قصر العبد
 مقدمة تاريخية
 يعود تاريخ بناء قصر العبد إلى ما قبل خمسة ألف عام تقريبا، أي إلى العصر الهيلنستي في القرن الثاني قبل الميلاد وقد بناه هركانوس من أسرة طوبيا العمونية الاردنية في عهد الملك سلوقس الرابع.
وقد سُمي قصر عراق الأمير ؛ عراق التي تعني مدخل المغارة والأمير وهو طوبيا العموني الأردني، وتشير الوثائق التاريخية والمسكوكات والرسومات والنقوش أن القصر يعود تاريخ بناءه بين عامي 187 و 175 ق.م في ظل حكم البطالمة وتحديدا في عهد سلوقس الرابع ويذكر أيضا أن هركانوس الذي بناه وهو أيضا من الأسرة الطوبية العمونية الأردنية كان أحد امراء العمونين الأردنيين الذين استقروا في منطقة وادي السير عام 360 ق.م، وكان طوبيا آنذام أميرا ونائبا للملك وواليا على منطقة عمّان في عهد البطالمة، إلى أن اصبح ملكا وهو آخر ملوك العمونين الأردنيين.

قصر العبد أو قصر عراق الأمير

الوصف المعماري للقصر
يبلغ طول القصر 38 مترا وعرضه 18.5 متر، وقد استخدمت الحجارة في بناء قصر العبد  فهي من النوع الجيري القاسي العالي التبلور والبيضاء اللون اما الحجارة التي نحتت بها شكل اللبؤة والأسد والموجودة في المداميك السفلية عند الزاوية الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية لهذا المبنى فإنها من نوع آخر من الحجارة الرسوبية الكلسية المعروفة بإسم حجر “الدولمايت” الرسوبي العالي التبلور ذو اللون الأبيض الذي يشتمل على قطع بنية فاتحة اللون.

بوابة قصر العبد

وأحيط القصر بحوض كانت توصل إليه المياه من الينابيع المجاورة اذ تعتبر منطقة عراق الأمير منطقة خضراء وتكثر فيها ينابيع المياه واشجار الزيتون والأشجار الحرجية.

يوجد لقصر العبد مدخلان: شمالي، جنوبي ويتألف من طابقيين استعمل الطابق السفلي منه للتخزين وقاعات للحرس أما الطابق الثاني فلم يكتمل بناؤه لأن هركانوس الذي قام ببنائه إنتحر بسبب تهديد الجيش السلوقي للمنطقة.
كما أن  قصر العبد يمتاز بالزخارف الهندسية التي تمثل في أعمدة حرة تقف منفردة في وضع ينفصل عن جدران المبنى واحيانا تظهر هذه الأعمال متصلة كما في الواجهتين الشمالية والجنوبية من المبنى، كما يمكن ملاحظة ما يوجد بإسم الدعائم التي تمثل مقطع مربع أو مستطيل الشكل يبرز عن سطح الجدار الخارجي للمبنى وخصوصا كحليات تحيط بجانبي الأبواب الرئيسية اي في الجهتين الشمالية والجنوبية لهذى المبنى والغرض منها تقوية جوانب هذه المداخل وإعطائها طابع القوة والمنعة.
واستخدمت في تزيينه أيضا التيجان الكورنثية  وتمثل هنا الغالبية المسيطرة على الواجهتين الشمالية والجنوبية من المبنى وغطيت هذه التيجان بأوراق الأكنثوس المشرشرة، وبعض النباتات البسيطة والأشكال الحلزونية، كما استخدمت أوراق الأكانثوس وهو من أقدم النماذج الهلنستية، أما الوردتين المنحوتتين في الواجهة الشمالية من القصر تشبهان ما وجد من الأعمال اليونانية التي صنفت أنها كلاسيكية الطابع.

التيجان الكورنثية

واستخدم أيضا التاج الأيوني البسيط بشكل أقل حيث تم العثور أثناء التنقيبات التي أجريت ما يدل على استخدام التاجيات الأيونية في زخرفة واجهات القصر والقرية، وتختلف مقاييس هذين النوعين من التيجان في هذا المبنى بحيث تتناسب والموضوع الذي أعد له، ويمكن ملاحظة  أن الاعمال المعمارية لم تنجز بشكلها النهائي في بعض المواقع الداخلية للمبنى.

أما عن الحليات المعمارية الزخرفية ذات الأسلوب التتويجي توجد في القصر في أعلى الجدران كما هو الحال في الواجهتين الشمالية والجنوبية ويبدو من ملاحظة هذه الحليات التي عثر عليها أن بعضها لم يتم اكتمال نحتها بشكل نهائي، كما تعرف الحليات المعمارية بالأخاديد البارزة التي تتبادل مع أخاديد أخرى غائرة وتشبه تلك التي توجد في المباني الحديثة كحشوات جبصية زخرفية تلتف حول أعلى الجدران ودون السقف من الداخل.

الحليات

 أهم المنحوتات في قصر العبد

فيما يتعلق  بالمنحوتات فقد وضع لهذا القصر أسلوباً زخرفياً خاصاً به لم يكن متبعاً في المباني المعاصرة لفترة بناء قصر العبد وذلك أن هركانوس قام بنحت أشكال حيوانية وطيور بشكل يدل على نجاحه التام بإظهار عنصري التجسيم والحركة و إظهار عنصري الظل والضوء معاً إن مثل هذا الأسلوب لم يكن متبعاً في العمارة الكلاسيكية وخصوصاً تلك التي ترجع للقرن الثاني قبل الميلاد في عمارة المنطقة، وكأن هذه المنحوتات تمثل مدرسة خاصة بها تميز هذا المبنى و تحدد جوانبه ويمكن تقسيم هذه الأشكال الحيوانية المنحوتة إلى: الأسود، النسور، اللبؤات.
وتوجد منحوتات الأسود في الواجهات الأربع للقصر، الواجهة الشمالية: يوجد أسدين يتجه أحدهما نحو اليمين حيث لا يبدو منه إلا بعض ملامحه فقط، الأقدام تظهر بشكل واضح وجزء بسيط من الهيكل، أما الآخر فإنه يتجه نحو اليسار ويظهر بوضع أفضل ولكن ما يظهر للعيان هو ملامح الجسد فقط دون تفصيلها.
الواجهة الشرقية:  وجدت منحوتة لأسد يتجه إلى اليمين يقف بوضع منفرد ولا تظهر معالمه وإنما خطوط خارجية للبدن فقط دون تفاصيل، يتبعه أسد آخر بنفس الملامح.
الواجهة الجنوبية: إلى يمين الواجهة أسد يتجه إلى اليمين ولا يظهر منه إلا المعالم الخارجية فقط دون نحت الوجه، يتبعه أسد يتجه إلى الشمال، نُحت بدنه دون إبراز التفاصيل، وإلى شمال الواجهة أسد يتجه إلى اليمين وأسد يتجه للشمال في وضع متناظر حيث تبدو معالم الجسد واضحة لكن الوجه لا يبدو كذلك والأسد الآخر وضعت له خطوط الجسم الخارجية فقط.
الواجهة الغربية: إلى يمين الواجهة منحوتة لأسد يتجه إلى اليمين يتبعه أسد يتجه أيضاً إلى اليمين أي في وضع متتابع وظهر الأسد الأول وقد نحت جسمه للخارج في حين الأقدام كانت عبارة عن خطوط فقط دون نحت، أما الأسد الثاني فتظهر معالمه دون تفاصيل.
إن وضع الأسود في هذه الطريقة ليدل على الوظيفة التي أنيطت بهم وهي الحراسة، وكذلك لإبراز علو هركانوس ونجد ذلك في العديد من مظاهر الفن الفارسي خاصة أقاليم المناطق الغربية من الامبراطورية الإخمينية، وكان مثل هذا النموذج نادر في الشرق قبل الفترة الفارسية، واستخدم في الميثولوجيا اليونانية كرمز للقوة.

منحوتة الأسد بقصر العبد منحوتات قصر العبد يظهر فيها منحوتة أسد والحليات

أما النسور فمن المفترض أن يكون عددها ثمانية نسور يتواجدون على كل زاوية من زوايا الطابق الثاني للقصر وهذه المنحوتات تقع فوق منحوتات الأسود ومن الجدير بالذكر أن هذه المنحوتات لم يعد لها أثر إلا من خلال عدد من الكسر التي تم العثور عليها أثناء التنقيبات الأثرية الحديثة حيث نستطيع ذكر عددها من خلال إعادة تصور للمبنى نفسه وليس من خلال ما هو موجود الآن.
اما اللبؤات فقد تم نحت ما يشبه شكل الفهد أو اللبؤة في الطابق الأراضي لمبنى القصر وخصوصاً في المدماك الأراضي وذلك في الواجهتين الشرقية والغربية ويعرف هذا الأسلوب معمارياً بـ “أوثروستات”، وقد نحتت في واجهة بعض حجارة الأثروستات الضخمة الموجودة في الطابق الأرضي شكل فاغراً فاه ليخرج بالتالي منه الماء وليتشكل صنبوراً مائياً يتدفق منه الماء نحو حوض أرضي يقابله، عثر عليه عند الزاوية الشمالية الشرقية من مبنى قصر العبد.

منحوتة لبؤة بقصر العبد

 الغاية الوظيفية لمبنى قصر العبد
استعرض العديد من الرحالة والباحثين موضوع تحديد الغاية التي يمكن إسنادها لوظيفة بناء قصر العبد، وفيما يلي موجز لأبرز هذه الآراء التي تناولت هذا الموضوع:
يجمع كل من الرحالة “بانكو” و” آربي ومانجلس” بأن هذا البناء إنما يمثل قصراً تم بناؤه خلال العصر الهلنستي من قبل الأسرة العمونية الأردنية.
كما تحدث الرحالة “دي فوجيه” الذي زار الموقع عام (1862) في كتابه عن مبنى قصر العبد وأرفقه بعدد من المخططات الأولية لمبنى معتبراً إياه بأنه يمثل معبداً وليس قصراً ويضم الرحالة “دي ساولي” رأيه إلى الباحث ” دي فوجيه” في تحديد الغاية الوظيفية لهذا البناء وإسناد عمله لأن يكون معبداً ولكنه في الوقت نفسه ذهب إلى أبعد من ذلك بأن يضيف إلى أنه كان يمثل حرماً قدسياً للعمونيين الأردنيين أي أنه يرجع إلى الفترة السابقة للعصر الهلنستي ويتابع القول بأنه قد استخدم من قبل العمونيين الأردنيين كمعبد لعبادة الإله “كاموش” ويرى بأن المنحوتات الضخمة البارزة لأشكال الأسود التي تظهر في أعلى واجهات المبنى إنما تؤكد رأيه، وأشار إلى أن السبب في تدمير هذا المبنى إنما يعود إلى فترة السبي البابلي ( فترة نبوخذ نصر) عام (588 ق.م).
ويؤرخ ” دي ساولي” النقشان اللذان نحتا على أعتاب نوافذ مغائر الطابق السفلي في كهوف عراق الأمير واللذان يكرران اسم عائلة “طوبيا” إلى القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، وفي حقيقة الأمر فإنهما يؤرخان حسب شكل الأحرف الأبجدية إلى أواخر القرن  الثالث وبداية القرن الثاني قبل الميلاد.
ومن خلال الحفريات الأثرية التي أجريت عند البوابة التذكارية فإنه تم كشف ست قطع نقدية تؤرخ إلى فترة “أنطوخيوس الثالث”، وكذلك تم الكشف عن قطع فخار تعود إلى بداية القرن الثاني للميلاد.

إن المعلومات التي زودنا بها “جوزيفوس” لهذا البناء قد ارتبطت بإقامة هيركانوس العموني الأردني لمدة استغرقت إحدى عشرعاماً في هذه المنطقة  – وادي السير – وبالاعتماد على ذلك فإن المبنى سيكون تأريخه ما بين (186-175 ق.م)  وهو مخالفاَ للرأي الذي نادى به ” دي ساولي” والذي أرجع فترة البناء إلى الفترة الإخمينية ونستطيع رفض ذلك على الأقل من خلال الزخارف المعمارية الهلنستية الطابع التي تمثل على واجهات بناء قصر العبد.

عدم اكتمال البناء
يمكن الإشارة إلى أن المبنى لم يتم إكمال أعمال بناءه بالاعتماد على أن الزخرفة المتمثلة بالمنحوتات الحيوانية التي زينت الواجهات الخارجية للقصر مثل الأسود والنسور لم تكتمل وإنما تم نحتهم بطريقة بدائية يظهر من خلالها أن الفنان بدأ فعلاً بتنفيذ العمل الفني، ولكنه لم يتمم بعضاً منها ولم يضع اللمسات الفنية على الأخرى.
أما فيها يتعلق بالزخرفة الهندسية، نجد أن زخرفة التيجان والقواعد تم نحت بعضهم بشكل بدائي أي وضع الخطوط الخارجية فقط، ونلاحظ عدم اكتمال زخرفة أنصاف الأعمدة في الجهة الشمالية عكس ما هو عليه في الجهة الجنوبية.
ومن الملاحظ أن “الكوات” التي وجدت في الأجزاء الداخلية للطابق الأرضي لم يتم إشغالها في عناصر زخرفية من أجل إكمالها، بل تركت دون أية زخارف ولم يتم إنهاء العمل فيها خاصة إذا تمت مقارنة ذلك مع ما تم إكماله من أعمال زخرفية في المبنى.
أما النوافذ الموجودة في واجهات البناء الشرقية والغربية من الخارج فلم تتضمن أي  أثر لسياج أو لنظام حماية آخر، وإنما كانت عبارة عن فتحات  يتم من خلالها إدخال الإضاءة إلى أجزاء المبنى الداخلية.
فيما يتعلق بالأسقف فإن ما نجده من دعامات أو قناطر إنما هي إضافات بيزنطية، وهي عبارة هم مجموعة من العقود البرميلية غير موجودة حالياً، ولقد تم العثور على معطيات تدل على وجود بقايا للقناطر والعقود التي نفذت لحمل السقف، وبالتالي فإن الطابق الأرضي بقي مكشوفاً عند توقف العمل في هذا البناء، وتشير إلى أن استخدام نظام العقود أو القناطر قد تم العمل به طيلة الفترة البيزنطية في كل الأقاليم المجاورة ولكن في الأردن تم استخدام نظام آخرمميز وهو نظام القناطر الكاملة لأسقف مسطحة، مركبة من بلاطات حجرية أو صفائح خشبية.
أما الأرضيات فنجد أن معظم أرضيات البناء كانت مبلطة ولكن بصورة بسيطة، وذلك من خلال قطع حجرية صغيرة الحجم غير منتظمة وخاصة في الزاوية الجنوبية الغربية من القصر ويمكن ملاحظة أن أرضية الغرفة الجنوبية الشرقية في البناء سويت بكتل حجرية ضخمة غير متساوية، وفي بعض غرف الزاوية الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية زودت بأرضية من الكتل الحجرية الكبيرة، ولكنها غير منتظمة ويبدو أنه أضيف لها بلاطات من أجل التكييس.

تصميم صوري لقصر العبد
أهم المعالم في قصر العبد
 القصر محاط بسور على مساحة واسعة من الأرض ما زالت معالمه بارزة في الجهات الغربية والجنوبية بالإضافة إلى بوابة الصرح الرئيسة في واجهة السور الشرقي من القصر ويعتقد أن هذه البوابة –التي لم يتم تنقيبها أثرياً لغاية الآن تفضي إلى نفق أرضي يقود إلى بوابة القصر الشمالية من تحت الأرض لكون القصر كان محاطا بالمياه من كل جهاته ولا يمكن الدخول اليه إلا من خلال هذه البوابة ويتزود القصر بالمياه من قنوات الري الحجرية التي تنقل المياه من وادي عراق الأمير الجاري وعيون المياه الوفيرة في المنطقة إلى البركة الكبيرة التي تحيط بالقصر من جميع الجهات.

ممرات مائية
المصطبة

بنيت المصطبة فوق الأرض من الصخر الطبيعي، وشيدت حتى تعطي أرضية مستوية  حتى يقف عليها البناء بصلابة وقوة ولتظهر جدران البناء بعظمتها وضخامتها وايضاً لعدم دخول المياه أو الرطوبة لداخل المبنى و تستخدم بعض جوانب هذه المصطبة للتخزين والخدمات العامة.
ونفذت هذه المصطبة من كتل حجرية ضخمة تم تثبيتها فوق الأرض البكر ويقابلها من الداخل جدار آخر من الحجارة الضخمة غير المشذبة، ويشير بعض الباحثين إلى أن بعض أساسات البناء بدأت من نقطة (417 م) عن سطح البحر، ثم تبدأ الجدران المبنية من حجارة مشذبة فوق المصطبة ويبلغ ارتفاع بدايات هذه الجدران بأسلوب هندسي يعرف باسم ” الأورثوستات” وهو عبارة عن مدماك يتألف من حجر ضخم مربع  ذوسطح خارجي أملس يتبادل مع كتف ضيق من الحجارة يقف في وضع رأسي.

البوابة التذكارية
تقع على بعد (150 م) إلى الجهة الشمالية الشرقية من مبنى قصر العبد، وتعود في تأريخها إلى نفس فترة بناء القصر، ومن خلال الحفريات التي أجريت في العامين (1977-1978) تم العثور على ست قطع نقدية تؤرخ إلى فترة ” أنطوخيوس الثالث”، وقطع من الفخار تعود إلى (208-200 ق.م).

مقصده للسياحة

قصر عراق الأمير أو قصر العبد وجهة مناسبة للسياحة ويقصد المنطقة عموما  الكثير من السياح الأجانب و المحليين من محافظات أخرى إذ ان قصر العبد يحوي في طياته الكثير من المعالم و الزخرفات الهندسية التي تنقلنا إلى عصور قديمة وإن دلّ ذلك على شيئ فإنه يدل على التقدم و الانفاتح لدى الأردنيين القدماء في تحويل الأحجار الصلبة إلى لوحات فنية عملاقة ذات معنى.

ونأمل بالطبع هنا أن يوجه الاهتمام بالموقع إلى درجة أعلى اذ يشتكي أهالي منطقة عراق الأمير من نقص الإهتمام بالبنية التحتية للموقع ومن نقص الخدمات والمرافق العامة وعدم وجود استراحات سياحية توفر خدمات للسياح بالإضافة الى عدم توفر النشرات السياحية والمرشدين السياحيين للتعريف بالموقع وأهميته.

المراجع

عراق الأمير وقصر العبد :دراسة تحليلية/ إعداد نهى صالح المبيضين ; إشراف نبيل إبراهيم الخيري، أب 2001، الجامعة الأردنية.

القدس العربي ، ع 8359، 30 كانون الثاني، 2016م.

مقالة في علماء الأثار ، مها( 23، 2010)، عراق الأمير وقصر العبد (أثار من بلدي).
www.archaeology.land

قصر العبد – عراق الأمير

مقدمة تاريخية
تعود معرفة الانسان بقصب السكر لفترة مبكرة تقدر بحوالي ثلاثة الآف سنة قبل الميلاد، حيث استقدم من الهند وانتقلت زراعته إلى بلاد الشرق الأوسط ومن الشرق انتقلت زراعته إلى بلاد الغرب ولقد ذكرت المصادر العربية انتشار قصب السكر في بلاد الهند، ومما قاله القلقشندي ” قصب السكر كثير للغاية في بلاد الهند ومنه نوع أسود صلب المعجم وهو أجود للامتصاص لا الاعتصار، ولا يوجد في غيرها ويعمل من بقية انواعه السكر الكثير..”
ولقد وجد قصب السكر في مختلف بلدان الشرق الأوسط ومنها خوزستان وفي العراق حيث كان يزرع حول البصرة وفي سنجار كما وجد ايضا في اقاليم أخرى من العراق حيث يذكر القلقشندي وفرته في دجلة الأهواز.
أما ذكر السكر في المصادر القديمة فيعود إلى الفترة الهيلينية فقد أشارت إلى القصب الذي ينتج عسلا بدون تدخل أو مساعدة من النحل، بينما قام بعض العلماء بوصف سائل السكر في المعالجات الطبية كما ذكر قصب السكر في المصادر العربية إذ عرف العرب زراعته وصناعته، حيث استخدموه في صناعة الأدوية والعقاقير الطبية، إذ ورد في مخطوطة كتبت في زمن الفاطميين في كتاب ” المرشد إلى جواهر الأغذية وقوى المفردات في الأدوية” عن أهمية السكر في العلاجات الطبية .
وفي أوروبا عرف قصب السكر قديما ولكنه لم يستخدم كثيرا في  البلاد الأوروبية إلا في القرن الثاني عشر الميلادي وما بعده، ويعتبر العرب أول من استعمل السكر في الأدوية وأول من علم الأوروبيين صناعته باتخاذه من القصب، ومن المعروف أن زراعة قصب السكر وصناعته انتقلت إلى أوروبا قبل القرن الثالث عشر ميلادي، فلم تكن أوروبا قبيل هذا التاريخ تعرف زراعة القصب وصناعة السكر، وتؤكد المصادر اللاتينية أنّ أهالي هذه المنطقة كانوا أكثر تقدما من أوروبا في استخدام الطاقة المائية في الصناعة، وبلغت زراعة القصب وصناعة السكر في أوجها في العصريين الأيوبي والمملوكي، فأقيمت معاصر السكر أو طواحين السكر على سواحل البحر الأبيض المتوسط المشرقية.
أما صناعة السكر في الفترة المملوكية فكان حصيلة تطور ناتج عن اهتمام الفاطميين والأيوبيين بها، وفي الفترة المملوكية أصبح السكر من أهم الموارد التي دعمت الإقتصاد المملوكي وتشير المصادر إلى أن أرض غور الأردن الممتد من بحيرة طبرية وحتى البحر الميت كانت مهمة جدا في زراعة قصب السكر وإنتاجه وتصديره وهي البداية الحقيقة لإنتاج السكر المصنوع من قصب السكر والذي أخذ إسم مونتريال لاحقاً.

جغرافية منطقة غور الأردن
إن كلمة الغور تسمية محلية لوادي الأردن الأدنى ويعني الأرض الهابطة والمنخفضة التي تمتد من بحيرة طبرية وحتى البحر الميت.
أما فيما يرتبط بزراعة قصب السكر، فقد جرت في منطقة غور الأردن على نطاق واسع، ومن الجدير بالذكر أن العديد من الجغرافيين القدامى أتوا على ذكر هذه المنطقة  ووصف تضاريسها وأنهارها ومزروعاتها ومما جاء عن الجغرافيين بهذا الصدد ما يلي:
ذكر نهر الأردن باسم الشريعة أو نهر الغور الذي ينبع من بحيرة بانياس ثم يخرج من البحيرة المذكورة ليصب في طبريا، ثم ينحدر جنوبا إلى أن ينتهي في بحيرة زغر المعروفة بالبحر الميت، وينضم إليه في منخفض الغور بعد خروجه من طبرية إلى نهر اليرموك، ونهر الزرقاء من الشرق ونهر الجالود، ووادي الفارعة والمالح من الغرب.
أما منخفض الغور فقد كان من المناطق المميزة بطبيعتها التي لائمت الإنسان عبر العصور المختلفة لخصوبة ارضها ووفرة مياهها واصبحت منطقة زراعية منفردة اشتهرت بزراعات متعددة ومتنوعة كقصب السكر، والموز، والنخيل، والبلسان، الحلفاء، والارز.

المسوحات الأثرية
جاءت المعلومات عن منطقة غور الأردن من خلال المسوحات والحفريات الأثرية التي قام بها عدد من المهتمين بتاريخ المنطقة وآثارها، والتي تعود إلى عام 1887م عندما زار المنطقة  العالم الألماني (Schumacher) وقام بتوثيق عدد من المعالم الأثرية مع إعطاء معلومات عنها، ومن بين المواقع التي قام بزيارتها طبقة فحل موثقا ذلك برسم خارطة توضح المعالم الطبوغرافية والمعالم الأثرية وقد أشار (Schumacher) إلى وجود معصرتين قام بتوثيقهما على الخارطة واكتفى بوصف المعصرة الموجودة في الجهة الغربية والتي تعمل بواسطة المياه التي تأتيها من نبع إلى الجنوب لتصب بعد مرورها عبر قناة مبنية من حجارة إلى وادي الجرم، وقد نسبها شوماخر إلى ما أسماه بالفترة المحمدية مشيرا بذلك إلى الفترة الإسلامية دونما تحديد لتاريخها ووظيفتها.
وقد ذكر معصرة موجودة على الجهة الشمالية من وادي زقلاب، وواحدة وجدت في بلدة وقاص كما أشار إلى معصرة على وادي العرب مشابهة لتلك التي وجدت في طبقة فحل لكنه اكتفى بذكره لهذه المعاصر دونما تحديد لتاريخها ووظيفتها.
وجاء بعده الأمريكي (Albright) في بداية العشرينات حيث قام بمسح اثري في منطقة وادي الأردن مركزا على المواقع التي تعود إلى العصر البرونزي والذي لم يشير إلى اي مواقع بها معاصر.
في حين أن تلميذه (glueck) قام بأكبر عملية مسح للأردن بين عامي 1938-1947 ركز خلاله على مواقع العصر الحديدي، وأشار جلوك إلى وجود مجموعة من المعاصر التي تدار بواسطة المياه في كل من: الساسية، تل الطاحون، ووجود أكثر من معصرة في تل أبو القوس.
وفي منتصف السبعينات قامت دائرة الأثار الأردنية بالاشتراك مع الجامعة الأردنية والمركز الأمريكي للأبحاث الشرقية بعمليات مسح اثري في المنطقة الممتدة من نهر اليرموك شمالا وحتى الزاوية الشمالية الشرقية للبحر الميت، بهدف إعادة النظر في تاريخ المواقع السابقة وتوثيق مواقع جديدة، وقد تم توثيق 224 موقعا خلال موسميين متتاليين في عامي 1975-1976، ويعتبر هذا المسح أول محاولة تناولت الفترات الإسلامية بقدر من التفصيل في المنطقة التي شملها المسح الأثري، وكان من بين نتائج هذا المسح رصد العديد من المنشأت التي يعتقد أنها معاصر للسكر أو ذات علاقة بها، وذلك من خلال البقايا المعمارية التي وجدت في 13 موقعا على طول وادي الأردن هي (تل السكر، الراسية الجنوبية، تل أبو البسة، خربة المرقعة، خربة سليخات، كريمة الجنوبية، تل أبو القوس، ضرار، زمالية، العارضية، سبيرة، تل الطاحون، مصليحي)
إضافة إلى ذلك فقد تم العثور على أواني فخارية أطلق عليها أواني السكر والتي استخدمت لغايات التصنيع في عدد من المواقع منها (دير علا، تل قعدان، تل الطاحونة، أبو عبيدة، تل الشونة الشمالي).

خارطة توضح مواقع معاصر السكر في منطقة غور الأردن

كما نلاحظ أن الخارطة تقف عند وادي الموجب، هذا لأن صورة المعاصر في العصر المملوكي- الأيوبي وفي ذلك الوقت كانت الفرنجة محتلة للمنطقة ما بعد وادي الموجب.

الحفريات الأثرية على مصانع السكر في الأردن
وجدت العديد من الحفريات الأثرية في عدد من المواقع التي أمدتنا بمعلومات جيدة عن هذه الصناعة، ولكنها لم تركز على الكشف عن معاصر السكر فقط، وإنما تمثلت في العثور على آواني فخارية استخدمت لغايات تصنيع السكر، حيث وجدت في كل من طبقة فحل، تل أبو قعدان، وتل أبو صربوط.


طبقة فحل
يقع هذا الموقع على قمة جبل أثري يشرف على وادي الجرم، تقع في لواء الأغوار الشمالية التابع لمحافظة إربد شمال المملكة.، ولقد حظيت طبقة فحل بنصيب وافر من الحفريات المنظمة حيث تقوم بعثة أثرية من جامعتي سدني الأسترالية ووستر الأمريكية بالتنقيب في هذا الموقع منذ سنوات، حيث أظهرت الحفريات استمرار الاستيطان منذ العصور الحجرية وحتى الفترات الاسلامية ( الأموية، العباسية، الفاطمية، الايوبية-المملوكية)، وأرجع هنسي أهمية موقع طبقة فحل في الفترة الأموية، إلى أنها كانت تمثل موقعا عسكريا أمويا يتبع جند الأردن، وذلك لقلة البيوت السكنية ذات النشاطات الزراعية، وفي موسم حفريات 1981 عثر بالموقع على مسجد يعود للفترة المملوكية، وكانت المنطقة خلال “الفترة الإسلامية” من أهم المراكز لتصنيع السكر حيث وجدت الآنية التي استخدمت لأغراض التصنيع وذلك أثناء عمليات التجريف في وسط التل وأصبحت القرية الزراعية قائمة في وسط التل في الفترة المملوكية، حيث كان يتم تزويد المنطقة بقصب السكر من المناطق الزراعية المجاورة في وادي الأردن، ولقد دلت الحفريات الأخيرة في وسط التل وهي منطقة المسجد على وجود قرية مملوكية مبكرة معتمدين في تأريخها على قطع نقدية، اضافة إلى وجود اعداد كبيرة من آواني السكر والتي لم تتم دراستها بعد.
طبقة فحل ءئتاؤعهئ

قناه المياه في طبقة فحل مخطط افقي لطاحونة طبقة فحل

تل أبو قعدان
وفي منطقة الأغوار الوسطى تم العثور على مقابرللمسلمين في تل دير علا، الأمر الذي دعا الى العمل في موقع تل أبو قعدان الذي يقع شمالي دير علا، وقد قام franken  ومحمد جمره عام 1967 بعمل مجس بهدف معرفة تاريخ تقريبي لهذه المقابر التي عثر فيها على قطع فخارية تعود الى الفترات الاسلامية من بينها آواني السكر كما عثر على هذه الآواني اثناء العمل في تل ابو قعدان حيث قام بدراستها franken  و kalsbeek  وركزا في دراستهما على صناعة الفخار وتشكيله، ودون إعطاء تأريخ محدد لهذه القطع واكتفوا بذكر “الفترة الوسيطة”.

تل أبو صربوط
أما حفريات موقع تل أبو صربوط الواقعة إلى الغرب من دير علا، فقد أظهرت نتائجها الاستيطان البشري من الفترة البيزنطية وحتى الأموية، ووجدت هناك فجوة في الاستيطان في الفترة العباسية، وكثافة استيطان في الفترة الأيوبية-المملوكية، وقد تم العثور على كميات كبيرة من الفخار الذي يعود لتلك الفترة بأشكالها وخاماتها المختلفة، ومن ضمنها أن السكر التي وجدت بكميات كبيرة.
وفي موسم حفريات 1990 تم العثور على كسر فخارية بكميات كبيرة من بينها عدد لا بأس به من الأواني التي استخدمت في صناعة السكر، وقد تم العثور على خمس أواني بالإضافة إلى اثنتين عثر عليهما سابقا.

تل السكر
يقع هذا التل على مرتفع طبيعي شمال المشارع، حيث ذكر في المسوحات السابقة التي قام بها جلوك 1924 وقد إكتفى بذكر مصطلح (mediaval period) لتاريخها، بينما أرخها المحيسن 1986 إلى الفترات الاموية، الأيوبية -المملوكية وذلك اعتمادا على البقايا الفخارية التي وجدت وخاصة آواني السكر.
يضم الموقع معصرتين للسكر الأولى في الجهة الشمالية والثانية في الجهة الشمالية الشرقية، وتتكون المعصرة الأولى والتي كانت تدار بواسطة شلال ماء منحدر من طبقة فحل نابع من وادي الجرم من بناء واسع مقوس على ارتفاع يقارب 2 م مبني من الحجارة بشكل جيد لحجر العصر الدائري الشكل وفيها ثقب على جانبه لينزل السائل وآخر في الوسط لتحريك الدولاب.
أما بقايا مجرى المياه فقد وجدت داخل البناء المقوس من زاويته الشرقية، إضافة إلى وجود الترسبات الكلسية المتكونة على الجدار الشرقي الملازم لمجرى المياه، الامر الذي يدل على مرور المياه من هذا الاتجاه.

 رسم توضيحي لآلية عمل مصانع السكر

البناء المقوس والقناة

كريمة الجنوبية
تقع مدينة كريمة على الشارع الرئيسي الممتد عبر الضفة الشرقية لوادي الأردن، وتبعد حوالي 3كم شمالي مقام الصحابي أبي عبيدة، ويقع وادي كفرنجة إلى الشمال من منطقة كريمة الجنوبية، تظهر الجبال في الشرق مع حقول منبسطة في الغرب وتغذي المنطقة مياه وادي كفرنجة بواسطة قنوات إلى الجهة الشمالية.
توجد في الموقع قناة محمولة على قناطر في الجهة الشمالية الشرقية ويقع جزء منه على وادي كفرنجة ويتكون من بناء حجري مع أقواس إضافة إلى معصرة في الجهة الشمالية مبنية بحجارة تظهر مشذبة في أسفلها مع حجارة مشذبة وقد رممت فيما بعد بالإسمنت في محاولة لإصلاح ما تهدم أو بناء ما هو ضروري من خدمات حديثة فشوه البناء الإسمنتي العشوائي طابع البناء وطمس معالمها ولم يبق واضحا منها سوى قنوات المياه والتي تستمر حتى الشرق على الجهة الجنوبية من وادي كفرنجة ولكن اثارها غير واضحة بسبب البناء الحديث في المنطقة والذي غطى على معظم اثارها لذلك كان من الصعب تتبعها لمعرفة طولها.

ضرار
تقع قرية ضرار إلى الجهة الشمالية من دير علا وتبعد 1 كم للجهة الشرقية من الشارع الرئيسي، ويوجد في وسط القرية مقام الصحابي ضرار بن الأزور، حيث نسبت إليه، وقد ذكرت الموقع لأول مرة أثناء المسح الأثري الذي قام به إبراهيم وسور وياسين عام 1976 حيث تم تأريخه إلى الفترة الأيوبية- المملوكية.
وقد وجدت في وسط القرية معصرة قديمة تدار بواسطة شلال من الماء وسط البلد يأتيها من سفح الجبل، ولم يبق من أثرها سوى قناة المياه التي بنيت بشكل منحني من الحجارة الجيرية بطول حوالي 45م لتصب المياه المتدفقة عبر قناة داخلية إلى بناء واسع مقوس غير واضح المعالم بسبب ردمه وإختفاء الكثير من اثاره وذلك أثناء القيام بعمليات فتح الطريق في المنطقة والتي أضاعت الكثير من المعالم وخاصة المعاصر حيث ذكر أهل القرية وجود ثلاث معاصر في الموقع لم يبق منها سوى معصرة واحدة مع بعض الاثار الباقية التي من المعتقد أنها تعود الى بقايا مصنع، وقد استمر استخدامها حتى سنة 1967م، لكن كمطحنة للقمح.

المخطط الأفقي لمعصرة ضرار

الراسية الجنوبية
تل يقع إلى الشمال من المشارع، يبعد حوالي 200م شرق الشارع الرئيسي، يحتوي على أراضي زراعية ومناطق صخرية، ضم الموقع معصرة اسفل تل الغربي حيث وجدت حجارة طحن كبيرة تحت البناء المقوس، وتأتيها الماء من عين في طبقة فحل في الجهة الغربية للموقع، تم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

الساسية
تل على الجانب الجنوبي من وادي العرب، جنوب غرب تل الشونة الشمالية، يحتوي على أراضي مزروعة عند القمة، ويحيط بالتل مجموعة من البيوت وتأتيها المياه من وادي العرب.
اما الأبنية القديمة فتحتوي على جدار يظهر عند الجزء الشرقي من التل ومن المحتمل أنه كان جزء من معصره وذلك من خلال بقايا القناة الموصلة من وادي العرب، تم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

تل أبو البسه
تل على مرتفع طبيعي، شرق المنشية بحوالي 2 كم، وقد احتوى الموقع على عدد من الجدران الحجرية، إضافة إلى وجود معصره في أعلى الجزء الجنوبي من المنحدر، من المحتمل انها استعملت للسكر، إضافة إلى جدران حجرية من المحتمل أنها تعود لقناة المياه حيث يأتيها الماء من وادي العرب في الشمال، ووجد بناء مقوس فوقه معصرة بازلتية مثقوبة من الوسط، وهي تشبه في نظامها تلك التي وجدت في الرأسية الجنوبية، تم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

خربة المرقعة
تل على مرتفع طبيعي، شمال شرق الاسماعيلية بحوالي 1كم، احتوى الموقع على معصرة تأتيها المياه من وادي ابو سعيد في الجنوب، ومن المحتمل أنها استعملت لعصر قصب السكر أو طحن الحبوب.
ولقد وجد في الموقع بناء من الحجارة في الجهة الجنوبية بجانب قناة المياه التي ما زالت بعض اثاره ظاهرة ولكن وظيفة هذا البناء غير واضحة  وتم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

خربة سليخات
يقع وادي سليخات في الجهة الشمالية من الموقع وتبعد عن الطريق الرئيسي حوالي 4 كم، وقد احتوى الموقع على عدد من المعاصر السكر تظهر منها اثنتان في الجهة الشمالية والغربية واخرى في الجهة الجنوبية الشرقية حيث تصلهم المياه من وادي سليخات ، تم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

تل أبو القوس
تل مرتفع طبيعي، على الجانب الشمالي من وادي راجب ويبعد 5, كم عن الشارع الرئيسي، يحتوي الموقع على عدد من معاصر السكر، معصرتين على حافة وادي راجب من جهته الغربية، ومعصرة في الجهة الشمالية، ومعصرة في الجهة الجنوبية، تم تأريخ الموقع إلى الفترة الأيوبية-المملوكية.

 إنتاج السكر في الأردن عبر العصور
توالت على الأردن الكثير من العصور كان أهمها في تأريخ انتاج السكر عصر احتلال الفرنجة للمنطقة وفي العصرين الأيوبي والمملوكي وغيرهم، وقد اشتهرت المنطقة بزراعة قصب السكر الذي تقوم عليه صناعة السكرعندما سيطر الفرنج على المنطقة ووجهوا عنايتهم بهذه الصناعة التي ازدهرت بوجه خاص في منطقة غور الصافي قرب الكرك  ومنطقة الأغوار الأردنية التي تمتد من جنوبي بحيرة طبرية حتى البحر الميت وما يقع منها في جنوبه قرب الكرك فهي أيضا من المناطق الزراعية المشهود لها بالخصب ووفرة التلال واشتهرت بزراعات عديدة متنوعة كقصب السكر، الموز والنخيل وشجر النيل ، وتمكنوا من إنتاج صنف جيد اشتهر بنعومته وبياضه سمي بسكر ” مونتريال” أو سكر ” الكرك والشوبك”، إذ يعتقد المؤرخون أن “سكر مونتريال” هو أول علامة تجارية شهدها العالم أو على الأقل من أوائل العلامات التجارية تاريخياً.
“سكر مونتريال” كان اسم السكر الذي أنتج من الشوبك ابتداءً من القرن الأول ميلادي بعد أن التقت شبكة الرومان للإمداد العسكري من أوروبا مع العقل التجاري للأردنيين الأنباط وأراضيهم الخصبة في الشوبك أو مونتريال. ولاهتمام الفرنجة بالسكر قاموا بنقل زراعته وصناعته إلى أوروبا، إذ نقله الامبراطور فردريك الثاني في حملة الفرنج السادسة وحمل معه صُنّاعاً من الأردن وأنزلهم في جزيرة صقلية.
وفي فترة الحكم الأيوبي والمملوكي زاد الإهتمام بزراعة قصب السكر إلى حد أن معظم منطقة الأغوار أصبحت اقطاعات خاصة بالأمراء والسلاطين.
وبلغت زراعة قصب السكر وتصنيعه في الأردن أوجها في عصر دولة المماليك فأقيمت لذلك معاصر السكر ومطابخه في جميع أنحاء النور ويقصد بالنور المكان الذي كان يحتفظ به السلاطين بالسكر، وأصبحت أملاك سلطانية خاصة وصار السلطان يعين لهذه المطابخ ( شادا ) خاصا وهو إسم يطلق على حارس السكر المحفوظ للسلاطين، ويجمع ما يتحصل منها من نقود وأعمال وسكر، وقد أسفرت الأبحاث الأثرية التي أجريت مؤخراً عن كشف مئات المعاصر و أعداد هائلة من الأواني الفخارية التي كانت تستعمل لتجفيف عصير القصب.
وبلغ اهتمام السلاطين بالأغوار الأردنية إلى الحد الذي جعلهم يخصصون لها نائبا سموه في كثير من الأحيان (استدار الأغوار) وهو مصطلح فارسي مركب  ويعني استدار الشخص المسؤول عن قبض المال للإنفاق على مطابخ السلطان أو النائب، ولم يكتف السلاطين بذلك، بل جعلوا مطابخ السكر في القصير (الشونة الشمالية) وبقية الأغوار تحت الإشراف المباشر لنائب دمشق، فكان يخرج بنفسه في فترة قطع  القصب وعصره فيمكث هناك حتى يتم عصر القصب، وكانت فترة إقامته تطول أو تقصر بحسب الموسم، حتى أنه  سنة 1377م أقام مدة شهرين وسبعة عشر يوماَ، أما في سنة 1398م فقد مكث هناك ما يقارب من خمسة أشهر في عمل السكر، وكان قصب السكر في هذا العام كثيراً جداً يتجاوز الحد، كمان أن الفلاح الأردني تأثر في زراعة أرضه كبقية بلاد المنطقة بالنظام الروماني فانتهج في ذلك نظام فلاحة الحقلين، بمعنى أنه يعمد إلى إراحة حقل في الوقت الذي يزرع فيه الحقل الثاني ثم يبدل الحقلين في السنة التالية تجنباً لإجهاد الأرض وتحسيناُ للإنتاج، واستعمل الفلاح الأردني في العصر المملوكي في فلاحته الطرق التقليدية القديمة، فكان يحرث الأرض بآلة مخصصة لذلك تسمى السكة في رأسها حديدة تسمى النصل وهو الذي يشق به التربة ويحرث الأرض وكانت هذه الآلة تنصب على رقبة ثورين يحرثان الأرض يسميان (الفدان).
استأثرت صناعة السكر في شرقي الأردن بإهتمام السلاطين في العصر المملوكي، بسبب جودته ونقائه، ومن هناك لقي طريقه إلى الأسواق الأوروبية، وتشير الوثائق الأوروبية إلى وجود سكر الكرك والشوبك في أسواق فلورنسا بين السلع الشرقية المعروضة في أسواقها بين عامي 1310 إلى 1340 م.
ولما كان السكر من السلع الهامة المطلوبة فقد احتكر سلاطين المماليك تجارته، وأصبح السكر الأردني حكراً على السلطان، يتحكم في أسعاره وتسويقه وكان ذلك يثير مشاعر السخط والتذمر لدى الدول المجاورة بسبب ارتفاع أسعار السكر، فقد رفع سعره من 14 إلى 28 درهما للرطل الواحد ثم زيد إلى 30 ونتيجة لاحتجاج أهال المدن والعواصم المجاورة انفصل الحال فيه عن بيع الرطل بستة عشر درهما وانخفضت كلفته إلى ما يعادل نسبة 50%.
كما أن زراعة قصب السكر انتقلت من مدينة الشوبك إلى مصر، عن طريق اصطحاب الملك الظاهر برقوق للعمال الأردنيين والمزارعين المهرة في زراعة قصب السكر وصناعة السكر من أهالي الشوبك وذلك بعد إعادته إلى حكمه في مصر، حيث أبعد لسنوات في الشوبك، وكانت مصانع تكرير السكر في مصر تعتمد على خبرات أبناء الشوبك.

إضافة إلى أن هؤلاء العمال الوافدين المهرة استطونوا بلدة في منطقة بالقرب من مدينة الزقازيق المصرية وأطلقوا عليها اسم بلدتهم الأصلية (الشوبك) ، ولغاية أيامنا هذه تقطن في البلدة عائلة كبيرة يطلق عليها اسم عائلة الشوبكي.

آليه عمل معاصر السكر في ضوء التنقيبات الأثريَّة

يعتمد مبدأ عمل مصانع السكرعلى المياه التي تحرك الدواليب الأفقيَّة أو العموديَّة لتشغيل حجر الطاحون أو العصر المثبت بها، إما بشكل مباشر أو عن طريق المسننات، وهذا تحدده قوة دفع المياه وسرعتها؛ فحجر الطحن أو العصر يحركه دولاب مياه مصنوع من الخشب الصلب والحديد الذي تحركه بدوره المياه التي تصله بثلاث طرق:
1. الماء المتدفق من فوهة قناة أفقيَّة مرتفعة يختلف ارتفاعها باختلاف مستوى منسوب المياه الذي يأتيها من النبع أو الوادي. وتقع قوة المياه المتدفقة مباشرة على حجر الطحن أو العصر، ويتناسب ارتفاع منسوب المياه تناسبًا طرديًا مع قوة دفع المياه.
2.  المياه المتدفقة من مرتفع ليمر عبر قناة معلقة لتنزل من فوهة القناة مباشرة فوق دولاب المياه المثبت بشكل عمودي.
3. المياه الجارية بقوة عالية في النهر أو الوادي من أسفل دولاب المياه المثبت بشكل عمود
أما قوة المياه المتدفقة في الحالة الثانية أو الثالثة فهي قوة غير مباشرة،حيث تحرك المياه الدولاب العمودي الذي يحرك بدوره حجر العصر عن طريق الدواليب المسننة، وتعتمد سرعة حجر العصر على كميَّة المياه وقوة دفعها وسرعتها، وعلى دواليب المياه ونوعها، ووزن حجر العصر،وحجر العصر حجر دائري من البازلت أو الصخر المنحوت، مثبت إما بشكل أفقي حيث يوضع الحجران فوق بعضهما بعضًا وبحيث يبقى الحجر الأسفل ثابتًا بينما يتحرك الحجر العلوي، وتدخل أعواد القصب فيما بين الحجرين، ويتفاوت مقدار الضغط الذي تتعرض له الأعواد تبعًا لتفاوت درجة اقتراب هذين الحجرين من بعضهما بعضًا. وفي بعض الأحيان، يوضع الحجر العلوي بشكل عمودي، بحيث يكون الحجر السفلي أفقيًا وثابتًا بينما يتحرك الحجر العلوي الذي يكون في وضع عمودي. وفي كثير من الأحيان يوضع حجران عموديان بدلاً من حجر واحد.
ويُستقبل العصير الناتج من هذه العمليَّة في أوعية مخصصة له .ثم ينقل بإحدى الطريقتين اللتين سبق ذكرهما إلى قسم آخرمن أقسام المصنع، حيث يطبخ ويغلى ليصب في النهاية في قوالب مخروطيَّة ليصبح على شكل أقماع السكر.

قوة دفع المياه لتحريك حجر المعصرة

حجر المعصرة الأولى

حجر العصر التابع للمعصرة الثانية

الأواني الفخارية المستخدمة في صناعة السكر ودراستها
1.
شكل الجرة الذي يتصف بأنه واسع في أسفله وضيق في أعلاه، ذو جدران سميكة وعجينة خشنة، لا يحتوي على عراوي وتم تشكيله بواسطة الدولاب واستخدام الايدي للضغط على سطحي الإناء الخارجي والداخلي، اذ كان وظيفة هذا الإناء سكب عصير القصب في مراحله النهائية.

أنية فخارية على شكل جرة1

2. الشكل المخروطي الذي يتسع في أعلاه ويضيق في أسفله، وهو يشبه المخروط وينتهي في الأسفل بقاعده مستديرة مثقوبة، جدرانه سميكة ذو طينة خشنة سطحه الخارجي خشن والداخلي أملس، كما لوحظ وجود زخرفة تحت الحافة ولكن زخرفة هذا النوع لم تكن شائعة  ويعتقد أن وظيفة هذا النوع كانت لتجميد ما يتبقى من عصير القصب ولم يكن هذا النوع ليعمر بسبب تعرضه للكسر أثناء استخلاص السكر المتجمد بداخله.

أنية فخارية على شكل مخروط

3. شكل الجرس الذي وجد في تل السكر، كريمة، ضرار تتصف بالعجينة الخشنة وجيدة الحرق، وتحتوي على شوائب بحجم متوسط من البازلت والحجر الجيري ومنها ما صنع بها شوائب دقيقة بيضاء وصوانية ومنها ما يحتوي على شوائب كبيرة كلسية ، وعليها بطانة من الخارج والداخل، ووجد أيضا بعضها يظهر عليها أثار تحزيز خفيف من الخارج.

كما تم العثور في مخيم الكرامة في  دير علا على كميات كبيرة من الكسر الفخارية التي تعود إلى أواني السكر غير أن اعمال التجريف الحديثة اضاعت الكثير من آثارها.
لم يتمكن الباحثون من إعطاء تاريخ محدد لآواني السكر نظرا لتنوع أشكالها والتطور الذي حصل على تفاصيلها ووجود هذه الأنواع في كافة الطبقات في الموقع.
أما عن الفخار في طبقة فحل الذي عثر عليه في مرحلة مبكرة، فقد اشتملت على عدد من آواني السكر التي اتصفت بجدران سميكة وقاعدة مضغوطة إلى الداخل، ونوع آخر اتصف بقاعدة مثقوبة، اما الفخار الذي تم العثور عليه حديثاً، فلقد تم العثور عليه في منطقة المسجد في المنطقة الوسطى من التل، والتي يتم تصنيفها إلى نوعين: إناء، وعاء.
واشتمل فخار موقع حسبان على كسرة واحدة تعود إلى آنية من آواني السكر.

السكر الأردني والعلاقات التجارية الخارجية
 ارتبط الأردن بعلاقات تجارية وثيقة بكل من مصر، سوريا، فلسطين والحجاز وارتبطت أيضا بعلاقات تجارية مع بغداد ففي القرن السابع الهجري، ونستدل من ذلك على أن عمان كانت في الفترة الأيوبية مركزا تجاريا هاما.
كذلك كانت للأردن صلاتها التجارية عبر البحر الأحمر مع الجنوب الغربي والهند والصين، فقد ذكرت المصادر عن وجود (دار الطعم) في مدينة عجلون أعدت للتجار الأجانب وهذه الدار يوجد شبيه لها في مدينة دمشق وتؤدي نفس عمل الوكالة بالديار المصرية، وتجمع في وظيفتها بين إيواء التجار الأجانب وخزن سلعهم، وتشير بعض الوثائق الأوروبية إلى وجود السكرالكركي والشوبكي التي اشتهرت به المنطقة في أسواق فلورنسا  بين عامي 1310م إلى 1340م.
وكذلك نصت المعاهدة  التجارية التي عقدها السلطان العباسي الملك  المؤيد سيف الدين شيخ مع البندقية على أن يتقيد بنصوصها كل من: نائب الإسكندرية والكرك وصفد وحماة وطرابلس، فأصدر أمره بذلك سنة 1412م  بما تخص التجارة الخارجية وتعتبر  هذه المعاهدة من الوثائق المهمة حول آلية تصدير السكر المصنع في المعاصر التي تم ذكرها سابقاَ.
وهذا دليل أن المدن الأردنية كانت لها علاقات تجارية مع البندقية قبل إبرام هذه المعاهدة إذ عُرف أهل الشوبك بنشاطهم التجاري في صناعة السكر والتكسب عن طريق التجارة مع المدن الأوروبية، والإ لما صدر لهم هذا الأمر السلطاني وذات الأمر يتكرر في فترة قيام السلطان المملوكي الملك الناصر محمد بن قلاوون بالثورة بالكرك في سلطنته الثالثة، وخروجه منها للسيطرة على دمشق.
ولم تقتصر مكاسب هذه المنطقة موضوع الدراسة من هذه الحركة التجارية النشطة عبر مردودها على مجرد الربح المادي العائد على أهلها بل كانت تتابع هذه القوافل والتجارية العابرة مجالا خصبا لالتقاء حضاري وثقافي فالطرق التجارية تعتبر طرقا حيوية لنقل الحضارة والثقافة بين الشعوب، فعن طريقها تنتقل الأخبار وما يستجد من مذاهب و آراء وكانت الأسواق التي تحط فيها عبر الأردن ميدانا لتبادل الفكر والمعرفة.

المراجع

  1. ربى أحمد أبو دلو(1991). معاصر السكر في غور الأردن في القرنين الثاني عشر و الرابع عشر الميلاديين في ضو المصادر التاريخية و المكتشفات الأثرية. رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.
  2. الهباهبة، طه(2000)، الشوبك: التاريخ والوجدان الشعبي،(ط2)، عمان: دار الينابيع للنشر والتوزيع.
  3. تاريخ منطقة شرقي الأردن في عصر دولة المماليك الأولى / إعداد يوسف حسن سلامة درويش غوانمة ؛ إشراف السيد عبد العزيز سالم، أحمد مختار العبادي.

تاريخ صناعة السكر في الأردن

3555f8315f4d59a9ddf9c533d80af842

مقدّمة

نشأ سليمان الموسى في بدايات عهد الإمارة الأردنية حينما كانت في البلاد مدرسة ثانوية كاملة هي مدرسة السلط. و استهوته الكتابة التاريخية ثم ما لبث أن خاض غمارها معتمداً على لغته العربية السليمة و على اتقانه للغة الإنكليزية وسعة إطلاعه على الكتب و المجلات التي أكسبته ثقافة متينة. وألف في تاريخ الأردن المعاصر ما لم يؤلف مؤرخ أردني قبله مثله. واختص بتاريخ الثورة العربية الكبير و بسير قادتها فأجاد و أبدع. و تكونت لديه مع الزمن والممارسة خبرة في استنطاق الوثائق التاريخية، و دراية في نقد الروايات و كشف ميول أصحابها واتجاهاتهم، وسبر أغوار العديد من القادة و السياسيين وصناع القرارات. فاق سليمان بحدسه ودرايته و ذكائه كثيرين ممن درسوا التاريخ وحصلوا على الشهادات الجامعية فيه. و غدا مؤرخ الأردن الأسبق بلا منازع، مثلما أصبحت مؤلفاته مراجع ومصادر لدراسة تاريخ الأردن لا يستغني عنها باحث أو دارس.

و المرحوم سليمان الموسى أديب ذو قلم رشيق، جرّب كتابة القصة، و أجاد في الترجمة من الإنكليزية إلى العربية، وكتب بالإنكليزية وأتيحت له فرص الرحلة و التجوال في العالم و في البلاد العربية فاتسعت دائرة معارفه، و خلّف عدداً وفيراً من الأصدقاء حيثما رحل واستقر، و له فضل لا ينسى و يحظى بذكرى طيبة لدى كل من عرفه وخبره وعاصره.[1]

مولده و نشأته

وُلد سليمان موسى سليمان الموسى في شهر أيلول سنة 1919م في قرية الرفيد/ إربد في أسرة ريفية متوسطة الحال، والده موسى سليمان الموسى الذي توفي عنه و هو صغير و أمه فرحة الناصر ، تلقى علومه الأولى في كُتّاب القرية ومدرستها، ثم التحق بمدرسة الحصن وتخرج فيها في مطلع الثلاثينيات، وتابع تعليمه في مرحلة لاحقة فحصل على شهادة الدبلوم في اللغة الإنجليزية من بريطانيا بالمراسلة.

عمله و خطوات التأريخ الوطني

عمل في بداية حياته المهنية مدرّساً في مدرسة الطائفة المسيحية (الكاثوليك) بالرفيد لمدة سنتين ، ثم سافر إلى فلسطين في منتصف الثلاثينيات، حيث عمل في حيفا ويافا و تحول هناك من كتابة القصة القصيرة و الرواية إلى كتابة السيرة التاريخ فألف كتاب الحسين بن علي والثورة العربية الكبرى ولو أنه احتاج إلى ثمانية عشر عاماً حتى رأى النور في طبعته الاولى عام 1957م ، ثم عاد إلى الأردن في مطلع الأربعينيات ليعمل في شركة بترول العراق بالمفرق، تزوج سنة 1943م من السيدة جورجيت نصير، وأنجب منها أربعة أبناء وبنتين، و ساهم مع بعض الشبان في تأسيس وإنشاء “نادي المفرق الصحراوي” خلال مكوثه في المفرق   .

11401419_10152813744436607_6403122163206371383_n

10399210_20385271606_2848_n

ثم عمل في الإذاعة الأردنية؛ معدّاً للبرامج ومذيعاً (1957) في إذاعة عمّان في جبل الحسين ، ثم انتقل سنة 1958 إلى دائرة المطبوعات والنشر ليشرف على مجلة “رسالة الأردن” حيث رأسَ تحريرها حتى سنة 1962. وفي عام 1959م كتب في 720 صفحة كتاب (تاريخ الأردن في القرن العشرين) بالإشتراك مع منيب الماضي،  نجا عام 1960 من الاغتيال خلال عملية تفجير مبنى رئاسة الوزراء الذي أودى بحياة رئيس الوزراء هزاع المجالي حيث كان في نفس المبنى حينها.

10401073_34608576606_2602_n

و في عام 1962م أصدر كتابه (لورنس: وجهة نظر عربية)، الذي تمكن من خلاله تفنيد إدعاءات لورنس بقيادة الثورة العربية الكبرى، و شمل هذا الكتاب وثائق عربية ومطالعات ميدانية فريدة ، وتمت ترجمته لاحقاً إلى ثلاث لغات، الإنجليزية، الفرنسية، واليابانية ، و في عام 1966 سافر لمدة أربعة شهور إلى لندن للإطلاع على الوثائق البريطانية بمنحة من المجلس الثقافي البريطاني ، ثم انتقل للعمل في وزارة الثقافة بعد تأسيسها وظل فيها حتى تقاعُده سنة 1984، وفي أثناء ذلك تولى رئاسة التحرير في مجلة “أفكار” (1966/1967).

28389

ما بعد التقاعد

عمل بعد تقاعده – حيث رغب بالتقاعد حتى لا يشغله منصب عن الكتابة – مستشاراً ثقافياً لأمين العاصمة (1984–1988) و في هذه الفترة كتب كتاب (عمّان عاصمة الأردن) ، وأشرف في أثناء ذلك على تنظيم محتويات صرح الشهيد، ومتحف عمّان السياسي ، وقام بكتابة مذكراته في كتابين، الأول تحت عنوان (ثمانون: رحلة الأيام والأعوام)، والثاني (خطوات على الطريق: سيرة قلم – تجربة كاتب) .

11215799_10153114713426607_5072802717277597120_n

كان سليمان الموسى قد قابل جلالة الملك بتاريخ 30 آب 2007 ، و قام جلالة الملك حينها بشكر سليمان الموسى و نجله الذي حذا حذوه عصام سليمان الموسى على جهودهم العلمية القيّمة في حفظ التاريخ الاردني ، كما قلد الملك سليمان الموسى وسام الحسين للعطاء المميز لدوره .

1910175_20173731606_1317_n 1924052_34604976606_8897_n 1924052_34848406606_8632_n

توفِّي يوم 8/6/2008 في عمّان عن عمر يناهز التاسعة و الثمانين عاماً ، ودُفن فيها. وقد أطلقت أمانة عمّان الكبرى اسمه سنة 2009 على مكتبة مركز الحسين الثقافي التي أصبح اسمها: “مكتبة سليمان الموسى المتخصصة بتاريخ الأردن”.

hqdefault

وأقامت له وزارة الثقافة بتاريخ 11/8/2008م، حفل تأبين كبير في المركز الثقافي الملكي في العاصمة عمّان أطلقت فيها كتابين ؛ إحداهما مذكراته الشخصية بعنوان (ثمانون: رحلة الأيام و الأعوام) و كتاب (سليمان الموسى : أيامك لن تنسى) للدكتور بكر خازر المجالي .

1909846_20506051606_1950_n 1909846_20506056606_2232_n 1910175_20175451606_9698_n 1910175_20175456606_9909_n

قالوا في حضرة الموسى :

  1. ” لقد حافظ سليمان الموسى على جزء كبير من ذاكرة الوطن..وصحح الكثير من المغالطات التاريخية..وحاجج بقوة الحقيقة… فاستحق أن يكون “عميدا للمؤرخين”..وذاكرة الأردن الحية “
  • وزيرة الثقافة السيدة نانسي باكير، من المقدمة التي كتبتها بعنوان (فارس لم ولن يترجل) لكتاب سليمان الموسى: أيامك لن تنسى شهادات ومقالات، تحرير د. بكر خازر المجالي، إصدار خاص في تأبين المرحوم المؤرخ سليمان الموسى، وزارة الثقافة، عمان، 2008
  1. ” لولا جهوده الاستثنائية لضاع جزء كبير من تاريخنا… “
  • أ. عبدالله ابو رمان، الرأي، 10/6/2008
  1. ” رجل استثنائي اختصر بجهوده عمل مؤسسة بحالها… “
  • د. هند غسان أبو الشعر، ملحق الدستور الثقافي، 20/6/2008.
  1. ” يكفيك فخرا يا سليمان ان العديد من الأردنيين والأردنيات تربوا وعشقوا هذا الوطن من خلال الحروف التي سطرتها “
  • د. ايفون محمد عودة أبو تايه، موقع عمون الالكتروني، 15/6/2008.

    5. ” المؤسس الحقيقي للكتابة التاريخية حول الأردن وهو أول من حول الوثائق والسجلات الرسمية دفتر تاريخ… “.

  • د. باسم الطويسي، الغد، 14/6/2008.
  1. ” شيخ المؤرخين… سخره القدر ليشير إلى عظمة المرحلة وزخم أحداثها “
  • أ. نصوح المجالي، الرأي، 12/6/2008.
  1. ” هذا الرجل مؤسسة ومكتبة اجتمعتا في شخص واحد… “
  • د. سمير مطاوع
  1. ” كنت أنت يا مؤرخ الأردن أول الملبين للنداء برسالتك التي أعتز بها والتي أجبتني فيها راثياً بغداد دار السلام وتعلن تبرعك بما أنت قادرا عليه لتساهم في إعمار مكتباتها… “
  • د. محمد جاسم المشهداني، الأمين العام لاتحاد المؤرخين العرب.
  1. ” ما تركه لنا… مكتبة متكاملة في تاريخ الأردن والثورة العربية الكبرى… “
  • د. محمد ناجي عمايرة، الرأي، 17/6/2008.
  1. ” ترك أثرا عميقا محفورا في ذاكرة من عرفوه، أعني من عرفوه شخصياً، وعاشروه، ومن قرأوا له، ومن سمعوا عنه بموضوعية واهتمام “
  • د. أحمد ماضي
  1. ” والحقيقة ان الأجيال اللاحقة من المؤرخين الأردنيين تتلمذوا وتعرفوا على تاريخ الأردن من خلال كتاباته، لا بل أن معرفة معظم السياسيين والمثقفين عن تاريخ الأردن بدأت به وعن طريقه، ولاسيما من خلال الجزء الأول من مؤلفه الكبير تاريخ الأردن في القرن العشرين الذي صدر عام 1959… “
  • أ. هاني الحوراني

الجوائز التي حاز عليها سليمان الموسى :

  1. درع تكريمي من المؤتمر الأول لتاريخ الأردنّ و آثاره – 1980
  2. درع تكريمي من المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبد العزيز – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض  1985.
  3. وسام الحسين بن علي – وسام الاستقلال من الدرجة الثانية – 1988.
  4. جائزة عبدالله بن الحسين لبحوث الحضارة الإسلامية – فازفيها في دورتها الأولى في تشرين الثاني، 1988- في مسابقة تنافسية أعلنها المجمع الملكي لبحوث الحضارة الاسلامية- على كتابه (امارة شرقي الأردن: نشأتها وتطورها في ربع قرن: 1921-1946). .
  5. هدية تكريمية مقدمة من مؤسسة عبد الحميد شومان و هي عبارة عن مجسم المسجد الأقصى المبارك – حزيران 1989.
  6. درع تكريمي مقذم من جامعة عمّان تقديراً لجهود سليمان الموسى في مجال القصة القصيرة في الأردن – 1990.
  7. درع تكريمي مقدم من نادي الفيحاء الرياضي الثقافي الاجتماعي – أيلول، 1993.
  8. درع تكريمي مقدم من مدرسة القرطبي الثانوية للبنين – الزرقاء الأولى – تشرين الثاني، 1995.
  9. درع تكريمي مقدم من ديوان اهالي – بلدته التي ولد فيها- بلدة الرفيد، بني كنانة تموز، 1996.
  10. درع تكريمي مقدم من الخدمات الطبية الملكية – كانون الأول، 1996.
  11. درع تكريمي مقدم من مركز الأردنّ الجديد للدراسات،– عمّان تموز، 2000 – وذلك اعترافاً بدورهِ الكبير في التأسيس لكتابة تاريخ الأردنّ السياسي و تقديراً لعطائه المتواصل في الدراسات الأردنية.
  12. وسام الحسين بن علي – وسام الاستقلال من الدرجة الأولى – حزيران، 2002.
  13. درع تكريمي مقدم من رابطة الكتّاب الأردنيين – كانون الثاني، 2006.
  14. وسام الحسين للعطاء المميز – آيار، 2007.
  15. درع مقدم من أمانة عمّان الكبرى.
  16. درع مقدم من وزارة الثقافة.
  17. درع مقدم من القناة العربية الأردنية.
  18. درع مقدم من مجلس امناء مركز التوثيق الملكي الأردنيّ الهاشميّ تقديراً لمساهماته الجليلة و المهمة و المتميزة في رفد أعمال مركز التوثيق الهاشميّ.
  19. درع مقدم من جريدة الدستور- حزيران 2008.
  20. وسام المؤرخ العربي من اتحاد المؤرخين العرب.

1909846_20259101606_2689_n 1909846_20261566606_1219_n

أعماله الأدبية:

  1. “وجوه وملامح.. صور شخصية لبعض رجال السياسة والقلم” (ج1)، أدب السيرة، وزارة الثقافة، عمّان، 1980. ط2، دار ورد الأردنية، عمّان، 2011 (ضمت هذه الطبعة الجزء الثاني من الكتاب).
  1. “ذلك المجهول” قصص، رابطة الكتّاب الأردنيين، عمّان، 1982. ط2، دار ورد الأردنية، عمّان، 2011 (ضمت هذه الطبعة أيضاً كتابَه الزوجة المثالية وقصص أخرى).
  1. “في سبيل الحرية: قصة الثورة العربية الكبرى”، قصة تاريخية، وزارة الشباب، عمّان، 1981. ط2، الناشر نفسه، 1982.
  1. “الزوجة المثالية” قصص (ترجمة من الإنجليزية)، دار النسر، عمّان، 1991 (ضمت هذه الطبعة أيضاً كتابَه ذلك المجهول).
  1. “وجوه وملامح.. صور شخصية لبعض رجال السياسة والقلم” (ج2)، أدب السيرة، وزارة الثقافة، عمّان، 1994 (ضمت هذه الطبعة الجزء الأول من الكتاب).
  1. “مشاهد وذكريات” أدب الرحلات، المؤسسة الصحفية الأردنية (الرأي)، عمّان، 1996.
  1. “أوراق من دفتر الأيام: ذكريات الرعيل الأول”، 2000.
  1. “ثمانون: رحلة الأيام والأعوام”، سيرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2002. ط2، وزارة الثقافة، عمّان، 2008.
  1. “الوجه الآخر: كتّاب ومؤرخون في كل واد يهيمون”، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2002. ط2، دار ورد الأردنية، عمّان، 2011.
  1. “خطوات على الطريق: سيرة قلَم”، سيرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2003.
  1. كما ترك مخطوطة في السيرة بعنوان “من بيدر الحياة”، ومخطوطة تشتمل على ترجمته روايةَ “جيرمنال” لـ إمِيل زولا من الإنجليزية (أنجزها سنة 1955) .

 

28388 12829371_10153280455721607_1307007193954836657_o 19702415_10154507496816607_701632405075745870_n

وكتب في موضوعات أخرى:

  1. “الحسين بن علي والثورة العربية الكبرى”، دار النشر والتوزيع، عمّان، 1957. ط2، المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت)، عمّان، 1992.
  1. “تاريخ الأردن في القرن العشرين” (ج1، بالاشتراك مع منيب الماضي)، عمّان، 1959. ط2، مكتبة المحتسب، عمّان، 1991. (ج2)، الناشر نفسه، 1996.
  1. “لورنس والعرب: وجهة نظر عربية”، عمّان، 1962. ط 2، وزارة الثقافة، عمّان، 1992. ط3، دار ورد الأردنية، 2010. (تُرجم إلى اللغات: الإنجليزية، والفرنسية، واليابانية).
  1. “إمارة شرقي الأردن: نشأتها وتطورها في ربع قرن 1921-1946″، وزارة الثقافة، عمّان، 1990. ط2، الناشر نفسه، 2009.
  1. “تاريخ الأردن السياسي المعاصر: 1967-1995″،وزارة الثقافة، عمّان، 1998. ط2، الناشر نفسه، 2011.
  1. الثورة العربية الكبرى – وثائق وأسانيد، دائرة الثقافة والفنون – عمان 1966م.
  1. صور من البطولة، المطبعة الهاشمية – عمان 1968م.
  1. الحركة العربية ( 1908- 1924)، الطبعة الأولى – دار النهار للنشر – بيروت1970م .
  1. تأسيس الإمارة الأردنية ( 1921- 1925 )، عمان 1971م ، مكتبة المحتسب  عمان 1989م .
  1. المراسلات التاريخية – وثائق الثورة العربية الكبرى: المجلد الأول – عمان 1973م.
  1. مذكرات الأمير زيد – الحرب في الأردن ( 1917- 1918)، الطبعة الأولى ، مركز الكتب الاردني . عمان 1976م.
  1. صفحات مطوية – المفاوضات بين الشريف حسين وبريطانيا (1920-1924)، عمان 1977م.
  1. غربيون في بلاد العرب، دائرة الثقافة والفنون – عمان 1969م.
  1. أيام لا تنسى – الأردن في حرب 1948م، الطبعة الأولى – عمان 1984م؛ والطبعة الثانية – عمان 1997م؛ والطبعة الثالثة – الديوان الملكي الهاشمي 2008م.
  1. أعلام من الأردن ( هزاع المجالي، سليمان النابلسي، وصفــي التل )، الجزء الأول – عمان 1986م.
  1. أعلام من الأردن ( توفيق أبو الهدى، سعيد المفتي )، الجزء الثاني – المؤسسة الصحفية الأردنية – عمان 1993م.
  1. الثورة العربية الكبرى – الحرب في الحجاز ( 1916 – 1918م ) – حصار المدينة المنورة، الطبعة الأولى – عمان 1989م.
  1. تاريخ الأردن السياسي المعاصر 1967ـ 1995م، لجنة تاريخ الأردن، مؤسسة آل البيت – عمان 1998م.
  2. كما ترك مخطوطة بعنوان “حركات الضبّاط في الأردن: 1957-1956”.

 

1910175_20174536606_7552_n Suleiman_Mousa_typewriter

المراجع :

  1. من الرعيل الاول سليمان الموسى .. أول من أرخ للأردن ، د. محمد العناقرة . جريدة الدستور 8 اب 2008
  2.  أردنيون في ذاكرة الزمن سيرة المؤرخ والباحث /سليمان الموسى , رابعة الشناق . جراسا نيوز 22 اب 2013
  3. الموسى ، سليمان 2011 . مذكرات الأمير زيد – الحرب في الاردن 1917-1918 ، صفحة 23-36 . الطبعة الثالثة ، عمان : دار ورد .
  4. جلالة الملك يستقبل المؤرخ سليمان الموسى ، عمان – 30 اب 2007 ، الموقع الرسمي لجلالة الملك عبدالله الاول ابن الحسين .
  5. الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة  www.culture.gov.jo

[1] من تقديم الأستاذ الدكتور علي محافظه لكتاب الراحل الموسى ( مذكرات الأمير زيد – الحرب في الاردن 1917- 1918 ) ، صفحة 7.

سليمان الموسى ” قلم التأريخ الوطني “

Scroll to top