قصيدة عبدالله العكشة الثانية من منفاه

مناسبة القصيدة

لم يكتف الشاعر عبدالله العكشة بقصيدة واحدة وهو في منفاه اذ كان سلاحه الوحيد في وجه المحتل العثماني شعره النبطي الأردني فقام بكتابة قصيدة أخرى وهو في منفاه القسري في قوزان يتشوق الى جبال الكرك وأهلها، متأملاً العودة الى أرض الوطن، راثيا فيها رفيقه الشيخ البطل قدر المجالي بعد وصول نبأ اغتياله من العثمانيين إليه .

عبد الله العكشه

َقال الاعكيش إوْ في بلاياهْ غَلبانْ                              صَبراًعلى حكم العَلي في براياه(1)

طَلَّيما  مِن روسَ المشاريفْ شفَقــــــتان                 رُوسَ النِّوابـــــــــــي لِلامْشقَّاهْ ، مِقواه(2)

شِفتَ الاِقلاعِ اللِّي على رَاسْ قَوزَانْ                                     مِن عَهدِ جدَّ الاوَّليَّنْ مبناه(3)

شِفتَ الاجيال اللِّى بَهَا الهيــــــــــــــش كثبانْ                           غابتْ مِربي لَلضوارِي اوْ مِخباه(4)

شِفْتَ الاِحقولْ امْرُوجْ سَهْلهِ سِمَهْـــدانْ                                 إتْروُحْ فيها الفِدِن تيجي امتالاه(5)

شِفْت الاِكروم وَالبسَاتين وِاجنان                                      إثْمارْها وِاشجارها ، واحلالاهْ(6)

كِلَّه مناظِر لَلِنّواظرْ وَالاعيانْ                                          زَيناتْ إوْ لهيلَ الاِ بلادْ تِسلاه(7)

إبْلاذْ  لو هِي جَنِّةً عِفْتَها اذْلانْ                                      أبغى مَقَرَّ الجدّ يا احليـــل سكناه(8)

لو هي صِفَا اوْ صَعْنُونْ ما بِيه عِمَــــــرانْ                    إو لَو هِي خَراب امن المزابل حَلاَياه(9)

وَيْنَ ( الكرك ) وِاجْبَالْها، وين (شِيْحَانْ)؟                         وين الاِقْنان اللِّي بها الميْس مغواه (10)

   وَيْنْ ( القَصِر ) يا عَين و ( اتْلاعْ و سلمان )                             ( الرَّبَّة ) الله عَزَّها نايف الجاه(11)

وَينَ الاِقـــــــرومَ اللِّي على الخيل فرسان؟                      صُورَ ( الكرك ) لَن شَرَّفوا ما تغشَّاه(12)

إخـــــوات ( خضْرا ) مِرويناً شِفا الزان                            اليا صار باِطرافَ الدِّبايلِ امنَا خَاه(13)

حِنَّا لِكُم عِزّاً ، وانتم لنا شَانْ                                         واجْدُودكُم لاجْدودنا صُورْ مِرجَاه(14)

حِنَّا وايَّاكم ابْنعِمْةً  قبل ذِلْوانْ                                              إنتم فزعتنا ، إوْ حنا لكم جاه.(15)

صِبْيَان حِلَّسْ بالمجالس لَهَم شَانْ                                وابْجَالَ البِداوي ارْجال ، صَلْفيين وِامضَاه(16)

حتى العمـــــاوى قال من ذْلِوانْ                                    جَمْعَ النّصارى بَيرقَ الحـــــربِ تَلقَاه(17)

 وَجْدِي على ( قـــــــــــدر ) الكرك يَومَ الاِمحان                       قَلعَةْ حَصينه او نَايِفه ابْراسْ مِعصَاه(19)

يبكي عليه امْنَ الدِّواوير سِلْفَانْ                                               هَدَّت صَهَاوِيْها عَلى شَانِ فِرقاه(20)

  تبكي عَليه البيِض ، بادموع غِدران                                         عَولاْتْ كْن سُوَّنْ على البيتْ مِنْعَاهْ(21)

 مسكين يا اللي باجالنا صار بَجْخان                                        بَالبدودِقَة  يصِفُّوا الذهب من دناياه(22)

إصبر  وَالين الصَّبرْ فَراجَ الاحزانْ                                      كم شِدّة ياتي فرجها امْنَ الله(23)

لا بِدَّ ما انْعُودَ الكرك وَايَّ الاوطانْ                                 وِاحاسبْ هَيلَ الدَّين إو نعطيهم اياه(24)

شرح الأبيات

(1). قال الاعكيش ( عبداالله العكشة ) وهو حائر في مصائبه ، اصبر على حكم الله في خلائفه .

      غلبان والجمع غلبانين ، وغلابى : حائر لا يدري ما يصنع ، وتطلق على الفقير المعدم .

(2). أشرفت من رؤوس الجبال . مشفقا ً : شديد الشوق ، لأن رؤوس المرتفعات تقوي عزائم الأشقياء

طليت : أشرفت ، وهي بدلا ً من أطلَّ،  شفقان : مشفق متلهف،  النوابي : جمع نباة وهي المرتفع .

(3). رأيت القلاع التي على جبال القفقاس التي بنيت في عهد أجدادهم الأولين.

(4). رأيت الجبال التي تكسوها الغابات كأنها الكثبان . وفي هذه الغابات تعيش الضواري وهي مخابئ لها، الهيش أو الهيشة : يعنون بها الغابة الكثيفة .

(5). شاهدت الحقول مروجا ً سهلة تحرثها الأبقار جيئة وذهابا ً متتالية .

سمهدان : لا أثر فيها لارتفاع أو انخفاض أو حجر تعثر به القدم . تروح أزواج البقر للحراثة وتجيء متتالية .

(6). شاهدت الكروم والبساتين والجنائن وما أحلى أثمارها وأشجارها .

(7). كلها مناظر تسحر الأنظار جميلة وهي سلوى لأهل البلاد .

(8). لو كانت هذه البلاد جنة عافتها نفسي لأنس الآن أريد مقر أجدادي ، يا ما أحلى سكناها!

 إذلان : أصلها هذا الأوان / يا احليل : ما أحلى.

(9). لو كانت بلادي صفاة صلدة لا تعرف الابتسام ، ليس فيها أثر للعمران ، لو أنها خراب  .

 صعْنُون : لا تنبت شيئا ً ، والأصل فيها الوجه الذي لا يعرف الإشراقة والثغر الذي لا يعرف الابتسامة/المزابل حلاياه : ايجملها إلا المزابل ! إن كان في المزابل ما يجمّل .

(10). أين الكرك وجبالها أين جبل (شيحان) أين المرتفعات التي من أشجارها الميس الذي يقتات بثمرها الجائع!

(11). أين القصر وتلاع سلمان والربة التي كرمها الله .

(12). أين الأبطال فرسان الخيل حماة الكرك الذين إذا حضروا كانوا بمنزلة سور لها لا يجرؤ أحد أن يغشاها.

 الاقروم : جمع قوم وهو السيد العظيم ، وقد وردت في اللغة بهذا المعنى .

(13). المجالية الذين يروون الرماح من دماء الأعداء إذا صار الغزاة يستنهض بعضهم همة بعض بقوله : (فعلك يا أخو فلانة!) – أي أرني شجاعتك – في مؤخرة قطعان الإبل والخيل المحاربة ، إخوات خضرا : نخوة المجالي وبها تُستثار حميتهم، الدبايل : الخيل الكثيرة وفي المعركة .

(14). نحن عِز لكم وأنتم مجد لنا وأجدادكم لأجدادنا حماية ومرتجى .

(15). نحن وأنتم بنعمة قبل هذا الزمان أنتم تدافعون عنا ونحن مجد لكم .

       فزعتنا : الذين يساعدوننا في الملمات . وفزع له : انتصر له – وهو فزعته : هو نصيره . وفي اللغة فلان فزعة للناس : نصير لهم .

(16). صبيان حِلّس : كناية عن عشائر الكرك الأردنية المسيحية، لأن هذه هي نخوتهم ، لهم قيمة عظيمة في المجالس المهمة  .

صلفين وامضاه : أشداء شجعان .

(17) حتى شاعر الكرك الكبير (العماوي) قال عليهم قبل هذا الزمن : (محاربو وفرسان عشائر الكرك المسيحية تجدهم لواءً مظفرا ً في الحرب ) . يبرق الحرب : أشهر المحاربين .

والعماوي : شاعر مشهور في الكرك وفي كل الديار الأردنية ، له في مدح العشائر المسيحية الأردنية قصائد عامرة .

( 18 ) . بيت محذوف .

(19). حزني الشديد على (قدر) قدر الكرك عند الاختبار والمحن قلعة حصينة في مرتقى عالٍ مقام للعصيان.

       (قَدِر) هو (قدر المجالي) زعيم الكرك وقائد ثورة الهية سنة 1910 ، اغتاله والي دمشق العثماني بالسم عقابا له على مواجهته للعثمانيين ومنعا له من الانضمام للثورة العربية الكبرى . وقد كانوا يسمونه (علي) اسما ً حركيا ً ليردوا عنه العين الشريرة الحاسدة وليخفونه عن أعين جواسيس القادة الأتراك.

(20). تبكي لفقده سلفان لا تحصى ، هدمت بيوتها حزنا ً لفراقه .

(21). تبكي على (قدر) النساء ، ويكنون عنهم بـ(البيض) الواحدة بيضا ، قالوا :

      “أَلنِّسوان ما حَبَّين بَيْضا ً غَريرة       والرجال ما ايحِبُّون رَجَّالْ شِجيْعْ” .

     ويبكين بدموع غزرة تشبه الغدران ، معولات : الاعوال هو المدعو (المَعَيِدْ) ، وهو تعداد حسنات الميت تردده النساء واقفات ، ولا يجوز أن يقام المعيد إلا على زعيم أو من هو في منزلة الزعيم ، وقد حولن البيت إلى منعاة أي مأتما ً .

(22). مسكين أيها الشامت بنا – بَجْخَان : معناها في الأصل مفتخر متكبّر ، لكنها هنا تعني الشامت . لقد فقد عزا ً له بالبوطق – التي يدعونها – وهما ً – البودقة ! …

(23). يخاطب نفسه في حيرة ، قائلا ً : اصبر لأن الصبر هو الذي يفرج الاحزان ، وكم غمة جاء فرجها من الله مع الصبر .

(24). لا بد من أن نعود إلى الكرك ، ونحل في أوطاننا ونحاسب كل من أساءوا إلينا بالذي أساءوا به ونرد لكل مسيء ديونه كما يستحق !

المصادر:

  • المرحوم الشاعر عبدالله العكشة ، معلمة للتراث الاردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، 2012.
  • عرس البويضا، فريد العكشة، وزارة الثقافة،2011.
Scroll to top