عبد الله العكشه

مناسبة القصيدة:

كان الشاعر عبدالله العكشة يحب الكرك ويتغنى ويتغزل بها دوما، بينما كان يرفض تصرفات الدولة العثمانية وممارساتها ضد وطنه وأهله ويجيش صدور شيوخها للثورة ضد العثمانيين وتحرير الأرض منهم، مما تسبب له بالنفي والسجن عدة مرات حيث نفي في إحدى المرات إلى قوزان في جبال القوقاز عقابا له على تحريضه للأهالي في ثورة الهيّة عام 1910 ونظم قصيدته هذه وهو في منفاه متشوقا إلى الكرك ولأهله وأحبته مشتكيا من الغربة في المنفى والجور والظلم العثماني

يَا نَاسْ ما بَالَ القَلمْ مِستِكنّ          مِنْ عِقب ما هو ع القراطيسْ سنَّان؟(1)

سِرْ يا قَلَمْ إوْ فَرِّج الهَمّ عَنِّي،       إكتبِ اقوافا ً ، فضِّي – فَضِّ – البالْ غَثيانْ (2)

انا امْهَاجرْ ، ضايع العقلْ مني     حالي امخربَطْ بالتدايين بلشان ، (3)

مِنْ عِقبْ مَا انا ابْحالتي مِرْجهنِّ،   أَليوم غَدَتْ يا قيمتي ما لها شان ! (4)

إركابْ مِنْ هِجنَ المِصايبْ لِفَنِّ،     إمحفلات امبرشماتٍ بالاحزانْ (5)

عليهن مِن سُودَ الخَلِقْ ميتين جنّي،  مَعْهُم هدايا شرّ وِاقراقْ خِلاّن  (6)

دَلَّن عليَّ بينهن شَوْشَحنّي            بالسِّيس حَطَّني على حَدِّ قوزان (7)

بِاديارْ ما فيها رفيقا ً يِحِنِّ،           كِلا ً يَعضّ ابهامْ يِمْناه غلاَّن ! (8)

لَنَّا تحاكينا ، غَشِيمينْ فَنِّ ،          كِلاَّ يِشِير الصَاحْبَه ، تِقِلْ خِرسانّ (9)

وَينْ ما مِشينا اعيونَهم شَخَصَنَّ،    وِاحْبُورهم عَلَيّ بِكِل الارْكانْ  (10)

لَنْ شَافْ زَوْلي اتْعَوَّذْ الله مِنِّي      عِدِّي ابليْ امرافقا ً لالف شيطانْ  (11)

بَلاى فِرقى اصويحبي شيَّبنَّي،      كِنّي قرِيصَ الذَّاب مَعْلُولْ وجعان! (12)

لَنَّه ذِكَرني ادْمُوعْ عيني هَمَنِّ،      إوْ لنِّي ذِكرتَه ، شَطّ بالقلبِ نيرانْ! (13)

قلبي على شَوْفَ الاِصاحيب حَنِّ،   يا الله ، لا تِقطَعْ رِجانا امنَ الاوطانْ! (14)

واشُومْ حظَّي اجبالْ طُورِسْ حَوَنِّي،   وَاوَيحْ قلبي من هَديْرٍ الجَوحَانْ (15)

إجْبَالْ وَعْرِهْ تِقِلْ صورا ً اوْ بِنّي،    مَا بَه منافِذْ والثلوجْ حيطان! (16)

يا رَبّ يَا ربَّ المخاليق حِنِ،        كَم شِدِّةٍ فَرَّجتها ، وامرها هان! (17)

شرح الابيات:

(1) . مالي أرى قلمي متخاذلا ً ، بعد أن كان يشبه السيف المسنون على الورق ؟

(2) . انطلق يا قلمي فرّج همومي ، اكتب أشعارا ً تزيل كآبتي . غثيان : مضطرب النفس .

(3) . أنا مُهجَّر فاقد عقلي ، مضطرب الأحوال ، مشغول بما نسب إليّ مما أدانوني به. بالتّدايين بلشان : مشغول فكري بالاتهامات.

(4) . بعد أن كنت معتزا ً بنفسي ، أصبحت مالي قيمة ولا ذكر . مرجهن : معنى الكلمة هنا ، معتز ، ومعناها العام : متوقَّع مؤمل.

(5) . وصلت إليّ ركاب المصائب مُزينة ً بالأحزان ، وجلاجل الكآبة .

(6) . يمتطي تلك الركائب مائتا جني سود معهم هدايا شر ، وفراق الأحبة .

(7) . انزلن على الكلاليب وأخذن يؤرجحنني بينهنفي بلاد السيس – وطرحتني في جبال قفقاس caucase .

         شوشحة : يعني بها الذي يؤرجحونه بالأرجوحة .

         السيس . (ادنه) وقوزان – القفقاس ، وأدنة أو أضنة مدينة في (الأناضول) نفي إليها الشاعر .

(8) . أنا في بلاد ليس فيها صديق شفيق كل ما فيها يعض ابهام يده اليمنى من الحقد .

         غِلاَّن : من الغُلّ : شديد الحقد على وزن فعلان .

(9) . عندما يكلم أحدنا آخر نجهل اللغة وكل منا يشير لصاحبه كأننا خرسان .

        لَنَّا : إذ نحن ، عندما أصلها – لمَّا أن فعلنا – .

(10) . أينما مشينا تشخص عيونهم إليّ كأنهم يرقبون صيدا ً لاقتناصه ، ما أشد جورهم عليّ في كل مكان !

         وين ما مشينا : أينما سرنا ، وقد قلبوا الهمزة واوا ً .

         شخصن : فتحت عيونهم ناظرة إليَّ لا تطرف ، ما أشد جورهم عليّ أينما حللت .

(11) . إذا رأى أحدهم خيالي تعوذ بالله مني كأني إبليس يرافق ألف شيطان!

         زولي : خيالي . ومعنى الكلمة مخالف لذلك ، فالزول لغة : الذكي السريع .

(12) . شر ما يمر في فراقي لأحبائي ، لقد شيبني ذلك ، كأني لديغ أفعى أعاني علة مريض مرضا ً لا يبرأ.

         قريص الذاب : لديغ الحية .

(13) . لّنَّه ذكرني : إذا هو ذكرني ، أو عندما يذكرني دموعي تنسكب ، وإذا ذكرته أنا اشتعلت نيران بقلبي .

         شط بالقلب : اشتغل في القلب .

(14) . قلبي حن إلى رؤية أحبابي ، يا إلهي لا تقطع أملنا من العودة إلى الوطان .

(15) . ما أشأم حظي وقد حوتني جبال طورس ، يا لحزن قلبي من هدير الماء في جيحان ، وهو نهر يجتاز سهول (أضنا) يمر بالقرب من (مرعش) ويصب في البحر المتوسط ، وقد استعار صوت الرعد لخرير الماء لشدة الصوت في سمعه.

        واويح : وأداة نُدّبة ، ويح كلمة ترحّم وتوجّع وهي بهذا المعنى في اللغة .

(16) . جبال وعرة تشبه سورا ً بني ، ليس فيه منافذ ، الثلوج تشبه الجدران .

        تِقل صورا ً أو بِني : بُني ، أصل تِقّل : تقول ، ومعناها تشبه سورا ً ، وقد قلب السين صادرا ً إو بِني : وبني مجهول

(17) . اشفق يا إلهي وإله الخلق ، ما أكثر الشدات التي فرجتها فهانت .

المراجع :

  • المرحوم الشاعر عبدالله العكشة ، معلمة للتراث الاردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، 2012.
  • عرس البويضا، فريد العكشة، وزارة الثقافة،2011.

قصيدة عبدالله العكشة الأولى في منفاه

عبد الله العكشه

 مناسبة القصيدة

  نظم الشاعر عبدالله العكشة هذه القصيدة التي يمدح بها الثورة العربية الكبرى وفرسان العشائر الأردنية تحت قيادة المغفور له الشريف الحسين بن علي وأنجاله من قادة الثورة ( عبدالله وفيصل وزيد ) مفتخراً بهم وبقيادتهم لمعارك الثورة العربية الكبرى وصولا لتكليل طموح الأردنيين الجمعي بالاستقلال عن الاحتلال العثماني، ويسخر في الكثير منها بجموع القوات التركية ووقوفها في وجه قوات الثورة، معبرا عن سعادته بهزيمتهم ورحيلهم عن ديار الأردنيين والدول المجاورة :

نَستحِمدَ الباري ، على كِلَّ الادوارْ،            أَللي حَمانا مِنْ ظلايم هالاشرارْ (1)

بالهاشمي اللِّي كِنَّهْ الذِّيب مِغوار ،             إبنَ الاِجْوادْ إو من افرُوع اطْوال (2)

مِنْ (شان) تِخليص العَربْ مِنْ شِقاها،         إرخْص ابروحهُ دُوْنها وافْتداها (3)

صَاحَ الاِمْصَيِّح لَلعْربْ وانباهَا،                جُوهَ النشِّامَى فَوق قِبَّ الاحْيالِ (4)

مِنْ سِريةَ الاتراك (فيصلْ) حَمَانا،             بَالسَّيفْ كِنْ قَطَّع مَواصِلِ اعدانا (5)

مِصْباح نُورْ عنا شِقانا ،                        لَوْلاَكْ ما ابْقوا للعربْ مْن تِوالي (6)

يا مِشعْلَ الظّلمْة ، إوْ يا سَاطِعَ النُّور،          خَليت ذِكركْ بالتواريخْ مَسطُورْ (7)

إسمك ْ على كرَّ الدَّهارير مذخورْ،             يا سَندَ العِربانْ سِيدَ الموالي (8)

(عَبْدَالله) عَ جَمْعَ الاِمْعادي رَماها ،            أَلسِّريّةْ القَشْرَى ابْيسفُهْ حَداهَا

عِسَكِرَ العْثِمان فَرَّقْ شِظاها ،                   تِعيشْ يا حَامِي الْعَرَبْ والتِّوالي (9)

بَ (زَيْد) زاد الْنا الشَّرفْ وِالمقَام              حِرّا ً نَهار الرَّيبْ يروي الاحْسَام

حَامي عَرَبْها بنهار الكِتام                      مِنْ حَكِمْ قَوْمٍ ما اتْعَرفَ الحرامِ (10)

هَدَّ الشّريفْ إوْ باجْمْوع طِوافيرْ،             عَلَى الْعثمان امْنظمينَ الطِّوابيرْ (11)

إمْنِ (امْعانَها)،(لاَرياقْ) راحتْ سِمَاديرْ       شُوفُونْ بالعثمانْ فِعلَ الرّجال (12)

يا عَسْكَرَ الاتْراكْ، وشْ عَادْ جَاكُم؟            هَذا الشِّريف اوْ باجْمُوعُه نِصاكم (13)

مِثلَ الغنَمْ يمَّ المِجازِرْ حَدَاكمُ،                  والسَّيفْ بارقَابَ العثامين مَالِ (14)

ياما سَوَّيتُم بالعَربْ من هَوايل                  جَاكُم الاشْرافْ فَوقْ السَّلايلْ (15)

بايمانُهمْ مِنْ مِرْهفات الصِّقايلْ،                يَبْغون مِنْكم ثَارْ وافي المِكَال (16)

ياَما سَوَّيتم بالعَربْ من ظَلاَيمْ،                جَاكم الاشْرافْ أهْلَ العَمايم (17)

إعْيالْ من فوق الرّكاب الهمَايمْ                هَيلَ الاِفْعالَ إوْ من قِديمَ الاجيال (18)

يَا عَسْكَرَ العِثمانْ، يا بَاهتَ الْحيَلْ              فِتُّوا (حَلبْ) تِقْلَ البِقَرْ والعَجاجِيلْ! (19)

حِنَّا خَدينا الثارْ وافي المِكاييل                  مَهزُوزْ بالصَّاع العَزيزي اكيال (20)

حِنَّا صِبرنَا الْحِكُمكم، يَوم كانا،                 سَبْعَة اجيال دافِيين اللّسانا (21)

حتى ادعَيْتُمونا انشَابِهِ انسَانا،                   زَوْدا ً على تِعْليقنَا ، بالاِحْبال (22)

إنْتُم حَكَمتوُنا او جْرتُم عَلينا،                   إوْ حِنَّا وَلَينَاكُمْ إوْ عنكُم اغضَينا (23)

هَذي مِشَاحي اجدْودنا الاولينا،               وَالعَفو شَومَات الرجالَ العَوالي (24)

نِسْتَحمِدْ الله ابْزولِةَ التِّركْ عِنَّا،               يَومِ اسْتَقلَّينا ، إوْصِنَّا ظَعَنَّا (25)

دَوْبْنَا سِكَنَّا ادْيَارَنا وِارْجَهَنَّا،                  بِضَفّ مولانا رفيعَ الجلال (26)

لاَ يَا العَربْ تِجمَّعُوا ابِكْلَّ مِبْناهْ،              صِيحوا ابعَالي الصَّوتْ لِلعالي الله

يَحمي لَنا الاشرافْ بالعِزّ والجاه،             (إحْسَينَ) الاوَّل رَيْتْ عِمْرَه اجيال (27)

شرح الابيات:

(1). نحمدالله – على كل الظروف – الذي أنقذنا من مظالم هؤلاء الأشرار .

(2) يالهاشمي – الملك حسين – الذي يشبه الذئب الشجاع ابن الكرام ذوي الأصول الشريفة.

(3). لكي ينقذ العرب من الشقاء بذل حياته رخيصة لافتداء العرب .

(4). أهاب بالعرب فلبى نداءه النشامى * النشامى ، جمع نشمي ، وهو البطل المشهور بالنجدة ، وبأخلاق الفروسية المترفع عن الدنايا الجامع لعناصر النبل ،، فَوق قِبَّ الاحْيالِ : فوق الخيول المضمرة غير اللقاح .

(5). من شر ذمة الترك حمانا (فيصل) بسيفه قطع أوصال أعدائنا.

(6). مصباح من النور ، أزال شقاءنا ، لولاك ما أبقوا للعرب بقايا.

(7). يا مشعلا ً منيرا ً في الظلام أبقيت ذكرك مسطرا ً في التاريخ.

(8). اسمك محفوظ على كر الدهور يا سيد العرب وسيد السادة .

(9). فرق جيوش العثمانيين وجعلها أشتاتاً. عشت يا حامي العرب ومؤخرة الجيش .

(10). حمى العرب في نهار الحرب وأنقذهم من حكم أقوام لا يعرفون حلالا ً من حرام.

       نهار الريب : نهار الحرب . نهار الكتام : نهار الهم والحرب ، ثائر غبارها.

(11). هجم الشريف بجموع غفيرة ، على بني عثمان الذين ينظمون الطوابير.

(12). من معان إلى (رياق) هرب العثمانيون لا يبصرون من الخوف ، انظروا يا بني عثمان ما يفعله الرجال.

(13). يا جند الترك ماذا أفادكم هذا هو الشريف جموعه قد توجهت نحوكم.

(14). وساقكم كالأغنام نحو المجازر وسيفه أطاح برؤوس العثمانيين.

(15). ما أكثر ما أنزلتم بالعرب من أهوال ، جاءكم الأشراف مع الخيل الأصيلة .

(16). بأيديهم السيوف المحددة الصقيلة يريدون أخذ الثأر وافيا ً بالكيل .

(17). ما أكثر ما أوقعتم بالعرب من مظالم ! ها قد جاءكم الأشراف ذوو العمائم .

(18). أكثر ما يعنون بكلمة اعيال : الفتيان الشجعان ، إذا ذكروا الكلمة بصيغة الجمع ، يمتطون أكرم الخيل والهجن والركائب هي الهجن ، أهل الأفعال العظيمة من أقدم العصور .

       همايم : جمع همام ، أي ملوك وهممهم عالية .

(19). يا جيش بني عثمان يا ساقط الهمة تجاوزتم حلب هاربين كمجوعة من الأبقار .

        باهت الخيل ، ساقط الهمة . فتوا : تجاوزتم ودخلتم . عجاجيل : جماعات من البقر ، وقد قلب الأرادنة الهمزة في عجاجيل عيناً.

(20) نحن أخذنا الثأر وافيا ً بالصاع العزيزي وهو 9 كيلات من القمح ؛ كناية عن استيفاء الحق كاملا ً . لأنه بدل الصاع البلقاوي الذي هو 6 كيلات . * كان العرب يقولون العمائم تيجان العرب .

(21). صبرنا على حكمكم الذي دام سبعة أجيال وكنا دافيي اللسان معكم، دافي اللسان كناية عن الذي لا ينطق بكلمة فيها فحش أو سباب .

(22). إلى أن جعلتمونا نشبه الضعفاء في الاستكانة وفوق ذلك تعليقنا بالمشانق . إدْعيتونا : صيرتمونا .

(23). أنتم حكمتمونا جائرين ونحن عندما غلبانكم تسامحنا معكم .

       وَلَيناكم : سيطرنا عليكم ، غلبناكم . أغضينا : تسامحنا .

(24). تلك هي مكارم أجدادنا الأولين والعفو من شيم عظماء الرجال. مشاحي : قِيَم . شومات : شيم.

(25). نحمد الله الذي أزال حكم الترك عنا يوم تم استقلالنا وحافظنا على أوطاننا التي كنى عنها بالظعن .

       صِنَّا ظعنا : حمينا ، من صان يصون – حوزتنا .

(26). الآن سكنا ديارنا واطمأنت نفوسنا بحماية مولانا العظيم . دوبنا : الآن فقط . ارجهنّا : اطمأنت نفوسنا ، بضف : بحماية

(27). أيها العرب اجمعوا كلمتكم واهتفوا بأعلى أصواتكم لله يحمي لنا الأشراف والشريف الحسين بن علي .

المصادر:

  • المرحوم الشاعر عبدالله العكشة ، معلمة للتراث الاردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، 2012.
  • عرس البويضا، فريد العكشة، وزارة الثقافة،2011.

قصيدة عبدالله العكشة بالثورة العربية الكبرى وقادتها

عبد الله العكشه

لم يعد الشاعر عبدالله العكشة الى أرض وطنه إلا بعد هزيمة الدولة العثمانية وانتصار قوات الثورة العربية الكبرى وفرسان العشائر الأردنية على المحتل العثماني وتحريرهم لكامل الأرض الأردنية، حيث نظم قصيدة يذكر بها قساوة ما عاناه الأردنيون من قوات الاحتلال العثماني وتسلطها وظلمها لأهل وطنه طيلة قرون من حكمها الغاشم، وينتقل للحديث عن أهوال الحرب العالمية الأولى وسعير اشتعالها والتحضير لها :

ألبارحة عين اعْنَ النَّوم لاَجَتْ             إوْ حالي مِنْ كِثَر الاهموم هاجت (1)

تِقلْ مَوجَاتَ البحَرْ يَوم هَاجتْ             إوْ قلبي في بَحَر الهواجيس جالِ (2)

قلبي تِفكّرْ بَالبَلا وَالمِصِيبه ،               واحْوالْ دْهَركْ صَايره مِستريْبه (3)

زالَ السَّعَدْ، وَالويلْ جَانا لهِيبَه،            تِزَلزَت إرْكان حَالَ الاحوال (4)

أللهْ مِنْ حِرْب غَشَانا سَنَاهُا،                شَطَّت على الدِّنيا تِزايد بلاها، (5)

عَمَّتْ خَلايق نايْمهِ في اخْباها              سِبْحان مِن هُوه على الكِلّ والي (6)

حربا ً سَناها طَالْ روُس المشاريفْ،      نار ادعَقتْ بِالهيشْ اوْ باقي التلافيف (7)

مَالَهْ مِثْل اوْ لاَ سِبَقْ لَه تِواصيفْ،         عَفَّت اشروشْ امْغَطِيْه بالدّمالِ (8)

الموتْ لاَوجوه المداغيش قَصَّاب،         إعْيالْ مِنْ شَرَّه غدوا اليوم شيَّابْ (9)

وِاطفَالْ ضَاعَتْ بِوَعَرهْا والاهضْاب،     وارَواحْ رِخْصَت بَعَدْ ما هي غوالي (10)

حرباَ مَهُولِة إو ما سِبَقْ لهَ بالامثال،       كِثرةِ عَسَاكِرْ لَلْقِبيلين تَنهالْ (11)

إمْكَمَّلِهْ باسْلاحْ عَ الكيف يا ارجالْ         آلات اجهنَّم زايدة بالشَّعالِ (12)

مَوازنا ً تكْسِرْ مِتينَ الاعظامِ                مَدَافعا ً تِفني خَلايقْ وَانامِ (13)

فعلَ القنابل زايدا ً بالاكرامِ،                أَللِّي ادهَجَنُّه ما بقي ليَهْ تالي (14)

بَالوَصِفْ غَوَّصاتْ مِنْ تحتِ الابحارْ،     وِالاَّ اقلاعا ً بالهوا فوق طيَّاره (15)

وِالاَّ حَناتيرٍ على القَاعْ سَيَّارْ ،              وِالاّ مراكِبْ عَ الابحور الزَّلالِ (16)

ثلاثِ اسنْينٍ وَالعربْ بَالبلاَوي،             ذاقوا مِظالْمِ مَعْ عَذاب او مِساوي (17)

كانَ السَّببْ (جمال) باشا خلاوي*          النَذَلْ نَذَل أوْ لو يسمَّي جمالِ (18)

يَا ظِلُمْ تِركيَّا ، غذا اليوم مَشهور،          يم العرب سَاقَت ثَلَثمْيِةِ طابورْ (19)

(جمال) باشا كِنَّه الوحش مَسْعورْ           جزارْ ما يَرحمْ رِضيعَ الطَّفالِ (20)

بَسّ هَقِوتهُ يشفي غَليِلُه ابْعربها              مِشانقا ً ، وفي كلّ مَوضعْ نِصَبهْا (21)

إفْحولَهم يَمَّ المجازرْ جَلَبهْا                   هذا امَلْولَحْ ذاكْ بالنَعش شالِ (22)

مِنْهُمْ في عَتْمَ السراديبْ مكتوبْ،             إوْ منهم مِنْ شَرَّ العذايات مخطوف (23)

مِنهمْ على المقابل فَاتْ مَزنوفْ،              مِنهمْ فرارا ً بالافِجوج الخوالي (24)

سَرْقن حَريمٍ ما عليهن جَنيِّهْ،              واطْفَالْ رِضَّعْ ما ايَعرفوا الخطيَّه (25)

إوْ حَريمْ مبكّي يا دموع سخّية             على افَراق اعيْالهنْ وَالرِّجال (26)

راحوا العَربْ شِتاتْ بكلِّ الاوطانْ،        في (أنْقَرةَ) و (قونية) إوْ نِيْة قوزان (27)

مِثلْ عَبيدَ الرِّقّ، من قَبلْ ذِلْوانْ            عَبيد يِنْجلبُونْ وَالسِّعرْ غَالي (28)

هَيْلَ الامْوالْ رَاحُون كِتهم مَماليكْ،        عِقْبَ الغَنَى اليومْ لَونَ الصَّعالِيكْ (29)

مَصْرُوفهم يَومِي عِدَّة مِتَاليكْ،             إمْنَ الوَرَقْ أَللِّي عَليَه الاِهْلاَلِ (30)

يَا ربَّ يَا اللِّي عَ المخاليقْ وَايقْ          يَا امْفرِّج الضِّيقَات يَومَ المضَايقْ (31)

يا عَارفا ً سِرَّ الخفا بَالدِّقايقْ،             إلْطِفْ بِنا مِنْ مَيْلية الحالْ مالِ (32)

إرْحم اطفْالا ً ما عليها شِفيِق             إوْ حَريمْ تِبكي اصِياحَهِن والزّعيق (33)

غَدَنْ شِتاتٍ بَيْن وَعْر او طَريق         غِفرات عاشَنْ بالِحْلَى والدَّلالِ (34)

شرح الابيات

(1). البارحة حادت عيني عن النوم ، واضطربت أحوالي من كثرة الهموم .

      لاجَت : هجرت النوم .

(2). مثل أمواج البحر عندما هاجت وقلبي كان يطوف في بحر من الهواجس.

      الهواجس : الأفكار المزعجة الحائرة المضطربة .

(3). قلبي يفكر في البلاء والمصائب ، وأحوال الدهر المريبة.

    مستريية : باعثة على الارتياب . زال السعد : فقد الحظ الحسن.

(4). فقد الحظ وجاءنا يهب لنا الويلات ، اضطربت أسس الحياة وأحوالها .

     حال الأحوال : تحول كل أمر كان في الأصل مستقرا ً.

(5). أشكو إلى الله من حرب لفنا دخانها ، التهبت على الدنيا وزادت أهوالها .

     شطَّت : التهبت بسرعة .

(6). عمت بشرا ً مُسالمين ينامون في بيوتهم مطمئنين ، سبحان الله والي كل البشر!..

     إحباها : بيوتها ،والخباء في الأصل مستقر العروس  دلالة على الأمثلية.

(7). هي حرب وصل دخانها إلى أعلى الأعالي ونار أحرقت الغابات وما حولها .

      سناها : معناها هنا ، الدخان الكثيف .

(8). ليس لها مثيل ولا سبق أن وُصف مثلها استأصلت الجذور التي تحت الأرض.

      التلافيف : ما حول الغابة .

     عَفَّت : استؤصلت الجذور المدفونة تحت التراب.

(9). الموت أهلك الهجَّامين من الأبطال ، شبان من شر الحرب صاروا شيوخا ً

(10). أطفال ضاعوا في الوعر والهضاب ، ورخصت الأرواح بعد غلائها .

(11). حرب هائلة لم يسبق لها مثيلة ، وعساكر كثيرة تنهال على المتحاربين.

(12). سلاحها كامل كما تشتهي ، آلات جهنمية يزيد اشتعالها.

(13). بنادق موزر تحطم العظام المتينة ، ومدافع تفني الخلق والأنام.

(14). أفعال القنابل زائدة جدا ً ، وكأنَّ زيادتها هي تكريم لضحاياها . فالذي أصابته ، ما بقي له من أثر !

(15). يصنعون غواصات في البحار وقلاعا ً طائرة في الهواء .

       إقلاعا ً : شبه الطيارات بالحصون الطائرة.

(16). وسيارات في السهول سائرة ومراكب على البحور الصافية .

       حناتير : مفردها حنتور ، ويعنون بها السيارة .وكانوا يطلقون هذا الاسم عن العربة ذات الراكب الواحد يقودها حصان واحد .

(17). قضى العرب ثلاث سنين بالمصائب . ذاقوا ظلما ً وعذابا ً وإساءات .

 (18). السبب جمال باشا وحده ، النذل نذل ولو سمي جمالا ً . خلاوي : وحده لا رفيق له .*لام خلاوي مضخمة.

(19). ظلم الترك أصبح مشهورا ً جردوا على العرب ثلاثمئة طابور.

(20). جمال باشا يشبه الوحش الكلب – المسعور – ، جزار لا يرحم رضيع الأطفال.

(21). غرضه الأوحد شفاء غليله من العرب ، فنصب المشانق في كل مكان.

        هقوته : مراده . فحولهم : عني بذلك عظماء الرجال . إملولح : يتأرجح متدليا ً بحبل المشنقة .

        شال : رُفع .

(22). ساق عظماءهم إلى المجازر فهذا يتأرجح مشنوقا ً ، وآخر محمول على النعش.

(23). بعضهم مصفد في السراديب المظلمة ، وبعضهم خطف لونه من شر العذاب.

(24). ومنهم من أدخل في المقابر ذليلا ً ومنهم الذي فرَّ في البراري الخالية .

       فرار : هارب. الاقجوج : مفردها فجِّ ، الصحارى الخالية العظيمة الاتساع.

(25). هجّروا نشاء لا جريمة لهن ، وأطفالا ً رضعا ً ما يعرفون الخطيئة.

        سَرْفن : كلمة تركية معناها أبعد عن الأوطان . ومنهم من يقول (سَرْ فَلْ).

       ما عليهن جَنيّة: لم يَرتكبن جنابة.

(26). ونساء يبكين بدموع سخية ، على فراق أطفالهن ورجالهن.

(27). شتت العرب بجميع الأوطان ،في (أنقرة) و (قونية) و (القوقاس).

       (أنقرة) و (قونية) و (ادنة) مدن في تركية في الأناضول . هيل الأموال : أهل الأموال.

(28). كعبيد أرقاء في الزمن القديم قبل زماننا هذا ، عبيد يجلبون للبيع وأثمانهم غالية .

(29). أهل الأموال أضحوا كأنهم مماليك ، بعد الثراء اليوم يشبهون الصعاليك.

      ميلة الحال مايل : تبدل الأحوال الى أتعس ألوان الشقاء.

     زعيق : صراخ بذعر شديد . غَدَن : أصبحن .

(30). نفقاتهم اليومية أتفه أنواع النقد  . متاليك : جمع متليك ، نقود تركية الواحد منها عشر بارات من ورق النقد العثماني عليه الهلال – والبارة تساوي فلسا ً.

(31). يا الله أنت مطلع على كل الخلائق يا مفرج الضيق أيام الضيق.

(32). يا عالم أدق أسرار الخفا، أُلطف وأنقذنا من الحوال المائلة .

(33). ارحم أطفالا ً ليس هناك من يشفق عليهم ، ونساء يبكين بكاؤهن زعاق.

(34). أصبحن مشتتات بين الوعر والطرق كالغزلان الصغار عشن بين الحلى والدلال .

المصادر:

معلمة للتراث الاردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، 2012.

عرس البويضا، فريد العكشة، وزارة الثقافة،2011.

قصيدة عبدالله العكشة بالظلم العثماني

عبد الله العكشه

مقدمة

كان جريئأ في قول الحق بأشعاره، لا يخشى تهديداً في مرافعاته، متواضعاً في حياته ويرفض الالتفات خارج دوائر الحقيقة و الواقع، إنه من نسل أجدادنا الأردنيين الذين قدموا أنفسهم  فداء من أجل بلدهم، فلم يقبل الظلم والضيم و القمع الذي مارسته سلطات الاحتلال العثماني ضد وطنه وأحرار العشائر الأردنية وفرسانها،  فحمل سلاحيه ( لسانه وقلمه ) ضد البطش والظلم وكان بحق أحد أوّل مؤسسي حركات المعارضة الأردنية والمطالبة بالاستقلال من الحكم العثماني، ما حمّله مصاعب شتى بين السجن والنفي والملاحقة جعلته شاعر الثورات الأردنية الوسطى و أبرزها ( ثورة الكرك – الهيّة ) وأحد أبرز روّادها.

ولادته ونشأته

ولد الشاعر المحامي عبدالله العكشة في الكرك عام 1880، وقد جاء الشاعر الى هذه الدنيا حينما حفّت وطنه الأردن السحب العثمانية السوداء وما رافقها من الإهمال والتجهيل الذي مارسته السلطات العثمانية منذ احتلالها للأرض الأردنية وحكمها من الخارج بالوكالة، ورغم هذا الاهمال المتعمّد وعدم وجود المدارس آنذاك والعائق الكبير الذي أوجده العثمانيون أمام الراغبين في طلب العلم من أبناء الأردن عبر اشتراط تعلّم اللغة التركية للدراسة في مدارسها خارج الأردن، إلا أن العكشة كان عصامياً رافضًا الخضوع لعوائق العثمانيين، يطلب العلم بكل الوسائل الممكنة ولا ينتظر قدومه وقد أسعفه الحظ بدخوله مدرسة الروم الارثوذكس، ولم يكتفِ بذلك ما جعله لاحقا الشاعر والمحامي المُجيد لخمس لغات مختلفة سبق فيها أقرانه في ظل محتّل يجبر المواطنين على تعلّم لغته وحده فقط، ولكن كيف تعلم هذه الخمس لغات؟؟

8.indd
مدينة الكرك في الفترة التي ولد ونشأ فيها البطل عبدالله العكشة

مقاومة التجهيل العثماني

تذكر القصة التي رواها الراحل عبدالله العكشة أنه سمع شاباً قادماً من القدس يتكلم الفرنسية مع أحد السياح فأخذه الحماس والإصرار على طلب العلم وتعلم اللغات على وجه التحديد، ما جعله يقوم باللجوء إلى كاهن الطائفة اللاتينية في الكرك المعروف عنه اتقانه للفرنسية والايطالية والانجليزية ليقوم بتعليمه اللغات الثلاث، أما التركية فكان يتقنها كتابةً وقراءة ولفظًا والتي تعلمها مُكرها بسبب سياسة التتريك التي كانت تجبر الناس على تعلمها، بينما كانت العربية لغته الأم التي أحبها وأجاد فنونها.

تميز (الاعكيش) – كناية عن انتسابه لعشيرة العكشة – بـ قوة الشخصية والنباهة والاجتهاد ما جعل حياته عبارة عن صورة مشرقة وبالغة الأثر في البنية السياسية التي كانت آنذاك وفي البنية الاجتماعية أيضاً .

تزوج الشاعر عبدالله العكشة ثلاث مرات في حياته، حيث تزوج فتاة من عشيرة الحجازين من الكرك عام 1901وتزوج بعدها من عشيرة الزعمط من السلط، بينما تزوج الثالثة في السنة 1917 من عائلة أبو عقلة.

صورة أخذت في عام 1890 ويظهر في الشاعر عبدالله العكشة بجانبه رقم 8

 

نضاله ضد الاحتلال العثماني

كان لعبدالله العكشة الدور النضالي الواضح و المؤثر ضد تجبر وظلم الدولة العثمانية بمختلف الوسائل والأدوات، وبدأ هذا النضال على أوسع أبوابه حينما قام بكتابة رسالة شديد اللهجة إلى الصدر الأعظم – رئيس الوزراء العثماني في حينه – في اسطنبول يستهجن فيها سياسة الظلم وارتفاع الضرائب والسخرة التي يعانيها أهل الكرك في ذلك الوقت، وحتى يحمي نفسه من الملاحقة والغدر العثماني؛ قام عبدالله العكشة بتغيير خط يده ولم يترك اسماً أو توقيعاً على الرسالة وكتب في آخرها باللهجة المحكية ( تحكمنا دولة قرود ولا الدولة العثمانية) ما يشير إلى قبول الناس – في ظل فظاعة المحتّل – لأي شكل من أشكال الحكم بدلا عن هذا الحكم، ولكن ورغم اخفائه لهويته قامت السلطات العثمانية وبعد أشهر قليلة باعتقاله ونفيه إلى الطفيلة عقابا له على رسالته اذ لم تكن لتخفى لغة هذا البطل عن أعين جواسيس المحتل وقياداته.

شعر العكشة في مواجهة العثمانيين

تبدّت نبوغة العكشة في الشعر منذ صغره، اذ عرف عنه ذائقته الشعرية البليغة وقدراته اللغوية التي مكنته من التعبير بذكاء عن كل ما يمرّ به، وقدرته الفائقة على تحويل الكلمات و المفردات إلى نصوص شعرية مليئة بالصور الفنية السهلة الممتنعة، إضافة لثقافته الواسعة وامتلاكه لفنون الخطابة القادرة على التحفيز والإثارة.

وكلما اشتم العكشة رائحة الضيم أو الجور، كان يثور بحمية لا تعرف الخضوع، ويحتج على ذلك بالشعر، اذ كانت أشعاره تنبه زعماء الكرك، ومشايخها للدفاع عن بلدهم، ورفع الضيم عنها، ما جعله شاعرا أوّل وأوحد لثورة الأردنيين عام 1910 ( الهيّة ) وما سبقها من انتفاضات شعبية ضد العثمانيين، وقد جلبت له أنفته وثورته على الظلم حقد العثمانيين وبطشهم ذلك الأمر الذي جعله معرّضا لسلاح السجن و النفي لمرات متعدّدة بعيدا عن أهله وأحبائه ووطنه.

بدأت مسيرة الراحل البطل عبدالله العكشة في مواجهة العثمانيين في عام 1900 عندما تسلّم ( مصطفى باشا العابد ) منصبه كمتصرف جديد بعد متصرف اللواء السابق ( رشيد باشا )، وكانت سمعة مصطفى باشا العابد سيئة جدا، اذ لم يكن يخجل أبداً من التباهي بقبوله للرشوة وأخذها من الشاكي ومن المشتكى عليه، وفيما بعد أعاد مصطفى باشا العابد تطبيق و إحياء نظام ( السخرة ) العثماني على أهالي الكرك وأجبر الأهالي على العمل بها، رجالاً ونساء ومن جميع الأعمار، اذ تعددّت الأعمال من بناء الثكنات العسكرية و جلب المياه إلى المعسكرات والمخافر وشق الطرق المؤدية لها ومن ثم قطع الأشجار الحرجية ونقلها لمحطات سكة القطار العسكري العثماني الذي استخدم فورا وبعد انطلاقه بقليل لقمع ثورة الهيّة ، ورغم أنها جميعها يفترض بها أن تكون أعمالا موكلة للجيش والدرك التركي، ونظرا لحجم مساوئ هذا النظام ضجر الأهالي، وساءت العلاقة بين الشيخ قدر المجالي وشيوخ الكرك وبين المتصرف مصطفى باشا العابد .

صورة توضح مدى الظلم الذي كان يقع على الاردنيين عبر اجبارهم على العمل بالسخرة في بناء سكة القطار العسكري العثماني

وقد عبّر عن هذا الضجر والاستنكار الشاعر البطل عبدالله العكشة، اذ بينما عُقد اجتماع لعشائر الكرك للقضاء على ( نظام السخرة) وفرض الضرائب والتجنيد الاجباري والوقوف في وجه استمرار تطبيقها، قام الشاعر وانتهز الفرصة لإلقاء قصيدة في هذه المناسبة، وكانت غايته أن يشعل الهمّة في صدر الشيخ قدر المجالي ومن معه من شيوخ العشائر الأردنية ضد الاحتلال العثماني و ظلمه و فساده، وقد قال في بعض أبيات قصيدته :

الله مِنْ قِلْبِ أظرمَت بِيْه نِيــــــــرانْ                جِوَّى ضلوُعي زَايد لْهِا لَهابـــــــا

عدِيرةٍ ما هي مِلِكْ إبن عثمــــــــــانْ              وظلَّت عَزيزة بَالشَّرف والمهابــــــا

تَرى السِّخْرَةْ خَلَّت النَّاس نِســـــــوان              وغَدَت على بعض المخاليق نابـــا

لا يا قدر يا شَوقْ مَسلوبَ الابِـــدانْ                يا شيخ لا تَرضَى علينا الخرابــا

انخى أخو شاهه  يوم رَوْغَاتَ الارهَانْ            رفيفان فَرِّج هَمَّنا والعذابـــــــــا

لقراءة القصيدة كاملة أنقر هنا

وما أن ألقيت القصيدة حتى تحمس الشيوخ و الوجهاء و الفرسان و ثاروا واشتعلت جرعات الأدرينالين التي بثها العكسة في أبياه، فأبرقت الإدارة العثمانية المحلية برقيات مستعجلة إلى المراجع العليا لدى الباب العالي العثماني محذرة من قيام الثورة نتيجة هذه الاحتجاجات على نظام السخرة، فأوقفت السخرة في النهار نفسه قبل أن يعاود الاحتلال العثماني استخدامها مجددا عندما بدأ بمدّ سكة القطار العسكري العثماني عبر الأراضي الأردنية، ما جعل قصائد العكشة سلاحا فعّال في وجه المحتّل لم يكن يسهل مواجهته أو كتمه.

قصائد المنفى – الكرك والثورة في وجدان العكشة

كان الشاعر عبدالله العكشة يحب الكرك، يتغنى ويتغزل بها على الدوام و قد سطّر في حبها القصائد العظام، كردٍّ بالغ على تصرفات الدولة العثمانية وممارساتها ضد وطنه وأهله، وما بعد ثورة الكرك ( الهيّة ) عام 1910 وعقابا له على المشاركة بالثورة والتحريض عليها عبر قصائده، وتحسّبا من العثمانيين من مشاركته ودعمه للثورة العربية الكبرى التي بدأت تصل أنباؤها للأردنيين، صدر بحقه مع مجموعة من شيوخ ووجهاء العشائر الأردنية عقوبة النفي خارج الأردن وكان نصيبه النفي إلى منطقة قوزان في جبال القوقاز، فكان قرار نفيه يلخص هذا التخوّف بالقول : ( انفوه حتى لا يتحول لسلاح إضافي في يد الثوّار ، لا ينقص الثورة العربية الكبرى شعراء جدد ، يكفينا ما نالنا منه بالهيّة ) !

كان واضحا أن شعر العكشة الذي ايقظ البركان الأردني في الهيّة، كان قادرا أن يصل إلى حوران الأردنية لو أقبلت الثورة العربية الكبرى و العكشة بين أهله وفي وطنه، ولو قدّر له أن يكون في وطنه بدلا من المنفى لكان العكشة بلا منازع سلاح فرسان العشائر الأردنيين الفتاك في مواجهة آلة البروبوغندا الألمانية العثمانية .

ولم يكن للمنفى أن يبعده عن هواه ومعشوقته فقد قام عام 1918 بتنظيم قصيدة في منفاه يظهر فيها حجم شوقه للكرك.

وهذه بعض من أبيات القصيدة:

يَا نَاسْ ما بَالَ القَلمْ مِستِكنّ                        مِنْ عِقب ما هو ع القراطيسْ سنَّان

 سِرْ يا قَلَمْ إوْ فَرج الَهمّ عَني                     إكتبِ اقوافاً،فضي– فض البالَ غَثيانْ

دلن علي بينهــــــن شَوْشَحنّـي                      بالسيس حطني على حد قوزان

بِاديار ما فيها رفيقاً يحن                              كِلاً يَعضّ ابهامْ يِمْناه غلان

يا رَبّ يا رَبّ المخاليق حِنِ                          كَم شدة فرجتها وامرها هان

لقراءة القصيدة كاملة أنقر هنا

8.indd
قلعة الكرك – 1918

 

كما نظم قصيدة أخرى أيضاً في منفاه يتحسر فيها على غيابه عن مدينته وأحبته وينعى رفيقه الشيخ البطل قدر المجالي بعدما وصل خبر اغتياله بالسم من قبل العثمانيين إلى مسامعه في المنفى يقول في بعض أبياتها:

وَيْنَ(الكرك) وِاجْبَالْها،وين (شِيْحَانْ)؟              وين الاِقْنان اللِّي بها الميْس مغواه

وَيْنْ(القَصِر) يا عَين و(اتْلاعْ وسلمان)               (الرَّبَّة) الله عَزَّها نايف الجاه

إصبر  وَالين الصَّبرْ فَراجَ الاحزانْ                    كم شِدّة ياتي فرجها امْنَ الله

لا بِدَّ ما انْعُودَ الكرك وَايَّ الاوطانْ                وِاحاسبْ هَيلَ الدَّين إو نعطيهم اياه

لقراءة القصيدة كاملة أنقر هنا

ولم يعد الشاعر عبدالله العكشة إلى أرض وطنه ولم يصدر قرار فك أسره، إلا بعد انتصار قوات الثورة العربية الكبرى وفرسان العشيرة الأردنية وهزيمة الدولة العثمانية، حيث نظم قصيدة يذكر بها قساوة ما عاناه الأردنيون من قبل قوات الاحتلال العثماني وتسلطها وظلمها، وهولات الحرب العالمية الأولى وسعير القتال والتجهيز لها، يقول في بعض من أبياتها:

فعلَ القنابل زايدا ً بالاكرامِ               أَللِّي ادهَجَنُّه ما بقي ليَهْ تالي

بَالوَصِفْ غَوَّصاتْ مِنْ تحتِ الابحارْ    وِالاَّ اقلاعا ً بالهوا فوق طيَّاره

وِالاَّ حَناتيرٍ على القَاعْ سَيَّارْ               وِالاّ مراكِبْ عَ الابحور الزَّلالِ

ثلاثِ اسنْينٍ وَالعربْ بَالبلاَوي             ذاقوا مِظالْمِ مَعْ عَذاب او مِساوي

كانَ السَّببْ (جمال) باشا خلاوي          النَذَلْ نَذَل أوْ لو يسمَّي جمالِ

يَا ظِلُمْ تِركيَّا ، غذا اليوم مَشهور        يم العرب سَاقَت ثَلَثمْيِةِ طابورْ

لقراءة القصيدة كاملة أنقر هنا

وكما تفاخر وتغنى بالثورة العربية الكبرى كان لقائدها المغفور له الشريف الحسين بن علي وأبنائه من قادة جيوش الثورة نصيبا من شعره يقول فيه:

نَستحِمدَ الباري ، على كِلَّ الادوارْ           أَللي حَمانا مِنْ ظلايم هالاشرارْ

بالهاشمي اللِّي كِنَّهْ الذِّيب مِغوار             إبنَ الاِجْوادْ إو من افرُوع اطْوال

مِنْ (شان) تِخليص العَربْ مِنْ شِقاها        إرخْص ابروحهُ دُوْنها وافْتداها

مِنْ سِريةَ الأتراك (فيصلْ) حَمَانا             بَالسَّيفْ كِنْ قَطَّع مَواصِلِ اعدانا

(عبد الله) َ عجمع الامعادي رماها،            ألسِّرّيه القشرى ابسيُفه َ حداها

ب ( َ زيد) زاد النا الشَّرف  والمقام       حرًا َ نهار الرَّيب يروي الاحسامِ

لقراءة القصيدة كاملة أنقر هنا

2.indd
قائد الثورة العربية الكبرى – الشريف الحسين بن علي

عبدالله العكشة وميزان العدالة 

وبينما كان يناضل بقلمه في وجه قوة الاحتلال، لم يعدم البطل عبدالله العكشة الوسائل والحيل ولم يكتف بشعره فقط لمواجهة التجبر والظلم العثماني على أهله ووطنه، فحاول بكل الوسائل الممكنة تعلم القانون ليحاول متى استطاع الدفاع عن أهله بكل الوسائل الممكنة، ونظراً لعدم قدرته على الالتحاق بمعاهد علمية أو جامعات في ظل حالة التجهيل التي فرضتها الدولة العثمانية؛ طلب مساعدة صديقه عودة القسوس حيث كانا يتناقشان دوما في المسائل القانونية وفي مواد مجلة الأحكام وهما يتنزهان في الطريق السلطاني: طريق الكرك – عمان الحالية، وانكبّ على دراسة كتب القانون حتى تمكّن من تحصيل المعرفة القانونية بشكل مفصّل وواسع.

العكشة والمناصب العامة

عين المرحوم (عبد الله العكشة) عضوا في محكمة الكرك في العهد الفيصلي بعد نيل الاستقلال الأولي عن العثمانيين، ثم عيّن في محكمة بداية (إربد) في السنوات الأولى من تأسيس الإمارة الأردنية، وبعد تركه للوظيفة سنة ١٩٢٧ زاول الراحل مهنة المحاماة في الكرك، إلى أن تقاعد سنة ١٩٥٢،  فكان عبدالله العكشة المحامي النزيه الذي لا يستلم أي قضيةٍ إلا بعد دراستها جيدا فإن كانت على حق قبلها، أما إن كانت على باطل فكان يرفض استلامها مهما كان الثمن ومهما تكن الفائدة منها، فيما عيّن لاحقا عضوًا في لجنة الدستور الأردني.

سيرة الجَلَدِ والصبر

كان منزل ( الاعكيش ) يومياً لا يخلو من الأصدقاء والأقارب والمحبين حيث يلعبون الشطرنج والنرد وتقام الحلقات النقاشية والشعرية بينهم محولا له لصالون أدبي ثقافي ترفيهي دائم، وفي ذات يوم وفي إحدى الجمعات في منزله مات أحد أطفاله وما كان من عبدالله العكشة إلاّ أن حبس أنفاسه وآلامه بالصبر والكتمان، ونبه أهله بأنه لا يريد أن يسمع صوت بكاء أو صراخ إلى أن يخرج الضيوف مكرّمين من منزله، وفي اليوم الذي تلاه سمع الناس بوفاة ابنه فقاموا بتعزيته بمصابه، وسألوه متى توفي فقال لهم : “عندما كنتم في منزلي ” فتعجب القوم من تحمله المصائب والشدائد ومن جلده وقوة احتماله، ومن اصراره على أن لا يعكر صفو ضيوفه.

كان الراحل البطل عبدالله العكشة ومن هول ما مرّت عليه في حياته من ملمات جلدا صبورًا لا يبكي ميتا، مع أنه في ذات الوقت كان رقيق العاطفة سريعا إلى النجدة، والسبب في أنه لا يقبل أن يحد على ميت، اعتقاده أن ذلك نوع من الاحتجاج على الباري. وأنه من المظاهر الكاذبة، التي لا ترد فائتا!

وفي عام 1922 وبينما كان أهل بيته يعدون العدة لزواجه جائه خبر مقتل ابنه البكر – وكان يبلغ الثامنة عشر من عمره –  في الحقل قبل عيد الفصح بأيام، ولكنه لم يقم بالحداد، فقام بتقديم الحلوى للمعايدين والمعزين حيث بعث له الشاعر سالم القنصل قصيدة يقول بها :

يا صاحبي بَلواكْ ما تِقبلَ الطبّ،            أما انت رجَّالا ترى الصبر بالله!

اللي جرى هذا سماحا ً امن الرب،           يا ربْ صبر أيوب عَ مِثلِ بَلواه،

حزنك شريك اللي تِضَحَّى عن الحبّ،      الخلّ والممزوجّ مَنْ هُوْ تِسقَّاه؟

يا ليت إنْ وَاكِدْ خبركم إمكَذِّبْ،              يا ربعي ، يا بلواي من عظم بَلواه!

إبراي اني دفنتِ اغلام يلقع على القلب،    من عظم حزن اصويحبي كِنْ عزيناه!

يَدوم راسك والقرايب والاصحاب،          عَسَى الفقيد الجنَّة الخلِدْ ماواه!

فرد العكشة على صديقه القنصل قائلا  :

الموت حق فرض واجب علينا ،            من خِلقت الدنيا على الكل محتومْ!

الحمدالله على متا دز لينا،                    امْرُهْ امْطَاعْ اوْ نِشِكَر هَدايمَ الدومْ!

اغفر لنا يارب عَمَّا جنينا                      وِالطُف لنا يا راحما ً كل مَظلومْ

وصمَتَ القلم 

بقي الشاعر عبدالله العكشة يزاول  مهنة المحاماة الى أن تقاعد سنة 1952، وبعدها بقي يمارس الزراعة ومطالعة الكتب وكتابة الشعر، إلى أن توفاه الله بتاريخ 7 شباط 1956.

عاش الشاعر والمحامي مكافحاً بحبه لوطنه والنضال لاستقلاله ومدافعا عنه ضد كل ما يمسه . وسيبقى هذا الشاعر البطل علماً من أعلام هذا الوطن ولتكن قصائده ديوانا في قصص البطولة والفداء في وجه المحتلين وراياتهم.

المراجع :

  • المرحوم الشاعر عبدالله العكشة ، معلمة للتراث الاردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، 2012.
  • عرس البويضا، فريد العكشة، وزارة الثقافة،2011.
  • ألفاظ وأشعار كركية، فرّاس دميثان المجالي، مطبعة السفير، 2009.
  • الشاعر الشعبي عبدالله العكشة ( عرار الجنوب ) ، الغد، 2006.

شاعر الهيّة – عبدالله العكشة

مناسبة القصيدة

لم يكتف الشاعر عبدالله العكشة بقصيدة واحدة وهو في منفاه اذ كان سلاحه الوحيد في وجه المحتل العثماني شعره النبطي الأردني فقام بكتابة قصيدة أخرى وهو في منفاه القسري في قوزان يتشوق الى جبال الكرك وأهلها، متأملاً العودة الى أرض الوطن، راثيا فيها رفيقه الشيخ البطل قدر المجالي بعد وصول نبأ اغتياله من العثمانيين إليه .

عبد الله العكشه

َقال الاعكيش إوْ في بلاياهْ غَلبانْ                              صَبراًعلى حكم العَلي في براياه(1)

طَلَّيما  مِن روسَ المشاريفْ شفَقــــــتان                 رُوسَ النِّوابـــــــــــي لِلامْشقَّاهْ ، مِقواه(2)

شِفتَ الاِقلاعِ اللِّي على رَاسْ قَوزَانْ                                     مِن عَهدِ جدَّ الاوَّليَّنْ مبناه(3)

شِفتَ الاجيال اللِّى بَهَا الهيــــــــــــــش كثبانْ                           غابتْ مِربي لَلضوارِي اوْ مِخباه(4)

شِفْتَ الاِحقولْ امْرُوجْ سَهْلهِ سِمَهْـــدانْ                                 إتْروُحْ فيها الفِدِن تيجي امتالاه(5)

شِفْت الاِكروم وَالبسَاتين وِاجنان                                      إثْمارْها وِاشجارها ، واحلالاهْ(6)

كِلَّه مناظِر لَلِنّواظرْ وَالاعيانْ                                          زَيناتْ إوْ لهيلَ الاِ بلادْ تِسلاه(7)

إبْلاذْ  لو هِي جَنِّةً عِفْتَها اذْلانْ                                      أبغى مَقَرَّ الجدّ يا احليـــل سكناه(8)

لو هي صِفَا اوْ صَعْنُونْ ما بِيه عِمَــــــرانْ                    إو لَو هِي خَراب امن المزابل حَلاَياه(9)

وَيْنَ ( الكرك ) وِاجْبَالْها، وين (شِيْحَانْ)؟                         وين الاِقْنان اللِّي بها الميْس مغواه (10)

   وَيْنْ ( القَصِر ) يا عَين و ( اتْلاعْ و سلمان )                             ( الرَّبَّة ) الله عَزَّها نايف الجاه(11)

وَينَ الاِقـــــــرومَ اللِّي على الخيل فرسان؟                      صُورَ ( الكرك ) لَن شَرَّفوا ما تغشَّاه(12)

إخـــــوات ( خضْرا ) مِرويناً شِفا الزان                            اليا صار باِطرافَ الدِّبايلِ امنَا خَاه(13)

حِنَّا لِكُم عِزّاً ، وانتم لنا شَانْ                                         واجْدُودكُم لاجْدودنا صُورْ مِرجَاه(14)

حِنَّا وايَّاكم ابْنعِمْةً  قبل ذِلْوانْ                                              إنتم فزعتنا ، إوْ حنا لكم جاه.(15)

صِبْيَان حِلَّسْ بالمجالس لَهَم شَانْ                                وابْجَالَ البِداوي ارْجال ، صَلْفيين وِامضَاه(16)

حتى العمـــــاوى قال من ذْلِوانْ                                    جَمْعَ النّصارى بَيرقَ الحـــــربِ تَلقَاه(17)

 وَجْدِي على ( قـــــــــــدر ) الكرك يَومَ الاِمحان                       قَلعَةْ حَصينه او نَايِفه ابْراسْ مِعصَاه(19)

يبكي عليه امْنَ الدِّواوير سِلْفَانْ                                               هَدَّت صَهَاوِيْها عَلى شَانِ فِرقاه(20)

  تبكي عَليه البيِض ، بادموع غِدران                                         عَولاْتْ كْن سُوَّنْ على البيتْ مِنْعَاهْ(21)

 مسكين يا اللي باجالنا صار بَجْخان                                        بَالبدودِقَة  يصِفُّوا الذهب من دناياه(22)

إصبر  وَالين الصَّبرْ فَراجَ الاحزانْ                                      كم شِدّة ياتي فرجها امْنَ الله(23)

لا بِدَّ ما انْعُودَ الكرك وَايَّ الاوطانْ                                 وِاحاسبْ هَيلَ الدَّين إو نعطيهم اياه(24)

شرح الأبيات

(1). قال الاعكيش ( عبداالله العكشة ) وهو حائر في مصائبه ، اصبر على حكم الله في خلائفه .

      غلبان والجمع غلبانين ، وغلابى : حائر لا يدري ما يصنع ، وتطلق على الفقير المعدم .

(2). أشرفت من رؤوس الجبال . مشفقا ً : شديد الشوق ، لأن رؤوس المرتفعات تقوي عزائم الأشقياء

طليت : أشرفت ، وهي بدلا ً من أطلَّ،  شفقان : مشفق متلهف،  النوابي : جمع نباة وهي المرتفع .

(3). رأيت القلاع التي على جبال القفقاس التي بنيت في عهد أجدادهم الأولين.

(4). رأيت الجبال التي تكسوها الغابات كأنها الكثبان . وفي هذه الغابات تعيش الضواري وهي مخابئ لها، الهيش أو الهيشة : يعنون بها الغابة الكثيفة .

(5). شاهدت الحقول مروجا ً سهلة تحرثها الأبقار جيئة وذهابا ً متتالية .

سمهدان : لا أثر فيها لارتفاع أو انخفاض أو حجر تعثر به القدم . تروح أزواج البقر للحراثة وتجيء متتالية .

(6). شاهدت الكروم والبساتين والجنائن وما أحلى أثمارها وأشجارها .

(7). كلها مناظر تسحر الأنظار جميلة وهي سلوى لأهل البلاد .

(8). لو كانت هذه البلاد جنة عافتها نفسي لأنس الآن أريد مقر أجدادي ، يا ما أحلى سكناها!

 إذلان : أصلها هذا الأوان / يا احليل : ما أحلى.

(9). لو كانت بلادي صفاة صلدة لا تعرف الابتسام ، ليس فيها أثر للعمران ، لو أنها خراب  .

 صعْنُون : لا تنبت شيئا ً ، والأصل فيها الوجه الذي لا يعرف الإشراقة والثغر الذي لا يعرف الابتسامة/المزابل حلاياه : ايجملها إلا المزابل ! إن كان في المزابل ما يجمّل .

(10). أين الكرك وجبالها أين جبل (شيحان) أين المرتفعات التي من أشجارها الميس الذي يقتات بثمرها الجائع!

(11). أين القصر وتلاع سلمان والربة التي كرمها الله .

(12). أين الأبطال فرسان الخيل حماة الكرك الذين إذا حضروا كانوا بمنزلة سور لها لا يجرؤ أحد أن يغشاها.

 الاقروم : جمع قوم وهو السيد العظيم ، وقد وردت في اللغة بهذا المعنى .

(13). المجالية الذين يروون الرماح من دماء الأعداء إذا صار الغزاة يستنهض بعضهم همة بعض بقوله : (فعلك يا أخو فلانة!) – أي أرني شجاعتك – في مؤخرة قطعان الإبل والخيل المحاربة ، إخوات خضرا : نخوة المجالي وبها تُستثار حميتهم، الدبايل : الخيل الكثيرة وفي المعركة .

(14). نحن عِز لكم وأنتم مجد لنا وأجدادكم لأجدادنا حماية ومرتجى .

(15). نحن وأنتم بنعمة قبل هذا الزمان أنتم تدافعون عنا ونحن مجد لكم .

       فزعتنا : الذين يساعدوننا في الملمات . وفزع له : انتصر له – وهو فزعته : هو نصيره . وفي اللغة فلان فزعة للناس : نصير لهم .

(16). صبيان حِلّس : كناية عن عشائر الكرك الأردنية المسيحية، لأن هذه هي نخوتهم ، لهم قيمة عظيمة في المجالس المهمة  .

صلفين وامضاه : أشداء شجعان .

(17) حتى شاعر الكرك الكبير (العماوي) قال عليهم قبل هذا الزمن : (محاربو وفرسان عشائر الكرك المسيحية تجدهم لواءً مظفرا ً في الحرب ) . يبرق الحرب : أشهر المحاربين .

والعماوي : شاعر مشهور في الكرك وفي كل الديار الأردنية ، له في مدح العشائر المسيحية الأردنية قصائد عامرة .

( 18 ) . بيت محذوف .

(19). حزني الشديد على (قدر) قدر الكرك عند الاختبار والمحن قلعة حصينة في مرتقى عالٍ مقام للعصيان.

       (قَدِر) هو (قدر المجالي) زعيم الكرك وقائد ثورة الهية سنة 1910 ، اغتاله والي دمشق العثماني بالسم عقابا له على مواجهته للعثمانيين ومنعا له من الانضمام للثورة العربية الكبرى . وقد كانوا يسمونه (علي) اسما ً حركيا ً ليردوا عنه العين الشريرة الحاسدة وليخفونه عن أعين جواسيس القادة الأتراك.

(20). تبكي لفقده سلفان لا تحصى ، هدمت بيوتها حزنا ً لفراقه .

(21). تبكي على (قدر) النساء ، ويكنون عنهم بـ(البيض) الواحدة بيضا ، قالوا :

      “أَلنِّسوان ما حَبَّين بَيْضا ً غَريرة       والرجال ما ايحِبُّون رَجَّالْ شِجيْعْ” .

     ويبكين بدموع غزرة تشبه الغدران ، معولات : الاعوال هو المدعو (المَعَيِدْ) ، وهو تعداد حسنات الميت تردده النساء واقفات ، ولا يجوز أن يقام المعيد إلا على زعيم أو من هو في منزلة الزعيم ، وقد حولن البيت إلى منعاة أي مأتما ً .

(22). مسكين أيها الشامت بنا – بَجْخَان : معناها في الأصل مفتخر متكبّر ، لكنها هنا تعني الشامت . لقد فقد عزا ً له بالبوطق – التي يدعونها – وهما ً – البودقة ! …

(23). يخاطب نفسه في حيرة ، قائلا ً : اصبر لأن الصبر هو الذي يفرج الاحزان ، وكم غمة جاء فرجها من الله مع الصبر .

(24). لا بد من أن نعود إلى الكرك ، ونحل في أوطاننا ونحاسب كل من أساءوا إلينا بالذي أساءوا به ونرد لكل مسيء ديونه كما يستحق !

المصادر:

  • المرحوم الشاعر عبدالله العكشة ، معلمة للتراث الاردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، 2012.
  • عرس البويضا، فريد العكشة، وزارة الثقافة،2011.

قصيدة عبدالله العكشة الثانية من منفاه

Scroll to top