*هذا البحث يحتاج مزيد من الصور بانتظار صور غزوة العون في الأسبوع القادم. ما تصنيف هذا النوع من الأبحاث؟ ش.

مقدمة

اتخذ أهل البادية الأردنية بيوت الشعر مأوى لهم، يُسهّل انتقالهم به من صحراء قاحلة إلى (نَزل) خصيب تأكل منه مواشيهم ويكونوا فيه قريبين من تجمعات المياه ومصادرها، ولأن المجتمع البدوي الأردني حاله كحال كل شعوب الأرض لهُ هويته الثقافية الخاصة به تبعا للبيئة المحيطة حيث يأكلون اكل يتناسب والعناصر الغذائية المتاحة، ايضا كانوا يلبسون لباس من وحي بيئتهم وثقافتهم فلذلك استطاعوا أن يستثمروا الوبر والشعر والصوف الذي يغطي أجساد ماشيتهم في تصنيع وحياكة بيت الشعر بالإضافة للعديد من المنسوجات التي اشتهر بها أجدادنا الأردنين.

بيت الشعر هو حامي أهل البادية الأردنيون ورفيق الدرب في حلهم وترحالهم لسهولة بناءه وسرعة هدمه، هذا من الناحية المادية (الملموسة) لبيت الشعر اما من الناحية الروحانية المرتبطة بوجدان البدوي الأردني فهو مصدر الدفئ والأمان وعادة ما يجتمع فيه الأحبة والأقارب وتحل فيه المشاكل وترجع الحقوق إلى أهلها وترد المظالم.

أهمية بيت الشهر

 لقد كان بيت الشعر وما زال واحدا من أهم عناصر الحياة البدوية. وخلال الفترة الترحالية  شكل بيت الشعر موطنا ومأوى؛ أما في الفترة الحديثة التي استقر فيها الإنسان اعتبر بيت الشعر أيقونة معبرة عن الهوية البدوية.

تصنع الخيم (بيوت الشعر) من شعر الماعز (الجمال) مما يجعل البيت سطحا يقي من الشمس ومن المطر حيث يتمدد في الشتاء ليمسي سطحا مضادا للمياه.  عادة ما تكون الصحراء شديدة البرودة في الليل ولكن تصميم بيت الشعر والمواد الخام التي يصنع منها تمنح الدفء والسلام للعائلة البدوية.  في الماضي كان بيت الشعر مناسبا للحياة البدوية لعدة أسباب: إن “جدران” الخيمة  يمكن إعادة ترتيبها بوضعيات مختلفة تخدم أغراضا مختلفة؛ كما أنه من السهل توضيب الخيمة وحملها  على ظهر الجمال عند الترحال من مكان لمكان؛ وأخيرا، من السهل نصب الخيمة لأن عدد الذين يشاركون في نصبها كبير.

“تبنى بيوت الشعر بشكل مثالي لتناسب بيئة الصحراء ونمط الحياة الترحالي” (واير،1976، ص1)

اليوم، تنصب بيوت الشعر عند بعض الناس بجانب بيوتهم الإسمنتية، ويكون بيت الشعر مكانا لاجتماعات العائلة وللاسترخاء ولاستضافة الضيوف.  يستضيف الرجال اجتماعات مسائية تعرف بالسهرة حيث يتلو الشعراء والمغنون الشعر مع أنغام الربابة التي يعزفونها بأنفسهم(Hoodand  Al-Oun,   2014)

   تعزز عملية نصب الخيمة روح الفريق والجماعة في نفوس البدو فيعمل الرجال والنساء سويا وكل فرد يمتلك دوره في عملية البناء.

يتم تدعيم سقف بيت الشعر بعدة أعمدة ويثبت بحبال مربوطة إلى الأرض  أما مكونات بيت الشعر فهي كالتالي: 1- الشْقَاق وهو سقف بيت الشعر

 2- الرواق وهو الجدار الخلفي للخيمة.

 3- الرُفَه وهي جوانب الخيمة من النسيج المتدلي من السقف.

4- الساحة وهو الجدار الفاصل بين جانب الرجال وجانب النساء.

5- الملرة؟ almalra وهي قطعة من القماش غالبا ما تكون بالأبيض والأسود أو الأسود تستخدم لربط قطع النسيج في الخيمة مع بعضها البعض.

6- الوتد وهو ما يوضع في الأرض لتثبيت الخيمة.

7-الكارابية  karabia وهي قطعة حديد تستخدم لربط أجزاء الخيمة  بالحبل الذي يربط بالوتد المثبت بالأرض، منذ قرن مضى صنع هذا الجزء من الخشب وقبل مئتي عام كان يصنع من الحبال المنسوجة من شعر الماعز.

 8- الخلال، وهي مسامير خشبية  تصل السقف بالجدار الخلفي؛ ويسمى الحبل الذي يجمع كل الخلال جارر

 9- المقدم: العمود الأمامي.

 10- الواسط وهو العمود في وسط بيت الشعر.

 11- الشار، المَيخر والكاسر هي الأعمدة التي ترفع سقف الخيمة.

12- مدهي mdhi وهي عجلة لخياطة الخيمة.

 13- البطاحية  albatahia وهي جزء من الخيمة يستخدم لربط الخيمة مع الحبل أو الوتد.

14- الطريقة أربطة ونسيج يوضع بشكل عمودي.

15- الطنيب وهو حبل.

هنالك عدة أنواع من البيوت الشعر والتي غالبا ما تسمى تبعا لعدد الأعمدة المستخدمة بالخيمة  (كلما زاد عدد الأعمدة كان البيت أكبر):

  الخربوش وهي خيمة صغيرة مكونة من قسمين عادة ما تكون للعائلات الفقيرة أو الأرامل أو مسكنا سابقا للرعاة.

2- القطبة وهي خيمة صغيرة مكونة من عمود واحد وقسمين ولكنها أكبر من الخربوش.

3- الصهوة وهي خيمة من عمودين وثلاثة أقسام.

4- مثولث وهي الخيمة المكونة من ثلاثة أعمدة وأربعة أقسام.

5- المروبع (أربعة أعمدة وخمسة أقسام)

6- المخومس( خمسة أعمدة وستة أقسام.)

 هنالك بعض السمات التي يتسم بها بيت الشعر بشكل عام. فالواجهة الأمامية للخيمة عادة ما تتجه نحو الشرق رغم أن البدو يمكن لهم أحيانا أن يغيروا اتجاه الخيمة للاتجاه المعاكس في الشتاء  بحسب زاوية الشمس. كما يقوم البدو في الشتاء بحفر خندق (الوني) حول بيت الشعر  كي يمنع الماء من الدخول إلى البيت.  وبشكل رئيس، يقسم بيت الشعر لقسمين: واحد على اليمين وهو قسم للرجال فقط. ويسمى المقعد والثاني على اليسار للنساء والأطفال ويسمى المحرم. ويعتبر قسم الرجال “الواجهة العامة” للخيمة؛ وفيها يستقبل الرجال الضيوف. أما قسم النساء فيتوارى عن أعين العامة  وهو المكان الذي تطبخ فيه النساء وتقوم بأعمال المنزل اليومية وتعتني بالأطفال. ويحوي قسم النساء على المطبخ الذي يسمى الحدرة.  وفيه توجد طاولة خشبية متوسطة الحجم  (الإرزل) حيث توضع المراتب (الفراش) والأغطية والوسائد التي تسمى (لحاف).  أما الأثاث الذي يدعى (الوهاد) يحفظ أيضا في جانب النساء. تكوم النساء أيضا مجموعة من الحجارة تسمى معا (الرصاف) وتكون في مكان خاص على جانب النساء.  وهنالك العدل (جمعها: العدول)  وهي حقائب كبيرة من صوف الخراف لحفظ الطعام والملابس وأغراض المنزل لتسهل عملية الترحال من مكان لمكان، توضع هذه الحقائب على الحجارة المكومة (الرصاف) لتجعلها بعيدة عن الفئران.  وعند الترحال، يضع البدو الأطعمة الدهنية كالزبدة والسمن في حقائب منفصلة لتحمل على جمل مخصص لها وذلك لمنع باقي الأغراض من أن تلوث بالزيت.

  وفي كلا القسمين قسم الرجال وقسم النساء يوجد “فانوس”  وإن كانت العائلة البدوية فقيرة جدا  يمكن أن تعتمد على النار كمصدر للإضاءة في الليل. ونتيجة لما يحمله قسم الرجال من رمزية عامة لم تتغير عبر الزمن يوجد في هذا القسم موقد يسمى النقرة. كما يحوي على الأمور التالية: الزمزمية (قارورة حديدية لحفظ القهوة) السترة ( صندوق خشبي لحفظ الأشياء اللازمة لصناعة القهوة والشاي للضيوف. عليقة وهي  حقيبة من النسيج لحفظ القهوة. زابية تلفظ (ضابية) وهي حقيبة مصنوعة من جلد الغزال لحفظ القهوة. شالة وهو وعاء معدني يستخدم لشرب الماء  ويأتي بأحجام عدة. النثولة وهي ثلاثة أحجار تظل قريبة من النار لوضع دلة القهوة عليها  كرمز للكرم. شداد (جمعها شدة) وهي نوع من الأثاث الخشبي والنسيجي

المرأة البدوية وعلاقتها مع بيت الشعر

في الماضي، شاركت المرأة البدوية في عملية حياكة وخياطة الخيم  كفريق، فتنادي النساء بعضهن عندما يحبن الوقت لصناعة خيمة. يخيطن سوية  قطع القماش التي نسجنها مسبقا. وعند حياكة الخيمة، تسلي النساء البدويات أنفسهن عبر حكاية القصص والتحدث عن حياتهن وغناء بعض الأغاني الخاصة التي  تناقلنها من جيل إلى جيل.  وعلى الرغم من أن الرجال كانوا يشاركون في عمليتي نصب وتفكيك الخيمةإلا أنه  يمكننا القول بأن وجود بيت الشعر يعتمد على المرأة في الصنع والنصب والتفكيك حيث كانت  كل هذه الأمور من المهام الرئيسة التي تفعلها النساء البدويات.

المصدر:

  • Aloun, G., Hood, K., The Bedouin beauty of my grandmother (2017) the Hashemite fund for development of Jordan Badia and Ministry of culture, (p. 13-16)

بيت الشعر البدوي الأردني

 

تقدم لكم إرث الأردن ترجمة حصرية لما جاء في كتاب الباحثة غزوة العون والباحثة كاترين هود والذي يتناول تفاصيل حياة البدو الأردنيين، ونوافيكم بالجزء الثاني من هذه السلسلة متناولين موضوع القهوة عند البدو والحيوانات إضافة لعلاقاتهم مع الغجر.

 

كرم الضيافة البدوي والقهوة

الضيافة والكرم صفتان يشتهر البدو بهما. تعد القهوة العربية رمزا للكرم وحسن الضيافة ولا تزال كذلك في كل بيت. فالقهوة مهمة لدرجة أنه من المخجل والمعيب ألا تمتلكها العائلة بغض النظر عن مستوى العائلة المادي. وعلى الرغم من توافرها اليوم في المحال التجارية إلا أن الناس اعتادوا على شرائها من سورية. في كل عام وفي موسم يدعوه البدو “السفري” الذي يوافق شهر أيلول وتشرين الأول وتشرين الثاني، يسافر البدو في رحلة عبر المدن والحواضر لشراء ما يحتاجونه وتكون القهوة أحد أهم هذه المشتريات.

إن طريقة إعداد القهوة سهلة للغاية أيضا، توضع المياه في وعاء خاص يسمى “الدلة” بجانب النار، ومن ثم تضاف القهوة وتترك لتغلي لمدة من الزمن، يضاف بعض الهيل. تظل الدلة بقرب النار للحفاظ على القهوة داخلها دافئة.

دلة القهوة التي تظل بقرب النار كي تبقى دافئة

ويعد صنع القهوة ولا يزال من مهام الرجال فمشاركة المرأة فيها ضئيلة فهي تصنع الحقائب الملونة من صوف الخراف لتحفظ فيها القهوة فقط. وعندما يقدم الرجل البدوي القهوة للضيف فإنه يجب عليه تذوقها أولا ليتأكد من أنها بدرجة الحرارة المناسبة. وعلى القهوة أن تكون ساخنة فهذا يدلل على احترام الضيف. كما أن هذا التصرف يوحي للضيف الذي من الممكن أن يكون غريبا، بأن القهوة آمنة للشرب وهذا ما يمنحه شعورا بالسلام والراحة.

رجل بدوي يجلس بجانب القهوة وينفخ على النار بأداة خاصة

المرأة والضيوف

لقد كانت المرأة البدوية واثقة من نفسها وفخورة وكريمة. في الماضي، عندما يكون والدها أو زوجها بعيدين عن البيت، تأخذ هي دورهم في الضيافة التقليدية. فترحب بالضيوف وتقدم لهم القهوة وتنادي على أحد الجيران ليذبح شاة للضيوف. وفي بعض الحالات إن لم يكن هنالك من يذبح الشاة يقوم الضيف بذلك. ومن ثم تقوم هي بنفسها بتقطيع اللحم لتطبخ المنسف على شرف الضيف.

الحيوانات

كانت الحيوانات ولا زالت عنصرا أساسيا ومهما في الحياة البدوية. فامتلك البدو الجمال والخراف والماعز بأعداد مختلفة تبعا لحالاتهم المادية. استخدمت الحيوانات في السابق لأغراض التنقل وحمل المتاع إضافة لغايات التغذي عليها وعلى منتوجاتها والانتفاع بوبرها وشعرها وصوفها لصناعة بيوت الشعر والملابس. تذهب النساء لجلب الحطب أو الماء وتحمل الحمير هذه الأشياء على الحقائب المعلقة على ظهورها. وعند السفر تستخدم الجمال وأحيانا الأحصنة لهذه الأغراض. غالبا ما تعتبر الحيوانات دلالة على الوضع المادي والاجتماعي فينما تعتبر الجمال والأحصنة الحيوانات الأكثر قيمة تعتبر الحمير أقلها. إن امتلكت العائلة حصانا وحمارا يربط الحصان أمام قسم الرجال بينما يربط الحمار في الخلف بجانب قسم النساء.

كان العمل مع الحيوانات مقسما وفقا لحدود جندرية. فكانت مهمة الرجال أن يأخذوا الماشية لترعى بينما كانت مهمة النساء حلب الماشية. على أن مهمة الرجال كانت حلب النوق حصرا وإلى الآن ظلت هذه المهمة للرجال في العائلات التي تمتلك نوقا.

صورة لنوق مربوطة قرب بيت شعر

ولحلب الناقة يجلس الرجل على الجانب الأيسر منها معطيا إياها كتفه الأيمن ليمنحها شعورا بالراحة. والخطوة الأولى أن يقترب صغير الناقة (القعود إن كان ذكرا والبكرة إن كانت أنثى- المترجمة) من ثدي أمه ويمتصه ليبدأ تدفق الحليب. يسمح الرجل لصغير الناقة بأن يرضع من أمه قليلا في البداية ومن ثم يبعده لحين انتهاء عملية الحلب ومن ثم يسمح لصغير الناقة بأن يرضع أكثر بعدما انتهى الرجل. وبهذه الطريقة يتشارك صغار الجمال الحليب مع البدو، على الرغم من وجود نوع من النسيج يسمى الشملة يستخدم للف ثدي الناقة لتمنع صغار الجمال من الشرب متى ما أرادوا. عادة، يحلب البدو الناقة مرتين يوميا، مرى عند الشروق ومرة عند الغروب. تتفاوت كمية الحليب المجموع ولكنها غالبا ما تكون بمعدل 23-25 لترا في كل يوم. يؤمن البدو بأن حليب النوق يحوي فوائد صحية جمة ويساعد في الشفاء من العديد من الأمراض. ومن الأرجح أن هذا صحيح حيث أشارت الدراسات الحديثة بأن حليب النوق يفيد في الوقاية والسيطرة على مرض السكري (Malik, Al-Senaidy, Skrzypczak-Jankun, & Jankun, 2012).

بعد حلب الماشية تأخذ العائلة البدوية حاجتها وتصنع المرأة البدوية من الباقي زبدة ولبنا وسمنا للاستعمال اليومي ويتم تخزين بعض هذه المنتوجات للشتاء. ومن الجدير بالذكر أن البدو كانوا يقايضون هذه المنتوجات مع الباعة المتجولين من الغجر لقاء ما يحتاجونه من أدوات المنزل، كما سنأتي على ذكر ذلك فيما يلي.

علاقة البدو مع الغجر

لم يكتب الكثير عن الغجر في الأردن، الغجر الذين يطلق عليهم بالإنجليزية Gypsies  والنَوَر  بالعربية. تعتبر هذه المسميات محط ازدراء عند الغجر  فهم يطلقون على أنفسهم وعلى لغتهم مسميات أخرى. يسمون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا “الدوم” والتي تعني “الرجل” وهم ينتمون لمجموعة إثنو-لغوية من الهند. (وليامز 2000) في الأردن، تسمى اللغة التي يستخدمونها بالدومري كما أنهم يتكلمون العربية. وبسبب الصورة النمطية وخوفا من الاضطهاد هم غالبا ما يخفون هويتهم الحقيقية.

ووفقا لما نشره تايلور لوك في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور” يعتقد بأن الدوم قد هاجروا من شبه القارة الهندية إلى الشرق الأوسط ببطء في القرن السادس ميلادي وهنالك أدلة على تواجدهم في الأردن منذ الحروب الإفرنجية” (2015) تربط بين البدو والغجر علاقة رمزية توطدت عبر السنين. غالبا ما يكون الغجر باعة متجولين يبيعون أداوت المنزل كالأمشاط وعدة الخياطة والتي يقايضونها لقاء المنتجات التي يمتلكها البدو كالحليب والزبدة واللبن. وغالبا ما يكون الغجر من “يدقون” الوشوم للبدو وأحيانا يغنون ويرقصون في الأعراس والمناسبات الأخرى.

المصدر:

Aloun, G., Hood, K., The Bedouin beauty of my grandmother (2017) the Hashemite fund for development of Jordan Badia and Ministry of culture p18-24

عن البدو الأردنيين: القهوة والضيافة وغيرها

احتفاءً بالمبادرات الأردنية والإنجازات التي يحصلها أبناء وطننا، نسلّط الضوء على آخرها في مجال الحفاظ على طبيعة وطننا. تقدم لكم إرث الأردن ترجمة لآخر هذه الإنجازات.

مسابقة عالمية مكونة من 10 منظمات رائدة للسياحة المستدامة صنفت عجلون كواحدة من أكثر 100 وجهة مستدامة لعام 2018، وذلك للمبادرات السياحية المستدامة والمسؤولة عن البيئة فيها.

تهدف مسابقة أفضل 100 وجهة سياحية مستدامة لمساعدة تلك الوجهات على تطوير نفسها، فوفقا لموقع المسابقة الإلكتروني، تتعلم الوجهات المسجلة في برنامج “أفضل 100” كيفية تطوير السياحة عبر إشراك المجتمع المحلي.

قال السيد يحيى خالد مدير الجمعية الملكية لحماية الطبيعة المسؤولة عن إنشاء وإدارة المحميات الطبيعية في الأردن إن حصد الجمعية المستمر للجوائز الدولية “دليل رائع” على تنميتها المستمرة وأنها تأخذ زمام المبادرة في الحفاظ على الطبيعة على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

صورة لمحمية غابات عجلون الخضراء التي تحوي تنوعا حيويا كبيرا

“إنه من المهم للأردن أن تكون حاضرة في المسابقات العالمية والجوائز لأن الأردن موطن الرواد في مجال الحفاظ على الطبيعة والسياحة المستدامة”.

تم تأسيس محمية غابة عجلون عام 1987 على مساحة تقدر ب13 كيلومتر مربع في مرتفعات عجلون. وتغطي المحمية نطاقا واسعا من التنوع النباتي والحيواني بما في ذلك الخنزير البري و خز الزان (حيوان بري ينتمي لفصيلة العرسيات) وابن آوى الذهبي، والثعلب الأحمر، والضبع المخطط، والسنجاب الفارسي والذئاب.
عام 2001 أعلنت الجمعية الملكية لحماية الطببعة وجمعية حياة الطيور العالمية عن محمية عجلون بوصفها منطقة مهمة للطيور وهي موطن للكثير من الزهور البرية كالسوسنة السوداء وصنوف الأروكيد والتوليب البري إضافة لاحتصانها العديد من المشاريع التي تعنى بالسياحية البيئية.

صرحت السيدة مارلوس فان دي جور، نائب منظمة “Green Destinations” منظمة غير ربحية تعنى بالسياحة المستدامة في سويسرا، أن اعتبار المنطقة مصدرا مستداما يغير من معاييرنا المتبعة في إدارتها فنأخذ بالاعتبار العوامل المتصلة بالإنسان والحيوان والاقتصاد المحلي واستهلاك الطاقة وإدارتها.

 وتقول السيدة جور “حققت محمية غابة عجلون إنجازات عالية المستوى على صعيد الإدارة وتفعيل القوانين والحماية البيئية وتحفيز والمجتمع المحلي”

وتتابع السيدة جور تصريحها بأن تحقيق مركز في مسابقة ” أفضل 100 وجهة مستدامة” ليس الهدف إنما الخطوة الأولى، موضحة أن الاهتمام الدولي المتنامي تجاه محمية عجلون سينعكس اهتماما أوسع يشمل حفظ الأردن للأجيال القادمة.

” إني أتمنى أن يكون هذا الإنجاز موضع فخر واحتفاء عند المجتمع المحلي وأن يلهم باقي الأردنيين في وجهات أردنية أخرى لأن يسيروا المسار الذي أخذته عجلون من قبلهم” وكلنا نملك دورا في هذا: إنك تختار إما أن يتم استغلال البشر والحيوانات أو أن يتم احترام جميع ما هو على قيد الحياة. وأنت من يقرر تلويث المياه ورمي القمامة أو تنظيفها وإعادة تدويرها”

ajloun-castle
قلعة عجلون

وكما أخبرتنا السيدة جور فقد تم الاحتفال بإنجاز عجلون في سبتمبر المنصرم في مدينة نايمخن (مدينة في هولندا) عاصمة أوروبا الخضراء لعام 2018. وستتابع عجلون مسيرتها ونجاحها بمقاييس أعلى بوصفها أفضل الوجهات الأردنية على الإطلاق في قائمة المسابقة وسيتم الاحتفال الثاني بهذا الإنجاز في شهر آذار القادم 2019 في مدينة برلين.

وتقول السيدة جور بأن عجلون مكان خلاب وقد استمتعت هناك بتسلق جبال المحمية ولقاء الأردنيين من القرى المجاورة وقد أضافت أن محمية عجلون بامتلاكها مراكز للتعليم والحفاظ على البيئة تشرك المجتمع المحلي وتمكن المرأة وتشارك المنتجات المحلية الرائعة من الآخرين وهذا بحد ذاته أمر مبهر للغاية.

“فوق كل ذلك، يمتلك فريق محمية عجلون طموحات وتطلعات مستقبلية وأنا متحمسة لاستكمال رحلة تعاوننا”

المصدر:

مقال منشور على صحيفة جورادن تايمز الإردنية، بتاريخ 17/10/2018

http://www.jordantimes.com/news/local/ajloun-named-one-top-100-sustainable-destinations-world?fbclid=IwAR1Gk_2878vaNVChcD5qGr6fn6gsxut5Aj9RPyxrCcenHW7Kivv_a4W9fZk

محمية عجلون تصنف من أفضل 100 وجهة مستدامة في العالم

جرش المدينة صاحبة النصيب الأعظم من الآثار المبنية على الطراز الروماني لا زالت تفاجئنا. فقد تم الكشف مؤخرا عن عدة تمثيل شبه كاملة. توافيكم إرث الأردن بترجمة عن آخر هذه المكتشفات.

تتوالى الاكتشافات الأثرية التي يصفها علماء التاريخ والآثار بأنها “لا تقدر بثمن” كان أهم هذه الاكتشافات تمثال شبه كامل لآلهة الحب والجمال اليونانية “أفروديت” وبالنسبة لعلماء الآثار فإن تمثالا لأفروديت (تقابلها الآلهة فينوس الرومانية) هو اكتشاف غير مسبوق في الشرق الأوسط بأكمله!

صور للتماثيل الجديدة

وفقا لتصريحات مدير آثار جرش السيد زياد غنيمات فقد تم الكشف عن عدة تماثيل مكتملة من ضمنها تمثال أفروديت إضافة إلى 14 قطعة كبيرة يعتقد بأنها أجزاء من تماثيل أخرى وهذا الاكتشاف جاء بعد ثلاثة أعوام من أعمال التنقيب.

 ويقول غنيمات “إن تمثال أفروديت لا يقدر بثمن في عالم الآثار والتاريخ لذا فإن إيجاد تمثال كامل لهذه الآلهة يعد سبقا رائعا وضخما” ويضيف” إنه يساوي أكثر بكثير من كل اكتشافاتنا للمجوهرات النادرة وصناديق الكنوز”.

يقول بروفسور الآثار توماس ويبر كاريوتاكيس، قائد فريق التنقيب في جرش إنه اكتشاف فريد من نوعه وغير متوقع على الإطلاق في الشرق الأوسط لأن تماثيل كهذه وجدت حصرا في روما واليونان.

يصف السيد غنيمات اكتشافا آخر لحملة التنقيبات بأنه “لا يقدر بثمن” وهو اكتشاف تمثال للإله زيوس  إله جبل الأولمب للسماء والرعد، وهو الإله الأكثر حضورا في الميثيولوجيا اليونانية. وسيتم وضع التمثال في معبد زيوس في جرش.

معبد زيوس في جرش

كما تم اكتشاف سبعة من تسع عرائس للشِّعر (ميوزات أو آلهات الإلهام)[1]، وعرائس الشعر آلهات يونانية ملهمة للشعر والموسيقى. ويخمن البروفسور ويبر أن الباقيات يقبعن تحت العمران الحديث بالقرب من الموقع الأثري.  يقول ويبر : “نتمنى أن نجد عروستي الشعر قبل إنهاء عملية الحفر والتنقيب في شهر نوفمبر”.

ويضيف” في الميثيولوجيا اليونانية هنالك تسعة عرائس للشعر وهن بنات زيوس ويترأسن الفنون والعلوم ويمنحن الإلهام فيها. وأسماؤهن: كاليوبي، كليو، إراتو، يوتيريبي، ميلبوميني، بوليمنيا، تيربسكوري، ثاليا، يورانيا.”

رسم قديم لعرائس الشعر التسع

ويتنبأ غنيمات بأن هذا الاكتشاف سيجذب أنظار الخبراء والمهتمين من كل العالم إلى جرش “لأن جرش الآن إحدى الأماكن التي تحوي على منحوتات وتماثيل كاملة للآلهة اليونانية”

ويقول مدير دائرة السياحة في جرش بسام طوبات ” إن هذا الاكتشاف لن يجذب العلماء فحسب بل الزوار كذلك” ستكون التماثيل جاهزة للعرض بحلول شهر نوفمبر.  ” سيعرض تمثال أفروديت حديث الاكتشاف في متحف جرش أما تمثال زيوس فسيعرض في معبد زيوس وسيضيف التمثالان الكثير لكلا المكانين”.

الهوامش

[1] ومفردها ميوز ومنها اشتقت الكلمة الإنجليزية Music  والتي تعني موسيقى

مترجم عن: http://www.jordantimes.com/news/local/several-%E2%80%98priceless%E2%80%99-sculptures-unearthed-jerash-including-ones-zeus-and-aphrodite

تماثيل جديدة لا تقدر بثمن تكتشف في جرش

– العنوان الرئيسي يحتاج إعادة صياغة أو تطوير

مقدمة

نستكمل في هذا البحث من سلسلة الأردنيون عبر التاريخ فصلا مهما من تاريخ الأردن وهو المرحلة التي أعقبت انهيار المملكة الأردنية الغسانية وانتصار المسلمين في معركة اليرموك. في هذا البحث سنستعرض كيف دخلت الجيوش الإسلامية الأردن وكيف عقدت معاهدات صلح وسلام مع القبائل الأردنية المسيحية.

المملكة الأردنية الغسانية

أسست المملكة الأردنية الغسانية في بداية القرن الثالث وانتهت في القرن السابع مستمرة بحكم الأردن وسوريا ,وفلسطين وأجزاء من السعودية لمدة أربعة قرون امتازت بالرخاء والأمان والحرية الدينية. منطلقين من حوران الأردنية ومن ثم مستقرة في البلقاء ، دشن الأردنيون الغساسنة حضارة متميزة، وقد عرفت عنهم الحنكة السياسية واستغلال موقعهم الاستراتيجي لخلق جو تجاري حيوي على طول الطرق التجارية الأردنية.

العلاقات الغسانية البيزنطية

لقد لعبت العلاقات السياسية بين البيزنطيين والأردنيين الغساسنة دورا رئيسا في تشكيل المشهد العام في الأردن منذ القرن الأول الميلادي وحتى القرن السابع، فحتى منتصف القرن السادس كانت العلاقات علاقات تحالف قوية سواء من ناحية سياسية عسكرية ضد الفرس والمناذرة ومن ناحية تجارية حيث كان الأردنيون الغساسنة مسؤولين عن حماية القوافل وخطوط التجارة الواصلة بين حضارات العالم القديم.

منمنة (صورة تخيلية) تصور الملك الغساني الحارث وهو في خيمته

عقد الملك الأردني الغساني الحارث بن جبلة علاقات قوية من الإمبراطور البيزنطي جوستنيان وزوجته ثيودورا وانعكس هذا على الحرية الدينية بعد زمن طويل من الاضطهاد الديني الذي مارسته الإمبراطورية ضد المخالفين لها بالمذهب.

فسيفساء للإمبراطور جوستنيان وزوجته ثيودورا

المنذر بن الحارث (569-581) والبيزنطيين

كان  أبو كرب المنذر بن الحارث كوالده قائدا عسكريا محنكا إلا أن علاقاته مع البيزنطيين لم تكن دوما موفقة فقد كتب الإمبراطور جوستيان رسالة في عزله وانفصل حكمه ثلاثة سنوات وانقطعت العلاقات بينه وبين البيزنطيين.  ولكن البيزنطيين تراجعوا عن موقفهم عندما أدركوا استحاله الدفاع عن حدودهم ضد الهجمات الفارسية والمناذرية دونه، وقد وجدوا أنفسهم مضطرين لاسترضاء المنذر الغساني بأي ثمن (نولدكه: 1933) . وبالفعل استطاع هزيمة المناذرة بعدما عقد البيزنطيون معه صلحا في الرصافة عند قبر القديس سرجيوس.

وفي عام 580 وصل المنذر بن الحارث إلى القسطنطينية وكان رأسه مزينا بالتاج المهدى إليه من الإمبراطور البيزنطي تيباريوس وهو أمر لم يحصل للملوك الأردنيين الغساسنة من قبله حيث كانوا جميعا يلبسون الإكليل فقط (شهيد: 1995)

رغم العلاقات الحسنة التي نشأها المنذر مع تيبريوس إلا أنها ضعفت عقب واقعة شهيرة. فعندما تقدمت القوات الغسانية والقوات البيزنطية لمحاربة الفرس وجدوا جسر نهر الفرات مقطوعا فاتهمه البيزنطيون بالخيانة والتآمر مع الفرس. طلب بعدها البيزنطيون الصلح فقعدوا معاهدة صلح عند قبر القديس سرجيوس في الرصافة في العراق. لم يدم هذا الحال كثيرا،  فقد حاول المنذر الغساني إعادة توطيد العلاقات بشن حرب أخرى على المناذرة اتهمه البيزنطيون بتحدي الإمبراطورية والكنيسة.

عملة ذهبية للإمبراطور تيبريوس

وفي أثناء حضور المنذر الغساني لافتتاح كنيسة جديدة، اعتقله البيزنطيون ونقلوه إلى القسطنطينية ومن ثم نفي إلى جزيرة صقلية هو وعائلته وكان قد حكم 13 سنة تقريبا.

النعمان بن المنذر والبيزنطيين

غضب أبناء المنذر، الملك الذي تم نفيه، وقادوا تحت حكم ابنه الأكبر النعمان حربا ضد الحامية البيزنطية في بصرى وغنموا منها غنائم عظيمة واضطروا الحامية لأن تتخلى عن ذخائرها الحربية وقد كانت ثاني أكبر حامية عسكرية بعد حامية دمشق (نولدكه: 1933) وليس من المعروف كم بقيت المملكة على هذا الحال إلا أنه يرجح أن الأمور بقيت هكذا لوقت طويل. في النهاية، خطط البيزنطيون لحيلة أوقعت النعمان، فقد طلبوا منه القدوم إلى العاصمة أنطاكية للصلح ومن ثم قبضوا عليه وحبسوه ونفوه إلى صقلية عند والده.

بعد سجن المنذر والنعمان دعت الحاجة للاجتماع تحت راية قائد أردني غساني جديد وكان الحارث الأصغر بن الحارث بن جبلة وأخ المنذر بن الحارث هو القائد الجديد. وعقبه عدة ملوك  آخرين ولكن كان حكمهم أكثر محلية ولم تتوافر المعلومات الكثيرة عن حقبتهم، سوى ما سجله المؤرخ الألماني نولدكه عبر استخلاصه أسماء الملوك اللاحقين من الشعر العربي القديم وقد وجد عبر تحقيقه التاريخي ستة أسماء لملوك أردنيين غساسنة: الحارث الأصغر بن الحارث الأكبر، الحارث الأعرج بن الحارث الأصغر، أبو حجر النعمان: حكم 583- 614 م. ، عمرو، حجر بن النعمان، جبلة بن الأيهم،  حكم سنة 635م.

جبلة بن الأيهم

من المتفق عليه أن جبلة بن الأيهم هو آخر حاكم أردني غساني فعلي انتهى حكمه بفعل هزيمته أمام جيش خالد بن الوليد في معركة اليرموك عام 363 وقد رحل للقسطنطينية ومات هناك. ولكن من المهم الإشارة إلى أنه أعلن إسلامه في زمن الرسول عبر المراسلات التي أجراها معه وقد ظل مسلما حتى عهد عمر بن الخطاب. وقد ذكر هذا الأمر ذكرا دون حفظ نص المعاهدات فيقول المقريزي في كتابه إمتاع الأسماع: “وقال: أسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل مسلما إلى زمن عمر فتنصر[1] وبإسلام جبلة بن الأيهم، القائد الأردني الغساني يمكننا أن نستنتج أن عموم مدن الأردن كانت موالية للمسلمين لا للبيزنطيين في الوقت الذي حصلت فيه معركة اليرموك وأنهت الوجود البيزنطي تماما من الأردن.

وفيما يلي من فصول هذا البحث سنستعرض بشيء من التفصيل الخط الزمني للمعارك وللمعاهدات التي أجرتها المدن والقبائل الأردنية مع المسلمين.

أفكار مهمّة وضرورية

ماذا عن عنوان يسرد بشكل موجز طبيعة علاقات القبائل الأردنية مع الغساسنة ؟

– تأصيل فكرة التحالف السياسي الأردني مع المسلمين بدلا من الاكتفاء بالإشارة إلى اعتناقهم الاسلام

– الإشارة إلى دوافع هذا التحالف وأسبابه ( لماذا تخلت القبائل الأردنية تدريجيا عن علاقتها بالعرش الغساني)

أولا: دومة الجندل (5 هجري- 226 ميلادي)

تقع دومة الجندل على امتداد وادي السرحان الأردني وهي إحدى المراكز التجارية المهمة التي أنشأتها القبائل الأردنية على طول خط التجارة الجديد الذي كان الأردنيون الغساسنة مسؤولين عن حمايته.

خريطة توضح طريق وادي السرحان الأردني وهو طريق تجاري استحدثه الأردنيون الغساسنة وكانوا مسؤولين عن حمايته. المصدر Shahid. E (2009) Bazantinum and Arab in the sixth century

سكنت في الدومة قبيلة بني كلب من قضاعة والتي ينحدر منها أبناء عشيرة الكلوب الأردنية اليوم. أنشأت القبيلة حلفا قويا مع الأردنيين الغساسنة وكانت القبيلة خليطا من المسيحية واليهودية والوثنية. بعث الرسول محمد أول سرية نحو دومة الجندل في العام الخامس للهجرة (625 م) ولكنه وجدها خالية من سكانها. وتخبرنا المصادر بأن أهالي دومة الجندل كانوا يغيرون على القوافل التجارية وهذا يدلل على أن العلاقات القوية التي أنشئت مع الأردنيين الغساسنة بدأت تضعف وتتوتر.

في العام السادس هجري (626 م) عقد المسلمون صلحا مع قبيلة بني كلب في دومة الجندل واعتنق بعضهم الإسلام وعلى رأسهم رئيسهم أكيدر بن عبد الملك الكندي الذي عاد واعتنق المسيحية فيما بعد. ولكن الصراع تجدد بعد عدة سنوات. فعام 12 هجري 633 ميلادي، بعث أبو بكر الصديق بجيش لإعادة القبائل الأردنية المسيحية تحت نفوذه، وكانت قد عاودت تلك القبائل علاقتها مع الأردنيين الغساسنة والبيزنطيين. وجد جيش عياض بن الغنم دومة الجندل محصنة جدا فبعث لخالد بن الوليد الذي كانت جيوشه تتجه نحو العراق فسانده. وبعد حصار طويل وصمود كبير من جانب الحصن في الدومة، وانضمام قوات من الأردنيين الغساسنة لمساندة قبيلة كلب، هزمت قبيلة كلب وتم الاستيلاء على مدينة دومة الجندل. وقد مهد هذا الطريق أمام جيش خالد بن الوليد ليشق طريقه إلى وادي اليرموك بعد عدة أعوام ليمر من الصحراء الأردنية (المفرق) وصولا إلى موقع معركة اليرموك.

ثانيا: مؤتة  (8 هجري – 329 ميلادي)

بقايا لآثار بنيت على أرض معركة مؤتة

استمر الرسول محمد بإرسال الرسل إلى ملوك الأردنيين الغساسنة. فأرسل الحارث بن عمير الأزدي للحارث بن جبلة الملقب بابن أبي شمر أو “عظيم بصرى”  وقد اعترض الرسول شرحبيل بن عمرو الغساني قتله (خطاب: 1996). إضافة إلى قتل الحارث بن عمير، فقد بدأت القبائل الأردنية المسيحية باعتناق الإسلام، وكان من بينهم فروة بن عمرو الجذامي (ضرورة الإشارة إلى موقع هذا الرجل اجتماعيا وسياسيا، الأمير والحاكم المحلي وشيخ القبيلة ) [2]، من قبيلة جذام القبيلة الأم للعديد من القبائل الأردنية اليوم والتي تمركزت في معان. اعتنق فروة الجذامي الإسلام وبعث للرسول كتابا يعلن فيه إسلامه فأسره البيزنطيون وقتلوه ( 1. ما هو أثر الاغتيال أو الإعدام على قبيلته ومنطقته؟، 2. صورة ضريحه أو موقع اعدامه ؟  ) . ويدلنا هذا الحدث بالذات على اعتناق أكبر القبائل الأردنية للإسلام الأمر الذي سينعكس لاحقا على موازين القوى ضد البيزنطيين والغساسنة.

صورة لضريح فروة بن عمرو الجذامي قرب مدينة الطفيلة مطل على حمامات عفرا من الجهة الشرقية.

وقد أدت هذه الأحداث إلى تجهيز المسلمين جيشا ( لماذا جهزوا جيشا ؟ وبأي معنى كان هذا التجهيز ؟ الفزعة والنصرة وأيضا التوسع السياسي) ودخول حدود المملكة الأردنية الغسانية ليصلوا إلى مؤتة جنوب الأردن. وبعد صدام الجيشين والخسارة الكبيرة التي تجشمها جيش المسلمين عبر مقتل ثلاثة قادة وانسحاب القوات. تذكر المصادر انسحاب البيزنطيين وهروبهم وبقاء تحالف القبائل الأردنية في مواجهة جيش المسلمين (المباركفوري: 2007)

 ثالثا: تبوك (9 هجري – 630 ميلادي )

بعد عام من هزيمة معركة مؤتة، قرر قيصر معاودة المهاجمة وقد جهز جيشا  وجمع قبائل من لخم وغسان وجذام ( هذه القبائل كان لديها حكم ذاتي كما قرأنا في الأبحاث السابقة، في السردية الوطنية يجب إظهارها بشكل الحليف لا بمظهر التابع بالإضافة إلى أردنتها جميعا فنقول قبائل كذا وكذا الأردنية ) [3] وعسكر عند تبوك آخر حدود المملكة الأردنية الغسانية. لم تكن أوضاع جيش المسلمين يسيرة، فقد عانوا من القحط والحر إضافة الخوف من جيش البيزنطيين شديد الضخامة.(المباركفوري: 2007)

فتذكر مصادر التاريخ الإسلامي تخوفا كبيرا من الملك “الغساني” ( ما علاقة النص التالي بمعركة تبوك  ؟، وما سبب هذا التخوف أصلا ؟ يجب التمهيد للأمر ). ويورد في هذا الصدد خبرا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:” ‏ وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت آتية أنا بالخبر ـ وكانا يسكنان في عوالى المدينة، يتناوبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ـ ونحن نتخوف ملكاً من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاري يدق الباب، فقال‏:‏ افتح، افتح، فقلت‏:‏ جاء الغساني‏؟‏ فقال‏:‏ بل أشد من ذلك، اعتزل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أزواجه‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

وفي لفظ آخر ـ أنه قال ـ‏:‏ وكنا تحدثنا أن آل غسان تنعل النعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نَوْبَتِهِ، فرجع عشاء، فضرب بابي ضرباً شديداً وقال‏:‏ أنائم هو‏؟‏ ففزعت، فخرجت إليه، وقال‏:‏ حدث أمر عظيم‏.‏ فقلت‏:‏ ما هو‏؟‏ أجاءت غسان‏؟‏ قال‏:‏ لا بل أعظم منه وأطول، طلق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نساءه‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.”[4]

ومن دلائل تزعزع الجانب البيزنطي وفقدان الثقة بين القبائل الأردنية المسيحية وبين الغساسنة والبيزنطيين ما تناقلته المصادر عن مساعدة الأنباط (الأردنيين الأنباط ) للمسلمين عبر نقل الأخبار عبر رحلات التجارة الآتية من الأردن والمارة بالمدينة ومكة.” إذ بلغهم من الأنباط الذين قدموا بالزيت من الشام إلى المدينة أن هرقل قد هيأ جيشاً عرمرما قوامه أربعون ألف مقاتل، وأعطي قيادته لعظيم من عظماء الروم، وأنه أجلب معهم قبائل لَخْمٍ وجُذَامٍ وغيرهما من متنصرة العرب، وأن مقدمتهم بلغت إلى البلقاء، وبذلك تمثل أمام المسلمين خطر كبير‏” [5]

 وفي كل الأحوال، تظهر هذه الأخبار استمالة المسلمين للأردنيين من القبائل البدوية والحواضر كمعان (جذام) والأردنيين الأنباط الذين استمروا كثقافة فاعلة أثناء الحكم الأردني الغساني للأردن.

ورغم عدم حدوث أي صدام عسكري بين الجيشين إلا أن البيزنطيين هربوا مجددا مزعزعين الثقة بين القبائل الأردنية وبين الحكم الغساني. فقد كانت جيوش القبائل الأردنية وحدها أمام جيش المسلمين وقد أدركت أن وعود البيزنطيين بالأمان والصد كانت غير صادقة. ولذلك استمرارا في الحكم الذاتي والاستقلالية التي كانت تدير هذه القبائل والمدن الأردنية نفسها وفقا لها، توقفت عن مساندة البيزنطيين وبحنكة شديدة استغلت الاضطراب وبدأت بعقد اتفاقيات مع المسلمين وقد عرفت لاحقا بمراسلات تبوك.

معاهدات المسلمين مع القبائل الأردنية المسيحية 

بعد معركتين خاسرتين في عامين على التوالي، أردك المسلمون ضرورة الاعتراف بقوة القبائل الأردنية وضرورة استرضاء ( التحالف هو لفظ سياسي أوضح وأوجه هنا ) هذه القبائل عبر عقد معاهدات سلام وأمان على الحرية الدينية ولو بمقابل مادي بسيط ورمزي سمي الجزية وكانت الجزية قديما تعتبر علامة انضواء تحت كيان سياسي ( ما الذي يوفره هذا الكيان السياسي لدافعي الجزية ؟ ، يجب توضيح الفكرة ليكتمل المعنى ) لا ضريبة اقتصادية بمعناها الفعلي (الشجاع: 1999). في هذا الفصل سنستعرض المعاهدات التي أبرمتها القبائل الأردنية مع المسلمين خلال الست سنوات التي أعقبت معركة تبوك والتي انتهت بمعركة اليرموك.

خريطة متصوّرة توضح أهم المكونات السكانية للأردن إبان عهد الأردنيين الغساسنة

معاهدات قبيلة جذام الأردنية

لقد أسلفنا الحديث عن فروة بن عمرو الجذامي – ذات الملاحظة السابقة – الذي كان مقتله على يد البيزنطيين  سببا من أسباب معركة مؤتة. أعلن الجذامي إسلامه وبعث للرسول محمد (خطاب: 1996). وجذام إحدى أكبر القبائل الأردنية[6] وهي أم لكثير من القبائل الأردنية اليوم وتمركزت في معان وامتدت حتى البلقاء وكانت تحت ولاية فروة بن عمرو الجذامي الذي كان بدوره واليا للبيزنطيين (الشراكة بدلا من التبعية، تأصيل فكرة الحكم الذاتي ). إن إسلام ( تأصيل فكرة التحالف السياسي بدلا من الاعتناق المذهبي فقط ) فكرة أكبر عشيرة أردنية أثار رعب البيزنطيين ( لماذا ؟) وقد خافوا انقلاب القبائل الأردنية الأخرى عليهم ومناصرتهم للمسلمين ولذلك طلبوا فروة الجذامي وقطعوا رأسه وصلبوه.

الشاهد على ضريح فروة بن عمرو الجذامي يروي قصته

وتكر المصادر تاريخ المعاهدة التي جرت بين جذام الأردنية والرسول ( ع ) في شهر نيسان 528 تحديدا. وتذكر الروايات الإسلامية كذلك نص المعاهدة “فقد جاء رفاعة ابن زيد بن عمير بن سعيد الجذامي على رسول الله في الهدنة قبل خيبر  وأهدى له عبدا وأسلم ، فكتب رسول الله له كتابا: هذا كتاب محمد إلى رفاعة بن زيد إلى قومه من دخل يدعوهم إلى الله، فمن قبل ففي حزب الله، ومن أبى فله أمان شهرين. فأجاب قومه، فأسلموا” (النعيم: 1997)

 معاهدات الأردنيين الغساسنة 

( تأصيل فكرة التحالف السياسي بدلا من الاعتناق المذهبي فقط )

أما قبيلة غسان وبطونها التي لا تزال الكثر من العشائر الأردنية تنسب لهم ( لها ) – أو يرجّح انتسابها لها – كالجوابرة والحداد  والبشارات وغيرهم ( الغساسنة في الكرك مثل المبيضين والضمور والكركي)[7]؛ فقد عقدت كذلك معاهدة مع الرسول وقد أسلم بعضهم. فيذكر ابن سعد بأن هنالك وفدا من ثلاثة أشخاص قدموا في رمضان سنة عشرة للهجرة، “وأسلموا وصدقوا وقدموا على قومهم فلم يستجيبوا لهم” (النعيم: 1997)  وفي الوثائق أيضا وثيقة معاهدة بين الرسول وبين قبيلة ثعلبة[8] من غسان:” هذا كتاب محمد لصيفي بن عامر على بني ثعلبة، من  أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأعطى خمس المغنم وسهم الرسول والصفي فهو آمن بأمان الله[9]

المعاهدات مع طيء وعذرة

( تأصيل فكرة التحالف السياسي بدلا من الاعتناق المذهبي فقط )

من ضمن المعاهدات التي حصلت بين القبائل المسيحية والمسلمين كانت بين قبيلتين مهمتين. الأولى عذرة، التي سكنت وادي القرى على الحدود الجنوبية للملكة الأردنية الغسانية ( هل عذرة قبيلة أردنية ؟ إذا لا، فما مبرّر ذكرهم ؟). وكان العذريون أو جزء كبير منهم قد اعتنق الإسلام. وقد جاء نفر منهم للرسول “قدم في صفر سنة تسع،  وكان يتكون من اثني عشرة رجلا، أعلنوا إسلامهم“(النعيم: 1997) ويذكر ابن سعد في كتابه الطبقات وابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة أن العذريين بعثوا للرسول بصدقاتهم وزكاتهم.

أما عن قبيلة طيء، إحدى القبائل – الأردنية – التي سكنت الأردن – مصطلح يتناقض والسرديّة الوطنية، انتشرت، امتد نفوذها  – خصوصا على طول وادي السرحان، ولها بطون كثيرة وعشائر متفرعة عنها إلى يومنا الحاضر[10]، فيؤرخ ابن سعد في كتابه الطبقات إسلام خمسة عشرة رجلا من القبيلة على رأسهم زيد الخيل ابن المهلهل.[11]

وفي وثائق المعاهدات بين قبيلة طيء والرسول ( ع ) ، نجد كتابين مهمين للطائيين كتبها الرسول:

هذا كتاب محمد لبني معاوية بن جرول الطائيين لمن أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من المغانم الخمس خمس وسهم النبي وفارق المشركين[12]” (النعيم: 1997)

وفي الكتاب الثاني:” هذا كتاب محمد رسول الله لعامر بن الأسود بن عامر بن موين الطائي، أن له ولقومه من طيء ما أسلموا عليه من بلادهم ومياههم ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة  وفارقوا المشركين” وكتب مثل هذا لبني معن ولبني جوين من طيء ولجابر بن ظالم بن حارثة الطائي، ولوليد بن جابر بن حارثة الطائي، ولأنس بن حصن الطائي. (النعيم: 1997)

المعاهدات مع أيلة

تقع منطقة أيلة على الحدود الجنوبية للمملكة الأردنية الغسانية وتعرف بقرية أم الرشراش ( ماذا عن العقبة ؟ ).  وقد جاء ملك أيلة الذي يدعى يحنة (يوحنا) بن رؤبة وعقد صلحا مع الرسول  ( ع ) وكان من بنوده الأمان في البر والبحر‏:‏ ‏(‏بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذه أمنة من اللّه ومحمد النبي رسول اللّه ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة، سفنهم وسياراتهم في البر والبحر لهم ذمة اللّه وذمة محمد النبي، ومن كان معه من أهل الشام وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثاً، فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب لمن أخذه من الناس، وأنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه، ولا طريقاً يريدونه من بر أو بحر‏)‏‏‏[13]

المعاهدات مع أذرح والجرباء ( النبطية )  

صورة جوية لأذرح

أَذْرُح قرية أردنية نبطية  ومنطقة جغرافية ضمن قضاء أذرح، في محافظة معان جنوب العاصمة عمّان. أما الجرباء فهي مدينة أخرى على بعد عدة كيلومترات منها. تسكن القبائل الأردنية خصوصا بعض بطون عشيرتي الحويطات وبني عطية ذوات الأصل النبطي [14] في أذرح والجرباء منذ مئات السنين. وقد تم تأريخ المعاهدة التي عقدتها القبائل الأردنية المسيحية مع الرسول مقابل جزية رمزية وحرية دينية ودخول في دائرة  النفوذ الإسلامي ( تأصيل فكرة التحالف السياسي بدلا من التبعية ) .

بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب محمد النبي لأهل أذرح. إنهم آمنون بأمان الله ومحمد. وإن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة. والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان للمسلمين ومن لجأ إليهم من المسلمين من المخافة والتعزير إذا خشوا على المسلمين وهم آمنون حتى يحدث لهم محمد قبل خروجه

أما نص معاهدة أهل الجرباء: ”  هذا كتاب محمد النبي لأهل جرباء. إنهم آمنون بأمان الله ومحمد. وإن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة. والله كفيل[15]

المعاهدات مع  نجران

نجران مدينة جنوب شبه الجزيرة العربية وكانت على علاقة قوية للغاية مع الأردنيين الغساسنة طوال فترة حكمهم إلا أن أهلها ارتأوا عقد معاهدة مع المسلمين ( لماذا ؟ ، تأصيل فكرة التخلي عن العلاقة مع العرش الغساني كما فعلت القبائل الأردنية تماما) تضمن لهم الأمان الديني وقد جاء في نصها، في كتاب طبقات ابن سعد:

“ولنجران وحاشيتهم جوار الله، وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم، وملتهم، وأرضهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وبيعهم، وصلواتهم لا يغيروا أسقفًا عن أسقفيته، ولا راهبًا عن رهبانيته، ولا واقفًا عن وقفانيته، وكل ما تحت أيديهم من قليل، أو كثير وليس ربا، ولا دم جاهلية، ومن سأل منهم حقًّا فبينهم النصف غير ظالمين، ولا مظلومين لنجران، ومن أكل ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة، ولا يؤاخذ أحد منهم بظلم آخر، وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله، وذمة النبي أبدًا حتى يأتي الله بأمره إن نصحوا، وأصلحوا فيما عليهم، غير مثقلين بظلم، شهد أبو سفيان بن حرب، وغيلان ابن عمرو، ومالك بن عوف النصري، والأقرع بن حابس، والمستورد بن عمرو أخو بلي، والمغيرة بن شعبة، وعامر مولى أبي بكر.[16]

رابعا : معركة اليرموك ( 15 هجري- 336 ميلادي)

 

صورة لحوض نهر اليرموك في الأردن

لقد رأينا كيف مهّدت المعاهدات الطريق أمام المسلمين لهزيمة الوجود البيزنطي. حصلت معركة اليرموك في العام 15 هجري بحسب المصادر الإسلامية و16 بحسب المصادر السريانية (خلف:2016).  وكانت قد  تحركت جيوش المسلمين التي كانت في العراق تحارب الفرس الساسانيين وفي فلسطين وفي حمص إلى حوض اليرموك لملاقاة البيزنطيين.  بعث أبو بكر الصديق بقوات مساندة لقيادة خالد بن الوليد مرت بالأراضي الأردنية التي كانت قد وقّعت معاهدات سلام أو اعتنقت الدين الإسلامي. وكما ذكرنا آنفا، مهّدت  معاهدة  دومة الجندل جنوب وادي السرحان الأردني الطريق أمام جيش خالد بن الوليد لمساندة جيوش المسلمين الأخرى.

أردنة المعركة في سياق السّرد
كان الجيش البيزنطي يتألف من البيزنطيين والغساسنة من الذين لم يعقدوا معاهدة مع المسلمين. وقد انحاز جبلة بن الأيهم إلى صفوف البيزنطيين وحارب معهم ضد المسلمين ( هل قاتل المسلمون وحدهم ؟ أين ذكر جذام ؟ ). ورغم هزيمة الغساسنة في معركة مرج راهط في الطريق الواصل بين دمشق ومدينة عدرا ( إلى الشمال من دمشق) عام 13 هجري، إلا أنهم أعادوا جمع بعض القوات.

استمرت المعركة ستة أيام من الكر والفر في سهول حوران الأردنية وكان فرق العدد بين جيش المسلمين (حوالي 36 ألفا) والبيزنطيين (200 ألفا) واضحا وكبيرا (الشجاع:1999)، فاستعان خالد بن الوليد بالسهول والوديان المحيطة بنهر اليرموك لتنفيذ هجماته، كما استعان بماء نهر اليرموك في الهجمات ليغرق عددا هائلا من البيزنطيين. وتم إعطاء الأوامر لإعادة الجزية والزكاة  إلى أهلها من القبائل الأردنية المسيحية وقد لعب ذلك دورا مهما بلا شك في تقوية علاقة القبائل الأردنية مع المسلمين. إن إدراك المسلمين لضرورة إبقاء القبائل الأردنية المسيحية والمسلمة على حد سواء في صفهم ساهم في النصر الذي أحدثته الجيوش الإسلامية بقيادة خالد بن الوليد.

شعار المملكة الغسانية وفي المنتصف أيقونة القديس الشهيد سركيس

 كانت معركة اليرموك على قدر عال من الأهمية فبعدها تغيرت خريطة المشرق وانتهى وجود مملكة الغساسنة الأردنيين ككيان سياسي وفتحت صفحة جديدة من تاريخ الأردن. سميت الأردن فيما بعد “جند الأردن”  وضم الجند أجزاء واسعة من سورية وفلسطين. ويقول الحموي صاحب كتاب معجم البلدان “وأما الجند فيجيء في قولهم: جند قنسرين، وجند فلسطين، وجند حمص، وجند دمشق، وجند الأردن” وقسم جند الأردن إلى ثلاثة عشرة كورة: طبرية والسامرة وبيسان وفحل وجرش وبيت راس وجدارا، كورة الجبال (الطفيلة) وكانت غرندل مركزه وكورة الشراة ومركزه أذرح، وكورة مآب (مؤاب) ومركزها مآب (الكرك) وأحياناً زغر (غور الصافي) وأخيراً كورة البلقاء التي كان مركزها عمان.

 

الخاتمة

 تتبعنا في هذا البحث الخط الزمني لدخول المسلمين للأردن. فعبر المعاهدات والسلم التي عقدها المسلمون مع القبائل الأردنية من عهد الرسل وحتى عهد الخلفاء الراشدين، دخل المسلمون الأردن. ورغم انسجام القبائل الأردنية مع الحكم الأردني الغساني لأكثر من أربعة قرون إلا أنها سارعت في سحب الثقة من القيادة الغسانية حالما وجدتها منحازة للصالح البيزنطي أكثر من الصالح العام للقبائل الأردنية نفسها. فالنفس الأردنية أبية والاستقلال فيها مترسخ، والرد أمام المعتدي يأتي دوما قاطعا وحادا كحد سيوف الثوار والفرسان من العشائر الأردنية.

المراجع

  • العويدي العبادي، أحمد، تاريخ الأردن وعشائره في العصور القديمة والوسيطة من 3400 قبل الميلاد- 1910م، ط1، (2014) دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، الأردن: عمان
  • آبادي الهندي، محمد الحيدر، مجمعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، ط6، دار النفائس، لبنان: بيروت
  • النعيم، عبد الله محمد، الاستشراق في السيرة النبوية (1997)، ط1، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سلسلة الرسائل الجامعية المنشورة.
  • عجلون في صدر الإسلام والدولة الأموية، د.محمد حسين محاسنة، موقع وزارة الثقافة- التراث الثقافي غير المادي.
  • خلف، تيسير (2016) القراءة السريانية للفتوحات الإسلامية، ط1، دار التكوين، سورية: دمشق.
  • المباركفوري، صفي الدين (2007) الرحيق المختوم، بحث في السيرة النبوية، منشورات وزارة الشؤون الإسلامية، قطر: الدوحة
  • خطاب، محمود شيت، سفراء الرسول (1996) دار الأندلس الخضراء، المملكة العربية السعودية
  • الشجاع، عبد الرحمن عبد الواحد، تاريخ صدر الإسلام، رؤية جديدة لدراسة عصري النبوة والخلافة الراشدة (1999) ط8، الإحسان نت. اليمن: صنعاء
  • علي، جاسم، معاهدات الصلح التي عقدها الرسول مع النصارى، دراسة منشورة، جامعة بغداد، كلية التربية للبنات، قسم التاريخ، مز 24، (2) 2013
  • نولدكه (1933)، أمراء غسان من آل جفنة، المطبعة الكاثوليكية، بيروت: لبنان
  • Shahid, I. Byzantine and Arabs in the sixth century, Political and Military music (1995), VOL1, P1, Dumbarton Oaks, Harvard University.

[1] المصدر: إمتاع الأسماع للمقريزي. ص 1024

[2] يذكر ابن سعد في طبقاته : فروة بن عمرو الجذامي أحد بني نفاثة بعث إلى رسول الله بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء وكان عاملا للروم على ما يليلهم من العرب وكان منزله في معان وما حولها من أرض الشام. فلما بلغ الروم إسلامه طلبوه قم حبسوه وضربوا عنقه وصلبوه.” م1، ص355

[3] الرحيق المختوم. الفصل 12، معركة تبوك.

[4] المصدر السابق نفسه.

[5] المصدر السابق نفسه.

[6] تاريخ الأردن وعشائره للدكتور أحمد عويدي العبادي ص900

[7] تاريخ الأردن وعشائره للدكتور أحمد عويدي العبادي ص963

[8] يعتقد بأن ثعلبة وجفنة أولاد عمومة ومنهما جاء نسل الأردنيين الغساسنة وقد سموا آل جفنة وآل ثعلبة.

[9] مجموعة الوثائق السياسية، حيدر آبادي ص 426

[10] تاريخ الأردن وعشائره للدكتور أحمد عويدي العبادي، ص976-989

[11] ابن سعد، الطبقات، م1 ص 321

[12] للمزيد انظر: الحيدر آبادي، مجموعة الوثائق السياسية، ص 170-171

[13] ابن هشام: السيرة النبوية 2/525، 526، وابن سيد الناس: عيون الأثر 2/258، وابن القيم: زاد المعاد 3/466.

[14] تاريخ الأردن وعشائره/ الدكتور أحمد عويدي العبادي، ص994-937

[15] تجد نص المعاهدتين في كتاب مجموعة الوثائق السياسية لحيدر آبادي ص 416/  إمتاع الأسماع للمقريزي ج1 ص 468-469

[16] نص المعاهدة كاملة  في كتاب مجموعة الوثائق السياسية لحيدر آبادي ص 467 ( لماذا لا نورد صور عن نصوص المعاهدة إذا كان هناك صورة نص قديم وتاريخي ؟ لا يوجد صورة فقط جمع تاريخي )

كيف دخل المسلمون الأردن؟

مقدمة

حكم الأردنيون الغساسنة الأردن وما حولها لمدة تزيد عن الأربعة قرون وكان كل حاكم وأمير وملك منهم على قدر عالٍ من المسؤولية والحزم. يقول الملك الأردني الحارث الملقب بالأعرج موصيا ابنه:

   ” والنَّاسُ سرحُ رِباعٍ والمُلوكُ لهُمْ … ما بينَ راعٍ وحفَّاظٍ وسوَّاقِ

ولا يحُوطُ ولا يرعَى الأنامَ سوى … من في ذُرَى المجدِ عالٍ في العُلى راقِ

ماضِي العزيمةِ ذي حَزْمٍ وذي فِطنٍ … مُوفٍ لدى العقدِ من عهدٍ وميثاقِ”

وفي هذه الوصية تظهر لنا فلسفة الحكم عند الأردنيين الغساسنة، فالملك هو ” راعٍ وحفَّاظٍ وسوَّاقِ” يتولى رعاية شعبه ويكفل لهم أمنهم وأمانهم. في هذا البحث من سلسلة أبحاث الأردنيون الغساسنة سنستعرض سيرة مجمل الملوك والنظام السياسي والأمراء الأردنيين الغساسنة وإنجازات كل واحد منهم إضافة لألقابهم الفخرية والدينية.

خريطة لممالك العالم القديم وتظهر مملكة الأردنيين الغساسنة التي تمتد على أرض الأردن- سوريا وشمال السعودية- فلسطين

التسمية والنسب

ينسب الأردنيون الغساسنة إلى بئر ماء يدعى غسان كانوا قد نزلوا عندها فترة، إلا أنهم ينسبون لجدين آخرين (جفنة  وثعلبة). يعرف آل غسان بآل جفنة وجفنة بالعربية تعني الطبق الكبير، أي أنهم سموا كذلك نسبة لشدة كرمهم وجودهم وتعود تسميتهم  بآل جفنة إلى أحد أجدادهم  المسمى بالإسم نفسه. وقد ذُكروا كثيرا في شعر حسان بن ثابت بآل جفنة وأولاد جفنة  فيقول في رثاء الملك الأردني الغساني  ابن مارية المرجح بان يكون هو ذاته الحارث بن جبلة:

أولاد جفنة حول قبر أبيهم   قبر ابن مارية الكريم المفضلِ

أما التسمية الثانية (آل ثعلبة) فهي تعود لجد آخر. يعتقد الباحثون بأن ثعلبة وجفنة أخوان وأن نسلهما أولاد عمومة ولهذا لقبوا باللقبين على التوازي (نولدكه: 1933)

الألقاب الملكية

 تباينت الألقاب التي حصل عليها ملوك الغساسنة وكانت أغلبها تصبغ بصبغة دينية كنسية. بداية كان اللقب الأشهر هو الفيلارخ أو الفيلارك بمعنى الوالي أو رئيس القبيلة. والبطريق (بطريرك) والذي لقب به أعظم ملوك الأردنيين الغساسنة الحارث بن جبلة. فقد كان يمارس سلطتين أساسيتين، رئاسة المملكة ورئاسة أسقفيتها. (شهيد: 1995) وقد تناولت الوثائق السريانية والرومانية ألقاب أخرى اختص بها الحارث بن جبلة ” كالبطريق الأمجد والأشهر” وملك جميع العرب” و” الأكثر تقى وصلاح” و”محب المسيح الأكثر عبادة ” (نولدكه:1993)

صورة تخيلية للملك الحارث بجانب الامبراطور البيزنطي

 ويجدر الذكر بأن الملك الأردني الحارث بن جبلة هو الوحيد الذي حصل على لقب ملك من قبل الإمبراطور البيزنطي جوستنيان وقد سمي باقي الحكام الأردنيين الغساسنة ملوكا بمعنى أمراء، كما سيلي توضيحه في الفصل التالي.

الأمراء والملوك الغساسنة

أولا: الاختلاف التاريخي في سلسلة الحكم

مهّد الحصار الاقتصادي للمملكة الأردنية النبطية وسقوط العاصمة بترا في أيدي الرومان بعد محاولاتهم الكثيرة في القرن الأول والثاني إلى خلق جو من الفراغ السياسي. ودفع هذا الفراغ بالأردنيين الغساسنة  إلى إنشاء كيانهم السياسي المستقل وإرساء علاقات تحالف جيدة مع البيزنطيين والدفاع بشراسة عن حدودهم وأمانهم وحريتهم الدينية.

لقد كان حكم الأردنيين الغساسنة مرتكزا على فكرة الحكومة المركزية التي تتشعب منها حكومات صغيرة محلية. فمن حوران الأردنية ومن ثم البلقاء أدار الأردنيون الغساسنة مملكتهم وتحت حكمهم تم تعيين حكام محليين. فكان هناك حاكم لقبيلة كندة وآخر لفلسطين وآخر لنجران وغالبا ما كان هؤلاء الحكام يسمون (فيلارخ) وفي كتب التاريخ يسمون مجازا ملوك وفي السريانية تكتب كلمة أمير “ملكا” ولهذا ربما أطلق على باقي الملوك لقب ملك. ولم يقتصر هذا التقسيم على المدن الكبيرة إنما امتد للحواضر الصغيرة وقد قسمت ولايتها بين أفراد السلالة الأردنية الغسانية الحاكمة.

نقش كنيسة نتل الغسانية في قرية نتل قرب عمان ويقرأ “أوه يا حارث يابن الحارث”

أدّى هذا التقسيم إلى اختلاف كبير بين المؤرخين حول عدد الملوك وأماكن حكمهم ومدة حكمهم. سنتناول في بحثنا الاختلاف بين أهم مؤرخين لمملكة الأردنيين الغساسنة، المؤرخ حمزة الأصفهاني والمؤرخ الألماني نولدكه.

يختلف الباحثون كما أسلفنا في عدد الملوك الأردنيين الغساسنة فبعضهم يقول 32 ومنهم من يقول 10 أو 11 وآخرون يقولون 9 فقط. (العيسى: 2007) يقول المؤرخ الأصفهاني بأنهم 32 ملكا ولكن نولدكه المحقق والمؤرخ يعيب على رواية الأصفهاني لأخبار ملوك الأردنيين الغساسنة لأنها لا تتطابق مع الوقائع التاريخية كنَفيْ الملك الغساني المنذر وابنه النعمان وحروب المسلمين مع البيزنطيين والغساسنة كمعركتي اليرموك وتبوك، إضافة للسبب الذي أوردناه آنفا وهو طبيعة هيكلة الحكم عند الغساسنة القائمة على حاكم مركزي وحكام محليين يحملون لقب “ملك” مجازا فالملك الأردني الوحيد الذي حمل هذا اللقب من قِبل الإمبراطورية الرومانية هو الحارث بن جبلة.  ولهذا يورد نولدكه أن ملوك الأردنيين الغساسنة يبلغ عددهم 10 ملوك.

وبحسب تحقيق نولدكه المعتمد على المقارنة بين المصادر اليونانية والسريانية والرومانية، تم استخلاص العشر ملوك إضافة لسنين حكمهم كالتالي:

  • أبو شمر جبلة: حكم حوالي السنة 500 م تقريبا
  • الحارث بن جبلة: استمر حكمه من حوالي 529-569 م.
  • أبو كرب المنذر بن الحارث: حكم من سنة 569-582م.
  • النعمان بن المنذر: حكم من سنة 582- 583م.
  • الحارث الأصغر بن الحارث الأكبر. (مدة حكمه غير معلومة على وجه الدقة)
  • الحارث الأعرج بن الحارث الأصغر (مدة حكمه غير معلومة على وجه الدقة)
  • أبو حجر النعمان: حكم 583- 614 م.
  • عمرو (مدة حكمه غير معلومة على وجه الدقة)
  • حجر بن النعمان (مدة حكمه غير معلومة على وجه الدقة)
  •  جبلة بن الأيهم: حكم سنة 635م

وينبغي أن ننوه أن قائمة الملوك التي تبدأ من القرن السادس تُعنى بالفترة التي نضج فيها كيان الإمارة الأردنية الغسانية وانتقل إلى شكل ملكي أكثر تنظيما على يد أول من لُقّب بالملك أو ملك العرب، الملك الأردني الغساني الحارث بن جبلة عام 530. أما قبل ذلك، تؤرخ بدايات تأسيس حكومات محلية بقيادة الأردنيين الغساسنة إلى القرن الأول ميلادي.

ثانيا: الملوك

الحارث بن جبلة (529 -569م)

لُقّب الملك الأردني الحارث بن جبلة بالحارث بن أبي شمر وقد يكنى ابن مارية وهو من أشهر الملوك الأردنيين الغساسنة وأكثرهم ذكرا في النصوص والمصادر اليونانية والرومانية. تميز الملك الحارث بن جبلة بالذكاء والحنكة الكبيرين، لم يقدم تنازلا عن الحرية الدينية لشعبه، وأسس تحالفا مع البيزنطيين مبنيا على احترام الطرف الآخر لعقيدة المجتمع الأردني آنذاك (المونوفيزية).

منمنة (صورة تخيلية) تصور الملك الغساني الحارث وهو في خيمته

بلغت المملكة الأردنية الغسانية أوج اتساعها في عهد الملك الحارث بن جبلة حيث شملت البترا والبلقاء وصحراء الصفا (البادية الأردنية) وسهول حوران الأردنية.  وتكللت جهوده في النصر في معركتي عين أباغ ويوم حليمة ضد المناذرة والفرس. على إثر هذه الانتصارات منحه الإمبراطور البيزنطي جوستنيان لقب بطريق وهو لقب ديني/عسكري. كما منحه لقب “فيلارك” بمعنى رئيس ومن ثم منحه لقب “ملك” وغالبا ما يقترن اسمه بألقاب وصفات أخرى “كالحارث الأمجد والأشهر”.

يُحسب للملك الأردني الحارث بن جبلة دفاعه عن المذهب الديني (المونوفيزي) فرغم أنه يخالف المذهب الديني الرسمي للإمبراطورية البيزنطية إلا أنه استطاع تعيين أكثر من 89 أسقفا على امتداد المملكة الأردنية الغسانية، إضافة لعلاقته الجيدة مع الإمبراطورة البيزنطية ثيودورا، زوجة جوستنيان، التي كانت تدين بالمونوفيزية. وساهمت هذه العلاقة الوطيدة في خلق جو من التسامح الديني وإيقاف الاضطهاد الديني الذي كان سائدا من قبل. ولا تزال رسالته إلى القس يعقوب البرادعي شاهدة على العلاقة الوثيقة بينه وبين الأساقفة الذين عينهم.

فسيفساء للإمبراطور جوستنيان وزوجته ثيودورا

توفي الحارث سنة 569 وقد حكم قرابة أربعين سنة وتوقف ذكره في المصادر الكنسية وبدأ ذكر ابنه الملك المنذر بن الحارث.

المنذر بن الحارث (569-581)

كان  أبو كرب المنذر بن الحارث كوالده قائدا عسكريا محنكا إلا أن علاقاته مع البيزنطيين لم تكن دوما موفقة فقد كتب الإمبراطور جوستيان رسالة في عزله وانفصل حكمه ثلاثة سنوات وانقطعت العلاقات بينه وبين البيزنطيين.  ولكن البيزنطيين تراجعوا عن موقفهم عندما أدركوا استحاله الدفاع عن مصالحهم ضد الهجمات الفارسية والمناذرية دونه، وقد وجدوا أنفسهم مضطرين لاسترضاء المنذر الغساني بأي ثمن (نولدكه: 1933) . وبالفعل استطاع هزيمة المناذرة بعدما عقد البيزنطيين الصلح معه في الرصافة عند قبر القديس سرجيوس.

النقش اليوناني المكتشف في كنيسة موقع تل العميري قرب العاصمة عمان. ويقرأ النقش بأن الكنيسة رصفت بالفسيفساء في عهد المنذر ولشفاعة القديس جاورجيوس

وفي عام 580 وصل المنذر بن الحارث إلى القسطنطينية وكان رأسه مزينا بالتاج المُهدى إليه من الإمبراطور البيزنطي تيباريوس وهو أمر لم يحصل للملوك الأردنيين الغساسنة من قبله حيث كانوا جميعا يلبسون الإكليل فقط (شهيد: 1995)

ورغم العلاقات الحسنة التي أنشأها المنذر مع تيبريوس إلا أنها ضعفت عقب واقعة شهيرة. فعندما تقدمت القوات الغسانية والقوات البيزنطية لمحاربة الفرس وجدوا جسر نهر الفرات مقطوعا فاتهمه البيزنطيون بالخيانة والتآمر مع الفرس. طلب بعدها البيزنطيون الصلح فقعدوا معاهدة صلح عند قبر القديس سرجيوس في الرصافة في العراق. لم يدم هذا الحال كثيرا،  فقد حاول المنذر الغساني إعادة توطيد العلاقات مع البيزنطيين بشن حرب أخرى على المناذرة، فاتهمه البيزنطيون بتحدي الإمبراطورية والكنيسة.

وفي أثناء حضور المنذر الغساني لافتتاح كنيسة جديدة، اعتقله البيزنطيون ونقلوه إلى القسطنطينية ومن ثم نُفي إلى جزيرة صقلية هو وعائلته وكان قد حكم 13 سنة تقريبا.

 

النعمان بن المنذر

غضب أبناء المنذر، الملك الذي تم نفيه، وقادوا تحت حكم ابنه الأكبر النعمان حربا ضد الحامية البيزنطية في بصرى وغنموا منها غنائم عظيمة واضطروا الحامية لأن تتخلى عن ذخائرها الحربية وقد كانت ثاني أكبر حامية عسكرية بعد حامية دمشق (نولدكه: 1933) وليس من المعروف كم بقيت المملكة على هذا الحال إلا أنه يرجح أن الأمور بقيت هكذا لوقت طويل. في النهاية، خطط البيزنطيون لحيلة أوقعت النعمان، فقد طلبوا منه القدوم إلى العاصمة أنطاكية للصلح ومن ثم قبضوا عليه وحبسوه ونفوه إلى صقلية عند والده.

بعد سجن المنذر والنعمان دعت الحاجة للاجتماع تحت راية قائد أردني غساني جديد وكان الحارث الأصغر بن الحارث بن جبلة وأخ المنذر بن الحارث هو القائد الجديد. وعقبه عدة ملوك  آخرين ولكن حكمهم كان أكثر محلية ولم تتوافر المعلومات الكثيرة عن حقبتهم، سوى ما سجّله المؤرخ الألماني نولدكه عبر استخلاصه أسماء الملوك اللاحقين من الشعر العربي القديم وقد وجد عبر تحقيقه التاريخي ستة أسماء لملوك أردنيين غساسنة: الحارث الأصغر بن الحارث الأكبر، الحارث الأعرج بن الحارث الأصغر، أبو حجر النعمان: حكم 583- 614 م. ، عمرو، حجر بن النعمان، جبلة بن الأيهم،  حكم سنة 635م.

ومن المتفق عليه أن جبلة بن الأيهم هو آخر حاكم أردني غساني فِعْلي، اذ انتهى حُكمه بعد أن انفضت عنه القبائل الأردنية وهزمته بعد قتالها إلى جانب جيش خالد بن الوليد في معركة اليرموك عام 363 وقد رحل للقسطنطينية ومات هناك.

غادرت الأسرة الغسانية الحاكمة المشهد السياسي في الأردن كأسرة مالكة وانخرط أفرادها في المجتمع وفي الدولة الأموية من بعد ذلك، ويقول المؤرخون أن الفرع الحاكم من الغساسنة قد تفرقوا من بعد نفي المنذر فبعضهم انضم للفرس وبعضهم انتخب كحاكم محلي وبعضهم انسحب من المشهد السياسي والديني.

الخاتمة

إنَّ المُلوكَ رُعاةُ النَّاسِ حينَ لهُمْ … ما كانَ في الأرضِ من عِزٍّ وسُلطانِ

كُنْ خيرَ راع إذا استرعاكَ ربُّهمُ … إياهُمُ ولنا كُنْ خَيرَ ما ثانِ[1]

يلخص الملك والشاعر الأردني الحارث الأعرج، سادس ملوك الغساسنة، رؤية الحُكم لدى أسرة الأردنيين الغساسنة التي حكمت الأردن لمدة 4 قرون، وبالطبع لو انفضاض عقدها الاجتماعي مع القبائل الأردنية وفُقدانها للشرعية السياسية مع الوقت لاستطاعت أن تحكم البلاد لفترة أطول.

المراجع

  • العيسي، سالم (2007) تاريخ الغساسنة، ط1، دار النمير. دمشق: سورية
  • نولدكه (1933)، أمراء غسان من آل جفنة، المطبعة الكاثوليكية، بيروت: لبنان
  • Shahid, I. Byzantine and Arabs in the sixth century, Political and Military music (1995), VOL1, P1, Dumbarton Oaks, Harvard University.

[1] المصدر: الشعر في بلاط الغساسنة، الهزاع (1994) ص 153

الأردنيون الغساسنة: الملوك والنظام

المقدمة

استعرضنا في أبحاثنا السابقة من سلسلة الأردنيين الغساسنة جوانب مهمة من تاريخ وحضارة المملكة الأردنية الغسانية التي انطلقت من حوران الأردنية وتمركزت لاحقا في البلقاء. وفي هذا البحث نستكمل الحديث عن جانب مهم من جوانب الحضارة الأردنية الغسانية وهو جانب العمران.

لم يغفل الأردنيون الغساسنة عن التفنن في المعمار، فاقتبسوا الطرز البيزنطية ومزجوها مع الطرز الفارسية. وغالبا ما تركزت بناهم حول الكنائس والأديرة والمجامع الرهبانية. يتميز العمران الغساني الأردني بالفسيفساء، الفن الأردني الخالص الذي نراه جليا في الكنائس الأردنية.

أولا: المصادر الدينية

ساهمت الأديرة التي انتشرت في كل مناطق مملكة الأردنيين الغساسنة في عدة أمور أهمها “رسالة رؤساء الأديرة العرب” المكتوبة 570 ميلادي. فصحيح أن كل الأديرة كانت ذات عمران متميز، ومساحات زراعية واسعة ساهمت، بحسب الباحثين، في النهضة الزراعية والتجارية للبلاد، إلا أن الوثائق التي تركتها لنا الأديرة هي الكنز الثمين الذي سنتتبّع من خلالها طبوغرافية مملكة الأردنيين الغساسنة، وأماكن توزع الأديرة والكنائس.

وبالعودة لأهم وثيقة دينية حصلنا عليها، تُعد وثيقة رؤساء الأديرة العرب نصا دينيا يمثل جوهر الإيمان الأرثوذكسي (المونوفيزي) (خلف:2008) فالأردنيون الغساسنة كانوا مسيحيين على المذهب الذي يؤمن بالطبيعة الواحدة للمسيح وكانوا مخلصين دافعوا طوال الأربع قرون عن حريتهم في ممارسة تعاليم مذهبهم. ويُرجع مؤرخو الكنيسة الفضل للملك الأردني الحارث بن جبلة لعدم ضياع هذا المذهب.

تكمن أهمية هذه الوثيقة بكونها تحمل توقيع 137 رجل دين، أغلبهم من رتبة الأرشمندريت (رئيس دير) وعدد قليل من الشمامسة والكهنة. (خلف: 2008)

تمنحنا هذه التواقيع تأكيدا على أن الأردنيين الغساسنة عرفوا اليونانية إلى جانب السريانية والعربية. فهناك 18 قس وقعوا باليونانية و34 وقعوا بالسريانية وواحد لا يجيد الكتابة وأكثر من خمسين وقعوا بالنيابة (خلف: 2008) وكان التوقيع الشخصي يرفق باسم الدير وموقعه.

ثانيا: البناء على طول خط التجارة

خريطة الطريق العربي الغربي وهو طريق تجاري استحدثه الأردنيون الغساسنة وكانوا مسؤولين عن حمايته. المصدر:
Shahid. E (2009) Bazantinum and Arab in the sixth century

كنّا قد تناولنا في بحث منفصل عن طرق التجارة الأردنية الغسانية كيف عمل الأردنيون الغساسنة على استحداث ثلاثة طرق تجارية جديدة متفرعة عن طريق الحرير التجاري الرئيس. كانت الطرق الأردنية الثلاثة (طريق وادي السرحان – الطريق البحري – الطريق العربي) تمر بأهم المدن والحواضر الأردنية وقد دعت الحاجة حينها لبناء الأديرة على طول هذه الطرق. ونتيجة لهذا الامتداد التجاري الواسع إضافة لكون الأردنيين الغساسنة يضطلعون بمهمة حماية القوافل التجارية وتأمينها؛ اتصفت الأديرة على طول هذه الخطوط بأنه أشبه ما تكون بقلاع منيعة مسورة وأبراج عالية للمراقبة. (خلف: 2008)

ثالثا: الأديرة الغسانية

إن كانت تلك المدن والحواضر قد اندثرت آثارها اليوم فهي مذكورة في الوثيقة الرسمية التي ترجمت من السريانية إلى اللاتينية من ثم إلى العربية، ولو اختلف رسم الأسماء بشكل أو بآخر كان من السهل أن نتتبع مواقع الأديرة الأردنية الغسانية وذلك لأن كثير من المدن والقرى الأردنية لا زالت تحمل اسمها من العهد الأردني الغساني وحتى الآن. وسنستعرض تاليا أسماء الأديرة في المدن والقرى الأردنية التي وقع رؤساؤها على وثيقة “رؤساء الأديرة العرب”

طورا حرثا (دير جبل الحارث)

آثار قويلبة “أبيلا” في حرثا إحدى مدن الديكابولس الأردنية

تكريما للملك الأردني الغساني الحارث بن جبلة، سميت منطقة حرثا باسمه، أما طورا حرثا فهي الاسم السرياني لدير جبل الحارث. (خلف: 2008) ويعتقد أن هذه المدينة امتدت بشكل واسع شمالا في سهول حوران الأردنية.

وحرثا اليوم قرية في أقصى شمال الأردن وتتبع للواء بني كنانة. وتحوي واحدة من أهم مدن حلف الديكابولس الأردنية: مدينة أبيلا أو كما تسمى اليوم (قويلبة).  وبحسب الأبحاث والدراسات المستمرة على المنطقة يُعتقد بأنّ المدينة الحالية مبنية على مدينة كاملة مدفونة.

حريمايا (حوش حريمة – دير حريمايا)

سهول حريما الخضراء

تعني حريمايا الدير المقدس. وقد وقع رئيس ديرها القس جرجس على الوثيقة. وحريما اليوم قرية أردنية تبعد 10 كلم شمال مدينة إربد وتتبع للواء بني كنانة.

عقربا (دير مار اسطفانوس دير الأباتي تيطس)

عقربا المطلة على نهر اليرموك

ديرين في مدينة واحدة، فلا بد أن تكون عقربا ذات أهمية ومكانة خاصة لتحوي ديرين بحسب الوثيقة. أما اسمها “عقربا” فهي صيغة آرامية لكلمة “عقرب” العربية. (خلف: 2008) وهي اليوم إحدى قرى الكفارات في إربد تطل على نهر اليرموك وتتبع إداريا للواء بني كنانة .

حوارة (دير برج حوارة)

لافتة بلدة حوارة في إربد

وقع على الوثيقة القس مار بولس رئيس دير برجا حوارة (برج حوارة). وحوارة اليوم مدينة أردنية عامرة تبعد 4 كلم شرق مدينة إربد.

 جديراثا (دير جديراثا)

إطلالة على آثار أم قيس

جديرا أو جدارا، مدينة أم قيس الشهيرة بآثارها. جدارا إحدى مدن الديكابولس الأردنية وتقع في الشمال. تحتوي على كنيسة قديمة، وقع عن الدير فيها (يوحنا) بالنيابة عن القس مار إيليا رئيس الدير. (خلف: 2008)

كفر جوزا (دير كفر جوزا)

سهول كفر جايز الخضراء

لا توجد قرية أو مدينة تسمى حرفيا بمثل هذا الاسم ولكن من الأرجح أنه قد تم تحويره ليصبح “كفر جايز” وهي حاليا قرية من قرى شمال غرب إربد. وقد وقع بالنيابة الشماس أيوب رئيس دير كفر جوزا.

عين جرا (دير عين جرا)

يُرجح أن عين جرا هي الاسم الأصلي لعنجرة وهي بلدة أردنية تقع في لواء قصبة عجلون. وقد وقع الشماس بولس على وثيقة رؤساء الأديرة العرب بالنيابة عن الدير فيها.

دير كيفا

تحمل اسم كيفا قرية “كفر كيفيا” في إربد. وكيفا كلمة سريانية تعني الصخرة وهي اسم لبطرس الرسول. (خلف: 2008) والقرية مشتهرة بآثارها القديمة ويرجح أن الدير كان موجودا ولكنه اندثر.

أفا (أيوبا -دير أيوبا)

أفا كلمة سريانية وعند كتابتها بالعربية تقلب الفاء باء.  وتحمل “كفر يوبا” اسما قريبا معدلا عن “ايوبا”. وهي  قرية أردنية تعد من أكبر قرى إربد وتبعد عن الوسط 3 كلم. وقد وقع على الوثيقة القس نطيرو رئيس دير أيوبا.

غسانيا (دير غسانيا)

أما في سهول حوران الأردنية فيمتد تل غسان الذي سمي نسبة للغساسنة الأردنيين وفي الموقع مغاور وكهوف تعود للعصر النبطي والروماني والغساني إضافة لبقايا معاصر عنب وزيتون وبرك مياه وقنوات وآثار طرق قديمة (خلف:2008)، ولكن لا أثر للدير فيعتقد أنه تهدم بفعل عوامل الزمن واندثر ولكن آثار الموقع تدلل على أهميته. وقد وقع القس يوحنا رئيس دير غسانيا بالنيابة عن مار إيليا رئيس الدير.

بهذا نكون قد استعرضنا الأديرة المذكورة وفقا لوثيقة رؤساء الأديرة العرب السريانية. ويدل هذا الانتشار الكثيف للأديرة على أهمية المواقع التي بنيت فيها وعلى ازدهار العمران الديني لدى الأردنيين الغساسنة.

رابعا: الكنائس

كنيسة القديس سرجيوس في الجابية

الجابية عاصمة الأردنيين الغساسنة الأولى ومن المفترض أن تحوي عدة كنائس ولكن وثيقة رؤساء الأديرة العرب لم تذكر سوى كنيسة واحدة تدعى كنيسة القديس سيرجيوس أو سرجس (شهيد: 2002) وهي كنيسة بنيت لتمجيد ذكرى الشهيد القديس سرجس أو سركيس شفيع الغساسنة والذي تتوسط أيقونته الشعار الحربي للأردنيين الغساسنة.

شعار المملكة الغسانية وفي المنتصف أيقونة القديس الشهيد سركيس

كنيسة بيت غسان

يصلنا ذكر هذه الكنيسة من كتابة “الإصابة في تمييز الصحابة” لكاتبه العسقلاني وفيه يذكر “ابن أرطبان” ويزيد على أن أرطبان ” هو شماس كنيسة بيت غسان” ولا تذكر مصادر أخرى هذه الكنيسة (شهيد: 2002)

كنيسة يوحنا المعمدان

يدلنا نقش ثنائي اللغة وجد في حرّان (منطقة في سهول حوران الأردنية) على وجود كنيسة بناها “شراحيل بن ظالم” لتمجيد القديس يوحنا المعمدان عام 463. ويمنحنا هذا النقش تصورا عن طبيعة الحكم لدى الغساسنة حيث من الواضح أن شراحيل كان فيلارخا (أي أميرا) غسانيا ولكنه غير مذكور خارج هذا النقش ولا في أي مصدر آخر. (شهيد: 2002)

كنيسة نجران

يذكر معجم البلدان وجود عدة مناطق تحمل اسم نجران واحدة في سهول حوران الأردنية والثانية في جنوب الجزيرة العربية. والأرجح أن الكنيسة المقصودة هي في نجران حوران الأردنية. كان أهالي نجران يعتنقون ذات المذهب المسيحي الذي يعتنقه الأردنيون الغساسنة ولذلك نشأت روابط قوية بينهما (شهيد:2002)  ذكر ياقوت الحموي  وجود “بيت” أي كنيسة في نجران وقد مدح جمال هذه الكنيسة وروعة مذبحها، فيقول هي بيعة عظيمة عامرة حسنة مبنية على العمد الرخام منمّقة بالفسيفساء وهو موضع مبارك[1]

كنائس جلق

جلق مدينة من مدن حوران الأردنية – تقع في الأراضي السورية حاليّا- وكانت بمثابة عاصمة أخرى من عواصم الأردنيين الغساسنة ويأتي ذكر كنائس جلق من شعر يزيد بن معاوية حيث يقول واصفا محبوبته بأنها تبيت في “بِيَع جمع بيعة وهي الكنيسة”  ويصفها بأن ذات قباب ويحفها الزيتون (شهيد: 2002)

نزهة حتى إذا بلغت … نزلت من جلق بيعا

في قباب وسط دسكرة … حولها الزيتون قد ينعا [2]

كنائس حوارين (إيفاريا)

حوارين قرية من قرى سهول حوران الأردنية وكانت تسمى إيفاريا. ومن المؤكد أن إيفاريا احتوت على كنيسة واحدة على الأقل بدلالة أن القس يوحنا (519) قس إيفاريا كان من أوائل القساوسة عند الأردنيين الغساسنة. كما تذكر المصادر أن المنذر ذهب لإيفاريا لافتتاح كنيسة  (شهيد: 2002)

كنيسة تل العميري

النقش اليوناني المكتشف في كنيسة موقع تل العميري

كشفت التنقيبات في موقع  تل العميري عن كنيسة أثرية تعود للعهد الغساني. موقع تل العميري أحد المواقع الأثرية الشهيرة ويقع قرب منتزه عمّان القومي في العاصمة وهو منطقة مأهولة بالبشر منذ العصر الحجري. يذكر النقش الذي تم اكتشافه أنه تم رصف مقام القديس سرجيوس ( سركيس)، شفيع الأردنيين الغساسنة بالفسيفساء، وبأن هذا العمل مهدى للملك الأردني الغساني المنذر بن الحارث. ويخلد النقش أيضا بناء الكنيسة التي تم التنقيب عن آثارها حديثا ليتم الكشف عن صحنها وخزان ماء وعدة مرفقات أخرى.

صورة جوية لكنيسة تل العميري الأردنية الغسانية

ترجمة النص عن اليونانية: “يا رب ، تقبل قربان المتبرع صاحب الكتابة ، عبدك موسيليوس و أبناءه
يا رب يسوع المسيح ، إله القديس سرجيوس ، احمي القائد بالغ التعظيم المنذر
يا إله القديس سرجيوس ، بارك خادمك أوزيبيوس وأبناءه!
يا إله القديس سرجيوس ، بارك ابنك يوانيس مع زوجته وأولاده!
يا إله القديس سرجيوس ، بارك خادمك عبد الله وديونيسيوس و [- – -]!
في عهد الأسقف بوليوكتوس ، المحبوب من الله ، تم رصف هذا الضريح للشهيد القديس سرجيوس بالفسيفساء بسعي من ماري ، ابن ربوس ، الكاهن الأكثر تقوى ، وجورجيوس الشماس ، وسابينوس وماريا. في شهر أبريل في وقت [..].” [3]

إشكاليات تاريخية

طرح العديد من الباحثين في علوم الآثار قضية أن الآثار والقصور الأموية تعود في الحقيقة للأردنيين الغساسنة. تم الاستدلال على هذه الفكرة بأسلوب المعمار والزخارف والرسوم التي تزين القصور. ومن المعلوم أن العادة جرت على تحويل المباني إلى اسم ودين الحاكم الجديد. فالمعابد الوثنية تم تحويلها لكنائس عند تحول الإمبراطورية الرومانية للمسيحية، والكنائس المسيحية تم تحويل الكثير منها لمساجد عند سيطرة الحكم الإسلامي عليها.

قصر المشتى أحد أهم القصور في البادية الأردنية

قصر المشتى أحد أهم القصور الصحراوية في الأردن والشهير بالواجهة المزخرفة التي قام الاحتلال العثماني بنزعها واهدائها للقيصر الألماني تماشياً مع سلوك ادارة المزرعة بتلك الحقبة المظلمة من تاريخ الأردن، ما زال هذا القصر يثير الجدل إلى الآن. فيرى المؤرخان كبرنوف ونودلكه أن القصر غساني ويعود للقرن السادس الميلادي، أما سترزغوتسكي  فيرى أنه يعود للقرن الثالث أو الرابع الميلادي، وجانسن وسيرغناك يقولان بأنه غساني أو لخمي (مناذري).

يواجه الباحثون قضية أخرى متعلقة بكل الآثار الرومانية المبنية ضمن حقبة حكم الأردنيين الغساسنة. فالمدرج الروماني والكنائس البيزنطية ككنيسة الخارطة في مادبا، كل الآثار التي بنيت على أرض الأردن في تلك الفترة تطرح سؤالا مهما. وقد ثبت أن الأردنيين بمختلف تنوعهم السكاني (القبائل الأردنية في البادية والحضر – إدوميين – أنباط – غساسنة … الخ) قد بنوا هذه المباني والآثار فلماذا ما زالت تُنسب حتى الآن إلى الرومان أو البيزنطيين والأمويين أحيانا أخرى؟

خارطة مادبا الفسيفسائية

من المتعارف عليه أن المناطق الواقعة تحت النفوذ الروماني ستتبع الأسلوب الروماني في البناء، وفي أفضل الحالات سيؤدي التلاقح الحضاري لاقتباس بعض السمات المعمارية كما هو الحال مع الخزنة في البترا المبينة على الطراز الروماني. وعلى هذا، صحيح أن المدرجات والكنائس الأردنية القديمة مبنية على الطراز الروماني إلا أنها وبكل تأكيد بنيت بأيد أردنية، وباتت تستحق استعادة هذا النسب وإعادة تدقيق الوصف والمُسمى الأثري والتاريخي لها.

الخاتمة

استعرضنا في هذا البحث المصادر التي اعتمدنا عليها في تتبع الأديرة والكنائس الأردنية الغسانية. الكثير من العمران يثبت مدى التفوق والرقي والاهتمام الكبير الذي أولاه الأردنيون الغساسنة لهذا الجانب الثقافي من حضارتهم التي امتدت لأربعة قرون.

المراجع

  • Shahid, (1995) Byzantium and the Arab in sixth century, VOL.2, Part 1, the Toponymy, monuments and historical geography, Dumbarton Oaks Research library: Washington D.C
  • خلف، تيسير، كنيسة العرب المنسية (2008) دار التكوين، دمشق: سوريا
  • واجهة قصر المشتى.. تحفة فنية أردنية في برلين، صحيفة الدستور، نوفمبر 2015

[1] ياقوت الحموي، معجم البلدان الجزء الخامس، الصفحة 270

[2]  السيوطي، تاريخ الخلفاء، الجزء الأول، ص 159

[3] حقوق الترجمة محفوظة للباحث تيسير خلف.

العمران الأردني الغساني

مقدمة

تحّدثنا في بحثنا  السابق “الدين عند الأردنيين الغساسنة: مدخل عام” عن الحالة الدينية السائدة في الأردن وما حولها. وعن الثلاث طوائف مسيحية التي تشاركت الوجود ككيانات دينية وسياسية منفصلة. فالغساسنة مونوفيزيون والبيزنطيون ميافيزيون أما المناذرة فاعتنقوا النسطورية. ورغم أننا ربطنا في البحث الأول الدين بالأحداث والمجريات السياسية كان لا بد لنا من وقفة على الآثار الاجتماعية والحضارية للمسيحية عند الأردنيين الغساسنة.

مسيحية الغساسنة

في القرون الميلادية الأولى، كانت الإمبراطورية الرومانية تمارس اضطهادها الديني على المؤمنين بالمسيحية عدا عن الظلم والاستبداد ومحاولات فرض الولاية والسيطرة بالقوة. في تلك الأثناء خرجت من رحم الصحراء الأردنية الشرقية الملكة ماوية، قادت القبائل الأردنية وأغارت على الحاميات الرومانية في الأردن ولبنان وسورية وفلسطين وحتى مصر. أرعبت قوة الملكة وجيوشها الأردنية القوات الرومانية فاضطروا لعقد صلح معها.

تصوير كنسي للملكة الأردنية المحاربة ماوية

اعتنقت الملكة المحاربة المسيحية على يد القديس يعقوب البرادعي وكانت أولى شروطها أن يتولى القديس البرادعي أسقفية القبائل الأردنية وتلاه صديقه القديس ثيودور وتولى الجزء الغربي من الأردن بالتعاون مع الأردنيين الغساسنة. سرعان ما انتشر المذهب اليعقوبي (نسبة ليعقوب البرادعي) في المنطقة فاعتنق المذهب معظم الأردنيين في سهول حوران الأردنية والبلقاء وما حولها.  تمسك الغساسنة بشدة بهذا المذهب ودافعوا عنه بغيرة وإباء أمام محاولات الإمبراطورية البيزنطية لتحويلهم عنه.

صورة للقس البرادعي الذي عينته الملكة ماوية وكان مسؤولا عن المذهب المونوفيزي في الشرق

يورد الباحث تيسير خلف ترجمة لرسالة بعثها الملك الغساني الحارث بن جبلة إلى القديس يعقوب البرادعي يناقش فيها آخر انتصاراته :

رسالة البطريق الأمجد “الحارث بن جبلة ” للقديس يعقوب البرادعي

أود أن أعلمكم يا صاحب الغبطة أن الله والقديسة مريم باركا سفري وغمراني بنعمة النجاح في ما عزمت عليه من أعمال، وعندما كنت استعد لمغادرة العاصمة حدثني الأسقف مار بولس رئيس الدير الكبير(الأرشمندريت) بالأمر الذي سبق أن ناقشه معك، والذي كتب بخصوصه إليك. وقال لي إنه أرسل لك ثلاث رسائل بهذا الشأن، وأود أن أخبر غبطتكم أنه إذا لم تستطيعوا إرسال الرسائل والأشخاص المكلفين بتنفيذ ما أمرتم به، أو إذا منعتكم الظروف من الحضور إلينا، بإمكانكم إرسال الرجال المعنيين محملين بالرسائل، وأطلب من الله أن يساعدني على إنجاز الأمور حسب إرادته، ولهذا يجب اختيار الأشخاص المؤهلين لهذه المهمة”[1].

وتتوضح العلاقة القوية بين القديس البرادعي وأهم ملوك الأردنيين الغساسنة الحارث بن جبلة في هذه الرسالة. إذن، من عند الملكة الأردنية ماوية بدأت الحكاية ولكن في ذات الوقت الذي كانت الملكة ماوية تغذ الخُطا بشجاعة نحو القوات الرومانية، وُجد قديسون آخرون، كانوا ملهمين وحاضرين في الوجدان الغساني كرموز دينية لا تُنسى.

وقد كانت الممالك المسيحية الثلاث (الغسانية الأردنية والمناذرية والنجرانية) تتبارى في تكريس جهودها للحفاظ على مذاهبها ونظامها الكنسي وكان الأردنيون الغساسنة يتصدرون المقدمة حيث أن المناذرة اعتنقوا المسيحية في وقت متأخر من القرن السادس ميلادي بينما كانت نجران مدينة صغيرة معرضة لتهديد مستمر ممّن حولها حتى الوقت الذي انضوت فيه تحت الراية الغسانية.

التعاليم والطقوس

امتاز الأردنيون الغساسنة بإحساسهم الديني الحار، فتعج المصادر والتقاويم الكنسية باحتفالاتهم وأعيادهم وأيام صومهم. كان الغساسنة يعظمون الصيام إذ صاموا الصيام الكبير(أربعين يوما) إضافة لأيام العذراء مريم. ويذكر الأب قاشا في كتابه “صفحات من تاريخ المسيحيين العرب قبل الإسلام” أن الكنائس كثرت في بلاد الغساسنة وأن صوت أجراس الكنائس كان يتردد في كل مكان وعليه يورد بعض الأشعار التي تغنى فيها الأدباء بصوت نواقيس كنائس بلاد غسان:

حنت قلوصي بها والليل مطرق

بعد الهدوّ[2] وشاقتها النواقيسُ[3]

ومما ذكر في الشعر العربي القديم عن احتفالات الأردنيين المسيحيين بعيد الفصح قول حسان بن ثابت:

قد دنا الفصح فالولائد ينظمن

سراعا أكلة المرجــان

يتبارين في الدعاء إلى الله

وكل الدعاء للشيطان  (أي كل الدعاء واللعنات على الشيطان )

 ذلك معنى لآل جفنة[4] في الدير

وحق تصرّف الأزمان

صلوات المسيح في ذلك الدير

دعاء القسيس والرهبان[5]

وفي عيد الشعانين[6] الذي كانوا يسمونه “يوم السباسب[7]” أنشد النابغة الذبياني واصفا الأردنيين الغساسنة أثناء احتفالهم:

رقاق النعال طيب حجزاتهم

يحيون بالريحان يوم السباسب

ومن الأعياد الأخرى التي تذكرها كتب التاريخ القديمة، عيد “السُبّار” وهو عيد تبشير جبريل (ع ) للسيدة مريم (ع) بحملها بالمسيح (ع). وعيد “القلنداس” وهو عيد الأسبوع الأول بعد ولادة السيد المسيح (ع). وعيد “الدِنح” وهو عيد ظهور السيد المسيح (ع) لبني إسرائيل. وعيد “السُلاق” وهو يوم تسلق المسيح إلى السماء.

ومن شدة اهتمام الأردنيين الغساسنة بهذه الأعياد الدينية كانوا يحيكون لها ملابسا خاصة. فعرف عندهم ثوب ” الإضريح” وهو ثوب من قماش خاص مصنوع من صوف الماعز يلون باللونين الأحمر أو الأصفر (قاشا: 2005)

الرهبنة عند الغساسنة

كان النظام الكنسي الذي أسّسه وحافظ عليه الغساسنة نظاما يتماشى مع الأسس العامة للديانة المسيحية. فقد أنشأوا كما أسلفنا الأديرة والكنائس وكان الراهب يعيش حياته محتذيا بالمسيح (ع) ويهبها لفعل الخيرات والعبادة.

ولا تختلف التقاليد التي اتبعها مسيحيو الأردن من الغساسنة عن التي يتبعها مسيحو اليوم. فقد تولّى الراهب أو الأسقف تقاليد الاعتراف، وحفلات العماد والزواج والتكريسات الدينية والقداس.

كما اهتم الأردنيون الغساسنة ببناء الأديرة والبِيَع (جمع البِيعة وهي الكنيسة) ليس فقط في الأردن وسوريا إنما وصلوا إلى مصر. فيذكر أنهم عقب انتصارهم على المناذرة عام 554 أعادوا بناء كنيسة سانت كاترين الواقعة على جبل في سيناء.

صورة حديثة لدير سانت كاترين في سيناء، والدير مبني على أنقاض كنيسة جددها الأردنيون الغاسسنة واعتنوا بها

عرف الرهبان الغساسنة عدة أنماط سكنية، ظل بعضها صامدا على أرض وطننا الأردن حتى الآن. يعدُّ البرج أو “الأسطوانة” من أبرز المباني الدينية عند الرهبان الأردنيين الغساسنة. يحوي موقع أم الرصاص الأثري أقدم برج من هذا النوع، وهو الوحيد الذي صمد رغم الزلازل التي ألمّت بالمنطقة. في تلك الفترة انتشرت ظاهرة التعبد عبر الخلوة والانقطاع عن الأمور الدنيوية وقد بني البرج لخدمة هذا الهدف فهو في تجمع كنسي محاط بحصن وبارتفاع 15 متر. وكان القديس سمعان العمودي هو من بدأ هذه الطريقة في الرهبنة وسميت فيما بعد الرهبنة العمودية.

البرج أو الأسطوانة الباقية في مجمع كنائس أم الرصاص في الأردن

ومن المباني الدينية الأخرى التي اشتهرت هي “الأُكيراح” وهي مبان لاحتفال الرهبان بالأعياد الدينية. وهنالك “التامور أو التأمور” وهو مبنى منعزل للتعبد. و”الدير” و”الصرح” و”الركح” و”الصومعة” “والطربال” و”العُمر” و”القلاية” و”القوس” و”الكرح” و”الناموس” وقد ذكرت كل هذه المباني ذكرا في الأدبيات القديمة دون الوصول لآثار حقيقية ملموسة لها. (شيخو: 2011)

القديسون والأساقفة

منذ القدم، ترسخت في نفوس أبناء الأردن الحرية والصمود وقول كلمة الحق أمام الظلم والطغيان. في سيرة القديسين والشهداء المسيحيين الأردنيين الغساسنة أمثلة لا تضاهى. فهنالك شهداء وادي فينان وشهداء فيلادلفيا يوليانوس وإفبولوس وملكامون وغيرهم. ومن البترا نجد تمجيدا للقديس أثينوجينوس وأمه الناسكة ذامياني والقديس بولس أسقف رايثو، البترا. والقديس زكا الشماس وهو من أم قيس. والقديس بطرس من بيت راس والقديس جراسيموس الأردني. لا يمكن لنا أن نلمّ بكل شهداء الأردن في العصر الغساني الذي شهد اضطهادا دينيا واسع المدى، ولكننا نمجد بالطبع ذكرى هؤلاء الشهداء بوصفهم شهداء وطن، ومدافعين أصيلين عن حرية الرأي والاعتقاد المنسجمة بالفطرة مع جوهر الروح الأردنية.

القديس جراسيموس الأردني

تذكر المصادر التاريخية العديد من القديسين والأساقفة بتفصيل أكبر متناولة حياتهم ومساهماتهم وقصصهم. وفيما يلي استعراض لأهم القديسين في عهد الأردنيين الغساسنة.

القديس إليان العمّاني 

تصوير للقديس إيليان العمّاني

من فيلادلفيا انطلقت تمجيدات القديس الأردني إيليان العمّاني الذي استشهد بعد رفضه تقديم القربان للإله خرونس في جرش. كان للقديس العمّاني دكان قرب كنيسة جرش يحيك فيها الثياب وعندما بدأ الإمبراطور ماكسيموس (245- 313) بجمع الناس لاضطهادهم وإجبارهم على تقديم القرابين كان القديس من ضمنهم ورفض ذلك فقيّدوه، وتذكر الروايات الدينية عدة معجزات على تحرر القديس من قيوده وعلى نطق الوثن أمامه. استشهد القديس في الثامن والعشرين من تشرين الثاني حافرا اسمه في سجل شهداء الأردن المبجّلين. [8]

 

القديسان زينون وزيناس

(القديسان زينون وزيناس، من رسم جداري في كنيسة الراعي الصالح في مركز سيدة السلام، عمان، الأردن)

في عهد الإمبراطور ميكسيمانوس الذي أمعن في الاضطهاد الديني وفي منطقة زيزياء جنوب عمان، وقف زينون أمام ظلم الإمبراطور وإجباره للشعب على الوثنية. أما زيناس فهو خادم وتلميذ زينون وقد عذبا بطريقة وحشية ونالا “إكليل الشهادة والخلود” سويا. سطر القديسان مثالا في القوة والصمود يحتذي به الأردنيون حتى اليوم. [9]

تصوير آخر للقديسين زينون وزيناس

الأسقف  ثيودور (540-570)

الأسقف ثيودور هو أحد الأساقفة الأكثر شهرة، فقد تولى أسقفية المملكة الغسانية في أوج ازدهارها في عهد الحارث بن جبلة. كان الأسقف ثيودور صديقا للقديس يعقوب البرادعي الذي ولته الملكة الأردنية ماوية على مسيحيي البادية الأردنية وما حولها. بشّر ثيودور بالمذهب اليعقوبي المونوفيزي وكان يبعث بالرسائل إلى شيوخ وملوك الحواضر والمدن الأخرى. وكان ملتزما بحضور المجامع الدينية الكنسية للتوفيق بين المذاهب المسيحية ، كما لعب دورا حاسما في حركة الثالوثية التي حاربت المذاهب التي ترفض الطبيعة الإلهية للمسيح.

ناقشت العديد من الكتب السريانية اللاتينية والآرامية حياة الأسقف ثيودور بشيء كبير من التفصيل ومؤخرا ترجمت بعض الرسائل التي كتبها هو أو كتبت له نقلا عن السريانية والآرامية، وتعد الرسالة التي بعثها الملك الغساني الحارث بن جبلة إلى القس يعقوب البرادعي من أهم الرسائل التي تذكر حكمة ومكانة القس ثيودور:

وفي هذه المناسبة، أبلغ غبطتكم عن موضوع آخر، وهو أن طيّب الذكر ثيودور بابا الإسكندرية تفضّل وتحدث معي حول موضوع مار بولس رئيس الدير الكبير (الأرشمندريت)، فكنت في غاية السرور، و حمدت الله فقد تحدثت معه وجهاً لوجه واستفدت منه كثيراً، وبتنفيذي للأمور التي أمرتموني بها، أرجو أن أكون أهلاً لصلواته” [10]

القديسان سركيس وباخوس

شعار المملكة الغسانية وفي المنتصف أيقونة القديس الشهيد سركيس

على الشعار الحربي للقوات الغسانية نرى أيقونة رجل محاط بهالة نورانية؛ إنها أيقونة القديس سركيس أو سرجيوس. في القرن الثالث ولد القديسان سركيس وباخوس. في ذلك الوقت كانت الاضطرابات الدينية تسود المنطقة، المسيحية لا زالت دينا حديث الانتشار والإمبراطورية الرومانية تقوم بتعذيب معتنقيه بصورة بشعة ووحشية.

أيقونة قديمة للقديسين سركيس وباخوس وفي المنتصف ترتسم صورة المسيح- المصدر: وكيبيديا

أما القديسان فكانا في الجيش عندما امتنعا عن تقديم الأضاحي والقرابين للإله مركوري (المشتري) تبعا للتقاليد الوثنية في الإمبراطورية الرومانية وعندها اكتشف قائد الجيش اعتناقهما للمسيحية فعذبهما طويلا بغية جعلهما يرتدان عن المسيحية ولكنهما صمدا. استشهد القديس باخوس  في البداية وظل القديس سركيس يتعرض للاضطهاد حتى عرف القائد الروماني بأنه لن يرتد مهما فعل فقطع رأسه في مدينة الرصافة في العراق.

أيقونة تخيلية لمشهد استشهاد القديسين على يد القوات الرومانية- المصدر: موقع بطريركية أنطاكية

بنيت أول كنيسة لتكريم ذكراهما في سهول حوران الأردنية في مدينة الجابية عاصمة الغساسنة الأولى. وبنيت كنيسة أخرى في مدينة بُصرى في القرن السادس ميلادي. كذلك كنيسة أم الرصاص التي تسمى “كنيسة التوأم” لأنها كنيستين في كنيسة واحدة وقد بنيت في عهد الغساسنة في القرن السادس ميلادي تحديدا عام 586.

كنيسة القديس سرجيوس أو سركيس المبنية على أنقاض كنيسة غسانية قديمة. تحوي الكنيسة أقدم خارطة فسيفساء في العالم للأردن وفلسطين- أم الرصاص الأردن

 

ومن الكنائس الأردنية القديمة التي كرست للشفيع كنيسة أثرية في تل العميري، قرب منتزه عمّان القومي في العاصمة. وتل العميري منطقة مأهولة بالبشر منذ العصر الحجري، يذكر النقش اليوناني المكتشف هناك أنه تم رصف مقام القديس  سرجيوس (سركيس)، شفيع الأردنيين الغساسنة، بالفسيفساء وبأن هذا العمل مُهدى للملك الأردني الغساني المنذر بن الحارث. ويخلد النقش أيضا بناء الكنيسة التي تم التنقيب عن آثارها حديثا ليتم الكشف عن صحنها وخزان ماء وعدة مرفقات أخرى.

النقش اليوناني المكتشف في كنيسة موقع تل العميري

ترجمة النص عن اليونانية: “يا رب، تقبل قربان المتبرع صاحب الكتابة ، عبدك موسيليوس و أبناءه
يا رب يسوع المسيح ، إله القديس سرجيوس ، احمي القائد بالغ التعظيم المنذر
يا إله القديس سرجيوس ، بارك خادمك أوزيبيوس وأبناءه!
يا إله القديس سرجيوس ، بارك ابنك يوانيس مع زوجته وأولاده!
يا إله القديس سرجيوس ، بارك خادمك عبد الله وديونيسيوس و [- – -]!
في عهد الأسقف بوليوكتوس ، المحبوب من الله ، تم رصف هذا الضريح للشهيد القديس سرجيوس بالفسيفساء بسعي من ماري، ابن ربوس، الكاهن الأكثر تقوى، وجورجيوس الشماس، وسابينوس وماريا. في شهر أبريل في وقت [..].”

صورة جوية لموقع تل العميري الأثري

عظّم الأردنيون الغساسنة القديس سركيس كثيرا ووضعوا أيقونته على شعارهم الحربي. مثّل القديس الشهيد بالنسبة لهم “شفيعا” دينيا واستعانوا بذكراه للصمود أمام أعدائهم في الحروب. وتذكر المصادر التاريخية التي كتبها القساوسة باللاتينية أو السريانية أن ملوك الغساسنة وحتى المناذرة والفرس احترموا قبر الشهيد سركيس وكانوا يلتزمون بحضور القداسات والاحتفالات الدينية. ويقول الشاعر جرير واصفا ارتباط الأردنيين الغساسنة بذكرى القديس الشهيد:

يستنصرون بمار سرجيس وابنه

بعد الصليب ومالهم من ناصرِ[11]

لعب قبر القديس الشهيد في الرُّصافة دورا هاما في التاريخ السياسي الغساني. فعندما بدأت العلاقات الغسانية البيزنطية تأخذ منحى سيئا عقب موت الملك الغساني الحارث وتولي ابنه المنذر، كان قبر القديس المكان الذي اختاره المنذر الغساني لقبول طلب الصلح الذي قدمه البيزنطيون في القرن السادس.

القديسان قزمان ودميان

قصة القديسان قزمان ودميان إحدى القصص المؤثرة التي ظلت محفورة في ذاكرة الأردني الغساني. فقد ربتهما أمها ثاؤذتي الشهيدة على حب الخير فأصبحا طبيبان يعالجان الفقراء والمحتاجين بالمجان. استشهدا هما وأختيهما وأمهما على يد الإمبراطور دقلديانوس وكانت أول كنيسة تمجد لذكرى هذين الطبيبين في جرش، سنأتي على ذكر قصة القديسين لاحقا بشيء من التفصيل في فصل المرأة الغسانية والدين لأن ذكر القديسين اقترن دوما بقصة والدتهما الشهيدة ثاؤذتي.

إطلالة على كنيسة القديسين

القديس ( جاورجيوس ) 

القديس جرجس ( جاورجيوس ) رمز مسيحي مشهور حول العالم ولكن قصته لم تكن لتنطلق للعالمية لولا التمجيد الذي حظي به عند الأردنيين الغساسنة. يشابه في صفاته “الخضر” وله عدة كنائس ومقامات تنتشر في السلط وماحص ومادبا والكرك. لقصته وقع جميل ومؤثر في النفس فهو إحدى الشخصيات التي لاقت مصيرا مؤلما من العذاب والاضطهاد لأجل الدين. بصمود القديس جرجس أو “الخضر” آمن الكثيرون بالمسيحية ابتداءً بالعامة وصولا إلى زوجة الإمبراطور دقلديانوس نفسه.

رسم لاتيني للقديس جاورجيوس – الخضر

يحتفي الأردنيون في البلقاء (عاصمة الأردنيين الغساسنة) وما حولهما بالقديس جرجس أو جاورجيوس الذي منح الخلود عندما أنطق الوثن في المعبد  وقال بحسب المرويات ” لست أنا الإلهة الذي تعبد” وقد قتله الإمبراطور على إثر هذه المعجزة.

واجهة كنيسة الخضر في السلط

اهتم الأردنيون الغساسنة قديما في القديس جاورجيوس وكان حاضرا في أدبياتهم وأشعارهم وقد استمر الأردنيون حتى اليوم بتمجيده. بنيت لذكراه كنيسة السلط في القرن السابع عشر، وسمي على إثرها شارع الخضر الشهير في السلط إضافة لحي الخضر. أما في مأدبا، فبنيت كنيسة الخارطة في القرن التاسع عشر على أنقاض كنيسة غسانية قديمة تحوي أقدم وأكبر خارطة فسيفسائية في الأردن وفلسطين، بينما تحوي بلدة ماحص في محافظة البلقاء على مقام مسيحي إسلامي مشترك للخضر.

كنيسة الخارطة في مادبا

 

الفنون المسيحية الغسانية

إنه من المنصف أن نصف الحضارة الغسانية بأنها حضارة “فنيّة” فقد غلف الفن كل جوانب حياة الإنسان الأردني الغساني. وإن استطلعنا الكنائس التي بنيت في عهد الغساسنة نجدها على قدر عال من الجمال. ومن المؤكد أن هذه الكنائس التي تحوي خرائط  فسيفسائية عظيمة حوت تصاوير وأيقونات ملوّنة للقديسين والشهداء قد بنيت كلها بأيدي الحرفيين الفنيين الغساسنة الذين أبدعوا في هذه الفنون.

جزء من خارطة فسيفساء كنيسة القديس جورجيوس ويظهر فيها نهر الأردن

المرأة الغسانية والدين

آمن الغساسنة بالمسيحية وكانوا مخلصين لمذهبهم، فكما ناقشنا في بداية البحث، اعتنقوا المذهب المونوفيزي بتأثير من الملكة الأردنية ماوية التي فعلت الكثير لتثبيت هذا المذهب في المشرق. كانت صورة السيدة مريم العذراء تَمثُل دوما أمام كل امرأة غسانية. فالسيدة مريم مثلت بالنسبة إليهن الصورة الكاملة للمرأة الأم التي تكافح وترعى الجميع.

امتد تأثير السيدة مريم ومن بعدها الملكة ماوية إلى الملكات الغسانيات تحديدا فبنين العديد من الأديرة. كما تسمين باسمها ونسبن أولادهن لها فنرى أن اسم والدة أحد ملوك الغساسنة الحارث بن جبلة تسمى “مارية” وهو أحد أسماء السيدة مريم. (شهيد: 2009)

صورة للسيدة مريم العذراء التي ألهمت شخصيتها النساء الغسانيات

الشهيدات الغسانيات

عظّمت الملكات الغسانيات سيرة الشهيدات اللواتي قضين نحبهن وهن متمسكات بدينهن أمام الاضطهاد. عام  520 ميلادي قُتلت حوال 100 امرأة من نجران التي كانت تابعة آنذاك لحكم مملكة كندة ومن ثم لحكم الغساسنة، فآوت الملكات الغسانيات النساء المهاجرات من نجران وكانت من أهمهن امرأة تدعى “رُحُم أو روهوم” ذكرت كثيرا كقائدة روحية وملهمة لشعراء الغساسنة (شهيد: 2009)

تصوير كنسي للثاؤذتي وعائلتها، الذين خلدوا في الذاكرة لتمسكهم وإخلاصهم لدينهم

تُعد قصة الشهيدة ثاؤذوتي وبناتها انسيموس وابرابيوس ولانديوس إضافة لابنيها الطبيبين قزمان ودميان من القصص المؤثرة للغاية. كانت ثاؤذوتي امرأة طيبة القلب ربّت أبناءها على أن يكونوا مخلصين للمسيحية. دفعت بابنيها قزمان ودميان لتعلم الطب وعلاج المرضى المحتاجين والمساكين بالمجان أما بناتها الثلاث فسلكن طريق الرهبنة ووهبن حياتهن للكنيسة. عندما ارتد الإمبراطور دقلديانوس عن المسيحية بدأ بتعذيب الأهالي المسيحيين بطريقة وحشية وكانت ثاؤذتي وعائلتها من الذين خضعوا طويلا للاضطهاد الديني.

 وقفت  ثاؤذتي بشجاعة أمام الإمبراطور نفسه ونهرته عن أفعاله فقطع الإمبراطور رأس ثاؤذتي ولم يجرؤ أحدهم على الاقتراب حتى صرخ ابنها القديس قزمان وقال: يا أهل المدينة أليس فيكم أحد ذو رحمة ليستر جسد هذه العجوز الأرملة؟ فقاموا ودفنوها. وغضب الإمبراطور من ذلك فأعدم باقي عائلتها. وبحسب الروايات المسيحية نالت هي وأبناؤها إكليل الحياة وصُوِّرت وهي ترتديه في الكنائس والأيقونات كما بنيت أكبر وأقدم كنيسة تمجد ذكرى ابنيها القديسين قزمان ودميان في جرش.

المرأة والحج

كان المجتمع الغساني بأكمله يمتلئُ حماسا عند موسم الحج. شاركت المرأة بطقوس الحج الدينية بشكل أكبر حتى من الذكور. يذكر الأصفهاني اسم أميرة غسانية تدعى ليلى كانت ترعى الحجاج وتساعدهم وتؤمن لهم المأوى والطعام. وقد تمتعت المرأة الغسانية بحرية تنقُّل كبيرة وواسعة وذمة مالية مستقلة ساعدتها على الإنفاق على رحلتها أو على مساعدة الحجيج الآخرين.

اكتسبت المرأة الغسّانية صفة “الحاجّة” وكانت من تمتلك هذا اللقب تحظى باحترام كبير. اقترن هذا اللقب بداية بصفية بنت ثعلبة وهي غسانية أعطت “حق الجوار” أي الأمان  للأميرة هند بنت النعمان آخر أميرة من سلالة المناذرة وكانت تدين هي الأخرى بالمسيحية. وصفت صفية بنت ثعلبة بالحاجة أو الحجيجة (صيغة تحبب وتصغير) وكانت شاعرة مُجيدة، حتى أن الأبيات الشعرية التي أنشدتها في حادثة إعطاء الأمان للأميرة هند لا زالت موجودة تشهد لها على حسن الخلق:

أحيوا الجِوار فقد أماتته معا

كل الأعارب يا بني شيبان

ما العُذر قد لفٌت ثيابي حرةٌ

مغروسةٌ في الدرٍّ والمرجان

بنت الملوك ذوي الممالك والعُلى

ذاتُ الحِجال وصفوة النعمان

كان الغساسنة مؤمنين مخلصين يهتمون للغاية بتقويم الأعياد المسيحية. ارتبطت المرأة الغسانية روحيا بأعياد السيدة مريم العذراء[12]. في سجلات الكنيسة  يكاد يغيب ذكر الذكور في أغلب ما يتعلق بهذه الأيام وتنفرد النساء الغسانيات بالتجهيز لتلك الأيام المقدسة.

لم تقتصر حياة الرهبنة على الرهبان، إنما كانت النساء الغسانيات أكثر ميلا لهذه الحياة. “التأسي بالمسيح” كان أسلوب حياة تتخذه الراهبات فينقطعن عن الملذات ويهبن حياتهن لأعمال الخير والعبادة.

وقد تغنى الشاعر امرؤ القيس الذي يُنسب إلى الغساسنة عن طريق والدته[13] “بالرواهب – الراهبات” وقد ذُكرن أيضا في شعر حسّان بن ثابت. وكان التنظيم الذي تتبعه رهبنة النساء الغسانيات يقسم للراهبات العاديات وللراهبة الأم التي تسمى “حَيجمانة أو هَيجمانة”

الخاتمة

تنقّلنا في هذا البحث من التعاليم والطقوس المسيحية عند الأردنيين الغساسنة إلى أهم الشخصيات الدينية من أساقفة وقديسين واستعرضنا مكان المرأة من خارطة المسيحية الغسانية.  أضواء عيد الميلاد في الأردن تُضاء كل عام، وكنيسة القديس جورجيوس في السلط ومأدبا ما زالت شموعها تشهد لسيرة المسيحية التي بدأها الأردنيون الغساسنة في القرن الأول للميلاد.

المراجع والمصادر

  • Shahid, (1995) Byzantium and the Arab in sixth century, VOL.1, Part 2, the ecclesiastical history, Dumbarton Oaks Research library: Washington D.C
  • E. Shahid (1996) Byzantium and Arab in the sixth century, Vol1. Dumbarton Oaks Washington D.C
  • اليسوعي، ل.( 2011) الآداب النصرانية قبل الإسلام،(ط2) دار المشرق: بيروت
  • قاشا. س (2005) صفحات في تاريخ المسيحيين العرب قبل الإسلام، (ط1) لبنان: بيروت، منشورات المكتبة البوليسية، سلسة الكنائس المسيحية الشرقية
  • أبحاث إرث الأردن، المرأة الغسانية

[1] من مقال منشور للباحث تيسير خلف على موقع مفكر حر: https://mufakerhur.org/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%AC%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%AB-%D8%A8%D9%86-%D8%AC%D8%A8%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%84/

[2] بعد الهدو أي عند السحر فمن عادة الرهبان أن يدقوا أجراس الكنائس قبل طلوع الفجر

[3] قاشا (2005) صفحات من تاريخ المسيحين العرب قبل الإسلام، ص270

[4] آل جفنة اسم آخر من أسماء آل غسان نسبة لجدهم جفنة. وجفنة تعني صاحب الطبق الكبير دلالة على شدة الكرم والجود

[5] المصدر السابق ص272

[6] عيد الشعانين هو عيد مسيحي يوافق الأحد قبل عيد الفصح وهو عيد دخول المسيح لبيت المقدس. وسمي شعانين نسبة لتحية الأهالي للمسيح حيث كانوا يقولون “هوشعنا” المصدر السابق.

[7] السباسب هي أوراق سعف النخيل التي أمسكها سكان بيت المقدس لتحية المسيح عند دخوله. المصدر السابق

[8] المصدر: http://noursatjordan.com/news-details.php?id=47339

[9] المصدر: http://www.orthonews.org/ar/node/2751?page=4

[10] من مقال منشور للباحث تيسير خلف على موقع مفكر حر: https://mufakerhur.org/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%AC%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%AB-%D8%A8%D9%86-%D8%AC%D8%A8%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%84/

[11] المصدر السابق. ص275

[12] للمزيد انظر: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%AF_%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B0%D8%B1%D8%A7%D8%A1

[13] كان النسب قديما إلى الأم في نظام اجتماعي يسمى بالنظام الأمومي.

الدين عند الأردنيين الغساسنة: المسيحية كثقافة وحضارة غسانية

Scroll to top