مقدمة

تعتبر العادات والتقاليد جزءاً من الإرث الإنساني للمجتمعات والحضارات وتستغرق مئات السنوات لتراكم هذه العادات، والتي تتأثر بالظروف المحيطة والتغيرات التي تطرأ على المنطقة سواء كانت هذه التغيرات والتحولات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، ومن خلال تحليل هذه العادات والتقاليد وفهمها ووضعها في سياقها الصحيح يمكن للباحث والمهتم الحصول على فهم أوسع لتركيبة وبنية المجتمع للتمكن من قراءة الأمور بصورة أوضح، وضمن سلسلتنا البحثية المتعلقة بالهوية الغذائية الأردنية رأينا أن المشهد لن يكتمل بدون استعراض طبيعة العلاقات الانسانية في المجتمع الأردني والتي يمكن تلمّسها من خلال المناسبات المجتمعية، أما الحديث عن العادات والتقاليد فهو نابع من ضرورة التمييز بين كل منهما وتفصيلهما وعدم الخلط بينهما رغم أن المصطلح غالباً ما يستعمل بشكل مركب للدلالة على أشياء بينها تفاوتات، وهنا نستعين بما أورده العلاّمة والمؤرخ الأردني العظيم روكس بن رائد العزيزي من توضيح وتبيان لهذا الخلط، فيقول علّامتنا:

“إن التقليد وفقاً لمعجم المحيط يعني إتباع إنسان غيره في ما يقول، أو ما يفعل، من غير نظر ولا تأمل في الدليل، اتباع إنسان غيره في ما يقول، أو ما يفعل، من غير نظر ولا تأمل في الدليل، كأن هذا المتبع جعل قول الغير، أو فعله، قلادة في عنقه، وربما عرّف التقليد بأنه اعتقاد جازم، غير ثابت، يزول بتشكيك المشكك، والتقاليد، غير العادات، لأن العادات هي ممارسات في مناسبات معينة، كعادات القوم في أفراحهم، وفي أحزانهم، وتلك العادات إذا حللناها وجدنا أنها نشأت لغرض يحقق منفعة، أو يدفع ضرراً,,

وفي هذا البحث نستعرض أهم العادات الأردنية في المناسبات والطقوس الاجتماعية التي كانت و/أو ما زالت تشكل جزءاً من أسلوب حياة الأردنيين، ونسلط الضوء بشكل خاص على العادات المتعلقة بالجانب الغذائي، بينما يتم تناول هذه المناسبات بالتفصيل من ناحية علوم اجتماعية في أبحاث أخرى.

  • المشاعر الإنسانية:

قبل الحديث عن المناسبات لا بد من التطرق للمشاعر الإنسانية والتي كانت العامل الأول خلف هذه المناسبات وينعكس نتيجة لذلك السلوك الإنساني الذي أصبح يشكل ما يعرف بالعادات المتعلقة بهذه المناسبات ووسيلة للتعبير عن هذه المشاعر، ويرجع مفهوم المشاعر الأساسية أو الأولية إلى كتاب الطقوس (The Book of Rite) على الأقل، وهو موسوعة صينية تعود الى القرن الأول، وقد حدد الكتاب سبعة مشاعر للإنسان وهي الفرح والغضب والحب والكره والإعجاب والخوف والحزن. وفي القرن العشرين حدد Paul Ekman ستة مشاعر أساسية وهي الغضب والاشمئزاز والحزن والاندهاش. وحدد Robert Plutchik ثمانية مشاعر وقسمها على أربع مجموعات زوجية متضادة وهي (الفرح والحزن – الغضب والخوف – الثقة والارتياب – الاندهاش والتوقع).

  • ويسود الاعتقاد بأن المشاعر الأساسية تطورت في الاستجابة لتحديات البيئة التي واجهت أسلافنا القدماء، وهذه مشاعر بدائية مترابطة مع كل شعور أساسي يقابله دائرة عصبية مميزة وخاصة، وهذه المشاعر الأساسية المترابطة (أو ما تسمى ببرامج التأثير) هي فطرية وشاملة وتلقائية ومحفز عالي لسلوك قيمة البقاء، ويمكن أن يقال عن المشاعر الأكثر تعقيداً مثل التواضع والحنين والتي على سبيل المثال لا تنسب إلى الرُضّع والحيوانات، أي أنه وبتطور هذه المشاعر يمكن الاستدلال على تطور وحضارة المجتمعات الإنسانية، وفي ما يلي من البحث سنستعرض أهم المناسبات والطقوس الاجتماعية الأردنية محاولين تأطيرها ضمن هذه المشاعر من خلال ربطها بسلوكيات معينة مثل الذبح وإعداد الطعام، حيث تعرفنا في بحث ميثولوجيا الضيافة الأردنية سابقاً بإيجاز على أنواع الذبائح وبعض الحالات التي يصبح الذبح فيها واجباً إنسانياً يمتدح فاعله ويذم تاركه، وسنحاول هنا أن نقوم بالاستدلال على السلوك الغذائي للأردنيين في مناسباتهم الاجتماعية من خلال إعادة النظر في مناسبات هذه الذبائح وتوزيعها على المناسبات باعتبارها وسيلة على أهميّة هذه المناسبة التي تجعل من الأردني يتنازل عن إحدى أهم مصادر الانتاج التي يمتلكها ويضحي بها في سبيل هذا الحدث ذو الأهمية والقيمة المضافة لحياته.
عمان 1935 فاردة – مسيرة – عرس الأمير طلال ونشاهد الأعلام الأردنية، فيما الحرس والكشافة ينظمون المسير في اجواء احتفالية
  • الفرح:

يعتبر التعبير عن الفرح والسعادة الشعور الإنساني الأسمى نتيجة لما يرتبط فيه من مشاعر ايجابية يحاول الانسان التعبير عنها ومشاركتها مع من يحب وينعكس ذلك على من حوله حيث سيحاول جاهداً جعلهم سعيدين مثله، مما يخلق مناخاً معدياً من الفرح، ولهذا فقد تنوعت مناسبات الفرح والسعادة في أسلوب الحياة الذي طوره الأردنيون عبر السنين، واختلفت معه طقوس هذا الفرح وآلية التعبير عنه وإشراك الناس في متعة تقاسمه، ولعله من أهم الطقوس المتعلقة بالفرح هو الزواج، وهي المؤسسة الأسريّة التي تضمن استمرار هذا الفرح وإعادة إنتاجه وتجسيده في الأبناء الذين يأخذون شكل هذا الفرح فيكبرون وينضجون ويتعلمون ويتخرّجون في سلسلة مستمرة من حلقات الفرح، وهنا نستعرض أهم هذه المناسبات ومكانتها في المطبخ الأردني والهوية الغذائية:

  1. الخطبة: إن مراسم الزواج في الأردن طويلة وليست بالشكل المتعارف عليه في كثير من الدول والثقافات، وتبدأ هذه المراسم بالطلبة وهي إحدى مراحل الخطوبة وتعني إرسال جاهة من أهل العريس لبيت والد العروسة، وتبدأ المفاوضات والقهوة عنوانها ومفتاحها، ولعل المهر هو النقطة المحورية في هذه المفاوضات وهو في الأصل لا يطلب إلا من غير الأقارب، والغرض منه أن العادة جرت أن يتم تزويج الفتاة لأبناء عمومتها، إلا أنه وفي حالة رغبة غريب من الزواج بها فيطلب منه المهر كوسيلة لرفضه أو تعجيزه، فيقوم هو بالمقابل بإثبات وبرهنة استحقاقه لهذه الفتاة من خلال التضحية الماديّة أو المعنوية، ولما كانت الظروف أقل استقراراً وفي حالة غياب الدولة – في عهد الاحتلال العثماني تحديداً- كان من الطبيعي أن يكون مهر الفتاة مبالغاً فيه في تكلفته أو في خطره على حياة العريس نفسه، كأن يطلب من العريس رأس فلان أو خيل فلان وهكذا، وقد يكون المهر المادي مالاً أو قمحاً أو عدداً من المواشي أو الإبل لما كان لها من قيمة في الثقافة الانتاجية، وكان من المتعارف عليه أن أهل العروس يجب أن يذبحوا للجاهة ويقوموا بإكرامهم والإيلام لهم لما بذلوه من جهد في هذه الوساطة سواء كان للزواج أو المصالحة بين طرفين.

 ثم الخطبة التي يرافقها ما يرافقها من مراسم القهوة والتحلية ويذبح في ليلة الخطبة “ذبيحة الصفاح”، ويتبع ذلك ما يسمى “النصّة” وهي فترة 7 أيام كان يتم نشر ملابس العروسين على الحبال طوال هذه الفترة، ثم تم الاكتفاء بعرض ملابس العروس وتجهيزها لصديقاتها وقريباتها قبل موعد الزفاف والذي كانت تبدأ الاحتفالات به قبل أيام تعرف بأيام “التعليلة” تقدم خلالها المشروبات الساخنة ليلاً والهيشي – التبغ – والحلويات وبعض الأطعمة أحياناً.

  1. الزفاف: وصولاً ليوم العرس والذي يكون القطار/الفاردة أحد أهم أركانه خصوصاً عندما تكون العروس من منطقة أخرى، فيخرج أهل العريس ومحبين بعد تناول الغداء في مضارب القبيلة، لتصل إلى مضارب أهل العروس والذين يكونون بدورهم قد ذبحوا لضيوفهم وقاموا بإكرامهم، ولا تنتهي الحكاية هنا، فالمتعارف عليه أنه وفي حال كانت المسافة بعيدة ومر القطار بجوار مضارب عشيرة ثالثة فمن الواجب على هذه القبيلة أن تقوم بالذبح وتحضير الطعام للقطار، ويسمى القطار في رحلة العودة ومعه العروس بـ “الفاردة” وتتضمن طقوس الاحتفال ما تتضمنه من رقصات وأهازيج شعبية، مثل السامر والدحيّة والمهاهاة والمحاشاة والترويد، ويسمى طعام يوم العرس “القرى” وهي عادة قديمة تعود لفترة الأردنيين الغساسنة وما سبقهم وتكون غالبا بالذبح وطهي المناسف وتقديمها للحاضرين سواء أثناء أيام التعليلة وبالأخص يوم الزفاف، ويلتزم الحاضرون والمشاركون بتقديم “النقوط” وهي مساهمة معنوية أو ماديّة، بتكاليف العرس التي تكون باهظة في الغالب نظراً لطول فترة الاحتفال، فيقدّم الناس النقود أو الذهب أو المواد الغذائية والإنتاجية مثل الماعز والقمح وغير ذلك، على أن يكون ذلك بمثابة نظام تكافل اجتماعي، بحيث يصبح هذا النقود ديناً على من يستلمه ويقوم بسداده في مناسبة مماثلة.
عمان 1935 نحر الجمال وسلخها لتحضير الولائم لضيوف حفل زفاف الأمير طلال بن عبدالله – الملك لاحقا – ونلاحظ بالخلفية مصابيح معلقة على أعمدة لإنارة الشوارع

وقبل دخول العريس بعروسه يذبح ما يعرف بـ “ذبيحة الحليّة” بنية أن تحل له العروس، وتتبع أيام ما بعد العرس العديد من المراسم الغذائية، فالإفطار الذهبي الذي يحصل عليه العروسين صبيحة يوم الزفاف يسمى الصبحة/الصباحية، ويقوم أهل العروس بأخذ الطعام والحلويات ويقومون بزيارة ابنتهم بعد أيام من زفافها فيما يعرف في بعض المناطق بـ “اللحقة” وبعد ذلك تقوم العروس ونساء عائلة العريس بزيارة أهلها وأخذ بعض الحلوى فيما يعرف محلياً بـ “الزورة/الزوارة” فيذبحون لها “ذبيحة الزوارة” وهو عادة ما يكون خروفا تقوم بأخذه معها فيقومون بذبحه وصنع الطعام لها ولعريسها وتعود في المساء لبيت زوجها محمّلة بالهدايا أيضاً، ويستمر استخدام الطعام لجلب المحبة ودفع البغض حتى في العلاقة بين الزوجين، فذبيحة الحلية / أو ما تعرف بذبيحة الرضاوة جزء من عملية المصالحة في حال أصاب العلاقة بين الزوجين أي نفور.

  1. الإنجاب: وطقوس هذه المناسبة كثيرة تبدأ أثناء الحمل والإنجاب، والعقيقة التي يتم ذبحها كطقس غساني أردني قديم ورثه المسلمون والمسيحيون حالياً وتتشابه أحياناً مع ذبيحة الختان “الطهور” عند المسلمين أو “التعميد” عند العائلات المسيحية، وتسمّى أحياناً ذبيحة “الولد”، وتسمى المرأة في حالة الولادة ”حورية“، وفي أول يوم من ولادتها تقوم إحدى قريباتها بإعداد ”قرص البيض“، حيث تعجن كمية من الطحين بالبيض والبصل المقلي بالسمن ويخبز على الصاج ويقدّم لها، كما أنها تأكل طول فترة نفاسها نبتة “الزقيطة” الخضراء التي يتم تجفيفها وتخزينها خصيصاً لهذه المناسبة فيتم قليها بالسمن مع البصل والبيض وتقدم للحورية، وتعمل ”اللزاقيات والزلابية“ كحلوى تقدم بهذه المناسبة، كما يتم تقديم مشروبات القرفة والحلبة والشاي والقهوة للسيدات اللواتي يقمن بزيارة الأم التي وضعت مولودها الجديد.
  2. التسنين: عندما تبدأ أسنان الطفل بالظهور تقوم والدته بسلق كمية من القمح وتضعها في وعاء وترش عليها السكر وتسمى” السنينة“، وتدعو عليها جاراتها وقريباتها، وتقدمها لهن فيأكلنها ويشربن معها القهوة، ولا يشارك الرجال بهذه المناسبة.
  • الحزن والمحن:

درجت العادة أن يخفي الأردني حزنه وأن يحاول أن لا يظهره إلاّ في أمر جلل، وحتى في أسوأ المواقف وأشدها ألماً وحزناً ستجد الأردني متلصماً في شماغه كوسيلة لمداراة هذا الحزن، فالأصل كان في فترة غياب الدولة والقانون أن الأردني يخفي حزنه ويصبر حتى يأخذ بثأره، لذلك فلا تعزية بطفل أو امرأة ولا يفتح لهما “مدالة” وهي من التداول وتعني بيت العزاء في قاموس المناسبات الأردنية، فالأصل في العادات الأردنيّة أن الحزن هو على المقاتل الذي قضى شهيداً في معركة الدفاع عن الوطن والعشيرة في مرحلة ما قبل الدين وقبل الدولة الحديثة، فيتداول القوم في طريقة الأخذ بالثأر، وجرت العادة أن تقوم النساء بالمعيد عند وفاة زعيم أو شخص ذو مكانة عالية، فيما يكون النواح على وفاة الأشخاص العاديين مهما اختلفت مكانتهم ورتبتهم في المجتمع، ويكون هذا بمثابة رثاء شعري تقف النساء صفين يذكرن مناقب الجماعة الذين قضوا في المعركة، أما الرجال فلا يبكون ومن تقاليد الأردنيين أنه إذا مات شيخ أو كبير قوم، فإنهم يرسلون النعي للقبائل الأخرى بمقلّدة من الخيل، وهي الخيل التي يقلدونها قطعة من نسيج البيت، ويعلن فارس الخيل أو الذلول موت الزعيم، وعندما يصل النعي إلى زعماء القبائل الآخرى، يتم دفق أباريق القهوة وتعفيرها بالرماد كإشارة على الحزن.

الشونة 1935 غور نمرين الأمير عبدالله الأول – الملك لاحقا – يعزي الشيخ ماجد العدوان بوفاة والده الشيخ سلطان رحمهم الله جميعا

وتترافق مراسم الدفن والعزاء بطقوس غذائية حيث جرت العادة أن يقوم أهل الميت بالذبح وإكرام الضيوف الذين جاءوا لتعزيتهم، والأولوية تكون للضيوف الغرباء ووجهاء القوم نظراً لكمية الناس التي تحضر، حيث أوضحنا سابقاً – أين أوضحت ؟ – كيف يتم التحول من حالة الضيافة إلى التعزيب في تراتبية تحافظ  على انسجام ووحدة المجتمع، ويسمى هذا الغداء “طعام المجبّرين” وهو لفظ يطلق على أهل الميّت كناية عن كسر جناحهم وما هم فيه من حزن، ويتم تقديم الغداء والقهوة السادة على الحضور القادمين للقيام بواجب العزاء طوال أيام العزاء والبعض يقوم بتقديم التمر معها، كما يقوم الناس في الأيام التالية بالذبح لأهل الميت والإيلام لهم كمحاولة لمواساتهم وتعتبر هذه الدعوة بمثابة دين اجتماعي آخر ويجب أن يتم سداده في وقت لاحق، ويمكن أن يلاحظ في هذا حجم التماسك الاجتماعي سواء في الفرح  أو في الحزن، ويقوم أهل الميّت بالذبح ثانية في الليلة التالية للدفن، ويسمي البعض هذه الذبيحة بـ “ذبيحة الثالث” أو “ذبيحة القبر” ومنهم من يسميها “فكّة الكفن”.

مادبا 1937 ضيوف في ضيافة الشيخ مثقال الفايز بني صخر يتناولون طعام الغداء –

 

  • التعاملات الحياتية:
  • السكن: جرت العادة أن يتم ذبح “ذبيحة البيت”وتسمى أحياناً “ذبيحة الواسط” وتذبح إذا أراد الرجل أن ينصب بيتاً جديداً وكان الأصل فيها نقل بيت الشعر وإعادة نصبه حتى لو على مسافة لا تتجاوز مائة متر، وهذا دفعاً للشر وجلباً للخير، ومن العادات أيضاً “ذبيحة الباطون” أو “ذبيحة العقد” وهي من العادات المرتبطة بالمساكن الحجرية حيث تتزامن هذه الذبيحة مع فترة العقد والصبّة أو القنطرة سابقاً، وكذلك ما يتعلق في “ذبيحة البيت الجديد” وغالباً ما يقوم الجيران بإعداد الطعام للساكنين الجدد فيما يعرف بـ “النزالة”، وكذلك يقوم أصحاب البيت الجديد بذبح “ذبيحة العتبة” والهدف منها هو طرد أرواح الجن.
  • الزراعة: تتزامن عملية الزراعة بكافة مراحلها بالكثير من الأهازيج والممارسات التي تعبر عن تجذر قيمة الإنتاج عند الأردنيين، ويترافق هذا مع العديد من الذبائح، منها “ذبيحة الحصيدة” والتي كانت قديماً تسمى فتاحة المنجل، وتذبح هذه الشاة عند البدء بحصاد القمح، ومنها يصنع العشاء للحصادين والرجادين والشدادين ويستعيض عنها فقراء الزرّاع بالفطيرة المكونة من السمن البلدي ولبن الجميد وخبز الفطير وكلما زاد مقدار السمن كانت في نظر الناس أجلّ، وكذلك الحال “ذبيحة الجورعة” التي تذبح مع نهاية الحصاد لإكرام وشكر أفراد الأسرة والعاملين والمحبين وكل من ساهم في إنجاز العمل ويتم إعلان “الجورعة” فيها وهي التنازل عن ما تبقى في الأرض لصالح المساكين والراغبين بالاستفادة مما تبقى من غلال ويتم ذلك من باب الزكاة والمسؤولية الاجتماعية من أصحاب الثروة تجاه جيرانهم وعمالهم ولتطييب نفوسهم، وكذلك الحال في “ّذبيحة البيدر” وتكون هذه بعد نقل الغلال وإيصالها إلى المخازن.
  • الثروة الحيوانية: للحيوان في الإرث الأردني مكانة وأهمية وحقوق لا تقل عما هي عليه في مؤسسات ومنظمات رعايته في الدول الغربية، فقد عرف الأردنيون ذلك وطبقوه منذ سنين طويلة، فإلى جانب حمايته والنظر له كمصدر للإنتاج وليس موضعاً للاستهلاك اليومي، فقد اهتموا بالتفاصيل المتعلقة بتربيته وحلبه وبيعه وشراءه، فنجد ذلك ماثلاً في حالة “ذبيحة الغنم”  في حال أصاب الغنم وباء وأراد صاحبه أن يفتديه فيقطع إذن المرباع ؟؟ وينتظر فإذا ذهب الوباء يذبح هذه الشاة التي تسمى القطيشة (بعد قطع أذنها) ويولم لأهله وجيرانه ويدعوهم لأكلها، وكذلك الحال في “ذبيحة الفرس” والتي يذبحها من يقوم بشراء خيل أصيلة، و”ذبيحة التوريد” التي يذبحها صاحب الخيل الأصيلة التي تم بيعها عندما يحضر له مالك الخيل الجديد المثاني (وهي المهرة الأولى والثانية من نسل الخيل التي باعها) وفي هذا مثال على رقي التعامل التجاري  بالحيوانات وخاصة الخيل لما لها من مكانة في نفس الأردني المحارب بالفطرة.
  • الحرب والسياسة:

كانت الحرب بما يرافقها من سلوكيات وأعمال سلب ونهب ضرباً من ضروب الشجاعة في وقت لم يكن فيه مكان للأمن والحصول على الحقوق إلا بالقوة في ظل الفتن والأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة التي فرضها الاحتلال الخارجي من عثماني وغيره، لذلك ظهر مفهوم “ذبيحة الكسب” كوسيلة للتعبير عن الفرح بإنجاز المهمة والعودة غانمين سالمين من المعركة، كما توجد ذبائح خاصة بالصلح والتراضي ما بعد التخاصم، وذبيحة أخرى عندما يقوم شخص بترك قبيلته والانضمام لقبيلة أخرى، فيما يشبه اللجوء السياسي حالياً.

  • التجارة:

كان للموقع الجغرافي المحوري بين أهم الامبراطوريات العالمية المتصارعة دوره في بناء شخصية الأردني ليكون قادراً على المناورة السياسية وبناء تحالفات تضمن الحفاظ على مصالحه ومنافعه، ومن ضمن هذه العلاقات تبرز التجارة كمهنة أساسية لكثير من القبائل الأردنية التي استفادت من وجود الأردن على أهم طرق النقل التجارية، الأمر الذي يفسر العثور على الدينار الحارثي النبطي في الصين وموانئ أوروبا، ومن هنا ترافقت التعاملات التجارية والصفقات التي كان يجريها الأردنيون بطقوس وبروتوكول يميزهم ويجعلهم يكسبون قلوب الشركاء المحتملين ويظهرون لهم حسن النية ولين الجانب، ومن هنا جاءت “ذبيحة الشراكة”.

الشونة 1934 غور نمرين الرحالة السيد والسيدة توني ومرافقيهم في ضيافة الشيخ ماجد العدوان
  • الضيافة:

وهي من المناسبات الأكثر تكراراً وأحد أهم عناوين هذه السلسلة البحثية، وقد تم تناولها في بحث منفصل، أوضحنا فيه كيف يكون واجب الضيافة مقدساً بالحد الذي تكون فيه الضيافة ضرباً من ضروب العبادة، وللضيافة أربع أنواع يذبح في معظمها للضيف ويتم الإيلام له في مهمة يتشاركها الرجل مع زوجته التي تنوب عنه في حال غيابه.

  • المناسبات الدينية:

المقامات والقرابين: كثير من الطقوس الحالية المتعلقة بالذبائح تعود لجذور ما قبل التدين عند الأردنيين القدماء ولفترة تسبق ظهور الديانات المسيحية والاسلامية، ومثال ذلك “العقيقة” و “القرى” وهي ذبائح وعادات تعود لفترة الأردنيين الغساسنة، وأبقى عليها الأردنيون بغض النظر عن الديانة التي اعتنقوها لاحقاً، كما تحظى المقامات والأشخاص ذوي الكرامات باهتمام ملموس في عقيدة الأردنيين، ومن أشهر هذه الذبائح: ذبيحة اسماط الخضر، وذبيحة شيحان، وذبيحة الخمسان والعشيات عند المسلمين والمسيحيين لمقام النبي موسى، وذبيحة سليمان بن داهود وذبيحة العجام وذبيحة دانيال وغيرها.

الشونة 1931 ضيوف المؤتمر الاسلامي في ضيافة الشيخ ماجد العدوان
  • رمضان: في رمضان تستخدم معظم الأكلات نفسها، ولكن يتم الإكثار من تناول الشوربات مثل العدس والفريكة، ويتم مشاركة الطعام بشكل أكبر فيما يسمى بعملية المقادحة، وهي عادة كانت بأن يجتمع الرجال عند الإفطار في بيت كبيرهم وأن يحضر كل منهم قدحاً فيه من طعام أهل بيته.
  • عيد الفطر: يبدأ هذا العيد بتناول طعام الإفطار لأول مرة بعد صلاة العيد، بعد صيام 30 يوماً وامتناعٍ عن الأكل في النهار، ويتم توزيع كعك العيد المصنوع من التمر إضافة لأقراص القسماط وهو الخبز المغطى بزيت الزيتون.
  • عيد الأضحى: ذبيحة ذات رمزية دينية تعود لقيام النبي ابراهيم عليه السلام بافتداء ابنه اسماعيل، ويختار الأردني الضحية من أفضل المواشي أو الجمال الخالية من كل عيب جسمي، وكان يتم تكحيلها قبل نحرها، ويتم الاعتناء بها جيداً في الأيام التي تسبق عيد الضحية وتوزع لحومها على الأهل والأقارب والفقراء، وغالباً ما يستعمل كبد وأحشاء الضحية في افطار أهل البيت فيما يعرف محلياً بـ “المعلاق”.
  • الحج: هناك طعام يعد للحجاج ما بعد عودتهم من الحج، حيث يقوم الجيران والأقارب والأًصدقاء بدعوتهم على الغداء وتعرف هذه العادة بـ “الدورية” وقد تستمر لمدة شهرين، وتكون الوليمة في العادة منسف برغل ومريس ولحم وشراك، ولا يوضع الرأس أمام الضيف الأساسي في المناسبة بل قطعة أكبر وهي الفخذ ويسمونها “الشذاة”.
  • الصوم المسيحي:

خلال أربعين يوماً من الصيام، تتشكل مائدة كاملة لا تحتوي على اللحم بكل أنواعه ولا الحليب ومشتقاته، ويعتقد أن هذا الصيام الفلاحي من شأنه الحفاظ على الثروة الحيوانية خلال فترة الربيع وحمايتها من الذبح، إضافة لترك الحليب لرضاعتها، يحدث ذلك في الوقت الذي تفيض فيه الطبيعة بالأعشاب والنباتات المناسبة للأكل، وتدعم أطباق الأعشاب بالحبوب، ومن الأكلات الأردنية النباتية المناسبة للصوم “صيامية” والتي يستخدمها الجميع في تلك الفترة في الواقع، حوسات البصل والزيت مع الخبيزة أو الفطر، أو الكما، أو العكوب، أو الحميصة، أو الهندبة، أو السلق، أو اللوف، وكذلك سلطة العلت مع البصل والزيت، وسلطة فريم البندورة والبصل مع السماق، والنباتات النيئة كاللشيلوه (حويرة الماء)، وقرون القصيقصة، وقرون البرّيد والخرفيش، ومقالي الباذنجان، والبطاطا والكوسا والفليفلة، والفول الأخضر بالسماق، قلاية البندورة بالزيت، ورقة الدوالي أو ورقة اللسينة الذي يلف بالأرز، أو البرغل الدفين مع الحمص وفريم البندورة والخضار، حوسة الفول الأخضر بالكزبرة والزيت، المجدرة، الأرز بالشعيرية، الأرز والفول الأخضر بالزيت، مرقة العدس المجروش، مدمس العدس الحب، طبيخ العدس والباذنجان بالزيت والثوم والبصل والبقدونس، وأقراص النعنع والزعتر الأخضر والحميضة والخبيزة، وقلية القمح وغيرها.

اربد 1939 الحصن صورة جميلة تجمع بعض الأهالي أمام الدير
  • عيد الميلاد:
    جرت العادة أن يتم عمل فطاير الكشك، بكميات تكفي لنحو يومين، مع إعداد أو شراء مختلف أصناف الحلويات وأقراص العيد التي تتكون من العجين الخامر المخلوط بالسمسم والقزحة وتصنع أرغفته على شكل قوالب جاهزة، وعند خبزه واخراجه من الطابون يتم دهنه بزيت الزيتون.
  • عيد الفصح:

كان الشخص القدير يقوم بذبح رأس من الغنم أو جدي ويتم إعداد طعام المنسف للعائلة، وقبل هذا العديد بثلاثة أيام فيما يعرف بخميس الصبيان جرت العادة أن يقوم خوري الكنيسة بعمل قدّاس يتضمن القراءة على قطع من الكعك غالباً ما تأخذ شكل الصليب ومن ثم توزع على الأطفال، أما قدّاس الأموات فيتكون من أرغفة خبز الكماج، ويطبع عليه آية من الإنجيل ترسل للخوري للقراءة عليها وتوزع يوم الأحد على المصلّين للترحم على الأموات.

  • الخاتمة:

ومن هنا نلاحظ ارتباط الغذاء الأردني بالعادات والتقاليد المتبعة خلال الفترات الزمنية التي يغطيها هذا البحث، سواء العادات المتعلقة بالمشاعر الانسانية والعلاقات الاجتماعية والطقوس الدينية، ونلاحظ بأن المجتمع الأردني قائم على التعاون والتماسك وتشارك التفاصيل، ويتأكد ذلك من خلال نوع المناسبات وطقوسها والتي تدلل على مجتمع يتقاسم فيه أفراده أدق تفاصيل الحياة بفرحها وحزنها.

  • المراجع:
  • حتّر، ناهض & أبو خليل، أحمد (2014) المعزّب ربّاح، منشورات البنك الأهلي الأردني. عمان: الأردن
  • خريسات، محمد عبد القادر (2012) المسيحيون في قضاء السلط، عمان، الأردن
  • العبادي، أحمد (1994) المناسبات عند العشائر الأردنية، دار البشير.
  • العزيزي، روكس (2012) معلمة للتراث الأردني، مطبعة السفير.

عادات الغذاء في الطقوس والمناسبات عند الأردنيين

  • تقديم ولمحة تاريخية

في اقتصاد انتاجي يعتمد على الزراعة والثروة الحيوانية في تشكيل الهوية الغذائية، برع الأردنيون عبر التاريخ في الزراعة مواجهين التحديات التي كانت السبب في تعطيل أي عملية زراعة وإنتاج سابقا، من كون معظم أراضي الممالك الأردنية القديمة كانت غير خصبة بما يكفي للزراعة، إلى جانب قلة الأيام الماطرة خلال العام والموسم الشتوي، فتشير الدراسات أنه ومع بداية نشأة المملكة النبطية كانت عملية الزراعة والفلاحة عاديّة وناتجها بالكاد يغطي الاحتياجات، لكن الأردنيين الأنباط عملوا على تطوير الزراعة وتقدمها استجابة للتزايد في عدد السكان، حتى أصبحت من أهم حرفهم والمصدر الرئيس للحصول على الطعام وتشكيل الهوية الغذائية.

 ولم يكتف الأردنيون الأنباط بالاستثمار والزراعة في أراضي أدوم ومؤاب الخصبة، بل زرعوا كل زاوية واستصلحوا الأراضي في حدود مملكتهم الأردنية التاريخية، حتى أصبحت “بترا” أكثر من مركز تجاري للقوافل بل تحولت إلى مركز لمنطقة زراعية تصدر الفائض عن حاجتها، بفضل قدرة الأردنيين الأنباط على التعامل مع الأراضي القاحلة وتحويلها إلى مستقرات دائمة صالحة للزراعة حتى أنهم توسعوا إلى وادي عربة وصولاً للنقب، متبعين العديد من الأساليب الزراعية التي تضمن استخدام نظام المصاطب التي تعمل على تصريف المياه وتوجيهها بشكل يعمل على إبطاء سيلان مياه الأمطار،  وبالتالي منع انجراف التربة، مما يتيح المجال لكروم العنب والنباتات المزروعة بامتصاص الرطوبة والاحتفاظ بها لأكثر وقت ممكن، وبالنتيجة تمكن الأردنيون الأنباط بين حوالي القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادي من انتاج القمح والشعير، بالإضافة لأنواع أخرى من الحبوب إلى جانب الزيتون والبلسم وكروم العنب.

ولما كان ناتج الموسم الزراعي وفيراً بالحد الذي يسمح بتخزينه حتى المواسم القادمة أو استخدامه طوال العام أو حتى إعادة تصديره وبيعه أو مقايضته بسلع أخرى مع القادمين لعاصمة التجارة العالمية في ذلك الوقت “بترا”، فقد برزت الحاجة لتطوير أساليب حفظ وتخزين هذا الناتج والحفاظ عليه بحالة جيدة سواء بإبقائه كما هو، أو بإعادة معالجته بشكل يسمح بتخزينه للاستفادة منه في وقت لاحق، وفي هذا تأكيد على ترسخ قيم الانتاجية من خلال الحرص على عدم الهدر والإسراف والتبذير، ونستعرض في هذا البحث أبرز طرق حفظ الناتج الزراعي والمواد الغذائية لدى الأردنيين في كل المناطق.

  • نملية-خزانة المونة، ماذا يتضمن صندوق الاحتياط الغذائي الأردني؟

ظلّت ثقافة تخزين المونة سائدة في المجتمع الأردني، حتى وان تراجعت مع وصول الكهرباء التي ساهمت بتوفير بدائل لتخزين الناتج الغذائي مثل الثلاجات والبرادات الخاصة بتجميد الطعام، إلى جانب تنوع طرق الإنتاج ووصول البيوت البلاستيكية والمعلبات التي تتيح فرصة الحصول على كثير من الأصناف الغذائية طوال العام، مما أدى لتراجع أهمية طرائق التخزين لكن معظمها ما يزال مستخدماً حتى الآن، فتجد أن الأسرة الجيدة تخزّن في خابية البيت أو ما يسمى النمليّة ما يكفي لتغطية احتياجات المنزل الغذائية لأوقات تصل حتى سنة أو نصف سنة، وتتنوع محتويات هذه المؤونة فتجد فيها الجميد والسمن واللبنة المحفوظة بالزيت والكشك والقمح للطحين ومشتقات القمح من جريشة وفريكة وبرغل، وعدس، وحمص، وخضروات مجففة، وبصل ناشف وبندورة مقطنة، وكوسا وباذنجان منقورة ومغسولة بالماء والملح ومجففة، ودوالي مجففة، ورمان، ومكدوس الباذنجان المحشو بالجوز والمحفوظ بالزيت، وكبيس الزيتون (الرصيع)، ومعاقيد المشمش والخوخ والتفاح والسفرجل، ومنتجات العنب – خبيصة وزبيب وعنبية ومدقوقة ودبساً وخلاً- وقُطين التين، والعسل البري والجوز واللوز والزعتر الناشف والسمسم المحمّص والنعنع والميرمية وغيرها، ومعظم هذه المنتجات تنتجها الأسرة الأردنية أو تشتريها من الأقارب والمنتجين المحليين مباشرة، كما أن هناك مواد مستوردة كالأرز والسكر والشاي والبن والتمر والفستق، خابية المونة المتعددة الأصناف هذه تنوّع خيارات المائدة حتى في الشتاء القاسي ولياليه الطويلة، أما في الربيع والصيف ومواسم الحصاد والإنتاج، تتزين المائدة الأردنية بالأطباق المعدّة من الحليب ومنتجاته الطازجة والخضروات والفواكه الطازجة والأعشاب الموسمية والنباتات البرية، وسنتعرف في هذا البحث على أبرز ملامح عملية الحفظ والتخزين التي ساعدت في تنوع واستمرار المطبخ الأردني على مدار الفصول.

نملية
  • الحفظ والتخزين كجزء من النظام المعماري الأردني

عند الحديث عن موضوع حفظ وتخزين الطعام لا بد من التطرق لطبيعة نظام البناء في البيوت الأردنيّة القديمة، وهو أمر له جذور تاريخية حيث كان الأردنيون القدماء المستقرين في عين غزال في مرحلة الانسان المزارع من أوائل من بنوا المنازل الحجرية والدائرية والمنازل من طبقتين بحدود الألف السابع قبل الميلاد، وخلال العصور تنوعت أشكال البناء والاستقرار تبعاً لظروف الحياة واضطرار الأردنيين للتحول من الاستقرار للترحل بفعل الأحداث والظروف السياسية كما في عهد الاحتلال العثماني مثلاً حين تحولت الكثير من العائلات والعشائر الأردنية من الاستقرار في بيوت طينية وحجرية نحو البداوة والترحال الدائم هرباً من بطش الاحتلال العثماني وملاحقته لهم نتيجة عجزهم عن دفع الضرائب.

خابية وكواير

ومن أهم النماذج على شكل البيوت الأردنية في تلك الفترة هي المُغر – المغارات – التي صنعها الأردنيون في عدد من المدن الأردنية [1]، ويقدر عمرها بحوالي 200 سنة، ويمكن بالنظر للتصميم الداخلي لهذه المغارات أن نلاحظ كيف تم تقسيم البناء، مع تخصيص أماكن للمواشي والدواب بعيدة عن غرف المعيشة والنوم، في حين يتم مراعاة وجود أماكن للتخزين، ويلاحظ استخدام الطين في الأثاث المنزلي من خلال الرفوف، والمطوى المخصص لترتيب المفارش والأغطية، وكذلك فتحات خزائن المطبخ المبنية من الطين وهي ذات تصميم فريد يتكون من 16-20 فتحة لحفظ الأطعمة وأدوات المطبخ، وفي الزوايا يوجد ما يشبه “الكورنر” الذي يعتبر جزء من الديكور المعاصر حالياً، والجزء الأهم هو ما يعرف بالكواير التي تتنوع أشكالها وأحجامها واستخداماتها تبعاً للمنطقة ونوع المخزون، وتواجد هذه الكواير في قسم الإقامة والمبيت الذي يوجد المطبخ في جزء منه، كما توجد أقسام خاصة من الكواير في قسم المواشي والدواب لتخزين الأعلاف والتبن، وسنتناول في الأجزاء القادمة من هذا البحث أشكال واستخدامات وتسميات هذه الفتحات والأماكن المخصصة للتخزين والحفظ .

السلط 1920 صورة لعائلة سلطية وتعتبر الصورة مرجعا لطبيعة الحياة اليومية لأجدادنا ونظام البناء الداخلي لبيوت السلط القديمة
  • حفظ وتخزين الحبوب

بعد مواسم الخير والحصاد والتي تتوج مراحل العملية الانتاجية الزراعية للحبوب والتي تم تناولها بالتفصيل في بحث سابق، يتم تخزين الفائض من الحبوب لاستخدامه طوال العام حيث أوضحنا في بحث سابق كيف تحتل الحبوب مكانة ذات أهميّة في المطبخ الأردني، ويتم تخزين هذا المخزون في ما يعرف بـ “الخوابي”، و “الكواير” ومفردها “خابية” و “كوارة” على الترتيب، وهي عبارة عن بناء داخل المنزل بارتفاع مترين وعرض حوالي مترين وأكثر، وبناء هذا الكواير في عدة مناطق أردنية مثل قرية “ضانا” يعتبر من مسؤولية المرأة الأردنية والتي تقوم ببنائها من الطين الذي يحتوي نسبة عالية من الصلصال والمتعارف عليه في. المنطقة باسم “طين السّمقة”، وتستوعب الكوارة الواحدة من خمسة الى ستة شوالات من الحجم الكبير ما يعادل حوالي 500-600 كغم، وفي الشمال كانت الكواير تبنى كجزء من سقف المنزل، حيث كانت البيوت الطينية تبنى على القناطر وبين كل قنطرتين زوج من الكواير، وللكوارة باب علوي يسمى “طرنافة” يصب منه القمح، وباب سفلي صغير تؤخذ منه الكمية اللازمة للاستهلاك اليومي، ويتم اغلاقه بقطعة قماشية تسمى “كبتة”، وفي البيوت الكبيرة متعددة القناطر كان يتم تقسيم الكواير بحيث تكون كل واحدة منها لصنف معيّن من الحبوب، وللوصول إلى الكوارة من أعلى تصعد المرأة على السلّم وتقوم بتنظيفها بواسطة مكانس من القش، وظهرت في فترات لاحقة كواير الخشب التي أصبحت أكثر شيوعاً.

ومع اختلاف الظروف الجغرافية والاجتماعية وحتى العوامل السياسية اختلفت وسائل وأدوات التخزين، ففي الشوبك مثلاُ كانت القلعة ملاذاً للأهالي وما يملكون في مشهد يوضح تماسك النسيج الاجتماعي الأردني خصوصاً في حالات الخطر والتهديد الخارجي والذي كان شائعاً خلال فترة الاحتلال العثماني من الجيش التركي والعصابات التابعة له أو التي يقوم بتحريضها على إثارة الفوضى، فلجأ الأهالي في الشوبك الى تقسيم القلعة لـ “عقود”، حيث تمنح كل عائلة عقد تخزن فيه الغلال المنقولة من البيادر بواسطة “العدول” المصنوعة من الصوف والشعر، ثم يتم تفريغ الحبوب في الكواير المصنوعة من الطين، وتغلق أبواب القلعة لحمايتها.

في حين لجأ الأهالي في وادي موسى لتخزين الحبوب في الخربة وهي القرية المبنية من الحجارة في المنطقة، واستخدموا لهذه الغاية نوعاً خاصاً بهم من الكواير البرميلية المبنية من الطين المخلوط مع التبن أو الأحواض المستطيلة او المربعة، وتتشارك المرأة مع الرجل مهمة بناء الكوارة التي تتسع لما يتراوح ما بين 40-80 صاعاً، وتغطى الكوارة باستخدام غطاء مصنوع من الطين والتبن أو قطعة من القماش أو شوال من الخيش، ويتم عادة ترك فتحة صغيرة في أسفل الكوارة لاستخدامها في اخراج الحبوب حسب الحاجة، وكانت معظم الأسر تمتلك بيتاً للتخزين أو تقوم باستئجار أماكن للتخزين إما مقابل كمية من القمح أو حتى بلا مقابل فيما يتعارف عليه محلياً بمفهوم “العونة”.

وفي أقصى الجنوب الأردني، يقوم الحويطات بتخزين الحبوب في حفرة يتم حفرها بعمق يتناسب مع كمية الحبوب المراد تخزينها، ومن ثم رشها بالماء بعد انتهاء الحفر لتصبح سطوحها الداخلية صلبة وملساء مستوية،، ثم توضع الحبوب بداخل ما يعرف بـ “المطامير” ومفردها “مطمارة” ومن ثم يتم إضافة طبقة من التبن ومن فوقها التراب ويتم الضغط على المطمارة حتى يستوي التراب مع ما حوله، ويترك البدو هذه المطامير بدون حراسة حيث لا داعي للقلق من هذه الناحية فسيكون من الصعب على أحد غيرهم تمييز موضعها، ومن الطرق الأخرى حفظ الغذاء في المغر التي كان يتم إغلاقها بالحجارة والطين مع قيام صاحب المخزون بوضع ختم خاص به على باب المغارة من خلال ترك أثر يده بالطين، ومن التقاليد المرعية عدم كسر ختم المغارة الطيني إلا من قبل صاحبها، وكانت الحبوب التي تزيد عن حاجة الأسر لدى بدو وادي رم، تخزّن في “الطيران” ومفردها طور وهي صخور طبيعية تسمى “مصن”.

وتختلف الكواير والأحواض في معان عن سواها حيث تتشكل الأحواض من جدران يصل ارتفاعها إلى نصف متر وبمساحة تصل إلى أربعة أمتار مربعة، في حين تأخذ الكواير الشكل الدائري وتبنى على عدة مراحل تستمر عدة أيام وتكون من مهمة المرأة، وعادة ما تكون بحجم برميلين، وتتسع لخمسة شوالات من القمح أي ما يعادل حوالي 500 كغم، وتغلق بغطاء طيني أو من القماش أو حتى بلوح معدني أو خشبي، وكانت هناك نساء معروفات متخصصات في بناء الكواير مقابل أجرة معينة وهو ما يؤكد مكانة المرأة ودورها المهم في الاقتصاد الانتاجي الاردني.

ومع التحولات التي عاصرتها المنطقة ما بعد التحول من مرحلة الثورة الزراعية إلى الثورة الصناعية تأثرت المدن الأردنية بهذا التحوّل وانعكس ذلك على أسلوب الحياة الذي أصبح أكثر تنوعاً، فمثلاً لم يعد هناك حاجة للقيام بإعداد الخبز إلا في حالات نادرة أو لأنواع خاصة من الخبز غير المتوفر في المخابز، ولا حاجة للتحطيب فالحطب متوفر في الأسواق، وكذلك الحال في الحبوب المتوفرة في المحال طوال العام، إلا أن الكثير من الأسر الأردنية بقيت تقوم بتخزين الحبوب في كميات تغطي احتياجاتها للفترة المقبلة، فكانوا يخزّنون الطحين في براميل خشبية سعة الواحد منها شوال ونصف، أما البرغل فكان يقسم إلى نوعين، الخشن لعمل المجدرة، ويخزن في خرايط قماشية بيضاء اللون مع إضافة الملح وتركه في مكان جاف، والبرغل الناعم يتم تخزينه في مرطبانات من الزجاج.

عملية اعداد وتخزين الجميد
  • حفظ مشتقات الحليب:

نأتي هنا الى مشتقات الحليب والتي تعتبر المكون الغذائي الثاني في المطبخ الأردني بالتشارك مع الحبوب، وتبدأ العملية منذ لحظة حلب الأغنام والتي تتم عادة من خلال شبق الغنم وهي مرحلة يتم فيها صف الغنم بصفين متقابلين بشكل مائل من خلال استخدام حبل مغزول من الصوف في عملية كانت تشبه ما يعرف بخطوط الإنتاج الحالية في المزارع والمصانع، ويتم الحلب في وعاء من النحاس غالباً، ويتم تفتير الحليب ووضع “روبة” اللبن للحصول على اللبن الرائب في عملية تأخذ نهار كامل في فترات الشتاء بينما تحتاج حوالي 3 ساعات في الصيف، وبعد ترويب اللبن يتم خضه في ظٌبية مصنوعة من الجلد، لفصل الزبدة عن اللبن المخضوض وتنتج بذلك الزبدة والشنينة، وتخزن الزبدة في “نصيّة” وهي وعاء مصنوع من التنك المعدني، أو يتم تخزينها في المزبد والذي يصنع من جلد الكبش ويتسع أحياناً لأربع تنكات –تبعاً لحجم الكبش-، ويحرص على عدم دخول الهواء للمزبد وإضافة الملح والورص (الكركم) إلى الزبدة لحفظها، أما السمنة فتصنع بتذويب الزبدة على النار وتركها لتصفى عن اللبن مرة أخرى، ويتم إضافة البرغل الخشن والورص والملح، وتُغلى مرة أخرى حتى الاستواء وتترك لترقد ثم توضع في أوعية زجاجية تعرف بالمرتبانات او القطرميزات.

 وتستمر عمليات المعالجة المتكررة للحصول على المزيد من المنتجات، فيتم صنع اللبن الجامد من خلال وضع الشنينة في أكياس قماشية مخصصة لهذه الغاية ، وتركها لعدة أيام حتى يقطع منه المصل، ويتم الحصول على اللبن الجامد (اللبن المكروت) الخالي من الدسم (بدون زبدة)، ويتم استخدام هذا اللبن في إعداد “اللبنة المدحبرة” والتي يتم تخزينها بإضافة الزيت والملح وتركها في أوعية زجاجية، أو من خلال “تنطيل” اللبن أي عمله على شكل أقراص دائرية تترك على طاولات خشبية وقطع من القماش تحت الشمس حتى يجف وينتج بذلك الجميد ويكون هذا في فترة الربيع، أما الكشك فعادة ما يصنع في فترة شهر حزيران ما بعد انتهاء عملية التعزيب والحصاد، فيتم خلط البرغل باللبن المنزوع الدسم (المكروت/المخيض) ويطبخ ويترك في وعاء، ثم يترك الخليط مغطى لمدة يومين ومن ثم يتم عرضه على الشمس لمدة يومين حتى يجف، في حين استعمل الأردنيون الجبنة المالحة كوسيلة للحصول على الجبن طوال العام من خلال استعمال المساة المأخوذة من معدة وليد النعجة بعد تمليحها وتجفيفها لمدة أسبوع تحت أشعة الشمس، ومن ثم توضع في قطعة من الصوف وتضاف هذه القطعة إلى الحليب الموضوع على النار ويتم مرس القطعة في الحليب حتى يفتر، ثم يغطى القدر حتى تدور الجبنة فيه عندها تسكب في قطعة من القماش وتوضع على طاولة ذات سطح مستوي مع إضافة ثقل فوقها حتى ينقطع المصل، ومن ثم يفتح الكيس ويتم تفريض الجبنة من خلال تقسيمها الى قطع متساوية ومتناسقة، ثم يتم تمليحها وتركها أسبوعاً ليتم بعد ذلك غليها وكبسها وتخزينها في أوعية معدنية خاصة بذلك تعرف بالـ “نصيّة”.

  • حفظ النباتات والخضار والفواكه:

لتخزين الخضار في فترات ما قبل ظهور التبريد والتجميد، لجأ الأردنيون لتجفيفها كوسيلة لحفظها لاستخدامها في غير موسمها، فعلى سبيل المثال كان يتم تجفيف البندورة بعد أن تسطح من الوسط ويتم تمليحها، وتخزن في أكياس قماشية بعد أن تجفف وتعلّق هذه الأكياس على جوانب البيت، وكذلك فيما يتعلق بالكوسا التي كانت تقطّع الى دوائر وتُملّح وتطبخ حوساً مع البندورة في الشتاء، ويتم تجفيف البامية ووضعها على شكل قلائد يتم تعليقها حتى تجف وتطبخ مع البندورة في الشتاء، كما يتم صناعة رب البندورة بتقطيع حباتها وعجنها وعصرها وتصفيتها من البذور والشوائب مع إضافة الملح وغليها على النار حتى تصبح معقوداً ثم تعبأ في مرتبانات وتخزن لتستخدم عند الحاجة، كما تتم صناعة المكابيس والمخللات من زيتون وخيار وفقوس وباذنجان وغيرها.

قلائد بامية مجففة على شكل “عقد” من إعداد احدى سيدات حوران الأردنية
نعنع يتم تعريضه للهواء بهدف تجفيفه وحفظه لاستعماله طوال العام
  • حفظ الفواكه بالتسكير (المربيات والتطالي):

وإلى جانب التجفيف الذي كان يعتمد على الملح، كان يتم الاستعانة بالتسكير وهي طريقة حفظ الغذاء بإضافة السكر والشيد، وهي وسيلة إنتاج المربيات والتطلي من عنب وتين ومشمش وغيرها من الفواكه والثمار التي تحفظ بعد غليها على النار لفترات محددة وفصل الثمار عن العناقيد و/أو هرسها وإضافة كميات من السكر وتركها حتى تتماسك وتشتد ويتم تخزينها في مرتبانا،  كما تتم صناعة المعاقيد بتركها تغلي مع اسكر حتى تتماسك وتشتد مثل معقود التين ودبس الخروب والرمان ، فتتم صناعة دبس الخروب من خلال تنشيف الثمر وطحنه على الحجر وغليه حتى يصبح دبساً، وكذلك الحال مع الرمان الذي يتم عصره وغليه حتى يشتد، أما الليمون فيتم تخزينه في التبن ويتم رشه بالماء حتى لا يجف ويفسد.

مربيات صناعة منزلية من سيدات أردنيات من 6 محافظات أردنية ، تجدونها متوفرة في دكانة مطعم ارث الأردن
  • حفظ اللحوم:

ورغم أن اللحوم لم تكن جزءًا من الغذاء اليومي لدى عموم الأردنيين وكانت تستخدم بشكل طازج لغاية المناسبات الهامّة التي تم توضيحها في بحث سابق، الا أنه جرت العادة على تخزين اللحوم لحين الحاجة إلى استخدامها، ومن طرق تخزين اللحوم “القشيم” حيث تفرك اللحوم مع الدهن ويضاف لها قليل من الملح ويتم غليها على النار ومن ثم يتم تخزينها في مرطبان، وكذلك طريقة “الزربة” أو “الدفينة” والتي تتلخص بطبخ اللحم الفائض حتى ينضج ويبرد ويحفظ في “سعن” وعند الحاجة يتم استخدام الكمية اللازمة لإعداد الأطباق، وفي بعض المناطق يتم طبخ الذبيحة كاملة بدهنها، ووضعها في جرة وحفظها للاستخدام اليومي، فيما يسمى بالـ “قاورما”، وكان البعض يسلق اللحم بالماء حتى ينضج ثم ينشر اللحم على ظهر بيت الشعر “الشقاق” حتى ينشف، ولا تؤمن هذه الطريقة دوام اللحم سوى بضع أيام وتعتبر هذه الطريقة قليلة الشيوع وتستخدم عندما تقع إحدى الماعز ويتم ذبحها قبل أن تنفق.

وكانت تتم الاستفادة من كل أجزاء الذبيحة تقريباً، فالنساء كن يدبغن الجلود من خلال إضافة الملح لها وتجفيفها بعد تنظيفها من الدهون التي علقت بها، ثم يضعن الصفة (الرماد) فيه ويتم قلبه بحيث يكون الصوف أو الشعر إلى الداخل ويترك يومين أو ثلاثة ثم يفتح بعد ذلك ويكون نزع الصوف أو الشعر عنه أسهل، ويكشط بقايا الشعر المتبقي بسكين حادة وهكذا حتى ينظف الجلد تماماً من الدهون والشعر ويغلى الجلد مع قشر اللزاب أو جذور السنديان، حسب الغاية من الاستخدام (خافة أو ظبية أو سعن أو شكوة) أما اذا كان لصناعة الجاعد فإنه يملح فقط وينظف في الغالب بدون دباغة.

 ورغم عدم توفر كميات كبيرة من الأسماك نتيجة محدودية المناطق البحرية في الأردن، الا أن الأردنيين في العقبة كان لهم كلمتهم وطريقتهم في حفظ الأسماك واللحوم وتخزينها سواء للاستخدام الذاتي أو حتى لنقلها وبيعها للمناطق الأخرى من خلال وضع السمك في براميل خشبية مطلية من الداخل بالإسمنت، مع إضافة كميّات كبيرة من الملح داخل البرميل والذي يغلق بإحكام، وبهذه الطريقة يمكن حفظ السمك لمدة تصل لحوالي العام.

المراجع:

  • حتّر، ناهض & أبو خليل، أحمد (2014) المعزّب ربّاح، منشورات البنك الأهلي الأردني. عمان: الأردن
  • خريسات، محمد عبد القادر (2012) المسيحيون في قضاء السلط، عمان، الأردن
  • العبادي، أحمد (1994) المناسبات عند العشائر الأردنية، دار البشير.
  • العزيزي، روكس (2012) معلمة للتراث الأردني، مطبعة السفير.

[1] كتاب المعزب رباح ، صورة ونموذج بناء مغارة أبو خضر في السلط ص 224

تخزين وحفظ الناتج الغذائي في الأردن

  • مقدمة:

يتميز المطبخ الأردني بتشكيلة واسعة من الخضار والفواكه المتوفرة طوال العام في هبة جغرافية تقدمها الطبيعة من خلال منطقة غور الأردن التي تعتبر سلّة الغذاء الأردنيّة والتي تنخفض عن مستوى سطح البحر مما يمنحها مناخ دافئ ورطب صيفاً ومعتدل شتاءً ما يعطي المزارع الأردني فرصة الحصول على دورة زراعية أطول ومواسم انتاجية متعددة خلال العام الواحد، بحيث يتنوع المحصول والناتج تبعاً لاختلاف الفصول والتوقيت من العام الزراعي، وقد كان الأردنيون القدماء من أقدم المجتمعات البشرية التي عرفت الزراعة من خلال الدلائل على حضارات نهر الزرقاء وعين غزال والتي تعتبر أول وأقدم مثال على المجتمعات الزراعية، وقد طور الأردنيون القدماء أساليب الزراعة وأحسنوا استغلال كل مساحة ممكنة من الأرض، تكيّف الفلاح الأردني مع مواقيت حركة الأرض والشمس وتتابع الفصول، وجعل مواسمه الزراعية تتناغم معها، ففي الشتاء تتم زراعة المحاصيل التي تحتمل البرد، وتكتفي بعدد أقل من ساعات إضاءة الشمس، وفي الصيف تزرع ما تسمى “نباتات النهار الطويل”، وفي الربيع تزرع ما ارتوى من المطر، وفي الصيف والخريف يقطف من الثمار ما أنضجته حرارة الجو، وما شبع من خصوبة الأرض، وحتى يومنا الحالي تصدّر الأردن لدول الجوار الكثير من الخضروات والمنتجات الزراعية، لا سيما خلال أشهر الشتاء البارد والتي تزيد من صعوبة انتاج الخضار في دول ذات طبيعة صحراوية مثل السعودية وبقية دول الخليج، أو في الدول الواقعة تحت تأثير المنخفضات الجوية مثل سوريا، فيتم عادة الاستعانة بالمحصول الزراعي الأردني صاحب السمعة الحسنة، ونتيجة لما تقدم فقد استفاد الأردنيون من هذه الوفرة الزراعية واستخدموها بشكل واضح في الهوية الغذائية، ونستعرض هنا أهم النباتات التي ساهمت في تنوع وثراء المطبخ الأردني.

  • الخضروات في الحقول والبساتين والكروم

إلى جانب الحبوب والمحاصيل الزراعية التي كان يتم استخدامها للأهداف التجارية والتداولات والمعاملات النقدية والتي أصبحت مهنة وسمة لكثير من المناطق الأردنية، الا أن هذه السمة تأخذ شكل أكثر عمومية عندما نلاحظ كيف لجأ الأردني نصف الفلاح ونصف البدوي إلى زراعة المحاصيل والخضروات في مختلف المناطق بهدف الاستهلاك المنزلي، سواء في الحواكير المنزلية، أو في شكارة حقلية ( قطعة صغيرة من الأرض يستغلها المرابعي لزراعة الخضروات داخل حقوق الحبوب) أو في أراضي الكروم، أو حتى في مساحات بعلية مخصصة للزراعة الصيفية، أما في البساتين المروية فزرعت الخضروات مثل الكوسا والبندورة والبصل والفاصولياء والزهرة والملفوف والباذنجان والبطاطا والقرع واليقطين والبقدونس والنعنع والكزبرة.

فناقش (السلط)
قرع بلدي مقلّى ومطبوخ بالطحينية مع اللحم المفروم والجوز ويضاف إليه دبس الرمان

أما البساتين المروية بماء الينابيع والقنوات المائية فخصصت لأشجار الرمان والخوخ والمشمش والسفرجل، وبين الأشجار زرعت الخضروات، بما فيها البندورة المروية، أما الخضروات البعلية والبطيخ والشمام والمقاثي فكانت تتم زراعتها في المناطق الجبلية الشفا غورية، فيما اشتهرت المناطق الشمالية الغربية وجبال السلط بكروم العنب والتين بنوعيهما الأخضر والأسود، وكذلك الحال فيما يتعلق بالزيتون، وتعتمد هذه الأشجار على مياه الأمطار، وفي الكروم كما هو الحال في حواكير المنازل، يحرص المزارع الأردني على زراعة النباتات والخضار بين الأشجار مستفيداً من الرطوبة التي توفرها، فتزرع البازيلاء والرشاد والفول والبصل والفجل والفليفلة والفلفل الحار وغيرها.

  • اكتمال الهوية باكتمال العناصر الغذائية

كما هو الحال مع الهوية الديموغرافية للسكان فقد تعرضت الهوية الغذائية الأردنية لكثير من العوامل الخارجية التي كان لها تأثيرات سلبية وايجابية على المطبخ الأردني، فرغم تحول بعض السكان إلى حياة التنقل هرباً من بطش وجباية الضرائب التي كانت تفرضها وكذلك الحال في حالة نهب المواشي التي كانت تتم على يد قطعان الجيوش العثمانية، الا أنه وبمجرد التخلص من تلك المرحلة عادت الهوية الغذائية الأردنية للتكامل مجدداً لتعيد توحيد نفسها ويمكن ملاحظة هذا بشكل واضح في الأطباق السلطية حيث تتوفر جميع الأطباق الأردنية التي تعتمد على الحبوب ومشتقات الحليب، لكن مع إضافة ما يتوفر من مواد وخضار لهذا المزيج، وهو ما يمكن ملاحظته من تحضير الكوسا المحشي، والباذنجان، والفليفلة، والفقوس، والفول الأخضر والعكوب بمريس الجميد .

محاشي بردقانية – مزيج من الخضار المحشوة مع اللبن والجميد وصلصلة البندورة

ومن الأطباق المعروفة والشائعة بين بلقاوية عمان ما يعرف بـ “الفويرة بالخضار” وهي مزيج يجمع الزهرة او الباذنجان أو البطاطا، مع البصل واللبن والسمن وخبز الشراك التي يتم حوسها وتذبيلها مع إضافة المريس والبهارات ويتم غليها حتى تفور ثم توضع الخضار فوق الشراك ويتم تشريبها باللبن، وكذلك الحال في الموقر حيث يحظى طبق الرشوف بالقرع بأهميّة لا تقل أهميّة عن الذبيحة، رغم كونه طبق نباتي بامتياز، وذلك بحكم ندرة القرع قبل عودة امتداد المجتمعات الزراعية نحو المناطق الوسطى والجنوبية التي انخفضت فيها المناطق الصالحة للزراعة مقارنة بفترات تاريخية سابقة نتيجة للعوامل الجغرافية والاقتصادية والسياسية والتغيرات الاجتماعية التي رافقتها.

  • النباتات الموسمية

تتيح مواسم الربيع للأردنيين فرصة تعويض ما فاتهم من عناصر غذائية خلال فترة الشتاء من خلال وفرة النباتات الموسمية التي يؤكل بعضها نيئاً وبعضها الآخر يستخدم في تحضير أطباق شهيّة لا سيما مع تزامن فصل الربيع مع موسم الصوم المسيحي وهي فترة تتشابه فيها الأطباق الأردنية النباتية على اختلاف الديانة، فتخرج السيدات إلى البريّة لجمع الكثير من هذه النباتات مثل “السوكران” وهو نبات له أوراق دقيقة، وكذلك الشومر الذي يتم استخدامه في صنع  خبيز “العجة” مع إضافة البيض والدقيق، وكذلك يتم جمع السمينة التي تستخدم لإعطاء السمن لونه المميز، ويجمع النسوة في موسم الربيع العلت والخبيزة، وتُقلّى الخبيزة مع الزيت البلدي والبصل وتؤكل بالخبز، وأما العلت فيتم تحضيره بتذبيله مع البصل والزيت ويؤكل أو تصنع منه الفطائر باستخدام أفران الطابور التي كانت متواجدة بكثرة في البيوت الريفية الأردنية، ويتم صنع الفطائر أيضاً من الحميض والنعنع البري والزعتر بنفس الطريقة وأحياناً مع إضافة الجبنة للزعتر لإضافة طعم رائع، كما يتم جمع الفطر ما بعد الأيام الماطرة، وذلك بتمليحه وشويه على الجمر مباشرة أو قليه مع الزيت والبصل كمصدر للبروتين النباتي.

خبيزة حوس، ، طبق موسمي متوفر خلال أشهر الربيع في مطعم إرث الأردن
  • النباتات البريّة

اهتم الأردنيون حتى في عصور ما قبل الزراعة بالنباتات البريّة واستطاعوا معرفة وانتقاء ما يصلح للأكل منها وتمييزه عن غيره واستخدامه في عمليات الخبز الذي تم العثور على أقدم بقايا له في العالم على الأرض الأردنيّة وتعود للفترة النطوفية، ومن هذه النباتات ما تم تطويرها وأصبحت تتم زراعتها في الحدائق والحواكير المنزليّة لتغطية الاحتياجات الغذائية للعائلة، أو حتى لغايات واستخدامات طبيّة ومثال ذلك الزعتر البري ومنه نوعان: الأول الزعتر البري العادي، والثاني الزعتر الفارسي، ويستخدم هذا الأخير بإضافته للشاي لإضفاء نكهة مميزة، أو يغلى ويتم تقديمه لمن يعاني من آلام المغص، أما الزعتر العادي فيتم تجفيفه ويدق وينقى من الأعواد والشوائب ويضاف إليه  السمسم والسماق الناعم، وأحياناً بعض الحمص المقلي (القضامة المحمّصة المطحونة) وكذلك بعض الجميد المطحون أو المكسرات حسب الرغبة، وكانت هذه المكونات تخلط جيداً وتحفظ في مطربان وتؤخذ منها كميات بسيطة حسب الحاجة، حيث تؤكل مع الخبز وزيت الزيتون كوجبة ثانوية، أما السماق فتقوم النسوة بغليه مع الماء للحصول على سائل حامضي خمري اللون كان يستخدم مع الطبخ كبديل للليمون في حال عدم توفره، وكذلك الحال مع  دبس الحصرم (العنب غير الناضج).

نبات الشومر الذي يستخدم لتحضير “العجة” في الشمال الأردني خلال فترات الربيع

كما وفرت البيئة المحيطة أنواعاً كثيرة من النباتات البريّة، ومنها الشومر الذي يؤكل أخضر، وقد يطبخ كالخبيزة، ويفضل أن يطبخ بالزبدة، والمرار الذي يؤكل أخضر نيئاً، أو يمكن ان يتم طبخه بالبصل، وكذلك القفرة التي غالباً ما تكون من الدهن، وهناك أيضاً نبات البسباس الذي يؤكل نيئاً أخضر، والخردلة التي تؤكل مع اللبن، والحويرنة التي تنبت في مجاري السيول ويستفاد منها في تحضير السلطات وتتميز هذه الأخيرة بمذاق حاد وحار، والقرة التي تعتبر من أنواع السرخسيات التي تنبت في مجاري السيول وتستعمل في السلط وهو ذات الحال مع العلت.

نبات الخبيزة الذي يعتبر من أهم مكونات المائدة الأردنية خلال فصل الربيع
نبات العلت، ويعرف باسماء اخرى مثل: السريس والشيكوريا والهندباء
برغل دفين ، برغل مع الحمص والخضار المدفونة ، طبق صيامي ونباتي بامتياز من مطعم ارث الأردن
  • أطباق نباتية – صيامية:

خلال أربعين يوماً من الصيام المسيحي، تتشكل مائدة كاملة لا تحتوي على اللحم بكل أنواعه ولا الحليب ومشتقاته، ويعتقد أن هذا الصيام الفلاحي من ِشأنه الحفاظ على الثروة الحيوانية خلال فترة الربيع وحمايتها من الذبح، إضافة لترك الحليب لرضاعتها، يحدث ذلك في الوقت الذي تفيض فيه الطبيعة بالأعشاب والنباتات المناسبة للأكل، وتدعم أطباق الأعشاب بالحبوب والقيطاني، ومن الأكلات الأردنية النباتية المناسبة للصوم “صيامية” والتي يستخدمها الجميع في تلك الفترة في الواقع، حوسات البصل والزيت مع الخبيزة أو الفطر، أو الكما، أو العكوب، أو الحميصة، أو الهندبة، أو السلق، أو اللوف، وكذلك سلطة العلت مع البصل والزيت، وسلطة فريم البندورة والبصل مع السماق، والنباتات النيئة كاللشيلوه (حويرة الماء)، وقرون القصيقصة، وقرون البرّيد والخرفيش، ومقالي الباذنجان، والبطاطا والكوسا والفليفلة، والفول الأخضر بالسماق، قلاية البندورة بالزيت، ورقة الدوالي أو ورقة اللسينة الذي يلف بالأرز، أو البرغل الدفين مع الحمص وفريم البندورة والخضار، حوسة الفول الأخضر بالكزبرة والزيت، المجدرة، الأرز بالشعيرية، الأرز والفول الأخضر بالزيت، مرقة العدس المجروش، مدمس العدس الحب، طبيخ العدس والباذنجان بالزيت والثوم والبصل والبقدونس، وأقراص النعنع والزعتر الأخضر والحميضة والخبيزة، وقلية القمح وغيرها.

  • المراجع:
  • حتّر، ناهض & أبو خليل، أحمد (2014) المعزّب ربّاح، منشورات البنك الأهلي الأردني. عمان: الأردن
  • خريسات، محمد عبد القادر (2012) المسيحيون في قضاء السلط، عمان، الأردن
  • العبادي، أحمد (1994) المناسبات عند العشائر الأردنية، دار البشير.
  • العزيزي، روكس (2012) معلمة للتراث الأردني، مطبعة السفير.

التنوع النباتي في المطبخ الأردني والأطباق النباتية والصيامية

  • مقدمة:

منذ انطلاقة مؤسسة إرث الأردن كمؤسسة وطنية تعنى بالبحث في الإرث الوطني وتوثيقه وتسويقه للجمهور بطرق تفاعلية لكسر النمطية المعتادة في عرض التاريخ وتقديمه، التزم قسم الأبحاث في البحث والتوثيق لصياغة الرواية التاريخية الوطنية الأردنية التي بقيت غير مكتملة لسنين طويلة ولأسباب عديدة، وبعد البحث وتغطية الفترات والحقب الزمنية الحديثة نسبياً مقارنة مع عمر الدولة الوطنية، برزت الحاجة للبحث في الفترات الزمنية الأقدم، وصولاً لتغطية فترات ما قبل التاريخ، والتي لم تأخذ نصيبها الكافي في المكتبة العربية، وحتى الغربية لفترات طويلة، نظراً لاختلاف الدوافع الخاصة للمؤرخين والمستشرقين الذين بحثوا في تاريخ المنطقة منذ العصور الوسطى حيث كانت الدوافع الدينية (التبشيرية) والاستعمارية لاحقاً هي الدافع الأكبر لرحلات المسوحات الكشفية وبذلك فهي تعنى بمرحلة متقدمة من التاريخ البشري في هذه المنطقة.

وبذلك بقيت الرواية التاريخية غير مكتملة ومشوهة ومرتبطة في كثير من الأحيان بالسلطة التي تدير الأمور في كل فترة من الفترات الزمنية، وبالتالي فقد ضلت تلك المحاولات تعنى بالدرجة الاولى بدعم البحوث التي تصب في مجال ترسيخ شرعيتها وتوثيق انجازاتها وتمرير مشاريعها وهو ما قد يتعارض أحياناً مع الواقع ومع المصلحة الوطنية الحالية، ومثال ذلك بعض الدراسات والمنشورات التي تمت خلال فترة الانتداب البريطاني والتي لا يمكن قراءتها في سياق منفصل عن الأوضاع السياسية التي كانت تمر بها المنطقة آنذاك والمصالح والمشاريع التي كان ومازال يتم التخطيط والتحضير لها، مع التأكيد هنا أن الموضوع لا يخلو من بعض الدراسات والأبحاث الموضوعية هنا وهناك والتي قام بها أساتذة وأكاديميون وباحثون نستند لما أنجزوه مشكورين ونحاول إعادة قراءته وتحليله وتقديمه من زوايا جديدة في هذه السلسلة البحثية الجديدة، التي تهدف إلى البحث في عصور ما قبل التاريخ للحصول على خط زمني مكتمل، يساهم في الحصول على رؤيا أكثر وضوحاً وشمولاً وعمقاً، لتطور المجتمع الأردني وبالتالي الحصول على فهم أوسع وتغطية أشمل لكافة مراحل الوجود الانساني غير المنقطع على الأرض الأردنية والتي تصل لأكثر من مليون ونصف عام.

  • تشكل الأردن جيولوجياً:

تستقر الأردن على قاعدة مركبة من العصور الجيولوجية القديمة، وتظهر في المناطق الجنوبية صخور بركانية متحولة من الدرع العربي النوبي المتكون قبل أكثر من 600 مليون سنة، تتراكم فوق ذلك الصخور الرملية والصلصالية الرخوة والتي يعود عمر تشكلها الى ما بين 570 – 280 مليون سنة مضت، ذات الأصول البحرية والقارية بسمك يصل إلى 1800 متراً. وخلال الفترة الميسوزية ( الحياة المتوسطة ) والعصر الترياسي المتأخر (224 مليون سنة)، حدث التداخل والمد البحري على المناطق الشمالية والغربية من البلاد.وفي نهاية العصر الترياسي  (190 مليون سنة) انحسر البحر وتعرضت المنطقة بأكملها للإنجرافات والتعرية، وعاد البحر للاندفاع ليغمر المنطقة لاحقاً في عدة مناسبات تاركاً طبقات من الرسوبيات البحرية التي غمرت الأودية الجافة في وادي الأردن ونهر الزرقاء، والأحواض المائية على طول وادي عربة ووادي الأردن وحوضي الجفر والأزرق ووادي السرحان، وفي خلال المرحلة السينوزية (65 مليون سنة) تشكلت كذلك بحيرات من الماء العذي ومثلها من البحيرات التي تحتوي رواسب وصخور ملحية كثيفة، وعلى الأرجح فإن البحر المتوسط قد اتصل مع البحر الأحمر عبر خليج العقبة ووادي عربة وغور الأردن عابراً منخفض بيسان.

القمم الجبلية في وادي رم جنوب الأردن

وتتشكل منطقة الشرق الاوسط من التقاء ثلاثة صفائح تكتونية (الإفريقية، العربية والصفيحة الأوروآسيوية-الأناضولية الثانوية)، حيث تتصادم هذه الصفائح مشكلة التراكيب التكتونية للمنطقة بما في ذلك تكون صفيحة سيناء- فلسطين الثانوية. ونتيجة لهذا الوضع التكتوني فإن منطقة شرق المتوسط تأثرت بالعديد من الزلازل المدمرة خلال الألفي سنة الماضية والتي خلفت خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات. الإهتزاز الزلزالي كان السبب الرئيسي لهذه الخسائر ومن المتوقع أن يتكرر ذلك مستقبلا. وعليه فإن المخاطر الزلزالية ستبقى التهديد الحقيقي لهذه المنطقة مستقبلا. إن النشاط الزلزالي لمنطقة شرق المتوسط بشكل رئيسي يرتبط بحركة الصفيحة العربية باتجاه الشمال، ونظراً لتميز المنطقة بانتشار واسع للمواقع الأثرية، ساهم ذلك في العثور على أدلة تؤكد حدوث اهتزازات عنيفة يمكن ملاحظتها على معظم المباني والآثار القديمة في المنطقة. وتشير الوثائق التاريخية إلى حدوث أكثر من 300 زلزال في حوض البحر الميت منذ العام 2150 ق.م.، عشرة من هذه الزلازل كانت من النوع المدمّر حسب كتالوج الزلازل الأردني.

الزلازل التاريخية الرئيسية على طول صدع البحر الميت خلال الألفي سنة الماضية
  • العصور القديمة – عصور ما قبل التاريخ:

تعتبر مرحلة عصور ما قبل التاريخ بأنها أطول المراحل الزمنية التي عاشها الإنسان في حياته وبدأت مع بداية صناعة الانسان للأدوات الحجرية واستخدامها، وانتهت مع اكتشافه الكتابة كوسيلة للتعبير عن نفسه (أي حوالي  2.000.000 سنة مضت إلى حوالي قبل 3200 سنة منذ الآن)، ويتضمن تاريخ الأردن في عصور ما قبل التاريخ: العصر الحجري السفلي، والعصر الحجري القديم والفترات الكبارية والكبارية الهندسية والنطوفية، والعصر الحجري الحديث، والعصر الحجري النحاسي، والعصر البرونزي.

وقد قام الباحثون في العصور القديمة والحجرية بدراسة البقايا النباتية والحيوانية المتحجرة التي يعثر عليها داخل الصخور الرسوبية، للتعرف على كيفية ظهور وتطور مختلف أشكال الحياة في العصور القديمة، واستطاعوا بفضل هذه الدراسات والأبحاث من تحديد سلم زمني لتطور الحياة على الأرض من خلال تقسيمها لسلم زمني يوضح الأزمنة الجيولوجية، ومنها:

  • الزمن الجيولوجي القديم (Palaeozoic) : ويعود لحوالي 500 مليون سنة
  • الزمن الجيولوجي الوسيط (Mezozoic): ويعود لحوالي 200 مليون سنة
  • الزمن الجيولوجي الحديث (Ceonzoi1c): قبل حوالي 65 مليون سنة

وما يهمنا من كل هذه الأزمنة، هي المرحلة الأخيرة من الزمن الجيولوجي الحديث والتي تعرف بحقبة الزمن الجيولوجي الرابع أو الرباعي Quaternary والتي ترجع لحوالي 3 ملايين سنة من الآن، وتكمن أهميتها في اعتقاد العلماء بأن بداية ظهور الانسان تمت خلال هذه الحقبة، وتنقسم هذه الأخيرة إلى فترتين:

  1. البلايستوسين: وهي الفترة التي امتازت بعدد من العصور الجليدية التي تخللتها بعض الفترات الدافئة، وكانت شاهدة على تطور وانتشار الأجناس البشرية القديمة وصولاً إلى الإنسان الحديث قبل حوالي 150,000 سنة.
  2. الهولوسين: وهي الفترة الدافئة التي نعيش فيها حالياً وبدأت بعد نهاية فترة البلايستوسين بالعصر الجليدي الأخير قبل حوالي 12,000 سنة، والتي شهدت تغيرات مناخية كبيرة.
أدوات صوانية من موقع السوداء، الأزرق (مجموعة سطحية) جمعها غاري رلفسن، لزلي كنترو، وفليب ولكة (أطلس الأردن)
  • العصر الحجري القديم السفلي – الفترة الألدونية:

هي الفترة التي بدأت منذ أكثر من ثلاثة مليون سنة واستمرت إلى 1.8 مليون سنة، وهي فترة استغرقت فترة طويلة من الزمن وصلت إلى  أكثر من مليون سنة وانتهت مع الفترة الجليدية الثالثة المعروفة باسم (جليد رس). وخلال هذة الفترة الزمنية كان الإنسان ينمي قدراته اليدوية كصانع للآلات الحجرية البدائية اللازمة لحياته اليومية خصوصاً تلك التي تتطلبها ظروف صيد الحيوانات الصغيرة وتهشيم عظامها وسلخ جلودها وكذلك تلك التي يمكن استخدمها لاقتلاع جذور الأشجار والثمار. وقد تشابهت خصائص هذه الآلات في معظم بقاع العالم القديم وسار التطور فيها ببطء شديد. واتسمت هذه الفترة بظهور الإنسان الماهر (الهومو الماهر) الذي يعتبر نوعاً ذكياً من أنواع (homohabilis) وسُمي هذا الانسان الأول بالماهر لأنه استخدم الحجارة الصماء في كسر ما يحتاجه بدلا من استخدام يديه فقط مثل باقي أنواع الحيوانات. ولم تكتشف أي أثار لأي حضارة ذكية في تلك الحقبة.

  • بدايات ظهور البشر الأوائل في الأردن:

وتعود بدايات الظهور الإنساني للبشر الأوائل في الأردن لفترة البلايستوسين منذ أكثر من 1.5 مليون، وتعتبر من المناطق الأولى التي استقر فيها الإنسان الأول استناداً إلى الأدوات الصوّانية التي عثر عليها في مناطق الأزرق ووادي الحسا وسهل الحمّة وأبو هابيل وغيرها، فهذا الإنسان وجد حيث توافرت وسائل الحياة من مأكل ومشرب، واستمر تواجد الجماعات البشرية في الأردن مستفيدة من المناخ الدافئ نسبياً على خط حفرة الانهدام والتي تعتبر الأغوار الأردنيّة جزءاً منها، حيث كانت المنطقة من أهم نقاط الاستقرار والالتقاء والانتقال بين قارات العالم القديم: أفريقيا وآسيا وأوروبا، والتي تركت خلفها آلاف المواقع من عصور قبل التاريخ، ولحسن الحظ يتمتع الأردن بميزة تجعله يزخر بثروة هائلة من البقايا الأثرية التي تعود لمختلف فترات العصور القديمة، وذلك لكون البقايا التي تعود لفترة “البلايستوسين” لم يتم دفنها تحت ترسبات فترة ” الهولوسين”، وتتركز معظم المواقع الأثرية التي تعود لتلك العصور حول البيئات التي كانت تشكّل بحيرات قديمة تعرف بالـ “السهوب العشبية / أو السفانة”، مثل المرتفعات الغربية الممتدة من الشمال وصولاً للجنوب، إضافة للهضاب الصحراوية الجنوبية وحوض الأزرق، وهو ما يغطي معظم المناطق والأقاليم الأردنية، وتشير الدلائل أن هذه المناطق كانت تحفل بالنباتات والحيوانات المشابهة لتلك الموجودة في شرق افريقيا.

مجموعة صوانية من موقع أبو هابيل، وهو موقع في منطقة الأغوار في منطقة جبلية مطلة على غور الأردن على شواطئ بحيرة اللسان القديمة، إلى الشرق من قرية أبو هابيل في الأغوار الشمالية الأردنية. ويُعدّ من أقدم مواقع العصر الحجري القديم في الأردن، وتم العثور في الموقع على عددٍ من الأدوات الصوانية، يعود تاريخها للفترة الواقعة ما بين 1.800.000-600.000 سنة.
  • أنماط السلوك الانساني خلال العصور القديمة:

عاش البشر الأوائل ضمن مجتمعات متفاوته اعتمدت على الارتحال بحثاً عن الغذاء ومصادر حجارة الصوان التي كانت وسيلتها للبقاء على قيد الحياة من خلال استخدامها للقيام بالصيد والحياة اليومية وهو السبب في وصفهم من قبل المؤرخين بالـ “الصيادين/الجناة”، واستقرت هذه المجتمعات في الكهوف والأماكن المكشوفة على حد سواء، ووفقاً للمؤرخ لويس بنفورد يمكن تصنيف السلوك الذي اتبعته هذه المجتمعات إلى نظامين:

  1. نظام الطوافين: وهو نظام مارسته مجموعات صغيرة العدد، ودائمة التنقل بحثاً عن الموارد، ولا تقوم هذه الجماعات بتخزين الطعام، بل تجمعه من يوم إلى يوم، وقد يتم تكليف بعض الأفراد بمهمة الصيد في مواقع خارج مخيم الإقامة الأساسي وبعيداً عنه، تعرف بالمخيم المؤقت الذي كان يستخدم لغايات الصيد، وعادة ما كانت هذه المجموعات تقوم بصيد حيوان كبير وتجفيفه ونقله لمخيم اقامتهم الدائم، تاركين خلفهم بعض الأدوات الحجرية في كلا الموقعين.
  2. نظام الجامعين: كان هذا النظام مطبّقا من المجموعات البشرية الأكبر عدداً، وهي مجتمعات أقرب للاستقرار بفضل اتباعهم استراتيجيات منظمة للحصول على الغذاء وتخزينه، ولجأوا للتخزين بسبب تفاوت الموارد وصعوبة الحصول عليها من فصل لآخر، واستخدم هؤلاء الجامعون ثلاثة أنواع من المواقع: أ. المخيم وهو مركز عمل مؤقت للمجموعة المكلفة بمهمة ما، ب. والمحطة التي تستخدم كموقع لمراقبة تحرك الطرائد أو المجموعات البشرية الأخرى، أما ج. المخبأ فهو أحد عناصر استراتيجية التموينات التي حصلت عليها المجموعات الصغيرة، بهدف نقلها نحو المجموعات الكبيرة، وفي حالات معينة تجمع المجموعة بين وظائف ونشاطات هذه المواقع في موقع واحد. فكلما زاد عدد الأنواع العامة الممكنة لوظائف موقع معين، كلما زاد عدد التوافيق الممكنة. بناء على هذا النموذج، فإن الجامعين يُعتبرون أكثر تنظيما، من الناحية التموينية، من الطوافين، وتعكس تنقلاتهم تمايزاً أكبر في النشاط وتخصصاً أكبر في المهام.
  • الأحوال البيئية السائدة في الأردن خلال فترات ما قبل التاريخ:

لقد لعبت البيئة السائدة والمحيطة بالإنسان الأول الدور الكبير في أماكن وجوده واختياره لأماكن استقراره وإقامة قراه الأولى، ولفهم هذه البيئة لا بد من النظر للدراسات الجيومورفولوجية والجغرافية التي تم ويستمر القيام بها، فقد لاحظ القائمون والمعنيون بشؤون الآثار في الأردن أهمية دراسة البيئة لفهم المخلفات الأثرية ولهذه الغاية عقد “مؤتمر آثار وتاريخ الأردن الثاني” بالعاصمة الأردنية عمان عام 1983 وبهدف دراسة البيئة في العصور المختلفة للأردن، والتي تشير الدراسات والأبحاث المتعلقة بها أن المنطقة مرت بعدة مراحل مناخية متغيرة قبل أن تستقر في مناخها الحالي، حيث شهد التغير المناخي سابقاً على الأرض الاردنية تفاوتاً وتبدلاً ما بين المناخ البارد والرطب، ثم المناخ الجاف تلاه المناخ الرطب مع موجات جافة يتراوح طول الموجة الواحدة منها ما بين 2000-3000 سنة، فيما كانت المرحلة المناخية الأخيرة قد بدأت منذ حوالي 11-5 الاف سنة من الآن وما زالت مستمرة حالياً وتمثل الطقس الحالي.

ويقسم الأردن جغرافياً إلى ثلاث مناطق رئيسية، الأغوار الأردنية ووادي عربة، والسلاسل الجبلية، ثم تأتي الصحراء الأردنية النبطية، وعلى الرغم من هذا التقسيم الطولي إلا أن هناك تفاوتات واختلافات بيئية واضحة ما بين جنوب وشمال كل من هذه المناطق، لكن من خلال أخذ مقطع عرضي من الغرب حيث المرتفعات الجبلية التي تزيد على 1000 متر فتكون الكميات مرتفعة، وتأخذ هذه الكمية بالهبوط والتناقص مع التوجه شرقاً عند ارتفاع 600 متر، ويلاحظ انخفاض معدلات الهبوط المطري كلما اتجهنا شرقاً حتى تصبح قليلة جداً في المناطق الصحراوية.

وتمتد منطقة الأغوار ما بين بحيرة طبرية شمالاً والبحر الميت جنوباً، لحوالي مسافة 105 كم طولاً فيما يتفاوت عرضها من 3-5 كم شمالاً ويتسع حتى يصل حوالي 18 كم شمال البحر الميت ويجري في هذه المسافة نهر الأردن الذي يمتاز بكثرة تعاريجه وسرعة انحداره وتغير مجراه المستمر مما جعله غير صالحٍ للملاحة وتنخفض كامل المنطقة تحت مستوى سطح البحر وتجري في هذه المنطقة بعض الأنهار والأودية الموسمية التي تزود الأغوار ونهر الأردن بالمياه وأهمها نهري الزرقاء واليرموك وأودية العرب وزقلاب والجرم واليابس وكفرنجة وشعيب والنعيمة وحسبان، وتشير الدلائل أن منطقة الأغوار بأكملها بما في ذلك البحر الميت كانت مغطاة ببحيرة أطلق عليها اسم بحيرة اللسان lake lisan من زمن البلايستوسين، وسادت المنطقة لفترات طويلة غابات البلوط وغطاء واسع من النباتات العشبية، فقد تم التعرف في الأجزاء الشمالية من غور الأردن على بقايا حيوانية لأيائل وفرس النهر والأبقار والطيور والأسماك والأصداف التي كانت تمثل الغذاء الرئيسي للإنسان في تلك المنطقة، بالإضافة لتوفر الغطاء الواسع من النباتات العشبية التي تعتبر المصدر الغذائي للحيوانات الأخرى التي وجدت في تلك الفترة مثل الفيلة ووحيد القرن والأيائل، كما تشير الدلائل والترسبات البحرية والنهرية كذلك إلى أن منطقة وادي الحسا الحالية كانت مغطاة لفترات طويلة ببحيرة عاش الإنسان على ضفافها التي بلغ ارتفاعها (عمقها) حوالي 815م واستطاع الباحثون أن يميزوا ثلاث شواطئ لهذه البحيرة.

امتداد بحيرة اللسان خلال العصور القديمة
  • الخاتمة:

قدمنا في هذا البحث لبنة الأساس في مجموعتنا البحثية الجديدة المتعلقة ببناء رواية وطنية أردنية وخط زمني يوضح أبرز التحولات التي مر بها الأردن منذ بداية تشكله جيولوجياً، وظهور الانسان الأول على أرضه وتطور أشكال التفاعل وانماط السلوك الانساني بين المجموعات السكانية، وكيف تأثرت هذه الأنماط بالأحوال البيئية السائدة،  وسنتعرف أكثر في بحثنا القادم على التغيرات الجغرافية والمناخية التي شهدها العصر الحجري القديم بمراحله الثلاث: الأدنى والأوسط والأعلى، واستمرار التواجد البشري المسجل على الأرض الأردنية وسيطرة الإنسان منتصب القامة ومن ثم ظهور انسان نياندرثال ونشاطاته السنوية وتحركاته الموسمية داخل المنطقة والأدوات التي قام بتطويرها حتى  ظهور الإنسان الحديث وتعايشهما معاً، بالإضافة إلى  ازدهار قرى الصيادين.

Al-Nahar, Maysoon & Clark, Geoffrey A., 2009, “The Lower Paleolithic in Jordan”, Jordan Journal for History and Archaeology 3/2, p. 173-215.

Binford, Lewis R., 1980, “Willow Smoke and Dog’s Tails: Hunter-Gatherer Settlement Systems and Archeological site Formation”, American Antiquity 45/1, p. 4-20.

Shott, Michael, 1990, “Stone Tools and Economies: Great lakes Paleoindian Examples”, in Tankersley K. & Isaac B. (eds.), Early Paleoindian Economies of Eastern North America, (Research in Economic Anthropology Supplement 5), Greenwich (Conn.): JAI Press, p. 3-43.

Markaz al-Jughrāfī al-Urdunī. (1984). National atlas of Jordan. Amman, Jordan: Jordan National Geographic Centre.

 Ababsa, M. (Ed.) 2013. Atlas of Jordan: History, Territories, and Society. Beyrouth: Presses de l’Ifpo. doi:10.4000/books.ifpo.4560
كفافي، زيدان، 1990؛ الأردن في العصور الحجرية، مؤسسة آل البيت: عمان.

 

الأردن في عصور ما قبل التاريخ – العصر الحجري السفلي

  • مقدمة

يعتبر الأردن من المواطن الأصلية لكثير من الأشجار المثمرة حول العالم، وذلك بالاستناد على الدلائل والبقايا النباتية التي لا تزال قائمة حتى اليوم والتي تنتشر في مختلف البيئات الأردنية وتثمر بشكل جيد وتقاوم الظروف الطبيعية الصعبة، وتضم هذه الدلائل أنواع بريّة مختلفة من البطم الأطلسي (أصل ما يعرف بالفستق الحلبي) P. Atlantica واللوز البري Amygdalus sp.  (أصل اللوز والبرقوق والدراق المشمش)، والزعرور C. Azorolus، والأجاص البري (أصل للأجاص) Pyrus sp.

ويلاحظ قيام المزارع الأردني بزراعة مختلف أنواع وأصناف الأشجار المثمرة في بيئات الأردن المتباينة مناخياً وجغرافياً ما بين الغابات الرطبة وصولاً للمناطق الصحراوية الجافة، وفي أنواع مختلفة من الأتربة كالصخرية والكلسية والجافة وعلى ارتفاعات تمتد من دون مستوى سطح البحر في الأغوار الأردنية وتصل حتى 1350م عن سطح البحر، مما يوحي بأن المصادر الوراثية للأشجار اكتسبت مع الزمن مواصفات هامة تعتبر أساسا لأنواع الأشجار المثمرة وقاعدة صلبه تتركز فيها العوامل الوراثية بالانتخاب الطبيعي.

  • الزيتون

ومن بين جميع الأشجار الأصيلة في البيئة الأردنية يحظى الزيتون بأهمية ورمزية في الثقافة الإنتاجية الأردنية ومائدتها، حيث تعتبر المنطقة هي الموطن الأصلي لشجرة الزيتون حيث بدأت زراعتها قبل نحو 6000 سنة، وتعتبر الشجرة الأكثر أهمية في قطاع الأشجار المثمرة، وتطلق بعض التوصيفات التاريخية على أنواع أشجار الزيتون للتأكيد على قدمها، ومنها الزيتون الروماني – الرومي والذي يراد من تسميته بهذا الاسم نسبه للفترة الرومانية التي حصل الأردنيون خلالها على حلف للحكم المحلي يعتبر الأول من نوعه في العالم، وفي الواقع فقد تواصلت زراعة الزيتون في الأردن لفترات طويلة واستفاد الأردنيون القدماء من زيته وثماره في الاستخدامات الغذائية والاقتصادية المتعددة ويستدل على ذلك من خلال المواقع الأثرية التي تضم معاصر للزيتون، إضافة للسرج النبطية التي كان يستعمل زيت الزيتون في إنارتها.

وينظر للزيتون اليوم باعتبار كونه الأكثر أهمية في قطاع الأشجار المثمرة وذو أهمية كبيرة في الاقتصاد الوطني إذ بلغت المساحة المزروعة بالزيتون لعام 2006 حوالي 1.26 مليون دونم وتعادل هذه المساحة حوالي 72 % من المساحة المزروعة بالأشجار المثمرة وحوالي 36% من كامل المساحة المزروعة في الأردن، يقدر تعداد أشجار الزيتون في الأردن بنحو 20 مليون شجرة 77 % منها للزراعة البعلية، والباقي من خلال الري الدائم، كما يبلغ الإنتاج السنوي من ثمار الزيتون حوالي 243 ألف طن ومن الزيت حوالي 37 ألف طن.

اطلالة بانورامية على امتداد كروم وحقول الزيتون في بلدة حرثا وفي الافق جبل الشيخ وامتداد سهول حوران الأردنية
  • بلدة حرثا (قويلبة) . . . آلهة الزيتون

تعرف بلدة حرثا في محافظة اربد في الكتابات القديمة بنوعية زيتها الذي يعد مميزا على مستوى العالم، حتى أنه كان يطلق عليها اسم ”قنديل روما”، كما أنه كان يجمع فيها زيتون المناطق المجاورة كلها قبل أن يتم نقله إلى أماكن أخرى، كما أن جفت الزيت أيضا يجمع على شكل كتل أيام الرومان في حرثا، ثم ينقل إلى معسكر أم الرصاص من هناك. ولا تزال حتى اليوم مشهورة بزيتها بشمال الأردن.

وقد ذكرها أيضا الحازمي فقال (ناحية من كور الأردن، ويذكر ياقوت الحموي في كتابه ( معجم البلدان ) أن “آبل الزيت هي القويلبة / حرثا التي تقع بالأردن على مشارف طبريا”، ويذكر المؤرِّخ مصطفى مراد الدبَّـاغ أنها تقع في لواء إربد بالأردن وأُطلق عليها إسم (آبل الزيت) لجودة الزيت الذي تنتجه كروم أشجار الزيتون التي تـُغطي أراضيها، وتطلق بعض المراجع على المنطقة التي تقع فيها “آبل الزيت” في منطقة بني كنانة إسم منطقة العيون الشمالية، وقد كشفت الحفريات الأثرية في موقع قويلبة التي نفذتها البعثة الامريكية من معهد اللاهوت في سانت لويس بالتعاون مع دائرة الآثار العامة الأردنية على معصرة زيتون يمكن النزول إليها بواسطة درجات من الحجر الجيري.

أما الباحث المهدي عيد الرواضية، الذي يوضح في كتابه، عند حديثه عن موقع ”آبل الزيت”، مبينا أن منطقة آبل الزيت ”هي المعروفة الآن بقويلبة، الواقعة في محافظة اربد إلى الشرق من بلدة حرثا، وأقدم من ألمح إليها من الجغرافيين العرب هو ابن خرداذبة كإحدى كور الأردن، قال: كور الأردن: طبرية، كورة السامرة، كورة بيسان، كورة فحل، كورة جرش، كورة بيت رأس، كورة جدر، كورة آبل الزيت، كورة سوسية، كورة صفورية، كورة عكا، كورة قدس، كورة صور، وخراج الأردن، ثلاثمائة ألف وخمسون ألف دينار”.

شجرة زيتون رومي معمرة في وادي الريان – اربد )تصوير بركات ظاظا)
  • أنواع شجر الزيتون

خضعت عملية زراعة الزيتون في الأردن لكثير من التطوير عبر القرون الماضية من خلال تحسينه واصطفاء حباته وأنواعه بعبقرية المزارع وعقليته التجريبية، مما تسبب بتنوع الأصناف والتي لا يتسع المجال لدراستها بشكل مفصل ولكن نستوضح أدناه أهم هذه الأصناف وصفاتها:

  • الزيتون النبالي: من الأصناف المعروفة والمنتشرة في الأردن، ثماره بيضاويّة الشكل، تميل للاستطالة، وتكون منبسطة في أحد جوانبها، ومدبّبة من الجهة الأخرى، ويصل وزن الحبة إلى أربعة غرامات، يعتبر هذا النوع الأكثر ملائمة لطبيعة الأرض الأردنية ويمتاز بجودة زيته وغزارة انتاجه حيث تتراوح نسبة الزيت في الحبة الواحدة من 20-38%.
  • الزيتون الرصيعي / النبالي المحسَّن: ثمار هذا النوع كرويّة مستديرة، ووزن الحبة حوالي أربعة غرامات ونصف، ونسبة الزيت فيه منخفضة جداً، لا تتجاوز ست عشرة بالمئة، ويصلح للمائدة أكثر من العصر.
  • الزيتون البلدي الرومي: تستخدم هذه التسمية لوصف الأشجار القديمة المعمّرة في الأردن، والتي يمتد قطر جذعها الى نحو مترين، ويمتاز بأنه من أجود أنواع أشجار الزيتون على الإطلاق، وتصلح ثماره للتخليل والعصر، حيث إنّ نسبة الزيت في ثماره مرتفعة.
  • الزيتون الكلاماتا: يعود في الأصل لليونان، ثماره صغيرة، بحيث يصل وزن الثمرة ما بين غرام واحد وغرام ونصف، وتكون الحبة منتفخة من وسطها، وهو من أفضل وأجود أنواع الزيتون المستخدم لإنتاج زيت الزيتون.
  • الجروسيدي: وهو من أنواع الزيتون التي تعود في أصلها إلى إسبانيا، وثمارها متوسّطة الحجم، أو كبيرة نوعاً ما، وقد يصل وزن الحبة إلى سبعة غرامات، وهي من الأنواع التي تصلح بشكلٍ رئيسي للكبيس، أما نسبة الزيت فيه فمنخفضة، تصل إلى ثماني عشرة بالمئة فقط، وهي من الأصناف التي تصلح للزراعة البعليّة، في المناطق الجبليّة.
  • الزيتون البري: وينتشر هذا النوع من أشجار الزيتون في الجبال والبراري، وتتميّز هذه الأشجار بصغر حجمها، وكثرة تفرّعاتها، وأغصانها شوكية، وصغر حجم ثمارها، وانخفاض نسبة الزيت فيها، وأحياناً قد يشوب طعم زيتها بعض المرار.
  • الزيتون الباروني: ويعود أصل هذا النوع من أشجار الزيتون إلى تونس، وشكل الثمار يشبه الكمثرى المقلوبة، ووزن الحبة يصل إلى سبعة غرامات، ويتميّز لون ثمار هذا النوع بالأحمر النبيذيّ، وهو من الأنواع الصالحة للكبيس، ونسبة إنتاج الزيت في ثماره ثماني عشرة بالمئة.
جانب من أجواء موسم قطف الزيتون
  • قطف الزيتون:

تعتبر مرحلة تلقيط أو فرط الزيتون، من المراحل التي تدل على قيمة العمل داخل العائلة الأردنية فيتشارك الجميع هذه المسؤولية بغض النظر عن الجنس والعمر، فهو واجب عائلي على كل شخص قادر على العمل، أما التوقيت فيبدأ منذ مطلع تشرين الثاني، وبعد ما يعرف شعبياً بـ “الشتوة الأولى” التي يسميها الفلاحون “شتوة الزيتون” لأنها تغسل أشجار الزيتون وحباته وتهيئها للقطف فتكون خالية من الغبار والتراب المتراكم على الشجرة، ويستيقظ الجميع في الصباح الباكر متوجهين الى حقولهم محاولين الاستفادة من أكبر عدد من ساعات النهار : يفرشون الأرض بالمفارش “المدارج” يجمعون الثمار في أكياس مخصصة لهذه الغاية تسمى “شوالات”، يتم نقلها الى البيت في آخر اليوم ومن ثم للمعصرة في آخر أيام الموسم.

أقدم معصرة زيتون في الأردن في بيت ايدس – اربد (تصوير محمد شطناوي)
  • معاصر زيت الزيتون وأنواعه

إلى جانب المعرفة بأنواع أشجار الزيتون بغية الوصول الى أفضل عائد مما يتم زراعته وعنايته طوال العام، أبدع الأردنيون منذ القدم في تطوير أدواتهم الزراعية باستخدام الموارد المتاحة منذ العصر الحجري، فكانت أول وأقدم معصرة للزيتون في المنطقة وهي معصرة بيت ايدس، والتي تقع جوار معصرة عنب وكهف السيد المسيح الذي لجأ للأردن ثلاث مرات، وهي منحوتة صخرية زيتية تستخدم تقنية تقوم على مبدأ القوة والتناسب في عملها حيث كانت تدار بواسطة الدواب وأصبحت تدار بالكهرباء مع الحفاظ على نفس تقنية العصر البارد والتجفيف والسلق، ويستمر هذا النمط من المعاصر في الأردن والمنطقة حتى الآن وتحظى بإقبال المزارعين ويحظى زيتها بإعجاب المستهلكين، رغم الثورة الصناعية وانتشار المصانع الآليّة والحديثة.

وتعتبر عملية العصر أمرًا ذا أهمية عظيمة نظرًا لما له من تأثير مباشر على جودة الزيت وكميته أيضًا؛ إذ يمكن أن تتأثر جودة الزيت بحصول أخطاء قد تكون في عملية العصر، أو الفصل بين الأنواع المتعددة للزيتون المراد عصره، وقد تتعلق بممارسات روتينية في المعصرة لها ارتباط بدرجة حرارة جَرْش الزيتون، أو كمية الرطوبة في العجينة، أو نظافة الأدوات، وسرعة الطحن، أو درجة نعومة العجينة. ونبرز هنا أهم أنواع زيت الزيتون المتعارف عليها حالياً:

  1. زيت الزيتون البكر الصافي:

يعتبر من أفضل وأنقى أنواع زيت الزيتون، حيث يتم استخراجه باستخدام الضغط البارد فقط. حيث يحتوي على 1% فقط حموضة. وهو أول زيت يستخلص من حبّات الزيتون. وهو زيت زيتون طازج وصافي وله نكهة ورائحة واضحتين.

ويستخدم زيت الزيتون البكر الممتاز في السلطة وعلى الجبن، كما يمكن وضعه على أطباق السمك أو اللحوم. وهو أفضل أنواع زيت الزيتون استخداماً للبشرة وللشعر.

  1. زيت الزيتون البكر:

زيت الزيتون البكر يمتاز بطعم جيد ومستوى حموضة منخفضة لا يزيد عن 3.3%، وهو أقل سعراً من زيت الزيتون البكر الصافي ولكنه يقترب منه في الجودة.

ويستخدم زيت الزيتون البكر في جميع الأغراض غير الطهي مثل رشه على السلطة أو الجبن أو أطباق اللحوم. ويستخرج زيت الزيتون البكر أيضاً من العصرة الأولى للزيتون. وله مذاق أقل من زيت الزيتون البكر الصافي.

  1. زيت الزيتون المكرر:

زيت الزيتون المكرر هو عبارة عن زيت زيتون بكر لكن نسبة حموضته تكون عالية ويتم تكريره بطرق كيميائية مما يؤدي لانخفاض العناصر الغذائية التي يتكون منها زيت الزيتون الأصلي، ومن أنواعه زيت العصارة المكرر وزيت العصارة الخام وزيت عصارة الزيتون.

استراحة محارب لحبات الزيتون بعد قطفها وقبل رحلتها للمعصرة ، حتى في أيام التعب ومواسم الحصاد والقطف كان هناك دائماً مساحة يعبر فيها الأردني عن الحب، سواء بالترانيم والأغاني ، أو بالأغصان والحبات
  1. زيت الزيتون النقي:

زيت الزيتون النقي عبارة عن خليط من زيت الزيتون البكر وزيت الزيتون المكرر. وهو منخفض في الحموضة فتصل نسبة الحموضة فيه حوالي 0.3%. ويعتبر زيت الزيتون النقي أفضل أنواع زيت الزيتون للطهي ومقاومة الحرارة. ولكنه لا يناسب استخدام السلطات، وهو أقل سعراً من أنواع زيت الزيتون البكر.

  1. زيت الزيتون الخفيف:

زيت الزيتون الخفيف يتم تحضيره بتكرير الزيت وتعرضه للحرارة وهو أخف نكهة ورائحة وطعما من أنواع الزيوت السابقة ويضاف إليه نسبة قليلة جدا من زيت الزيتون البكر، ويحتوي على نسبة عالية من السعرات الحرارية بعكس ما يعتقده بعض المستهلكين، وهو من أنواع زيوت الزيتون منخفضة الثمن.

  1. زيت تفل الزيتون:

زيت تفل الزيتون أقل أنواع زيت الزيتون ثمنا، ويستخلص من بواقي الزيتون بعد أن يتم عصره ويوضع تحت مكابس وأجهزة طرد مركزي، ويضاف إليه مذيبات عضوية مثل الهكسان ويضاف إليه نسبة قليلة من زيت الزيتون البكر.

  1. زيت زيتون المعاصر الحجرية (السلق):

زيت زيتون الخريج يستخلص من حبات الزيتون التي يتم غليها لمدة نصف ساعة ومن ثم نشرها وتعريضها للشمس لمدة ست أيام ومن ثم يتم عصره، يحتوي على نسبة حموضة من 3.3 – 5%، وقل إنتاجه كثيرًا لصعوبة استخلاصه وتكلفته العالية.

  1. زيت الطفاح:

زيت الطفاح يستخلص من حبات الزيتون التي تتساقط قبل موسمها ويدق بواسطة حجر أو مدقة، ويوضع في وعاء حديدي كبير ويغلى مع التحريك المستمر وبعدها يقفز الزيت إلى أعلى من الوعاء ويتم رفعه بكفي اليدين.

مكمورة ربداوية بزيت الزيتون
  • منتجات الزيتون في الغذاء الأردني

إلى جانب الحقول والمراعي حيث الحليب والحبوب ومشتقاتها، تقف الكروم الأردنية والبساتين ومساكب الخضروات شامخة مانحة المطبخ الأردني المزيد من التنوّع والتكامل في الغذاء، وبدون المساس بالتركيبة الغذائية الأساسية القائمة على المزج بين الحبوب ومشتقاتها والحليب ومشتقاته كما أوضحنا سابقاً في أبحاث سابقة من هذه السلسلة.

ويعتبر الزيتون عنصراً غذائياً مهماً في كثير من الأطباق الأردنية سواءً لكونه عنصراً غذائياً قائماً بحد ذاته، أو كبديل عن السمن والدهن الحيواني في عمليات الطهي، ويعمل وجوده إلى جانب الخضار على تعزيز المائدة الأردنية بأصناف عديدة من “الحوسات” وكذلك في توليف الخضروات مع مريس الجميد.

ومن أهم الأطباق الأردنية التي تستخدم زيت الزيتون:

  • المكمورة: طبقات من العجين المختمر المحشوة بالبصل والدجاج المذبل بزيت الزيتون مع السماق والحبة السوداء ومزيج من الأعشاب والنكهات المتنوعة، تشتهر في جميع مناطق محافظة اربد ولها أشكال متنوعة منها المطابق، والخبز بالبصل “خبز ابصل”.
  • المحاشي البردقانية: طبق غني بالمكونات من مدينة السلط، حيث يلعب زيت الزيتون دوراً مهماً في مزج مكونات الخضار من كوسا وباذنجان وفلفل حلو وبندورة مع مريس الجميد.
  • الرصيع / الرصيص: تحفظ حبات زيتون المائدة مع الملح والفلفل والليمون لمدة 45 يوماً لتنتج حبات الرصيع التي تعتبر جزءاً من المائدة الأردنية، تقدم في وجبات الإفطار والوجبات الخفيفة وفي بعض الوجبات كنوع من المقبلات.
  • البرغل الدفين: من الأكلات النباتية المستخدمة خلال فترة الصوم المسيحي وتولّف بين الحبوب والخضار، ويقدم زيت الزيتون بديلاً مناسباً للسمنة البلدية، لهواة الأطباق النباتية.

طبق البرغل الدفين ، من الأطباق التي يتم تحضيرها باستخدام زيت الزيتون
  • استخدامات أخرى لمنتجات الزيتون:

تعتبر مادة الجفت بأنها المخلفات المتبقية والناتجة عن عملية عصر ثمار الزيتون، وتتكون بشكل أساسي من البذور المطحونة، وبقايا اللب وقشرة الثمار والألياف، ويبلغ حجم الإنتاج السنوي من هذه المادة حوالي 85 ألف طن، وقد كانت المعاصر الأردنية رائدة في هذا المجال من خلال تحويل العبء البيئي الناتج عن عملية العصر إلى عائد اقتصادي مفيد ومصدر للطاقة في ظل الارتفاع الحاد في أسعار المحروقات وفاتورة الطاقة خلال السنوات الماضية، ومن أبرز استخدامات هذه المادّة:

  • مصدر للطاقة: يعتبر بديلاً بسعر منطقي للوقود ويستخدم في تشغيل وسائل التدفئة في العديد من البيوت الأردنية، وهي عملية تساهم في الحفاظ على الثروة النباتية من خلال الحد من قطع الأشجار الحرجية واستخدامها حطباً للتدفئة.
  • مصدر للسماد الطبيعي: يضاف لعناصر أخرى بحيث يستعمل كوسط للزراعة في المشاتل ويضاف إلى المحاصيل المختلفة لتحسين خواص التربة، حتى أن رماد الجفت الناتج عن الاحتراق في المواقد يمكن استخدامه كسماد عضوي، كما يمكن استخدامه كمادة توضع على أحواض الأشجار المثمرة لحفظ رطوبة التربة ومنع نمو الأعشاب.
  • مصدر للأعلاف: تحتوي مادة الجفت على 10% من البروتينات، 3-4% دهون، 32-47% ألياف، ورغم انخفاض استساغة طعمها من الحيوانات إلا أنه يمكن استخدامها في صناعة المكعبات العلفية بعد خلطه بمواد أكثر استساغة.
  • صناعات أخرى، مثل صناعة المبيدات الحيوية لمكافحة الأعشاب، الفطريات، الحشرات والبكتيريا التي تهاجم الأشجار والمزروعات، وكذلك فيما يتعلق بصناعة الصابون، والفحم والكربون النشط.

الخاتمة

ومن هنا نلاحظ ثراء المطبخ الأردني وتنوع مكونات هويته الغذائية، وكيف تطورت زراعة الزيتون في الأردن تاريخياً لتصل الى ما هي عليه الآن من ثبات، سواء من خلال انتشار زراعته واستخدام زيته وتنوع أصنافه وطرق عصره ومعالجته واستخدام كامل مخرجات العملية في الغذاء والتدفئة والحصول على الانارة والطاقة والسماد، وسيكون هناك قريباً بحث كامل عن مسيرة الزيتون في التاريخ الأردني يتناول كيفية انتشاره وتطور استخدامه خلال فترات العصور القديمة.

المراجع:

  • حتّر، ناهض & أبو خليل، أحمد (2014) المعزّب ربّاح، منشورات البنك الأهلي الأردني. عمان:الأردن
  • بالمر، كارول (2008) الفلاحون والبدو في الأردن: دراسة اثنوجرافية في الهوية الغذائية، تعريب عفاف زيادة، مؤسسة أهلنا للعمل الإجتماعي والثقافي.عمان: الأردن
  • اصدارات مديرية بحوث الزيتون، موقع وزارة الزراعة الأردنية http://www.ncare.gov.jo
  • شديفات، صالح & البدور، هدى. (2009) جفت الزيتون، المركز الوطني للبحث والارشاد الزراعي.
  • حبوب، الزين & أبو زريق، علي. (غ.م) أصناف الزيتون المناسب للأردن، المركز الوطني للبحوث الزراعية ونقل التكنولوجيا، وزارة الزراعة الأردنية.

 

الزيتون ومنتجاته في الاقتصاد والغذاء الأردني

Scroll to top