والمحافظة على مناطقهم في ظل هجمات احتلالية استعمارية متتالية، وصولاً لاستخدامها في التنقل وحتى في المناسبات والطقوس الدينية قبل الديانات السماوية وما بعدها وكذلك فيما يتعلق بالمناسبات الاجتماعية من المهور وطعام الأفراح والأتراح، وحتى فيما يتعلق بالمخلّفات التي يتم استخدامها كأسمدة عضوية أو مصدراً للطاقة، ونستعرض أدناه أبرز وأهم عناصر الثروة الحيوانية في الأردن:

  1. المواشي:

تنتشر تربية المواشي في مختلف أنحاء الأرض الأردنية، وتمتاز المناطق السهلية بتربية الأغنام فيما تكثر تربية الماعز في المناطق الوعرة والجبلية لمقدرتها على التسلّق والتكيّف مع تضاريس تلك المناطق، وقد استفاد الأردنيون من المواشي بكامل تفاصيلها، فمن ألبانها ولحومها صنعوا الغذاء وطوروا منتجات الحليب بشكل يضمن إمكانية الاستفادة منها طوال العام وهو ما سيأتي ذكره لاحقاً بالتفصيل ضمن هذا البحث، واستفادوا من صوفها في لباسهم وأثاثهم المنزلي، وأما من جلودها فقد صنعوا الأحذية والفراء والأدوات المنزلية اللازمة لعمليات تحضير الغذاء.

عمان 1936 – سوق الحلال ويعج بحركة البيع والشراء للمواشي
  1. الإبل

وجدت الإبل في الأردن بأعداد كثيرة، وقد استُفيد منها في التجارة والتنقل والحرب لخفتها في الحركة وتحمّلها للمسافات الطويلة والأحوال الجوية الصعبة، ولما كانت العشائر الأردنية قديماً هي المسؤولة عن تنظيم قوافل الحج وحمايتها وتأمين الحجيج وتلبية احتياجاتهم، من خلال استلامهم من مناطق شمال حوران الأردنية وصولاً للمدينة المنورة جنوباً، في رحلة تتضمن تأمين النقل والحماية والمأكل والمشرب والإقامة في النزل التي تم بنائها على امتداد طريق الحج الملوكي التاريخي بفاصل مكاني يبلغ حوال 50 كم وهي المسافة التي تعادل مسير الإبل في اليوم الواحد، وحتى اليوم توجد فرقة خاصة من القوات المسلحة الأردنية هي فرقة الهجّانة التابعة لقوات البادية الأردنية والتي كانت نواة تأسيس الجيش الأردني.

كما استخدم الأردنيون حليب الإبل ( النوق ) ، وقدموا لحم الإبل في المناسبات الكبيرة ، وفي ولائم عزاء كبار الشيوخ، وفي استقبالهم لكبار الضيوف والوجهاء لديارهم ومضاربهم.

عمان 1941 – قوات الهجانة (فرسان الصحراء) نواة تأسيس الجيش الأردني
  1. الأبقار

اهتم الأردنيون بتربية الأبقار، للاستفادة من لحومها، وحليبها ومشتقاته حيث تمتاز الأبقار بوفرة حليبها طوال العام على عكس المواشي التي يتوفر حليبها خلال مواسم معينة، كما استفادوا من الأبقار والثيران في حراثة الأرض ودرس المحصول وجرّ العربات.

  1. الحمير والبغال

اهتم الأردنيون بتدجين الحمير والاستفادة منها لحاجتهم لها في التنقل وحمل الأثقال وخصوصاً المياه في ظل مرحلة غياب الدولة والخدمات خلال الاحتلال العثماني، كما استخدمت في بعض مجالات الزراعة حيث تتطلب بعض الأراضي حراثة خاصة باستخدام هذه الحيوانات تبعاً لحجم الأرض ومساحتها وتضاريسها ونوع المحصول، كما كانت الحمير تؤجر لنقل البضائع، وتعتبر خياراً اقتصادياً أقل تكلفة مقارنة بالخيول والجمال.

  1. الخيول

ينظر للخيل في الأردن بكونها رمز للفروسية والشهامة والشجاعة، وللخيل رمزية خاصة في وجدان الأردني وأهمية لا تقل أهمية عن الشرف والعرض، وترتبط بها الكثير من الأمثال والقصائد والقصص في الذاكرة والموروث الشعبي الأردني، وقد استخدمت الخيل في الحرب والتنقل، وكانت هناك منافسة لا تقل عما هي عليه اليوم في عمليات بيع وشراء الخيل الأردنية الأصيلة، ولم يقتصر حب امتلاكها على الرجال فقط، بل تعدّى ذلك ليشمل النساء والسيدات وفقاً لما تشير له سجلات دفاتر الضرائب العثمانية كما أن الشراء كان يتم أحياناً على جزء من الفرس أو الحصان بالشراكة مع الآخرين، وتوجد فرقة خاصة بالخيّالة ضمن تشكيلات القوات المسلّحة الأردنية حاليا.

عمان 1918 – فرسان العشائر الأردنية العمود الفقري لقوات الثورة العربية الكبرى
السلط 1920- فرسان من مدينة السلط لحظة وصول المندوب السامي البريطاني
  1. النحل

تشير الكثير من سجلات دفاتر الضرائب العائدة لفترة الاحتلال العثماني أن الأردنيون قاموا بتربية النحل في مناطق عديدة خلال العقود الماضية، وقد ورد في هذه السجلات الإشارة للقواديس والتي تعني خلايا النحل، ولأجران النحل، مما يدل على اهتمام الأردنيين بهذه المادة الغذائية وفوائدها الكثيرة.

  1. الطيور الداجنة

تنوعت اهتمامات السكّان في تربية الطيور الأليفة والداجنة، كالدجاج والأوز والحبش وغيرها، وذلك بهدف الحصول على لحومها وبيضها أو حتى لمجرد التسلية والاهتمام بها.

  1. الحيوانات والطيور البرّية

بالإضافة للحيوانات الأليفة والمدجنة، أشار الكثير من المؤرخين والرحّالة الذين زاروا المنطقة الى العديد من الحيوانات والطيور البرّية، ومنها: الغزلان، وبقر المها، والماعز البرّي (البدن)، والثعالب، والنمور، والفهود، والذئاب، والخنازير البرّية، والضباع، ومن الطيور: الحباري، والحمام، والنعام، والحجل، والقطا.

الرعي

نظراً لأهمية الحيوانات عموماً والمواشي خصوصاً في الاقتصاد الأردني الإنتاجي، أنشأ الأردنيون منظومتهم الاجتماعية الخاصة بهم لإدارة شؤونهم الاقتصادية هذه فوضعوا القواعد والمهام والقوانين والعادات التي تحكم تعاملاتهم المتعلقة بـ “الحلال” وهي لفظة أردنية تعني المواشي في إشارة لأهمية ومكانة وقداسة الثروة الحيوانية كوسيلة للعيش والبقاء، وكانت عملية تربية المواشي والاعتناء بها على شكل “قطعان” مفردها قطيع ويتكون بالمتوسط من مائة رأس يتوكل راعي بمهمة حمايتها والسير بها للمراعي الخصبة في رحلة تمتد لأسابيع، ويحرص الرعاة على إبقاء المواشي في المناطق المنخفضة والدافئة خلال أشهر الشتاء والخريف ويحتمون بالمغر من البرد القارص، وفي أشهر الربيع والصيف يخرج الناس بمواشيهم الى المناطق المرتفعة.

الطفيلة 1916 اطلالة على جبال الطفيلة وراعي غنم يعزف على المزمار
1914 – راعي شاب يعزف ألحانه بالغور الأردني 

وتعتمد عمليّة توظيف الرعاة على عدد الأغنام فإذا كثر عددها (أكثر من 150 غالباً) يتم تعيين راعيين، واذا قلّ العدد وكان متوسطاً يُكتفى براعِ واحد ويمكن ان يتشارك أبناء القرية راعِ واحد لكل مواشيهم اذا كانت قطعانهم صغيرة، ويحصل مقابل عمله لمدة عام في العادة على “فطيم – من الفطام وهو صغير الغنم حديث الولادة الذي انقطع شربه للحليب وبدأ بتناول الأعلاف  ” و 10 شياه، بالإضافة لحصوله على “منايح – من المنحة بدون مقابل” وهي المواشي التي تمنح لفترة مؤقتة لأهل الراعي بغرض رعايتها والاستفادة من حليبها ولبنها وسمنها وصوفها، ويمنح الراعي كذلك الكسوة التي تشمل اللباس والحذاء، وفي الموسم يعود الراعي بأغنامه لبيت صاحبها ليتم حلبها، أما اذا انتهى الموسم فيبقى الراعي مع الحلال في مناطق التعزيب ويتم تزويده بالغذاء والزوّادة من قبل صاحب الحلال.

أما الإبل فلا تحتاج الى الرعي بشكل عام، وكانت تسمّى “إبل همال” حيث يتركها صاحبها في المرعى ويتفقدها بين الحين والآخر وفي ذلك دليل على الثقة والأمان الذي كانت تمنحه المنظومة الاجتماعية لأفرادها، وتوسم المواشي والإبل خصوصاً بوشم العشيرة الخاص، وتمنع قيم الأردنيين الاعتداء على الابل التي ترعى بعيداً عن أصحابها، كما كان يعتبر امتلاك الإبل دلالة على الأصالة، وكانت العشائر الأردنية البدوية تتمايز في عدد الإبل التي تمتلكها، فالأسرة العادية تمتلك حوالي 10 رؤوس بينما الأسر الأقوى مكانة كانت تمتلك ما بين مئة وثلاثمائة رأس منها.

أنظمة التكافل الاجتماعي

في ظل حالة غياب الدولة خلال أربع قرون من الاحتلال العثماني أنشأ الأردنيون العديد من أنظمة التكافل الاجتماعي التي تتضمن مساعدة الفقراء والمحتاجين بطريقة تحفظ كرامتهم، وهنا نستعرض بعض هذه الأنظمة المتعلقة بتربية المواشي وآليات إدارتها واستدامتها وكيفية تشارك الموارد في الاقتصاد الأردني الإنتاجي:

  • المنايح: يعطي للشخص الميسور الفقير عدداً من رؤوس الماشية في بداية موسم الحلب (رأس أو رأسين)، وذلك للاستفادة من انتاجها من الحليب ومشتقاته، وغالباً ما تصبح هذه الأعطية دائمة ولا تسترد.
  • العدايل: وفيه يمنح الشاوي (مالك المواشي الكثيرة)، الشخص المحتاج عدداً من الأغنام يصل لعشرة للاستفادة من حليبها ومشتقاتها ومواليدها الذكور، بينما تعود المواليد الإناث إلى الشاوي.
  • شاة الوحدة: تعطى للفقير كزكاة ولا تسترد.
  • وهناك نظام الشراكة الذي يفوض فيه صاحب الحلال راعياً للاعتناء بأغنامه مقابل نصف الإنتاج من الحليب والصوف والشعر ونحوه وكذلك المواليد.
  • الفلاج / الخدامة: وهو من أساليب المشاركة الرعوية وفيه يأخذ شخص عدد من رؤوس الحلال من صاحبها ويقوم بالاعتناء بها مقابل ثلث انتاجها من الحليب ومشتقاته، بينما باقي الإنتاج من الصوف والمواليد يكون لصاحبها.
عمان 1935 – نحر الجمال وسلخها لتحضير الولائم لضيوف حفل زفاف الأمير طلال بن عبدالله ونلاحظ بالخلفية مصابيح معلقة على أعمدة لإنارة الشوارع
  • ذبائح الولائم وأنواعها

في مجتمع قائم على الاقتصاد الإنتاجي لن يكون من السهل التضحية بوسائل الإنتاج بشكل عبثي وغير محسوب وبدون ضمان الاستدامة للموارد، الشحيحة أصلاً، فكان اللحم لا يعتبر جزءاً من الوجبات اليومية للأردنيين لإتاحة الفرصة للاستفادة من المواشي كمصادر للإنتاج بدلاً من كونها موضع للاستهلاك أما طعام الولائم والمناسبات الخاصة فيتضمن اللحم كمكوّن أساسي، كما جاء في بحثنا السابق عن أبجديات الضيافة في قاموس الكرم الأردني، وفي ذات القاموس نجد أن الذبيحة لدى الأردنيين مرتبطة بِبُعد ميثولوجي صريح وحتى بالنظر في العادات الإيمانية نجد ان الذبيحة تحتل الموقع المركزي فيها قبل الصلاة والصيام ف قد تجد من هو غير ملتزم دينياً بهذه المهام والفروض لكنه يقوم بالذبح والتضحية خلال الأعياد والمناسبات الدينية، والذبيحة الدينية مرتبطة بمناسبات محددة قليلة التكرار، بينما ذبيحة إكرام الضيف هي الأكثر تكراراً واحتمالاً ولا ترتبط بمناسبة معينة أو حدث ما، بل هي جائزة للمعزبين الذين بقيامهم بواجب الضيافة المقدس يربحون مناسبة أخرى لتناول الذبيحة واللحم، وهنا نستعرض مناسبات الذبائح الأردنية التي حصرها العلّامة روكس بن رائد العزيزي على النحو التالي:

  1. المسكن: ذبيحة العقد، ولاحقاً ذبيحة الباطون، ذبيحة الصبّة (سقف البيت)، ذبيحة البيت- الدار- العتبة عند السكن في بيت جديد، ذبيحة النزل – الجيرة للجار الجديد.
  2. في الزراعة: ذبيحة الحصيدة، ذبيحة البيدر، ذبيحة الجورعة (عند نهاية الحصيدة تترك بواقي الزرع للفقراء وتذبح لهم ذبيحة)، ذبيحة الطاحونة.
  3. العرس: ذبيحة الجاهة، ذبيحة الفاردة، ذبيحة القرى، الدخلة، الزوّارة (زيارة العروس لأهلها).
  4. المولود: ذبيحة المولود ذكراً أو أنثى بدون تمييز، وتسمّى عقيقة – ذبيحة الطهور عند المسلمين، وذبيحة العماد عند المسيحيين، وبالنظر لعادات شعوب دول الجوار نجد أن هذا النوع والذبائح غير متعارف عليه لدى المسلمين والمسيحيين على حد سوّاء إلا في الأردن، مما يعني خصوصية وأردنية هذا الموروث أكثر من كونه موروث ديني، ويستدل على ذلك من خلال وجوده وذكره في سجلات الأردنيين الغساسنة مما يرجّح أن يكون هذا الفعل طقساً أردنياً غسّانياً في الأصل وحافظ عليه الأردنيون لاحقاً رغم اختلاف دياناتهم.
  5. الغنم والحليب: ذبيحة متعلقة بمواسم الرعي والإنتاج.
  6. المعاملات: ذبيحة الشراكة (في التعاملات المالية، عند القيام بصفقة او اتفاق شراكة بين شخصين على نية التوفيق) ، ذبيحة الصفاح (في التعاملات الاجتماعية تتم هذه الذبيحة بعد الاتفاق على الخطبة ومصافحة والد العريس ووالد العروس)، ذبيحة الكسب (ذبيحة ما بعد الانتصار والفوز في معركة).
  7. الدين والمعتقدات: ذبيحة الضحية (عيد الأضحى)، ذبيحة سماط الخضر (نسبة لسيدنا الخضر الموجودة مقاماته في عدة مناطق أردنية أهمها السلط والفحيص)، ذبيحة سليمان بن داهود، ذبيحة دانيال، ذبيحة الحليّة، ذبيحة النذر.
  8. الموت: ذبيحة القبر وولائم العزاء ويكون رأس الذبيحة منكّس للأسفل دلالة على الفقد والحزن.
  9. الفرس: عند شراء الفرس.
  10. الضيف: عند قدوم الضيف وهي أحد أهم أركان عملية الضيافة.

الحليب والألبان بأنواعها

يستخدم الحليب ومنتجاته بكثرة في المطبخ الأردني، وكما أوردنا سابقاً أنه قلّما يُشرب طازجاً إلا أنه يقدّم في موسم الحلب دافئاً ومحلّى أثناء الفطور، ويستهلك أكثره معالجاً حيث يخضع الى سلسلة من التحوّلات، في سياق هذه العمليّة التي سنقوم بتتبعها وتوضيحها في سياق هذا الجزء من البحث، وتعتمد وفرة الحليب على عدة عوامل، أهمها المباعدة بين الأحمال بين المواشي للاستفادة من إدرار الحليب لأطول فترة ممكنة، وعلى وفرة الرعي الربيعي، وتمارس الأسر أشكالاً متعددة من عملية الحلب، فمنها من يقوم بالحلب مرتين يوميا صباحاً ومساءاً، ومنها يكتفي بمرة واحدة يومياً، وإجمالاً يتم الحلب مرتين خلال فترة ذروة الموسم (فصل الربيع)، ثم يتم تقليل عدد مرّات الحليب فيما يليه من الأشهر، وقد يطول موسم الحليب حتى شهر تموز في أفضل الأحوال، ولا يتم معالجة حليب النوق (الجمال) إنما يشرب طازجاً أو دافئاً فلا يتم تخثيره ولا مخضه.

الكرك 1939 – صورة للثروة الحيوانية من الماشية التي اقتناها أهالي الكرك ويلاحظ القدرة على التكيف ففي الخلفية بيوت الحجر يتقدمها بيوت الشعر وأمامها يلاحظ وجود السيارة

أبرز منتجات الحليب:

  • اللبن الرائب: يُصفّى الحليب بكيس قماش ويترك جانباً حتى يخثر أو يروب فيصبح لبناً، وتختلف طرق تحضيره تبعاً للمنطقة، فيقوم البعض بغليه والآخر يكتفي بدون ذلك، وكذلك الحال فيما يتعلق بإضافة “روبة” وهي كمية من لبنة معدّ سابقاً لتسريع عملية التخثر / الترويب، ويعتمد الوقت الذي يحتاجه اللبن حتى يتشكّل على الأحوال الجوية السائدة ويستغرق ذلك أحياناً ساعات أو يستمر لنحو ثلاثة أيام.
  • اللبنة: يتم وضع اللبن في كيس من القماش يسمى “خريطة” حتى يتصفى من السوائل ويصبح أكثر تماسكاً ولزوجة وبذلك يشكل اللبنة الحامضة المميزة في المذاق وتشتهر بها محافظة جرش.
  • الزبدة: يخضّ اللبن في وعاء مخصص لهذه الغاية يسمى “السّعن” مرفوع على منصب خشبي ثلاثي القوائم “رويجة” مع إضافة الماء البارد أو الثلج إن توفّر، وتستمر عملية التحريك “الخضّ” لمدة ساعة تقريباً حتى تتشكل من الزبدة كريّات صغيرة ثم تضغط لتكوّن كتلة جامدة.
  • لبن المخيض/ الشنينة: هو السائل منزوع الدسم وهو الناتج المتبقي من عملية استخراج الزبدة ويمكن خزنه طويلاً ويستهلك شراباً أو في إعداد المنسف.
  • السمنة: هي زبدة مصفّاة يستخلص منها الماء إلى حد بعيد، ثم تمزج بالمنكهات وكلما قل مقدار الماء في الدسم زادت إمكانية خزن السمنة لمدة أطول، ويمكن ذلك من خلال سلسلة من عمليات التصفية والتسخين والتبريد والقشد وإضافة الطحين أو الجريشة، وكذلك الأعشاب التي تلوّن السمنة وتمنحها النكهة عبر عملية ( التحويج )، وتختلف هذه الأعشاب باختلاف المنطقة مما يكسب السمن خصائص وسمات إقليمية ومنزليّة، ومن أهم النباتات المستخدمة: في حواجة السمنة: الفيجن، والحندقوق، والعصفر وغيرها.
  • الجميد: يُعدّ من لبن المخيض الذي يُغلى ثم يخثّر ويصفى بكيس قماش ما بين يومين الى ثلاثة أيام، ويعجن بالملح قبل نقله إلى كيس آخر أكثر رقّة، ويثقل عليه بحجر حتى يتصفّى تماماً، ثم يجعل على شكل أقراص ويتم تجفيفه في مكان مشمس، ويحتوي الجميد على كمية قليلة من الدهن، بينما يحتوي على نسبة عالية من البروتين استناداً لتحليلات تم اجرائها على عينات من الجميد.
  • الكشك: وهو مزيج من الحبوب، ومشتقات الحليب من خلال إضافة البرغل الناعم “السميد” إلى الشنينة، وجعلها أقراصاً حتى تجف.
  • الجبنة المالحة: يستعمل الحليب مع إضافة مادة “الإنفحة” التي تؤخذ من معدة الماعز أو الخروف يوم ولادته أو من بعض المكونات النباتية مثل عصارة التين، وتساعد عند إضافتها للحليب الساخن أو الدافئ، على تخثّر الحليب بشكل سريع فيما بين 15-30 دقيقة ثم تعجن الخثارة وتوضع على قطعة قماش، وتضغط تحت أثقال لتصفية السوائل ويحفظ الجبن لاحقاً في ماء شديد الملوحة للحفاظ عليه وتخزينه.
عمان 1922 – سيدة تقوم بتحضير اللبن “خض السعن” في وادي السير

أطباق أردنية بمنتجات الحليب :

  1. المنسف
  2. الرشوف
  3. المجللة
  4. الهيطلية
  5. المحاشي البردقانية
  6. الكشكية
  7. فطائر الكشك
  8. التشعاتشيل

فرصة للتذوق

كل هذه الأطباق وغيرها يمكنكم الاستمتاع بتجربتها في مطعم إرث الأردن، والذي تم افتتاحه مؤخراً بعد رحلة بحثية استمرت لأكثر من 5 سنوات في المطبخ الأردني والهوية الغذائية تم جمع أكثر من 63 طبق متنوع من مختلف المحافظات الأردنية ويتم إعدادها بمنتجات غذائية عبر سيدات المجتمع المحلي من 9 محافظات وعلى يد أمهر الطهاة من أبناء هذه المناطق.

المراجع

  • حتّر، ناهض & أبو خليل، أحمد (2014) المعزّب ربّاح، منشورات البنك الأهلي الأردني. عمان:الأردن
  • بالمر، كارول (2008) الفلاحون والبدو في الأردن: دراسة اثنوجرافية في الهوية الغذائية، تعريب عفاف زيادة, مؤسسة أهلنا للعمل الإجتماعي والثقافي.عمان: الأردن
  • العبادي، احمد (1979) المناسبات البدوية، عمان: الأردن
  • العبادي، أحمد (1994) المناسبات عند العشائر الأردنية، دار البشير.
  • العزيزي، روكس (2012) الطبعة الثانية، الجزء الثالث، معلمة للتراث الأردني، مطبعة السفير، عمان: الأردن
  • فريق باحثين (2013) أطلس الأردن – التاريخ، الأرض والمجتمع، المعهد الجغرافي الملكي والمعهد الفرنسي لدراسات الشرق الأدنى، عمان: الأردن

منتجات الحليب والألبان في المطبخ الأردني

تقديم

تقدم مؤسسة إرث الأردن سلسلتها البحثية الجديدة المتعلقة بالإرث الغذائي والإنتاجي الأردني تزامناً مع افتتاح مطعم إرث الأردن والذي جاء ليتوّج جهود خمس سنوات من العمل والزيارات الميدانية لمختلف المناطق الأردنية لتوثيق الأطباق الأردنية المصنوعة من منتجات محلية، وطرق إعدادها الأصلية كما عكفت على ذلك الجدّات والسيدات الأردنيات لسنين طويلة، بشكل يضمن إستدامة هذا الإرث والحفاظ عليه، من خلال حرص المؤسسة على الحصول على المنتجات من السيدات الأردنيات اللاتي ما زلن يحافظن على أصالة هذه الأطباق ويقمن بإنتاج المواد اللازمة لذلك منزلياً في تسع محافظات أردنية، تتناول هذه السلسلة البحثية كافة تفاصيل المطبخ الأردني، وما يلتصق بعملية إعداد وتناول الطعام من أبجديات الضيافة وطقوس اجتماعية تمتد لتاريخ طويل من الإسهام في الإرث الغذائي الإنساني الممتد لأكثر من أربعة عشرة ألف سنة تاريخ أقدم بقايا خبز تم العثور عليها في العالم على الأرض الأردنية.

تمهيد

كنا قد تناولنا في بداية هذه السلسلة موضوع ديموغرافية الهوية الغذائية الأردنية التي تشكلت ملامحها عبر قرون متواصلة من البحث والتجريب ومزج المكونات للوصول الى أفضل نتيجة من ناحية القيمة الغذائية والطعم وتوفر المكونات والمواد في البيئة المحيطة، هوية يتوحد فيها الإنسان مع المكان والزمان، وخلصنا الى أن الهوية الغذائية الأردنية تتكون بشكل أساسي من ثلاثة مكونات: الحبوب مثل القمح والشعير والأرز، ومنتجات الحبوب المعالجة مثل البرغل والجريش والفريكة والخبز بأنواعه، ومنتجات الحليب من سمن وجميد ولبن ونحو ذلك، وسنتناول في هذا البحث مراحل انتاج الحبوب، وكيف أبدعت اليد الأردنية المنتجة في تحويل الحبّة إلى محبة.

عمّان 1900 – استخدام العربات الزراعية والادوات الزراعية المصنوعة محليا في محاولة الأردنيين البقاء والصمود خلال الفترة العثمانية

 

حراثة الأرض وتجهيزها

تعرف حراثة الأرض أو فلاحتها بأنها عملية زراعية تهدف إلى إعداد التربة الزراعية عن طريق تحريكها ميكانيكيًا، وهي عملية يتكفل بالقيام بها الرجل لما تتطلبه من جهد بدني عالٍ، وقد تتم لمرة واحدة أو بشكل دوري متكرر على فترات طوال الموسم، وتتنوع الأساليب المستخدمة في عملية الحراثة سواء من خلال التوقيت وعدد المرات، أو من خلال اختلاف الحيوانات المستخدمة والأدوات وذلك بحسب الهدف من الحراثة وطبيعة المكان الذي تتم العملية فيه، وقد شاع في السابق استخدام الفدان الذي تجرّه الدواب مثل الثور أو الحمار قبل أن تتطور تزامناً مع الثورة الصناعية التي نتج عنها تطور هائل في مجال تصنيع الأدوات الزراعية والمعدات، ويبدأ موسم الحراثة غالباً قبل بداية هطول المطر من منتصف شهر تشرين الأول ولغاية منتصف شهر شباط، كما أن هناك نوع آخر من الحراثة يسمى بـ “الكراب” وهي عملية حراثة تتم في نهاية الربيع بهدف تنظيف الأرض وتخليصها من الأعشاب والشجيرات غير المفيدة وتجهيزها للموسم القادم.

عمد الفلاح الأردني إلى استخدام أكثر من حيوان معاً في عملية الحراثة، لتسهيل العمل، ولزيادة الانتاجية، فذلك يعطي المزيد من القوة والكفاءة في عملية تسمى: “قَرَن” من اقتران، لأن الفلاح يَقْرٍن الحيوانات، أي يربطها معاً. وتستخدم الحمير لحراثة المناطق الوعرة او الضيقة أو بين الأشجار، لسهولة التحكم بها وبطئها، مما يتيح مجالاّ أكبر من الدقة دون الحاجة لكثير من الجهد، بينما تستخدم الخيول والبغال في المهام التي تتطلب جهداً أكبر، مثل البيادر الكبيرة، أو للدراسة (عملية معالجة القش)، وقد يتم في بعض الحالات قرن عدد كبير جداً من الحيوانات تصل الى نحو العشرين، وعرف ذلك في بيادر كبار الملّاكين في مناطق سهل حوران الأردنية، وفي حالة وجود أكثر من حمارين، فإن على الفلاح أن يحسن اختيار موقع كل حمار بحسب قوته، ذلك أن الحمار في الدائرة الأبعد، يكون الجهد المطلوب منه كبيراً مقارنة بالحمار في مركز الدائرة، ولهذا تتعد التسميات: فالحمار القوي في الموقع الأبعد عن المركز يسمى ” شوّاحي“، أمّا حمار المركز الضعيف فيسمى ” رابوط “، لأن مهمته لا تتجاوز الدوران حول نفسه، أما باقي الحمير فيسمى الواحد منها ” لوّاحي “، وهي تتسلسل بحسب قوتها.

جرش 1925 – فلاح يواصل شق الأرض وفلاحتها باستخدام الثيران وبالخلفية آثار جرش العريقة مع ملاحظة استعمال عملية “القرن” وربط الحيوانين معاً

وتعتبر الحراثة أولى خطوات التحضير والعمل للحصول على محصول جيد في الموسم القادم وتدل على ملامح التخطيط الاستراتيجي الطويل المدى للفلاح الأردني، والذي تحتم عليه ظروف عملية الزراعة المحفوفة بالمخاطر واحتمالات النجاح والفشل أن يعمل بكل طاقته وأن يحسب كل خطوة يقوم بها لما لها من نتائج في المستقبل، ويمكن تلخيص الأهداف المرجوة من الحراثة بكونها عملية لتنعيم التربة وتهيئة الأرض لعملية البذار أو الزراعة، ومكافحة الآفات وبالذات الأعشاب، وخلط الأسمدة بالتربة، والتخلص من مخلفات المحصول السابق.

البذار

وهي عملية وضع البذور في التربة بهدف نموها. وتتم من خلال وضع البذار على عمق مناسب وبتوقيت مناسب بهدف تسهيل إنباتها وظهورها فوق سطح التربة، وتتم العملية بطقوس مميزة تبدأ بالبسملة وبضع البذار في الثوب، وتترافق بعد ذلك مع الدعاء الممزوج بالأهازيج الشعبية، التي تقول إحداها:

يا الله الغيث يا ربي  تسقي زرعنا الغربي

 وكان يبلغ معدل زراعة الأسرة الأردنية ثلاثين نصمداً (نصف مد) من القمح ومثلهاة من الشعير ونصف المد ( نصمد بالعامية) هو وعاء برميلي الشكل يستوعب نحو 10 كغم من الحبوب، وغالباً ما كانت الأسرة تعزب في منطقة الزراعة طيلة مدة الحراثة والبذار، ثم تعود للتعزيب مرة أخرى للقيام بتعشيب الأرض والتخلص من الأعشاب غير المفيدة.

عمان 1900، أردني من بلقاوية عمّان ، ينثر الأرض حُباً وحباً في المدرج الروماني في مشهد يوضح ترسخ قيم الانتاجية عند الأجداد الأردنيين

 


لوحة للفنان ومختص الآثار الأردني نصر الزعبي وهي مستلهمة من الصورة الأصلية

الحصاد

يعتبر الحصاد مسؤولية جماعية، يتشاركها كل أفراد الأسرة القادرين على العمل، بغض النظر عن الفوارق العمرية والجندرية، وتتم بالأيدي والمناجل معاً، ومن الجدير ذكره في هذا السياق أن الأردنيين كانوا أول من ابتكر المنجل تاريخياً، من خلال استخدام الأدوات الصوانية بتصاميم تشبه المنجل الحالي ولنفس الغاية، ويعتبر المنجل ضرورياً لحصاد القمح خصوصاً لكون عود القمح أقسى من عود الشعير.

تبدأ طقوس الحصاد منذ الفجر وحتى مغيب الشمس في محاولة للاستفادة من كل دقيقة من الوقت، وتترافق أيضاً مع الأغاني والأهازيج ومنها:

منجلي وا منجلاه    راح للصايغ جلاه

ما جلاه الا بعلبة     ليت هالعلبة إفداه

ومن العادات المرتبطة بالحصاد “العونة” التي تدل على أن المجتمع الأردني هو مجتمع تسوده روح التعاون والمحبة والانسجام تاريخياً وتأصل ثقافة العمل التطوعي في الوعي الجمعي للأردنيين، فترسل الأسر متطوع او اثنين من أبنائها لمساعدة الأسر المتأخرة في الحصاد، وعادة بالمقابل يذبح المستفيد من العونة رأساً أو رأسين من الغنم ويولم لضيوفه من المعاونين كتعبير عن شكره لمجهودهم وتعبهم، ولا تكون هذه الذبيحة إلا منسفاً.

 

الدْراسة

أثناء وبعد عملية الحصاد يكوَّم الزرع المحصود في أكوام صغيرة يطلق البعض عليها “إغمور / الواحد منها غِمِر“، ثم يتم نقله من الحقول الى البيادر، في عملية تسمى “الرجادة” تقع مسؤوليتها بشكل أساسي على الرجال لما تتطلبه من جهدٍ بدني عال، حيث يجمعون “الغمور” بعد نهاية الحصاد وينقلونها إلى البيدر، وهو أرض سهلة يتم تنظيفها من الحصى والأشواك، وترش الغمور بالماء حتى تتلبد وتتماسك وتصبح كومة أكبر تسمى “الحلة“، ثم تنقل بالحمير والدواب إلى “المدرس” حيث يتم درس السنابل وتحويلها إلى خليط من الحبوب والقش من خلال عملية تقنية معقدة ومتقنة تدل على دقة ومهارة الصانع وقدرة الأردني على تطوير الأدوات الزراعية.

 

مادبا، عيون موسى1900  – صورة توضح مشاركة كافة أفراد الأسرة في مختلف مراحل عملية الإنتاح

الذراة

هي عمليّة فصل الحبوب عن محيطها من قش وأعواد، من خلال إلقاء المزيج في الهواء لكي تبعثر الرياح القش الخفيف وتسقط الحبوب الثقيلة على الأرض من جديد. ويستخدم في ذلك أداة خشبية تشبه الشاعوب تسمى “المذراة” يحملها الرجل الذي يتحرّى ويتحيّن لحظات هبوب الهواء الذي يساعد على إتمام عملية الذراة، ومن هنا جاءت الأهزوجة الشعبية :

هبّ الهوى يا ياسين     يا عذاب الدرّاسين

وتشارك المرأة الرجل عملية تذرية الحبوب في مشهد يبرز التشاركية والتكاملية التي يعيشها الإنسان الأردني مع زوجته  التي يعتبرها شريكة له ولا ينتقص منها، وتتلخص مهمتها في هذا الجزء بمساعدة زوجها في إزالة ما يعلق بالمذراة من كتل التبن الخشنة باستخدام جذوع الأشجار في عملية تسمى بـ “المراحة“.

وبعد نهاية العملية تبدأ مرحلة “الكيالة” لاحتساب صافي الناتج وتعبئته في “شوالات” تمهيداً لتخزينها، وذلك في لحظات مميزة يقطف فيها الجميع ثمار تعبه، وجرت العادة أن أول ما يؤخذ من رأس الكوم وصافي الناتج يتم توزيعه على الفقراء، أو/ و مبادلته بحلاوة توزع على العاملين في البيدر كحلوان لنهاية العمل وإتمام المهمة بنجاح.

وكان الأجداد الأردنيين الأدوميين من السباقين في مجال تطوير القمح جينياً من خلال انتقاء الحب الجيّد مما ساعدهم على الاعتمادعلى أنفسهم في انتاج كامل غذائهم وتصدير الفائض للمناطق المجاورة ، وتعمل مؤسسة إرث الأردن حالياً على توثيق مسيرة القمح الايدومي الذي ينتج أضعاف ما ينتجه القمح العادي،ونرفق أدناه الجزء الأول من الوثائقي الخاص بهذا الابداع الأردني :

وكان الأجداد الأردنيين الأدوميين من السباقين في مجال تطوير القمح جينياً من خلال انتقاء الحب الجيّد مما ساعدهم على الاعتمادعلى أنفسهم في انتاج كامل غذائهم وتصدير الفائض للمناطق المجاورة ، وتعمل مؤسسة إرث الأردن حالياً على توثيق مسيرة القمح الايدومي الذي ينتج أضعاف ما ينتجه القمح العادي، ونرفق أدناه الجزء الأول من الوثائقي الخاص بهذا الابداع الأردني :

الطواحين والجواريش

كما لوحظ فإن عملية الزراعة لا يمكن أن تكون مجرّدة ومنفصلة عن باقي العمليات المرتبطة بها، فقد طوّر الأردنيون على مدار عشرات السنين كل الأدوات التي تساعدهم على تخفيف العبء والحصول على النتائج الإيجابية، ولعل الطواحين والجواريش الماثلة حتى اليوم في معظم القرى الأردنية خير دليل على هذا، فنظراً لصعوبة خزن دقيق القمح (الطحين) لمدة زمنية طويلة، وحفاظاً على جودة القمح، كان السكان المحليين يخزنون القمح حباً، ويذهبون للطواحين طوال العالم لطحن ما يلزمهم أولاً بأول، وتنوعت الطواحين والتقنيات المستخدمة فيها، ما بين طواحين مائية كانت تُقام على الأودية والمجاري المائية في خطوة تُعد من أقدم الأمثلة على استخدام الطاقة المتجددة، ولا تزال الطواحين مشهداً مألوفاً في معظم الأودية الرئيسية في الأردن، واستخدمت الطواحين لمعالجة أنواع مختلفة من الحبوب بما فيها القمح والشعير والأرز والحمص والعدس والحناء والكركم وقصب السكر، وكان أصحاب الطواحين يتقاضون جزءاً من المحصول مقابل عملية الطحن، وضلت طواحين الماء مستخدمة حتى منتصف القرن العشرين حتى بعد دخول الطواحين البخارية.

وتتنوع أشكال وأساليب الطواحين تبعاً لنوع الجريش، سواء كان خشناً أو دقيقاً ناعماً جداً، واستخدمت الجاروشة وهي طاحونة الرحى كجزء من اللوازم الأساسية في البيت الأردني، وكانت تقطع من حجر الغرانيت أو البازلت البركاني غالباً، ويستغرق قطع هذا الحجر من الجبال نحو يومين من العمل الشاق، ليتم إضافة يد الجاروشة والمحور الخشبي الذي يتوسطها وبذلك تكون قد صنعت يدوياً ومنزلياً، وتحتفظ الرحى كغيرها من الأدوات التقليدية مثل المهباش والدلة برمزيتها ومكانتها، وتحتفظ بها الأسر كرمز للدلالة على الإنتاجية والكرم، وتعتبر مهمة الطحن اليدوي من مهام المرأة عادة، فتقوم بغربلة الحبوب وتنظيفها، ثم تبدأ بأخذ الحب بيدها اليسرى وتضعه في الثقب الذي يتوسط حجر الجاروشة العلويّ، ثم تديره بيدها اليمنى، ويمكن تكرار عملية الطحن مرتين للحصول على طحين أكثر نعومة.

منتجات الحبوب

يعتبر الخبز الطريقة الرئيسة لاستهلاك القمح حالياً في حياة كثير من الشعوب، الا أن للحبوب استخدامات أكثر في المطبخ الأردني، فقد اعتاد الأردنيون على تحضير الحبوب المعالجة بأشكال وأساليب مختلفة، نستعرض أهمها فيما يلي:

  1. البرغل: وهو قمح متوسط السلق يجفف ثم يجرش خشناً، اعتاد الفلاحون في شمال الأردن على انتاجه بكميات كبيرة، وتقدّر كمية البرغل التي تخزنها عائلات الفلاحين في المنطقة ما بين 50-75 كغم سنوياً لكل فرد في العائلة خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، حيث كان البرغل هو الطعام الرئيس الذي يقدم في الأيام العادية، ويمكن أن يكون البرغل خشناً أو ناعماً، أو ناعماً جداً (سميدة) تتم إضافته لمشتقات الحليب لصناعة الكشك.

  2. الجريشة: القمح المجروش بدون سلق، وهي الأساس لأغلبية طعام القبائل الأردنية البدوية في جنوب الأردن كونها تتصل بنمط الحياة الأقل استقراراً.
  3. الفريكة: قمح مشوي يحصد أخضراً، في ما بين مرحلة اللبن -من مراحل نمو القمح ما قبل النضج بحيث تكون الحبّة طرية– ومرحلة النضج التام ، وتعتبر الفريكة ذات قيمة عالية، ولاحظ الباحثون والمؤرخون أن الهكتار من الفريكة يجني ضعف العائد المالي الذي يجنيه القمح العاديز
  4. السليقة : قمح مسلوق يُحضّر ليؤكل بحد ذاته كوجبة وغالباً كانت تؤكل كمنتج ثانوي عن عملية إعداد البرغل، وتقدّم للأطفال مع السكر كوجبة خفيفة وسهلة وسائغة المذاق.
  5. القَليَّة: حبوب قمح ناضج تماماً ومحمّص بالصاج يتم تحضيرها أثناء موسم الحصاد غالباً، وبإضافة السكر يمكن أن تقدم للأطفال كوجبة خفيفة، ويعتبر تحميص القمح قبل طحنه من طرق حفظه؛ فدقيق القمح المحمّص صالح للتخزين لمدة طويلة أكثرمن القمح العادي، ولهذا كان الحُجّاج يأخذونه معهم في موسم الحج.
  6. المفتول: إن رُطّب البرغل أو الجريشة ولف أيهما بالدقيق، وتم تبخيره، فسيكون أساساً للمفتول المشابه للكسكس المعروف في شمال افريقيا.
  7. الخبز بأنواعه: هو في الأساس دقيق الحبوب وتعد صنوفه المختلفة من الخبز المختمر وغير المختمر (غلاسي/ عويص) من القمح أو الشعير أو حتى الذرة، ويؤكل تقريباً مع كافة الوجبات، وللخبز قداسة لدى الأردنيين، فقد استخدمت مفردة “العيش” بمعنى الحياة للدلالة على الخبز، كما يُعامل الخبز بعناية فائقة فيُقطع باليدين بدلاً من السكين، ولا يُسمح بسقوط فتاته على الأرض، وفي حال حدث وسقطت كسرة يتم التقاطها ومباركتها، وإذا ما عُثر على كسرة منه في الشارع، فإنها تلتقط وتوضع في مكان مرتفع ليأكلها الطير فلا تُداس.

 

                          

عمان 1936 – ولائم المنسف الأردني التي أعدت لضيافة الأمير سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية أثناء زيارته إلى الأردن

أنواع الخبز:

  1. خبز الشراك (الصاج) : وهو خبز عويص من دون تخمير، يتميز بعجينته الطرية وبكونه قرص رقيق باستدارة الصاج، ويستخدم للمنسف وفترة الجريشة ويؤكل مع السمن والزبدة والغبيب – وهذا الأخير من أنواع اللبن المخيض لكن أكثر لزوجة سيأتي ذكره بالتفصيل في البحث المتعلق بمنتجات الحليب.
  2. الخبز الغلاسي : خبز مكو من عجين دقيق القمح ولكن بدون تخمير ، ويتم تقطيعه غالباً لقطع صغيره واستخدامه مع اللبن والجميد والسمنة في أطباق المجللة والرشيدية.
  3. خبز الطابون (الحصاوي) : خبز من عجين القمح الخامر قُطر أقراصه حوالي 30 سم وسُمكها حوالي 5 سم، يخبز على حصى تسمى الرضاف توضع على أرضية الفرن فيخرج الخبز فيه تجاويف دائرية ويستخدم في الغماس عادة.
  4. خبز عويص مع زيت زيتون: يُعجن طحين القمح بالماء ويُخلط بالبصل المقطع والملح والزيت ويُترك ليلة كاملة ثم يشكل على شكل أرغفة ويخبز بالطابون. (في الطفيلة على وجه الخصوص ).
  5. خبز الحمص: يُعجن طحين الحمص الناشف بالماء وقليل من الملح بلا خميرة، وقد يُمزج بطحين القمح ويرق على شكل أقراص رقيقة السمك. (في قرى الشمال على وجه الخصوص)
  6. خبز الطرموز: ويعجن من طحين الذرة ويخبز على الصاج، ويقلب لينضج.
  7. خبز مبسبس: عجينة مخمرة يضاف إليها السمن وحبة البركة والحلبة والسمسم والسكر وتخبز في الطابون (في الكرك على وجه الخصوص).
  8. قرص النار: عجينته قاسية قليلاً وتخبز هذه العجينة كلها رغيفاً واحداً، ويخبز على الجمر مباشرة بوضعه فوقه حتى ينضج ويخبز في كل المواسم والأوقات ويؤكل مع المجللة.
  9. خبز اللّزاقي: عجينة مرقة (طرية جداً) تُصبّ داخل تجويف الصاج وعندما تجف يتم قلبها بالسكين وتترك حتى تنضج وتقطع ويتم رش السكر عليها وفتها بالسمن أو الزبدة وتُسمى هذه الأكلة مفروكية وتؤكل في كل الفصول والمواسم.
أكلة المجللة وخبز الغلاسي المستخدم في تحضيرها بعد تفتيته لقطع أصغر

أطباق أردنية تستخدم فيها الحبوب ومنتجاتها

  • المنسف : سيد المائدة الأردنية بلا منازع وطبق ذو دلالات عديدة تجسّد وحدة المجتمع الأردني وتماسكه ومساواته، ويقدم في المناسبات الاجتماعيةالمختلفة مثل الأعراس والعزاء وكجزء من طقوس الضيافة.
1931 الشونة، غور نمرين – ضيوف وزوار أجانب بضيافة الشيخ ماجد العدونا يتناولون طعام المنسف الذي يرتبط بدلالات اجتماعية وسياسية عديدة
  • البرغل الدفين : أكلة نباتية مكونة من مزيج من الحبوب والخضراوات تقدم في فترات الصوم المسيحي.
  • الكشك : إحدى وسائل حفظ اللبن في المناطق الشمالية من خلال خلطه بالبرغل وتجفيفه.
  • الرشوف/ المدقوقة: حساء الطاقة الأردني، مزيج من الحبوب مع اللبن الحامض يقدم في فترات البرد

  • البشيلة / العصيدة:  طبق خفيف ولذيذ وسهل الهضم بطعم حلو المذاق، يستخدم كنوع من الحلويات أحياناً.
  • البازينة النبطية: الفوتوتشيني الأردني رقائق الخبز بنكهة مميزة
  • تشعاتشيل: مزيج ما بين مشتقات الحبوب ومشتقات الحليب والأعشاب البرّية
  • المكمورة : من أطباق الشمال التي تمزج ما بين نكهة دقيق القمح المعجون والمخبوز مع البصل والدجاج والتوابل

  • الرشيدية: من الأطباق المشهورة في مناطق الجنوب الأردني (معان، الطفيلة، والكرك) والتي تولّف بشكل أساسي بين الخبز الغلاسي والخضار.
  • الفطيرة أو المجللة: من الأطباق القديمة المشهورة في مختلف مناطق الأردن والمحافظات الجنوبية على وجه التحديد، والتي تتكون من الخبز الغلاسي والسمن او زيت الزيتون، وقد تكون بمريس الجميد أو بالطماطم.

مطعم إرث الأردن، فرصة لتذوق الأردن في كل لقمة

ندعوكم لتذوق هذه الأطباق ومعرفة المزيد عنها وعن أكثر من 60 طبق أردني في مطعم إرث الأردن الذي تم افتتاحه بعد أربع سنوات من جولات البحث العلمي والميداني في الإرث الغذائي الأردني وتوثيق الأكلات الأردنية، يتم تحضيرها على يد أمهر الطهاة من أبناء المحافظات الأردنية وبمواد تم تصنيعها منزلياً من سيدات أردنيات في البوادي والقرى الأردنية.

المراجع

  • حتّر، ناهض. أبو خليل، أحمد (2014) المعزّب ربّاح، منشورات البنك الأهلي الأردني. عمان: الأردن
  • بالمر، كارول (2008) الفلاحون والبدو في الأردن: دراسة اثنوجرافية في الهوية الغذائية، تعريب عفاف زيادة, مؤسسة أهلنا للعمل الاجتماعي والثقافي. عمان: الأردن
  • العبادي، احمد (1979) المناسبات البدوية ، عمان: الأردن
  • العبادي، أحمد (1994) المناسبات عند العشائر الأردنية، دار البشير.
  • الحوراني، هاني (1978) التركيب الاقتصادي الاجتماعي لشرق الأردن، مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت: لبنان
  • نتائج المسح الميداني في الكرك القائم على المجتمع المحلي (2013-2016) وزارة القافة الأردنية، عمان: الأردن.
  • نتائج المسح الميداني في البلقاء القائم على المجتمع المحلي (2013-2016) وزارة الثقافة الأردنية، عمان: الأردن
  • نتائج المسح الميداني في الزرقاء القائم على المجتمع المحلي (2013-2016) وزارة الثقافة الأردنية، عمان: الأردن
  • أبو حسّان، محمد (2005) تراث البدو القضائي نظرياً و عملياً، الطبعة الثالثة.
  • عبيدات، سليمان أحمد (1994) عادات وتقاليد المجتمع الأردني ، الأهلية للنشر والتوزيع.
  • صويلح، ياسين (2004) مجلة المأثورات الشعبية ، العدد 71.
  • زيارات ومقابلات، إرث الأردن الميدانية أثناء مرحلة البحث.
  • أحمد أبو خليل، موقع زمانكم، قسم مفردات مصوّرة، مقالة بعنوان: القَرَنْ”: أي ربط حيوانين أو أكثر واستخدامهما معاً في أعمال الزراعة.

 

زراعة الحبوب واستهلاكها، الأردني يجعل من الحبة محبة

Scroll to top