معان – بسطة – المريغة – دلاغة 

مقدمة

من المعروف بأن معان كانت مركز بوصلة حركة جيوش الثورة باتجاه الأهداف العسكرية شمالا نحو الجردون وعنيزة، وشرقا باتجاه الجفر، وغربا ً باتجاه وادي موسى وبسطة ووهيدة . ونبحث في هذا المسار الذي يبدأ في معان باتجاه بسطة وهي التي امتازت بموقع حصين مرتفع لا زالت آثاره مائلة للآن، ونحو المريغة باتجاه رأس النقب وهي منعطف هام ونحو دلاغة الأرض المنخفضة ذات الينابيع والأشجار، وفي المسارات السابقة بحثنا في معان وهنا نتناول مواقع بقية هذا المسار وهي منطقة القتال في غرب معان ذات الأرض الحيوية التي لها قيمتها العسكرية آنذاك.

وتظهر معان المدينة بوضوح خاصة من مناطق بسطة وايل وهذا يؤمن السيطرة والمراقبة المستمرة للمدينة ولخط سكة حديد القطار العسكري العثماني المار إلى الشمال منها .

وقد أثرت منطقة غرب معان بشكل واضح على مجرى العمليات العسكرية للثورة العربية الكبرى من حيث :

  • توفير المراقبة الدائمة والاستطلاع لمعان ذاتها وما حولها في ظل وجود حامية عثمانية كبيرة جدا إضافة إلى القيادات العسكرية الألمانية و النمساوية.
  • كانت المنطقة الغربية بمثابة منطقة حجاب ووقاية وخط دفاع متقدم من جهة الغرب حيت سلسلة من المعسكرات التركية وأماكن المستودعات والتخزين، ولذا جاء تحرير قوات الثورة لها بمثابة تضييق الخناق على القوات العثمانية و حلفائها وفقدت بذلك حرية المناورة وخسرت أرضا دفاعية حيوية بالنسبة لها وأصبحت هذه الأرض مصدر تهديد مستمر لها .
  • حقق جيش الثورة بالسيطرة على المنطقة الغربية الاتصال مع قوات الحلفاء في الغرب، وأمّنوا طريق الاندفاع شمالا نحو الشوبك ووادي موسى فأكملوا السيطرة على الأرض هناك واصبح الحصار الذي فرضته قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية على شكل فكي كماشة تنفتح فقط في جهة الشمال من معان .
  • تحقيق الاتصال مع باقي العشائر الأردنية ونشر فكرة الثورة وأهدافها بينهم ما زاد من عدد المتطوعين في قوات الثورة العربية الكبرى .
  • حصول قوات الثورة على مصادر مياه جديدة في اوهيدة ودلاغة وحرمان القوات العثمانية منها، إضافة للحصول على مصادر تموين محلية جيدة في المنطقة .

       وفي هذا البحث نبحث العمليات العسكرية في هذه المنطقة إضافة للبحث في قيمتها العسكرية وهذه المواقع الاربعة هي اوهيدة – بسطة – المريغة – دلاغة توجد في دائرة أحداث واحدة فهي متقاربة وتتبادل التأثير بينها، وتميزت المريغة تحديدا بأهمية اكبر كونها مفتاح وادي أبي اللسن وتقع على طريق معان باتجاه وادي اليتم قبل المرور برأس النقب .

 بسطة

     تتميز بسطة بأنها احتوت أشهر موقع وحصن عسكري تركي حول معان، حيث تقع  إلى الغرب من معان “20 كلم ” ويكاد لا يوجد أي عائق أرضي أو مرتفع ما بين معان وبسطة، فالواقف فوق مرتفع بسطة ويتجه بنظره حول الشرق فإنه يكاد يكشف المنطقة بأسرها حتى معان ومثلها الى إلجنوب إضافة الى سيطرته على الطريق المؤدية إلى وادي موسى والراجف والطيبة شمالا وإلى اوهيدة ورأس النقب جنوبا .
واختيار بسطة (1600 متر فوق سطح البحر) كموقع عسكري إنما جاء لوجود مصدر مياه ومراقبته الواسعة البعيدة المدى وسيطرته على عقد مواصلات، والمعسكر التركي كان يقبع على رأس الجبل الذي يشرف تماما على القرية الحالية حيث تسكنها عشيرة النعيمات التي شارك فرسانها في الثورة العربية الكبرى و ساهموا في تحقيق عدد من الانتصارات المهمة و تحديدا في معركة الكوبانية الحمراء .

وفي منطقة المعسكر التركي فوق جبل بسيطة بقايا بناء غرف وآثار مرابط خيول وفى التل المقابل توجد مواقع تخزين ذخيرة للعثمانيون كان الاهالي حتى وقت قريب يحذرون بعضهم من القنابل العمياء الموجودة في بعض كهوف هذا التل و التي خلفها العثمانيون بعد دحرهم عن الأرض الأردنية .

       ولا يوجد ذكر لعمليات عسكرية معينة جرت في بسطة ربما لكون الموقع صعبًا جغرافيا ومسيطرًا تماما، لكن الثابت أن القوات العثمانية أخلت المواقع في بسطة بعد هزائمها في المناطق المحيطة، ولا يوجد تحديد لموعد الإخلاء وعلى ما يذكر أن قوات الثورة طاردت القوات التركية بعد معركة وادي موسى حتى بسطة، ويذكر الأمير زيد بن الحسين في يومياته أنه وصل إلى أبي اللسن وبسطه في 14 كانون الثاني 1918، وقد ضمنها الأمير زيد خطته المقبلة بعد تحرير الطفيلة فقد اختيرت بسطة لتكون مركز تجمع لقوات الثورة العربية الكبرى لتنفيذ عمليات قطع الإمداد عن القوات العثمانية و حلفائها المتحصنة في معان عبر تعطيل سكة حديد القطار العسكري العثماني، تمهيداً لتنفيذ خطة الهجوم على الحامية العثمانية في معان والتي ابتدأت في أوائل نيسان .

المريغة
المريغة هي منطقة صحراوية يخترقها وادي أبي اللسن من الشمال ليتجه جنوبا، تقع على بعد 24 كلم جنوب معان وهي في موقع متوسط حيث كان لها دور في كل العمليات العسكرية التي حدثت في المنطقة، فهي لا تبعد أكثر من عشر كيلومترات عن معارك تلول السمنات وأقل من خمسة كيلومترات عما جرى في الفويلي وأبي اللسن وحوالي تسعة كيلومترات من الوهيدة شمالا .
وقد شهدت المريغة مطاردة فلول القوات العثمانية بعد هزيمتها في أبي اللسن عندما هاجمتها قوات الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف ناصر بن علي و الشيخ البطل عودة أبو تايه وهي في طريقها الى العقبة في 4 تموز 1917 .

278jpg
من الشمال إلى اليمين : الأمير زيد بن الحسين ؛ الأمير فيصل بن الحسين ؛ و ووجهاء عشائر أردنية في أبو اللسن

 وكما ذكرنا فان المريغة بقيت منطقة مرور ولم تستطع أي من القوات أن تسيطر عليها فهي ذات أهمية للجميع والذي يريد أن يسكنها فإن عليه ان يكون مستعدا لتضحيات جسام وقد حصل في النصف الثاني من شهر كانون الثاني 1918 معركة وادي موسى التي انتصرت بها قوات الثورة وطاردوا العثمانيين حتى عين بسطة وبعدها قام الضباط الأتراك بإعادة تنظيم قواتهم في المريغة، وقد استمرت في تمركزها لفترة في المريغة لتلحق بعدها بالموقع الرئيسي في معان .

دلاغة

       دلاغة قرية صغيرة وادعة تقع على بعد 32 كلم  الى الغرب مع الانحراف جنوبا عن معان حيث تنعطف الطريق الخاصة بها وتتفرع عن طريق الراجف انحدارا نحو الجنوب عبر مضيق في فم واد ليمر في منطقة الرسيس أولا، ثم وصولا الى دلاغة في قاع الوادي ، والرسيس هذه هي مفتاح دلاغة وبداية الدخول إلى منطقتها حيث تبعد دلاغة عنها حوالي 3 كلم .
و تشتهر دلاغة بمائها وخضرتها وبساتينها، وهي تتميز بحماية طبيعية خاصة جعلتها تكون موضع اهتمام من العسكريين لذا اتخذها العثمانيون مقرًا عسكريًا فهي تقع في منطقة متوسطة تستطيع أن تسند مواقع بسطة و معان ومنها يكون الاندفاع إلى رأس النقب.

      ويؤكد المؤرخون أنها كانت معسكرا عثمانيا، وقد أخلاها الأتراك ونقلوا قواتهم إلى مواقع معان وبسطه لتقصير خطوط  الامداد وتركيز دفاعهم بعد أن سيطرت قوات الثورة على أبي اللسن ومخفر الفويلي والمريغة ومن هنا أدرك العثمانيون ان استمرارهم في البقاء في هذا الموقع يعني عزلهم وسهولة وقوعهم في قبضة أية قوات تهاجم مواقعهم .

        وقد أورد مصطفى طلاس في كتابه الثورة العربية الكبرى أن كتيبة تركية قد شنت هجوما على مواقع قوات الثورة في دلاغة ولكنها اضطرت إلى التراجع بعد معركة عنيفة حدثت في خريف عام 1917 م، وفي موقع اخر من الكتاب ذكر طلاس أن جبهة الجيش الشمالي للثورة تمتد من العقبة إلى القويرة إلى دلاغة ثم وادي موسى ولقد كانت دلاغة مقرا لمفرزة من الفرقة الثانية لقوات الثورة بقيادة مولود مخلص عندما أعيد تنظيم جيش الثورة في عام 1918، حيث تركزت بقية قطاعات الفرقة في وادي موسى بينما كانت غرندل مقرا لقيادة الفرقة .

  لم تتناول المراجع دلاغة بشكل تفصيلي لكن بعد اخلاء الأتراك لها، تمركزت قوات الثورة فيها وسيطروا على عين الماء،  وفيها حدثت مناوشات بين القوات العثمانية و جيش الثورة؛ يشير اليها سليمان الموسى ومنيب الماضي في كتابهما تاريخ الاردن بين الماضي والحاضر اذ يرد ما نصه ( وقد حدت مناوشات بين الاتراك وبين الثوّار المتمركزين في دلاغة فصدّوا الأتراك وكبّدوهم بعض الخسائر ).

وكان فرسان عشيرة الزوايدة في دلاغة قد شاركوا ببسالة في معارك الثورة العربية الكبرى، نذكر منهم الشيخ (عواد سلامة الزوايدة ) الذي ذكر شارك في عمليات الثورة العربية الكبرى وعمره لما يتجاوز الـ 17 عاما، وقام ابن عمه (سويلم علي الزوايدة) بعملية بطولية عندما قتل طاقم المدفع التركي الذي كان متمركزا الى الغرب من دلاغة .

 ومن الشعر الذي قيل إبان الثورة و معاركها وكان يذكره الشيخ عواد الزوايدة، شعر (حداء) جاء فيه :

يا هويمل شوشح بالمنديل

يا ويحي (ياويلي) فازعنا قليل

وان لقو صعول (جماعات) الرجاجيل

من عثامنه عاركيبات

جونه (اي جاءنا) صربة مقرد

والكل رأسه مجرد

هذول عيال السعيدي

معهم عصملي (بندقية) جديدي

واحسب قبيلهم موات


المراجع :

  1. الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر،2011 .
  2. التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  3. الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  4. الثوره العربية الكبرى، مصطفى طلاس، مجلة الفكر العسكري، 1978

 

المسار الخامس عشر لمعارك التحرير

عنيزة – خربة الدوشك – سهل الفجيع – الشوبك – راس الحديد حوالة

مقدمة 

 يتجه هذا المسار غربا باتجاه الشوبك، وتعتبر عنيزة القلب بالنسبة للمنطقة الممتدة من معان وحتى جرف الدراويش وتنبع أهمية هذا المسار من حيويته وكثافة الغابات الحرجية وكونه مصدراً هاماً للأخشاب التي استغلها الاحتلال العثماني بشكل جائر ما سبب ضررا بالغ الأثر في النظام البيئي للمنطقة ككل ما زالت آثاره قائمة حتى اليوم، حيث قام بتقطيعها لغايات بناء خط سكة القطار العسكري و انتاج الفحم لتشغيل القطار أثناء حملاته على العشائر الأردنية خلال الثورات الوسطى و الثورة العربية الكبرى، ما استدعاهم أيضا لبناء خط سكة حديد فرعي يبدأ من عنيزة ويصل إلى حوالة .

خربة الدوشك

 يبلغ طول خط سكة الحديد الفرعي الممتد من عنيزة إلى الشوبك ثم إلى حوالة حوالي 31 كلم ، والخط يسير فى منطقة أشجار كثيفة، حيث جاء بناء الخط كما أسلفنا لتسهيل عملية نقل الأخشاب من الغابات بعد تقطيع الاشجار الحرجية إلى المحطة الرئيسية ، واستخدمت الأخشاب في فترات مختلفة لغايتين رئيسيتين :

أولا : لاستخدامها كوقود في القطارات البخارية على طول خط القار العسكري العثماني .

ثانيا : لاستخدامها في تجديد وتصليح خط سكة القطار العسكري بعد عمليات تعطيله من قبل فرسان العشائر الأردنية .

      وبعد مسير حوالي 17 كلم من محطة عنيزة باتجاه الغرب فاننا نلاحظ حصن عسكري بناه العثمانيون للسيطرة على المنطقة، هذا الحصن هو حصن الدوشك ، وهو يتألف من بنائين اثنين منهدمين والمسافة بينهما حوالي 10 امتار، والبناء على شكل عقدات منحنية وهي مغلقة بدون نوافذ بدليل أن هذين البنائين تم استخدامهما كسجن للثوّار الأردنيين و مستودعات للسلاح و العتاد و المؤن.

    وللموقع أهمية اخرى لأنه يقع على الطريق المؤدي إلى الطفيلة عبر الرشادية وهي خط دفاع خلفي ثاني بالنسبة لموقع عنيزة وقلعتها، وتعتبر الدوشك أيضا مفتاح قلعة الشوبك التي تقع إلى الغرب منها بمسافة حوالي 5 كلم فقط وهي بمثابة محطة انذار أو موقع دفاعي متقدم لذا فإن اختيار هذا الموقع إنما جاء لاعتبارات عسكرية بحتة أملتها طبيعة المنطقة وتنظيمها وقرب خط سكة حديد القطار العسكري الرئيسي وقرب مصادر التزويد بالأخشاب من الهيشة والشوبك .

     والزائر لهذه المنطقة يقرأ تاريخا مميزا يمتزج في الأرض المعطاءة ويلتقي مع الحضارات العريقة فيها وكل أسماء القرى والمدن فيها . انما انبثقت من طبيعة الأرض) الشويك، نجل، الدباغات – لاستخراج الدباغ من شجر البلوط الذى تشتهر فيه هذه المنطقة )، وقد استغل العثمانيون هذه الخيرات وسخروها لخدمتهم و خدمة القطار العسكري  بعيدا عن جهود التنمية للمنطقة.

 معركة الدوشك 20 ايلول 1918

عندما جرد الأتراك والألمان والنمساويون حملتهم لاستعادة الطفيلة بل لاستعادة هيبة القوات التركية وحليفاتها في الأردن، وعندما شرعوا بتنفيذ عملياتهم بدءا من محطتي الحسا وجرف الدراويش باتجاه الغرب، اتبع جيش الثورة بقيادة الأمير زيد بن الحسين أسلوب القتال على خطوط الإعاقة لمواجهة هذه القوات الضخمة،  وقد ذكرنا ذلك فى الحديث عن هذه المعركة ونعيد التوضيح هنا للربط التاريخي تسلسل معارك ذلك الهجوم :

  1. قتال إعاقة لمدة يوم كامل فى 6 اذار 1918 في منطقة خربة التوانة .
  2. الحركة إلى خربة الحرير والقتال لبضع أيام في 7 / 3 / 1918 .
  3. الانتقال إلى جبل المصلى وخربة عابور والقتال بقية اليوم.
  4. الصمود في خربة العيص على مشارف الطفيلة لإتاحة الفرصة لأهل المدينة لإخلائها .
  5. التراجع جنوبا نحو الرشادية بعد أن حاول الاتراك قطع ومسك خطوط تراجع قوات الثورة .

 

133jpg
الأمير زيد بن الحسين مع عدد من الاشراف وضباط جيش الثورة على مدخل الشوبك 1918

 

سهل الفجيج

     الفجيج هي السهل الممتد من خربة الدوشك وحتى القادسية شمالا ومن ثم إلى مدخل نجل الشوبك غربا، وقد شهد هذا السهل مرور قوات الثورة العربية الكبرى من خلاله نحو الطفيلة وكذلك تراجع هذه القوات بعد معركة الطفيلة الثالثة الكبرى .


الشوبك

      يمر من الشوبك خط سكة القطار العسكري الفرعي القادم من عنيزة، وقد كان فيها محطة للحراسة، والشوبك تستند الى قلعة مونتريال أو ( قلعة الشوبك ) التي كان لها دور مؤثر في العمليات العسكرية للثورة العربية الكبرى  .

242jpg
الشريف ناصر و ضابط من مقاتلي الثورة في منطقة الشوبك 1918

 

 راس الحديد وحوالة

       اعتمدت القوات التركية وحلفائها الألمان و النمساويين في توزيع قواتهم على السيطرة على المواقع ذات الأهمية بالنسبة لخطوط الامداد والتزويد، واعتمدت سياسة بناء الطرق العسكرية ومد خط سكة القطار العسكري التى تخدم هدف الإدامة للقوات العثمانية المحتلة،  ومن هنا جاء بناء خط سكة الحديد فى عام 1914 مابين محطة عنيزة إلى منطقة الشوبك لينتهي خط السكة الى هذه المنطقة التي أطلق عليها اسم (رأس الحديد) أي رأس سكة الحديد، وهو آخر نقطة يصل اليها خط السكة حيث تبعد عن بلدة نجل  –مركز تجمع قرى وبلدات الشوبك – إلى جهة الجنوب بحوالي 8 كلم، وهو في المنطقة التي تعرف حاليا باسم ( حواله ) وكان في المنطقة محطة للاحتلال العثماني  وحولها مجموعة من المعسكرات وخطوط الدفاع العثمانية التي ما زالت آثارها ماثلة حتى اليوم .

راس الحديد – الهيشة 1918

 

وقد اكتسبت منطقة الشوبك أهمية خاصة خلال الحرب العالمية الأولى خلال عمليات الثورة العربية الكبرى وذلك لكونها :

أ . منطقة زراعية تنتج الحبوب والفواكة وتشكل مصدر تموين محلي جيد .

ب . منطقة غابات كثيفة توفر مصادر طاقة جيدة من أشجارها المتشابكة وحتى مركز المنطقة وهو نجل يشتهر بالنجيل الذي ينبت عندما تتوفر الماء بكافة.
ج . مصدر مياه وفير حيث تكثر الينابيع المختلفة في اراضيها .

د . اكتسبت المنطقة أهمية عسكرية تاريخية منذ القدم فإلى الشمال الشرقي من نجل تقوم قلعة الشوبك الشهيرة والتي كانت تعرف بمونتريال حيث استخدمها العثمانيون كحصن عسكري وسجن ومركز سيطرة لحماية خطوط مواصلاتهم وتعزيز حامياتهم على طول طريق القطار العسكري. .

 هـ .  تشكل الشوبك منطقة وصل واتصال بين الشمال حيث الطفيلة والجنوب حيث معسكرات بسطة وابو اللسن ووهيدة ، وبين الشرق حيث خط سكة حديد القطار العسكري ، والغرب حيث وادي عربه الذي يفصل مسرح عمليات الجيش البريطاني في الغرب عن منطقة عمليات القوات التركية والألمانية في الشرق .

 لهذه الاسباب جاء القرار العثماني العسكري المتأخر قليلا و غير المعني بتأهيل المنطقة بمد سكة الحديد من عنيزة شرقا وبطول حوالي 31 كلم .

والطريق المعبد المتفرع من الخط الصحراوي باتجاه الشوبك إنما يقوم حاليا فوق خط سكة الحديد ذاته، والذي بالكاد نستطيع التعرف على آثار منه من خلال نوع التربة والحصى المحيطة ولكن تظهر آثار هذه السكة  واضحة في نهايته عند حوالة ذاتها والتي يوجد فيها بقايا بركة مياه تركية يصعد منها للآن واجهة صغيرة حيث كان القطار العسكري يتزود منها .

244jpg
الأمير زيد بن الحسين محاطا بعدد من الضباط و مقاتلي الثورة في معسكرهم بالشوبك وتظهر في الصورة بيوت الشعر الخاصة بعدد من عشائر الشوبك التي رافقت جيوش الثورة و ساندتها في عمليات القتال ضد الاحتلال العثماني

 

    والمنطقة ما بين البقعة شمالا وحتى بير الدباغات جنوبا وهي بطول 8 كلم تقريبا ومن بير خداد شرقا وحتى ام جوزة غربا بطول 7 كلم تقريبا هي منطقة معسكرات عسكرية عثمانية تركية وحصون وخنادق متفرقة ، وحسب الاستطلاع الميداني للمنطقة من قبل المؤرخ الدكتور بكر خازر المجالي فإن المواقع التالية كانت ذات أهمية عسكرية خلال الثورة :

  • بقايا بركه المياه عند منطقة دوران القطار (التحويلة ) في حوالة ولم يبق من هذه البركة الا جدار صغير بارتفاع 1 متر وبطول 2,5  متر تقريبا .
  • بناء تركي مهدم كان يتألف من 8 غرف بعيداً عن رأس الحديد حوالي 650 مترا للجهة الشرقية الشمالية، حيث استخدم كمركز اداري ومعتقل للثوّار من فرسان العشائر الأردنية ضد الاحتلال العثماني  وفقا لما افاد به أحد سكان المنطقة هو السيد عبد السلام محمد المريحيل للدكور بكر المجالي والذي أعلمه أنه تم اعتقال والده في هذا الموقع من قبل القوات العثمانية .
  • مجموعة من التحصينات أمام هذا الموقع من جهته الشمالية وعددها خمسة وهي مستطيلة بطول حوالي 15 مترا لكل خندق منها .
  • وجود مجموعة التحصينات والخنادق في الجهة الشرقية من الحصن الأول وفي منطقة منخفضة قليلا باتجاه وادي أم اللويزات وتتألف من مجموعة من الخنادق المستطيلة ومجموعة من بقايا الغرف نستطيع من خلالها أن نقدر حجم القوات التركية التي كانت متواجدة فيها بكتيبة كاملة أي ما يقارب الـ (200) جندي و ضابط تركي .
247jpg
جعفر باشا ” العسكري” و الشريف ناصر في منطقة الشوبك

 

       والأثر الأكبر للوجود في هذه المنطقة والذي ما زال ماثلا بوضوح ليومنا هذا هو تلك الشجيرات المتناثرة هنا وهناك والتي تشهد على كثافة الغابات في المنطقة، والناظر إليها يسترجع في ذهنه شريطا مأساويا من الاعتداءات التركية على الطبيعة الأردنية التي أحالت الكثير من الأراضي إلى مساحات قاحلة تتناثر فيها بضع شجيرات على مسافات متباعدة .

      ومثلما لم تسلم الاشجار والغابات من الاعتداء العسكري التركي لم يسلم أيضا خط سكة حديد عنيزة – الشوبك، ففي عام 1918 وعندما تأثرت خطوط المواصلات التركية نتيجة نجاعة الضربات العسكرية الي وجهتها لها قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية واحكام سيطرتهم على المنطقة؛  لجأ الأتراك إلى هذا الخط لنزع قضبانه وخشباته في عام 1918 لترميم وتصليح خط معان – درعا لإدامة المسير عليه.

      وقد اختفى  خط عنيزة – الشوبك تماما والأثر الوحيد له كما ذكرنا هو آثار العدوان التركي على الثروة الحرجية وفراغ الأرض من الأشجار التى تم نقلها بعد تقطيعها عبر هذا الخط لاسناد عمليات الأتراك العسكرية .

 

 

المراجع :

  1. الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر،2011 .
  2. التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  3. الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.

المسار الرابع عشر لمعارك التحرير

طقوس مقدسة

4
صورة من كتاب قصة الخيول الأردنية العربية

تقدم طقوس بيع وشراء الخيول لدى الأردنيين حالة من الترف المعرفي والحضاري والإنساني الذي تناقلته الأجيال حتى وصل إلى حالة من الاكتمال في أدق التفاصيل، فيهتم السياق الناظم لهذا التبادل بوصف وقوننة وحفظ حقوق الأطراف بشكل سردي يحرص على أنسنة كل الأطراف بما فيها الفرس التي ستباع .

وللبيع تقاليد جمالية حرص الأردنيون على الالتزام بها حيث يشترط في بيع الفرس الأصيلة المعروضة للبيع أن يكون مع بائعها حجة تثبت نسبها، أو أن يكون هناك ثلاثة شهود عدول يشهدون أن هذه الفرس من السلالة الفلانية، وأنهم يعرفونها أولادا أتلادا من خيل العشيرة الفلانية .

ويبدأ البيع على هذا الوجه :

أ. يحضر الشاري وملء يده اليمنى قمحًا ويحاول أن لا يُسْقُط من القمح شيءٌ عند قبضه على ناصية الفرس التي يريد شراءها، وبعد أن يفعل ذلك يجيء الذي يريد بيع الفرس ويقبض على الناصية بيده فوق يد الشاري بحضور جمهور كريم .

ب. عندما يقول الشاري بحضور الشهود والجمهور : ( يا فلان أو يا أبو افلان بعتني الفرس الصقلاوية الصفرا – مثلا – بمبلغ مية نيرة مثلا إوْ أولة إوْ ثانية إتشهد على ثلاث أو تطلع على مية ) فيرد عليه : ( امباركة بعت واتكلت على الله ) .

   عندها يرد الشاري قائلا : ( أنا شريت واتكلت على الله ، لكن وش تطيب نفسك عنه قضب ناصية كرامة للخيل ؟)؛ فيرد البائع قائلا : ( أفوت خمس نيرات أو عشرة ) وذلك بحسب أريحيته وقدرته على التنازل و التفاوض؛ ويندر من الناس الذي يبيع بلا قضب ناصية  .

    والشروط يجب التقيد بها حرفيا، أما إن لم يشترط وقت الإشهاد مدة الرضاع،  فيصار إلى التقاليد القديمة؛ أي إن المثاني يشهد عليها بعد عشر ليالي، كما أن مدة الرضاع ثلاثون ليلة، وبعد أن تتم الصفقة، يتسلم الشاري الفرس ويبسط يده لتأكل ما فيه من القمح رمزًا إلى البركة التي تشير إليها هذه القبضة من القمح . وكل بيع للفرس الأصيل لا يتم على هذا الوجه يعد مطعونًا في صحته .

 

رموز بيع الخيل عند الأردنيين :

  • القمح يرمز الى البركة والنماء .
  • المحافظة على القمح خوف السقوط إشارة إلى الأمانة في المحافظة على قدسية الشركة ، وأن المثاني أمانة في يده .
  • قبض الشاري على ناصية الفرس عند أصولها ، ترمز إلى أن الشاري صار صاحب الحق في هذه الفرس .
  • قبض البائع على ما برز من يد الشاري من الناصية رمز إلى أن البائع تخلى عن حقه الأساسي بتلك الفرس ، وأن علاقتها به أو علاقته به لم تعد جذرية .

وهناك بيعان لا يليقان بالخيل الأصيلة عند الأردنيين  :

  • بيع المقلَفَعْ – وهو البيع الذي يخلو من هذه الشكليات ومن الرموز ؛ إذ ليس لبائع الفرس أولى ولا ثانية ولا قضب ناصية.
  • بيع المهلوبة – وهو بيع الفرس المريضة – على علاّتها – فلا يشترط فيه حضور شهود ، ولا شروط، ولا أولة ولا ثانية .

ومن أمثالهم في الأمور التي تجري بلا عناية قولهم :

  • بيع امقلفع:  “من قلفع الشيء” ، رماه من غير أن يلتفت إلى مكان سقوطه .
  • بيعة امْهلوبة ، امْهَلوبة من (الْهَلِبْ) وهو مرض يصيب الخيل ، فيتساقط شعره وقلما تعيش منه.

فبيع  الخيل الأردنية الأصيلة له تقاليد خاصة ، فالفرس الأصيلة – والأردنيون يقولون الأصيل، ويجمعون الكلمة على أصايل- لا تباع كما يباع غيرها من الدواب، فشاري الفرس ، يتعهد بأن يقدم لبائعها من نسلها :

  • المهرة الأولى ، ويسمونه الأوَّلة .
  • المهرة الثانية ، ويسمونها الثانية .

      ويطلق على هاتين المهرتين اسم المثاني،  ومن أمثلة الأردنيين في هذا السياق قولهم في وصف من يدّعي حقًا ليس له : ( هي اكحيلة ، وِالك فيه مِثاني؟ ).

ويشترطون :

  • أن تِشَهَّد على ثلاث، إوْ تِطلع على مِيّة .والمقصود أن يحضر المهر الذي ولدته الفرس التي اشتراها بعد ثلاث ليالي من الولادة أمام الحاضرين ويشهدهم أنّها ملك صاحب الفرس الذي اشتراها منه كما في الاتفاق والعرف الأردني، ثم يرعاه حتى مئة يوم ويذهب به إلى الرجل الذي باعه الفرس كما في العرف فأول ولادتين من نسل الفرس المباعة تبقى ملك للبائع وعليه يتم الاتفاق.
  • أن تردَّ او تُفيَّض وتسلم المهرة الجديدة إلى البائع في الوقت المعين، و إذا تهاون الشاري في ذلك ضمن كل خسارة .
  • بعد ولادة المهرة بثلاث ليال، يعرض مالك الفرس تلك المهرة وأمها على مجلس الرجال في الشق، ويقول اشهدوا ترى هذي أولة افلان، أو ثانية إفلان، وهي سليمة من كل أذية .
  • وعندما يبلغ عمر المهرة مائة ليلة يحضرها مرة ثانية ويقول : ( اشهدوا ترى هذي أولة افلان أو ثانية افلان)، وبعد ذلك يوصل المهرة الى صاحبها ، فيكرم عادة بذبيحة يسمونها ذبيحة التوريد .
  • وإذا أراد شاري الفرس أن يحتفظ بالمهرة الأولى أو الثانية ويقدم أمها بدلًا منها فياضة، فله الحق بذلك، على أن يشهد مجلس الرجال في عشيرته على عزمه ذلك بعد التشهيد الأول، أي بعد مضي ثلاث عشرة ليلة على ولادة المهرة، على شرط أن تكون المهرة وأمها سالمتين من كل مرض .
  • وإذا قرر الشاري أنه اختار المهرة الأولى – الأوّلة – بدلا من أمها، فإن بائع الفرس له الحق في المهرة الأولى التي – تنتجها تلك المهرة لإتمام المثاني، وبعد هذا الإشهاد الذي يسمونه التشهيد – فإذا ماتت الفرس التي خصصت بالبائع كان ذلك لسوء حظه، وليس له الحق بأن يطالب بتعويض . وإذا ماتت التي اختارها الشاري سقط حق البائع بالمطالبة بما بقي له من المثاني، أما إذا ماتت المهرة قبل أن يشهد الشاري عليها ، فإنّ حق البائع يظل ثابتا عند الشاري .
  • ولشدة احترامهم للشركة في الخيل، التي تشبه النسب عندهم، فإن المثاني توصل إلى أصحابها، ولو كان العداء مستحكمًا بين عشيرة البائع وعشيرة الشاري، وإن اتفق أن أحد الناس استغل العداء بين قبيلته وقبيلة شريكه ولم يوصل المثاني بآمن الطرق، عٌدّ بايقا والبوق هو من الخيانات الكبرى، أما إذا لم يتمكن الشريك من ايصال المثاني بسبب العداء المانع عن ذلك، فإن المثاني تبقى أمانة ينفق عليها الذي هي عنده إلى أن يتمكن من تسليمها له، وأن يرجع على شريكه بالنفقات، وأمانته مقبولة ، إلا إذا تجاوز الحدود المعقولة .

 

المراجع

  • روكس بن زائد العزيزي ، الخيل فـي حياة الأرادنة.
  • الأميرة عالية بنت الحسين وبيتر اوبتون، قصة الخيول الأردنية العربية،المدينة للنشر،2011
  • الملك عبدالله الأول بن الحسين، جواب السائل عن الخيل الأصائل، وزارة الثقافة، 2011.
  • بحث و تحقيق فريق عمل إرث الأردن – 2016

طقوس بيع الخيل عند الأردنيين

Scroll to top