تمثال أردني نبطي من الفضة يمثل رجل و طفل يركبان جملاً ترميزاً لأهمية الجمل للاقتصاد و التجارة النبطية
يعود التمثال إلى القرن الأول ميلادية وموجود في متحف المتروبوليتان للفنون – الولايات المتحدة

مقدمة

إن دراسة الملابس والمجوهرات والحلي لأي حضارة أمر بالغ الأهمية من حيث تحليل طبيعة معاشهم، إذ أن في طريقة تصميم الملابس دليلاً على على ممارساتها اليومية، من حيث ملائمة الزي  لطبيعة النشاطات التي يقوم بها الأفراد حسب موقعهم من المجتمع، كما أن طبيعة التصميم بالإضافة إلى الخامات التي تنتج منها الملابس، توضح الظرف البيئي لهذه الحضارة بالإضافة إلى علاقاتها التجارية من حيث مصدر الخامات المستخدمة وغير الموجودة في بيئتها الأصلية.
فيما تكمن أهمية دراسة وتحليل الحلي والمجوهرات في معرفة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في حضارة معينة، ودرجة الرفاهية التي وصل إليها هذا المجتمع، كما تدل صناعة المجوهرات على مدى حرفية واتقان الصاغة لمهنتهم إذا ما تم التأكد من أنها مصنوعة محلياً.

في بحثنا هذا سنحاول الوصول إلى أقرب تصور ممكن لنمط الأزياء والزينة لدى أجدادنا الأردنيين الأنباط، عبر توظيف جميع ما يمكن الوصول إليه من معلومات حول (الملابس، الحلي، العطور، وتصفيف الشعر) آخذين بعين الاعتبار شح المادة التاريخية الدارسة لطبيعة لباسهم، وخصوصاً لباس العامة من أجدادنا الأردنيين الأنباط، على أن طبيعة المجتمع الأردني النبطي كانت تشاركية والفروق فيها بين الطبقات ضحلة، حيث أن الملك كان يخدم ضيوفه ويقريهم بنفسه.

مصادر الاستدلال على الملابس والحلي الأردنية النبطية ووصفها

أولا: المنحوتات والتماثيل النبطية

إن أحد أهم المصادر التي يمكن الاعتماد عليها في تحليل طبيعة اللباس لدى أجدادنا الأردنيين الأنباط هي التماثيل والمنحوتات البشرية التي خلفوها، وإن كانت تمثل الآلهة في أغلب الأحيان إلا أن صور الآلهة في الحضارات القديمة كانت مستمدة من الواقع، وفيما يلي توضيح لأهم التماثيل والمنحوتات التي حافظت على أجزاء واضحة من الملابس.

  1. منحوتة صخرية من داخل السيق في البتراء، تمثل لنا تاجرين (يقودان الجمال) بوضعية الوقوف يظهر إلى جانبهما أقدام الجمال، بالنسبة للباس الرجال فيبدو أنهما يرتديان ما يشبه الإزار الذي يبدأ من الخصر ويصل إلى أعلى القدم، وقد تم لف القماش بشكل متقاطع بحيث تظهر القطعة المهدّبة أسفل القطعة التي لم تهدّب، كما ينسدل على كتفيه ما يشبه العباءة التي تلامس الأرض، وتبدو الثنيات واضحة، أما بخصوص الحذاء، فقد ارتدوا أحذية جلدية خفيفة، تتكون من قطعة تفصل بين الأصبع الكبير والمجاور له، يتصل بها قطعة أخرى على شكل حرف V   تلتف حول القدم وتتقاطع مع قطعة أخرى بهدف تثبيتها بالقدم، ومن الملاحظ لدينا أنهم استخدموا هذا اللباس الفضفاض ليسهل عملية الحركة عليهم عند الركوب على الجمال والحركة بيسر وسهولة.
  2. منحوتة صخرية من منطقة الدير في البتراء، تظهر لنا جمّالان مضحيان (أي  يقودا الجمال ليقدموها كقرابين للآلهة)، المنحوتة للأسف بحالة سيئة بسبب العوامل الطبيعية، إلا أنه بالإمكان رؤية بقايا تفيدنا في معرفة شكل لباسهم، حيث يبدو أنهما يرتديان لباساً طويلاً وقد تم لفه حول الساقين ليظهر لنا بمظهر (شاقولي – مزمزم).
    وبالنسبة لطريقة لفه فهي تتم عن طريق وضع قطعة القماش من الخلف إلى الأمام ثم يبدأ مرتديها بوضع جزء من القماشة بشكل متقاطع مع الجزء الآخر، وبعدها يتم التثبيت بواسطة ربط الحزام حول الخصر ليكون الشكل فيه ثنيات وزمّات.
    أما عن طبيعة اللباس العلوي فلسوء الحظ لم يظهر من المنحوتات أي شيء نستدل به عنه.
  3. تمثال للنصف العلوي من جسد لرجل، مفقود منه الرأس وباقي الأيدي والجسد السفلي كاملاُ  شعره يصل لكتفيه وينسدل حتى بداية صدره، ويبدو أنه يضع سوارين عريضين على كلتا يديه، كما أنه يرتدي قطعة قماش مهدبة استكمالاً لرداءه الممتد من الأسفل ويمر بكتفه الأيسر ويظهر أنه يضع حمالة شكلها متقاطع مع الحزام وهي عادة ما تستخدم لحمل الأسلحة، وأخيراً يرتدي على الخصر حزام عريض جداً.                                                                                                                              
  4. تمثال نصفي يبين لنا النصف العلوي، الرأس مفقود، يظهر صدر الآلهة أو الإنسان النبطي الذي جسد بهذا التمثال عاري الكتف الأيمن ويضع شريط ثلاثي عريض ومزخرف بحبيبات صغيرة، يعتقد أنه استكمالٌ للجزء الأمامي من حمالة السيف أو الرمح، ويضع سواراً بالذراع الأيمن والأيسر، كما أنه يرتدي قطعة مزخرفة الأطراف.                                                                                                                                  
  5. جزء من منحوتة تمثل لنا رداءً حربياً، يشبه الإزار لكنه قصيرٌ جداً وهو مقسم إلى ثلاثة صفوف متوازية بشكل عرضي ويظهر عليه كسرات طولية، ويوجد عليه حزام عريض ومهدب يبدو أنه عقد من الأمام.
  6. تمثال النصف الأعلى لجسم محارب يرتدي لباساً حربياً مكوناً من وشاح ذو ثنيات على الصدر ويمسكها مشبك مثبت على الكتف الأيمن، ويمكننا مشاهدة خوذة حربية مزخرفة بأشكال نباتية وحلزونية.
  7. الجزء الاسفل لمنحوتة آدمية ثلاثية الأبعاد، ترتدي ما يشبه الإزار بثنيات عديدة ويتدلى من الوسط قطعة قماش مستطيلة ومستقيمة قد تكون حزاماً يتدلى من الإمام.
  8. تمثال نصفي علوي، يضع إكليلا على الرأس، والشعر طويل ومصفف يصل إلى أسفل الأذنين، يبدو أنه يمسك باليد اليسرى رمحاً أو صولجاناً واليد الأخرى تلوح.
    يرتدي من الأعلى قطعة قماش تغطي جزء من الكتف والصدر والباقي مكشوف وهو امتداد للإزار الواصل من الأسفل للأعلى.

    تمثال نصفي علوي

     

  1. تمثال ملكي، مفقود منه الجزء العلوي كاملاً وأسفل الساقين. يظهر وهو يرتدي إزاراً مهدباً، ويبدو هنا أنه قطعة قماش مستطيلة وضعت بشكل مستقيم بحيث لم تظهر كما في اللوحات السابقة التي كان الإزار مشقولا فيها، بل اكتفى بلفه لفاً عادياً ليخرج بمنظر بسيط مائل للطرف الأيسر، وأخيراَ قام بلف حزام مزدوج (على شكل حبل) حول الإزار لغايات التثبيت، وتظهر ركبتي الرجل من أسفل الإزار وربما أنه يضع شيئا ما معدنيا أو جلدياً لوقاية الركبتين عند الوقوع في حالة الحرب والمبارزة.
    تمثال ملكي، مفقود منه الجزء العلوي

     

10.تمثال ملكي، محطم الوجه وجزء من الأيدي والأرجل أيضا محطم بالكامل ولم يبق منها سوى الركبتين، الهيئة العامة للتمثال لا بأس بها، حيث يظهر من الرأس الشعر الطويل والذي ينسدل على الظهر من الخلف، تفاصيل عضلات الصدر واضحة، يبدو أنه يضع سواراً عند مفصل يده اليسرى، أما عن لباسه فهو يرتدي ازاراً يصل لحد الركبة، طرفه مقصوص بشكل مائل، كما أنه يضع حزاماً مزدوجا معقود على جانبه الأيسر.

تمثال ملكي، محطم الوجه

 

11.تمثال بشري يقف على قاعدة، الرأس  وجزء من يده اليسرى محطمة، تفاصيل جسده واضحة تماماً خاصة منطقة الصدر يبدو أنه يضع سواراً رفيعا عند مفصل يده اليسرى، يرتدي  إزاراً قصيراً يصل للركبة معالمه غير واضحة، كما أنه يضع حزاماً مزدوجاً ورفيعاً مثبتاً على خصره ومعقوداً بحيث يتدلى طرفاه إلى لأسفل، كما يتدلى من وسط الحزام قطعة نصف دائرية كنوع من الزينة ولتثبيت الإزار،  قدماه مثبتتان على قاعدة، وينتعل بهما حذاءاً خفيفاً له قاعدة رفيعة من الجلد وهو مكون من شريط أمامي وشريط آخر يمر بين إصبعيه الأماميان ويتعامد الشريطان معاً، أما الشريط المار بين الإصبعين فيلتف حول الساق ومثبت بإبزيم.

تمثال بشري يقف على قاعدة

 

  1. تمثال شبه كامل عدا الرأس وجزء من الأيدي والأقدام، تفاصيل الصدر واضحة وهو مكشوف وعاري، كما أنه يلبس سواراُ رفيعا على الذراع الأيمن، ويرتدي إزارا يصل للركبة مربوط عليه حزام مزدوج ومعقود من الجنب الأيمن.
    تمثال شبه كامل عدا الرأس

     

  2. تمثال مهشم ومحطم، مفقود منه الرأس والأرجل وجزء من الأيدي، يرتدي سواراُ رفيعاً وإزاراُ قصيراً جداً يحيطه حزام مزدوج.
    تمثال مهشم ومحطم

     

  3. مجسم ذكري، الملامح غير واقعية، الجسد عاري من الأعلى، يضع عقد حول الرقبة ويرتدي إزاراً من الخصر ويصل إلى أعلى الركبتين، يضع حزاماً رفيعاً تتدلى منه قطعة مستديرة  تعمل على تثبيت فتحة الإزار أو جيب لحمل السيف.
    مجسم ذكري بملامح غير طبيعية

     

  4. مجسم دون أيدي أو أقدام، الملامح غير واقعية، يرتدي عقد ويضع حزام مزدوج على الصدر ربما للسيف أو لأدواته الحربية، كما أنه يرتدي إزاراً عليه حزام ويتوسطه دلاية.
    مجسم دون أيدي أو أقدام

     

  5. تمثال بشري، محطم الرأس والأقدام، الجسد العلوي عاري تماما، كما أن تفاصيل عضلات الجسد قد نحتت بوضوح حيث ظهرت طيات البطن، ومن الأسفل فهو يرتدي إزاراُ مزموماً يلتف حول الجسد ويربط من الأمام بحيث تتدلى منه قطعتين مثلثتين متعاكستين بالاتجاه ومرتبتين بشكل أنيق، ثم يضع عليه حزاما جلدياً ينتهي بقطع معدنية بهدف التثبيت كي لا تكشف العورة عند الحركة، ويظهر جزء من الكف يمسك بالحزام.
  6. تمثال محطم  الرأس والذراع والساق اليمنى وهو عاري الصدر تماما ويرتدي إزاراً من الأسفل ويتدلى منه قطعة نصف دائرية، ويلتف حول خصره حزام ربما أنه جلدي ملفوف وليس معقود.
    مجسم عاري الصدر

     

  7. رأس من تمثال ذكري ذو ثلاثة أبعاد، الوجه ممتليء، وملامح الوجه غير واضحة لكن يبدو أنه صاحب لحية ذات شعر أجعد (رجل دين)، كما أنه يرتدي قلنسوة مخروطية ومدببة.
    رأس تمثال لرجل يرتدي قلنسوة

     

  8. رأس من منحوتة ذكرية مواصفاته لا تختلف عن التمثال السابق إلا أن ملامحه واضحة بشكل أفضل وله نفس الشعر وتصفيفته كما أنه يرتدي نفس غطاء الرأس (كرمز رجل الدين) عند الأنباط.
    تمثال رأس واضح المعالم

     

  9. رجل دين يرتدي قلنسوة على رأسه يظهر شعره من أسفلها بشكل أجعد، وهو مرتب بصفوف، أما الإزار فهو مشدود بحزام على الخصر، يقف ويضع كلتا يديه على وجهه (خده)، يبدو أنه، ينتعل حذاء بلون أحمر.
    تمثال لرجل دين أردني نبطي يرتدي قلنسوة

     

  10. تمثال رأس محطم، تظهر منه الأعين وفتحتي الانف، وأطراف الشعر المصفف على شكل حلقات حلزونية مرتبة بشكل دقيق.
    تمثال رأس محطم

     

  11. رأس لملك نبطي، الجسد محطم، الشعر ملفوف على شكل حلقات دائرية ملتصقة ببعضها البعض ويصل أعلى الكتفين، يضع إكليلا مزدوجا من ورق الغار على رأسه وبمقدمة الجبهة يضع ما يشبه الحجر الكريم، ويبدو أنه يضع قلادة معدنية حول رقبته.
    رأس ملك أردني نبطي

     

  12. رأس لرجل نبطي واضح الملامح يُرجح أنه يعود للملك عبادة الأول، وبالنسبة لشعره فمن الواضح أنه ملفوف بشكل مبروم حلزوني طويل صفف بشكل جميل، أما عن العصبة فهي رفيعة جدا تتوج رأسه كرمز للملوكية.
    رأس رجل نبطي

     

  13. تمثال لم يعثر منه إلا على الجذع، حالته العامة متوسطة مفقود منه الجزء العلوي، والأقدام حالتها سيئة، يبدو أنه تمثال لرجل يرتدي في الجزء الأسفل ما يشبه الإزار حيث يتم لف القماشة بشكل متقاطع وملاقاة أطرافها عند الخصر الأيمن.
  14.  رأس لملك نبطي، الجسد محطم، الشعر ملفوف على شكل حلقات دائرية ملتصقة ببعضها البعض ويصل حتى أعلى الكتفين، يضع إكليلا مزدوجا من ورق الغار على رأسه وبمقدمة الجبهة يضع ما يشبه الحجر الكريم، ويبدو أنه يضع قلادة معدنية حول رقبته.

    رأس ملك نبطي
منحوتة نبطية نصفية لرجل، توضح الرداء الذي كان يغطي الكتفين

ثانيا: المجسمات الطينية والفخارية

عثر عبر الحفريات الأثرية في المواقع العائدة للمملكة الأردنية النبطية على بعض المجسمات الطينية والفخارية والتي تصف جزءاً من طبيعة اللباس لدى الأردنيين الأنباط، حيث ساهمت في محاولة إكمال التصور حول المظهر الخارجي والزينة لدى أجدادنا الأردنيين الأنباط.

1. جذع نصفي أمامي مفقود منه الرأس والأرجل، يرتدي عباءة وهي عبارة عن قطعة قماش مستطيلة يوجد أهداب على حوافها، مصنوعة من الصوف أو القطن وتلبس عن طريق وضع إحدى أطرافها على الجهة اليسرى من الجسم ويلف باقي القماش حول الظهر ثم يمر تحت الذراع اليمنى ويلف مرة أخرى من الأمام ويُلقى الطرف الآخر منها على الذراع اليمنى، هنا يبدو أن العباءة قد لفت حول الجسد وهي تغطي الحوض باستثناء الكتف الأيسر حتى الخصر وتظهر الأهداب على الحواف، أما الحزام فهو عبارة عن شريطين مزخرفين يتدليان على البطن ويبدو أنهما معقودين من الأمام، الذراع اليسرى ظهرت ملتصقة بالجسد وهي تمسك بالعصا، أما اليد اليمنى فيبدو أنها استندت على دعامة  مزخرفة.

جذع نصفي أمامي

 

  1. جزء من تمثال بشري يبين الإزار من الأسفل حيث يتضح لنا احتواءه على العديد من الثنيات نظراً لنعومة القماش أو بسبب شد الحزام بقوة على الخصر، ولم يظهر من الحزام سوى الجزء المعقود من الأمام المتدلي بشكل مموج.
    جزء من تمثال نصفي يصف أسفل الجسم

     

  2. جزء من تمثال طيني مفقودة أجزاءه السفلى والرأس وحتى الأطراف، الجسد عليه قطعة قماش تغطي الكتف الأيسر للتمثال ويبدو أن أطرافها قد هُدّبت وزخرفت، الذراعين زينت بثلاثة حلقات من الأساور وتظهر إحداها في اليد اليمنى مزينة بنقوش بارزة.
    جزء من تمثال طيني

     

  3. سراج فخاري كامل مفقود من اليد، على هيئة قدم ترتدي حذاءً، قاعدته عريضة وله فتحة أمامية وأخرى من الأعلى، أما شكل الحذاء فرأسه مدبب ونعله مكون من ثلاث طبقات متتالية، يمر شريط رفيع بين الأصبعين الأماميين، كما توجد أشرطه رفيعة أخرى تمر من جوانب القدم وتتلاقى معاً بشكل جميل ورائع يخرج منها أشكال دائرية حلزونية، أما من الخلف فيوجد شريط يمر بمؤخرة القدم ويلتف حول الساق ويثبت بإبزيم.
    سراج فخاري على شكل قدم

     

  4. جزء من تمثال، وهي لقدم ترتدي حذاء، الأشرطة هنا مكونة من ثلاثة صفوف متقاطعة مع بعضها، الفرق في هذا الحذاء عن غيره هو احتواءه على قطعة جلدية من خلف القدم كي تثبت القدم بشكل أفضل وهي عبارة عن مجموعة صفوف من الأشرطة الجلدية المتقاطعة معاً مشكلة مربعات صغيرة، وهناك إختلاف آخر وهو أن النعل أكثر سماكة ويتكون من ثلاثة طبقات أيضاُ لحماية الأقدام عند السير.

    جزء من تمثال لقدم

ثالثا : الكتابات التاريخية

الرحالة والجغرافي اليوناني سترابو

قام الجغرافي والرحالة اليوناني سترابو (63 ق.م-23م) بذكر الأردنيين الأنباط، ووصف بلادهم وطبيعتهم ولغتهم، إلى جانب أهم الحضارات والدول المعاصرة لهم في المنطقة، وقد ذكر سترابو في معجمه وصفاً لملابس الأردنيين الأنباط، حيث أورد بالكتاب السادس عشر من مجموعته الجغرافية ملاحظة قصيرة عن ملابس الأنباط حيث قال:” أنهم يتجولون بدون عباءات وبحزام ضام وصنادل بأقدامهم، ومثلهم الملوك لكن باللون الأرجواني”.

كما قدم لنا المؤرخ اليوناني هيرودوت إشارة حول ملابس الأنباط حيث يؤكد أنهم كانوا يرتدون ما يعرف بإسم الزيرا، وهو الإزار ويكتب أزر أو مئزر، وهو رداء يلبس لتغطية الجسم ويلف حول الخاصرة ويكون مفتوحاً من الأمام، وعليه ثنيات تجمع بحزام ضام عند الخصر.
كما أنهم يضعون ما يستر صدورهم في بعض الأحيان ويسمى رداء وهو الثوب الذي يغطي الجزء الأعلى من الجسد، بحيث يشكل قطعة واحدة من الإزار وجمعه أردية، ويكون إما طويلاً أو قصيراً، وعادة ما يوضع على العاتق أو بين المنكبين ويتدلى ليغطي الظهر أو الصدر على شكل وشاح.

العناصر الرئيسية للباس الأردنيين الأنباط

رسم تصويري للملك الأردني النبطي الحارث الثالث

غطاء الرأس
تنوعت أشكال أغطية الرأس عند الأردنيين الأنباط، ففي حين كان الكهنة يرتدون قلنسوات تنسدل حتى طرف الأكتاف التي ترمز لهم ويقتصر ارتداؤها عليهم، كان الملوك يرتدون التيجان المعدنية المزينة بالأحجار الكريمة، أو أكاليل من النباتات مثل الغار، بينما كان العامة يلفون رؤوسهم بقطع قماش عادية على شكل عصبة.

الإزار
وهو رداء من القماش يلف حول الخصر لتغطية الجزء السفلي من الجسم.

الرداء

وهو قطعة من القماش تغطي الجزء العلوي من الجسم، سواءً بشكل كامل أو بشكل جزئي حيث يكشف أحيانا أحد الكتفين.

الحزام

وهو  قطعة من القماش أو الجلد، عرضها قليل، تلف حول الخصر وتقوم بتثبيت الإزار،  يتدلى منها حلقات في بعض الأحيان، إما لزيادة ثبات الحزام من حيث العقدة أو لتعليق السلاح.

الحذاء

كانت  الأحذية تصنع في ذلك الوقت من خامات سميكة قادرة على تحمل قساوة البيئة، ودورها في المقام الأول حماية باطن القدم، بالإضافة لتدفأتها في فصل الشتاء، والخامة الغالبة على صناعة الأحذية هي الجلود، وتنقسم إلى نوعين، نوع صيفي مفتوح من الأعلى، ما عدى أشرطة تقوم بعملية تثبيت الحذاء على القدم، أو أحذية مغلقة بالكامل وهي لفصل الشتاء.

سراج فخاري يوضح شكل القدم والحذاء

هيئة اللباس الأردني النبطي حسب الموقع الاجتماعي

الملوك

يتكون زي الملوك الأردنيين الأنباط بشكل أساسي من إزار طويل يصل إلى أسفل القدمين، أطرافه مزينة بزخارف طولية، وكان الملوك يرتدون أحياناً، أثواب طويلة مغطاة برداء مهدب يرجح أنه أرجواني اللون يوضع على الكتفين، كما كانوا يرتدون التيجان المعدنية أو أكاليل الغار على رؤوسهم.
رجال الدين
يتكون زي رجال الدين بشكل عام من قلنسوة تغطي الرأس وتصل إلى الكتف، بالإضافة إلى إزار ذي طيات عديدة يصل لأعلى الكعبين.

المحاربين
يتكون زي المحاربين من  إزار مفتوح من الأمام وعليه ثنيات تُجمع بحزام عند الخصر تتدلى منه قطعة جلدية تشبه الجيب لوضع السلاح، وأحياناً يرتدي حمالة صدر تمر بالرقبة لحمل السيف.

الخامات المستخدمة في صناعة الملابس عند الأردنيين الأنباط

الصوف

قطع من الصوف المصبوغ

جاء في إحدى النقوش ما يدل على أن الأردنيين الأنباط عرفوا لفظة الصوف وقد عبروا عنها بكلمة خاصة بهم وهي: ع م ر. وعثر على بقايا صوف منسوجة عليها حرف S وقد زينت بعضها برسوم وجوه بشرية وزخرفت بإطارات وأشرطة ولونت بعدة ألوان.

قطع من الصوف المحاطة بإطار مزركش

القطن

 أثبتت الحفريات في موقع الطويلة استخدام القطن، حيث عثر على بقايا في الطبقة الجيرية عالق عليها منسوجات، وتم إخضاع هذه العينة للدراسة المخبرية وتبين أنها بقايا لألياف قطنية ملتصقة على السطح، إذ اكتشف بعد ذلك أن الأنباط زرعوا القطن وقد كانت على شكل حرف S  ومعظمها غير مصبوغ وغير مزخرف، علما بأنه يوجد عدد لا بأس به تمت زخرفته ولُوِّن بأشرطة.

الحرير

استخدم الأردنيون الأنباط الحرير والدليل على ذلك القطع الحريرية المكتشفة في منطقة عَبدة النبطية والتي كشفت عنها التنقيبات عام (1958-1960) داخل المنازل والكهوف، حيث أن الدراسات بينت لنا التشابه بينها وبين القطع الحريرية التي عثر عليها في مصر وذلك من خلال تشابه الزخارف الهندسية، حيث حبكت اللُّحمة باللون الذهبي المصفر، وفيما يتعلق بالزخارف فهي مكونة من لون أصفر على أرضية حمراء هذا بالنسبة للحقل الرئيسي، أما الإطار فهو أحمر على أرضية صفراء.

الكتان

دلت الشواهد الأثرية كالنقوش التي ذكرت الكتان بإسم (بوص) وقد عثر على بقايا كتانية في منطقة نهال اومير حيث وصلها الأردنيون الأنباط خلال تجارتهم، كما أن البقايا الكتانية تعود لفترة طويلة من دون أصباغ أو زخارف، أما بداية صباغته فكانت باللون الأزرق أو زُيِّن بأشرطة أو شبكة مزدوجة أو مفردة ذات لون أزرق، ولم يختلف عن القطن بطريقة صباغته وصناعته. كما عثر العالمان هاردنج وديفو خلال تنقيبها في كهوف قمران عام (1949) على قطعة من قماش الكتان، حيث أرسلاه إلى بريطانيا لفحص العينات وتحليلها، وتبين بأنها فعلا أقمشة كتانية لملابس حيث جاء بعضها على شكل لفائف والأخرى مربعة الشكل.

الجلود

يظهر لنا أن الأردنيين الأنباط قد استعملوا جلود الحيوانات في صناعاتهم، وتؤكد الكشوفات الأثرية أنهم استخدموا هذه الجلود في صناعة الملابس مثل المعاطف والأحذية (الصندل) والأحزمة، حيث يؤكد سترابو أن الأردنيين الأنباط كانوا يمشون في الخارج بالصنادل، كما اكتشفت الصنادل في قبـور مدينـة ممفـيس والحميمة وكازون، كما استخدمت الجلود كأكفان لدفن الموتى، ففي مقبرة الضارية يذكر أن الجثث هناك كانت مغلفة بالأكفان الجلدية المزخرفة، ذات غرز مضاعفة، ومعظمها مصبوغ بالألوان السوداء، أو البنية الغامقة، في نفس الموقع وجد كفن مصنوع من الجلـد بشكل متقن، بحيث تمت صناعته من جلد الماعز أو الأغنام، مصبوغ باللون البني وفي مدينة الحجر هناك أكفان جلدية ذات غرز، وسدت الشقوق فيها بمـادة القـار، بالإضافة إلى ذلك وجدت أكفان جلدية في منطقة الحميمة، ووجدت الأكفان الجلدية في منطقة كازون، قرب البحر الميت.

المعالجة التي تتعرض لها المواد الخام قبل تحويلها إلى ملابس

الدباغة
وهي عملية تحويل الجلد المسلوخ من جسد  حيوان إلى قطع مدبوغة من الجلد يمكن استخدامها في عملية صناعة المعاطف والأحذية والأحزمة، وهذه الصناعة معروفة منذ القدم حيث كان يستخدم (النجب) وهو قشر سيقان الطلح لتسهيل عملية الدباغة، وفي وقتنا الحاضر تدبغ الجلود بواسطة لحاء شجر البلوط.

الصباغة
وهي عملية تلوين ألياف الأنسجة ومواد أخرى بحيث تصبح مادة التلوين جزءاً لا يتجزأ من الألياف ولا تكون هذه الألوان مجرد طبقة خارجية تغطي سطح المنسوجة.
المواد المستخدمة في الصباغة عبارة عن مركبات كيميائية عضوية بالدرجة الأولى، تحتفظ هذه المركبات بلونها في الألياف حتى بعد تعرضها لضوء الشمس أو المياه أو المنظفات أو حتى عند الارتداء، وهناك أنواع أخرى من الأصباغ قوامها مركبات تلوين غير قابلة للذوبان.
وبخصوص مصدر الأصباغ، فقد تبين أنها طبيعية نباتية أو معدنية ومن الملاحظ أنها قد صنعت بطريقة دقيقة وحساسة تكون بواسطة نقعها بالماء أو تسخينها على النار لتصبح مادة صالحة للتلوين.
أما الصباغ المستخرجة من المعادن فإن إستخلاصها يكون من الصخور والمعادن مثل الأكاسيد (للون الأحمر)، أما باقي الألوان فهي تستخرج عن طريق أوراق نباتات Woad  أو Indigo  للخروج باللون الأزرق، والنوع الأول يمكن الحصول عليه من الشرق الأوسط، أما النوع الثاني فهو متوفر  بالهند ومنها ما يتم استيراده للمملكة الأردنية النبطية، وبالنسبة لنبات الانديجو فعادة ما يستخرج من تهامة ويستخدم في صبغ الملابس باللون الأزرق، ونبتة النيلة من النباتات المعمرة حيث تؤخذ أوراقها لصبغ الملابس بالأزرق، أما اللون الأصفر فهو يؤخذ من نبتة (الكركم/العصفر)، إذ تجفف ويصبغ منها اللون الأصفر، والأحمر يعطي درجات البرتقالي أكثر من البنفسجي التي كانت تنتج عن طريق نبتة تدعى Madder  ونبتة Rubis Tinctorum، وغالباً ما تستخدم جذور هذه النباتات لاستخراج الألوان المراد استخدامها وللحصول على اللون البنفسجي، ولا بد من دمج اللون الأحمر مع الأزرق لتكون أقرب من اللون البرتقالي، وقد انتشر هذا اللون عموماَ خلال الفترة الرومانية.
أما النوع الآخر من الصباغ النادرة في العالم والتي تعد من الأغلى فهي التي تستخرج من حشرة تعيش على شجرة البلوط ويستخرج منها اللون القرمزي.

الخياطة

وفيما يتعلق بلفظ الخياطة أي صانع للملابس فقد جاءت في النقوش النبطية بصيغة م ر ق ع ا والتي تعني الخياط، وهذا يدل على وجود مهنة منفردة تُعنى بعملية تصميم الملابس وحياكتها وتصليحها، ولم يقتصر الأمر على جهد منزلي فردي.

الحلي والمجوهرات عند الأردنيين الأنباط

الحلي الذهبية
وجدت أغلب قطع الحلي الذهبية الأردنية النبطية في موقع طويلان، وهي حلي منتجة محلياً ببراعة عالية، حيث امتاز جنوب الأردن بالألف الأول قبل الميلاد بإنتاج المصوغات الذهبية، وكانت الحلي الذهبية التي صاغها الأردنيون الأنباط متنوعة من أقراط الأذن ذات الحلقة المفتوحة وجذع مخروطي ينتهي بنهاية اسطوانية محززة طولياً، وكانت بعض الأقراط على شكل هلال يرتبط من الأعلى بقوس مفتوح لتعليقه بالأذن وفي قاعدته الهلال هناك عقدة مزخرفة، المتدليات أو القلائد، وخواتم الأنوف والأصابع، الأساور البيضاوية والدائرية البسيطة.

الحلي الفضية

كان يتم استيراد الفضة من الخارج، وتعتبر صياغة الفضة عملية صعبة بسبب ضعف قابليته للطرق على شكل رقائق قياساً بالذهب، حيث كان يضاف القليل من النحاس إلى الفضة لتصبح قابليتها للطرق أعلى، وكانت الفضة تستخدم في صناعة الخواتم والدبابيس، أو كطلاء لحلي من معادن أخرى.

الحلي النحاسية والبرونزية
وهي الحلي الأكثر انتشاراً لدى الأردنيين الأنباط، وكانت تصنع عبر آلية الشمع المفقود، إذ يصنع قالب للقطعة المراد تصنيعها من الشمع، ثم تغطى بقالب فخاري، يتم صب المعدن المصهور بداخله، وعندما يتحول إلى الحالة الصلبة يتم كسر القالب الفخاري لإخراجه، وكانت الحلي المصنوعة بهذه الطريقة عالية الدقة وكثيرة التفاصيل.

أقراط نبطية

الأحجار الكريمة
يشير بيليني في كتابه التاريخ الطبيعي إلى وجود الأحجار الكريمة في البترا، فيما يقول جونسن أن إنتاج الأحجار الكريمة تطور في المملكة الأردنية النبطية أثنـاء القرن الأول بعد الميلاد، حيث استخدمت المواد الخام المستوردة من مصر، والتي تم إعادة تصنيعها محلياً ثم كانت تباع إلى بلاد فارس وأسواق البحر المتوسط، ومن ثم فإن الحفريات الأثرية في المواقع العائدة للمملكة الأردنية النبطية تشير إلى استخدام الأحجار الكريمة على المصوغات المعدنية لتضفي عليها لمسات جمالية.

العطور ومواد التجميل

تعد العطور والمراهم جزءاً مهماً من مجموع العناصر التي تدخل في نمط اللباس والزينة لأي شعب من شعوب العالم، وتدل البحوث على أن الأنباط امتازوا بصناعة وتجارة العطور والمراهم العلاجية والتجميلية، فبحسب هاموند فإن المملكة الأردنية النبطية، كانت مركزاً لانتاج المراهم والعطور، حيث أن النظام البيئي في المملكة الأردنية النبطية يحتوي على العديد من النباتات الطبية والعطرية، فضلاً عن سيطرة الأردنيين الأنباط على طرق التجارة الرئيسية التي تمر منها المواد الخام المستخدمة في صناعة العطور والمراهم من الشرق والغرب.

وكانت أساليب انتاج العطور دقيقة جدا، حيث ذُكرت في المصـادر التاريخية المختلفـة مثـل بلـيني وتيوفرانس في كتابه (تحقيق في النباتات)؛ إذ يذكر تيوفرانس ثلاثة أساليب لإنتاج العطور، الأول هو خلط الصلب بالسائل لصناعة عطر طبيعي أو عادي،  والثاني خلط السائل بالسائل لصناعة مراهم ومنكهات، والثالث خلط الصلب بالصلب لإنتاج مسحوق العطور، ويعتبر أكثر العطور استعمالاً وشيوعاً ذلك الذي ينتج بخلط الصلب بالسائل لإنتاج العطـر، إذ يذاب المر وهو المادة الصلبة بعد سحقه في الزيت ومادة البلانـو السائلة على نار هادثة، ثم يضاف الماء الحار، وبالتالي فإن المر ورواسب الزيت تظهر في القاع، ويجب أن تعصر لإنتاج العطر.
بليني أيضاً تحدث عن العطور المصنعة، وذكر المواد المسـتخدمة في صناعة هذه العطور، حيث عدَّ  ثلاثة مكونات ضرورية لإنتاج العطور وهي الجـزء الصـلب والزيوت التي تُسمى المواد القابضة والألوان.
يذكر باندك واريوس أنه أثناء عملية تنقيب قرب أحد كهوف قمران، وجد إبريـق يعود تاريخه إلى فترة هيرودوتس ملفوف بألياف النخيل، وتم تحليل محتوياته وأشار في ضوء هذا التحليل إلى أنه من المحتمل أن يكون ما بداخله زيت البلسم، وتظهر الأدلة الأثريـة الإنتاج الكبير للمواد الأولية الداخلة في صناعة المراهم، ويبدو أن الأواني المستخدمة لتخزين العطور والمراهم كانت جزءًا من عملية تمييز مصدر المنتج، حيث تميزت الأواني التي استخدمها الأردنيون الأنباط عن غيرهم في نقل وتخزين العطور والمراهم.

تصفيف الشعر

عملة أردنية نبطية تظهر الملكة شقيلات إلى جانب الحارث الرابع

إن أهم مصادر الاستدلال على طريقة تصفيف الشعر لدى الأردنيين الأنباط هي المسكوكات الأردنية النبطية، حيث تحتوي على صورة واضحة مقربة من وجه ورأس الملك، بحيث تصف تقاسيم الوجه، وتصفيفة الشعر بوضوح.

تظهر مسكوكة أردنية نبطية مبكرة الملك عبادة الثاني (62-61 ق.م) بشعر قصير، بين مسكوكة أخرى في العام (61-62 ق.م) تظهر شعر الملك طويلاً، فيما أظهرت مسكوكة أخرى الملك الأردني النبطي رب إيل الثاني (70-106م)، بشعر مجعد طويل، وتضاربت الآراء بين الباحثين حول السمة الغالبة على الشعر لدى الأردنيين الأنباط، ففي حين تشير المسكوكات والرسوم إلى أن الشعر الطويل هو الأكثر انتشاراً بين الرجال الأردنيين الأنباط، يذكر هيرودوت أن الأنباط كانو يحلقون شعرهم بشكل مستدير مع إطالة السالف تشبهاً بالآلهة ديونيزيوس وأورانيا التي كانوا يعبدونها.

الخاتمة
لقد حاولنا في هذا البحث تغطية العناصر الرئيسية للأزياء والزينة لدى أجدادنا الأردنيين الأنباط، للوصول لأدق صورة حول طبيعة المظهر العام في ذلك الوقت، واستندنا في هذا المجال على عدة مصادر رئيسية أهمها التماثيل والمنحوتات التي توضح طبيعة الملابس، بالإضافة إلى روايات المؤرخين واللقيات الأثرية التي تحتوي على أدلة حول الأقمشة والعطور والمراهم، والواضح من هذا البحث أن أجدادنا الأردنيين الأنباط امتلكوا ذوقاً رفيعا ومنظومة أزياء وزينة شاملة وذات طابع خاص تمثل جزءً مهمة من هويتهم الحضارية.

مراجع

  1. الماجدي، خزعل(2012)، الأنباط التاريخ-المثلوجيا-الفنون،(ط1)،دمشق: دار النايا ودار محاكاة للنشر والتوزيع.
  2. عباس، احسان(1987)، تاريخ دولة الأنباط،(ط1)،عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع.
  3.  أبو قاعود، الاء حمود (2012). ملابس الذكور عند الأنباط، رسالة ماجستير ، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.

الأزياء والزينة لدى الأردنيين الأنباط

مقدّمة

تتبعنا في الأبحاث الماضية من حقل إرث الاستقلال كيف تجاوز الاحتلال العثماني الأردن من حساب سلاطينه في شؤون البناء والتنمية، واستمرار سياسته في الحكم بالوكالة التي اعتمدت على نهب خيرات البلاد وسرقة قمح حوران وتحطيم غابات السلط والشوبك والطفيلة ووادي موسى وفرض الضرائب الجائرة على الأردنيين وجلب أبنائهم للتجنيد الإجباري لخوض حروبهم التوسعية والقمعية للشعوب الثائرة وقد استمر انشغال المحتل العثماني المستمر بتوطيد عاصمته في الأناضول، ثم انشغل بتوسيع احتلاله للشعوب والدول، بينما تركت بلادنا مهملة من حكم غير شرعي، بل وافرغت من كل عناصر التطور ومسبباته، وجلبت أموالها وغيراتها وأيديها العاملة إلى العاصمة العثمانية لتطويرها على حساب الأردن والأردنيين.

والدارس لحقبة التحرر من المحتل العثماني والراصد للثورات الأردنية الصغرى يدرك كيف كانت الحكومة العثمانية تتصرف في حكم البلاد، إذ أناطت مسؤولية أمن المنطقة بشيوخ العشائر الأردنية ولم تستخدم حامياتها وسجونها إلا لقمع الثائرين من الأردنيين الأحرار، وجعلت لغة الترهيب والقمع والإبادة العرقية الممنهجة لغتها الأساسية في التعامل مع العشائر والقبائل إذ سيّرت الحملات العسكرية من جنودها المرتزقة واحدة تلو الأخرى وبلا هوادة أو انقطاع، بينما أشاعت في أحيان كثير سياسة “فرّق تسد” بين القبائل الأردنية، حتى لا تتوحد كتيار استقلالي تحرري من المحتل العثماني فتشكّل قوة خطيرة يصعب مواجهتها وهو ما كان في الثورة العربية الكبرى، واستمرارا لمسلسل الخسّة والغدر المعروف عن العثمانيين وسلاطينهم فقد استخدموا الحيل وأخذ الرهائن للضغط على العشائر الأردنية وفرسانها وشيوخها تارةً وتارات أخرى عبر الإعدام على المشانق والاغتيال بالسُّم وهو أشهر عاداتهم في التعامل مع شيوخ العشائر الأردنية كما فعلوا مع الشيخ البطل الشهيد قدر المجالي.

قبيلة الحويطات الأردنية والاحتلال العثماني ( علاقة متأزمة )

  لم تسجل ذاكرة الأردنيين وروايتهم الشفوية ولا حتى كتب المؤرخين والمستشرقين أدنى حد من العلاقة المعقولة بين العشائر الأردنية والمحتل العثماني، ليست هذه العلاقة بالطبع بمختلفة أو حاملة لأي تمايز عن تلك التي جمعت الاحتلال العثماني مع أي قبيلة أو عشيرة أوحاضرة من الحواضر الأردنية على حدّ سواء، ويمكن لنا أن نقرأ شكلها ومضمونها بلغة الأرقام للتدليل على حقيقتها، إذ شهدت الأراضي الأردنية منذ اللحظات الأولى لاحتلال العثمانيين للمنطقة عددا واسعا من الثورات يتجاوز الـ 53 ثورة صغرى مما تم تدوينه وتوثيقه، وقد استعرضنا عددا كبيرا منها في حقل الثورات الأردنية الصغرى، وفي ذات السياق وعلى ذات الحال لم تكن حال العلاقة بين قبيلة الحويطات الأردنية والمحتل العثماني بالأفضل على الاطلاق . إذ لم تشهد العلاقة أي زيارات رسمية أو شبه رسمية، ولم تذهب وفود من قبيلة الحويطات وشيوخها إلى الحكومة التركية في أي مناسبة اطلاقا . ما عدا تلك الوفود المشكلة لاستقبال قوافل الحج لرفادتها واستلام الأموال من أمراء الحج العثمانيين مقابل توفير خدمات الحماية والضيافة لقوافل الحج العثمانية.

ومن الواضح أن الاتصال الوحيد الذي يذكر ـ كما تقدم ـ هو في باب أخذ المستحقات المالية في موعدها، من باب أنه حق واجب على الحكومة العثمانية لهذه العشائر، بدليل أن العشائر الأردنية كانت تثور فورا إذا أحسّت بأي تلاعب من قبل الولاة العثمانيين في أمر هذه المستحقات إذ عادة ما كان أمراء الحج العثمانيين يسرقونها لجيوبهم ويسيّروا حملات القمع للعشائر الأردنية ليمتنعوا عن دفع حقوقها المالية.

وكانت قبيلة الحويطات الأردنية كما هو حال باقي القبائل والعشائر الأردنية تعتبر أرضها ملك ارادتها ولا تدين للمحتل العثماني بطاعة أو ولاء، كما لم تخضع للاحتلال العثماني، ورفضت على وجه الدوام الانصياع لرغبته بتجنيد أبنائها حتى لو كان الأمر بالإكراه والإجبار، بينما يتضح الموقف العام لقبيلة الحويطات الأردنية تجاه العثمانيين عندما أمدّت قوات الثورة العربية الكبرى بالمال والسلاح والرجال والأرواح وقدّمت فيالق من الفرسان والمحاربين والشهداء .

الشيوخ التسعة

وكما هو ديدن المحتل العثماني في الغدر والخسّة وحالما شعر بأن النفس التحرري الاستقلالي قد بدأ بالاشتعال بشكل متزايد، خطّط الوالي العثماني في دمشق لوأد الحركة في مكانها، وحبكت الخطة أن يقوم باستدعاء شيوخ الحويطات التسعة واعدامهم مرّة وحدة بعيدا عن أهلهم وقبيلتهم ومنعا لقيام ثورة سريعة ومباشرة ضد المحتّل العثماني تكلفه جميع حامياته العسكرية في المنطقة، ومن هنا أوهم الوالي العثماني في دمشق كبار شيوخ قبيلة الحويطات التسعة أنه يرغب في حضور شيوخ قبيلة الحويطات الأردنية لاستلام مستحقات القبيلة المالية، وقد رشّحت عشائر الحويطات كبارها لهذه المهمة كالعادة، وتحضّر شيوخ عشائر النجادات والجازي والتوايهه والزوايدة والمراعية والسليمانيين والعمران والسعيدين والرشايده لهذه المهمّة، ورغم التردّد الكبير من قبلهم وشعورهم بأن مكيدة ما يتم تدبيرها من المحتّل العثماني، إلا أن اخلاصهم للقبيلة وشعورهم بالمسؤولية تجاه تأمين رزق أبنائها في ظل انقطاع موارد التنمية الأخرى أجبرهم على الذهاب وتلبية رغبة المحتل العثماني، وما أن وصلوا مقر الوالي العثماني حتى أمر باعتقالهم جميعا وقطع رؤوسهم، في استمرار لمسلسل الظلم العثماني ولا انسانية ولاته وسلاطينه.

 وقد ظن المحتّل العثماني أنه بارتكابه لهذه المجزرة الرهيبة ورفضه تسليم جثامين الشيوخ التسعة لقبيلة الحويطات ، سيخيف شيوخهم وفرسانهم فلا يقومون بأي تمرد في المستقبل، لكن الجواب كان قادما لا محالة.

 

( الغدر ) درب المحتل العثماني

وفي مؤامرة عثمانية أخرى في القرن التاسع عشر، ولتأديب قبيلة الحويطات وقمع النفس الثوري المشتعل في صدور أبنائها ولتصاعد المطالب المنادية بالاستقلال وضرورة دفع المبالغ الواجب دفعها لقاء حماية قوافل الحج العثمانية خاصة بعد أن ازدادت حالات التلاعب بأمر الصرة من قبل الوالي العثماني في دمشق ورغبته الخاصة بتغيير طريق الحج عن مناطق القبائل الأردنية التي اعتمدت في رزقها على خدمة الحجاج وحمايتهم ، وفي ذات الوقت الذي فرض فيه المحتل العثماني ضريبة جديدة على المواشي.

ولقمع الثورة في مهدها احتجز الوالي العثماني ثلاثة شيوخ من قبيلة الحويطات الأردنية هم الشيخ سالم بن نجاد ومعه اثنين من شيوخ عشيرة المطالقة من قبيلة الحويطات وتم سجنهم لفترة طويلة بعد أن تم استدراجهم بالحيلة والخديعة. كان الشيخ سالم بن نجاد أكبرهم سنا، وقد دبر الشيخ البطل ابن نجاد خطة لتهريب كل من الشيخين الآخرين، بعد ان أقنعهما بأن يسيرا إلى قبيلة الحويطات والعشائر الأردنية الحليفة لها كقبيلة بني عطية في البادية الأردنية الجنوبية ليحرضوهم على الاستمرار في إعلان الثورة ضد الاحتلال العثماني، وقطع طريق امداد الجيش العثماني الذي يمر بالمنطقة، ومهاجمة كافة الحاميات والقلاع والسجون العثمانية فيها .

ومن ثم شهدت العلاقة بين قبيلة الحويطات والاحتلال العثماني العديد من المواجهات المباشرة والدامية، وخاصة بعد تأسيس لواء الكرك عام 1892. إذ تُظهر وثيقة من وثائق (ميرزا وصفي )[1] عام 1893م رفض قبيلة الحويطات عموما وعشيرة الجازي بقيادة الشيخ عرار بن جازي تحديدا دفع الرسوم الضريبية المفروضة على الأغنام و الأبل.

كتاب من متصرف معان إلى رفعت بكباشي البوليس ميرزا وصفي حول رفض قبيلة الحويطات دفع الضرائب بالعثمانية؛ حقوق النشر محفوظة لدى دائرة المكتبة الوطنية
كتاب من متصرف معان إلى رفعت بكباشي البوليس ميرزا وصفي حول رفض قبيلة الحويطات دفع الضرائب – منقولة للعربية؛ حقوق النشر محفوظة لدى دائرة المكتبة الوطنية

وفي عام 1894 وبعد امتداد سلطة الاحتلال العثماني نحو معان والمناطق التي يمتدّ فيها نفوذ وانتشار قبيلة الحويطات، رفض شيوخ عشيرة الحويطات وعلى رأسهم الشيخ عرار بن جازي أن يتنازلوا عن أي شكل من أشكال السيادة والحكم الذاتي للحكومة العثمانية وقام الشيخ عرار بن جازي – وكردٍّ مباشر وصريح على الرفض المطلق للاحتلال العثماني – بشن هجوم سريع ومباغت على القوة العسكرية العثمانية في معان، واستطاع فرسان عشيرة الحويطات قتل عددا من جنودها، قام الاحتلال العثماني بعدها على الفور بمطاردة الشيخ عرار بن جازي والقبض عليه بالخديعة وسجنه في سجن الكرك، وأفرج عنه بعد عامين بعد ضغط متواصل من شيوخ ووجهاء العشائر الأردنية وفرسان قبيلة الحويطات[2].

من اليمين : الشيخ البطل عرار بن جازي ( أبو حمد ) وأخيه الشيخ الفارس عبطان بن جازي (عبطان الخيل )، الصورة من مجموعة المستشرقة البريطانية جرتروود بيل في رحلتها الى منطقة البادية الاردنية ، عام 1868

قامت سلطة الاحتلال العثماني بمحاولة جديدة لإجبار قبيلة الحويطات على دفع ضرائب سنتين مقدما، وأرسلت سرية عسكرية لجمعها، فأبى الفارس البطل الشيخ عودة أبو تايه الدفع فقام جنديان عثمانيان برميه بالرصاص غدرا فلم يصيباه، فردّ عليهما بالمثل وقتلهما بينما فرّ باقي الجنود العثمانيين خوفا من ذات المصير[3].

ثورة الحويطات 1898

كانت حادثة أسر الشيخ سالم بن نجاد وأبناء عمومته من شيوخ المطالقة  قد ألهبت النّار في نفوس فرسان قبيلة الحويطات، وما أن وصل شيوخ عشيرة المطالقة إلى مضارب القبيلة بعد هروبهم من السجن بفضل الخطة المحكمة للشيخ ابن نجاد، سارع هؤلاء ببث دعوة الشيخ السجين إلى شيوخ القبيلة وحلفائها، واشتعل طلب الثأر في صدورهم ، فانطلقت الثورة عام 1898 حيث عمدت قبيلة الحويطات إلى الثورة ضد العثمانيين، وأعلنت نيتها الاستقلال المطلق عن الدولة العثمانية، نظرا لاستفحال حالة التهميش للمنطقة وغياب جهود التنمية والبناء وإدارة المنطقة بعقلية المزرعة عبر جمع الضرائب دون مردود أو مقابل ومن ثم امتناع الدولة العثمانية عن دفع حقوق القبيلة المالية لقاء حمايتها لقافلة الحج الشامي وتأمينها باحتياجاتها في الخانات والقلاع المتوزعة في مناطق انتشار ونفوذ الحويطات، بالإضافة لقيام الدولة العثمانية بمد خط سكة القطار العسكري العثماني والذي وجد أصلا لقمع ثورات الأردنيين وإحكام السيطرة والقبضة على المدن الأردنية ومن ثم جمع الضرائب وفرض التجنيد الاجباري بالسرعة التي يريدها الباب العالي وظهر الأثر الاقتصادي السلبي بشكل واضح وصارخ على مصالح قبيلة والعشائر الأردنية المقيمة قرب طرق الحج، والتي كانت تعتمد بالمطلق على الضرائب والأموال التي تجنيها لقاء حماية قافلة الحج الشامي[4]، في الأراضي الممتدة من معان إلى تبوك في ظل غياب أي مورد آخر للرزق مع تضخم حالة التهميش العثماني وحكم المنطقة بالوكالة.

أعلن فرسان الحويطات وشيوخهم الحرب على العثمانيين ورفعوا راية الاستقلال عن حكم المحتل العثماني، وقد هوجمت كافة الحاميات العثمانية بضراوة وشجاعة منقطعة النظير، وقطع طرق إمداد الجيش العثماني في الجنوب، ودبّ الرعب في صدور الجنود العثمانيين وقادتهم، فأرسلوا للوالي يطلبون النجدة، فأرسل الوالي العثماني في دمشق جيشا كبيرا لبث الرعب في قلوب الأردنيين، لكن قبيلة الحويطات وحلفائها من العشائر الأردنية لم تخش قوة الجيش العثماني، واستمرت في ثورتها بمواجهة الجيش العثماني الجرّار الذي هزم من قبل فرسان العشائر الأردنية على أعتاب البادية النبطية الأردنية التي قهرته لمرّات عدة.

و بعد فترة وجيزة اصطدمت عشيرة أبو تايه مع قوة عثمانية مكوّنة من عشرة فرسان بقيادة قائمة حامية الاحتلال العثماني في الكرك سليمان آغا، ولمّا حاولت القوة العسكريّة العثمانية أخذ الإبل المرافق لعدد من فرسان العشيرة، أسرع فارس شاب من عشيرة أبو تايه راكبا فرسه يتبعه فارسان من العشيرة وتوغلوا بين القوة العسكرية العثمانية وأفرغ بندقيته على القوة فوقع أحد الجنود العثمانيين صريعا، وامعانا في الرد على البطش العثماني ضرب الفارس الحويطي بأخمص بندقيته رأس قائد القوة العسكرية  العثمانية سليمان آغا فأسقطه من حصانه على الأرض وأخذه أسيرّا، وعلى إثر بطولة فرسان الحويطات فرّ جنود الحامية العثمانية إلى مدينة الكرك ليحتموا في قلعتها، ودون أن يستطيعوا سرقة أي رأس من إبل الحويطات، تاركين أحد الجنود العثمانيين غارقا في دمه، وقائدهم أسيرا، أخذت هذه القصة تنتشر بين فرسان العشائر الأردنية كالنار في الهشيم مشعلة الرّغبة بالخلاص من هذا المحتل.

وعندما شعر الوالي العثماني أن الأمور تخرج عن سيطرته بشكل متسارع على نحو لا يمكن معه استيعاب ثورة الحويطات ومع وصول الأخبار إليه بانتشار الثورة كالنار في الهشيم في صفوف العشائر الأردنية القريبة من الحويطات، وتحت الضغط الشديد أمر بالإفراج الفوري عن الشيخ سالم بن نجاد واضطر مجبرا للتخلي عن رغبته بإعدامه حتى لا تمتد الثورة أكثر، واستطاعت قبيلة الحويطات بإسناد من فرسان العشائر الأردنية أن تحصد النصر وتفرض شروطها على المحتل العثماني المنهزم أمام سنابك خيلها.

الحويطات وثورة الكرك 1910

تكررت محاولات قبيلة الحويطات الانفصال عن الدولة العثمانية منذ عام 1898 عبر ثورتها العارمة وصولا إلى مشاركة فرسانها بعد سنتين من ثورة الحويطات في ثورات الشوبك عامي 1900 و 1905، ومن ثم مشاركتهم بفعالية في ثورة الكرك ( الهيّة ) عام 1910.

و إبان ثورة الكرك عام 1910 شاركة قبيلة الحويطات مشاركة فاعلة في الهجوم على محطات سكة القطار العسكري العثماني والحاميات العثمانية في معان والشوبك وغيرها من المواقع وذلك نصرة لإخوانهم من عشائر الكرك ولتضييق الخناق على العثمانيين ومنعهم من إمداد الحامية العثمانية المهاجمة للكرك، إذ تورد جريدة المقتبس، تقريرا مفصلا للهجمات التي قام بها شيوخ الحويطات خلال هذه الثورة، حيث تورد كيف توّجه الفارس البطل عبد القادر بن صالح المجالي إلى قبيلة الحويطات في منطقة الجفر، وضافوه في مضاربهم مدة ثلاثة أيام حسب أعراف الضيافة عند العشائر الأردنية، ومن ثمّ اتّفق مع شيوخ عشيرة الحويطات على إعلان الثورة في الكرك وتم التخطيط عسكريا على دور العشائر الأردنية فيها ودور قبيلة الحويطات على وجه الخصوص، ولمّا انطلقت الثورة بقيادة الشيخ البطل قدر المجالي ووصل الخبر إلى الحويطات قاد الشيوخ الأبطال محمد بن دحيلان أبو تايه، وزعل بن مطلق أبو تايه، وعودة بن زعل أبو تايه هجوما واسعا على الحامية العسكرية العثمانية في معان، بينما هجم الشيخ البطل محمد بن عرار الجازي وعدد من فرسان عشيرة الجازي على مأموري معان ( مكاتب الإدارة العثمانية )، كما هاجموا محطة التلغراف العثماني في ضانا لقطع خطوط التواصل العسكري مع حامية الكرك، وباغتوا المحطة البحرية العثمانية في العقبة، في ذات الأثناء هجم الشيخ البطل حمد بن عرار الجازي وعدد من فرسان عشيرة الجازي على سكة القطار العسكري العثماني وعدد من محطاته، بينما هجم الشيخ البطل سحيمان الجازي وعدد من الفرسان، على مكتب جابي الضرائب العثماني ( كامل أفندي ) والسرية العسكرية العثمانية المرافقة له في الشوبك، بينما هاجم الفرسان عرسان بن ذياب ومفلح أبو ركيبة وعدد من فرسان الحويطات على عدة محطات للقطار العسكري العثماني وأحرقوها، وهاجم الفرسان جراد بن حرب العودات ونهار صباح العودات الحامية العسكرية العثمانية في الطفيلة.

الفرصة الحاسمة

شعرت قبائل الحويطات بشيوخها وفرسانها ونشمياتها بقرب فرصة الخلاص النهائي من المحتل العثماني لما تسامعوا بأنباء الثورة العربية الكبرى، فانضموا لصفوفها وقاد شيوخها وعقداء الخيل فيها الصفوف الأولى لقوات الثورة العربية الكبرى حتى تكللت الجهود بتحرير الأردن وتطهيره نهائيا من الاحتلال العثماني.

    

المراجع

  1. النجادات، نايف محمد، الحويطات ودورهم في الثورة العربية الكبرى، عمان، 1989م.
  2. بيك، فريدرك، تاريخ شرقي الأردن و قبائلها ، الأهلية للنشر والتوزيع، عمان ، 2004 .
  3. الشرعة، ابراهيم ، موقف القبائل البدوية من قافلة الحج الشامي و الخط الحديدي الحجازي ، الدارة ، العدد 4 ، 1426 هــ .
  4. دائرة المكتبة الوطنية،  الوثائق الخاصة، مجموعة ميرزا وصفي .

[1] مجموعة ميرزا وصفي، وثيقة رقم م و 1/21/1. تاريخ 8/10/1310 هــ

[2]  فريدرك بيك ، تاريخ شرقي الأردن و قبائلها ، ص 231.

[3] المرجع السابق،  ص 232.

[4] الشرعة ،ابراهيم ، موقف القبائل البدوية من قافلة الحج الشامي و الخط الحديدي الحجازي، ص :65-35.

ثورة الحويطات 1898

عانت الأردن طيلة عهد الاحتلال العثماني بغياب الدولة عن شؤون الحكم والتنمية والأمن، فتبدّل الولاة والحكام على المنطقة وانتقلت تبعية الأراضي والجباية فيها ، بتبدّل الحكام والولاة، فكلّما انتصر والٍ عثماني جديد على آخر ووافق على دفع الضرائب للباب العالي في الأستانة وجمعها من الأهالي بالنيابة عنه ، انتقلت كل الأراضي والنيمارات والمالكانات إلى عهدته بالضرورة في حقبة كان عنوانها الأبرز ( حقبة حكم المزرعة).

وفي الفترة التي توسع فيها  حاكم عكا العثماني ظاهر العمر (1685-1775) بإمارته ونفوذه ليسيطر على لواء عجلون وما حوله، أرسل ابنه أحمد ظاهر العمر (1728-1775) ليكون حاكما بالنيابة . وقد بدأ ببناء قلعة ومسجد في تبنة، انتهى منهما حوالي 1770؛ ثمّ انتقل إلى الحصن. وعلى تلها بدأ ببناء قلعة.

في تلك الفترة ومنذ حوالي 1760 كان واحدٌ من أبرز شيوخ الحصن هو الشيخ ابراهيم بن مصطفى نصير ( شيخ عشيرة  النصيرات) ، وقد ولد الشيخ ابراهيم حوالي العام 1720 وتزوج من عشيرة الهزايمة. وقد رُزق بالعديد من الأولاد، وبما أنه لم توجد إدارة مباشرة للاحتلال العثماني على الأراضي الأردنية وكانت شؤون الحكم تدار بالوكالة من قبل الولاة والجباة، فقد كان الشيخ هو كل شيء: القائد والقاضي والشرطي.

 

مشانقٌ محليّة

استهل الحاكم العثماني الجديد لمنطقة حوران أحمد بن ظاهر العمر تعيينه بالنيابة عن أبيه بنصب ثلاثة مشانق لتكون علامة على طابع الحكم القادم لأهالي حوران الأردنيين وذلك بعد أن انتهى من بناء الطابق الأول من القلعة، وبناء السور الخاص بها، والواضح أنه أراد تقصير المسافة على الثوّار والأحرار من فرسان العشائر الأردنية، فبدلا من إرسالهم إلى سجون المحتل في الأستانة ودمشق وإعدامهم بالمشانق هناك، قرّر أن يجعل العقاب محليا ومباشرا وسريعا توفيرا للجهد والوقت بإعدام الأردنيين وقمع ثوراتهم.

لدينا مشانق جديدة ، فلنجرّبها !

وليكرّس عهد الحكم الجديد بالسطوة والقتل طلب أحمد ظاهر العمر من الشيخ ابراهيم النصيرات جلب ثلاثة أطفال من أبناء العائلات المسيحية الأردنية من عشائر الحصن وذلك لتجربة المشانق عليهم. حاول الشيخ ثنيه عن الجريمة ففاوضه بتجربة المشانق على الخراف ومن ثم على فرسه شخصياً، لكن الحاكم أبى وتعنّت ثم توعد الشيخ ابراهيم إن لم يجلب له الأطفال المسيحيين لشنقهم سيقوم هو ويختار من أبناء العشائر المسيحية الأردنية في الحصن بشكل عشوائي.

 وعاد الشيخ ابراهيم النصيرات إلى بيته مهموما، فسألته زوجته عن الأمر، فأخبرها بما حدث، فما كان منها إلاّ أن قالت : ( بالله لا تتقلد خطية أحد تأخذه من حضن أمه وأبوه، وبكرة إذا جاء هذا الظالم فليأخذ أحد أبنائنا، ويعوضنا الله خيراً) فآثرت التضحية بأبنائها على أن تخون حق الجيرة والدم لتقدّم أبناءها بدلاً من أبناء أشقائهم المسيحيين.

وتنفيذا لوعدها قامت زوجة الشيخ ابراهيم النصيرات بإطعام أطفالها ومن ثم قامت بتغسيلهم وإلباسهم أجمل ثيابهم بينما حافظت على هدوئها حتى لا تخيفهم، وهي تعدُّ اللحظات التي تفصل أبناءها عن تدوين أسمائهم في سجل الشرف والفداء .

مشهد للصورة المتخيلة في ذهن النشمية زوجة الشيخ البطل ابراهيم النصيرات لأبنائها وهم معلقين على المشانق العثمانية – لوحة للفنانة هند الجرمي

وفي منتصف تلك الليلة من عام 1774 م ، إذ بباب الشيخ ابراهيم النصيرات يُقرع بشدة وعنف شديدين، وكان الوالي العثماني أحمد بن ظاهر العمر هو القارع طالبا من الشيخ أن يفتح له الباب، وعندما فتح الباب أخبره الشيخ أن الموعد لم يحن بعد وأن الأولاد سيكونوا حاضرين في الصباح للإعدام على المشانق، فإذ بالوالي العثماني المخلوع يحتضن الشيخ ابراهيم النصيرات قائلا: أنا دخيل عليك يا ابن نصير، أنا طنيب عليك يا ابن نصير. فسأله الشيخ بصدمة عمّا حدث؟، فقال أحمد بن ظاهر العمر : لقد أرسل الوالي العثماني أحمد الجزار رجالا ليقتلوني. وذلك بعد أن دبّت الصراعات بين الولاة العثمانيين في المنطقة وأصبح أحمد بن ظاهر العمر والجزّار خصوماً في صراعات السلطة وتم اعلانه ملاحقاً ومطلوباً.

حدث هذا الأمر عندما أثار توسع نفوذ الأمير ظاهر العمر حنق الباب العالي العثماني، ما دفعه إلى إعلان الحرب عليه وعزله وأبنائه عن مناطق ولايتهم وتوجيه جيش بقيادة الوالي العثماني أحمد باشا الجزّار للقضاء عليه .

حينها استجدى الوالي المخلوع أحمد بن ظاهر العمر الشيخ ابراهيم النصيرات بأن يوصله بأمان إلى الأمير الغزاوي في الغور، وللوهلة الأولى أراد الشيخ ابراهيم النصيرات أن يفتك بالحاكم عقابا له وثأرا لكرامة الأطفال، لكن زوجته صرخت منبهة أنه دخيل بعُرف الأردنيين وتقاليدهم، وأن تقديم أولادهم بدلاً عن خيانة جيرانهم لا يزيد أهميةً بالمنظومة القيمية الأردنية عن إجارة الدخيل ولو كان قد ذبح الأولاد فعلياً.

فاستجمع الشيخ ابراهيم النصيرات قواه وضبط أعصابه وقام بترحيله مع مجموعة من الحرس إلى الغور مع ورقة تحمل ختمه، وطلب أن يختمها الأمير الغزاوي بعد وصول (الدخيل)، وأخذ منه مفاتيح منزل تل الحصن التي كان الطابق الأول منها قد أنجز، والعمل قائم على الطابق الثاني، وأحسَّ العمال الذين جلبهم الحاكم العثماني معه بعد زمن باختفاء الحاكم، فهربوا دون أن يكتمل بناء الطابق الثاني .

الغدر والثأر

وحسب الرواية الشفوية وقبل هروب الوالي العثماني أحمد بن ظاهر العمر وانقلاب العثمانيين على أبيه بأيام قليلة كان قد دعى الشيخ موسى الحمد الخصاونة في قرية تُبنة الى الغداء وبنيته الغدر به بعد أن خشي من خطرِ زعامة الخصاونة على ناحية بني عبيد ومناوئتهم للعثمانيين. وعند قدومه قام بغدره وأمر بضرب عنقه على سدر الطعام داخل بيته وأخفى الأمر ليتم التمثيل بجثته باليوم التالي،إذ علَقَ رأسَه على باب قلعته في بلدة تُبنه في الكورة التي كان يتخذها مقراً له وسجنَ العديدَ من رجالاتها، ولا تزال المعمرات من عشيرة الخصاونة يهزجن عن الشهيد البطل الشيخ موسى الحمد الخصاونة بالقول ”  موسى الحمد يا مطلع الجردة ….حملها رحلين ورواقها فردة “.

وعندما علم فرسان عشيرة الخصاونة ما حصل بشيخهم الشهيد البطل موسى الحمد الخصاونة قاموا ومعهم جمع من باقي فرسان الحصن بالذهاب إلى منزل الحاكم فلم يجدوه، فكسروا المشانق وأخذوا جميع الأسلحة والذخيرة التي وجدوها ووزعوها بين الفرسان وأرسلوا الى شيخ الغزاوية أن هذا الوالي المخلوع مطلوب لهذه الفعلة الشائنة وأن تسليمه للقاضي العشائري أمر لا يمكن تجاوزه أو التنازل عنه.

وكُسِرت المشنقة

وقبل ساعات من انفاذ قوانين القضاء العشائري الأردني المتجذر في التاريخ، كان أحمد ظاهر العمر قد خرج من الغور الى فلسطين وقد خرج من دخالة الأمير الغزاوي بحكم التقاليد بعد أن غادر ديرته، حيث لحق به بعض فرسان عشيرة الخصاونة فقتلوه وجنوده في الطريق وأحضروا بعض متعلقاته الشخصية وعلقوها فوق بيته السابق بالحصن.

بينما تشير روايات أخرى أنه حين سقطَ حُكم ظاهر العمر في عكا بعد انقلاب والي دمشق عليه، ثار العجلونيون على ابنه أحمد الظاهر، وطاردوه حتى قرية «لوبية» غربي طبريا.

خاتمة

ليس هذا الحدث برمزيته وعظمته ببعيد عن مسيرة كفاح الأردنيين نحو الاستقلال من الاحتلال العثماني، ولا هو بمختلف أو طارئ على سيرة الأردنيين ووئامهم، ولأجل هؤلاء العظام من أمثال أجدادنا وجداتنا الشيخ ابراهيم النصيرات وزوجته تستحق هذه المسيرة الوطنية أن تخلّد وتبقى في ذاكرة الأردنيين لا كقصة عابرة بل كنقش متوهج في صدورهم .

المراجع :

  1. نصير، د.عبدالمجيد، ورقة بحثية منشورة عن عشيرة النصيرات .
  2. كرد علي، محمد، خطط الشام، دمشق، 1925.
  3. الزركلي، خير الدين، موسوعة الأعلام، 1980.

مشانق الحصن

مقدمة

اهتم الأردنيون الأنباط بفن العمارة بشكل واسع، وهذا ما يؤكده الإرث العمراني الضخم الذي خلفوه، وما يزال قائماً حتى يومنا هذا بكل شموخ وصلابة، وحيث أن عمر الحضارة الأردنية النبطية امتد على مدى قرون، فقد كان الفن المعماري النبطي متباينا، ومتطوراً باستمرار، حيث بلغ من البذخ في ذروة هذه الحضارة، ما سبق حضارات استعمارية ضخمة، ونورد في هذا البحث ملامح هذا الفن العظيم الذي أولاه أجدادنا الأردنيون الأنباط اهتماما منقطع النظير، بطريقة تساهم في تعزيز فهم القارىء لما يراه ماثلا بعينه من إرث عمراني يشكل قفزة ضخمة في فن العمارة على مستوى البشرية.

في هذه المدخل البحثي من إرث الأردن تقرؤون الجزء الرابع من سلسلة الفن المعماري عند الأردنيين الأنباط.

أنماط وسمات الهندسة المعمارية عند الأردنيين الأنباط

جرت عمليات البناء لدى الأردنيين الأنباط ضمن أُطر محددة بتناغم مع الطبيعة والعوامل البيئية فضلاً عن نوعية المكان والذي بدوره أغنى هذه الحضارة ومنحها هويتها الحضارية التي تميزت بها عبر باقي العصور السابقة واللاحقة، وكما ذكرنا سابقاً فقد قُسمت العمارة في الحضارة الأردنية النبطية إلى قسمين رئيسيين الأول يختص بالعمارة الدنيوية أما الثاني يختص بالعمارة الدينية وفيما يلي تفصيلٌ عن القسم الثاني منها.

العمارة الدينية في الحضارة الأردنية النبطية

 عمارة المعابد الأردنية النبطية

اهتم الأردنيون الأنباط بتزيين وتعظيم معابدهم، حيث اختلفت المعابد النبطية في بنائها ومعمارها على حسب البيئة الطبيعية التي تواجدت فيها والتي بدورها شكلت فضاء روحيا خاصا.

ومن الجدير بالذكر أن بعض المعابد قد تحولت إلى أضرحة ولكن معالمها الأصلية صمدت، وقد شكلت خزنة فرعون أنموذجا رائعا للعمارة الأردنية النبطية التي لا زالت راسخة إلى اليوم، فقد بدت الخزنة وكأنها مدفونة داخل صخر جبل المذبح الذي نحتت فيه، وقد تكونت من طابقين؛ الطابق السفلي مزين ومسنود بستة أعمدة من الطراز الكورنثي وتحمل فوقها سطحا نقش عليه رسمان لأبي الهول ورسمان لأسد ولفهد وعلى الجانب الأيمن من الأعمدة نرى رجلا حافي القدمين يقود جمل، وأفعى تحاول لدغ رجل في قلبه على اليسار، كما نرى المثلث الهليني ضمن مساحة مزخرفة معتلية الأعمدة، وتكون الطابق السفلي للخزنة من ثلاث اسطوانات تفصل الواحدة عن الأخرى كوتان اثنتان نحتتا في الصخر، وتكونت الأسطوانة الوسطى من عمودين يعلوهما تاج نصف دائري محزز وجرة فوقها تمثال للإله العزى .

لقد اشتركت المعابد في العديد من الأمور من بينها النقوش والمنحوتات ولعل أكثر المنحوتات بروزا تلك التي نراها للأمازونات الواقفات بثياب قصيرة رافعات سلاحهن من البلطات فوق رؤوسهن، بالإضافة إلى منحوتات لنساء بأجنحة يٌعتقد بأنهن أحد أشكال الملائكة وتزين شرفة الطابق برسومات الزهور والثمار والنسور .

كما قسم الباحثون في الحضارة الأردنية النبطية المعابد إلى قسمين معابد شمالية وجنوبية، فقد تميزت المعابد الشمالية ذات المساحة المستطيلة مع المقعد الدائري المنتصب بانتظام أمام المعبد والذي شكل جزءا من تصميم المبنى، أما المعابد الجنوبية فقد قسمت إلى أجزاء تمثل الأول بمقدس وفي كل جزء غرفة واسعة ومن ثم تأتي الأجزاء الثانوية، ومن الجدير بالذكر أن بعض المعابد لها علاقة مباشرة مع الثراء لا سيما في الفترة بين القرن الثاني قبل الميلاد حتى القرن الثاني الميلادي والذي اتضح فيه التزايد في عدد المباني الدينية والآلهة الحامية، كما كانت كلمة (م ح ر م ت) والتي تعني مكانا مقدسا أو محرابا أكثر من كونها معبدا، كما شاعت عدة كلمات للمعابد ككلمة ( ب ي ت ا) والتي تعني بيت الآلهة .

أ. معبد بعل شمين  

يقع المعبد في سيع ويمتاز بأنه أكبر المعابد في تاريخ المملكة الأردنية النبطية وقد تم تكريسه لعبادة الإله بعل شمين إله الخصوبة، كما تضمن شتى تفاصيل المعابد الأردنية النبطية بجميع تقسيماتها، كما غطى المعبد الخارجي ما مساحته 19*20 م، وعند الدخول من الممر الذي يلي المدخل عبر الرواق فيقودنا إلى المقام الداخلي والأبراج ذات المداخل الثلاثة، أما مساحة المقام الداخلي فقد قُدرت بـ 8.28*7.26 م، كما تشكلت وسط المعبد صومعة مفتوحة للسماء بأربعة أعمدة ذات قواعد حرة وقد كانت مكاناً عالياً للعبادة ومن المعتقد أنها مقبرة مركزية، بلغت المساحة المكشوفة بين المقام الداخلي والخارجي للمعبد أربعة أمتار، وتم العثور على عدد كبير من النقوش النبطية واليونانية في بقايا المعبد والتي بدورها ساعدت على تأريخ مراحل عديدة لهذا المركز الديني، وأكثر النقوش أهمية هو نص تكريس المعبد والذي تم تأريخه بين 33/32 أو 2/1 قبل الميلاد، والذي باكتشافه ساعد على تحديد أجزاء متعددة من هذا المعبد كالمقامات الداخلية والخارجية بالإضافة إلى أروقة المعبد المغطاة في الساحة، بالإضافة إلى المسرح الذي امتلك مكانة بارزة في حياة الأردنيين الأنباط خاصة في شعائرهم الدينية والذي أثبته نص آخر وُجد أيضاً في هذا المعبد، كما عُثر على العديد من الموجودات الأثرية التي من المرجح أنها كانت تُؤخذ للطقوس التعبدية والولائم الجنائزية، والتي تم شرحها من خلال عدة أجزاء مزخرفة تم اكتشافها في معبد خربة التنور.

ب. معبد الأسود المجنحة في البترا

يعد معبد الأسود المجنحة من أكبر المعابد الأردنية النبطية كما يُعد بناءً فريدا زود الباحثين بآثار نادرة عن الأردنيين الأنباط وعباداتهم، يُطل المعبد على البوابة الرومانية الثلاثية المتصلة بالشارع، مطلاً على طريق الجسر فوق مجرى المياه في لحف جبل، كما تشير الأسود المجنحة  التي يمكن أن تكون رمزا للإلهة العزى ومن المرجح أنه كان مكرسا لعبادة الإلهان العزى آلهة المرتفعات والإله دوشرا إله الشمس والخمر معاً، ومن المُعتقد أن المعبد قد بُني حوالي 27 ميلادي، وتكون المعبد من شرفة أمامية تتقدمها أعمدة بطول 9,5 م ويتم الدخول منها عبر البوابة العريضة إلى قاعة المعبد الرئيسية ذات الشكل المربع المحيط بالأعمدة التي بنيت في الجدران، وبداخلها صفان من الأعمدة، ووُجدت منصة المذبح بارتفاع 1.3 م في أقصى القاعة، كما وُجد على جانبي منصة المذبح إلى الجهة الأمامية مدرجات ذات أبواب حديدية، حيث كان يجري الطواف حول المنصة التي كانت ترتفع عليها أنصاب الآلهة، كما تقع خلف المنصة فسحة توضع عليها التقدمات التي تقدم كهدايا ونذور للمعبد والتي وُجد فيها تماثيل للآلهة، ومن الجدير بالذكر أن قواعد الأعمدة تكونت من حلقة رخامية تحيط بالقاعدة الحجرية كما استخدم الرخام البني لأعمدة المنصة بينما استخدم الرخام الأبيض لباقي الأعمدة أما تاجيات الأعمدة المزخرفة فقد مُثلت على زوايا بعض منها أسود مجنحة ومن هذه الأسود جائت تسمية المعبد ومن المُرجح أن تكون هذه التاجيات لأعمدة المنصة .

بُلطت أرضية القاعة الرئيسية بالرخام الأبيض المموج بالبني بينما بُلطت المنصة بالرخام الأبيض والأسود وزُخرفت جدران المعبد الداخلية بالرخام والقصارة الملونة والجص وعُثر على قطع جصية بأشكال رؤوس آدمية وأقنعة مسرحية وأشكال أزهار مثبتة على الجدران أما بالنسبة للسقف فقد كان مقوساً ومغطى بالقرميد .

ووقعت عدة منشآت سكنية وراء جدران المعبد الخلفية بالإضافة إلى مشاغل الدهان وتصنيع المعادن والمذابح ومعصرة زيتون ودرج رخامي فضلاً عن مشغل للرخام عُثر فيه على قطع من كتابة نبطية أُرخت للسنة السابعة والثلاثين من حكم الحارث الرابع أي لحوالي 26-27 ميلادي، ومن المرجح أن يكون تاريخ هذه الكتابات مرتبط بتاريخ بناء المعبد أي في حدود نهاية القرن الأول قبل الميلاد، ومع بداية القرن الثاني من الميلاد كان المعبد قد أُحرق وتهدم ثم أعيد بناؤه كمنازل صغيرة واستعمل حتى منتصف القرن الرابع الميلادي حتى تهدم في الهزة الأرضية عام 363 م .

ج. معبد قصر بنت فرعون

سُمي اختصارا بقصر البنت ولعل هذه التسمية الشعبية لمعبد الإله ذو الشرى، يقع المعبد على النهاية الغربية لوادي موسى تحت الجبل الحبيس على منصة ضخمة بمساحة 60*120 م في الساحة التي تلي البوابة التذكارية الرومانية، ويُرجح أن يكون قد بُني في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد وترتفع جدران هذا المعبد إلى ما يُقارب 23 مترا، وبُنيت بوابة المعبد على شكل بوابة مقوسة، وقد كان مخطط المعبد مثيراً للاهتمام من حيث تقسيمه فقد بُني ضمن صنف صندوق في صندوق الذي بُنيت عليه الكثير من المعابد الأردنية النبطية، فيما كانت طقوس العبادة في هذا المعبد من تضحية الحيوانات على المذبح الكبير في الساحة حيث يتم حرق البخور بوصوله للسقف وعند الانتهاء من هذه الطقوس كانت تُقام وليمة فاخرة، ومن المُرجح أن يكون المعبد هو المكان المُقدس في بترا والذي تم تكريسه للإله دوشرا إله الشمس والخمر.  

تميز معبد قصر البنت بمخطط أرضي واسع وكبير كما يحيط بالمعبد باحة خارجية مربعة الشكل أو على وجه أدق قد تكون مائلة للاستطالة قليلاً كما لم يتبق من السور الخارجي إلا أساساته، كما وُجدت ثلاث حنايا صخرية على جدرانه الثلاثة بالإضافة إلى بوابته في الجدار الرابع .

زُينت الواجهة الشمالية للمعبد بأربعة أعمدة كان يُصعد إليها من خلال درج من الرخام الأبيض وأٌقيم فيها مذبح للتقدمات يقع إلى الشمال بمواجهة قدس الأقداس، كما كان الكهنة يدخلون إلى المعبد من الفناء الخارجي إلى الهيكل ثم من بين الأعمدة  ومن الجدير بالذكر أن أنصاب الآلهة كانت ترتفع على منصة في المحراب الأوسط، وفي المرحلة الثالثة أُضيفت دعامات خارجية للجدران في القرن الثالث وأُقيمت مرافق للسدنة حول المعبد، كما بُنيت قرية شمال المعبد تتألف من عدة بيوت تتوسطها ساحات مركزية وفيها حمام وظلت مأهولة حتى العصر البيزنطي .

ويوضح المخطط الداخلي للمعبد تناظراً متوازناً لأقسام المعبد حيث تقع غرفتان كبيرتان على اليمين واليسار معاً بينما تقع الغرف الأصغر إضافة إلى المخازن في عمق المعبد إضافة إلى غرفة مركزية تتوسط المعبد .

كما زُينت المنطقة المحاذية للمبنى بتصاميم حرم وأزهار هندسية بألوان متنوعة، وطُليت الأعمدة الداخلية بالحصى، ومن المُرجح أن المعبد كان مخصصاً لعبادة اللات ورُجح تاريخ بناؤه إلى النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، وقد ذكر بعض المؤرخين أن المعبد كان مكرساً لعبادة الإله ذي الشرى ولأمه العذراء وهي العزى أفروديت وتم التأكد من ذلك عن طريق أجزاء من النصب المزينة بعينين يتوسطها الأنف بالإضافة إلى الكتابات التي أكدت هذه الرواية .

تم استعمال المعبد في العصر الروماني من القرن الثاني الميلادي ثم تعرض للنهب والحرق في أواخر القرن الثالث قبل أن يضربه زلزال 363 م .

د. معبد رم  

يعد معبد رم من أهم المراكز الدينية الأردنية النبطية، ويعود تاريخ تشييده إلى القرن الأول قبل الميلاد، وقد تم بناؤه على ثلاث مراحل.

تألف المعبد من بناية خارجية بطول 35*50 م وضم مقاماً داخلياً بطول 4*5 م، وبداخله صومعة مفتوحة باتجاه الشرق تحتوي في جدرانها الثلاثة على أعمدة متلاصقة بالإضافة إلى غرف جانبية، وقد ذكرنا أنه قد تم بناء المعبد ضمن ثلاثة أطوار، حيث ظهرت الأبراج المحتوية على درج بالإضافة إلى أجزاء أخرى في الطور الأول، وفي الحقبة الأولى كانت الصومعة محاطة بممر مشكلاً ساحة ذات أعمدة مفتوحة على الغرف الجانبية، كما تم اكتشاف درج أمامي عريض وتماثيل الآلهة التي وُقرت في هذا المعبد ومن المرجح أن تكون الآلهة هي اللات قرينة دوشرا إضافة إلى الآلهة الأخرى كـ بعل شمين سيد السماوات والعزى سيدة الينابيع ويبدو أن وجودها في محله بسبب موقع المعبد القريب من الينابيع كنبع عين الشلالة، بالإضافة إلى سلسلة المياه السطحية العذبة التي تقع بين الطبقة الصخرية والجسم الحجري الرملي لمرعى جبل رم.

هـ. معبد خربة التنور

يقع معبد خربة التنور في الطريق الجنوبي بين الطفيلة ووادي الحسا حيث يبعد ما يقارب 8 كم شمالاً عن معبد الذريح ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الأول قبل الميلاد والفترة التي تليه وقد كان مكرساً لعبادة الآلهة النبطية أترغاتس إلهة السمك والحبوب والفواكه والخضار والتي زُين تمثالها بقوس كبير يبرز قرن واضح في كل فتحة من فتحاته أما الحجر الأوسط للقوس فهو لنسر مبسوط الجناحين ومن الجدير بالذكر أن التمثال نُقل إلى متحف الآثار في عمان، كما كان مكرساً لعبادة الإله حدد والذي كان يرافقه الثور في تمثاله، بُني معبد خربة التنور على تل عال ومنعزل وسط الساحة المنبسطة على رأس جبل التنور وقد تبين أن المعبد بُني كهيكل أومذبح بينما جزئه السفلي كان عبارة عن صومعة أو مقدس، واحتوت البناية الأصلية للمعبد على منصة المذبح على شكل حرف U ومن الجدير بالذكر أنه كان يتم تجديد منصة المذبح في جميع أطوار هذا البناء كما وُجد درج متسلسل يقود إلى المذبح وإلى سقف البناية السفلي، كما تم تقدير حجم المعبد بما مقداره 36*47 م والتي غطت المعبد وساحته الكبيرة مع ملاحق في الشمال والجنوب من مساحة المعبد، امتلك المدخل بوابة واحدة من الجهة الشرقية وامتلكت البوابة أعمدة متوجة من الطراز الكلاسيكي الأردني النبطي وزُين كل عمود بلوحات ورسوم لنباتات كالقمح ومنحوتات بارزة من الحجر لنساء بأغطية رأس، كما احتوى المعبد في الجهة الشرقية باتجاه مدخل المقام الخارجي والمذبح على مقام خارجي مكشوف يضم في داخله مقاماً داخلياً فريداً ومساحته 3.7*4 م، كما احتوى المعبد على العناصر الضرورية للعبادة في ذلك الوقت كالمحرقة والتي وُجد فيها لاحقا رماد وعظام لضحايا ضمن حفر في أرضية الساحة ومكاناً لحرق البخور على قمة المقام بالإضافة لركن لولائم العيد في الغرف الملحقة بالمعبد والتي تم العثور فيها على حجرات مميزة في بعض منها .

و. معبد الذريح

 يقع المعبد في الجهة الشرقية من خربة الذريح على الضفة الشرقية لوادي اللعبان بالقرب من خربة التنور وتُقدر مساحته بـ 45*115 م  محتويا على ساحتين كبيرتين وقد بُني المعبد على واحدة من هذه الساحتين بمساحة 16.8*22.8 م، كما تم الاستدلال من خلال النقوش التي وُجدت في المعبد على وجود مسؤولٍ لعين المياه والذي كانت وظيفته هي السيطرة على الزراعة والري كما عُثر على نص يعود إلى القرن السابع ما قبل الميلاد، ومن الملفت بهذا المعبد هو واجهته الأمامية ذات التصميم والزخرفة الجمالية والدقيقة، كما تم العثور على عشرين معبد أردني نبطي شعبي لخدمة الأردنيين الأنباط وتسهيل عباداتهم .

ز. معبد التوانه  

جرت تسمية هذا المعبد تيمناً بمكان وجوده، وله عدة تسميات كمعبد ثونا باليونانية أو باللاتينية ثورنيا، ويقع هذا المعبد شمال شرق العاصمة الأردنية النبطية بترا على الطريق الروماني، وجُسدت بقايا البناء بالمعبد بمساحة 20*23.6 م والذي بُني داخل حصن بقياس 86*113 م، كما احتوى المعبد في الجهة الشمالية على ثلاث غرف مستطيلة ذات أبواب تتوسطها الغرفة الكبيرة كما ارتبطت هذه الغرف مع بعضها بأبواب داخلية، ومن الجدير بالذكر أن المعبد بُني على الطراز النبطي كمعبد القصر .

ح. معبد ذات الرأس  

يقع معبد ذات الرأس في شمال وادي الحسا ويُعد أصغر المعابد الأردنية النبطية هناك، حيث قُدرت مساحته بـ 9.85*31.85 م ويمتلك مدخلاً جنوبياً محاطاً بمحراب على الجانبين، اقتصر تصميم المعبد على مقدمة المعبد التي تظهر لنا عند الدخول من البوابة والمقام ومساحتهما 3.70*2.40 م، وبأقصى شمال المعبد يقع المقدس بمساحة 2.73*6.22 م أما بقية أجزاء المعبد فقد اقتصرت على البوابة الجنوبية التي تحتوي على ثلاثة مداخل .

ط. معبد مُحي  

عُرفت هذه البناية على أنها معبد لأنها امتلكت خصائص بناء المعبد الأردني النبطي على غرار معبد القصر، ويقع على المنحدر الأسفل لتلة واقعة شمال وادي الحسا على مساحة 12*23 م، تركزت المداخل الثلاثة في الواجهة الشرقية بالإضافة إلى برج سّلمي بعرض 4.05*5.5 م على الزاوية الشمالية الشرقية للمعبد، أما المعالم الداخلية للمعبد فلم يوجد أية بقايا للمعبد ما عدا البرج السّلمي والجدار الخلفي الذي تم تشييده لاحقاً .

ي. معبد قصر الربة  

يعد معبد قصر الربة من البنايات التي تم تعريفها لاحقاً بالمعبد، يقع هذا المعبد المعزول في قلب مؤاب شمال الربة، وقد تم بناء المعبد بعناية ودقة عالية حيث استُخدمت الحجارة الكبيرة مربعة الشكل وقُدرت مساحة البناية 27*31.60 م، وقسم إلى ثلاثة أقسام وصومعة بثلاثة مداخل، إلا في الجهة الجنوبية اذ احتوت واجهته الرئيسية على مدخلين وُضعت في رواق معمد عميق من أربعة أعمدة، كما احتوت الواجهة الأمامية على أبراج سَلمية، أما الأجزاء الداخلية للمعبد فقد كان تقسيمها ثلاثياً مشابهاً لمعبد التوانه .

ك. معبد ماعين  

تم الاستدلال على هذا المعبد بناءً على الزخرفة التي احتوت عليها البناية كما استُخدمت حجارة المعبد الكبيرة في بناء جدار بسيط في ماعين جنوب مادبا، ومن الأجزاء الباقية في هذا المعبد وُجد عمود مستطيل متوج مع بقايا قرنين وتمثال لرأس صغير متكسر وكان هذا التمثال مشابهاً للتماثيل الموجودة في المعابد الأردنية النبطية في السويداء وسيع وخربة التنور مما يُرجح أنها كانت أماكن تعبدية لنفس الإله .

ل. معبد السويداء  

احتوى معبد السويداء على جميع العناصر الرئيسية للمعابد الأردنية النبطية كالمقدس والصومعة بالإضافة للجدران المقسمة من حوله كما امتاز بعدد الأعمدة التي يمتلكها والتي احتضنت الصومعة، ومن الجدير بالذكر أن ترتيب رؤوس الأعمدة غير معروف كثيرا في القسم النبطي الجنوبي ولهذا السبب حمل الجزء السفلي للرأس صفين من أوراق الإقنثا، كما احتوى المعبد على جدار خارجي على شكل بهو معمد.

م. معبد أم الجمال 

اقتصرت أدلة التعرف على هذا المعبد الأردني النبطي الصغير الذي يقع في الزاوية الجنوبية الغربية لمدينة أم الجمال على واجهة بعمودين ولا تتوفر معلومات أوفى عنه.

ن. معبد جرش  

على الرغم أنه لا يوجد لحد الآن أية آثار على وجود مستعمرة أردنية نبطية في جرش، لكنها كانت تحمل اسم جرشو في نقش عُثر عليه في بترا بالإضافة إلى اكتشاف بقايا معبد بُني على الطريقة النبطية في جرش، وقد أكد على ذلك العديد من القطع النقدية الأردنية النبطية والتي عُثر عليها في أعلى جزء من مدينة جرش حيث وُجد المعبد، وقدرت مساحة المعبد الصغير الأصلي بـ 24*27 م كا اكتُشفت بقايا لثلاثة أعمدة وأجزاء لجداري المعبد الواقعة في النصف الشرقي من التيمونس، كما توسط المذبح الساحة وامتلك الرواق أربعة أعمدة بالإَضافة إلى قبو يُرجح أنه كان مكاناً للدفن أسفل الرواق، أما خلف الصومعة كانت هناك مساحة صغيرة شكلت المقدس، وفي الجانب الشمالي للساحة هناك سلسلة من الغرف الصغيرة متعددة الاستعمالات كغرف  للتخزين وللنوم، ومن الأمور التي دعمت هوية هذا المعبد أنه بُني على شاكلة المعبد ثلاثي الأجزاء في مؤاب .

س. معبد ذيبان  

تم ذكره في التوراة بمعبد ديبون ويقع إلى الشمال من قصر الربة، وتم بناؤه بجانب جدار مصطبة، تكون المعبد من حظيرة خارجية بمساحة 14.5*15.5 م يتم الصعود إليها من خلال سلمين عريضين يقودان إلى مقدمة المعبد والصومعة ذات التقسيم الثلاثي وإلى واجهته ذات العمودين، كما وُجد مدخلٌ يقود إلى المقام بمساحة 13*5 م، كما تم العثور على غرف سفلية ذات سقوف مقببة أسفل الصومعة على ما يبدو أنها كانت تستخدم كممر سري، كما احتوى المعبد على درج عريض في واجهته، واثنان من السلالم العريضة التي تقود إلى مقدمة وواجهة المعبد ذي العمودين، ومن الجدير بالذكر أن مخطط هذا المعبد متأثر بشكل كبير بمخطط معبد قصر البنت بحيث يمتلكان نفس مساحة المقدس الواسع بالإضافة إلى الصومعة ثلاثية الأقسام .

ع. معبد عبدة  

يقع المعبد في النقب ومُقام على جدار مصطبة ضخمة مع برجين ذا أدراج واقعة في الزوايا الشمالية الغربية والجنوبية الغربية للمصطبة التي تطل عليه، كما تكون البرج السُلمي من رصيف “ركيزة، دعامة” محاطة بصفوف الدرجات للسلالم والفسحات بين الدرجات والتي من خلالها يقودنا الدرج العلوي إلى رواق واسع يشغل الجزء الغربي لجدار المصطبة، وقد تم إعادة تكريس المعبد في منتصف القرن الثالث بعد الميلاد لزيوس كما اتضح من العديد من النقوش التي اكتُشفت في منتصف القرن الرابع بعد الميلاد، وقد تم هدم المعبد وبناء كنيسة في الجزء الشمالي منه .

ف. المقامات  

تعتبر المقامات من الأماكن التابعة للمعابد وعلى أية حال من المُرجح أن تكون معابد بدائية أو مزارات توضع فيها أنصاب تدل على العبادة وربما كان هناك غرفة واحدة للتعبد، ومن أهم المقامات هو مقام القمر على جبل عطوف الذي زُينت واجهته عمودان مخروطيان ينتهي بقمة كل منهما هلال، وربما كان هذا المكان لعبادة القمر .

ص. سبيل الحوريات  

يُعد سبيل الحوريات معبداً لآلهة المياه العذراوات بنات الإله أوقيانوس، وفي الحقيقة هناك سبيلان للحوريات أحدهما شمالي والآخر جنوبي يقعان في وسط العاصمة الأردنية النبطية بترا في الوادي الواسع الذي يفصل بينهما جبلا الخبثة والمذبح وجبلا الدير وأم بيارة، والذي يُعدان امتداداً لوادي فرسا ووادي الثغرة .

تكون سبيل الحوريات من نافورة على شكل عين ماء متدفقة مخصصة للعذراوات آلهة الينابيع وعيون الماء (النيمفات) وكان هذا المكان بمثابة أماكن سكن وعبادة لهن حيث جمعت في تكوينها المعماري بين المغارة والمنزل وعين الماء والمعبد، كما اكتُشف بقايا معبد أو هيكل صغير أمام السبيل .

ق. الأماكن المرتفعة “المعلاّيات”  

تعد المعلايات أحد الأماكن التعبدية البارزة وهي عبارة عن مساحة كبيرة ذات شكل بيضوي محفورة في جبل في وسطها مذبح للعطايا، ويتكون المذبح من مسلتين صخريتين تشيران إلى الإله دوشرا والإلهة العزى وكان المذبح بكامل مكوناته يشبه معبد الأضاحي المكون من بناية لها أبراج وحصن ومكونة من غرف وفناء مكشوف محاط من ثلاثة جهات بمصاطب مقطوعة من الصخر وخزان صغير للماء ومن أحواض القرابين والمسلات . وهناك عدد من المعلاّيات الأردنية النبطية في البترا أهمها معلى القرابين على جبل المذبح الذي يمكن الوصول إليه عن طريق المواكب النبطي الذي يبدأ بالصعود قرب المدرج مروراً بوادي المحافر .

ر. المسلات

كانت المسلات عبارة عن أنصاب عمودية ذات أربع وجوه تستدق قليلا كلما ارتفعت بالإضافة إلى بعض الخطوط والحزوز العرضية وانتشرت المسلات في أنحاء البترا وقد حمل بعضها كتابات ونقوش كما أن لبعضها قاعدة مدورة، ويقع ضريح المسلات على الجانب الأيسر من الطريق المؤدي إلى باب السيق، اذ انتصبت أربع مسلات أمام الضريح حمل بعضها كلمة الرقيم وهو الإسم السامي للبترا، وكانت الأنصاب في الغالب دلالة على وجود المقابر الأرضية أو المرتفعة بين الصخور .

ش. الموتاب  

ويُقصد بالموتاب  قاعدة عرش الإلهن وقد تم عبادتها كشيء بارز للإله يدعو إلى الوقار والإحترام ذلك لإن الإله نفسه روحي لا يمكن تصوره، وقد تم ذكر قاعدة عرش دوشرا مرتين في النقوش الأردنية النبطية، والذي شكل تطابقاً مع النصوص المدونة على ضريح التركمانية في البترا، والذي يسمى دوشرا “إله سيدنا وقاعدة عرشه (موتابه) المساوية لكلمة (حريشا)” واشتقاق كلمة موتاب من الجذر يتب بمعنى يجلس، كما فُسرت كلمة حريشا بمعناها المحروس أو المحص، وتُعد مقارنتها مع الكلمة العربية حرس صحيحة كما أنها تُعطي معنى الديوان أيضاً.

ت. النُصب  

قد يُطلق عليها المنحوتات وهي عبارة عن حجارة منحوتة تشير إلى إله أو مركز وقد تكون أيضاً منحوتات بلا ملامح أو على شكل حيوانات دالة وقد اكتُشفت العديد من النصب في البترا.

نصب الأسد

 يقع باتجاه الإنحدار من معلّية المذبح إلى وسط المدينة باتجاه وادي فرسا، وهو عبارة عن أسد كبير تخرج من فمه نافورة ماء، ويشير إلى الإلهة العزى حامية المدينة .

نصب الأفعى  

تنتصب الأفعى الحجرية على قاعدة صخرية مربعة الشكل في وادي الثغرة وتشير إلى الآلهة الأم ومن المرجح أن تكون اللات أو العزى .

نصب النسر

ويقع فوق التلة التي تمر من نفق المثلم على اليمين منحوتاً على كوة ومنفرشاً في وسطها، إلا أنه غير واضح المعالم وربما أشار هذا النصب إلى الإله دورا إله البترا .

زب فرعون  

وهو نصب حجري يقع خلف المعبد الكبير في البترا وقد شاعت هذه التسمية الشعبية له وربما أشار إلى الإله دوشرا .

ث. المسجدا (الكوة)

يسمى محراب العبادة لدى الأردنيين الأنباط مسجدا وتعني هذه الكلمة المكان المقدس أو الهيكل وهي عبارة عن حنايا حجرية وكوى بيضوية ومستطيلة داخل جدار أو صخرة تشبه المحراب ونُحتت فيها رموز أو أشكال الآلهة وقد وُضعت فيها تماثيل الآلهة وانتشرت هذه الحنايا في البترا وفي السيق البارد حيث عُثر عليها في الصخور المتصلة بجبال أو الصخور المنفصلة، وفي السيق البارد هناك عدد كبير من الحنايا للإلهين ذو الشرى والعزى واقفين بين فهدين وذُكر فوقهما اسم التاجر الذي تبرع بنحتهما وهو سابينوس الكسندروس .

خ. المغارات

وهي عبارة عن كهوف اتخذها العابدون أماكناً للتنسك والزهد وعملوا على تطوير شكلها البدائي ليجعلوه ملائماً لعبادتهم وسكنهم بما يروه مناسباً من رموز وإشارات ومنحوتات وأشكال الآلهة، ومن أشهر المغارات في البترا مغار النصارى الذي يقع غرب منزل دورثيوس وقد تميز بصلبان محفورة على الجدران .

ألواح الجن

تعتبر هذه الألواح نوعاً من الأنصاب الحامية للمدينة لأنها تشير إلى الإله دوشرا حامي المدينة، ومن المُعتقد أن تكون استخدمت أيضاً كخزانات مياه إلا أن هذه النظرية ضعيفة لعدم اتصالها بقنوات تدخل وتخرج المياه منها، وقد تعددت تسمياتها حيث كانت تسمى بصناديق الآلهة لاعتقاد الأردنيين الأنباط بوجود قوة روحية فيها كالجن والتي احتلت مرتبة تلي مرتبة الآلهة عند الشعب الأردني النبطي، وتعد ألواح الجن أو الصهاريج كما شاعت تسميتها بأنها أضرحة ناقصة وتوجد في عدة أماكن في العاصمة الأردنية النبطية بترا، لكن يقع أوضحها على يمين الطريق المؤدي للسيق حيث يبدو الصهريج الأول كشكل الصندوق الحجري، زُينت واجهته بأشكال مثلثة تشير إلى الرمز النبطي المسمى بعلامة الغراب، كما زُين اللوح الثاني بأعمدة ذات غطاء، ويعلو اللوح الثالث قبة مضلعة صغيرة .

فن التصميم الداخلي للأردنيين الأنباط

من الممكن ملاحظة أن العناصر الزخرفية لم تقتصر فقط على النُصب والمنحوتات وإنما وصلت أيضاً إلى البيوت والحجر في البيوت الأردنية النبطية، وكانت هذه العناصر تجسيداً لواجهات وتفاصيل معمارية تمثلت في فتحات الأبواب والإطارات المحيطة بها، ومن الواضح أن الفنان الأردني النبطي الذي صمم هذه الديكورات كان يأخذ بعين الاعتبار مساحة المكان وكلفة التصميم إلى حد ما، ومن الأمثلة النادرة على التصميم الداخلي للبيوت الأردنية النبطية الغرفة التي تقع ضمن مجموعة غرف لمنزل على سفحة مزينة بنبات الصبار و خط طولي من أزهار الدفلى ومطل على وادي الصيغ وسط البترا، كما اعتبرت من أساليب التزيين النادرة التي وصلت إلينا من هذه الحضارة الشيقة، ومن الأمور التي تُؤخذ بالحسبان هي مكونات الألوان التي احتفظت بقوة ألوانها على مدى 2000 سنة، ومن المُعتقد أنه تم استنباط اللون الأحمر من برادة الحجارة التي تحتوي على تركيز عالٍ من أكسيد الحديد، بينما اللون الأصفر فقد تكون من خليط من المعادن أبرزها الكبريت والحديد، أما اللون الأسود الذي نجده في الخطوط الرفيعة فقد تم الحصول عليه بسهولة من خلال الكربون الناتج عن تفحم الحطب أو عظام الحيوانات، وبالنسبة لللون الأخضر فيُعتقد أن الأردنيين الأنباط قد جلبوه من مناجم النحاس في منطقة خالد الواقعة في وادي فينان في عربة .

سيأتي يوم يستحدث فيها الإنسان الحديث أسلوباً يسمح لنا بسماع صوت الأزاميل وهي تنحت في الصخر فنطرب على هذا اللحن الخافت والذي أتى من عمل شاق في حلبة صراع بين عظام الرجال وصخر الجبال، سيأتي يوم نستشعر فيه المزيد عن عظمة هذا الشعب وقوة يديه التي عظم وجودها وعَلا صداها في الأرض .

المراجع

  • عباس ، إحسان ، تاريخ دولة الأنباط ، ط1 1987 ، دار الشروق للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
  • أبو حمام ، عزام ، الأنباط تاريخ وحضارة ، ط1 2009 ، دار أسامة للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
  • الماجدي ، خزعل ، الأنباط (التاريخ ، الميثولوجيا ، الفنون ) ، ط1 2012 ، دار النايا ، دار المحاكاة ، سوريا ، دمشق .
  • العجلوني ، أحمد ، حضارة الأنباط من خلال نقوشهم ، ط1 2002 ، بيت الأنباط ، البترا ، الأردن .
  • المحيسن ، زيدون ، الحضارة النبطية ، ط1 2009 ، وزارة الثقافة ، عمان ، الأردن .

سلسلة الفن المعماري عند الأردنيين الأنباط – الجزء الرابع

مقدمة

اهتم الأردنيون الأنباط بفن العمارة بشكل واسع، وهذا ما يؤكده الإرث العمراني الضخم الذي خلفوه، وما يزال قائماً حتى يومنا هذا بكل شموخ وصلابة، وحيث أن عمر الحضارة الأردنية النبطية امتد على مدى قرون، فقد كان الفن المعماري النبطي متباينا، ومتطوراً باستمرار، حيث بلغ من البذخ في ذروة هذه الحضارة، ما سبق حضارات استعمارية ضخمة، ونورد في هذا البحث ملامح هذا الفن العظيم الذي أولاه أجدادنا الأردنيون الأنباط اهتماما منقطع النظير، بطريقة تساهم في تعزيز فهم القارىء لما يراه ماثلا بعينه من إرث عمراني يشكل قفزة ضخمة في فن العمارة على مستوى البشرية.

في هذه البحث من إرث الأردن تقرؤون الجزء الثالث من سلسلة الفن المعماري عند الأردنيين الأنباط.

أنماط وسمات الهندسة المعمارية عند الأردنيين الأنباط

جرت عمليات البناء لدى الأردنيين الأنباط ضمن أُطر محددة بتناغم مع الطبيعة والعوامل البيئية فضلاً عن نوعية المكان والذي بدوره أغنى هذه الحضارة ومنحها هويتها الحضارية التي تميزت بها عبر باقي العصور السابقة واللاحقة، وكما ذكرنا سابقاً فقد قُسمت العمارة في الحضارة الأردنية النبطية إلى قسمين رئيسيين الأول يختص بالعمارة الدنيوية أما الثاني يختص بالعمارة الدينية وفيما يلي تفصيلٌ عن القسم الأول منها.

العمارة الدنيوية في الحضارة الأردنية النبطية :

  1. العمارة السكنية

تُعد العمارة السكنية من أهم أقسام العمارة الدنيوية لدى الحضارة الأردنية النبطية لغناها الذي بدوره تميز بإبراز الهوية الحضارية للأردنيين الأنباط

أ- فئة القصور والمساكن الكبيرة : اتصفت هذه المساكن بأنها كانت فارهة جداَ لتفي بمتطلبات فئة قليلة من المجتمع الأردني النبطي، اذ اقتصرت على فئة رجال الدولة وكبار التجار، وجرى تقسيم هذه المساكن لتتضمن عدة حُجر منها للجلوس وللنوم بالإضافة إلى غرف الخدمات كالمطابخ والحمامات التي تتكون من مرجان صغير وموضع للغُسل أُنشئ في صُلب الجدار وقريباً من مدخل الحمام وغرف التخزين، كما زُودت هذه القصور بنظام مائي متطور يتناسب وفخامة القصر، وتُعتبر العاصمة الأردنية النبطية البترا أحد أهم الأماكن التي تتواجد فيها هذه الفئة بكثرة، أما بالنسبة للمساكن الكبيرة أو ما تُعرف بالفيلا فقد انتشرت في القرى والمدن الجنوبية في الأردن وتختلف عن فئة القصور الكبيرة بأنها قُسمت إلى ثلاثة أقسام هي قسم الاستقبال وقسم الخدمات وقسم العائلة، ومن الجدير بالذكر أن هذه الفئة من المساكن كانت مزودة بآبار لتخزين مياه الأمطار.

كما لوحظ أن الأردنيين الأنباط قد بنوا البيوت بشكل متلاصق أو متقارب لاشتراكها بالسطوح بالإضافة إلى الفناء الداخلي أو ما يُعرف بالحوش وهي ساحة مفتوحة على السماء الذي تتفتح عليه الغرف ومرافق المنزل مع درج خارجي يؤدي إلى الأدوار العليا، حيث كان الحوش يمثل لقاء العائلة الأردنية النبطية وحياتها المشتركة، أما النوافذ فقد صُممت مرتفعة عن الفناء الداخلي ومطلةً على الخارج، أما الأبواب فمنخفضة ومصنوعة من الخشب، كما دلت بعض الأبحاث على أنهم لم يضعوا أبواباً للغرف الداخلية، حيث كانت بعض هذه المساكن تحتوي على اصطبلات ومزاود، ومثال على فئة المساكن هذه قصر كرنب في النقب والعديد من المساكن في الحميمة .

ب- فئة البيوت التي نُحتت في الصخور

 لعل هذه البيوت هي من شكلت هوية الأردنيين الأنباط وعبقريتهم في النحت، وقد كانت البترا والسيق البارد محطاً لهذا النوع من البيوت الأردنية النبطية، ومن الجدير بالذكر أن هذه البيوت نُحتت بتناغم مع طبيعة المغاور والكهوف والتي حولها الأردنيين الأنباط بمهارة بنائيهم إلى بيوت أشبه بخلايا النحل، ومن الطبيعي أن تختلف أحجام هذه البيوت بحسب حجم المغارة والتي شكلت نُواة المنازل الأردنية النبطية، ومن البيوت المنحوتة الجديرة بالذكر البيت المصبوغ في السيق البارد قرب البيضا، حيث يُصعد إليه بمدرجات وسلالم قصيرة ويتكون من غرفة واسعة  أحيطت بغرف صغيرة واحدة منها بالعمق وقد زُينت برسوم وزخارف نبطية، والمنزل الذي يقع مقابل مسرح البترا والذي تميز بمساحته وبمنعته وبجدرانه المكسوة والمصبوغة في بعض المرافق، وقد عُثر تحت أرضيته على بعض الفخار النبطي، وكان ارتفاعه ثلاثة أمتار.

ج- فئة المساكن الريفية (مساكن المزرعة)  كان المسكن الريفي عبارة عن مجمع كبير يضم وحدات سكنية ومخازن واصطبلاً وساحات متعددة، كقصر الكرنب في النقب كما وُجد هذا النوع من المساكن في الحميمة وكان مؤلفاً من ثلاث أو أربع غرف حول ساحة مكشوفة وقد زُينت بزخارف بسيطة والتي عكست حالة المزارعين الاجتماعية والمادية .

د- فئة المساكن البسيطة  شكل هذا النوع غالبية مساكن الأردنيين الأنباط، والتي انتشرت بكثرة في الحميمة  واقتصرت على غرفتين أمامهما ساحة مكشوفة.

هـ – فئة المساكن ذات الصفة العامة  وكان هذا النوع من المساكن مصمم للأمور الخدماتية كخدمة كهنة وزوار المعابد، وانتشرت هذه المساكن في وادي رم والذريح .

2. عمارة المرافق العامة

اعتبرت العاصمة الأردنية النبطية البترا أبرز مثال على مثل هذا النوع من المباني كونها ضمت جميع أنماط المباني العامة إضافة إلى المباني الخاصة، وقد بُنيت المباني العامة وفقاً لمخطط المدينة العام حيث الشارع الرئيسي والشوارع الفرعية فضلاً عن الشوارع ذات المسارين، والشارع المحاذي للوادي والذي قسم المدينة إلى نصفين حيث لم يقف عائقاً أمام المهندس الأردني النبطي الذي بنى قنوات المياه في أسفله، وكذلك الأقواس الحجرية التي ترتفع عن سيل الوادي في فصل الشتاء، كما يمكن ملاحظة بعض من آثارها في الشارع الرئيسي بعد الانتهاء من شارع الخزنة .

أ. عمارة الحمامات

كان اهتمام الأردنيين الأنباط واضحاً بالحمامات بحكم قدرتهم على استنباط شبكات الري وتخزين المياه، ومن الجدير بالذكر أن الحمامت تختلف عن سبيل الحوريات بحكم أن سبيل الحوريات كانت أقرب إلى المعابد المائية لآلهة الينابيع الحوريات.

وهناك حمامان واضحان يقعان على شارع الأعمدة في وسط البترا، الأول صغير نسبياً ويقع على يمين البوابة الثلاثية مباشرة، أما الحمام الكبير والذي سُمي بالحمام البيزنطي فيقع على يسار الشارع المعمد وقد صنفه بعض الباحثين على أنه برج بيزنطي، وقد كانت جدران الحمام تحتوي على كوى لوضع المصابيح بالإضافة إلى الأعمدة الناتئة من الجدار والتي كانت تحمل تاجاً كورنثياً، كما وُجد في الحمام الكبير ثلاث غرف للبخار الحراري إحداها مدورة ومزودة بفرن .

ب. المسرح الأردني النبطي

بنى الأردنيون الأنباط المسرح في نهاية شارع السيق الخارجي في البترا، ثم أعاد الرومان استخدامه عام 106م، ويحتل المسرح مكاناً مطلاً على شارع السيق الخارجي حيث يقع خلفه مجموعة كبيرة من القبور والأضرحة، وتم تصميمه بشكل مقوس أو نصف دائري قُسمت مدرجاته إلى ثلاث أقسام بواسطة ممرات قوسية بالإضافة إلى منفذ دائري كما قُطعت مقاعده في الصخور الرملية بحوالي 700 مقعد، وبُنيت المنصة التي تقام عليها العروض كسطح صخري بالإضافة إلى ممران على أجنحة مكان العرض .

وقد أدى زلزال عام 263 م إلى تصدع جزء كبير وهدم القليل من المسرح، كما أدى إلى تحطيم واجهات بعض الأضرحة .

3. عمارة المداخل في الحضارة الأردنية النبطية

كانت المداخل تشكل بدايات الشوارع المؤدية إلى مركز المدينة، ويتم تمييزها من خلال بناء قوس النصر الذي يؤدي إلى باقي أجزاء المدينة وينظم شكلها وانقسمت العاصمة الأردنية النبطية البترا إلى مدخلين

أولهما : مدخل السيق  “باب السيق” حيث يمثل مدخل السيق نوعا من المداخل الطبيعية التي صنعتها الطبيعة وشذبها الإنسان، حيث ربط هذا المدخل الطريق المؤدي إلى سيق البترا بالسيق الداخلي كما عمل على تنظيم حركة الداخلين إلى المدينة، ويُعتقد أن المدخل كان قائما حتى سنة 1896 م.

وثانيهما : مدخل الشارع المعمد حيث ربط الشارع المعمد شوارع مركز المدينة وساحة قصر البنت، إذ احتوى هذا الشارع على الأسواق والحمامات والملاعب الرياضية، كما زين المدخل قوس تذكاري وأغلق المدخل بمصاريع خشبية، وكانت هذه البوابات تُبنى كشاهد تذكاري على نصر، في حين تميزت البوابة بطابع روماني حيث كانت مزينة بالرسوم والنقوش الرومانية والنبطية والتي تعلوها العقود والتيجان ذات الأعمدة المزينة بأشكال مختلفة، وقد كان هذا المدخل بأكمله نوعا من المداخل الاصطناعية التي بناها الإنسان .

4. عمارة الساحات العامة في الحضارة الأردنية النبطية

كانت الساحة بمثابة مكان يتجمع فيه الناس، وقد كانت ساحة السوق أو ساحة الندوة التي تلت البوابة التذكارية بالقرب من معبد البنت أشهر مثال على الساحات العامة في هذه الحضارة، حيث زودت بمصاطب حجرية ومدرجات ومقاعد على جانب جدار الساحة الجنوبي كما يُرجح بناء هذه الساحة في بداية القرن الميلادي الأول .

5. عمارة الشوارع في الحضارة الأردنية النبطية

كانت الشوارع بصفتها العامة واسطة لربط الأماكن ببعضها، وقد اقتصرت على ثلاث شوارع مختلفة عن بعضها بالتصميم تبعا لموقعها .

أ. الشارع المعمد   

بني الشارع المعمد في حدود العام 106م، إلا أن الأرصفة الأردنية النبطية تشير إلى تاريخ يرجع إلى القرن الثالث قبل الميلاد، ويمتد الشارع المعمد من ساحة قصر البنت في وسط البترا إلى نهاية السوق كما يسمى بالشارع المبلط بسبب رصفه بالطابوق، يُقدر عرض الشارع المعمد بستة أمتار وتمتد على أرصفة الشارع مجموعة من الأعمدة ذات التيجان  ويُرجح أنه كان مكاناً لعرض المواد التجارية إضافة للقصر الملكي والحمامات والأبنية الرياضية .

ب.شارع الواجهات 

يبدأ هذا الشارع مع السيق الخارجي أمام واجهات الأضرحة الملكية التي يبلغ عددها 44 ضريحاً، ويتفرع من هذا الشارع طرق فرعية عديدة غير مبلطة، لم يتحدد غرض استخدام هذا الشارع بسبب غياب ملامحه، و يُرجح أنه كان للعربات والخيول والقوافل التي تمر عليه .

ج. السيق

يبلغ طول السيق كيلومترين وهو شارع طبيعي يفصل بين جبل الخبثة والمذبح، وهو عبارة عن ممر وشارع بين صخور عمودية مهولة تكاد تتلامس مع بعضها إذ ما نظرنا للأعلى، وتقع على جانبي الطريق قناة مياه فخارية كما نشاهد حنايا صخرية ترمز للإله ذو الشرى والإلهة العزى .

6. عمارة الأسواق الأردنية النبطية

كانت الأسواق الثلاثية المطلة على الشارع المعمد مثالٌ واضح على النشاط التجاري الذي امتاز به الأردنيون الأنباط في حضارتهم، فقد سيطروا لفترات طويلة على التجارة التي ربطت الشرق بالغرب، حيث كان نشاطهم التجاري واسعا ليشمل البخور والتوابل وغير ذلك من السلع التجارية التي كانت منتشرة أبان حضارتهم، تقع الأسواق التجارية على يسار الشارع المعمد وهي السوق الأعلى والسوق المركزي والسوق الأسفل، وتميز السوقان الأعلى والأسفل بضخامتهما وشكلهما المربع والمستطيل .

7. عمارة مبنى الألعاب الرياضية في الحضارة الأردنية النبطية “الجمانيزيوم”

اقتصرت الألعاب الرياضية على مبنين ألا وهما الجمانيزيوم الأسفل ويقع على يسار البوابة التذكارية دخولا إلى الشارع المعمد وهو الأكبر، بينما يقع الجمانيزيوم الأعلى الأصغر منه بمحاذاته ويفصل بينهما مبنى صغير آخر .

ومن الجدير بالذكر أن الأردنيين الأنباط لم يغب عن أذهانهم بناء المسبح والذي يقع بجانب المعبد الكبير للبترا، ويُرجع تاريخ بنائه إلى نهاية القرن الأول قبل الميلاد .

المراجع

  • عباس ، إحسان ، تاريخ دولة الأنباط ، ط1 1987 ، دار الشروق للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
  • أبو حمام ، عزام ، الأنباط تاريخ وحضارة ، ط1 2009 ، دار أسامة للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
  • الماجدي ، خزعل ، الأنباط (التاريخ ، الميثولوجيا ، الفنون ) ، ط1 2012 ، دار النايا ، دار المحاكاة ، سوريا ، دمشق .
  • العجلوني ، أحمد ، حضارة الأنباط من خلال نقوشهم ، ط1 2002 ، بيت الأنباط ، البترا ، الأردن .
  • المحيسن ، زيدون ، الحضارة النبطية ، ط1 2009 ، وزارة الثقافة ، عمان ، الأردن .

سلسلة الفن المعماري عند الأردنيين الأنباط – الجزء الثالث

مقدمة

اهتم الأردنيون الأنباط بفن العمارة بشكل واسع، وهذا ما يؤكده الإرث العمراني الضخم الذي خلفوه، وما يزال قائماً حتى يومنا هذا بكل شموخ وصلابة، وحيث أن عمر الحضارة الأردنية النبطية امتد على مدى قرون، فقد كان الفن المعماري النبطي متباينا، ومتطوراً باستمرار، حيث بلغ من البذخ في ذروة هذه الحضارة، ما سبق حضارات استعمارية ضخمة، ونورد في هذا البحث ملامح هذا الفن العظيم الذي أولاه أجدادنا الأردنيون الأنباط اهتماما منقطع النظير، بطريقة تساهم في تعزيز فهم القارىء لما يراه ماثلا بعينه من إرث عمراني يشكل قفزة ضخمة في فن العمارة على مستوى البشرية.

في هذه البحث من إرث الأردن تقرؤون الجزء الثاني من سلسلة الفن المعماري عند الأردنيين الأنباط.

أنواع المساكن والأبنية في الحضارة الأردنية النبطية

بيوت الشعر أو الخيام 

انتشرت بيوت الشعر بشكل واسع على أطراف المملكة الأردنية النبطية، في مناطق البادية، حيث كان سكان البادية الأردنية النبطية يسكنون هذه البيوت، وقد ورثتها العشائر الأردنية إبان الاحتلال العثماني، وكانت وسيلة فعالة لمقاومة هذا الاحتلال، والتأقلم مع الوضع القائم الجديد.

وقد اختلفت  بيوت الشعر بناءً على عدة اعتبارات، فنجد أن بيوت الشعر تختلف عن بعضها البعض من حيث سعتها وفي سعة الخيمة دلالة على منزلة صاحبها ومكانته وثرائه، كما يتم قطع الخيمة إلى نصفين قسم المحرم وهو للنساء وإذا كان المحرم كبيراً يتم تقسيمه على عدد الزوجات وأم وأخوات صاحب البيت إن وُجد، وقسم المضيف أو المجلس وهو للرجال والضيوف ولباقي أفراد الأسرة في الحالة الطبيعية، ثم إذا كان صغيرا يتم قسمه إلى قسمين هما الربعة والمحي وهذا التقسيم يكون بواسطة الحواجز المصنوعة من القصب أو المنسوجة من الشعر وهي المُسماة بالقطع أو الساحة، كما تأتي الخيام على عدة أشكال وتختلف في مادة التصنيع فنجد الخيام المصنوعة من شعر الماعز هو الأكثر تفضيلاً لقدرته على مقاومة الظروف المناخية المختلفة، كما تُصنع الخيام من وبر الجمال أو صوف الضأن وتسمى بالخباء وترتكز على عامودين أو ثلاث وقيل أن الخباء من الوبر والصوف وهو من دون مظلة أوما يُشار له الآن بالسقف، وعادة ما تتميز خيمة شيخ القبيلة أو كبيرها عن غيرها من الخيام كونها قِبلة للضيوف واللاجئين وأصحاب الحاجة الذين غالباً ما يستدلون عليها من شكلها وحجمها كما كانت خيمة شيخ القبيلة منتدىً لأبناء القبيلة ومركزاً لعمل الشيخ الذي يدير شؤون قبيلته من خلالها، وفي بعض الحالات كان بعض الشيوخ يجعل لخيمته قبباً خاصة من الجلود “الأدم” والتي تُعتبر إشارة على التعظيم والتفخيم والامتياز والجاه، وغالباً ما تقع خيمة الرئيس وشيخ القبيلة متوسطة لمجموعة من الخيام المتناثرة ومن الجدير بالذكر أنه لم يصلنا أية آثارعن نوع وكم الخيم أو أنماط المساكن فيها، لأن المواد المستخدمة في بناء هذه الخيام من شعر وصوف أو حتى الحلقات المعدنية التي كانت تُستخدم لتثبيت الخيام في الأرض لا تصمد في الصحراء أكثر من عشر سنوات.

الكهوف والمغاور

إن أكثر ما عُرف عن الأردنيين الأنباط وبحسب المصادر الواردة التصاقهم بالكهوف، فمساكن الكهوف كانت معروفة في البلاد منذ أقدم العصور، كما يُقال أن الأردنيين الأنباط كانوا يسكنون الكهوف في الشتاء وينصبون  الخيم في الصيف كما وُجد في بعض القرى النبطية كهوفاً لعائلات بعينها وفي الفترات اللاحقة بنوا فوق الكهوف بيوتهم، كما استُخدمت الكهوف لأغراض السكن وتخزين الحبوب والسكر أو لإيواء المواشي وامتازت هذه الكهوف بارتفاعها عن مستوى الأرض ربما لأسباب دفاعية، كما تحتفظ بعض الكهوف في جبال الشراة ببعض من الخربشات والرسوم التي تُمثل المراحل التي استوطن فيها الأردنيون الأنباط هذه الكهوف، كما عُرفت الكهوف باسماء متعددة تبعاً لحجمها أو شكلها مما يدل على أهميتها لدى سكان المنطقة، وأكبر هذه الكهوف هو “البد” يليه “المغارة” ثم “الكهف” والتي كانت تصلح لسُكنى الإنسان، أما التي كانت تستخدم لأغراض أخرى غير السكن ولم يكن ليَد الإنسان فيها أي أثر فهي الشقيف واللجف تليها السلع .

حجرات وبيوتات الحجارة الغشيمة

لا تزال بقايا هذه الأبنية ظاهرة للعيان في جنوب الأردن التي تهدم معظمها أو تُرك بعد تطور الحياة وتتلخص فكرة هذه البيوتات التي تتكون من حجرة واحدة أنها كانت بيوتاً موسمية تُسكن في فصلي الصيف والربيع تأتي إليها الأسرة لأسباب اقتصادية تقتصر على جمع الحصاد من الحقول أو قطف الثمار وحراسة المحصول، قبل أن تعود إلى حياتها في البيوت الحجرية في القرى والمدن أو إلى بيوت الشعر في البادية.

ويمتاز البيت الحجري بالكثير من المميزات التي تجعل منه منزلاً موسمياً مفضلاً فهو أقل تكلفة من حيث الإنشاء، إذ أنه لا يتطلب أكثر من جمع حجر الغشيمة ثم رصفها وبنائها فوق بعضها إذ أنها لا تتطلب أدنى قدر من المهارة كما تجري عمليات البناء بدون استخدام الملاط في أغلب الأوقات، أما السقف فيتم بناؤه من تجميع أوراق الشجر وأغصانها أو ما تجود به البيئة، كما تمتاز الجدران بالسماكة كونها مرصوفة بصفين من الحجارة خالية من الملاط فإن ذلك من شأنه أن يُعزز جواً لطيفاً داخل البناء في الصيف، لذلك تم تسميتها بالقصور لأنها بمثابة المرابع الصيفية لأصحابها، وثمة استخدام آخر لهذه البيوتات حيث استخدمها البعض كمراكز لبعض أعماله التجارية مثل الدكاكين، وتُقام عادة على أطراف الطرق التجارية والدولية كما تمت إعادة ترميم الرجوم وبقايا الحجارة من قِبل العشائر الأردنية في مطلع القرن العشرين وتقويتها بالملاط الطيني أو الإسمنتي بسبب تعرضها إلى عدة زلازل، وقد أُعيد استخدام هذه البيوتات من قبلهم لأغراض إقامة الجدران الزراعية وبعضها لأغراض البناء الحديث، ومن الجدير بالذكر أن الأردنيين الأنباط كانوا قد استخدموا هذا النوع من البيوت على نطاق واسع حيث نرى بقايا البيوتات على شكل رجوم منتشرة في المرتفعات الجبلية خصوصاً المرتفعات الزراعية كما ينتشر بعض من هذه الرجوم في البادية أيضاً .

ومن الأمور التي أكدت عليها المصادر أن الأردنيين الأنباط قد شيدوا أبنيتهم من الحجر البازلتي المتوفر في المنطقة الشمالية من المملكة الأردنية النبطية بشكله الطبيعي مع القليل من التعديلات على حالته، عندما كان التنقل سائدا في بدايات نشوء الحضارة الأردنية النبطية، ومع بدء التحول نحو الاستقرار بشكل واسع بدأ الأردنيون الأنباط بناء مواقع متفرقة على الطرق والنقاط الجغرافية التي كانت ضمن حدودهم، وأهم مثال كان تل دبة بريكة في السويداء النبطية التي أبرزت لنا العمارة الأردنية النبطية المبكرة حيث تم الكشف عن معبد وبناء إداري وبرج للحراسة وثكنة عسكرية حيث  بُني المعبد بالحجر الغشيم دون استخدام المونة وكانت النوافذ وفتحات المعبد قليلة لزيادة تحصين البناء .

ومن المؤكد أن عدداً من البيوتات كانت دائمة بعد أن قام الأردنيين الأنباط بتوسيعها، ويُلاحظ أن معظم الأبنية اشتملت على طابقين بعد إجراء تعزيزات للسقف بالملاط المدعم والأخشاب أو بالحجارة المرصوصة وبعض من هذه الأبنية اشتمل على عدد من الغرف والمرافق العديدة مثل غرف التخزين وحجرة الحيوانات والمستلزمات الزراعية، ومن المُعتقد أن مثل هذه الأبنية كانت تُستخدم كمحطات للخدمات التجارية التي من خلالها يتم تلبية احتياجات القوافل التجارية المارة وفق مواسم وطرق محددة، ومن الخدمات التي كانت تقدمها للقوافل التجارية تلك التي تُعنى بالحيوانات كحذو الخيول والبغال التي ترافق التجار وإصلاح معدات القوافل كالبرادع والسروج والمقادم وغيرها، بالإضافة إلى البيطرة مما  يؤكد على أن الأردنيين الأنباط قاموا بتعزيز قدراتهم لنجاح عملية التجارة عبر بلادهم وعلاوة على ذلك فقد وفروا الأمن والحراسة للقوافل التجارية .

البيوت الحجرية المطينة

يمتاز هذا النمط المعماري الذي خلفه الأردنيون الأنباط لنا بالبساطة، فقد جرى بناؤها من الحجارة الغشيمة التي تتم معالجتها بطريقة بسيطة بعد أن يتم تعزيزها بالملاط الطيني من الداخل والخارج وفي بعض الحالات كانت تُسقف بالملاط الطيني بعد تدعيمه بالأخشاب والحجارة المرصوصة بإحكام على شكل أقواس أو قباب، وهذا النمط لا تزال بقاياه منتشرة في بعض القرى والأرياف الأردنية، ومن المُحتمل أن هذا النمط كان أساسياً في التحول من حياة البداوة أو نصف البداوة إلى حياة الزراعة الدائمة والمستقرة، كما أقام أصحاب هذه البيوت من حولها بعض المرافق بالإضافة إلى المرافق الموصولة بالمسكن الأساسي مثل حجرات التخزين وحجرة الدواب وحظيرة جانبية للأغنام.

كما تعددت صور حظيرة الأغنام تبعاً لمكانها فغالبا ما تكون تحت البناء أو بجانبه أو على مقربة منه كما أن بعض الأبنية قد حوت على ساحات داخلية، وكانت تُقام هذه الأبنية على أطراف القرى الزراعية والتي اعتُبرت مرحلة إنتقالية لحياة الاستقرار، كما تم دمج العمل الزراعي وتربية المواشي معاً لأن أصحاب الأبنية كانوا قد غادروا حياة البداوة وصاروا أقرب إلى النمط الريفي الزراعي بالإضافة إلى تربية المواشي والتي تعتبر من ملحقات العمل الزراعي.

البيوت الطينية الخالصة

يُعد هذا النوع من المساكن الأكثر بساطة وأقلها دواماً وحاجة إلى مواد البناء والدعم، حيث يمتاز هذا النمط باعتماده على الطين المحلي بالدرجة الأولى وعادة ما يلجأ إلى التربة الزراعية الحمراء لبناء هذه المساكن كما كانت تُخلط التربة ببعض المواد المحلية كالقش والتبن، وانتشرت هذه المساكن في المناطق الزراعية مثل منطقة غور الأردن تحديداً في تل ديرعلا حيث عُثر على بيوت كانت مبنية من اللبن الذي استُخدم نيئاً، وكان أحياناً يجري بناء الجدران أولاً بأول وقليلا ما كانت الأخشاب تُستخدم في تدعيم الجدران وكان هذا النوع من الوحدات السكنية يتألف من حجرة واحدة أو من عدد من الحجرات غاضين النظر عن المرافق الأساسية كالمطبخ والحمامات، بالإضافة إلى البيوت التي بُنيت في بعض المناطق الجبلية والتي كانت لأغراض الإقامة المؤقتة، كما بنيت العديد من المرافق بجانب المنزل لإيواء الحيوانات أو التخزين أو حجرة الطابون للخبز، كما استخدمت هذه البيوت لإيواء بعض الموظفيين الحكوميين خلال المواسم التجارية لتأدية بعض الأوامر الإدارية، ومن الجدير بالذكر أن ها النوع من المساكن لم يكن معروفاً في المناطق الصحراوية لعدم ملائمة تربة الصحراء لمثل هذا البناء، وكان يقطن هذه المساكن الفقراء من المزارعين الذين توارثوا هذه الحرفة أباً عن جد .

البيوت الحجرية المهندسة كالمعابد والمساكن والأبنية العامة

إن إيفاء هذا النمط المعماري حقه ليس بالأمر اليسير، بسبب مجيئه ضمن أكثر مراحل الفن المعماري الأردني النبطي تطوراً، كما احتل هذا النمط جل اهتمام دارسي وباحثي ومنقبي الآثار نظراً لفرادته التي جعلته عنواناً حضاريا مهماً للأردنيين الأنباط المتميز بالتنوع والغنى الروحي والفني، وعلى الرغم من وجود الكثير من الأبحاث المختصة بهذا الجانب من العمارة الأردنية النبطية، إلا أن هناك مناطق عديدة ظلت دون إجراء المسوحات والحفريات الأثرية، كما قُسمت هذه الأبنية ضمن فترتين الأولى التي امتدت من نهاية القرن الأول قبل الميلاد إلى منتصف القرن الأول الميلادي حيث وقعت معظم المساكن في منطقة جنوب الأردن وفي العاصمة الأردنية النبطية البترا وفي خربة الذريح والحميمة والعقبة، أما الفترة الثانية فقد امتدت بين منتصف القرن الأول الميلادي إلى بداية القرن الثاني الميلادي، كما سنعرض هذا النمط على وجه الخصوص بشكل مستقل ومفصل.

المراجع

  • عباس ، إحسان ، تاريخ دولة الأنباط ، ط1 1987 ، دار الشروق للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
  • أبو حمام ، عزام ، الأنباط تاريخ وحضارة ، ط1 2009 ، دار أسامة للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
  • الماجدي ، خزعل ، الأنباط (التاريخ ، الميثولوجيا ، الفنون ) ، ط1 2012 ، دار النايا ، دار المحاكاة ، سوريا ، دمشق .
  • العجلوني ، أحمد ، حضارة الأنباط من خلال نقوشهم ، ط1 2002 ، بيت الأنباط ، البترا ، الأردن .
  • المحيسن ، زيدون ، الحضارة النبطية ، ط1 2009 ، وزارة الثقافة ، عمان ، الأردن .

سلسلة الفن المعماري عند الأردنيين الأنباط – الجزء الثاني

مقدّمة

يعد الفخار النبطي المتميز برقته ودقة ونعومته، دليلاً واضحاً على ما وصل إليه الأردنيون الأنباط من تميز وشهرة في هذا المجال من الصناعات، فكان أجود أنواع الفخار ذلك الذي صنع في الفترة التاريخية المقاربة للقرن الأول الميلادي. حيث صنع من مادة الطين، النضيج المحلي واستخدم الدولاب السريع في صنعه، فصنعوا الكـؤوس والأطبـاق والزبـادي والجـرار والسُرُج وأدوات الطبخ. وقد صنعوا نوعين من الفخّار، النوع العادي الخشن وهـو المستعمل في الطبخ والنوع الناعم المدهون.
كما أن الأعمال الأثرية في المملكة الأردنية النبطية، أرجعت تاريخ  الفخار النبطي إلى القـرن الأول ق . م. واستمر انتاجه في البترا حتى بداية القرن الرابع بعد الميلاد . وقد استعمل الفخار الأردني النبطي كدلالة على تحديد الخارطة الجغرافية لمملكة الأردنيين الأنباط. بحيث رسم “جلول” خطـاً هامشـياً افترض فيه الحد الشمالي للفخار المدهون امتد مثل هذا النوع من البحر الميت – أي مـن نهايته إلى مادبا في الأردن. أبحاث وأعمال أثرية أخرى في شمال هذا الخـط أظهـرت وجود قطع فخارية أردنية نبطية في عمان وجرش وأم الجمال وبصرى . بالإضافة إلى كسـر وشظايا وجدت في جنوب فلسطين وسيناء وشمال الجزيرة العربية والفاو وفيلكا في شـرق الجزيرة العربية. وهذه القطع الفخارية التي وجدت خارج منطقة نفوذ الأردنيين الأنباط يمكن عزوها إلى الرحالة أو التجار الأردنيين الأنباط، اذ نقلوا الأنية معهم في رحلاتهم طويلـة المسافة وتاجروا بها في كافة خطوطهم التجارية عدا النوع الرقيق الذي كان يصعب الاتجار به لسهولة كسره أثناء نقله.

وقد أنتجت معظم الحضارات إلا أن الفخار النبطي الرقيق فائق الجودة والمسمى بـ’فخار قشرة البيض‘ لرقته هو أكثر الأنواع تميزاً، وهو من بين أفضل وأرق ما أنتج من الفخاريات المعروفة عالمياً.

نظريات أصل الفخار النبطي

هناك أربع نظريات حاولت تفسير أصل الفخار الأردني النبطي والتأثيرات الفنية التي خضع لها بفضل الانفتاح المميز للحضارة الأردنية النبطية على باقي الحضارات وتلك المجاورة تحديدا وهي :
النظرية الأولى
: اقترحت من قبل هورسفيلد ( Horsfield ) الذي عزى نوعين من الفخـار إلى تأثير الفخار الأردني الأدومي .
النظرية الثانية : اقترحت من قبل جلوك (Glueck) اقترح فيهـا تأثيرات أتت من باريثيا والعالم الإغريقي، وقد تم رد الكثير من اقتراحات جلوك.
النظرية الثالثة : اقترحت من قبل عدد كبير مـن الباحثين في الآثار النبطية والتي أشارت إلى التأثيرات الإغريقية .
النظرية الرابعة: اقترحت من قبل شمد (Schmid)  والتي لاحظ فيها أن بعض أشكال الفخار النبطي قد تكون مبنية أساساً على نماذج أولية ذات أصول رومانية وإيرانية ومن حوض الرافدين .

أهداف انتاج الفخّار النبطي

الآنية الفخارية النبطية غير المصقولة أو المدهونة استعملت لأغراض منزلية متنوعة فـأنواع مختلفة من الجرار استعملت في المملكة الأردنية النبطية لتخزين السوائل والحبوب وأنواع أخرى مـن الطعام. ومثل هذه الجرار كانت تنتج في مواقع مختلفة في المملكة الأردنية النبطية مثل العقبة، حيث صنعت هناك الجرار المحلية والآنية المسماة بالأنفورا وهي قارورة ضيقة العنق ذات عروتين كان الرومان يشربوا بها الخمر. وفي إحدى هذه الأواني المسماة بـالأنفور وجدت في مدينة البترا وجد فيها ثلم أوشق تحت حافتها من الخارج، وهذه الأنفورا تدل علـى انتاج الخمور، على الرغم من استخدامها لأغراض أخرى . كما وجدت في العقبـة أيضـاً تشكيلة من الفخار النبطي المصنوع محلياً، ويشمل أواني الطبخ وأطبـاق الخـبز وأغطيتها التي استخدمت لأغراض منزلية. بالإضافة لوجود مصابيح نبطية في عدة مواقع وتظهر المصابيح الأولية أو المبكرة القديمة، بأن هناك تبني للعناصر الغربيـة مـن المصـابيح الرومانية والإغريقية .
وقد بدأ الأردنيون الأنباط بانتاج مصابيحهم الخاصة بهم حوالي الربع الثاني والنصف الثاني من القـرن الأول بعد الميلاد، وهذه المصابيح كانت مزخرفة بمناظر طبيعية أو شخصـيات أردنية نبطيـة محفورة على القاعدة. وأواني المراهم أو العطور تعتبر منتجات أردنية نبطية فريدة من نوعهـا فهي أواني صغيرة كانت وظيفتها إما كأوعية لتخزين ونقل الزيوت العطريـة وربما انتجت لتعمل بالتوافق مع المصابيح الزيتية.

ويعتبر الفخار المطلي أو المدهون أحد المنتجات الرئيسية المميزة التي صنعها الأردنيون الأنباط، وكانت الزخارف الوردية التي تحويها الأواني، من ضمن المواد الرئيسية التي استخدمت من قبل الصـانعين للفخـار . وأكثر العناصر الزخرفية أو الزينة التي كانت شائعة هي تصاميم النخيل والرمان والصـنوبر وعناقيد العنب، التي كانت ترتب على شكل مثلثات، أما الزخرفة التي تحوي أشكال نسائية فلم تكن شائعة في الفخار الأردني النبطي، وحتى الآن القليل فقط من الأمثلة اكتشفت عن الفخار النبطي الذي يحوي زخارف رقمية . ومن الواضح أن صانعي الفخار النبطي كانوا أكثر ميلا للزخارف التي تحوي أزهار منها إلى المناظر التي تحوي أشكالاً وأرقاماً .

وهناك بالطبع عدة نظريات تم طرحها فيما يخص هدف الإنتاج الأردني النبطي للفخار المطلي أو الملون؛ منها :
النظرية الأولى : حيث يربط شمد كورتي ذلك بالقرابين التي تقدم للموتى والمراسيم الجنائزية، والتي كان المحتفلـون يكسرون فيها الفخّار في مثل هذه الاحتفالات على شكل أكوام، كما ذكر بعض الباحثين أن الفخار الرقيق الملون كان يستخدم في الأغراض الدينية مرة واحدة، ثم يحطم بعدها، ويقذف خارج المعبد ليتحطم على الصخور المحيطة به. ولهذا لم يكن هناك داع لوجود القاعدة الحلقية أو المنبسطة في هذه الأوعية، حيث أنها ستبقى في يد مقدمها حتى تقدم للآلهة، ويعزى ذلك حسب طقوسهم الجنائزية إلى أن الأواني التي تستعمل في المقبرة تعتبر غير نظيفة من الناحية الروحية، وبالتالي كانت تكسر في الموقع مباشرة.

النظرية الثانية: ويبدو أنها أكثر اقناعاً وتربط ذلك بالاستعمالات الدينية.  حيث كان الفخار النبطي المدهون أو المطلي يزخرف برسوم مكررة على شكل أزهار والتي تشـير إلى أبعاد دينية. ويذكر بار أن استخدام مثل هـذا الفخار كان مقيداً أو محدوداً بالمواقع الأردنية النبطية .

مراكز إنتاج الفخار في المملكة الأردنية النبطية

كشفت الحفريات الأثرية عن ثلاث مراكز رئيسية لإنتاج الفخار في المملكة الأردنية النبطية، جميعها تقع على حواف مواقع المدينة وتم اختيار هذه المواقع بناءً على توفر الماء والطين وأكثر هذه الأفران موجودة في وادي موسى والذي كان مركزاً متخصصاً في إنتاج الفخار النبطي. ومن خلال المسوحات الأثرية التي قام  بها علماء الآثار استطاعوا تحديد المواقع النبطية عـن طريق الفخار النبطي، وأثناء هذه المسوحات تم العثور على مراكز صناعة الفخار حيث عثر على أفران لصناعة الفخار، مثل أفران الزرابة إذ تعتبر أكبر المراكز الصناعية البحتة الخاصة بالفخار والمكتشفة في الأردن حتى الآن وأطولها فترة تقع ضمن منطقة وادي موسى واكتشف في هـذا الموقع سبعة أفران للفخار، والاكتشاف الأول تم سنة ١٩٧٩، يتكون كل فرن من فتحة وغرفة احتراق، حيث يتم حرق الوقود فوق هذا الجزء، وهناك فرن توضع فيه الجرار أو الأباريق، هـذان الجـزءان مفصولان بحاجز ويصنع عادة من الأقـواس التي تسمح بمرور الغاز الساخن الذي يحتـرق وينتقل من غرفة الاحتراق إلى الفرن. وتتوقع بعض الدراسات باسـتخدام الأنباط لخشـب الزيتون كوقود في هذه الأفران، وفيما يخص مصادر الطين فقد تم إجراء تجربة على عينات من مصادر طين مختلفة في وادي موسى، أخذت هذه العينات مـن المواقع الستة التالية في منطقة البترا، زرابة وعين التينة وعاصم، والمعالق، وعـين موسـى وتويلات .
وتشير نتائج هذا التحليل إلى أن معظم مخزون الطين في هذه المواقع لم يسـتخدم لانتـاج الفخار النبطي المصنع في أفران زرابة، وترجع نتائج التحليل بأن عين الطينة هـي الأكثـر احتمالية أن تكون المصدر الذي تم منه صناعة فخار زرابة. كذلك تم العثور على فرن لصناعة الفخار في منطقة أذرح حيث تم حفره في الطبقة السفلى والتي تسمى صخر الأدريم وتم حفر خندق ابعاده ( ٥×٥ م ) لانتاج طن واحد من الفخار. كما تم العثور على فرن في منطقة عبده في النقب ويتكون من غرف لعمل الطين، وغرفة العجلة التي يستخدمها صـانع الفخار، والفرن نفسه. كما تشير المسوحات الأثرية إلى أن العقبة كانت أحد اهم مراكز انتاج الفخار النبطي على الرغم من عدم وجود أفران هناك خلال العهد النبطي حيث تم العثـور علـى كميات ضخمة من مخلفات صهر السيراميك ومخلفات الأفران من هذه الفترة في العقبة. كما تم اجراء أبحاث علمية على تجمعات السيراميك في هذا الميناء أظهـرت نوع جديد من الفخار، الذي أنتج في العقبة التي كانت تابعة ميناءً أردنيا نبطيا مهما أثنـاء القـرنين الأولين بعد الميلاد. كما أن هذا الفخار من العقبة الذي يتميز بلونه ونسيجه الرملي؛ قـد تمتـع بتوزيع واسع في أنحاء المملكة الأردنية النبطية. كما عثر على فرن لصـناعة الفخـار في منطقة بئر مذكور من قبل “جلوك”، ويشير جلوك إلى وجود تأثيرات خارجية علـى الفخار النبطي كالتأثيـر الباريثي والهلنستي والاخميني. بينما رد آثاريون على أنه لا وجود لتـأثيرات خارجية أخمينية على الحضارة الأردنية النبطية، لأن الحضارة الأخمينية، ولاسيما في مجـال العمـارة والآثار ما هي إلا فرع من الحضارة الأشورية، كما أن الحضارة الباريثية ما هي إلا خليط من الحضارة الأخمينية والحضارة الاسكتية الهندية. بينما يحتمل أن الأردنيين الأنباط كانوا قد تأثروا بما صنعه الأردنيون الأدوميون من الفخار بسبب الشبه الكبير بين شكل الفخار الأردني النبطي والفخار الأردني الأدومي الذي وجد في المنطقة، كما وجد بعض من الفخار النبطي في جرش وتل الذهب الغربية، وأماكن أخرى متفرقة.

الصلصال
يتميز الصلصال الذي استخدمه الحرفيون من الأردنيين الأنباط بمرونة عالية، الأمر الذي مكنهم من الوصول إلى هذه الجودة في الإنتاج، كما كان لنسبة الحديد العالية فيه الفضل في اللون الأحمر المميَّز لفخارهم. وقد استخدم الحرفيون الأنباط الدولاب في صنع جميع أنواع الفخار النبطي الرقيق، أما الآنية فكانت إما بسيطة الشكل خالية من الزخرف، وإما مبطنة أو مزينة بالرسومات، أو مزخرفة بأسلوب الضغط أو الدحرجة.

كانت الزبادي المفتوحة بقواعدها المحدبة، والتي تحتوي على رسومات دقيقة من الداخل، هي أبرز ما أنتجه الحرفيون الأردنيون الأنباط من الفخاريات الرقيقة. إلا أن هذا الشكل غير ملائم للاستخدام اليومي، الأمر الذي دفع العديد من الباحثين إلى الاعتقاد بأن هذه الزبادي كانت تستعمل للطقوس الدينية والتقدمات الجنائزية، ولكن الأمر المحير هو أنها وجدت في داخل المنازل وليس فقط في المعابد والمقابر مما يدل على أن الحالة المعيشية كانت عالية بحيث تنفق الأسرة العادية على الفخار الأفضل جودةً.

كانت عجينة أولى أواني المنتجات الفخارية النبطية والمؤرخة إلى النصف الأول من القرن الأول قبل الميلاد نقية خالية من الشوائب ولكنها سميكة.


أنواع الفخار النبطي

صنعت في المملكة الأردنية النبطية أنواع الفخاريات المختلفة، من الرقيق إلى العملي الخشن، بما في ذلك السُرُج والتماثيل، وأثبتت الدراسات  وجد تحوّل تحول واضح من إنتاج الفخار أحمر اللون خلال المراحل المبكرة نحو إنتاج الفخاريات ذات السطح الأبيض في المراحل المتأخرة. من أسباب هذا التحول درجة الحرق الأعلى الناتجة عن التطور في بناء الأفران، حيث تنتج الفخاريات البيضاء على درجات حرارة أعلى من الحمراء، وهناك اتجاه آخر في صناعة الفخار الملون إذ تضاءلت نسبة إنتاجه مع مرور الزمن رغم استمراره حتى القرن السادس ميلادي.
وقد اعتمدت تحليل مادة الفخار كيميائيا على استعماله مصدر واحد للصلصال في صناعة كافة الأنواع المنتجة في الزرابة، كما أنتج الأردنيون الأنباط أصنافا متنوعة من الفخار إلا أن أكثر منتجاتهم تميزا كان فخارهم الرقيق ذو الخامة الصافية الذي صنعوه إما بدون زخرفة أو ملون أو مزينا بزخارف مطبوعة أو مدحرجة وقد انتشر الفخار النبطي في مركز صناعته في الزرابة – البترا إلى كافة أنحاء المملكة الأردنية النبطية. ويمكن تنصيف الأواني والمصنوعات الفخارية النبطية إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي :
1. الفخار الملون: حيث وجدت معظم الزخارف الملونة على الأطباق الصغيرة المقعرة إلا أن أشكالا أخرى لونت أيضا كالأباريق الصغيرة والفناجين، وبالإمكان تقسيم خامات وزخارف الفخار الملون إلى خمسة طرز رئيسة ذات دلالات تاريخية، رغم أن هناك تداخلات بين هذه الطُرز مما يشير إلى تطورها تدريجيا.

نماذج متنوعة من الفخّار النبطي الملوّن

أ. الطراز الأول: الذي يؤرخ إلى النصف الأول من القرن الأول قبل الميلاد ومن أمثلة هذا الطراز الفخار ذو اللون الوردي أو الأحمر الفاتح والزخرفة حمراء اللون على شكل خطوط عريضة أو مموجة تتقاطع عند القاعدة.
ب. الطراز الثاني: الذي يؤرخ إلى نهاية القرن الأول قبل الميلاد حتى بدايات القرن الأول الميلادي ومن الأمثلة على هذا الطراز الفخار الرقيق ذو الزخارف بأشكال أوراق وأكاليل نباتية طبيعية.
ج. الطراز الثالث: الذي يؤرخ إلى القرن الأول حتى بداية القرن الثاني الميلادي ويمثل الطراز النبطي الكلاسيكي، تتراوح سماكة الجدران بين 1,5- 4 سم أما اللون فهو أحمر إلى أحمر مصفر، والزخرفة حمراء غامضة إلى بنية والأمثلة المبكرة ذات الزخارف الدقيقة الشبكية المتنوعة تطورت إلى زخارف نباتية محورة على خلفية مخططة.
د. الطراز الرابع: يؤرخ إلى ما بعد منتصف القرن الثاني والقرن الثالث الميلادي وهو من حيث الرقة تشبه الطراز الرابع تقريبا. أما الزخرفة فبنية غامضة أو سوداء وقد استمر استعمال الزخارف النباتية المحورة من الطراز الثالث لكن بدون الخلفية المخططة، وبدأ ظهور تصاوير الحيوانات خاصة الطيور.
هـ. الطراز الخامس: الذي بدأ مع نهاية القرن الثالث وبداية الرابع الميلادي حيث تغيّرت صناعة الفخار النبطي حيث انتجت آنية أكثر سماكة تحوي عجينتها الكثير من الشوائب وألوانها أقل نضارة مما سبقتها، الأمثلة المتأخرة عبارة عن فخار خشن نسبيا مزخرف ببقع سوداء وتشير نتائج حفريات الزرابة والبيوت السكنية في البترا إلى استمرارية هذا الطراز حتى القرن السادس الميلادي.

الفخار النبطي الملوّن

2. الفخار ذو الزخارف المدحرجة أو المطبوعة: كان الفخار ذو الزخاف المدحرجة يصنع بواسطة عجلة أو دولاب صغير حيث تتم دحرجة الزخرفة على سطح الإناء قبل وضعه بالأفران، أما الزخارف المطبوعة فتصنع بواسطة ختم صغير. وكان هذان النوعان من الزخرفة شائعين على الآنية الكلاسيكية، ويظهران أيضا على الآنية الملونة من الطرازين الثالث والرابع المبكر، وقد زخرفت أجزاء مختلفة من الآنية بهاتين الطريقتين بما في ذلك المقابض والفوهات.
3- الفخار الخشن: ويشمل هذا النوع من الفخار الآنية المستعملة يومياَ كأواني الطبخ والجرار وتكون الأشكال المستوحاة فيها عادة متأثرة بالأشكال الهيلنستية السابقة، ولقد تطورت مع الأشكال الرومانية وفيما بعد البيزنطية غير أنه بقي حتى لهذه المنتجات المتواضعة طابعها النبطي المميز شأنها شأن مجمل منتجات الفنون الأردنية النبطية، ومثال على ذلك القوارير الصغيرة المستعملة للعطور والزيوت الثمينة التي أصبحت مؤشر للوجود الأردني النبطي رغم أنها كانت شائعة من قبل خلال الفترة الهيلنستي.

أ. السُرُج الفخارية
كانت صناعة السُرُج (مصابيح النار) في الأزمان القديمة مرتبطة بالفخار أكثر من الحجر والمعدن. وكان تشكيل هذه الأسرجة بسيطاَ حيث يستعمل جسم السراج لاحتواء الزيت أما الفوهة فكانت تحتوي على فتيلة وكانت هناك في الغالب يد لمسك السراج.
وينظر إلى القيمة الفنية للسُرُج من خلال أمرين أولهما شكلها  الذي قد يأخذ عدة أشكال حيوانية أو إنسانية أو هندسية أو إلهية. وكانت النقوش والمنحوتات والزخارف التي كانت تنقش تعتبر قيمة جمالية.
تعود أقدم السُرُج الفخارية إلى العصر البرونزي المبكر، حين كانت عبارة عن صحون وزبادي بسيطة مصنوعة يدويا. ثم صنعت فوهة السراج لتركيز الفتيلة وذلك بضغط الطين قليلا عند حافة الزبدية وبحلول العصر الحديدي أضحت هذه الفوهة عميقة ومتينة. وحين ظهرت العجلة الصناعية منذ العصر البرونزي الوسيط تطورت صناعة السُرُج وفي العصر الحديدي الثالث أصبحت أطراف السُرُج المصنوعة على العجلة مضغوطة معا لإغلاق البدن الذي يحتوي  على الزيت وكان ينتج عن ذلك شكلا متطاولا وفوهة بارزة، وفي الفترة الهيلنستية استعمل القالب ولأول مرة في صناعة السُرُج وبقي الشكل الطولي والفوهة الطويلة البارزة، وكانت تزخرف هذه الأسرجة المصنوعة بالقالب بأشكال بسيطة عبارة عن خطوط إشعاعية وسنابل قمح وبعضها زخرف بلفيفات صغيرة، ومنذ ذلك الوقت وحتى الفترة الإسلامية المبكرة طغت السُرُج المصنوعة بالقالب على الإنتاج رغم استمرار صناعة السُرُج على العجلة بشكل محدود.
وفي العصر الروماني وصلت صناعة السُرُج بالقالب إلى ذروتها، وظهرت في القرن الأول الميلادي (السُرُج ذات القرص) وهي سُرُج لها بدن مستدير وظهر مقعر قليلا رسمت عليه زخارف مختلفة ومناظر أسطورية. وفي البداية استوردت هذه السُرُج من أوروبا وبخاصة من إيطاليا، وأدخلت معها العديد من الزخارف الفنية القريبة إلى الشرق لكن الجيل الثاني من السرج ذات القرص شهد صناعة شرقية محلية كان يغلب عليها بساطة الشكل.
تميزت السُرُج الاردنية النبطية بخصوصيتها وزخارفها بالخطوط الشماعية والأزهار الصغيرة وبعضها كان على قاعدة حروف أردنية نبطية. وفي القرن الثالث الميلادي استبدلت السُرُج ذات القرص بأخرى مستديرة ذات فتحة كبيرة للزيت وأتت زخرفتها على الكتف كما أصبحت فوهات الفتيلة أكثر تطاولا وخلال الفترة البيزنطية اتخذت السُرُج أشكالا لوزية.
ومن السُرُج الفخارية في البترا، عثر على سراج من العصر الحديدي وهو سراج آدومي كان يستخدمه الأردنيون الأدوميون الذين سكنوا البترا في حدود القرنين السابع والسادس قبل الميلاد.
وهناك سراجان من الفترة الهلنستية المتأخرة من البترا في نهاية القرن الثاني وبداية القرن الأول قبل الميلاد. وعثر على سراج مستورد له يد على شكل هلال من حفريات الكتونة في القرن الأول قبل الميلاد وسراج آخر مستورد من نفس الفترة تقريبا في معبد الأسود المجنحة.
كذلك عثر على سراج عليه صورة أوروبا راكبة الثور من حفريات الزرابة وهو سراج من انتاج محلي وبقالب مستورد من ( القرن الأول – بداية القرن الثاني الميلادي) وعثر على السراج على صورة قرني الرخاء متقاطعين وهي نفس الصورة الموجودة على العملات الأردنية النبطية.

سراج نبطي

ب. أواني المطبخ
تشير الأدلة من الزرابة على أن أواني المطبخ صنعت من ذات الصلصال المستخدم في صناعة الفخار النبطي الرقيق غير أن دقائق الجير كانت تضاف إلى عجينة أواني الطبخ بعكس عجينة الفخاريات الرقيقة التي كانت صافية جداً، ولهذا السبب كانت أواني الطبخ توضع على النار مباشرة أي أنها كانت تتحمل الصدمة الحرارية وأثبتت التجارب أن الجير مادة مثالية لتحمل مثل هذه الصدمات. وقد اكتشف عدد كبير من أواني الطبخ في مختلف مناطق البترا من شارع الأعمدة ومعبد الأسود المجنحة وحفريات الزنطور.

ج. الصحون الفخارية
كانت الصحون الفخارية تستخدم لتقديم الطعام وكانت على أحجام وأنواع مختلفة وذات زخارف منوعة. فقد اكتشف صحن صغير ملون (يعود لبداية القرن الأول الميلادي) وحتوي على قاعدة ثلاثة رسوم لزاحفة (أم أربع وأربعين) ويعتبر هذا الصحن مثالاً نادراً للرسوم الحيوانية على الفخار النبطي.
وهناك صحن ملون اكتشف في البترا (يعود لنهاية القرن الأول – الثاني الميلادي) بإشارة ثلاثية تحددها رسوم ورق النخيل ومن المعتقد أن الرسوم في الأجزاء الثلاث تمثل أنواع مختلفة من الفاكهة.
وعثر في البترا على صحن ملون (يعود لنهاية القرن الأول – الثاني الميلادي) بأشكال ثلاثية تحددها رسوم ورق النخيل، وهناك اعتقاد بأن المثلثات المزدوجة ترمز إلى جبل الشراه رمز الإله ذي الشرى.
وكانت أغلب الصحون الفخارية ملونة بالأحمر وتظهر أحيانا ألوان رمادية ومصفرة بسبب ارتفاع درجة الحرارة في بعض أماكن الفرن.
ومن حفريات معبد الأسود المجنحة هناك صحن ملون (يعود لنهاية القرن الأول – الثاني الميلادي) بأشكال ثنائية تحددها ورقة نخيل ورمانة ثلاثية. ومن نفس المعبد هناك صحن ملون (يعود لنهاية القرن الثالث – بداية الرابع الميلادي) بأشكال ثنائية تظهر طيرين يأكلان عناقيد العنب.
وعثر على صحون وزبادي كثيرة في الزرابة والزنطور وغيرها من مواقع البترا الأثرية.

د. قوارير العطور النبطية
زخرت المواقع الأردنية النبطية بالكثير من قوارير العطور والزيوت الفاخرة والمعطرة، وقد صنعت بأشكال وأحجام قياسية معينة مما يشير إلى أن الأردنيين الأنباط استخدموها لتغليف عطور وزيوت الشرق استعدادًا لتصديرها إلى الغرب، أو للاستهلاك المحلي كما تدل كميات القوارير الهائلة المكتشفة في المواقع الأردنية النبطية، ولقد عثر على قوارير العطور الأردنية النبطية في عدد من المواقع في آسيا الصغرى وأوروبا، بما في ذلك البلقان وإيطاليا. وقد صنعت هذه القوارير من جزئين منفصلين، البدن والرقبة، كان يتم لصقهما قبل الشواء في الفرن، ولمعظم قوارير العطور النبطية قواعد مدببة قليلا يعتقد بعض الباحثين أنها كانت لوضع القارورة على قرص السراج وذلك لإضفاء رائحة زكية على الغرفة عند تسخين محتويات القارورة، وربما استعمل الزيت المعطر من القارورة مباشرة لإشعال السراج، وكان يتم ختم رقبة القارورة الطويلة بسدادة من الطين قبل بيعها أو شحنها للتأكد من عدم العبث بمحتواياتها.

قوارير نبطية كانت تستخدم لحفظ العطور والزيوت المستخدمة للتحنيط

هـ. المباخر النبطية
احتكر الأردنيون الأنباط تجارة البخور في القرن الأول قبل الميلاد بعد أن كانت بأيدي السبئيين والمعينيين وكانت محاصيل البخور والمر تجمع في مرفأ قنا وهي ” حصى الغراب ” اليوم في خليج عدن، ومنها تنتقل براً إلى شبوه ثم على مأرب سبأ، ومنها إلى قرنو عاصمة قتبان ثم إلى نجران ومن نجران تسير القوافل إلى يثرب (المدينة المنورة) ثم إلى الحجر (مدائن صالح) وتصل إلى البترا في 12-15 يوماً. وكانت التوابل تنتقل بالحبر أحياناً إلى ميناء أيله – العقبة النبطي.
ومن ثم إلى مصر عبر صحراء سينا ومن البترا كانت تنتقل البضائع إلى غزة ثم إلى صحراء سيناء أو عبر النقب في خمسة إلى سبعة أيام. وكانت غزة والعريش مرافئ الأردنيين الأنباط الرئيسية على البحر الأبيض المتوسط.
وكانت صناعة المباخر جزء من تجارة البخور النبطية، وكانت المباخر النبطية تصنع على غرار ما كانت تصنع المباخر في العصور التي سبقت توسع نفوذهم في الأردن. وقد عثر في معبد الأسود المجنحة على المبخرة فخارية الصنع، الجزء العلوي منها كصحن منفصل ثم يتم إلصاقه بالقاعدة العالية المزخرفة بعض الشي، وتشير علامات الحرق على الفوهة أن المبخرة استعملت في القدم.

و. الجرار الصغيرة
وجدت هذه الجرار بكثرة في المواقع الاردنية النبطية ويعتقد بعض الباحثين أنها كانت آنية لجمع زيت الزيتون، وقد ذكر المؤرخ سترابو في بداية القرن الأول الميلادي أن أشجار الزيتون لم تُزرع في أراضي المملكة الاردنية النبطية على نحو واسع، وأن الأردنيين الأنباط استخدموا زيت السمسم (السّيرج) عوضا عن زيت الزيتون، غير أن هنالك بقايا معصرة زيتون قديمة مشرفة على البترا في منطقة الزرابة، وقد عثر على معصرة زيتون في موقع خربة الذريح النبطي إلى الشمال من الطويلة نسب تاريخها إلى بداية القرن الثاني الميلادي. وقد تكون الجرار الصغيرة ملونة أو خالية من الألوان وبزخارف أو بدونها، وقد تكون لها قبضة واحدة أو أكثر. وعثر على الكثير منها في البترا، الكاتونة، معبد الأسود المجنحة، البيوت السكنية على جبل قبر جميعان، منطقة الشارع المعمد وغيرها. ووجدت جرار أخرى كبيرة الحجم.

جرار فخارية نبطية من عدة أحجام

ز. الأباريق الفخارية
تعتبر الأباريق الفخارية أوعية مهمة لحفظ السوائل والأطعمة السائلة. كاستمرار للإرث الأردني العريق في استخدام هذا النوع من الأباريق. واستخدم الأردنيون الأنباط هذه الأباريق، إذ عثر عليها في حفريات الكاتونة والبيوت السكنية على جبل قبر جميعان، ومعبد الأسود المجنحة والزنطور وغيرها. وعثر على أنواع مختلفة من الأباريق الملونة وغير الملونة والمزخرفة وغير المزخرفة تمتد مساحتها الزمنية من القرن الأول قبل الميلاد حتى القرن السادس الميلادي.

ابريق فخّاري نبطي

ح. جرار التخزين
كانت جرار التخزين تتميز بكبر حجمها ومتانة جدرانها ولها مقابض كبيرة نسبياً، وقد تم اكتشاف كسر تعود ل (21) جرة تخزين كبيرة وجرة صغيرة ومحقانين فخاريين في المنطقة الوسطى والغربية من الرواق الجنوبي لكنيسة البترا البيزنطية وجميع جرار التخزين ذات شكل واحد وأربعة مقابض ولكنها تختلف في الحجم، وتظهر أشكال الفوهة اختلافات بسيطة غير أن جميع الجرار شكلت بنفس الطريقة.
وكانت تصنع هذه الجرار أولاً من كرة صلصال للقاعدة ثم يبنى عليها البدن باستعمال حبال صلصالية، أما الفوهة فكانت تصنع على العجلة ثم تلصق بالبدن المصنوع يدوياً.
ولمعظم الجرار بطانة من أعلى السطح الخارجي تسيّلت إلى مستوى أفقي على البدن مما يدل على أن الجرار كانت موضوعة داخل حفرة أو وعاء كبير أثناء تصنيعها، وقد صنعت جميع الجرار من فخار خشن يحتوي على الكثير من الرمل لكنها تختلف بألوانها وزخرفتها.

ط. الكؤوس

تعتبر الكؤوس النبطية ذات خصائص فريدة من نوعها، ومن أبرز تلك الخصائص صغر حجم تلك الكؤوس، ما دفع الباحثين لترجيح عدم استخدامها لشرب الماء لأن حجمها لا يروي الظمأ، ومن المحتمل أكثر أنها استعملت في شرب الخمر، إذ بينما كانت تقام الاحتفالات والمناسبات في مدينة البترا من قبل الأردنيين الأنباط، في مجالس ومضافات لها طقوس محددة يذكرها المؤرخ اليوناني سترابو، حيث يذكر أنهم كانوا يجتمعون في حلقات مؤلفة من ثلاثة عشر شخصا، إضافة للموسيقيين، بينما للملك قاعة كبيرة يقيم فيها الولائم وخلالها لا يشرب كل مدعو أكثر من 11 كأسًا من النبيذ، وكل مرة يشرب من كأس جديد . وكان الملك يشارك الناس والعامة ويقوم على خدمة الآخرين في المعبد (المزراح) ونذكر حتى اليوم المثل القائل (كبير القوم خادمهم) المستقى من هذا الطقس، وعقب هذه الطقوس تم تأليه هذا الملك وسمي “رب مرزحا” أي سيد المعبد.

المراجع:

  • الماجدي، خزعل(2012)، الأنباط التاريخ-المثولوجيا-الفنون،(ط1)،دمشق: دار النايا ودار محاكاة للنشر والتوزيع.
  • عباس، احسان(1987)، تاريخ دولة الأنباط،(ط1)،عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع.
  • المحيسن، زيدون(2009)، الحضارة النبطية (ط1)، عمان، وزارة الثقافة الأردنية.
  • عبدالعزيز، مهدي ، القدرة، حسين، نظرية الالتزام في الكتابات القانونية النبطية، معهد الملكة رانيا للسياحة والتراث، الجامعة الهاشمية

الفخار الأردني النبطي

مقدّمة

برع الأردنيون الأنباط في إنشاء وتطوير المنشآت المائية التي كان وما زال بعضها محط لغز لدى العديد من دارسي هذه الحضارة الأردنية العظيمة، ومن المعروف أن الأردنيين الأنباط انتشروا بنفوذهم في الأراضي الجنوبية من الاردن بداية تأسيسهم للمملكة الأردنية النبطية والتي كانت عُرفت بشُح المياه وتذبذب المواسم المطرية، فضلا عن  توسع رقعة المملكة ما بين القرنين الأول والثاني الميلادي، والزيادات السكانية الحاصلة فإنه كان من الضروري المحافظة على المصادر المائية وإدارة كل نقطة ماء، وكان من المهم تكريس جهودهم لتأمين احتياجاتهم وابتكار عدة وسائل لحصاد المياه وإدارة توزيعها، وبالتالي أسس الأنباط أنظمة عديدة لحفظ المياه ما هي الآن إلا بقايا لشبكة متطورة مواكبة للشبكات المائية الحالية وتفوق بعضها تطورا وعبقرية.

وقد اختار الأردنيون الأنباط البترا كعاصمة لمملكتهم، حيث تقع البتراء جنوب البحر الميت وشمال خليج العقبة في منطقة جبلية ذات تعاريج وعلى حافة حفرة الانهدام، وعند إلقاء النظر على البترا من الأعلى نرى مجموعات من الكتل الصخرية على ارتفاعات مختلفة تتراوح بين 900 إلى 1200 متر فوق سطح البحر، أما الحالة المناخية للبترا فوقوعها عند ملتقى المنطقتين المتوسطية والصحراوية يفسر التباين المناخي حيث تنتمي البترا للمناطق متوسطة الهطول بمعدلات هطول تتراوح بين 200 إلى 300 ملمتر سنوياً، أما المناطق االشمالية من المملكة الأردنية النبطية كالذريح والسلع التي تعتبر من مناطق الجبال إذ تتخللها أهم الوديان كوادي الموجب ووادي الحسا، وتتراوح نسبة الهطول فيهما بين 300 و600 ملمتر سنوياً، وفي المناطق الأخرى كمنطقة وادي عربة فبالكاد أن تصل نسبة الأمطار إلى 100 ملمتر سنوياً بل تصل في فينان إلى 50 ملمتر سنوياً، وتقل نسبة هطول الأمطار قلة ملحوظة في منطقتي وادي رم ورأس النقب بانتمائها للنطاق الصحراوي بمعدلات الهطول التي لا تتجاوز 50 ملمتر سنوياً .

وفقاً لهذه الظروف المناخية فقد كانت أبرز التحديات التي شغلت بال الأردنيين الأنباط كانت تتمثل في قلة نسب الأمطار وتباينها من منطقة إلى أخرى، فوجدوا لها الحلول التي كان لها الدور الكبير في حماية المظاهر العمرانية والحضارية للمملكة الأردنية النبطية، كما كانت الطرق المستخدمة في تخزين المياه تسمح باستثمار الأراضي الزراعية وزيادة انتاجيتها .

الهندسة الأردنية النبطية في بناء خزّانات المياه

استفاد الأردنيون الأنباط من طوبوغرافية الأراضي التي قامت عليها مملكتهم، فتمكنوا من إنشاء خزانات المياه على ارتفاعات عالية، كما استفادوا من أماكن التقاء السيول مع المنحدرات الصخرية فأنشؤوا فيها الخزانات المائية، بحيث يمكن توزيع المياه المخزنة فيها بما يتناسب مع احتياجاتهم اليومية وبنيتهم الاقتصادية وخطط التطوير الحضري التي وضعوها للنهوض بالمملكة الأردنية النبطية.

خزّانات المياه في المملكة الأردنية النبطية 

عند الولوج إلى العاصمة الأردنية النبطية البترا نصادف العديد من الخزانات، يُمكن تقسيمها إلى أنواع حسب الحجم وطرق التزود بالمياه بالإضافة إلى تعدد وظائفها، كما أن بعضها تُوجد منفردة والأخرى مرتبطة مع بعضها البعض.

أولاً: خزّانات الرملة “قلاع المياه”

يُطلق مصطلح قلاع المياه على المنظومة الوحيدة والفريدة من نوعها والتي تتكون من خزانات الرملة في البترا، وتكمن أهمية هذه الخزانات بقدرتها التخزينية الكبيرة والتي تبلغ حسب المعايير القديمة 1083 متر مكعب بالنسبة للحوض الشمالي و1440 متر مكعب للحوض الجنوبي، فقد كان الإمداد متواصلاً لهذين الخزانين عن طريق قناة واردة من وادي موسى، ولم تكن هذه الخزانات مسقوفة بالطبع بسبب حجمها الكبير وطوبوغرافية المكان المرتفع والواسع، وقد اختار الأردنيون الأنباط هذا الموقع نظراً لارتفاعه الذي يبلغ 1100 متر والذي يفوق ارتفاع حوض البترا بـ 900 متر، مما حافظ على مستوى المياه المخزنة في هذه الخزانات فضلاً عن سهولة إمداد القنوات المتصلة بها بالمياه .

خزّان الرملة الشرقي : هذا الخزّان يتكون من حوضين كبيرين متصلين فيما بينهما ولدعم مقاومة الجانبين الغربي والجنوبي للخزانين قام الأردنيون الأنباط ببناء جدارين يبلغ عرضهما 1.80 متر محاذيين لبعضهما البعض وقد شكلت الكتل الحجرية الداخلية والخارجية متوسط طول 0.60 متر وبعرض 0.40 متر وبارتفاع 0.30 متر، وشدت هذه الكتل بواسطة ملاط رمادي ” خليط من كسر الصوان والكلس”، وكانت هذه الجدران مغطاة بالقصارة كما هو الحال في أغلب الخزانات في المملكة الأردنية النبطية .

خزّان الرملة الجنوبي : يعتبر هذا الخزان ذو أهمية كبيرة من حيث المساحة واحتفاظه بشكله الأصلي إذ يبلغ طول هذا الجانب الغربي من الخزان 12 متر وبعرض 1.80 متر وارتفاع 3 متر مصحوباً بثمانية مداميك، وفي الجهة الجنوبية يوجد درج ينزل إلى قاع الحوض وقد كان هذا الدرج مخصصاً للتنظيف والتخلص من الرمل والشوائب، أما الجدار الشمالي للخزان فقد بلغ طوله 18 متر لكي يتصل بالخزان الشمالي.

خزّان الرملة الشمالي : تتشكل أغلب جدران هذا الخزان على إطار تم قطعه في الصخر، حيث يوجد بئر يرتفع جزء منه فوق الخزان، وكانت تتم تغذية الخزّان عن طريق القنوات الآتية من عيون موسى، حيث يتم ملؤه عن طريق تجويف مقبّب يصل قطره إلى متر واحد ليتم غرف المياه عن طريق الفتحة العليا للخزان ولا يزال هذا الخزان مستعملاً من قبل القرى المحيطة، يبلغ طول الجدار الشمالي للخزان 18 متر مع ارتفاع يبلغ حوالي 3 أمتار أما الجانب الغربي فيختلط بناؤه مع مقطع صخري طوله 6 أمتار، بينما تعرّض الجانب الغربي من الخزان للانهدام كلّيا .

ثانياً: الخزّانات التي تتزود من مياه العيون 

هذا النوع من الخزانات كان يتزود من العيون الكبيرة مثل عين موسى، براق ودبدبة عن طريق القنوات، وتقع هذه الخزانات عند ممر القناة كما القنطرة، أو عند نهاية مجرى القناة لتُتِم وظيفتها بعملية توزيع المياه الموجودة فيها، ومن الأمثلة عليها الخزّان الموجود بالقرب من قبر القصر، وقد كانت الخزّانات التي تقع عند مجرى القنوات تلعب دور الأحواض المنظمة وهذا الأنواع من الخزانات لم يكن لها سقف علوي لأنها لا تُخزن فيها المياه لمدة طويلة .

ثالثاً : الخزانات التي تتزود من مياه الأمطار

يُقام هذا النوع من الخزانات على سفوح الحواجز الصخرية وجوانب المرتفعات، كالخزانات الجنوبية الغربية في المعيصرة الشرقية ووسط الهضاب الصخرية أو في المنخفضات الطبيعية والأغوار وكان مثل هذا النوع من الخزانات يتم بناؤه من مدماك مزدوج من الحجارة بحيث يتم إغلاق أطرافه بجدارين من الحجارة ويتم ترتيب هذه الحجارة حسب استخدام هذا الخزان، وتتزود هذه الخزانات عن طريق القنوات الجانبية في المرتفعات والأودية المجاورة بحيث تنسكب المياه مباشرة أو من خلال حوض التصفية قبل أن تنساب المياه للخزان، وكان يستخدم هذا النوع من الخزانات للاستعمال المنزلي والري.

حوض التصفية في الخزانات

ويوجد في الجهة الجنوبية من منطقة المدرس في البترا، حيث تمت تهيئة أرضية الحوض وتصميمها بشكل متقطع لترسيب الشوائب فيها، كما وجد مجرى أُقيم في الجهة العلوية من الحوض والذي كان يربط حوض التصريف بالخزانات، كما وجدت عدة نماذج على أحواض التصريف في المملكة الأردنية النبطية في البقعة الواقعة شمال البترا وأيضاً في قطار الدير .

تم بناء خزانات تتخذ شكل صالة صخرية بداخل الحواجز الصخرية والذي حلَت محل تسقيف الخزانات وكانت المياه تنتقل إلى هذه الخزانات بطريقتين، إحداهما عن طريق قناة جانبية والأخرى بواسطة قناة أعلى من مستوى الخزان، والذي استدعى إقامة مثل هذا النوع من الخزانات كي يتم فيها تخزين المياه لعدة أشهر، يُوجد هذا النوع من الخزانات في منطقة الخبثة إلا أنه لم يتبقَ منه سوى بعض التجاويف الصخرية، كما وُجد خزان صخري محفوظ بطريقة جيدة في منطقة مُغر المطاحة، ووفقاً لدراسة هذا الخزان يُمكن القول بأن جزءاً كبيراً من هذا النوع كان غير مرئي .

معظم هذه الخزانات كانت قد غُطيت بطبقة من القصارة ذات سمك يترواح بين 0.30 إلى 0.50 متر، بحيث كانت تُنفذ الطبقة إما لمرة واحدة أو مرتين بشكلين مختلفين متباينين من حيث النعومة والخشونة، حيث كانت الطبقة الأولى تتكون من خليط من الجير والرمل وكسر الصوان والفخار، بينما الأخيرة تتكون من الرمل فقط وفي الحالات الاستثنائية كانت تُغطى بأربع طبقات حيث يتراوح سمك طبقاتها بين 0.05 متر والأخيرة 0.15 متر، أما بالنسبة لقصارة الخزانات في المملكة الأردنية النبطية فكانت تتم أحياناً باللون الأبيض أو الرمادي .

وتم تزويد الخزانات من مياه الأمطار أو من مياه الينابيع من خلال أدراج تُسهل عملية وصول المياه إلى الخزان وتخليصها من الترسبات والرمال .

الخزانات الثانوية

بنيت هذه الخزانات لتناسب احتياجات التجمعات البشرية المحدودة من السكان، وتمتاز ببساطة تصميمها إذ أنها مجرد خزانات قُطعت في باطن الصخر كما يوجد لها فتحة تعمل كبوابة للخزان حيث لا تحتوي على أدراج أو سقف، كما في الخزان الذي وُجد في ساحة منزل دورثيوس في وادي المطاحة، كما أن بعضاً من هذه الخزانات لا يزال فعالاً إلى الآن كالخزانات التي تقع في منطقة وادي مطاحة على حافة الحاجز الشمالي الغربي للخبثة، كما نجد خزاناً مميزاً أمام المسرح بسبب حفره داخل الحاجز الصخري هناك بحيث بلغ طول ضلعه ستة أمتار، وكان يتزود من مياه الأمطار عن طريق شلال يقع على يمينه حيث تتجمع مياهه داخل قناة صغيرة ومن ثم تُسكب في الخزان ولا يزال هذا الخزان مستخدما أيضا، مما يدلل على ديمومة الهندسة النبطية وعبقريتها.

الأحواض الملحقة

تُعتبر الأحواض منشآت مائية لتخزين المياه تُضاف للخزانات ” أو تًذكر عند ذكر الخزانات “، وتوجد هذه الأحواض في الأغلب عند مداخل الصالات أو المضافات أو بالقرب من الأبنية الدينية كما أنها تتخذ شكلاً مستطيلاً بالعادة، وهذه الأحواض كانت تتزود بالمياه عن طريق الخزانات الثانوية المجاورة وتوجد مثل هذه المنشآت في السيق البارد والذي يتصل بالخزان الرئيسي عن طريق قناة حيث يتم ملؤه بالمياه ثم سكبه في قناة التصريف .

الآبار

حُفرت الآبار في الأراضي ذات الطبيعة الكلسية لضمان عدم تسرب المياه من خلالها وحفظها لمدة طويلة، ووفقاً للطراز الكلاسيكي كانت تتخذ الآبار في البترا شكلاً مستطيلاً أو مربعاً إضافة إلى أشكال أخرى كالآبار الكمثرية في المملكة الأردنية النبطية، وكان عُمق هذه الآبار يفوق عرضها حيث يُقدرعمقها بأربعة أمتار، ويتم تزويدها بالمياه عن طريق فتحة علوية ضيقة للتقليل من عملية التبخر،  ومن الآبار التي اكتشفت تلك التي تُوجد في الرملة وسد المعاجن وغيرها كما تم العثورعلى الآبار في مرتفعات أم البيارة في البترا، وثمة أمثلة عديدة أخرى على هذه الآبار كتلك الموجودة في قمة الدير وكذلك في وادي فرسا الغربي بالإضافة إلى شمال العاصمة الأردنية النبطية البترا وتحديداً في منطقة السيق البارد، بينما اتخذت هذه الآبار شكلاً دائرياً بعد أن حُفرت في الأرض، وقد وصف ثيودور الصقلي الآبار في المملكة الأردنية النبطية بقوله : ” في الأراضي الرملية تتوغل خزاناتهم التي لا تتوفر سوى على فتحة ضيقة إلى بلثير واحد – ما يُعادل ثلاثين متراً- من حيث الطول والعرض، وهي مُغطاة بقصارة لمنع التسرب ويملؤونها بمياه الأمطار ثم يغلقونها “، ولم يكن من السهل أبداً حفر الآبار بالتزامن مع الحقبة التي وُجدت فيها المملكة الأردنية النبطية نظراً لأولية المواد والآلات المستخدمة لكن العبقرية النبطية  والمعرفة الدقيقة بطبيعة الصخور والأرض المراد استخدامها واجهت هذا التحدي بذكاء، ومن الجدير بالذكر أن هذه الآبار كانت تستخدم لغايات الشرب وفي بعض الأحيان لغايات عسكرية، وحفاظا على مواردهم اللوجستية كان الأردنيون الأنباط  يخفون الآبار ويضعون عليها إشارات دالة وإغلاقها بالحجارة كي لا تصلها الجيوش المعادية أو تستفيد منها أثناء الحروب وللحفاظ على ديمومتها من الغرباء والمخربين .

القدرة الاستيعابية للخزانات والآبار 

وصلت القدرة التخزينية “الاستيعابية” للخزانات التي تتزود من مياه العيون مثل خزانات الرملة “قلاع المياه” إلى 2500 متر مكعب، أما الخزان الواقع بالقرب من قبر قصر فكانت قدرته التخزينية تصل إلى 500 متر مكعب، أما خزاني وادي فرسا الشرقي فتراوحت قدرتهما بين 100 إلى 900 متر مكعب، وقدرت في الخزانات التي تقع في جنوب الكاردو بـ500 متر مُكعب والواقعة شمال الكاردو بـ 250 متر مكعب.

أما بالنسبة للخزانات التي تتزود من مياه الأمطار فعلى فرض بأنه يتم تعبئتها خلال فترة الشتاء ثُم تُستطرد كمية المياه المخزنة خلال الصيف، فإن خزانات وادي فرسا الشرقي والغربي تُخزن ما مجموعه 2150 متراً مكعبا أما قمة الدير فكانت نسبة التخزين فيها 2500 متر مكعب، ومجموع ما تم تخزينه في خزانات المعيصرة الشرقية والغربية 2000 متر مكعب، وخزان مغر المطاحة بـ 500 متراً مكعباً وصولاً لخزان الخبثة والذي يصل إلى 500 متر مكعب، وخزان قطاع المدرس الذي استُخدم لأغراض الزراعة والري فكانت تُقدر قدرته الإستيعابية بـ 8300 متراً مكعباً . أما بالنسبة للآبار فإن بئر سد المعاجن على سبيل المثال كانت تقتصر قدرته التخزينية على 250 متر مكعب .

ومن الجدير بالذكر أن متوسط استهلاك الفرد الواحد في المملكة الأردنية النبطية وتحديداً في بلدة وادي موسى يصل إلى 30 لتراً، أما المنازل فكانت تصل نسبة الإستهلاك فيها إلى 180 لتراً .

لقد تميز الأردنيون الأنباط بقدرتهم الواسعة على فهم الطبيعة والموارد الطبيعية والتعامل معها على أفضل وجه، وما هذه المنشآت المائية إلا دليلٌ واضح على مستوى التقدم الحضاري الذي وصلوا إليه، والاسهام الحضاري والإنساني الذي قدموه للبشرية طيلة قرون نفوذهم وحتى يومنا هذا  .

المراجع 

عباس ، إحسان ،  تاريخ دولة الأنباط ،الطبعة الأولى ، 1987 ، (بيروت – لبنان)

 المحيسن ، زيدون ، هندسة المياه والري عند العرب الأنباط ، بيت الأنباط ، الطبعة الأولى ، 2002 ، (البتراء – الأردن)

الحموري ، خالد ، مملكة العرب الأنباط : دراسة في الأحوال الاجتماعية و الاقتصادية ،الطبعة الأولى ، البتراء:بيت الأنباط ، 2002 ، (عمان – الأردن)

الهندسة الأردنية النبطية في بناء خزّانات المياه

Scroll to top