قارورة تل سيران

مقدمة

تعد الآثار الكتابية من عصر الممالك الأردنية الثلاث أمراً نادراً جداً لأسباب عديدة، وهي على ندرتها إن وجدت تعتبر منجماً خصباً للمعلومات عن هذه الممالك، إذ لا شيء يمكن له أن يكون أكثر وضوحاً من الكلام والخطاب المباشر.

وقد عثرت الحفريات الأثرية على بعض الآثار الكتابية من المملكة الأردنية العمونية، جاء معظمها على شكل أختام تحمل بصفة رئيسية أسماء أعلام، ولكن الأثر الكتابي الأهم الذي وجد حتى الآن هو نقش قارورة تل سيران، والذي يعد أطول النصوص الأردنية العمونية التي تم العثور عليها حتى اليوم.

تل سيران

هو أحد المرتفعات أو التلال الصغيرة في منطقة الجبيهة شمالي العاصمة الأردنية عمان، تحديدا داخل حرم الجامعة الأردنية في الجهة الجنوبية الشرقية منها، حيث أنشئ مبنى كلية الهندسة مطلع سبعينات القرن الماضي.

مبنى كلية الهندسة في الجامعة الأردنية أعلى تل سيران

 

كيفية العثور على قارورة تل سيران

خلال التحضيرات لإنشاء مبنى كلية الهندسة في الجامعة الأردنية تم اكتشاف بقايا أثرية في الموقع، فقامت كلية الآثار في الجامعة الأردنية بتجهيز حفرية أثرية في العام 1972، والتي وجدت بقايا أثرية منذ العصر الحديدي(في عهد المملكة الأردنية العمونية)، كما وجدت مجموعة من الكسر الفخارية التي تعود إلى كل من العصور الهلنيستية والرومانية، بالإضافة إلى العصر الأموي فالأيوبي والمملوكي، مما يؤشر على أن الموقع استمر مأهولاً بالحد الأدنى منذ العصر الحديدي، على جانب آخر وجدت آثار أقنية مياه وبئر ماء، أما أهم اللقيات الأثرية في هذا الموقع كانت قارورة تل سيران التي تحمل نقش يعد الأطول من النقوش الأردنية العمونية التي وجدت حتى الآن.

وصف قارورة تل سيران

قارورة مصنوعة من مادة النحاس، بطول 10سم وتحتوي على انبعاجة يعتقد أنها قبل النقش وعلى الأرجح أثناء صناعة القارورة، وكانت القارورة مغلقة بطريقة محكمة عبر دبوس في فوهتها، ووجد بداخلها بذور قمح وشعير مكربنة بالإضافة لبعض الأعشاب، ولقد نُقش على جدارها الخارجي ثمانية أسطر.

نص نقش قارورة تل سيران – عرض وتحليل

يتكون نقش قارورة تل سيران من ثمانية أسطر بالخط الأردني العموني جاءت على الشكل الآتي بالحروف العربية:

“1. ب م ع د ـ ع م ن د ب ـ م ل ك ـ ب ن ـ ع م ن 2. ب ن ـ هـ ص ل إ ل ـ م ل ك ـ ب ن ـ ع م ن 3. ب ن ـ ع م ن د ب ـ م ل ك ـ ب ن ـ ع م ن 4. هـ ك ر م ـ و هـ . ج ن ت ـ و هـ أ ت ح ر 5. و أ ش ح ت 6. ي ج ل ـ و ي ش م ح 7. ب ي و م ت ـ ر ب م ـ و ب ش ن ت 8. ر ح ق ت”

وترجمتها الحرفية للغة العربية :

“1 عمل عمينداب ، ملك العمونيين. 2 بن هصيل إيل ، ملك العمونيين. 3 بن عمينداب ، ملك العمونيين 4 الحديقة        ( الكرم ) والجنائن 5 والقناة والخزّان 6 ليفرح ويبتهج 7 لأيام عديدة 8 وسنين عديدة”

ويشير النص بشكل عام إلى أحد إنجازات الملك الأردني العموني عمي ندب الثاني في القطاع الزراعي تحديداً، ويمكننا تناول النص من جانبين، الجانب الأول وهو أسماء الملوك الأردنيين العمونيين الواردة في النقش، أما الجانب الآخر فهو الإنجاز الذي قام به الملك الأردني العموني عمي ندب الثاني.

تمثال لشيخ أو ملك أردني عموني

أولا : الملوك

ورد في نقش قارورة تل سيران أسماء ثلاثة ملوك أردنيين عمونيين، وهم جد وأب وحفيد، وقد كتب النقش لتوثيق بعض إنجازات الملك الأردني عمي ندب الثاني وأورد نسبه لوالده الملك الأردني العموني هصل إيل، وجده الملك الأردني العموني عمي ندب الأول، وتكمن أهمية هذا النقش بتوثيقه لثلاثة أجيال من الملوك الأردنيين العمونيين، اثنين منهم لم يتم ذكرهما بأي مصدر آخر، وهما عمي ندب الحفيد، وهصل إيل، كما أن هذا التوثيق يؤكد على أن النظام كان ملكياً وراثياً بالأبناء الذكور.

ثانيا : الإنجازات

أما على صعيد الإنجازات فقد بدا من النص جانبين مهمين، الأول الاهتمام منقطع النظير بعملية الإنتاج الزراعي، حيث أن الملك الأردني العموني عمي ندب الثاني يفتخر بشكل شخصي بالتطور الزراعي الذي أحرزته المملكة الأردنية العمونية، وفي إحدى المواقع المحيطة بعاصمتها ربة عمون، أما الجانب الآخر فهو حالة الرفاه التي كان يعيشها أجدادنا الأردنيين العمونيين، حيث ذكرت الحديقة والجنائن، بالإضافة إلى الفرح والبهجة لسنوات عديدة “الحديقة والجنائن، والقناة والخزّان، يفرح ويبتهج، لأيام عديدة، وسنين عديدة”، كما بالإمكان أيضاً ملاحظة تقنية إدارة موارد مائية وري مميزة سواءً بالتخزين أو بالتوزيع “ والقناة والخزّان”.

محتويات القارورة من الداخل

احتوت القارورة من الداخل على بعض من حبوب القمح والشعير التي تعرضت لمؤثرات زمنية فتفحمت بالإضافة لبعض الأعشاب، إن لوجود هذه الحبوب داخل القارورة مؤشرات عديدة خصوصاً إذا ما تم ربط وجودها مع النقش الموجود على جدار القارورة الخارجي، حيث جاء النص محملاً بمفاهيم إنتاجية زراعية، وبوجود هذه الحبوب دليل هام على أهمية القمح والشعير كمنتجات زراعية في المملكة الأردنية العمونية، وأن هذه الاهمية تؤكد أن زراعة هذه الحبوب كانت تتم على نطاق واسع في المملكة الأردنية العمونية، ولا ريب أن عمان بعد ذلك بقرون زودت الامبراطورية الرومانية باحتياجاتها من أجود أنواع القمح، واستمر القمح الأردني كأهم أنواع القمح المستخدمة في صناعة السباغيتي في روما.

المراجع

  • كفافي ، د. زيدان عبد الكافي (2006 )، تاريخ الأردن وآثاره في العصور القديمة ( العصور البرونزية والحديدية) ، دار ورد ، عمان .
  • العبادي، د. أحمد عويدي (2018)، التاريخ السياسي للممالك الأردنية القديمة، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان.
  • كفوف، نجاة ثلجي سعد(1995)، ملوك بني عمون،  رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة اليرموك، اربد، الأردن.

المملكة الأردنية العمونية- قارورة تل سيران

صورة لتماثيل عمونية، متحف الآثار الأردني/ جبل القلعة

مقدمة

من مرتفعات البلقاء، ومن قلبها ربة عمون انطلق أجدادنا الأردنيون العمونيون نحو العالم، إن لم يكن بأجسادهم، فبتجارتهم العالمية التي اعتمدت على موقع عاصمتهم الذي يسيطر على جزء استراتيجي من أهم طريق تجاري عالمي في ذلك الوقت وهو الطريق الملوكي، ولأن المملكة الأردنية العمونية كانت تعتمد على التجارة بنشاطها الاقتصادي بشكل أكبر من شقيقاتها المملكة الأردنية الأدومية والمملكة الأردنية المؤابية فإنه من البديهي أن تبذل جهوداً أوسع من أجل نسج علاقات دبلوماسية جيدة مع الدول الأخرى، وعلى هذا الأساس صاغ أجدادنا الأردنيون العمونيون تاريخهم سلماً وحرباً.

المملكة الأردنية العمونية وشقيقاتها

مسلة ميشع
Henri Sivonen from Helsinki, Finland – Mesha Stele
aka. the Moabite Stone (2007-05-19T14-10-19.jpg)

جمعت الممالك الأردنية الثلاث (أدوم، عمون، مؤاب) علاقات متينة، حيث توحدت المصالح غالب الأحيان، بالإضافة إلى تقارب شعوب هذه الممالك والتداخل الجغرافي فيما بينها، إلا أن العلاقة بين  المملكة الأردنية العمونية والمملكة الأردنية المؤابية كان الأكثر تميزاً، حيث التداخل الجغرافي كبير جداً، وتقارب الشعبين مع التطابق في توقيت وظروف نشأة هذه الممالك، وتذكر المصادر التاريخية أن الأردنيين العمونيين والأردنيين المؤابيين هم أبناء عمومة، وكان الحلف القائم بين المملكتين حلفاً منعقداً بصفة دائمة، بينما كانت تنشب بعض الخلافات أحياناً وهي قليلة جداً على مر تاريخ هذه الممالك بين الأردنيين المؤابيين والأردنيين العمونيين من جهة، والأردنيين الأدوميين من جهة أخرى، ولكن هذه الممالك الأردنية الثلاث كانت دائماً في مواجهة ذات الأخطار الخارجية.

المملكة الأردنية العمونية والمصريين

صورة لتل العمارنة- مصر، عن موقع
egyptiangeographic.com

فرض المصريون في بدايات العصر الحديدي وما قبله نفوذهم بشكل اعتباري على هذا الإقليم بشكلٍ عام، حيث وجد في رسائل تل العمارنة المصرية في عهد الملك المصري اخناتون استنجادات من بعض الممالك الآرامية على ساحل المتوسط الشرقي شمالي نهر اليرموك بالإمبراطورية المصرية، أما الأردنيون الأوائل فقد كانت تجمعهم علاقات متينة بالمصريين منذ العصور الحجرية الحديثة على أقل تقدير، حيث أن التبادل التجاري مع المصريين كان عاملاً اقتصادياً مهماً، ومع نشوء الممالك الأردنية الثلاث وخاصة في بداياتها كانت العلاقات بين الأردنيين والمصريين في أوجها، ولقد جمعت أجدادنا الأردنيون العمونيون علاقات مهمة مع المصريين، حيث وجدت الحفريات الأثرية في المواقع العمونية تماثيلاً ذات صبغة مصرية مما يدل على تبادل تجاري وثقافي واسع، وقد عقد أجدادنا الأردنيون العمونيون مع أشقائهم من مؤاب وأدوم تحالفاً متيناً مع المصريين في مواجهة النفوذ الحثي والنفوذ الآشوري في بداياته.

المملكة الأردنية العمونية والحثيين

صورة لاتفاقية قادش التي وقعت بين المصريين والحثيين

تعد الإمبراطورية الحثية أحد الإمبراطوريات الرئيسية في العالم القديم، وقد كانت في صراع مستمر مع شعوب الرافدين والمصريين، وقد بسطت نفوذها مراتِ عديد على بلاد الرافدين، وممالك الساحل الشرقي للمتوسط شمالي نهر اليرموك، ولكنها لم تسيطر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الأردن القديم، لكنَّ علاقات تجارية كانت قائمة بالتأكيد حيث وجدت في الحفريات الأثرية في عدة مواقع أردنية على مواد خام مصدرها الأناضول، ومع بداية عصر الممالك الأردنية الثلاث كانت الإمبراطورية الحثية في نهاياتها، وقد دب صراع عنيف بين الحثيين والمصريين، والمعتقد أن الممالك الأردنية الثلاث ومن بينها المملكة الأردنية العمونية كانت في صف المصريين في ذلك الوقت وبالأخص في معركة قادش الثانية التي قادها من الجانب المصري الملك رمسيس الثاني والتي انتهت باتفاقية توضح مناطق النفوذ بين الطرفين.

المملكة الأردنية العمونية والآشوريين

لم تتوقف محاولات دول الرافدين الرامية للسيطرة على الأردن سواء بالحرب أو بالمعاهدات والتفاهمات، لحماية مصالحها التجارية لأهمية موقع الأردن الاستراتيجي الذي يمر به جزء كبير من الطريق التجاري الملوكي وهو أهم الطرق التجارية العالمية في ذلك العصر، ولم يختلف الأمر بين الأشوريين والممالك الأردنية الثلاث في العصر الحديدي الثاني، حيث تباينت العلاقات بين الممالك الأردنية وبين الأشوريين تبعاً للمرحلة وظروفها، ولكن التبادل الحضاري والثقافي كان واضحاً وخصوصاً بين الأردنيين العمونيين والآشوريين حيث أن المملكة الأردنية العمونية هي أقرب الممالك الأردنية جغرافياً للآشوريين، كما كانت العاصمة الأردنية العمونية ربة عمون محطةً رئيسية من محطات الطريق الملوكي، وقد كان تأثيراً ثقافياً مباشراً بين الطرفين جلياً عبر اللقى الأثرية، أما على صعيد آخر فقد ذُكر الأردنيون العمونيون وعدد من ملوكهم في السجلات و الحوليات الآشورية، سواء كحلفاء في بعض الحروب الإقليمية، أو كأحد الممالك التي قدمت الهدايا للبلاط الآشوري في سبيل الحفاظ على مصالحها التجارية وتعزيز التحالفات في وجه أعداء مشتركين.

المملكة الأردنية العمونية والعبرانيين

بدأت المواجهة بين الأردنيين العمونيين والعبرانيين مبكّرا منذ بدايات دخول العبرانيين للمنطقة، حيث رفض الأردنيون العمونيون دخول العبرانيين عبر أراضيهم للوصول إلى الجهة الأخرى، ولقد ناصب العبرانيون أجدادنا الأردنيين العمونيين العداء منذ ذلك الوقت، وقاموا بتوظيف الدين لتعبئة شعبهم في مواجهة الأردنيين العمونيين، ولم يشفع لأجدادنا احتوائهم لبعض الملوك العبرانيين في لحظات ضعفهم وحمايتهم عند لجوئهم، فقد انقلبوا على أجدادنا فور تمكنهم واسترداد قوتهم، ومثال على ذلك انقلاب الملك داوود على المملكة الأردنية العمونية التي لجأ لها عندما كان فاراً من وجه شاؤول، وقام بغزوها ومحاولة تدميرها، ولقد حدثت صدامات عديد بين الطرفين على مر التاريخ، كان أجدادنا الأردنيون العمونيون ينتصرون تارة ويتراجعون تارة أخرى، وقد استطاعوا في مراحل عديدة السيطرة على جزء كبير من أراضيهم وفرض الجزية عليهم.

العلاقات الخارجية للمملكة الأردنية العمونية بشكل عام

صورة فضائية لبحر إيجة

ساهم النشاط التجاري الذي اعتمدت عليه المملكة الأردنية العمونية بشكل واسع في تكريس الاحتكاك بينهم وبين بقية شعوب العالم، وإن اتخذ طابعاً حضارياً أكثر منه سياسيا، حيث وصلت تجارة الأردنيين العمونيين إلى قبرص وبحر إيجة كما هو مكتشف حتى اللحظة، وبالتأكيد فقد نقل التجار الأردنيين العمونيين جزءاً من ثقافتهم الأصلية إلى البلدان التي وصلوا إليها أو عبر تواجد القوافل التجارية في المملكة الأردنية العمونية، كما اكتسبوا العديد من السمات الحضارية الأخرى، ومن المؤكد عبر اللُّقى الأثرية في المملكة الأردنية العمونية والتي وجدت العديد من الآلهة المختلفة والعائدة للشعوب المجاورة أن الأردنيين العمونيين كانوا يتمتعون بدرجة عالية من الانفتاح الثقافي وتقبل الآخر كما هو عهد أحفادهم الأردنيين اليوم.

المراجع

  • كفافي ، د. زيدان عبد الكافي (2006 )، تاريخ الأردن وآثاره في العصور القديمة ( العصور البرونزية والحديدية) ، دار ورد ، عمان .
  • غوانمة، د. يوسف درويش (1979)، عمان حضارتها وتاريخها، دار اللواء للصحافة والنشر، عمان.
  • الموسى، سليمان (1985)، عمان عاصمة الأردن، منشورات أمانة العاصمة، عمان.
  • العبادي، د. أحمد عويدي (2018)، التاريخ السياسي للممالك الأردنية القديمة، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان.

المملكة الأردنية العمونية- العلاقات الخارجية

Scroll to top