مقدمة

أنثى تحمل جرة على رأسها من الفخار، العصر البرونزي المبكر، موقع باب الضهرة الأثري.
The art of Jordan, treasures from an ancient land,edited by Piotr Bienkowski, alan sutton publishing.

وجدت المسوحات والحفريات الأثرية على امتداد جغرافيا الأردن، دلائل على منظومات ميثولوجية دينية، منذ عصور ما قبل التاريخ، تجلت هذه الدلائل، في طرق الدفن، وصناعة التماثيل، ووجود المباخر، وانتشار المذابح أو ما يشبهها، وقد مرت هذه المنظومات بتطورات هائلة مع التقدم الاجتماعي والسياسي الذي مر به أجدادنا الأردنيون الأوائل عبر مراحل التاريخ المختلفة.

ولقد أثر النمط العمراني الحضري لدى أجدادنا الأردنيين العمونيين على توجه الباحثين الآثاريين إلى دراسة الجوانب العمرانية للمملكة الأردنية العمونية بشكل أوسع من دراسة باقي الجوانب، الأمر الذي أثر على دراسة الملامح الدينية الأردنية العمونية، وفي هذا البحث حاولنا قدر الإمكان تجميع الملامح العامة للديانة الأردنية العمونية، وإن لم نوفق بوضع أي تصور للطقوس الدينية المستخدمة في العبادة بشكل خاص.

ميثولوجيا الأردنيين الأوائل قبل نشأة الممالك الأردنية الثلاث (أدوم، مؤاب، عمون)

تماثيل عين غزال، موقع هلا أخبار

عادة ما كانت الشعوب القديمة، تستقي منظوماتها الدينية من البيئة المحيطة، وقد تطورت الأديان القديمة لتجيب على الأسئلة الوجودية التي كانت تؤرق الإنسان القديم، ولوضع التفسيرات حول ما لم يستطع العقل البشري تفسيره حين ذاك، كما ساهمت طبيعة الإنتاج في تشكيل الطقوس الدينية المُمَارسَة، حيث ارتبطت أغلب الطقوس والشعائر في مواسم الزراعة والحصاد.

ولم يختلف أجدادنا الأردنيون الأوائل في تلك الحقب عن مجمل الوجود البشري، وقد بدأ نشوء التصورات الدينية لدى الأردنيين الأوائل مع بداية الاستقرار الزراعي حوالي 9000 قبل الميلاد، وقد كانت هذه التصورات في تلك الفترة بسيطة، وارتبطت المظاهر الموجودة حول عادات الدفن بشكل رئيسي، ويعتقد أن البذرة الأولى للمعتقدات الدينية، كانت مرتبطة بتفسير ظواهر طبيعية، وخصوصا المطر الذي كان المصدر الرئيسي لري المزروعات حيث كانت الزراعة في طورها الأول البسيط، واستمر الأردنيون الأوائل في تطوير منظومتهم الدينية، جنباً إلى جنب مع تطورهم الانتاجي بشكل رئيس، حتى ارتقت تلك المنظومة بشكل كبير، مع العصور البرونزية وحقبة (الدولة المدينة)، حيث وجدت الحفريات الأثرية في تلك الحقبة معابدا داخل المدن الأردنية القديمة، وحيث أصبحت مجتمعات المدن الأردنية القديمة مجتمعات مقسمة طبقياً، بسبب حالة المدنية والانتاج الفائض، فإن رجال الدين كانوا يمثلون طبقة منفصلة، وتعتبر من الطبقات المتسيّدة، وتشير الدلائل أن رجال الدين مارسوا أيضا مهام إدارية داخل المدن.

الآلهة الأردنية العمونية

عبد الأردنيون العمونيون بالإضافة إلى إلههم الوطني ملكوم العديد من الآلهة المحلية المنتشرة في جنوب غرب آسيا وشرقي المتوسط، مثل الإله بعل والإله إيل وغرهم، ويستدل على عبادتهم لهذه الآلهة أسماء الأعلام التي وجدت في النقوش العمونية والتي تكون مقرونة بأسماء هذه الآلهة، كما أثبتت بعض الدراسات الأثرية أن الأردنيين العمونيين عرفوا الإلهة اللات.

وفي إحدى التفسيرات للتنوع الشديد في الآلهة المعبودة في المملكة الأردنية العمونية، حيث وجد إشارات لآلهة مختلفة في المنازل الأردنية العمونية، إلى وجود تسامح ديني يتقبل الديانات والآلهة الأخرى، ويعتقد أن اختلاط الزواج كان أحد أهم مصادر تنوع الآلهة المعبودة في ذلك الوقت، حيث يسمح للزوجة الغير عمونية أن تحافظ على ديانتها.

الإله الأردني العموني ملكوم

قارورة تل سيران

ورد اسم الإله العموني ملكوم في العديد من المصادر المستخدمة في توثيق تاريخ المملكة الأردنية العمونية، حيث ورد في النقوش العمونية، كما وجد مقروناً بأسماء أعلام عمونية، بالإضافة إلى وروده بالمصادر التاريخية حيث يذكر أن معبداً للإله الأردني العموني ملكوم بني بجانب معبد للإله الأردني المؤابي كموش في المملكة الإسرائيلية زمن الملك سليمان، الأمر الذي أثار غضب رجال الدين اليهودي آنذاك.

ويذكر أن معبداً رئيسياً للإله ملكوم بني في (ربة عمون) يحتوي على مذبح تقدم به القرابين، ووجد أيضاً في ذلك الموقع مباخر فخارية.

ويعتقد بأن بناء معبد للإله الأردني العموني ملكوم هو من واجبات الملك، الذي تناط به أعلى سلطة دينية بجانب سلطته السياسية كملك.

المعابد الأردنية العمونية

مقطع من جبل القلعة (ربة عمون)

وُجِد في الحفريات التي قامت في جبل القلعة (ربة عمون) آثار مبنى ضخم، يحتوي على مذبح أكد العديد من الدارسين أنه المعبد الرئيسي للمدينة، ومع شح المعلومات حول المعابد الأردنية العمونية، استخدم هذا المبنى للاستدلال على تصميم تقريبي للمعابد الأردنية العمونية، حيث يتقدم المعبد ساحة كبيرة يعتقد بأنها وجدت ليتجمع بها المصلون، كما وجدت آثار مذبح لتقديم القرابين، وبعض المباخر الفخارية.

الممارسات العقائدية والديانة الأردنية العمونية

صورة لتماثيل عمونية، متحف الآثار الأردني/ جبل القلعة

تعد الممارسات العقائدية من أهم الخصائص الإثنية لأي مجتمع، والجدير بالذكر أن الممارسات العقائدية في العصر الذي وجدت به المملكة الأردنية العمونية، كانت تشمل إلى جانب الطقوس الدينية، أشكالاً من الفنون مثل التماثيل والنصوص المكتوبة، وعادات الدفن وغيرها.

إن التنوع الموجود في طرق الدفن التي مارسها أجدادنا الأردنيون العمونيون يدل على التباين الاجتماعي، ويدل أيضاً على وجود أنماط ثابتة من الدفن تعود إلى بنية عقائدية ثقافية واحدة، وقد تنوعت أشكال المدافن من الكهوف الطبيعية إلى الكهوف الصناعية، وصولاً إلى توابيت فخارية على شكل بشري، وكان هنالك أيضاً اختلاف في طرق الدفن بين الرجال والنساء، حيث يدفن الرجال ممدّدين بصورة كاملة، بينما تدفن المرأة منحنية مع حليها.

ووجد أيضاً تأثراً عقائديا بمصر، في بعض التماثيل، حيث عثر على تماثيل تحمل لمسات مصرية، يعزى هذا التأثر بالاحتكاك التجاري القائم بين الأردنيين العمونيين والمصريين في ذلك الوقت.

لا تختلف الديانة الأردنية العمونية في شكلها عن الديانات السائدة في المنطقة في ذلك العصر، حيث يوجد إله وطني رئيسي وهو في حالة الأردنيين العمونيين الإله ملكوم، بالاشتراك مع عدد من الآلهة المشتركة في المنطقة، وهذا التقاطع في الديانات في تلك الحقبة الزمنية يعود إلى عدة عوامل من بينها نمط الإنتاج المتشابه بين الشعوب، وحجم المعرفة المتشابه الذي يحيل إلى تفسير الظواهر الطبيعية بشكل متقارب، بالإضافة إلى التأثر بمعتقدات الشعوب الأخرى عبر التبادل التجاري أو الحروب والتحالفات وما للإمبراطوريات الكبرى من تأثير ملموس بطبيعة الحال.

ويسود اعتقاد لدى بعض الباحثين أن الطقوس الدينية الأردنية العمونية والمؤابية متشابهة إلى حد بعيد، يصل إلى أن تكون ديانة واحدة يختلف بها إسم الإله الوطني بين ملكوم العموني وكموش المؤابي.

المراجع

  1. كفافي ، د. زيدان عبد الكافي (2006 )، تاريخ الأردن وآثاره في العصور القديمة ( العصور البرونزية و الحديدية) ، دار ورد ، عمان .
  2. جتاوية، نداء (2012)، مفهوم الإثنية في علم الآثار: دراسة تحليلية للمالك (عمون، مؤاب، أدوم) في الأردن خلال العصر الحديدي. رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.
  3. غوانمة، د. يوسف درويش (1979)، عمان حضارتها وتاريخها، دار اللواء للصحافة والنشر، عمان.
  4. أبحاث إرث الأردن،ملامح الديانة المؤابية الأردنية

ملامح الديانة الأردنية العمونية

مقدمة

مقطع من جبل القلعة (ربة عمون)

في بدايات العصر الحديدي الثاني انتقل أجدادنا الأردنيون الأوائل من التنظيم السياسي المسمى (المُدن الدول) وهي مجموعة من المدن تشكل كل منها دولة بحد ذاتها إلى تنظيم سياسي أكثر تطوراً وتعقيداً وهو (الدول الوطنية ذات السيادة على أرضها)، وهو شكل يعتمد على اتحاد قبلي ريفي مع مجموعة من المدن يفرض سيادته على كامل الإقليم المكوِّن للدولة، ويحمل روحاً وطنية تدفع الجميع داخل هذه الدولة للحفاظ على منتجهم الثقافي والحضاري، ومصالحهم المشتركة بطبيعة الحال، وقد أنشأ أجدادنا الأردنيون الأوائل ثلاث ممالك من نهر الزرقاء شمالاً حتى صحراء الحسمى جنوباً (عمون، مؤاب أدوم) وتعتبر نشأتهم المتزامنة والمشتركات الثقافية دليلاُ على تطور متوازٍ يُعزى إلى وجود جذر مشترك ضارب في عمق التاريخ.

في هذا البحث نحاول الإشارة إلى عدد من العناصر الإثنية الغالبة على المجتمع الأردني العموني والذي نسعى أن يكون إسهاما ولو بسيطاً في مراكمة المعرفة حول الجذور الإثنية للمالك الأردنية الثلاث بشكل عام والمملكة الأردنية العمونية بشكل خاص.

مفهوم الإثنية

الإثنية أو الجماعة الإثنية، هي مجموعة من الناس، يتشاركون في الأصل، والعادات والتقاليد، والنظم الرمزية مثل الميثولوجيا والفنون، وتجمعهم مصلحة مشتركة، ويتواجدون غالباً في حيز جغرافي واحد، وهذا المفهوم ليس مفهوما مؤطراً تماماً، ولا تعني الإثنية أنها مجموعة محصورة من الناس لا تربطها أي علاقات بمن هم حولها، ولا يعبر عنها دائماً بشكل سياسي.

ومفهومنا في هذا البحث للإثنية يعنى بدراسة المميزات الثقافية للمجتمع الأردني العموني عبر دراسة اللقيات الأثرية، وتحليل نمط العمران والبناء، واللغة، الأدومية، ككيان سياسي منفصل، يحمل صفاته الثقافية الاجتماعية التي تميزه عن محيطه.

اللغة الأردنية العمونية

قارورة تل سيران

استطاع علماء الآثار الدارسين للقيات الأثرية العمونية التي تحمل نقوشا، مثل قارورة تل سيران وبعض الأختام، وبعض الخربشات على قطع فخارية، من تحديد بعض خصائص اللغة الأردنية العمونية، وخصوصا الخط العموني، وقد وجدوا بعض التأثيرات من الخط الآرامي، بالإضافة إلى خصائص مشتركة مع الخطوط الأردنية المؤابية والأدومية، وبطبيعة الحال فإن اللغة الأردنية العمونية تصنف من ضمن ما يسمى اللغات السامية، أو أنها تعود إلى الجذر اللغوي الرئيسي التي تفرعت منه اللغات المحكية في جنوب غرب آسيا أو شرق المتوسط.

الممارسات العقائدية والديانة الأردنية العمونية

صورة لتماثيل عمونية، متحف الآثار الأردني/ جبل القلعة

تعد الممارسات العقائدية من أهم الخصائص الإثنية لأي مجتمع، والجدير بالذكر أن الممارسات العقائدية في العصر الذي وجدت به المملكة الأردنية العمونية، كانت تشمل إلى جانب الطقوس الدينية، أشكالاً من الفنون مثل التماثيل والنصوص المكتوبة، وعادات الدفن وغيرها.

إن التنوع الموجود في طرق الدفن التي مارسها أجدادنا الأردنيون العمونيون يدل على التباين الاجتماعي، ويدل أيضاً على وجود أنماط ثابتة من الدفن تعود إلى بنية عقائدية ثقافية واحدة، وقد تنوعت أشكال المدافن من الكهوف الطبيعية إلى الكهوف الصناعية، وصولاً إلى توابيت فخارية على شكل بشري، وكان هنالك أيضاً اختلاف في طرق الدفن بين الرجال والنساء، حيث يدفن الرجال مُمَددَين بصورة كاملة، بينما تدفن المرأة منحنية مع حليها.

ووجد أيضاً تأثراً عقائديا بمصر، في بعض التماثيل، حيث عثر على تماثيل تحمل لمسات مصرية، يُعزى هذا التأثر بالاحتكاك التجاري القائم بين الأردنيين العمونيين والمصريين في ذلك الوقت.

لا تختلف الديانة الأردنية العمونية في شكلها عن الديانات السائدة في المنطقة في ذلك العصر، حيث يوجد إله وطني رئيسي وهو في حالة الأردنيين العمونيين الإله ملكوم، بالاشتراك مع عدد من الآلهة المشتركة في المنطقة، وهذا التقاطع في الديانات في تلك الحقبة الزمنية يعود إلى عدة عوامل من بينها نمط الإنتاج المتشابه بين الشعوب، وحجم المعرفة المتشابه الذي يحيل إلى تفسير الظواهر الطبيعية بشكل متقارب، بالإضافة إلى التأثر بمعتقدات الشعوب الأخرى عبر التبادل التجاري أو الحروب والتحالفات وما للإمبراطوريات الكبرى من تأثير ملموس بطبيعة الحال.

ويسود اعتقاد لدى بعض الباحثين أن الطقوس الدينية الأردنية العمونية والمؤابية متشابهة إلى حد بعيد، يصل إلى أن تكون ديانة واحدة يختلف بها فقط اسم الإله الوطني بين ملكوم العموني وكموش المؤابي.

نمط البناء الأردني العموني

سوف نعتمد في دراسة نمط البناء في هذا البحث على جزئيتين أساسيتين تشكلان تمايزاً بين الشعوب في أنماط بنائهم، وهما (تقنية البناء، مخطط البناء).

أ. تقنية البناء

تقنية بناء “Boulder and Chink”
(Daviau 1999: Fig 5:1)

إن دراسة تقنية البناء في المواقع الأثرية تعتمد على عدة عوامل مجموعها يؤشر إلى صورة عامة عن التقنية أو التقنيات التي استخدمت في البناء في ظل ثقافة معينة، مع العلم بأن التقنيات المستخدمة في البناء في دولة معينة في ذلك العصر تتباين على حسب المحتوى البيئي للمناطق المختلفة، والحالة الاجتماعية والاقتصادية، كما تتباين بين المدن والريف.

في المواقع الأثرية العائدة لأجدادنا الأردنيين العمونيين، تم ملاحظة عدة تقنيات مستخدمة في البناء بين (المواد الخام المستخدمة، طرق بناء الجدران الداخلية والخارجية، طرق بناء الأسقف، وكيفية رصف الأرضيات).

الطابع العام الملاحظ في بناء الجدران في المملكة الأردنية العمونية، يدل على أن الحجارة الكلسية والصوانية الكبيرة الحجم استخدمت في بناء التحصينات الخارجية، فيما استخدمت الحجارة الكلسية في بناء المنازل، في حين استخدم الطوب في بناء الطوابق العلوية من المنازل، كما رُفِعَت السقوف باستخدام عمدان خشبية تستند إلى قواعد حجرية، واستخدم أيضاً عدة طرق لرصف الأرضيات، منها الطين المدكوك، أو الشيد أو البلاستر على الأرضية الطبيعية، فيما استخدمت البلاطات الحجرية في مواقع أخرى.

إن تقنية البناء التي استخدمها أجدادنا الأردنيين العمونيين لبناء جدران المنازل تسمى Boulder-and-Chink حيث تستخدم الحجارة الضخمة في بناء الجسم الرئيسي للجدار فيما تستخدم الحجارة الصغيرة لسد الفراغات، ويبنى الجدار من صفين متوازيين.

ب. مخطط البناء

يعد مخطط البناء عنصراً مهماً من عناصر الإثنية، حيث أن مخطط البناء يدل على الحالة الاقتصادية والاجتماعية لدى شعب معين، كما أن لها مؤشرات ثقافية عديدة، وفي هذا البحث سوف نقوم بالإشارة إلى مخططات البناء الخاصة بالمباني السكنية والتي تنقسم بشكل عام إلى ثلاث مخططات رئيسية (المنازل متعددة الغرف، المنازل ذات الأعمدة، المنازل على شكل حرف T).

  1.      المنازل متعددة الغرف
رسم يمثل مخطط بناء متعدد الغرف في المملكة الأردنية العمونية- موقع جاوة الجنوبي
(Daviau 2003: Fig.72)

يتميز المنزل متعدد الغرف بتشكيله أساساً من العديد من الغرف التي قد تتجاوز العشرة غرف في بعض الأحيان، ويدل هذا الأمر على اتساع العائلة ونمط العائلة الممتدة التي تسكن جميعها في نفس المنزل.

  1.      المنازل ذات الأعمدة

يتكون المنزل ذو الأعمدة أيضاً من العديد من الغرف، ولكنها تحيط بساحة رئيسية واسعة، كما أن هذا المنزل يحتوى على طابق ثانٍ مرفوع بأعمدة، ويؤكد أيضاً هذا البناء على نمط العائلة الممتدة، وقد يكون وجود ساحة واسعة في المنتصف لممارسة النشاطات اليومية المختلفة دليلاً على حالة اقتصادية جيدة.

  1.      المنازل على شكل حرف T
رسم يمثل مخطط بناء على شكل حرف، في المملكة الأردنية العمونية- موقع جاوة الجنوبي
(Daviau 2003: Fig.910)

يتكون هذا المخطط من بناء المنازل بشكل رئيسي من ثلاث غرف متوازية يفصل بينها ممر، ويوجد رأي لدى بعض الباحثين بأن هذا المبنى ليس سكنياً بشكل رئيسي بل هو مكان لمزاولة مهنة أو حرفة ما.

الفخار الأردني العموني

يعتبر الفخار وصناعته من أهم المميزات بين الشعوب والدول في العالم القديم، حيث أن كل شعب يمتاز بطريقة معينة في صناعة الفخار، واستخداماته، وزخارفه وألوانه، حسب البيئة والطبيعة، والاحتياجات، والمواد الأولية المتوافرة، وقد كان هنالك تمايز بسيط أحياناً بين فخار الشعوب ذاتها، حسب المنطقة والطبقة الاجتماعية، إلا أن الطابع العام لفخار شعب ما يكون متقارب بشكل كبير.

أ‌.        أنواع الأواني الفخارية حسب الشكل والاستخدام

ولقد تعددت أنواع الأواني ىالفخارية على حسب استخداماتها وأشكالها وأحجامها لدى أجدادنا الأردنيين العمونيين.

  1.   الزبادي
  2.   الأطباق
  3.   الأكواب
  4.   قدور الطبخ
  5.   الجرار
  6.   الأباريق
  7.   القوارير
  8.   المصابيح

 

ب‌.    أنواع الزخرفة

  1.      البطانة

استخدم أجدادنا الأردنيون العمونيون اللونين الأسود والأحمر في بطانة أوانيهم الفخارية، واستخدموا البطانة البيضاء الكريمية بشكل نادر وقليل جداً، ويعتبر الفخار الأسود المصقول أحد أهم الميزات الثقافية الأردنية العمونية حيث أنه ينتشر بكثرة في المواقع الأثرية الأردنية العمونية.

  1.      الدهان

استخدم أجدادنا الأردنيين العمونيين الدهان في زخرفة الأواني الفخارية معتمدين اللونين الأبيض والأسود بشكل أساسي إما منفردين أو معاً، كما استُخدِم اللونين الأحمر والبني بشكل أقل، على شكل أشرطة وخطوط أفقية ، كما انتشرت زخرفة الشبكة التي تعتبر قاسماً مشتركا بين أجدادنا الأردنيين في الممالك الأردنية الثلاث (أدوم، مؤاب، عمون).

العلاقة بين الممالك الأردنية الثلاث (أدوم، مؤاب، عمون)

نشأت الممالك الأردنية القديمة الثلاث (أدوم، مؤاب، عمون) في ذات الوقت، أي مع بداية العصر الحديدي الثاني، وفي ظل ظروف متشابهة، وكان الانتقال من حالة الدولة المدينة إلى دولة الأمة أو الدولة الوطنية متزامناً، وقد تشابه طبيعة النشاط الاقتصادي بين شعوب هذه الممالك بشكل ملفت، والأهم من ذلك أن الخط واللهجات كانت متقاربة بين شعوب هذه الممالك بشكل كبير جداً.

فضلاً عن ذلك فقلّ ما دخلت هذه الممالك في صراعات بينية، بل على العكس من ذلك كانت تربطهم علاقات جيدة، وقد اشتركوا بالعداء تجاه شعوب وممالك مجاورة، حيث أن الأردنيين الأدوميين انتصروا على مملكة يهوذا عقب النصر العظيم الذي حققه الملك المؤابي الأردني المؤابي ميشع على اليهود.

هذه المؤشرات جميعاً تدلل بشكل أو بآخر، على أن هناك صلات قرابة، أو جذر واحد، يجمع أجدادنا الأردنيين في الممالك الأردنية القديمة، وأن ما حدا بهم أن ينشؤوا ممالك مختلفة، ظروف سياسية واقتصادية عديدة، لكن المؤشر الأهم يدلل على توافر البذرة الأولى لنشوء هوية وطنية واحدة جمعت هذه الشعوب والقبائل الأردنية القديمة .

سبب تسمية المملكة الأردنية العمونية

جانب من الجدار الذي يحيط بمدينة ربة عمون

لا تذكر أي من المصادر المعروفة سبباً أو معنىً واضحاً لتسمية عمون إلا أن الاستنتاجات غالبها تصب بأن عمون هو اسم يدل على قبيلة أو تجمع قبائل أردنية كانت العصبة الرئيسية التي نشأت على أساسها المملكة الأردنية العمونية ونسبت الدولة والعاصمة لهم، حيث يذكر اسم المملكة الأردنية العمونية في العديد من المصادر كمملكة بني عمون، وتذكر العاصمة الأردنية العمونية (ربة عمون) كربة بني عمون.

المراجع 

  1. جتاوية، نداء (2012)، مفهوم الإثنية في علم الآثار: دراسة تحليلية للمالك (عمون، مؤاب، أدوم) في الأردن خلال العصر الحديدي. رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.
  2. كفوف، نجاة ثلجي سعد(1995)، ملوك بني عمون،  رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة اليرموك، اربد، الأردن.
  3. أبحاث إرث الأردن،مملكة أدوم الأردنية – العناصر الإثنية
  4. أبحاث إرث الأردن، ملامح الديانة الأردنية العمونية.

المملكة الأردنية العمونية – العناصر الإثنية

مقدمة

تُعرَّفُ آلات النفخ الموسيقية على أنها الآلات التي يصدر منها الصوت عبر مرور الهواء من خلال أجزائها، وتعتبر الآلات النفخية أوّل الآلات الموسيقيّة التي عرفها الإنسان في التاريخ، إذ كانت الرياح التي تمر بين ثقوب خشب الأشجار والصخور والعظام تصدر صفيرًا لَفَت سمع الإنسان وجعله لاحقًا يستفيد منه في صنع نماذج بدائية لآلات نفخية أحاديّة الصوت يستخدمها لمحاكاة أصوات الطبيعة، ثم اهتدى لاحقاً إلى فكرة إحداث الثقوب في الأنابيب لإخراج عدة أصوات من الأنبوب الواحد، ومع مرور الزمن وتطوّر الحضارة الإنسانيّة ظلت هذه النماذج تتطوّر حتى أفضت إلى ابتكار آلات موسيقيّة نفخية مازالت حتى يومنا هذا تُستخدم في أداء الموسيقى.

عرف الإنسان الأردني، منذ أزمانٍ بعيدةْ، الآلات الموسيقيّة، صُنعًا وتطويرًا وأداءً، ودلّت الآثار التاريخيّة على أهميّة الموسيقى في الحضارات الأردنيّة القديمة، وكنا قد تناولنا في أبحاث سابقة الموسيقى عند الأردنيين الأنباط ودور المرأة النبطية في الحياة الموسيقيّة آنذاك. فيما نتناول في هذا البحث الآلات النفخية الأردنيّة التي عرفها الأردنيون قديمًا ولازالت تُستخدم لمرافقة الغناء والرقصات الشعبيّة والعروض الرسميّة، وهي : الشبّابة، المجوز، اليرغول، والقربة.

الشبابة

أو الشُّبّيبة، وهي آلة نفخية تمتاز بصوت الصفير العذب، موجودة منذ حضارة الأردنيين الأنباط، إذ ظهرت في لوحة يعزف عليها طفلٌ مُجنَّح يُعتقد أنه الإله بان، ويرى باحثون أنها الآلة التي تطوّرت عنها نماذج أدّت إلى ظهور آلة الناي و Flute الشهيرتين في الشرق والغرب.

لوحة نبطية يُعتقد أنها للإله بان

تُصنعُ الشبّابة من القصب (القُصّيب)، وتتكون من قصبة واحدة مستقيمة وجوفاء، مفتوحة الطرفين، ويتم ثقبها في خمس أو ست مواضع على ظهرها، وتكون الثقوب متساوية الاتساع وتفصل بينها أبعادٌ محدّدة. وبالرغم من نضوب مجاري المياه الطبيعيّة في الأردن وندرة القصب الذي ينبت على حوافّ الأنهار والسيول، لم يخفت اهتمام الأردنيين بهذه الآلة، بل لجؤوا لصناعتها من مواد صناعيّة بلاستيكيّة أو معدنية للحفاظ على وجودها بين الآلات الموسيقيّة الشعبيّة.

تُعتبرُ آلة الشبّابة الأكثر انتشارًا في الأردن، إذ أنها حاضرة وبقوّة في الأرياف والبوادي على حدٍّ سواء، فهي في الرّيف من الآلات التي ترافق الدبكات، في حين أنها في البادية ونيسة الراعي ورفيقة دربه في المنحدرات والأودية وفضاءات الرّعي الواسعة.

الراعي الفتى يعزف على شبّابته أثناء الرعي في ربوع الأغوار الأردنية عام 1914

هناك العديد من الألوان الغنائية الأردنيّة مثل الدلعونا والزجل والعتابا وظريف الطول ويا علّا .. وغيرها من الألوان الغنائية التي يزدحم بها الإرث الموسيقيّ الأردني، يرتبط غناؤها بمرافقة آلة الشبابة حصرًا دونًا عن الآلات النغمية الأخرى، وبالذات في شمال الأردن، كما أننا نجد الشبّابة حاضرة وبقوّة مع الدبكات الأردنية، ولعل الدبكة التسعاوية الشهيرة في محافظة معان جنوب الأردن نموذجٌ حيٌّ على مرافقة الشبّابة للدبكات.

يكون العزف على الشبّابة بواحدةٍ من الطريقتين التقليديتين المتعارف عليهما في الأردن، الأولى أن يضع العازف الفتحة العلوية للشبّابة على الشفّة السفلى لفمه وينفث الهواء بشكلٍ جانبيٍّ، وهي طريقةٌ شبيهة بآلية العزف وإخراج الصوت من آلة Flute التي تعتبر من أهم آلات النفخ في الأوركسترا السّيمفوني. أما الطريقة الثانية فتكون بأن يضع العازف الفتحة العلوية لأنبوب الشبّابة على نابه العلوي، وهذه الطريقة مريحة أكثر للعازف بحيث لا تتسبّب بإجهاد شفتيه أو تعرّضهما للإصابات خصوصًا عند العزف لفترات طويلة وبشكل متواصل. ينحصر المدى الصوتي لآلة الشبّابة بين ست وسبع نغمات موسيقيّة بالكاد تمثّل سلّمًا موسيقيًا كامل الدرجات، ويمكن الوصول إلى عدد نغمات أكبر من ذلك بحسب مدى براعة العازف واحترافيّته وقدرته على مضاعفة قوّة النفخ وشدّ الشفاه للحصول على نغمات عالية تُدعى بالـ “جوابات”. وكمثل آلة الربابة التي يصنعها عازفها بنفسه، فإن ثمة علاقة خاصة بين عازف الشبّابة وشبّابته تنعكس على أدائه الموسيقي عليها، لذا فإنه يصعب عليه إعارتها لغيره، أو العزف على شبّابة أخرى، ويعود ذلك للثقة الآتية من الاعتياد على مقاسات الآلة وطبيعة صوتها التي تعتمد على الاختلاف البسيط في المقاسات والتفاصيل وجودة الخشب من شبّابة لأخرى.

المجوز

تعتبر آلة المجوز في المرتبة الثانية بعد الشبّابة من حيث مدى انتشارها، ويرتبط أداؤها بالدبكات والرقصات الريفيّة، ويكاد لا يكون لها وجودٌ في البادية. والمجوز هي آلة نفخية تمتاز بصوتها القوي والصادح، وتُصنَع قديمًا من القصب وعظام النّسر، وحديثًا من المواد الصناعية مثل المعدن والبلاستيك.

تدل الآثار المُكتشفة عن حضارة الأردنيين الأنباط على وجود آلة المجوز منذ ذلك الزمن وحتى يومنا هذا، إذ ظهرت هذه الآلة في التمثال الشهير الذي يمثّل أول فرقة موسيقية أردنية مكتشفة في التاريخ، يعزف عليها أحد العازفين الذكور وعلى جانبيه إمرأتان موسيقيتان تعزفان على القيثارة والخرخاشة، ويُعرف المجوز في المراجع والكتب المتخصصة في الآثار والتي تشرح تفاصيل هذا التمثال على أنه “الناي المزدوج”، في إشارة واضحة لأصول تسمية المجوز الذي نعرفه اليوم.

رسم توضيحي لتمثال نبطي يمثّل أول فرقة موسيقيّة أردنيّة يظهر فيها المجوز ويُعرف بالناي المزدوج

يصنعُ آلة المجوز عادةً عازفُها بنفسه، وتتكوّن بشكل رئيسي من أنبوبتين متساويتي الطّول، ملتصقتان ببعضهما البعض بواسطة شمع العسل الذي يُذاب ويُستخدم كمادة لاصقة، وتتكون آلة المجوز من مكوّنات فرعية هي كما يلي :

  • البنيّات : وهما قصبتان رفيعتان مكونتان من عقلتين صغيرتين من قصب الغاب (البوص)، طول الواحدة منها حوالي 5 سم وقطرها 1 سم، تكونا مفتوحتين من أحد الطرفين ومغلقتين من الطرف الآخر، لكنّهما مشقوقتان طوليًا عند الطرف العلوي المُغلق، ووظيفة هذا الشق هو إصدار الصوت ذات الطابع التزميري، فتصبح هاتان البنيّتان بمثابة الزمّارة (الزمّيرة)، أو الجزء المصوّت الذي يصدر منه صوت المجوز الأساسي. وبمعنى آخر فإنه من الممكن اعتبار البنيّات على أنها (Mouth Piece ) في المجوز.
  • العرايس : وهما قصبتان من خشب الغاب (البوص)، وتمثلان حلقة الوصل بين البنيّات واللعّابات، تدخل كل عروسة في واحدة من البنيّات من طرفها العلوي، وبإحدى اللعّابتين من الطرف السفلي.
  • اللعّابات : وهما قصبتان ملتصقتان طول الواحدة منهما تقريبًا 30 سم، واللعابة هي الأنبوب الذي يصل إليها الصوت الصادر من البنيّات عبر العرايس، ويتضخم فيهما عبر ارتجاجه في الجدار الداخلي لكلّ لعّابة. وعلى الوجه العلوي لللعّابتين خمس أو ست فتحات متساويات في القطر وفي الأبعاد التي تفصل بينها.

يكون المدى الصوتي لآلة المجوز بالعادة بين 5 إلى 6 نغمات، بعدد الثقوب الموجودة على ظهر اللعابتين، مضافًا إليها نغمة أخرى هي الصادرة من خلال الفتحتين الرئيسيتين السفليتين لهما. ويصدر الصوت من آلة المجوز عبر اصطدام الهواء الذي ينفخه العازف ويدفع به عبر البنيّات، والتي سبق وأن وضحنا في أعلاه أنهما الجزء المصوّت في آلة المجوز، وينتج عن اهتزاز الهواء في البنيّات صوت الزمير الذي ينتقل عبر العرايس إلى اللعّابات ليتم تضخيمه فيهما، وعندئذٍ تكون النغمة الصادرة هي النغمة الأساس للآلة، يتم تغييرها من خلال سد وفتح الثقوب الموجودة على ظهر اللعابتين بواسطة أصابع العازف. وتتميّز آلة المجوز بأنها تُصدر صوتًا مكررًا من الأنبوبتين معًا في نفس اللحظة  (Unison)، وهذا هو السر الصوتي لآلة المجوز والتي يميّزها عن الشبّابة. يتطلب العزف على آلة المجوز استخدام تقنية تدوير الهواء من قِبَل العازف، وهي تقنية ليست بالسهلة، إذ يقوم العازف بتزويد رئتيه بالهواء عبر الأنف في الوقت نفسه الذي يقوم به بنفخ الهواء عبر فمه، ويمكن تحقيق ذلك من خلال جعل الفم مخزن للهواء المدفوع بقوّة عضلات الوجه لحين انتهاء عملية الشهيق من الأنف.

اليرغول

آلة اليرغول هي الآلة الأقل انتشارًا بالمقارنة مع الشبّابة والمجوز، وعلى الرغم من ذلك فهي مشهورة ومعروفة في المناطق الشمالية والوسطى وبنوعٍ خاصٍ في الأغوار الأردنية، ويمكن القول أن اليرغول قد تكون آلة تطوّرت مع الزمن عن آلة المجوز، وذلك بالنظر إلى شبه التطابق الكلّي في المكوّنات الرئيسية وأسلوب العزف عليها والتشابه الكبير في الصّوت الناتج عن الآلتين، وأيضًا؛ فإن اليرغول كالمجوز، آلة يتم العزف عليها لمرافقة الأغاني والأهازيج والدبكات والرقصات التي تؤدّى في مناطق انتشارها.

تُصنع آلة اليرغول من ذات المكوّنات التي تُصنع منها آلة المجوز، وتتكوّن من ذات الأجزاء الرئيسيّة التي في المجوز، من البنيّات، العرايس. إلا أن ما يميّز اليرغول هو وجود لعّابة واحدة فقط، وبجانبها لعّابة طويلة أخرى تُدعى الدوّاية، وسبب تسميتها بهذا الاسم لأنها تحافظ على دوي صوت ثابت طيلة العزف، بينما تقوم اللعّابة بنفس الدور الذي تؤديه في المجوز، ويكون طول اللعّابة في اليرغول كما في المجوز، إلا أن الدوّاية يتجاوز طولها 30 سم ولا يتم ثقبها بأية ثقوب، وتكون صفة الصوت الصادر من الدوّاية أنه صوت غليظ مستمرّ لا يتغيّر يُعطي نغمة القرار (3) للمقام الموسيقي الذي تؤدّى عليه المعزوفة أو اللحن.

القربة

في السياق الذي يتصل بتميّز السلوك الموسيقي الأردني بصفة الانفتاح والتفاعل الإيجابي مع الحضارات الأخرى منذ عهد الأردنيين الأنباط الذين أخذوا نماذج موسيقيّة من حضارات أخرى وتبنّوها وصارت جزءًا من ثقافتهم الموسيقيّة، فإن آلة القربة نموذج معاصر على هذا السلوك المتجذّر في الشخصيّة الأردنية.

دخلت آلة القربة إلى عائلة الآلات النفخية الأردنية واشتهرت من خلال فرقة موسيقات القوّات المسلّحة الأردنيّة، والتي تشكّلت أولى أنويتها مع طلائع جيش التحرير الذي قاد معارك الثورة العربيّة الكبرى للتخلّص من نير الاحتلال العثماني، وقد أخذتها الفرق العسكرية الأردنية الأولى عن الجيش البريطاني الذي كان حليفا لقوات الثورة، ولاحقاً بموجب الانتداب كان يُشرف على تدريب نواة القوات المسلحة الأردنية. وآلة القربة أو Bagpipes هي آلة نفخية رئيسية في موسيقات الجيش البريطاني، إلا أنها في الأردن ومع مرور الزمن تزيّن صوتها بأداء الألحان التراثية والمارشات العسكريّة الأردنية، حتى بات طابعها الصوتيّ في فرق وأوركسترا موسيقات الجيش الأردني متميّز عن نظيرتها البريطانيّة في الرّوح الأدائيّة والإيقاعيّة للألحان التي تُعزَف عليها.

تتكوّن آلة القربة من المكوّنات التالية :

  • أنبوب الهواء : يضعه العازف على فمه ليقوم بتزويد القربة بالهواء.
  • القربة : وهي مخزن الهواء الذي يقوم بتوزيعه على مخارج الآلة التي تصدر منها الأصوات.
  • اللعّابة : وتُسمّى باللغة الإنجليزية Chanter، وهي أنبوب يحتوي على عدد من الثقوب، ويتصل بأسفل القربة، يضع عليه العازف أصابع يديه ليقوم بتنغيم الصوت الصادر عن اهتزاز ريشة العزف Reed Chanter ومروره بالأنبوب.
  • الدوّايات : وبالإنجليزية تُسمّى Drones، وهي أنابيب طويلة تخرج من أعلى القربة، وتُصدر أصواتًا ثابتة طيلة العزف، وتشبه بدورها ما تقوم به الدوّاية في آلة اليرغول. وفي الوقت الذي تمتلك فيه القربة الإنجليزية التراثية دوّاية واحدة، فإن القربة الأردنية والمأخوذة عن الاسكُتلندية فإنها تمتلك عدّة دوّايات.
فريق الموسيقى النسائي في سلاح موسيقات القوات المسلّحة الأردنية

تمثّل القربة اليوم آلة نفخية مهمّة في موسيقات القوّات المسلّحة الأردنيّة، وهي تعزف ألحانًا هامة في البرنامج الموسيقيّ العسكري، الذي تمثّل ألحانه طقوسًا ومراسم عسكرية متنوّعة في الاستعراضات الاحتفالية والجنائز العسكريّة وغيرها. كما أن أجيالاً من المتقاعدين العسكريين من سلاح الموسيقات ساهموا بنقلها إلى الحياة المدنيّة، من خلال تشكيل فرق الاحتفالات الشعبيّة التي ترتبط بمناسبات الزفاف والتخرّج. كما أن القربة باتت اليوم الآلة الموسيقية الرئيسية في فرق الكشّافة والشبيبة الكنسية، وتؤدّى عليها العديد من الألحان الوطنية والشعبيّة في الاحتفالات الكنسية واستقبال رجال الدين المسيحي رفيعي المستوى خلال زياراتهم الرعوية للأردن.

تعريف مفردات البحث

  • Mouth Piece : أي قطعة الفم، وهي إحدى أجزاء الآلات النفخية (الخشبيّة والنحاسية) التي يتم تركيبها عند أعلى الآلة ليضعها العازف على فمه ويتمكّن من نفخ الهواء عبرها لتصدر الصوت منها وينتقل إلى تجويف جسد الآلة النفخية ويتضخّم فيه.
  • Unison : عزف أو غناء نغمتين بنفس الدرجة الصوتية في آنٍ معًا.
  • نغمة القرار : النغمة الأساس في المقام والسلّم الموسيقي، وتُسمّى أيضًا بدرجة الرّكوز.

المراجع

  • غوانمة، محمّد، آلات النفخ الموسيقيّة الشعبيّة في الأردن، جامعة اليرموك، إربد، الأردن.
  • حجاب، نمر حسن، الأغنية الشعبيّة في عمّان، 2003، موسوعة عمّان التراثيّة (5)، منشورات أمانة عمّان الكبرى، عمّان، الأردن.
  • الخشمان، مصطفى، الأغاني الأردنيّة في الجنوب، 2016، وزارة الثقافة الأردنيّة، عمّان، الأردن.
  • الزّعبي، أحمد شريف، الأغاني الشعبيّة الأردنيّة، 2015، وزارة الثقافة الأردنيّة، عمّان، الأردن.

آلات النفخ الموسيقيّة الأردنية

تمهيد

استكمالا لسلسلة أبحاثنا المتعلقة بعلم الفلك الشعبي الأردني، نسلط الضوء في بحثنا هذا على أبرز المجالات التي تم توظيف النجوم فيها وهو الاستدلال بالنجوم حيث أن أجدادنا الأردنيون استطاعوا بفضل علمهم واستنتاجاتهم أن يستفيدوا من النجوم بعدة مجالات، أهمها معرفة الاتجاهات كما سنورد في بحثنا هذا.

مقدمة

كان السفر في الصحراء ولا زال لغير العالِمين بها مغامرة ومخاطرة كبيرة، فمن يسافر في الصحراء أمامه عدد كبير من التحديات، وبالرغم من أن الأردنيين من سكان البادية لديهم ما يكفي من الخبرة في التعامل مع الصحراء لكنهم بالطبع احتاجوا لدليل قاطع يساعدهم ويرشدهم لوجهاتهم، لذا استعان الأردنيون بالطبيعة بكل ما تتيحه لهم من دلالات وعلامات؛ فمثلاً استعانوا باتجاه الرياح عن طريق اتجاه تراكم الأتربة تحت الأشجار واستدلوا على اتجاه الماء من تراكمات الطين والأهم من هذا كلهُ مدى معرفتهم بمطالع الشمس ومسارت النجوم.

أهم نجوم الاستدلال لدى الأردنيين

معظم النجوم التي يستفاد منها في هذا المجال تلك النجوم التي تعبر طرفي القبة السماوية الشمالي والجنوبي، لأن هذه النجوم تبقى في ناحية واحدة ثابتة من من طلوعها لمغيبها وتبقى في ناحية واحدة من السماء ولا تعبر وسطها، فلذلك تدل دائما على قطب من أقطاب الأرض بينما الطلوع والغياب يدلان على الشرق والغرب وسوف نسلط الضوء في بحثنا هذا على أبرز هذه النجوم:

نجم الجدي

يعتبر نجم الجدي الدليل الأهم في معرفة الاتجاهات بلا منازع والمرشد الأبرز والبوصلة التي لاتكذب،  فما يميزه هو موقعه في السماء الشمالية فوق مركز القطب ثابتا تقريبا، حيث أنه بعكس النجوم الأخرى لايتحرك لذلك جعلت منه هذه الميزة بوصلة ثابتة ينظر لها كل مسافر، ويسترشد بها في دجى الليل وبالرغم من أهميته إلا أن نوره ليس ساطعا بشكل كبير كنور الشعرى اليمانية أو سهيل مثلاً، فأحيانا يختلط الأمر على من يستدل بهِ بوجود بعض الظروف الجوية التي تحول بين الراصد وبين النجم لذلك استنتج أجدادنا لنجم الجدي بعض الأدلة التي تدل على مكانه في السماء من خلال  النظر لنجمتي الدبة والمراق وهما آخر نجمتين في كوكبة الدب الأكبر (النعايم) ويرسم بينهم خط وهمي ثم إضافة خمسة أضعاف هذا الخط للجهة اليمين للراصد فهذا هو المكان الأكيد والذي لا غبار عليه لنجم الجدي، حيث أن أجدادنا يسموهما الدليلان أو (المرشدان) وذلك لأنهما يدلان على موقع الجدي وفي إحدى القصص التي يتداولها أجدادنا عن هذين النجمين أن قوماً سطوا على أحد الرعاة ونهبوا ماشيته فلما أتتهُ المساعدة (الفزعة) سألوه أي اتجاه سلك المعتدين، فقال أنه لايعلم لكنه سمعهم يرددون شيئا من الشعر وتالياً نص القول:

تصوبوا للجدي والجدي صوبكم

                               ومن تاه منكم يهتدي بالنعايم

كان مقصد الشاعر في البيت السابق أن يرشد معاونيه لاتجاه الشمال فقال لهم (تصوبوا للجدي) أي اجعلوا نجم الجدي أمامكم مباشرة، و(الجدي صوبكم) أي اجعلوا نجم الجدي أمامكم مباشرة (ومن تاه منكم يهتدي بالنعايم) أي من لم يستطع رؤية نجم الجدي فعليه أن يتبع مجموعة النعايم النجمية.

رسم يوضح مكان نجم الجدي وكوكبة الدب الأصغر وذات الكرسي والدب الأكبر في السماء: rajol.net

نجم سهيل

سهيل من أبرز النجوم التي يعرفها الجميع إن لم يكن الأبرز فكان أجدادنا الأردنيون الأوائل يعرفون من خلاله جهة اليمين لأنه يطلع بهذا الاتجاه، فلذلك يسمى أحيانا (سهيل اليماني) فمن يقصد جهة الجنوب لابد أن يهتدي بنجم سهيل بالرغم أنه لا ليس دائم الطلوع.

نجمة الشعرى ونجم السهيل في السماء: slaati.com

كوكبة الدب الأكبر (النعايم – بنات نعش)

لحركة هذه النجوم فوائد عدة، أبرزها:

تقع في القسم الشمالي من القبة السماوية وكما أسلفنا أنه يستدل على موقع نجم الجدي من نجمي الدبة والمراق اللذان هما من كوكبة الدب.

رسم يوضح شكل مجموعة الدب الأكبر(بنات نعش)  في السماء: rajol.net

 

نجما الفرقدين (الحويجزين) 

يقعان بين نجم الجدي وكوكبة الدب (بنات نعش الأكبر) ويدلان على الشمال.

رسم يوضح شكل مجموعة الدب الأصغر في السماء: rajol.net

العقرب

ومن أبرز نجوم الاستدلال هي مجموعة العقرب حيث أنها تدل على الجنوب الشرقي ومغيبها يدل على الجنوب الغربي، ورأسها يشير للغرب.

الجوزاء

أو مجموعة الجبار ورأسها يدل للشمال دائما.

منزلة النعائم

أحيانا يحصل خلط بين النعائم (بنات نعش) والنعائم (منزلة من منازل القمر) فالأولى هي التي سبق ذكرها وبها يستدل على نجم الجدي والثانية هي المنزلة رقم عشرين من منازل القمر الثماني والعشرين وهي تتبع العقرب في مسارها ويستدل بها على الناحية الجنوبية من السماء.

تحديد الاتجاهات بواسطة مواقع النجوم ومطالعها ومساراتها

إن كل نجمة أو مجموعة نجمية لها مكان أو ناحية من السماء وبواسطة تلك الأماكن والنواحي نستطيع أن نحدد الاتجاهات على الأرض، فمثلاً :

لمعرفة اتجاه الشمال

إن أردنا أن نعرف اتجاه الشمال  نجعل نجم الجدي بين أعيننا وننطلق وبذلك نحفظ خط سيرنا ونضمن عدم الانحراف يمينا أو شمالا.

لمعرفة اتجاه الجنوب

إذا أردنا التوجه نحو الجنوب نجعل نجم الجدي بظهرنا ونتابع المسير أو نجعل مطالع النجوم يسار ومغاربها يمين، وإذا كانت معرفتنا بالنجوم عالية فنستعين بنجم سهيل.

لمعرفة اتجاه الشرق

نجعل نجم الجدي بمحاذاة كتفنا الأيسر ثم نتابع المسير وإذا كانت كوكبة الجوزاء طالعة فسنتأكد أن سيرنا صحيح إذا كانت في هذه الحالة أمامنا ورأسها يشير للشمال وإذا كنا من أصحاب الخبرة الكبيرة بعلم النجوم فسنحدد نجم الشمال ونجعله على يسارنا ونحدد نجوم الجنوب ونجعلها على يميننا أو نعرف وجهتنا بأن نجعل مطالع النجوم أمامنا ومغاربها خلفنا.

لمعرفة اتجاه الغرب

هنا نجعل نجم الجدي محاذي لكتفنا الأيمن ونستطيع أن نستعين بنجوم القطب الشمالي فنجعلها على يميننا ونجوم الجنوب على شمالنا.

لمعرفة اتجاه الشمال الشرقي

نجعل نجم الجدي إلى اليسار من كتفنا أو كتف راحلتنا (سيارة أو دابة، إلخ) ونستعين بمطلع نجوم القطب الشمالي؛ فطلوعها من الشمال الشرقي وأيضا إذا استطعنا تحديد نجم السويبع وكان أسفل كوكبة بنات نعش (الدب الأكبر)  فحتما نحن نتجه إلى الشمال الشرقي.

لمعرفة اتجاه الشمال الغربي

نجعل نجم الجدي إلى اليمين من كتفنا أو كتف راحلتنا (سيارة أو دابة، إلخ) ونستعين بمغيب نجوم القطب الشمالي، وإذا كان نجم السويبع يعتلي بنات نعش فنحن حتما بالاتجاه الصحيح، يقول الشاعر :

وامشوا يسار الجدي بالك تتيهون

                          ترى النعايم سبعة بينات

وفي البيت السابق الشاعر ينصح  بالمشي يسار نجم الجدي لتجنب التوهان ويؤكد الشاعر أن النعايم (كوكبة بنات نعش الكبرى – الدب الأكبر) هن سبعة نجوم واضحة.

لمعرفة اتجاه الجنوب الشرقي

نجعل نجم الجدي خلفنا من اليسار ونتجه نحو مطلع نجم سهيل ونجوم اليمين، وكما قال الشاعر راكان ابن حثلين:

الجدي حطيته بورك المطية

                     وافرق نحرها عن سهيل اليماني

يوضح الشاعر أنه جعل نجم الجدي بجهة دابته (المطية) اليسرى واتجه نحو نجم سهيل أي جعل نجم سهيل أمامه (وافرق نحرها عن سهيل اليماني) ونحر الدابة أي رقبتها.

لمعرفة اتجاه الجنوب الغربي

نجعل نجم الجدي خلفنا من اليمين ونتجه نحو مغيب سهيل ونجوم اليمين.

الاستدلال بمشارق الشمس ومغاربها 

رسم يوضح مشارق ومغارب الشمس على مدار السنة:sites.google.com/site/falakiyat/ibn_alqayyem

الشمس لها مشارق ومغارب تتغير حسب الفصول والمواسم، فشروق الشمس صيفا يدلنا على الاتجاه بين الشرق والشمال الشرقي ويشير ظل شروقها إلى الاتجاه بين الغرب والجنوب الغربي، ويدلنا مغيبها على الاتجاه بين الغرب والشمال الغربي أما ظلها قبل الغروب يشير إلى الاتجاه بين الشرق والجنوب الشرقي، أما عند منتصف النهار (الظهيرة) فظل الزوال يشير إلى الشمال.

وفي الشتاء يدل شروق الشمس على الاتجاه بين الشرق والجنوب الشرقي وظل شروقها إلى الاتجاه بين الغرب والشمال الغربي، ويدل مغيبها على الاتجاه بين الغرب والجنوب الغربي ويشير ظلها قبل الغياب إلى الاتجاه بين الشرق والشمال الشرقي كما أن الشمس في الشتاء تعبر السماء جنوبا.

الاستدلال بالقمر

نستطيع أن نحدد اتجاهنا ليلا من خلال حركة القمر ومساره (إذا كان هلال)، فحركة القمر من الشرق إلى الغرب تدل على الاتجاهات، والجهة المحدبة منه في الأيام الأولى من الشهر تشير لمغيب الشمس وتكون تحت الأفق الغربي، وفي آخر أيام الشهر تشير إلى موقع الشمس تحت الأفق الشرقي أما في أيام التربيع الأول (أحد أطوار القمر) فتشير الجهة المستديرة إلى الغرب، وفي التربيع الثاني فتشير الجهة المستديرة إلى الشرق، حيث أن هذه الطريقة من الطرق التي تحتاج خبرة طويلة بعلم النجوم والفلك الشعبي.

رسم يوضح أطوار القمر: dail1381.wordpress.com

تحديد الاتجاهات عبر الاستعانة بعصا 

هذه الطريقة من أسهل الطرق ويستخدمها الذين ليس لديهم خبرة طويلة بمطالع ومغارب ومسارات النجوم، وتكون هذه الطريقة كما يلي:

ليلا

نغرس عصا في الأرض ونجلس مقابلها ونعيّن نجمة (أي نجمة في السماء) ونجعلها مباشرة فوق رأس العصا وننتظر بعض الوقت لحين تحرك النجمة فإذا تحركت النجمة فيدل على أننا نجلس مقابلا للشرق وإذا تحركت إلى الأسفل فهذا يعني أن المغرب مقابلنا أما إذا تحركت يمينا فنحن إذا نقابل الجنوب وإذا تحركت لليسار فنحن حتما نواجه الشمال.

نهاراً

نغرس عصا في الأرض ونضع علامة عند نهاية الظل وننتظر بضعا من الوقت ثم نضع إشارة عند نهاية الظل الجديد ونرسم خط بين العلامتين وبذلك تدل العلامة الأولى على الغرب والثانية على الشرق.

المراجع

  • عبندة، علي، “الفلك والأنواء في التراث“، دار الفرقان للنشر والتوزيع،1998 .
  • العثمان، عواد ملهّي، “علم الفلك الشعبي وحساب المواسم والفصول“، دار يافا العلمية للنشر والتوزيع، عمان-الأردن، 2018.
  • كرلونلينو، السنيور، “علم الفلك تاريخه عند العرب في القرون الوسطى“،منشورات وزارة الثقافة الأردنية/مشروع مكتبة الأسرة، 2018.
  • باصرة،حسين بن محمد،”الاستدلال بالنجوم“،مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية،2007.

المصادر

مقابلة مسجلة لفريق إرث الأردن مع الباحث عواد العثمان عن الفلك الشعبي، بتاريخ 30-8-2018، الحلابات -الزرقاء – الأردن.

بوصلة النجوم الأردنية

Scroll to top